دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

واستدل عليه (١) بوجوه أخر (٢) ، أحسنها (٣) الأخبار وهي (٤) على طوائف :

منها (٥) : ما دل على التخيير على الإطلاق ؛ كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا «عليه‌السلام» : (قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا يعلم أيّهما الحق ، قال : «فإذا لم يعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت») (٦).

______________________________________________________

فيكون العقل والنقل متطابقين على حجية الراجح.

(١) أي : واستدل على عدم سقوط المتعارضين ولزوم الأخذ بأحدهما.

(٢) غير الإجماع الذي تعرض له بقوله : «وإلّا فربما يدّعى الإجماع ...» الخ.

(٣) أي : أحسن تلك الوجوه هو الأخبار لمخدوشية غير الأخبار من تلك الوجوه.

أخبار العلاج

(٤) أي : مطلق الأخبار العلاجية الواردة في أحكام المتعارضين ، التي منها أخبار الترجيح هي على طوائف ؛ لا خصوص الأخبار التي استدل بها لوجوب الترجيح على طوائف ، فالضمير راجع إلى الأخبار مطلقا ـ بالاستخدام ـ بمعنى : أن المراد من لفظ الأخبار في قوله : «أحسنها الأخبار» هو خصوص الأخبار الدالة على الترجيح. والمراد منها حين عود الضمير إليها هو مطلق الأخبار الواردة في المتعارضين لاشتمالها على أخبار التخيير أيضا ، وهي ليست من أخبار الترجيح.

وكيف كان ؛ فقد ذكر المصنف «قدس‌سره» أربعة منها :

١ ـ أخبار التخيير

(٥) أي : من الطوائف الأربع من أخبار العلاج «ما دل على التخيير على الإطلاق» ، بدون تقييد بفقد المرجحات ، فلو كانت مزية في أحدهما كانت الحجة التعيينية وهي ذو المزية ، فلا تخيير حينئذ.

(٦) صدر الحديث كما في الوسائل هكذا : (قال : قلت له ـ أي : للرضا «عليه‌السلام» : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة فقال : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله «عزوجل» وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منا» ، قلت ..) (١) ، ودلالة الخبر على التخيير بين المتعارضين واضحة ، فإن الحسن بن الجهم سأل أولا عن تعارض الخبرين المرويين عنهم «عليهم‌السلام» ، فأجابه «عليه‌السلام» بعرض الحديثين على الكتاب والسنة ، فإن كان أحدهما يشبههما تعيّن الأخذ به ، وإن لم يكن شيء منهما شبيها بالكتاب والسنة فلا يأخذ بهما. ثم سأل ثانيا عن حكم الخبرين

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ١٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ١٢١ / ٣٣٣٧٣.

٢٤١

وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : «إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة ، فموسع عليك حتى ترى القائم فتردّ عليه» (*) (١).

ومكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن «عليه‌السلام» : (اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» في ركعتي الفجر ، فروى بعضهم : صلّ في المحمل ، وروى بعضهم : لا تصلّها إلّا في الأرض. فوقع «عليه‌السلام» «موسع عليك بأيّة عملت» (**) (٢).

______________________________________________________

اللذين رواهما ثقتان ، فأجاب «عليه‌السلام» بالتوسعة في العمل بكل منهما.

والظاهر : أن منشأ السؤال الثاني هو موافقة الخبرين لعمومات الكتاب والسنة ؛ بحيث لم يكن العرض على الكتاب والسنّة كافيا لتمييز الحجة عن اللاحجة.

فإن قلت : هذا الخبر يدل على التخيير بعد فقد المرجح لا على التخيير المطلق ، فمع وجود الشباهة بالكتاب والسنة في أحدهما خاصة لم يحكم «عليه‌السلام» بالسعة ؛ بل بحجيّة خصوص المشابه بهما.

قلت : ليس كذلك ، فإن دلالة الخبر على التخيير المقيد بعدم المرجح مبنية على كون موافقة الكتاب من المرجحات ، وسيأتي من المصنف منع ذلك ، وأن موافقة الكتاب من وجوه تمييز الحجة عن اللاحجة ؛ بحيث لا مقتضى لحجيّة الخبر المخالف ، وحيث إن كلا الخبرين ـ في مفروض السؤال ـ موافق الكتاب فالمقتضي لحجيتهما موجود ، ويكون حكمه «عليه‌السلام» بالتخيير مطلقا لا مقيدا بفقد المرجح.

(١) دلالة هذا الخبر على التخيير ـ حتى لو فرض وجود المرجح في أحد المتعارضين ـ واضحة ؛ لأن موضوع الحكم بالتوسعة في حجيّة الخبرين المتعارضين هو مجيء الثقات بأحاديث تتضمن أحكاما مختلفة يتعذر الأخذ بها ، والحكم هو التخيير في الأخذ بأيّ منهما شاء.

لكن هذا التخيير الظاهري ينتهي بظهور الإمام الحجة «عليه‌السلام» ، فإذا ظهر «عليه‌السلام» ارتفع هذا الحكم الظاهري كسائر الأحكام الظاهرية ، فإنه يحكم بالواقع وببطون القرآن.

(٢) وتقريب الدلالة : أن أحد الخبرين ظاهر في شرطية الاستقرار في النافلة كالفريضة ، والخبر الآخر ظاهر في عدم اعتبار الاستقرار والأجزاء في حال السيرة ،

__________________

(*) الاحتجاج ٢ : ١٠٨ ، الوسائل ٢٧ : ١٢٢ / ٣٣٣٧٤.

(**) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٢٨ / ٥٨٣ ، الوسائل ٤ : ٣٣٠ / ٥٣٠٢.

