دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

أحدهما : زمان حدوثه ، والآخر (١) : زمان حدوث الآخر ، وثبوته الذي (٢) يكون ظرفا للشك في أنه (٣) فيه أو قبله ، وحيث (٤) شك في أن أيّهما مقدم وأيّهما مؤخر ؛ لم يحرز (٥) اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، ومعه (٦) لا مجال للاستصحاب ، حيث (٧) لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا (٨) الشك من نقض اليقين بالشك.

______________________________________________________

وقوله : زمانان اسم «كان» ، وضمير «أحدهما» الأول راجع إلى الحادثين ، والثاني :

راجع إلى «زمانان» ، وضمير «حدوثه» راجع إلى «أحدهما».

(١) يعني : والزمان الآخر وهو يوم الاثنين في المثال زمان حدوث الحادث الآخر.

(٢) صفة ل «زمان حدوث الآخر» ، وهذا يبين زمان حدوث الآخر ، يعني : ذلك الزمان كيوم الاثنين في المثال يكون ظرفا للشك في أن الحادث الذي يراد استصحاب عدمه هل حدث في الزمان الثاني وهو يوم الاثنين ، أو في الزمان الأول وهو يوم الأحد؟

(٣) يعني : في أن الحادث المستصحب عدمه حدث في الزمان الآخر وهو يوم الاثنين ، أو في الزمان الذي قبله وهو يوم الأحد. فضمير «فيه» راجع إلى «الآخر» المراد به الزمان الآخر ، وكذا ضمير «قبله» المراد به «أحدهما» ، يعني : أحد الزمانين.

(٤) هذا تقريب إشكال عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين. وضمير «أيهما» في الموضعين راجع إلى الحادثين.

(٥) جواب «حيث» ، وقد عرفت تقريب عدم إحراز الاتصال المزبور مفصلا.

(٦) يعني : ومع عدم إحراز الاتصال المزبور لا مجال للاستصحاب.

(٧) تعليل لقوله : «لا مجال» ، وحاصله : أنه مع عدم إحراز الاتصال المزبور لا يجري الاستصحاب ؛ لعدم إحراز مصداقيته لعموم دليل الاستصحاب.

توضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٦٢١» ـ : أنه إذا فرض كون رجوع المرتهن عن الإذن يوم الأحد فلا مجال لاستصحابه يوم الاثنين ؛ لانتقاض اليقين بعدمه يوم السبت باليقين بحدوثه يوم الأحد ، فلا يصدق في يوم الاثنين نقض اليقين بالشك ، ومع احتمال عدم صدق نقض اليقين بالشك تكون الشبهة موضوعية ، ولا مجال للتمسك بالدليل مع الشك في موضوعه كما ثبت في محله.

وضمير «معه» راجع إلى ما يستفاد من العبارة من عدم إحراز الاتصال.

(٨) هذا ، وقوله : «عن اليقين» متعلقان ب «رفع» ، و «بعدم» متعلق ب «اليقين» والمراد بقوله : «بهذا الشك» هو الشك في التقدم والتأخر بالنسبة إلى حادث آخر ، وضمير ««حدوثه» راجع إلى الحادث المشكوك تقدمه على الآخر وتأخره عنه.

٤١

لا يقال (١) : لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين (٢) بذاك ...

______________________________________________________

قوله : «من نقض اليقين بالشك» خبر «كون» ، وحاصله : ما مر آنفا من أنه مع عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لا يحرز موضوع دليل الاستصحاب وهو نقض اليقين بالشك ؛ لاحتمال كون رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين باليقين الذي هو أجنبي عن موضوع الاستصحاب ، ومع هذا الاحتمال لا يصح التمسك بدليل الاستصحاب.

(١) غرض هذا القائل : دفع إشكال احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين وإثبات إحراز اتصالهما.

توضيحه : إن زمان الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر وتأخره عنه هو مجموع الزمانين اللذين هما في المثال يوما الأحد والاثنين ، ومن المعلوم : اتصال هذا المجموع بزمان اليقين بالعدم وهو يوم السبت.

وعليه : فشرط جريان الاستصحاب ـ وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين ـ محرز ، فلا إشكال في جريان الاستصحاب هنا من هذه الجهة وإن كان ساقطا في كلا الحادثين بالتعارض كما ذهب إليه الشيخ «قدس‌سره».

وبعبارة أخرى : كان يوم السبت ظرف اليقين بعدم كل من البيع ورجوع المرتهن ، ويوما الأحد والاثنين ظرف وجود الحادثين ؛ للعلم الإجمالي حسب الفرض بحدوثهما في اليومين ، والشك من يوم الأحد في انتقاض عدم كل منهما بالوجود للعلم الإجمالي بوجود أحدهما ؛ كالشك يوم الاثنين في تقدم حدوث أحدهما على الآخر ؛ لأنه ظرف العلم بوجودهما ، فالمكلف مع علمه الإجمالي بوجود أحدهما يوم الأحد لا يتيقن بعدمهما ولا بوجودهما فيه كما لا يقين بوجود أحدهما المعين فيه ؛ بل يشك فيه ؛ إذا لا يقين له يوم الأحد ببقاء العدمين ؛ لعلمه الإجمالي بوجود أحدهما ، كما لا يقين له بوجود أحدهما المعين ؛ لأن علمه بحدوث أحدهما إجمالي لا تفصيلي ، فيتعين بحسب البرهان أن يكون مبدأ شكه في حدوث كل منهما يوم الأحد ، وقد استمر هذا الشك إلى يوم الاثنين ، فالمستصحب الذي كان في قطعة من الزمان متيقنا قد صار مشكوكا فيه في قطعة أخرى من الزمان متصلة بالقطعة الأولى.

وحيث تحقق شرط جريان الاستصحاب ـ وهو إحراز اتصال المتيقن بالمشكوك ـ فالمقتضي لجريانه موجود ، وتصل النوبة إلى المانع أعني : المعارضة.

(٢) وهما في المثال المزبور يوما الأحد والاثنين كما مر آنفا.

٤٢

الآن (١) ، وهو (٢) بتمامه زمان الشك في حدوثه ؛ لاحتمال (٣) تأخره عن الآخر ، مثلا (٤) : إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة ، وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة أخرى بعدها (٥) ، وحدوث (٦) الآخر في ساعة ثالثة ؛ كان (٧) زمان الشك في حدوث كل منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما (٨) كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) وهو يوم السبت الذي هو زمان اليقين بعدم الحادثين.

(٢) أي : ومجموع الزمانين بتمامه ـ من مبدأه ومنتهاه ـ زمان الشك في حدوث الحادث المستصحب ، وضمير «حدوثه» راجع إلى الحادث.

(٣) تعليل لكون مجموع الزمانين بتمامه زمان الشك في حدوث الحادث المستصحب عدمه.

وحاصل التعليل كما مر بيانه : أنه لما كان حدوثه في كل من اليومين محتملا فلا محالة يكون مجموع الزمانين زمان الشك في حدوث الحادث الذي يستصحب عدمه.