٢٤٢

ومكاتبة الحميري إلى الحجة «عليه‌السلام» ـ إلى أن قال في الجواب عن ذلك حديثان ... إلى أن قال «عليه‌السلام» ـ «وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا» (١) ، إلى غير ذلك من الإطلاقات (٢).

ومنها (٣) : ما دل على التوقف مطلقا.

______________________________________________________

فالخبران متعارضان في حكم الاستقرار في النافلة ، وأجاب «عليه‌السلام» بالتوسعة والتخيير في العمل بكل واحد منهما ، وهذا هو المطلوب.

(١) روى المكاتبة في الوسائل هكذا : (في جواب مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان «عليه‌السلام» : يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ، فكتب «عليه‌السلام» في الجواب : «إن فيه حديثين : أمّا أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير. وأمّا الآخر ، فإنه روي : أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى ، وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) (١).

ودلالتها كسابقتها واضحة ، فإن أحد الخبرين يدل على مطلوبية التكبير في الانتقال من كل حالة إلى أخرى في الصلاة ، والآخر يدل على عدم مطلوبيته حال النهوض ، وإذا كبر بعد السجدة الثانية ، فيتعارض الخبران بالسلب والإيجاب في استحباب تكبير عند قيام.

وأجاب «عليه‌السلام» بالتخيير ، وأن مصلحة التسليم والانقياد لهم «عليهم‌السلام» تقتضي جعل التخيير والتوسعة في العمل بأيّهما شاء ولم يحكم «عليه‌السلام» بتخصيص الخبر الأول بالثاني ، مع أن التخصيص جمع عرفي رافع للتعارض.

(٢) كخبر الكافي : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» (٢). هذا تمام الكلام في أخبار التخيير.

٢ ـ أخبار التوقف

(٣) أي : من الطوائف الواردة في علاج تعارض الأخبار : ما دل على التوقف مطلقا ـ في قبال مطلقات التخيير ـ أي : من دون تقييدها بفقد المرجح ؛ كخبر سماعة عن أبي

__________________

(١) الغيبة (الطوسي) : ٣٧٨ ، الاحتجاج ٢ : ٣٠٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦٢ / ٨١٩٢.

(٢) الكافي ١ : ٦ / ذيل ح ٧ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٨ / ٣٣٣٣٩.

٢٤٣

ومنها (١) : ما دل على ما هو الحائط منها.

ومنها (٢) : ما دل على الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة ؛ من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنّة والأعدلية والأصدقية ، والأفقهية ، والأورعية والأوثقية

______________________________________________________

عبد الله «عليه‌السلام» قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه؟ قال «عليه‌السلام» : «لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله». قلت : لا بد أن نعمل بواحد منهما؟ قال : «خذ بما خالف فيه العامة» (١).

ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد «عليه‌السلام» يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك «عليهم‌السلام» قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه؟ أو الرّد إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب «عليه‌السلام» : «ما علمتم أنه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردّوه إلينا» (٢).

وكيف كان فهذه الرواية تدل على وجوب التوقف عند تعارض الأحاديث إذا لم تكن قرينة على صدور أحدهما خاصة والأمر بالتوقف مطلق غير مقيد بفقد المرجحات الآتية من الشهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامة.

٣ ـ أخبار الاحتياط

(١) أي : ومن تلك الطوائف الأربع : ما دل على الاحتياط في الخبرين المتعارضين ، والدال على الأخذ بالاحتياط قوله «عليه‌السلام» : في مرفوعة زرارة بعد تكافؤ المرجّحات : «إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط» (٣). لكن المرفوعة لا تدل على الاحتياط مطلقا ، بل في صورة تكافؤ المرجحات.

٤ ـ أخبار الترجيح

(٢) أي : ومن الطوائف الأخبار العلاجية ، وهذه هي الطائفة الرابعة الدالة على الترجيح بمزايا مخصوصة كثيرة ومرجحات منصوصة ؛ من مخالفة القوم وموافقة الكتاب والسنّة والأعدلية والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية والشهرة على اختلافها» ، أي : اختلاف الروايات «في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينهما» فبعضها قدم صفة على صفة وبعضها عكس ، وإليك جملة منها ذكرها في الوسائل.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ١٠٩ ، جامع أحاديث الشيعة ١ : ٢٦ / ٤٥٨.

(٢) بصائر الدرجات : ٥٤٤ / ٢٦ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٥ / ٢١٤٢١.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٢ / ٢٩٩ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ / ٢١٤١٣.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : مقبولة عمر بن حنظلة وهي عمدة ما في الباب وقد ذكرها في الوافي في أبواب العقل والعلم في باب اختلاف العلم والحكم عن المشايخ الثلاثة : الكليني والطوسي والصدوق ، بإسنادهم عن عمر بن حنظلة قال : (سألت أبا عبد الله «عليه‌السلام» ، عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟

قال «عليه‌السلام» : «من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا له ؛ لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)» (١).

قلت : فكيف يصنعان؟ قال : «ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرّاد علينا كالرّاد على الله وهو على حدّ الشرك بالله».

قلت : فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم قال : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر».

قال : قلت : فإنهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر.

قال : فقال : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنما الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله.

قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلم».

قال : قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : «ينظر

__________________

(١) النساء : ٦٠.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامة فيؤخذ به. ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة».

قلت : جعلت فداك ، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال : «ما خالف العامة ففيه الرشاد». فقلت : جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعا؟

قال : «ينظر إلى ما هم إليه أميل من حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر».

قلت : فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعا؟

قال : «إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك ، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» (١).