(٤) قد عرفت توضيح هذا بما مر آنفا من التمثيل بالبيع ورجوع المرتهن عن الإذن فيه ، وفرض أزمنة ثلاثة لهما من أيام السبت والأحد والاثنين ، فإذا كان الأثر الشرعي مترتبا على البيع ظرف عدمه حال حدوث الحادث الآخر وهو رجوع المرتهن عن الإذن ، فإن كان زمان الرجوع يوم الأحد اتصل بزمان باليقين بعدم البيع وهو يوم السبت ، وإن كان يوم الاثنين انفصل عن يوم السبت الذي هو زمان اليقين بعدم البيع فلا يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

(٥) أي : بعد الساعة الأولى التي هي زمان اليقين بعدم كلا الحادثين ، فالساعة الثانية هي زمان العلم الإجمالي بحدوث أحدهما.

(٦) معطوف على «حدوث» ، يعني : وصار على يقين من حدوث الحادث الآخر في ساعة ثالثة ؛ لكن بلا تعيين المتقدم والمتأخر منهما كما هو مفروض البحث.

(٧) جواب «إذا كان» ، وحاصله : «أن مقتضى العلم الإجمالي بحدوث أحدهما في الساعة الثانية وحدوث الآخر في الساعة الثالثة هو كون زمان الشك في حدوث كل من الحادثين تمام الساعتين ؛ إذ لا يعلم تفصيلا زمان حدوثهما ، فلا محالة يصير مجموع الساعتين زمان الشك في حدوث كل منهما ، وهو كذلك كما يشهد به الوجدان ؛ لقيام احتمال حدوث كل منهما في كل واحدة من الساعتين.

(٨) حتى يشكل بعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

٤٣

فإنه يقال (١) : نعم (٢) ؛ ولكنه (٣) إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان. والمفروض (٤) : أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر ، وأنه حدث في زمان حدوثه وثبوته (٥) أو

______________________________________________________

(١) هذا جواب القائل المزبور : المدعي لاتصال زمان الشك بزمان اليقين.

وتوضيح هذا الجواب ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٦٢٤» ـ أن الأثر الشرعي إن كان مترتبا على عدم الحادث في زمان معلوم تفصيلي ؛ كعدم بيع الراهن يوم الاثنين فلا مانع حينئذ من استصحاب عدمه من يوم السبت الذي هو زمان اليقين بعدمه إلى يوم الاثنين ؛ لاتصال زمان اليقين بزمان الشك ، وأما إذا كان مترتبا على عدمه في زمان حدوث الآخر ـ الذي هو زمان إجمالي مردد بين زمانين كيومي الأحد والاثنين ـ فلا يجري فيه الاستصحاب ؛ لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين كما عرفت في مثال بيع الراهن ورجوع المرتهن عن الإذن ، حيث إن الرجوع إن كان يوم الأحد اتصل زمانه الذي هو زمان الشك في وقوع البيع بزمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت ، وإن كان يوم الاثنين انفصل عن يوم السبت ، فلم يحرز اتصال زمان اليقين بعدم البيع في زمان حدوث الرجوع عن الإذن بالشك فيه.

(٢) حاصله : إن اتصال مجموع الزمانين كيومي الأحد والاثنين بزمان اليقين وإن كان مسلما ، لكنه كذلك بلحاظ إضافة الحادث إلى أجزاء الزمان ، حيث إنه بهذا اللحاظ يتصل زمان الشك في كل من الحادثين بزمان اليقين بعدمه ؛ لوضوح : أن العلم الإجمالي بحدوث أحدهما يوم الأحد ـ في المثال المزبور ـ يوجب الشك في إن الحادث المعلوم إجمالا هو هذا أو ذاك ، وهذا الشك مستمر إلى يوم الاثنين الذي هو ظرف حدوث الآخر.

فالنتيجة : أن الشك في كل منهما متصل بيقينه.

وأما بلحاظ إضافته إلى حادث آخر : فاتصال زمان الشك في الحادث ـ الذي يكون في زمان عدم حدوث الآخر موضوعا للحكم ـ بزمان اليقين بعدمه غير محرز كما تقدم آنفا.

(٣) يعني : ولكن الاتصال الذي ادعاه هذا القائل إنما يكون بلحاظ إضافة الحادث إلى أجزاء الزمان ، والمفروض : إنه ليس كذلك ؛ إذ الملحوظ إضافة الحادث إلى حادث آخر.

(٤) الواو للحال ، يعني : والحال أن المفروض لحاظ الاتصال بالإضافة إلى حادث آخر ، وأنه حدث في زمان ثبوته أو قبله. وضمير «أنه» راجع على الاتصال ، وضميرا «إضافته ، أنه» راجعان إلى «الحادث» وقوله : «إذا كان» خبر «لكنه».

(٥) هذا الضمير وضمير «حدوثه» راجعان إلى «الآخر» ، والمراد بهذين اللفظين واحد

٤٤

قبله ، ولا شبهة أن زمان شكه بهذا اللحاظ (١) إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر (٢) وحدوثه لا الساعتين (٣).

فانقدح (٤) : أنه لا مورد هاهنا (٥) للاستصحاب ؛ لاختلال ...

______________________________________________________

وهو زمان وجوده. ولا يمكن إرادة المعنى الظاهر من زمان الحدوث وهو أن انتقاض العدم بالوجود ؛ وذلك لكون المفروض : عدم تقارن الحادثين في الوجود ؛ للعلم الإجمالي بتقدم أحدهما على الآخر ، فكأنه قيل : «وأنه حدث بعده أو قبله».

(١) أي : بلحاظ إضافة الحادث إلى الحادث الآخر ، لا بالإضافة إلى أجزاء الزمان.

وغرضه من قوله : «ولا شبهة» : بيان أن زمان الشك ليس مجموع الزمانين حتى يتصل بزمان اليقين كما يدعيه القائل المزبور ، وذلك لأن الشك بلحاظ الحادث الآخر من حيث التقدم والتأخر لا يحدث إلّا في الزمان الثاني كيوم الاثنين في المثال الذي هو ظرف تحقق الحادث الآخر ، بداهة : أن يوم الأحد الذي هو زمان حدوث أحد الحادثين لا يعقل فيه الشك في التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه ، وإنما يعقل ذلك بعد حدوثهما معا ، وليس زمان اليقين بثبوتهما إلّا يوم الاثنين ، فيحدث الشك في التقدم والتأخر يوم الاثنين لا قبله ، فيوم الاثنين بالخصوص زمان الشك في التقدم والتأخر لا مجموع يومي الأحد والاثنين.

وعليه : فإن كان زمان حدوث الحادث الذي يراد استصحابه يوم الأحد كان زمان شكه ـ وهو يوم الاثنين ـ منفصلا عن زمان اليقين بعدمه وهو يوم السبت.

وإن كان زمان حدوثه يوم الاثنين كان زمان شكه وهو هذا الزمان متصلا بزمان يقينه وهو يوم السبت ؛ لعدم تخلل يقين بالخلاف بينهما ، وحيث إن هذا الاتصال لا يحرز فلا يجري الاستصحاب في مجهولي التاريخ.