ومنها : مرفوعة زرارة قال : (سألت أبا جعفر «عليه‌السلام» فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال «عليه‌السلام» : «يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر»).

فقلت : يا سيّدي إنهما معا مشهوران مرويان عنكم!

فقال «عليه‌السلام» : «خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك».

فقلت : إنهما معا عدلان مرضيّان موثقان؟ فقال : «انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالف ؛ فإن الحق فيما خالفهم».

فقلت : ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ فقال : «إذن فخذ بما فيه الحائط لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط».

فقلت : إنهما معا موافقين للاحتياط أو مخالفين له ، فكيف أصنع؟ فقال «عليه‌السلام» : «إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ بما وافقه ، وإلّا فيعرضان على أخبار العامة فيؤخذ بما خالفهم» (٢).

هذه جملة من روايات الترجيح. وتركنا ذكر الجميع رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

__________________

(١) الكافي : ٦٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٨ / ٣٢٣٣ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥ ، يتفاوت بينهم ، الوسائل ٢٧ : ١٣ / ٣٣٠٨٢.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٢ / ٢٢٩ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٠٣ / ٢١٤١٣.

٢٤٦

والشهرة على اختلافها (١) في الاقتصار على بعضها وفي الترتيب بينها (٢). ولأجل اختلاف الأخبار (٣) اختلفت الأنظار ، فمنهم من أوجب الترجيح بها (٤) مقيّدين بإخباره (٥) إطلاقات التخيير. وهم بين من اقتصر على الترجيح بها (٦) ، ...

______________________________________________________

(١) متعلق ب «ما دل على الترجيح» والضمير راجع إلى «الأخبار».

وقوله : «في الاقتصار» متعلق ب «اختلافها» وغرضه : أن المرجحات التي تضمنتها الروايات مختلفة كمّا وكيفا.

أما الكم : فاختلافها عددا ، حيث إن الترجيح بالاحتياط لم يذكر في بعض الروايات ، وقد ذكر في المقبولة والمرفوعة ، وكذا اقتصر في جملة من الروايات على الترجيح بمخالفة العامة كخبر الحسن بن جهم وغيره ، كما اقتصر في بعضها على الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامة.

والحاصل : أن اختلاف الأخبار العلاجية في مقدار المرجحات وعددها مما لا ريب فيه.

وأما الكيف : فلاختلاف الأخبار في ترتيب الترجيح بتلك المزايا ، ففي بعضها كالمقبولة قدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بمخالفة العامة ، وفي المرفوعة قدّم الترجيح بالشهرة. وكذا الترجيح بصفات الراوي مقدّم في المقبولة على الترجيح بالشهرة ، وفي المرفوعة بالعكس.

(٢) هذا الضمير وضمير «بعضها» راجعان إلى «مزايا مخصوصة». والمراد بالاختصار والترتيب : هو الكم والكيف اللذان تقدم ذكرهما.

(٣) أي : اختلافها من حيث عدد المرجحات وترتيبها ـ كما عرفت ـ أوجب اختلاف الأنظار وتشتت الأقوال.

أحدها : وجوب الترجيح بخصوص المزايا المنصوصة.

ثانيها : وجوب الترجيح بمطلق المزايا ـ وإن لم تكن منصوصة ـ الموجبة لقرب أحد الخبرين إلى الصدور أو الواقع.

ثالثها : وجوب الترجيح بكل مزية وإن لم توجب ظنا ولا قربا بأحدهما.

رابعها : التخيير مطلقا سواء كانا متكافئين في المزايا أم متفاضلين فيها.

(٤) أي : بالأخبار الدالة على الترجيح بمرجحات مخصوصة.

(٥) أي : بأخبار الترجيح ، و «إطلاقات» مفعول «مقيدين».

(٦) أي : بالمرجحات المنصوصة ، وهذا إشارة إلى القول الأول وهو وجوب الترجيح

٢٤٧

ومن (١) تعدّى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته (٢) ، كما صار إليه شيخنا العلامة «أعلى الله مقامه» (٣) أو المفيدة (٤) للظن ، كما ربما يظهر من غيره (٥).

فالتحقيق (٦) أن يقال : إن أجمع خبر للمزايا المنصوص في الأخبار هو المقبولة

______________________________________________________

بالمزايا المنصوصة ، وحاصل استدلالهم على ذلك هو : تقييد إطلاق ما دلّ على التخيير بين المتعارضين ـ الذي هو جمع عرفي ـ بما دل على وجوب الترجيح بالمرجحات المخصوصة.

(١) عطف على «من اقتصر» ، وهذا إشارة إلى القول الثاني وهو الترجيح بكل مزية موجبة للأقربية إلى الصدور ؛ وإن لم تكن من المزايا المنصوصة ، ولم تكن أيضا موجبة للظن بالواقع ، فالأقوائية تكون بحسب الحجية والاعتبار ، لا بحسب الكشف من الواقع والمطابقة له.

(٢) أي : وأقربية ذي المزية ، وضمير «منها» راجع على «المزايا».

(٣) وصاحبا القوانين والفصول ، قال في أواخر كتاب الفصول : «فصل : إذا تعارض الخبران المعتبران بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجه يساعد عليه أهل العرف عند عرضهما عليهم ، فإن كان لأحدهما رجحان على الآخر بأحد الوجوه المذكورة في الأخبار أو غيرها تعيّن الأخذ به وترك المرجوح» (١).