(٢) لما عرفت : من تقوّم الشك في تقدم حادث على آخر وتأخره عنه بوجود كلا الحادثين ، وهو منوط بمجيء الزمان الثاني الذي هو ظرف وجود الآخر.

(٣) يعني : لا مجموع الزمانين اللذين تحقق فيهما الحادثان كما هو مدعى القائل المزبور.

(٤) هذه نتيجة ما ذكره من عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وأن عدم جريان الاستصحاب هنا إنما هو لأجل اختلال شرطه وهو عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين. وضمير «أنه» للشأن.

(٥) أي : في الصورة الأخيرة وهي كون الأثر مترتبا على العدم المحمولي لأحدهما في زمان حدوث الآخر.

٤٥

أركانه (١) ؛ لا أنه (٢) مورده ، وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة (٣) كي يختص (٤) بما كان الأثر لعدم كل (٥) في زمان الآخر ، وإلّا (٦) كان الاستصحاب فيما له الأثر جاريا.

وأما (٧) لو علم بتاريخ أحدهما فلا يخلو ...

______________________________________________________

(١) الأولى إفراده بأن يقال : «ركنه» ؛ إذ لم يذكر في وجه عدم جريان الاستصحاب إلّا عدم إحراز الاتصال المزبور.

(٢) يعني : لا أن المقام مورد الاستصحاب ، وعدم جريانه فيه إنما هو لأجل المعارضة بجريانه في الحادث الآخر ، وضميرا «مورده ، جريانه» راجعان إلى «الاستصحاب» ، وضمير «هو» راجع إلى «عدم» ، و «عدم» معطوف على ضمير «أنه» ، أي : وأن «عدم جريانه إنما هو بالمعارضة».

(٣) يعني : بسبب المعارضة مع الاستصحاب الجاري في الحادث الآخر ، وهذا تعريض بما تقدم من كلام الشيخ عند شرح عبارة المصنف «قدس‌سره» : «وكذا فيما كان مترتبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا ، وإن كان على يقين منه» ، حيث إن الشيخ أجرى الاستصحاب فيهما وأسقطهما بالمانع وهو التعارض ، والمصنف لم يجرهما ؛ لفقدان الشرط وهو إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، ومن المعلوم : تقدم الشرط رتبة على المانع.

(٤) يعني : كي يختص عدم جريان الاستصحاب بسبب المعارضة بما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على عدم كل من الحادثين في زمان الآخر ، حيث إن الاستصحاب يجري فيهما ويسقط بالتعارض ؛ إذ لو كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما فقط في زمان الآخر جرى فيه الاستصحاب بلا مانع ؛ إذ لا أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارضه.

(٥) أي : كل من الحادثين في زمان الحادث الآخر ؛ كموت الأب والابن ، فإن لعدم موت كل منهما في زمان موت الآخر أثرا شرعيا وهو التوريث.

(٦) أي : وإن لم يكن الأثر لعدم كل منهما في زمان الآخر ؛ بأن كان الأثر لأحدهما دون الآخر كان الاستصحاب في الحادث الذي له الأثر جاريا ؛ لعدم معارض له حينئذ.

هذا تمام الكلام في المقام الأول المتكفل لمباحث مجهولي التاريخ. وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٧) هذا معادل لقوله : «فإن كانا مجهولي التاريخ» فالأولى أن يقال : «وإن كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله».

٤٦

أيضا (١) : إما أن يكون الأثر المهم مترتبا على الوجود الخاص من المقدم أو المؤخر أو المقارن (٢) فلا إشكال في استصحاب عدمه (٣) لو لا المعارضة (٤) باستصحاب العدم

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فقد أشار بهذه العبارة إلى المقام الثاني المتضمن لمباحث الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما ؛ كما إذا علم بتاريخ الموت وأنه يوم السبت ، وشك في تاريخ الإسلام وأنه يوم الجمعة أو يوم الأحد. ومحصله : أن ما تقدم في مجهولي التاريخ من الصور جار هنا ؛ لأن الأثر الشرعي تارة : يترتب على وجود أحدهما أو كليهما محموليا بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ، وأخرى : يترتب على اتصاف أحدهما أو كليهما بإحدى تلك الصفات بنحو الوجود النعتي ، وثالثة يترتب على عدم أحدهما في زمان الآخر بنحو العدم المحمولي ، ورابعة : يترتب على عدم أحدهما في زمان الآخر بنحو العدم النعتي ، فالصور أربع نتعرض لأحكامها عند تعرض المصنف «قدس‌سره» لها لزيادة التوضيح ؛ وإلّا فقد تقدم الكلام في أحكام هذه الصور تفصيلا.

(١) يعني : كمجهولي التاريخ ، فإن الصور المتصورة هناك تتصور هنا أيضا.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى وهي : كون الأثر الشرعي مترتبا على الوجود الخاص المحمولي الذي هو مفاد كان التامة ؛ كما إذا كان إرث الوارث من الميت المسلم مترتبا على إسلامه بوجوده الخاص ، وهو تقدمه على موت المورث ، حيث إن إرثه مترتب على إسلامه في زمان حياة المورث لا على إسلامه في زمان موت المورث ، فلا مانع من استصحاب عدمه إلى زمان موت المورث ؛ إذ المفروض : عدم أثر للحادث الآخر حتى يجري فيه الاستصحاب ويعارضه.

(٣) هذا إشارة إلى حكم الصورة الأولى. وهي : كون الأثر مترتبا على وجود أحد الحادثين محموليا بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن ، وحاصله : جريان استصحاب عدمه الخاص وإن كان تاريخ حدوثه معلوما ؛ إذ لا منافاة بين العلم بوجوده المطلق وعدم العلم بوجوده الخاص المسبوق بالعدم الذي هو مورد الاستصحاب كما مر في إسلام الوارث ، فإن المعلوم هو إسلام الوارث يوم الجمعة ، وأما وجود الإسلام قبل القسمة فغير معلوم ، ولا مانع من استصحاب عدمه ، وبه يرتفع موضوع الأثر ؛ لفرض موضوعية الوجود الخاص من الإسلام للأثر ، وباستصحاب الأزلي ينتفي موضوع الأثر.

وحيث كان المقتضي لجريان الأصل موجودا فلا بد أن يكون المانع منه هو المعارضة المتوقفة على كون الأثر للطرفين أو لوصفين في طرف واحد كما سيظهر.

(٤) هذا إشارة إلى كون الأثر مترتبا على وجود كل من الحادثين محموليا بنحو

٤٧

في طرف الآخر (١) أو طرفه (٢) كما تقدم (٣) ، وإما (٤) يكون مترتبا على ما إذا كان

______________________________________________________

خاص من التقدم والتأخر والتقارن ؛ كإسلام الوارث قبل القسمة والقسمة قبله ، حيث إن لكل منهما متقدما على الآخر أثرا شرعيا ، فإن الإسلام قبل القسمة يوجب إرث المسلم عن الميت المسلم منفردا إن لم يكن أحد في مرتبته ، ومشاركا إن كان وارث آخر في مرتبة وكذا القسمة قبل الإسلام ، فإنها توجب ملكية المقتسمين من دون مشاركة من يسلم معهم بعد القسمة ، فإنه يجري الاستصحاب في عدم الإسلام في الزمان الواقعي للقسمة وبالعكس ، ويسقط بالتعارض ؛ إذ المفروض : ترتب الأثر على وجود كل منهما متقدما على الآخر.