(٤) عطف على «الموجبة» ، يعني : أو المزايا المفيدة للظن بالواقع وإن لم تكن موجبة للأقوائية من حيث الحجية ؛ لعدم الملازمة بين الأقوائية من حيث الاعتبار والظن بمطابقة المضمون للواقع ، فاتضح الفرق بين الصورتين. وهذا إشارة إلى القول بالترجيح بالمزايا الموجبة للظن بالواقع.

(٥) كصاحب القوانين وغيره.

(٦) غرضه من هذا التحقيق : إنكار دلالة أخبار الترجيح على وجوبه ، وإثبات عدم صلاحيتها لتقييد إطلاق أدلة التخيير.

وتوضيحه : منوط بالتكلم في مقامين.

أحدهما : ما يرجع إلى المقبولة والمرفوعة ؛ لأنهما أجمع ما في الباب من الروايات المتضمنة للمرجحات.

ثانيهما : ما يرجع إلى سائر الروايات المشتملة على أحكام المتعارضين.

__________________

(١) الفصول الغروية : ٤٤٣.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أما المقام الأول : فمحصله : عدم صلاحية المقبولة والمرفوعة لتقييد إطلاقات التخيير ، لوجوه :

الأول : اختلافهما البين في ترتيب المرجحات ، حيث إن الترجيح بصفات الراوي في المقبولة مقدم على الترجيح بغيرها ، وفي المرفوعة بالعكس.

وعليه : فإذا كان أحد الخبرين مشهورا عند أرباب الحديث ، وكان الآخر شاذا ؛ لكن مع أصدقية راويه وأورعيته من راوي الحديث المشهور اقتضت المقبولة تقديم الخبر الشاذ على المشهور ، واقتضت المرفوعة عكس ذلك ، وهذا الاختلاف الموجب للتعارض يوهن اعتبارهما ويسقط كليهما عن الحجية.

فإن قلت : التعارض بين المقبولة والمرفوعة ـ في تقديم الترجيح بالشهرة الروائية على الترجيح بالصفات في المرفوعة وتأخيره عنه في المقبولة ـ لا يقتضي سقوط كلتيهما عن الحجية ؛ بل يتعين العمل بالمقبولة ؛ لأن المرفوعة آمرة بتقديم الخبر المشهور على غيره عند التعارض بنحو الكبرى الكلية ، ومن المعلوم : أن المشهور من هاتين الروايتين ـ وهما المقبولة والمرفوعة ـ هو المقبولة ؛ لذكرها في الجوامع الروائية ، والمرفوعة لم يروها إلّا ابن أبي جمهور في الغوالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة ويتعين العمل بالمقبولة حينئذ من جهة الأمر الوارد في المرفوعة بالأخذ بالمشهور من الخبرين ، وترك الخبر غير المشهور ، والمقبولة مصداق الخبر المشهور ، والمرفوعة مصداق الخبر غير المشهور.

وعليه : فلا موجب لتساقط المقبولة والمرفوعة بالتعارض كما هو ظاهر المتن ؛ بل اللازم الأخذ بالمقبولة فقط.

قلت : الحق أن تعارضهما يقتضي سقوطهما معا لا تقديم المقبولة ، وذلك لوجهين :

الأول : أن الاستناد إلى المرفوعة ـ في تقديم المقبولة عليها ـ أخذ بها ، ومن المعلوم : أن الاعتماد على المرفوعة بهذا المقدار يتوقف على حجيّة المرفوعة في نفسها ، وتمامية المقتضي للعمل بها حتى يكون تقديم المقبولة مستندا إلى حجة شرعية وهي المرفوعة.

وحيث إن المرفوعة معارضة للمقبولة ـ حسب الفرض ـ فهي وإن كانت حجة ذاتا وشأنا ؛ لكن المناط في العمل بالخبر حجيته الفعلية ، إما بعدم المعارض ، وإما بدلالة أخبار العلاج على حجية المرفوعة حتى يستند إليها في تقديم المقبولة ؛ إذ المفروض : تعارض نفس الأخبار العلاجية.

الثاني : أن الأخذ بما في المرفوعة ـ من تقديم الخبر المشهور على غيره حتى يؤخذ

٢٤٩

والمرفوعة مع اختلافهما (١) وضعف (٢) سند المرفوعة جدا ، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو (٣) عن إشكال ؛ ...

______________________________________________________

بالمقبولة ـ محال ؛ لأن معنى العمل بالمرفوعة الآمرة بالأخذ ب «ما اشتهر بين أصحابك» هو طرحها ، وعدم العمل بها رأسا ، ومن المعلوم : أن حجيّة الخبر المستلزمة لطرحه غير معقولة ؛ إذ ما يلزم من وجوده عدمه محال.

وعليه : فالحق ما أفاده المصنف من اقتضاء تعارض المقبولة والمرفوعة في وجوه الترجيح ـ كمّا وكيفا ـ سقوطهما معا ، وما أفاده الشيخ لا يخلو من خفاء. هذا أوّل إشكالات المصنف على وجوب الترجيح.

(١) أي : اختلاف المقبولة والمرفوعة في ترتيب المرجحات كما عرفت ، وهذا إشارة إلى الوجه الأول من الإشكالات ، وهذا الإشكال مشترك بين المقبولة والمرفوعة وقد مرّ توضيحه.

(٢) عطف على «اختلافهما» وإشارة إلى الوجه الثاني من الإشكالات الواردة على الاستدلال بالمقبولة والمرفوعة على وجوب الترجيح ، وهذا الوجه مختص بالمرفوعة ومحصله : ضعها سندا ؛ إذ لم يروها إلّا ابن أبي جمهور في غوالي اللآلي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة ، وقيل : إنها لم توجد في كتب العلامة. مضافا : إلى ما اشتهر من قدح بعض فيه.

(٣) خبر «والاحتجاج» ، ودفع للاستدلال بالمقبولة والمرفوعة ، وهذا إشارة إلى الوجه الثالث الذي جعله مشتركا بين الروايتين.

توضيحه : أن الاستدلال بهاتين الروايتين على وجوب الترجيح في مقام الفتوى مشكل ؛ لاحتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا بمورد المقبولة وهو باب الخصومة والحكومة ، والتعدي عن موردها إلى مقام الفتوى منوط إمّا بإلغاء خصوصية المورد ، وإمّا بتنقيح المناط وهو كون كل من الفتوى والحكم مجعولا شرعيا ، فالمرجح لأحدهما مرجّح للآخر.

إلّا إن كليهما ممنوع :

أما إلغاء خصوصية المورد فلتوقفه على إطلاق الأمر بالأخذ بذي المزية ، وعدم العبرة بخصوصية المورد وهي الخصومة ، ومن المعلوم : توقف هذا الإطلاق العقلي على عدم القدر المتيقن في مقام التخاطب ، والمفروض : وجوده وهو مورد المقبولة أعني : الخصومة.

وأمّا تنقيح المناط : فلعدم حصول العلم به مع الالتفات إلى قضية أبان في دية قطع

٢٥٠

لقوة (١) احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو (٢) موردها ، ولا وجه معه (٣) للتعدّي منه إلى غيره كما لا يخفى (٤).

______________________________________________________

أصابع المرأة ، وإلى عدم احاطتنا بملاكات التشريع ، والظن به لا يغني من الحق شيئا.

فإن قلت : إن الحكم في القضايا الجزئية ، والفتوى في الأحكام الكلية كانا في عصر الحضور ـ غالبا ـ بنقل الرواية ، ولازمه : اتحاد باب القضاء والإفتاء والرواية حكما ، فإذا رجح الشارع حكم أعدل الحاكمين وأفقههما كان لازمه ترجيح رواية أعدل الراويين من جهة عدم مغايرة الحكم للرواية في الصدر الأول ، فمرجحات باب الحكومة هي مرجحات باب الرواية أيضا.

(١) قلت : فصل الخصومة في الصدر الأول وإن كان بنقل الرواية عن المعصوم «عليه‌السلام» لا بالاستناد إلى الرواية ـ كما قيل ـ إلّا إن هذا لا يقتضي وحدة البابين حكما ؛ لوضوح : أن حيثية الحكومة وفصل الخصومة غير حيثية الرواية ، ونقل ألفاظ الإمام «عليه‌السلام» إلى الغير ، فإن منصب الحكومة منوط بالجعل ؛ بخلاف الرواية فإنه يكفي فيها أمانة الراوي في النقل والصدق في حديثه ، وحينئذ : فاعتبار صفة في الناقل للرواية بما هو حاكم وفاصل للنزاع لا يقتضي اعتبارها فيه في مقام نقل الرواية إلى الغير كونه محدثا.

وعليه : فالحق ما أفاده المصنف من اختصاص الترجيح بالصفات بباب الحكومة.

تعليل لعدم خلوّ الاحتجاج بالمقبولة والمرفوعة ـ على وجوب الترجيح بالمرجحات في مقام الفتوى ـ عن الإشكال ، وقد مرّ توضيح التعليل. وضمير «بها» راجع إلى «المزايا المنصوصة».

(٢) يعني : كما أن مورد الحكومة هو مورد المقبولة والمرفوعة. هذا في المقبولة مما لا إشكال فيه ، وأمّا في المرفوعة : فلم يثبت ورودها في الحكومة وفصل الخصومة ؛ لأن صدرها «يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان». وضمير «موردها» راجع إلى المقبولة.

(٣) أي : مع احتمال اختصاص الترجيح بالمزايا بباب الحكومة لا وجه للتعدي عنه إلى غيره أعني : مقام الفتوى كما هو المقصود هنا.

(٤) الظاهر : أنه إشارة إلى ضعف الوجه الأول للتعدي ، وهو كون المستند في التعدي إلغاء خصوصية المورد ، بدعوى : إطلاق الأمر بالأخذ بالمزية ، من غير فرق في ذلك بين الحكم والفتوى.

وحاصل وجه الضعف ـ كما تقدم آنفا ـ : توقف الإطلاق على عدم القدر المتيقن في

٢٥١

ولا وجه (١) لدعوى تنقيح المناط ، مع (٢) ملاحظة أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استندا إليه من (٣) الروايتين لا يكاد (٤) يكون إلّا بالترجيح ، ولذا (٥) أمر «عليه‌السلام» بإرجاء الواقعة إلى لقائه «عليه‌السلام» في

______________________________________________________

مقام التخاطب ، والمفروض : وجوده وهو مسألة الحكومة ، والإطلاق المترتب على مقدمات الحكمة لا يتحقق إلا بتمامية تلك المقدمات.

(١) هذا إشارة إلى ضعف الوجه الثاني للتعدي عن الحكومة إلى مقام الفتوى ، وهو تنقيح المناط الموجب للتعدّي عن باب الحكومة إلى مقام الفتوى.

(٢) هذا وجه منع تنقيح المناط : ومحصله : وجود الفرق بين المقامين المانع عن حصول العلم بالمناط ، حيث إن رفع الخصومة في صورة تعارض الحكمين منوط بترجيح أحد الحكمين على الآخر ؛ إذ لا تنقطع الخصومة بالتخيير ؛ لإمكان أن يختار كل من المتخاصمين غير ما اختاره الآخر ، وذلك يوجب بقاء المنازعة لا ارتفاعها.