(١) يعني : في طرف الحادث الآخر كما عرفت في مثال الإسلام والقسمة.

(٢) معطوف على «طرف». وضميره راجع إلى «أحدهما» يعني : لو لا المعارضة باستصحاب العدم الجاري في الحادث الآخر ، أو الجاري في حادث واحد باعتبار ترتب الأثر على وجوده بنحوين من التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه ؛ بحيث يكون ذا أثر شرعي بكلا نحويه من التقدم والتأخر ، فالمراد معارضة استصحاب العدم في نحوين من أنحاء حادث واحد كالتقدم وضديه.

والأولى في إفادة هذا المعنى أن يقال : «لو لا المعارضة باستصحاب العدم في بعض أنحائه أو في الحادث الآخر».

وكيف كان ؛ فالاستصحاب يجري فيه ويسقط بالتعارض ؛ كملاقاة المتنجس للماء ، فإنها قبل الكرية تنجس الماء ، وبعدها تطهر المتنجس ، فالملاقاة بكلا وصفيها ـ وهما التقدم والتأخر ـ ذات أثر شرعي ، وهو انفعال الماء أو طهارة المتنجس. وعليه : فتعارض الاستصحابين يكون في صورتين :

إحداهما : ما إذا ترتب الأثر على وجود كل من الحادثين بنحو خاص.

ثانيتها : ما إذا ترتب الأثر على أكثر من وصف واحد من التقدم وأخويه في أحد الحادثين.

(٣) يعني : في مجهولي التاريخ حيث قال : «بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك ...» الخ.

(٤) معطوف على قوله : «إما أن يكون الأثر» ، والضمير المستتر في «يكون» راجع على الأثر ، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على وجود أحد الحادثين أو كليهما نعتيا كما هو مفاد كان الناقصة بنحو خاص من التقدم أو التأخر أو التقارن.

٤٨

متصفا بكذا (١) ، فلا مورد للاستصحاب أصلا لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه كما لا يخفى ؛ لعدم (٢) اليقين بالاتصاف به سابقا فيهما.

وإما (٣) يكون مترتبا على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر (٤) ، فاستصحاب العدم (٥) في مجهول التاريخ ...

______________________________________________________

(١) أي : التقدم وضديه ، وحكم هذه الصورة عدم جريان الاستصحاب فيها لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه ؛ لاختلال أوّل ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق في كليهما ، ضرورة : أنه ليس اتصافهما أو أحدهما بتلك الصفات متيقنا سابقا ، فإن الإسلام الموصوف بكونه قبل موت المورث ليس له حالة سابقة حتى يستصحب ، من غير فرق في ذلك بين معلوم التاريخ ومجهوله ، بداهة : أن العلم بحدوث معلوم التاريخ إنما هو بالنسبة إلى الزمان كيوم الجمعة ، وأما بالإضافة إلى تقدمه على الحادث الآخر فهو مشكوك فيه ولا يقين بذلك ، والمفروض : أنه هو الملحوظ هنا.

(٢) تعليل لقوله : «فلا مورد للاستصحاب أصلا» ، وقد عرفت توضيحه ، وضمير «به» راجع على «بكذا» المراد به أحد الأوصاف من التقدم والتأخر والتقارن ، وضمير «فيهما» راجع إلى مجهول التاريخ ومعلومه.

وبالجملة : فإذا علم بموت الأب يوم الجمعة ، ولم يعلم زمان موت الابن وأنه كان يوم الخميس أو يوم السبت ، والمفروض : أن موت كل منهما متصفا بتقدمه على موت الآخر مما يترتب عليه الأثر الشرعي ، وموت كل منهما بهذا الوصف ليس له حالة سابقة فلا يجري فيه الاستصحاب ، فعدم جريان الاستصحاب فيهما إنما هو لفقدان ركنه ؛ لا لوجود المانع وهو التعارض.

(٣) معطوف على «وإما يكون» ، وهو إشارة إلى الصورة الثالثة ، وهي كون الأثر الشرعي مترتبا على عدم أحد الحادثين محموليا الذي هو مفاد «ليس» التامة في الزمان الواقعي للآخر. وضمير «عدمه» راجع على «أحد الحادثين».

(٤) قيد لقوله : «عدمه» أي : عدم الكائن في زمان الحادث الآخر.

(٥) هذا إشارة إلى حكم الصورة الثالثة ، وهو جريان استصحاب العدم في مجهول التاريخ دون معلومه.

وأما جريانه في مجهول التاريخ : فلتحقق ركني الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق فيه ، مع وجود شرطه وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، مثلا : إذا كانت قسمة التركة يوم الأربعاء معدومة يقينا ، وشك في تحققها يوم الخميس أو يوم

٤٩

كان (١) جاريا لاتصال (٢) زمان شكه دون معلومه (٣) ؛ لانتفاء (٤) الشك فيه في زمان (٥) ، وإنما (٦) الشك فيه بإضافة زمانه إلى الآخر ، ...

______________________________________________________

الجمعة ، وعلم بوجود الإسلام يوم الجمعة وبعدمه قبله ، فحينئذ : يتصل زمان الشك في القسمة وهو يوم الخميس بزمان اليقين بعدمها أعني يوم الأربعاء ، فلا مانع من استصحاب عدمها إلى يوم الجمعة. وهذا مختار الشيخ «قدس‌سره» أيضا حيث إنه ذهب إلى جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ (١).

(١) خبر «فاستصحاب» ، وضمير «منهما» راجع على «الحادثين».

(٢) تعليل لجريان الاستصحاب في مجهول التاريخ ، وقد عرفت توضيح اتصال زمان شك الحادث المجهول التاريخ بزمان يقينه. وأما عدم جريانه في معلوم التاريخ فلما سيأتي.

(٣) يعني : يجري الاستصحاب في المجهول التاريخ دون المعلوم التاريخ ، فكلمة «دون» بمعنى : «لا» ، وهو عطف على «في مجهول التاريخ» والأولى أن يقال : «في مجهول التاريخ منهما دون معلومه جاريا».

(٤) تعليل لعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ، ومحصله : انتفاء ثاني ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء في عمود الزمان فيه ؛ وذلك لأن الإسلام في المثال قبل يوم الجمعة معلوم العدم ، وفي يوم الجمعة معلوم الحدوث ، ومع العلم بكل من زماني عدمه ووجوده لا يتصور فيه الشك حتى يجري فيه الاستصحاب. وضمير «فيه» راجع إلى «معلومه».