وبالجملة : فالحاسم لمادة الخصومة هو الترجيح دون التخيير. هذا بخلاف الفتوى ، فإنها لا تتوقف على الترجيح ؛ إذ لا مانع من الإفتاء بأحد الخبرين تخييرا ؛ كأن يفتي بوجوب إحدى الصلاتين : الظهر والجمعة تخييرا في عصر الغيبة.

والحاصل : أن هذا الفرق بين الحكم والفتوى مانع عن حصول العلم بوحدة المناط بينهما حتى يتحدا في لزوم الترجيح بالمرجحات.

(٣) بيان ل «ما» الموصول ؛ إذ المفروض : كون منشأ تعارض الحكمين تعارض الروايتين.

(٤) خبر «أن» في قوله : «أن رفع الخصومة» ، وقوله : «إلّا بالترجيح» في قبال التخيير الذي يؤدي إلى بقاء النزاع.

(٥) يعني : ولأجل توقف فصل الخصومة على ترجيح أحد الخبرين ـ اللذين هما مستندا حكمي الحاكمين ـ لم يأمر الإمام «عليه‌السلام» بالتخيير ، كما أمر به في المرفوعة بقوله : «إذن فتخير أحدهما» ؛ بل أمر «عليه‌السلام» بإرجاء الواقعة إلى لقائه «عليه‌السلام» في صورة تساوي الخبرين ، فلو لم يكن فرق بين الحكم والفتوى لم يأمر بالتوقف وتأخير الواقعة إلى زمان اللقاء.

وعليه : فلزوم الترجيح في المقبولة ثم التوقف عند تكافؤ المرجحات لا يعارض إطلاقات التخيير المتقدمة ، فإن مورد المقبولة هو القضاء وفصل الخصومة الذي يتعيّن فيه الترجيح أو التوقف المحدود إلى زمان ملاقاة الإمام «عليه‌السلام».

٢٥٢

صورة تساويهما (١) فيما ذكر من المزايا ، بخلاف مقام الفتوى (٢) ومجرد (٣) مناسبة الترجيح لمقامها أيضا (٤) لا يوجب (٥) ظهور الرواية (٦) في وجوبه مطلقا ولو (٧) في غير مورد الحكومة ، كما لا يخفى.

وإن أبيت (٨) إلّا عن ظهورهما في الترجيح في كلا المقامين فلا مجال لتقييد

______________________________________________________

(١) أي : الروايتين في المزايا.

(٢) يعني : بخلاف مقام الفتوى ، فإنه لا يتوقف على الترجيح كتوقف الحكومة عليه ؛ لإمكان الأمر بالتخيير في مقام الفتوى دون الحكومة.

(٣) غرضه من هذه العبارة : إبداء وجه آخر لإثبات وجوب الترجيح بالمرجحات في مقام الفتوى كالحكومة ، ومحصله : أن الترجيح يناسب مقام الفتوى أيضا ؛ لتوقفها على المسألة الأصولية وهي حجية أحد الخبرين المتعارضين ؛ إذ من المعلوم : ترتب حجيته الفعلية على الترجيح بتلك المزايا ، فهذه المناسبة توجب اشتراك الحكومة والفتوى في الترجيح.

(٤) يعني : كمناسبة الترجيح للمقام الحكومة ، والضمير «لمقامها» راجع على الفتوى.

(٥) خبر «ومجرد» ودفع للوجه المزبور ، ومحصله : أن المدار في اعتبار الاستفادة من الخطابات هو الظهور العرفي ، دون المناسبات الخارجية التي لا دخل لها في الظهورات ، فإنها لا عبرة بها في الاستظهار من الخطابات ، وفي المقام لا توجب المناسبة المزبورة ظهور الرواية في وجوب الترجيح في المقامين ، وبدون الظهور لا وجه للقول بالترجيح في مقام الفتوى.

هذا كله مضافا إلى عدم اقتضاء المناسبة المزبورة لوجوب الترجيح في المسألة الأصولية لإمكان حجية أحد المتعارضين تخييرا كما يدعيه القائلون باستحباب الترجيح ، وعدم توقف حجيته على الترجيح.

(٦) وهي المقبولة ، وضمير «وجوبه» راجع إلى «الترجيح».

(٧) بيان للإطلاق ، والمراد بغير مورد الحكومة هو : مقام الفتوى.

(٨) هذا إشارة إلى الوجه الرابع من الإشكالات المتعلقة بوجوب الترجيح وحاصله : أن المقبولة والمرفوعة ـ بعد تسليم ظهورهما في وجوب الترجيح في مقام الفتوى ، أما في المرفوعة : فلكون موردها ذلك. وأما في المقبولة : فلترتب الترجيحات فيها على الحكمين المستندين إلى الحديثين ، فمنشأ الترجيح هو استنادهما إلى الحديثين ، فلا يمكن التفكيك حينئذ بين الحكمين ومستنديهما في الترجيح ـ لا تصلحان أيضا لتقييد إطلاقات التخيير في زمان الغيبة.

٢٥٣

إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام «عليه‌السلام» بهما (١) ؛ لقصور (٢) المرفوعة سندا وقصور المقبولة دلالة ؛ لاختصاصها (٣) بزمان التمكن من لقائه «عليه‌السلام» ، ولذا (٤) ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح.

______________________________________________________

أما المرفوعة ـ التي موردها الترجيح في نفس الخبرين ـ فلما مرّ سابقا من ضعف سندها.

وأما المقبولة : فلقصور دلالتها عن شمولها لزمان عدم التمكن من لقاء الإمام «عليه‌السلام» والسؤال عنه ؛ لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه «عليه‌السلام» ، فالترجيح مختص بزمان الحضور ، ومع التساوي في المرجحات يجب التوقف وتأخير الواقعة إلى زمان اللقاء.