(٥) يعني : في شيء من الأزمنة التفصيلية ؛ لأن زمان تاريخ الحادث المجهول لا يخلو إما أن يكون قبل تاريخ المعلوم أو بعده أو مقارنا له. فإن كان قبله : فعدم المعلوم مقطوع به ، وإن كان بعده أو مقارنا له : فوجوده مقطوع به لا مشكوك فيه ، فلا شك في عدم المعلوم في زمان حدوث المجهول بنحو التطبيق على أحد الأزمنة.

(٦) يعني : وإنما الشك في الحادث المعلوم التاريخ لا يتصور إلا بإضافة زمانه إلى الحادث الآخر ، حيث إنه لم يعلم أن الإسلام الحادث يوم الجمعة هل تحقق قبل زمان القسمة أو بعدها ، فالشك في معلوم التاريخ يكون بالإضافة إلى عدمه المضاف إلى حادث آخر ، لا إلى عدمه الاستقلالي الذي لا شك فيه ولذا قال : «لانتفاء الشك فيه في زمان».

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٤٩.

٥٠

وقد عرفت (١) : جريانه فيهما (٢) تارة ، وعدم جريانه كذلك (٣) أخرى.

فانقدح (٤) : أنه لا فرق بينهما كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين ، ولا

______________________________________________________

وغرضه من قوله : «وإنما الشك فيه» بقرينة نفي الشك عن عدمه المطلق هو : الإشارة إلى نحوين من إضافة عدم معلوم التاريخ إلى الحادث الآخر ، وهما : كون العدم ملحوظا محموليا وهو مفاد ليس التامة ، وكونه ملحوظا نعتيا وهو مفاد ليس الناقصة ، وهذه هي الصورة الرابعة أعني : كون العدم نعتيا.

وبالجملة : فلم يذكر الصورة الرابعة صريحا ، وإنما ذكرها بعنوان عام وهو العدم المضاف إلى حادث آخر الشامل للصورة الرابعة وهي العدم النعتي ، والثالثة وهي العدم المحمولي.

فإن لوحظ هذا العدم المضاف محموليا بأن يكون عدمه بنحو خاص من التقدم على الحادث الآخر وتأخره عنه أو مقارنته له موضوعا للحكم الشرعي جرى الاستصحاب فيهما ؛ لكن يسقط بالتعارض ، وإن لوحظ هذا العدم نعتيا ؛ بأن يكون متصفا بوصف التقدم أو ضديه ، فلا يجري فيهما الاستصحاب ؛ لعدم اليقين السابق بهذا الاتصاف.

(١) أشار بهذا إلى أحكام صور الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما دون الآخر.

(٢) أي : في الحادثين المعلوم تاريخ أحدهما فيما إذا كان الأثر مترتبا على وجود كل منهما محموليا بنحو خاص من التقدم وضديه ، فإن الاستصحاب يجري فيهما ؛ لكنه يسقط بالتعارض.

(٣) أي : في الحادثين اللذين يترتب الأثر على وجودهما أو عدمهما نعتيا ، فإن عدم جريانه حينئذ : إنما هو لأجل عدم اليقين السابق بهذا الاتصاف ، فأوّل ركني الاستصحاب فيهما مفقود.

(٤) هذا حاصل أبحاث الحادثين من مجهولي التاريخ والمختلفين ، وتعريض بالشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، حيث إنه اقتصر في مجهولي التاريخ على جريان أصالة العدم فيهما ، ولم يفصّل بين كيفية موضوعيتهما للأثر الشرعي من حيث الوجود المحمولي والنعتي ، وكذا العدم بمفاد ليس التامة والناقصة.

مع أنه لا بد من جريان الاستصحاب في أحدهما بلا مانع إذا ترتب الأثر عليه فقط دون الحادث الآخر ، ودون ترتب الأثر على نحو آخر من أنحاء ذلك الحادث ، وإلّا يجري الاستصحاب فيهما أو في نحوي ذلك الحادث ويسقط بالتعارض ، فإطلاق كلامه في جريان أصالة العدم في مجهولي التاريخ لا يخلو من الغموض.

٥١

بين (١) مجهوله ومعلومه في المتخلفين (٢) فيما (٣) اعتبر في الموضوع خصوصية ناشئة من

______________________________________________________

واقتصر «قدس‌سره» أيضا في الحادثين المجهول تاريخ أحدهما دون الآخر على جريان أصل العدم في المجهول دون المعلوم ، مع أنك قد عرفت التفصيل بين ترتب الأثر على وجود خاص من التقدم وضديه محموليا ، وبين ترتب الأثر على الوجود الخاص نعتيا ؛ بجريان الاستصحاب في الأول دون الثاني.

وغرض المصنف «قدس‌سره» : بيان اختلاف وجه عدم جريان الاستصحاب في الحادثين أو أحدهما من مجهولي التاريخ والمختلفين ، وهو أحد أمور ثلاثة :

أولها : اختلال أول ركني الاستصحاب أعني : اليقين السابق فيما إذا كان الأثر مترتبا على اتصاف الحادث بالعدم في زمان حدوث الآخر.

ثانيها : اختلال شرط وهو إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيما إذا ترتب الأثر على أحد الحادثين محموليا في زمان الآخر.

وثالثها : وجود المانع وهو التعارض فيما إذا كان كل من الحادثين موضوعا للأثر ، أو كان أحدهما لأكثر من وصف واحد من التقدم وضديه موضوعا للحكم على ما تقدم مفصلا.

وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «بينهما» راجع إلى الحادثين. والأولى بإيجاز العبارة وسلامتها أن يقال : «لا فرق بين كون الحادثين مجهولي التاريخ ومختلفيه».

(١) معطوف على «بينهما» يعني : لا فرق في أحكام الحادثين بين مجهولي التاريخ ومختلفيه.

(٢) أي : المختلفين من حيث العدم المحمولي والنعتي ، فيجري الأصل في المعلوم والمجهول إذا أخذ العدم فيهما محموليا ، ولا يجري في شيء منهما إذا أخذ العدم فيهما نعتيا.

نعم ؛ بينهما فرق من هذه الحيثية ، وهي : ما إذا لوحظ العدم في زمان الآخر من دون إضافة خصوصية التقدم أو أحد ضديه ، حيث إن الأصل في هذه الصورة يجري في المجهول دون المعلوم ؛ لانتفاء الشك كما أفاده.

(٣) متعلق ب «لا فرق» ، يعني : لا فرق بين الحادثين مطلقا فيما إذا اعتبر في الموضوع خصوصية كالتقدم وضديه ، وشك في تلك الخصوصية ، فإن كانت تلك الخصوصية بنحو الاتصاف والنعتية لا يجري فيها الاستصحاب ، وإن لم تكن بنحو الاتصاف جرى فيها الاستصحاب.

٥٢

إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب الزمان من التقدم (١) أو أحد ضديه وشك فيها (٢) ، كما لا يخفى.

كما انقدح : أنه (٣) لا مورد للاستصحاب ـ أيضا (٤) ـ فيما تعاقب حالتان

______________________________________________________

(١) بيان لقوله : «خصوصية» ، والمراد ب «ضديه» هو التأخر والتقارن.

(٢) أي : في الخصوصية وهي التقدم أو أحد ضديه ، وقد عرفت : أن بتلك الخصوصية يختلف حكم الاستصحاب من حيث جريانه فيها وعدمه باختلاف لحاظ تلك الخصوصية من حيث المحمولية والنعتية.

وحاصل مرامه «قدس‌سره» : أن ما ذكر من جريان الاستصحاب وعدمه في الشك في الخصوصية المأخوذة في الموضوع جار في الحادثين مطلقا من مجهولي التاريخ والمختلفين. وضمير «ضديه» راجع إلى «التقدم».

(٣) الضمير للشأن ، وقد أشار بهذا إلى أن حكم تعاقب الحالتين المتضادتين العارضتين لشخص واحد كالطهارة والحدث والطهارة والنجاسة حكم الحادثين اللذين يترتب الأثر على العدم المحمولي لأحدهما في زمان الآخر وإن افترقا موضوعا ؛ لقيام الحالتين بشخص واحد على التعاقب لا التقارن ؛ لامتناع وجودهما في آن بخلاف الحادثين ؛ لقيامهما بشخصين مع إمكان تقارنهما وجودا.

ولكون الاستصحاب في الحادثين عدميا وفي الحالتين وجوديا.

وكيف كان ؛ فمحصل ما أفاده المصنف هنا هو : أنه إذا علم المكلف بصدور طهارة وحدث منه في ساعتين ، ولم يعلم المتقدم منهما والمتأخر ، وشك في الساعة الثالثة في حالته الفعلية من الطهارة والحدث ـ إذ لو حصلت الطهارة في الساعة الأولى فقد انقضت بالحدث الصادر في الساعة الثانية ، فالحالة الفعلية هي الحدث ، ولو تحقق الحدث في الساعة الأولى فالحالة الفعلية هي الطهارة ـ فلا يجري الاستصحاب في بقاء شيء من هاتين الحالتين لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بحدوثهما بزمان الشك في بقائهما.

وذلك لأن زمان الشك في بقائهما في المثال وهو الساعة الثالثة لا يجري فيه استصحاب الطهارة إلّا إذا كان زمان اليقين بحدوثها الساعة الثانية حتى يتصل زمان اليقين بحدوثها بزمان الشك في بقائها ، فإذا كان زمان اليقين بحصول الطهارة الساعة الأولى انفصل زمان الشك عن زمان اليقين ؛ لتخلل اليقين بالضد وهو الحدث بين الساعة الأولى والثالثة ، ومع هذا الاحتمال لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين في شيء من الحالتين ، فلا يجري الاستصحاب في بقاء شيء منهما.

(٤) يعني : كعدم موردية الحادثين للاستصحاب.

٥٣

متضادتان (١) ؛ كالطهارة والنجاسة (٢) ، وشك في ثبوتهما وانتفائهما (٣) ؛ للشك (٤) في المقدم والمؤخر منهما ؛ وذلك (٥) لعدم إحراز الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما (٦) ...

______________________________________________________

(١) يستفاد من هذه الكلمة : وجود القيدين المزبورين ـ وهما وجوديتهما وامتناع تقارنهما في الحالتين ـ الموجبتين لتميّزهما عن الحادثين.

(٢) كالعلم بنجاسة ثوبه أو بدنه ، وكذا تطهيره في الساعة الأولى والثانية ، مع عدم العلم المتقدم منهما والمتأخر ، فإن الاستصحاب لا يجري في بقاء شيء من الطهارة والنجاسة لما تقدم في مثال الطهارة والحدث من عدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك.

(٣) هذا الضمير وضمير «ثبوتهما» راجعان إلى «حالتان».

(٤) متعلق ب «وشك» وعلة له ، يعني : أن الشك في البقاء ناش من الشك في المتقدمة والمتأخرة من الحالتين ؛ إذ مع العلم بالتقدم والتأخر لا يحصل الشك في البقاء كما هو واضح.

وضمير «منهما» راجع إلى «حالتان».

(٥) تعليل لقوله : «كما انقدح» ، وقد عرفت آنفا توضيحه بقولنا : «فلا يجري الاستصحاب في شيء من بقاء هاتين الحالتين لعدم إحراز ...» الخ.

(٦) أي : في ثبوت الحالتين ، والمراد به الشك في بقائهما ، فالتعبير به أولى من التعبير بثبوتهما.

وكيف كان ؛ فتوضيح عدم إحراز اتصال زمان اليقين السابق بزمان الشك اللاحق هو : أنه لو كان حدوث الطهارة في الساعة الثانية كان زمان اليقين بها متصلا بزمان الشك في بقائها وهي الساعة الثالثة ، ولو كان حدوثها في الساعة الأولى لم يكن زمان اليقين بحدوثها متصلا بالساعة الثالثة التي هي زمان الشك في بقائها ؛ لتخلل الساعة الثانية التي هي ظرف حصول الحدث بين الساعة الأولى والثالثة ، فدوران زمان اليقين بحصول الطهارة بين الساعة الأولى والثانية أوجب الشك في اتصاله بزمان الشك في بقائها ، ومع عدم إحراز الاتصال لا يجري الاستصحاب لا أنه يجري ويسقط بالتعارض.

وبهذا التقريب : ظهر الفرق في المانع عن جريان الاستصحاب بين المقام والحادثين ، ضرورة : كون المانع في الحادثين عدم إحراز اتصال زمان الشك في كل منهما بزمان اليقين ؛ لأن المتيقن كان مثلا عدم كل من الإسلام والموت يوم السبت ، وتردد حدوث

٥٤

وترددها (١) بين الحالتين. وأنه (٢) ليس من تعارض الاستصحابين فافهم وتأمل في المقام فإنه دقيق.

______________________________________________________

كل منهما بين يومي الأحد والاثنين ، فزمان المتيقن معلوم وزمان الشك في البقاء غير معلوم.

ولكن في الحالتين المتعاقبتين يكون المانع عدم إحراز اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك ؛ لأن ظرف الشك هو الساعة الثالثة مثلا ، ويدور أمر المتيقن بين حدوثه في الساعة الأولى والثانية.

وعلى كل حال : فمناط الإشكال في الجميع عدم إحراز اتصال زماني اليقين والشك ، وعدم إحرازه ملازم للشك في صدق الإبقاء الذي هو موضوع التعبد الاستصحابي.

(١) معطوف على «عدم» ، وضميره راجع إلى «الحالة» ومفسر لقوله : «لعدم إحراز ...» الخ يعني : أن وجه عدم إحراز الاتصال المزبور هو تردد الحالة السابقة المتيقنة بين الحالتين ، حيث إن الحالة المعلومة المتحققة في الساعة الثانية مرددة بين الحالتين وهما الطهارة والحدث ، أو الطهارة والنجاسة ، ولأجل هذا التردد لا يحرز اتصال زمان اليقين بزمان الشك.