وأما عصر الغيبة كزماننا : فلم ينهض دليل على وجوب الترجيح فيه وتقييد إطلاقات التخيير ، فلا محيص عن الرجوع إليها كالرجوع إليها في الشك في أصل التقييد ؛ لمرجعية الإطلاق في الشك في أصل التقييد وزيادته.

قوله : «فلا مجال» جواب «وإن أبيت» ، ودفع لتوهم تقييد إطلاقات التخيير بالمقبولة والمرفوعة ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «لا تصلحان أيضا ...» الخ.

(١) أي : بالمقبولة والمرفوعة ، وهو متعلق ب «لتقييد».

(٢) تعليل ل «فلا مجال».

(٣) تعليل لقصور المقبولة دلالة ، وضميره راجع على «المقبولة».

وتقريب دلالتها على الاختصاص هو : أن قوله «عليه‌السلام» : «فأرجه حتى تلقى إمامك» كالصريح في التمكن من لقاء الإمام «عليه‌السلام» ، فتدل المقبولة على الترجيح ، وفي صورة التكافؤ على التوقف وتأخير الواقعة إلى زمان التمكن من السؤال ؛ لأن المأمور بالترجيح هو المأمور بالتوقف أيضا وهو المتمكن من لقائه «عليه‌السلام».

ولا تدل المقبولة على الترجيح في زمان الغيبة حتى تقيّد بها إطلاقات التخيير. وعليه : فيكون المتبع في زمان الغيبة إطلاقات التخيير مطلقا ، سواء كان المتعارضان متكافئين أم متفاضلين.

(٤) يعني : ولأجل اختصاص المقبولة ـ التي هي دليل الترجيح بالمرجحات في الحديثين المتعارضين ـ بزمان التمكن من لقائه «عليه‌السلام» وأخذ الحكم منه لم يحكم الإمام «عليه‌السلام» بالتخيير بعد تساوي الروايتين وفقد الترجيح ، فالأمر بالتوقف وإرجاء الواقعة إلى زمان التمكن من تعلم الحكم ، وعدم حكمه «عليه‌السلام» بالتخيير يشهد

٢٥٤

مع (١) أن تقييد الإطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين ـ مع ندرة كونهما متساويين جدا (٢) ـ بعيد قطعا (٣) ، بحيث (٤) لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص (٥) لوجب (٦)

______________________________________________________

باختصاص المقبولة. وما فيها من الترجيح ـ بزمان الحضور ، فلا تقيّد المقبولة إطلاق أدلة التخيير إلّا بزمان الحضور ، فيبقى زمان الغيبة تحت إطلاقات التخيير ؛ وإن كان المتعارضان متفاضلين.

(١) هذا خامس الإشكالات الواردة على وجوب الترجيح.

وحاصله : دعوى أظهرية إطلاقات التخيير من المقبولة في وجوب الترجيح بالمرجحات.

وجه الأظهرية : أن الأخذ بالمقبولة يوجب حمل أخبار التخيير على الفرد النادر ؛ إذا يصير مورد أخبار التخيير بعد تقيدها بالمقبولة منحصرا في الخبرين المتعارضين المتكافئين من جميع الجهات وهو نادر جدا ؛ إذ الغالب تفاضلهما ولو من جهة واحدة ، وحمل المطلق على الفرد النادر ركيك جزما وخلاف ديدن أبناء المحاورة في محاوراتهم قطعا.

وعليه : فإطلاقات التخيير آبية عن التقييد ، فلا بد من العمل بها.

وحمل المقبولة على زمان التمكن من السؤال والتعلّم من الإمام «عليه‌السلام» إن لم تكن ظاهرة في الاختصاص بذلك الزمان. أو حمل الأمر بالترجيح فيها على الاستحباب ، أو جعل موردها خصوص الخصومة.

(٢) قيد ل «ندرة».

(٣) خبر إن «تقييد ...» الخ.

وجه البعد : أنه «عليه‌السلام» في مقام بيان الوظيفة ، لسبق السؤال أولا ، وتأيّده بترك الاستفصال مع غلبة تفاضلهما وندرة تساويهما ثانيا ، فيحصل الاطمئنان ـ بل العلم ـ بإرادة الإطلاق من أخبار التخيير.

(٤) يعني : يكون بعد تقييد المقبولة لإطلاق التخيير بمثابة يسقطها عن صلاحية التقييد ، ويوجب قوّة إطلاق التخيير التصرف في المقبولة بحملها على زمان الحضور لو لم تكن بنفسها ظاهرة فيه.

(٥) أي : الاختصاص بزمان التمكن من لقاء الإمام «عليه‌السلام».

(٦) جواب «لو» يعني : لو لم تكن المقبولة ظاهرة في زمان الحضور لوجب حملها على زمان الحضور ، أو على ما لا ينافي إطلاقا التخيير أفضل ؛ كالحمل على الاستحباب ،

٢٥٥

حملها (١) عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب ، كما فعله بعض الأصحاب (٢) ، ويشهد به (٣) الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من (٤) الأخبار.

ومنه (٥) قد انقدح : حال سائر أخباره ، ...

______________________________________________________

فالحكم هو التخيير ، غاية الأمر : أن الترجيح أفضل.

(١) أي : حمل المقبولة على الاختصاص ، وضمير «لا ينافيها» راجع إلى «الإطلاقات» ، وكلمة «من» في قوله : «من الحمل» بيان ل «ما» الموصول ، فإن الاستحباب لا ينافي الحكم بالتخيير الذي هو مقتضى إطلاقات التخيير كما مرّ غير مرّة.