(٢) معطوف على «أنه» في قوله : «كما انقدح أنه» ، وضمير «أنه» للشأن ، ويمكن أن يكون راجعا إلى تعاقب الحالتين ، يعني : وكما انقدح أن تعاقب الحالتين ليس من تعارض الاستصحابين كما نسب إلى المشهور.

والوجه في عدم كونه من تعارض الاستصحابين : أن التعارض في رتبة المانع المتأخرة عن الشرط ، والمفروض : في تعاقب الحالتين عدم إحراز شرط جريان الاستصحاب وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيهما ، وبدون إحراز الشرط لا يجريان ، فلا تصل النوبة إلى جريانه فيهما وسقوطه بالتعارض ؛ بل تجري هنا قاعدة الاشتغال المقتضية لوجوب الغسل أو الوضوء ؛ لتوقف العلم بفراغ الذمة عن التكاليف المشروطة بالطهارة على ذلك.

وتركنا ما في المقام من التطويل رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الغرض من عقد هذا التنبيه الحادي عشر : هو التعرض لجريان الأصل المعروف بأصالة تأخر الحادث في الحادثين المعلوم حدوثهما.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحرير محل الكلام : أن الشك في ارتفاع ما هو المتيقن تارة : يكون في تمام أجزاء الزمان ، وأخرى : هو الشك في ارتفاع المستصحب في جزء من الزمان ، مع العلم بالارتفاع بعد ذلك الزمان ؛ كالشك في بقاء حياة زيد يوم الخميس مع العلم بموته يوم الجمعة.

محل الكلام هذا الاحتمال الثاني.

٢ ـ يتعرض في هذا التنبيه لأقسام من الاستصحاب :

الأول : ما إذا شك في وجود حادث ؛ فإن الأصل عدمه.

الثاني : ما إذا علم بوجود هذا الحادث ؛ ولكنه يشك في أنه هل حدث في زمان متقدم أو زمان متأخر ؛ كما إذا علم بأن زوجته خرجت عن النشوز ولكن يشك في أنها خرجت أول رمضان أو أول شوال ؛ مما يسبب عدم اشتغال ذمته بنفقة شهر رمضان ، يجري أصالة عدم الطاعة إلى أول شوال ، فذمته فارغة عن نفقتها لشهر رمضان.

الثالث : ما إذا علم بوجود هذا الحادث ؛ ولكن كان ترتب الأثر متوقفا على وصف خاص ، كما لو أسلم أحد الورثة وشك في أن إسلامه هل كان متأخرا عن القسمة حتى لا يشارك باقي الورثة أم كان قبل ذلك حتى يشاركهم ، فإن الإسلام وإن كان أمرا حادثا والأصل عدم حدوثه إلى زمان القسمة ؛ إذ التأخر وصف زائد على عدم الحدوث ، فإنه وإن كان ملازما معه ـ إذ عدم الحدوث إلى زمان القسمة ملازم للحدوث بعدها ـ إلّا إنه أصل مثبت والأصل المثبت ليس بحجة.

الرابع : ما لو علم بحدوث الحادثين لكن لا يعلم التأخر والتقدم ؛ كما لو علم بأن هذا الماء كان قليلا ويده كانت نجسة وقد حدثت الكرية والملاقاة ؛ ولكنه لا يعلم بتقدم الملاقاة حتى يحكم بنجاسة الماء أم تأخرها حتى يحكم بطهارته.

٣ ـ أحكام هذه الأقسام :

أما القسم الأول : فلا إشكال في استصحاب عدم الحادث فيه.

وأما القسم الثاني : فكذا لا إشكال في استصحاب عدم تحققه في الزمان الأول ، فيترتب عليه آثار عدم التحقق في الزمان الأول.

وأما القسم الثالث : فإنه لا يترتب على أصالة عدم الإسلام إلى حال القسمة تأخر الإسلام عن القسمة ؛ لكون الاستصحاب بالنسبة إلى آثار التأخر مثبتا فليس بحجة.

وأما القسم الرابع : ـ وهو ما إذا شك في تقدم الحادث أو تأخره ـ فهو على قسمين :

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول : ما إذا لوحظ تقدمه وتأخره بالإضافة إلى أجزاء الزمان ؛ كما إذا لم يعلم أن موت زيد كان يوم الخميس أو يوم الجمعة.

الثاني : ما إذا لوحظ تقدمه وتأخره بالإضافة إلى حادث آخر قد علم بحدوثه أيضا ؛ كما إذا علم بموت متوارثين على التعاقب ، ولم يعرف المتقدم منهما عن المتأخر ، فهنا مقامان من الكلام.

٤ ـ وأما المقام الأول : فخلاصة الكلام فيه : أنه لا إشكال في استصحاب عدم تحقق الحادث في الزمان الأول مثل استصحاب عدم موت زيد يوم الخميس وترتيب آثاره ؛ كوجوب الإنفاق على زوجته ، وحرمة تقسيم أمواله بين الورثة ونحو ذلك ، دون الآثار المترتبة على تأخره عن يوم الخميس ؛ لكون تأخر حدوثه عن يوم الخميس لازما عقليا لعدم حدوثه يوم الخميس ، والاستصحاب لا يثبت به اللازم العقلي.

٥ ـ وأما المقام الثاني : ـ وهو لحاظ تقدم الحادث وتأخره بالإضافة إلى حادث آخر ـ ففيه موضعان من الكلام :

الموضع الأول : هو ما إذا كان كل من الحادثين مجهولي التاريخ.

والموضوع الثاني : هو ما إذا كان أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهول التاريخ.

٦ ـ وأما موضع الأول : فله أربعة أقسام :

١ ـ ما كان الأثر الشرعي لتقدم أحدهما أو لتأخره أو لتقارنه بنحو مفاد كان التامة ، بمعنى : أن الأثر مترتب على نفس عنواني التقدم والتأخر.

٢ ـ ما كان الأثر الشرعي للحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة ؛ بأن يكون الأثر مترتبا على الشيء المتصف بالتقدم أو التأخر.

٣ ـ ما كان الأثر الشرعي للعدم النعتي أي : للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس الناقصة.

٤ ـ ما كان الأثر الشرعي للعدم المحمولي أي : لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة ، بمعنى : أن الأثر مترتب على نفس عدم التقدم والتأخر فهنا صور أربع.

٧ ـ أحكام هذه الصور :

وحكم الصورة الأولى : جريان استصحاب عدم الحادث بلا معارض.

وحكم الصورة الثانية هو : عدم جريان الاستصحاب أصلا ؛ لعدم اليقين السابق فيه.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وحكم الصورة الثالثة هو : عدم جريان الاستصحاب أيضا لعدم اليقين السابق فيه كالصورة الثانية.

وأما الصورة الرابعة : وهي عمدة الصور فقال المصنف «قدس‌سره» : بعدم جريان الاستصحاب فيها ؛ لكن لا للمعارضة بالمثل والتساقط كما قال الشيخ «قدس‌سره» ؛ بل لاختلال أركان الاستصحاب من أصلها ؛ وذلك لعدم إحراز اتصال زمان شكه بزمان يقينه.

٨ ـ أما الموضع الثاني : وهو أن يكون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله ؛ فله ما تقدم في مجهولي التاريخ من الصور :

١ ـ ما كان الأثر مترتبا على تقدم أحدهما أو تأخره أو تقارنه بنحو مفاد كان التامة.

٢ ـ ما كان الأثر مترتبا على الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن بنحو مفاد كان الناقصة.

٣ ـ ما كان الأثر مترتبا على الحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس الناقصة.

٤ ـ ما كان الأثر مترتبا على عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر بنحو مفاد ليس التامة.

٩ ـ أحكام هذه الصور :

أما الصورة الأولى : فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم ، أي : عدم التقدم أو التأخر أو التقارن لو لا المعارضة باستصحاب العدم في الطرف الآخر.

وأما الصورة الثانية والثالثة : فقد حكم فيهما بعدم جريان الاستصحاب ؛ لعدم اليقين السابق بعد فرض كون الأثر مترتبا على الحادث المتصف بكذا.

وأما الصورة الرابعة : فقد حكم فيها بجريان استصحاب العدم في خصوص مجهول التاريخ من الحادثين ، دون معلوم التاريخ منهما.

وأما الجريان في مجهول التاريخ : فلأن زمان الشك حينئذ وهو زمان حدوث معلوم التاريخ قد أحرز اتصاله بزمان اليقين.

وأما عدم الجريان في معلوم التاريخ : فلعدم الشك فيه في زمان أصلا ، فإنه قبل حدوثه المعلوم لنا وقته تفصيلا لا شك في انتفائه ، وبعده لا شك في وجوده. هذا واضح.

٥٨

الثاني عشر (١) : أنه قد عرفت (٢) : أن مورد الاستصحاب لا بد (٣) أن يكون حكما

______________________________________________________

١٠ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ جريان استصحاب عدم الحادث فيما إذا كان الشك في أصل الحدوث.

٢ ـ استصحاب عدم التقدم إذا كان الأثر مترتبا على نفس عدم التقدم.

٣ ـ جريان الاستصحاب في الصورة الأولى من الموضع الأول.

٤ ـ عدم جريان الاستصحاب في الصورة الثانية والثالثة والرابعة من الموضع الأول.

٥ ـ جريان استصحاب العدم في الصورة الأولى والرابعة من الموضع الثاني.

٦ ـ عدم جريان الاستصحاب في الصورة الثانية والثالثة من الموضع الثاني.

في استصحاب الأمور الاعتقادية

(١) الغرض من عقد هذا التنبيه الثاني عشر : هو تحقيق حال الاستصحاب في الأمور الاعتقادية من حيث جريان الاستصحاب فيها وعدمه ، ثم التنبيه على المناظرة التي جرت بين بعض الأعلام الإمامية وبعض أهل الكتاب من جريان استصحاب نبوة بعض الأنبياء السابقين «عليهم‌السلام» ، وبيان ما هو الحق في ذلك ، وأن الأمور الاعتقادية التي منها النبوة كالأفعال الجوارحية في جريان الاستصحاب فيها أم لا؟

(٢) يعني : في الأمر العاشر ، حيث قال : «إنه قد ظهر مما مر : لزوم أن يكون المستصحب حكما ...» الخ.

وحاصل مقصوده من هذه العبارة : أنك قد عرفت في التنبيه العاشر : أن المستصحب لا بد من أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي. وعليه : فلا إشكال فيما إذا كان المستصحب حكما شرعيا كوجوب صلاة الجمعة ، أو موضوعا صرفا خارجيا إذا كان ذا حكم شرعي كخمرية المائع الخارجي.

(٣) وجه اللابدّية : أنه لمّا كان الاستصحاب من الأصول العملية الشرعية توقف جريانه لا محالة على تحقق أمرين :

أحدهما : كون المستصحب مما تناله يد تشريع الشارع من حيث إنه شارع ، أو موضوعا لحكم الشارع ؛ إذ لو لم يكن كذلك لم يعدّ أصلا تعبديا.

ثانيهما : ترتب الأثر العملي على هذا الحكم ؛ إذ لو لم يكن موردا لابتلاء المكلف وعمله كان التعبد به لغوا ، وخرج الاستصحاب عن كونه أصلا عمليا مجعولا وظيفة للشاك في مقام العمل.

٥٩

شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك (١) ، فلا (٢) إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية أو الموضوعات الصرفة الخارجية (٣) أو اللغوية (٤) إذا كانت ذات أحكام شرعية.

______________________________________________________

(١) أي : شرعي ، وبالجملة : فلا بد أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا له.

(٢) هذه نتيجة اعتبار كون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا له ، فإن الأحكام الفرعية المتعلقة بالعمل مثال لكون المستصحب حكما شرعيا ، من دون فرق بين كونه نفسيا وغيريا ، واستقلاليا وضمنيا ، وإلزاميا وترخيصيا.

(٣) هذا مثال للموضوعات التي تترتب عليها أحكام شرعية ، والمراد بالصرفة هي : الموضوعات التي لم يتصرف فيها الشارع أصلا ؛ وإن جعلها موضوعات لأحكام كالماء والحنطة واللحم والتمر وغيرها ، في قبال الماهيات المخترعة كالصلاة والصوم والحج ، فإنها موضوعات تصرف فيها الشارع.

(٤) كما إذا فرض كون لفظ الصعيد الموضوع لجواز التيمم به حقيقة لغة في مطلق وجه الأرض ، وشك في نقله إلى معنى آخر عند نزول الآية المباركة الآمرة بالتيمم بالصعيد ، فإنه لا مانع من استصحاب ذلك المعنى لترتيب الحكم الشرعي ؛ وهو جواز التيمم بمطلق وجه الأرض عليه.

ومثل لفظ «الصعيد» ألفاظ «الآنية والغناء والمفازة» وغيرها إذا كان لها معان لغوية وشك في بقائها حين تشريع أحكام لها ، فإن استصحابها لترتيب أحكامها عليها بلا مانع.

وإشكال المثبتية إما غير لازم ؛ لترتب الأحكام الشرعية على نفس تلك المعاني بلا واسطة ، وإما غير باطل لكون هذا الاستصحاب في أمثال هذه الموارد أصلا لفظيا ، ومثبتات الأصول اللفظية معتبرة كما ثبت في محله. وحيث إن مقصوده من الاستصحاب في المعنى اللغوي عند الشك في النقل ليس هو نفس الأصل العملي المستند إلى مثل : «لا تنقض». فلا مجال لتوجيه جريان الأصل في باب اللغات بما أفاده بعض المحشين من «أن استصحاب الظهور يحقق موضوع الحجية التي هي من المجعولات ، فيحصل للمعنى اللغوي فردان كل منهما حجة ، أحدهما : ما هو ظاهر بالفعل بحسب المحاورات العرفية في معنى ، وثانيهما : ما هو ظاهر تعبدا بمعنى : الحكم ببقاء ظهوره السابق في معنى ، ودليل حجية الظاهر يشمل كلا منهما» ؛ وذلك لما فيه من

٦٠