(٢) كما عن العلامة المجلسي والسيد الصدر شارح الوافية ، حيث حمل السيد جميع أخبار الترجيح على الاستحباب لا خصوص المقبولة.

(٣) أي : بالحمل على الاستحباب. وهذا إشارة إلى سادس الإشكالات التي أوردوها على وجوب الترجيح.

ومرجع هذا الإشكال : إلى أظهرية أخبار التخيير ، وضعف ما دل على وجوب الترجيح الموجب لعدم صلاحيته لتقييد إطلاقات التخيير ؛ وذلك لأن الترجيح بتلك المرجحات لو كان واجبا وسببا لتعيّن الحجية في واجدها كان هذا الاختلاف الكثير كما وكيفا قادحا ـ كما تقدم سابقا ـ في إثبات حجية لذيها ، ضرورة : أنه يقع التعارض بسبب هذا الاختلاف بين نفس أخبار الترجيح ، ومع هذا التعارض الكاشف عن استحباب الترجيح لا تصلح لتقييد إطلاقات التخيير ، فأصالة الإطلاق فيها سالمة وجارية بلا مانع ، فالنتيجة هي التخيير.

(٤) بيان ل «ما» الموصول ، والمراد بالأخبار : عموم الروايات الدالة على الترجيح ، فهذا الإشكال لا يختص بالمقبولة والمرفوعة كما سيشير إليه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

أما المقام الثاني الآتي : فهو ما يرجع إلى ما عدا المقبولة والمرفوعة من أخبار الترجيح.

(٥) هذا إشارة إلى المقام الثاني ، أي : مما ذكرناه في المقبولة والمرفوعة من إشكالاتهما ـ وكذا بعض الإشكالات الأخر كلزوم التقييد بالفرد النادر ، وكون اختلاف المرجحات كما وكيفا موجبا لضعف الدلالة على وجوب الترجيح المانع عن تقييد إطلاقات التخيير ـ قد ظهر : حال سائر أخبار الترجيح غير المقبولة والمرفوعة.

وتوضيح ما أفاده : أن الأخبار الواردة في المقام تشتمل على مضامين ستة ، اثنان

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

منهما أجنبيان عن علاج تعارض الخبرين ، وإنما يدلان على شرط حجية الخبر مطلقا ، سواء كان له معارض أم لا ، وسيأتي نقل بعضها ، وأربعة منها ترتبط بعلاج تعارض الحديثين.

فمنها : ما دل على الترجيح بالشهرة ، كمرسل الاحتجاج ، قال : (وروي عنهم «عليهم‌السلام» أنهم قالوا : «إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا ، فإنه لا ريب فيه) (١).

ومنها : ما دل على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة كخبر العيون عن الرضا «عليه‌السلام» : «فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوه ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

ومنها : ما دل على الترجيح بموافقة الكتاب ـ من دون التعرض لموافقة السّنة ـ ومخالفة العامة ، كمصحح عبد الرحمن عن أبي عبد الله قال : قال الصادق «عليه‌السلام» : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه ، فإن لم تجدوهما في كتاب فاعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (٣).

ومنها : ما دل على الترجيح بمخالفة القوم خاصة كخبر الحسن بن الجهم ، قال : قلت للعبد الصالح «عليه‌السلام» هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ فقال : «لا والله لا يسعكم إلّا التسليم لنا». فقلت : فيروى عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» شيء ويروى عنه خلافه فبأيهما نأخذ؟ فقال : «خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه».

ومقصود المصنف «قدس‌سره» من سائر أخبار الترجيح هذه الطوائف الأربع ، فإنها غير متفقة على الترجيح بمزية معينة ؛ لدلالة الخبر الأول على الترجيح بالشهرة فقط. والخبر الثاني على الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة. والخبر الثالث على مرجحية موافقة الكتاب ومخالفة العامة. والخبر الرابع على الترجيح بمخالفة العامة خاصة.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» ٢ : ٢٣ ، جزء من ح ٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ١١٣ / جزء من ح ٣٣٣٥٤.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١١٨ / ٣٣٣٦٢ ، عن رسالة الراوندي.

(٣) الوسائل ٢٧ : ١١٨ / ٣٣٣٦٤ ، عن رسالة الراوندي.

٢٥٧

مع (١) إن في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب نظرا ،

______________________________________________________

ومن المعلوم : أن النسبة بين الخبر الأول والثاني والرابع هو العموم من وجه ، فتتعارض في المجمع وهو الخبر المشهور المخالف للكتاب والموافق للعامة ، فمقتضى الخبر الأول الأخذ به ، ومقتضى سائر الأخبار تقديم غيره عليه. والنسبة بين الخبر الثاني والرابع مع الثالث هو العموم المطلق ، والحاصل : أن أخبار الترجيح لمّا كانت متعارضة فمقتضى القاعدة سقوطها وعدم تقييد أخبار التخيير بها. وضمير «أخباره» راجع إلى الترجيح أي : أخبار الترجيح.

(١) هذا سابع إشكالات وجوب الترجيح ، ومرجعه إلى أجنبيّة بعض ما عد من مرجحات الخبرين المتعارضين ـ ومن مقيّدات إطلاقات التخيير ـ عن باب ترجيح أحد المتعارضين على الأخر.

توضيحه : ـ «على ما في منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ١٤١» ـ إن مورد أخبار الترجيح هو الخبران الجامعان لشرائط الحجّية ؛ بحيث لو لم يكن بينهما تعارض لكان كل منهما حجة فعلا ، فالمقتضي للحجّية في كل منهما موجود ، والتعارض مانع ، فالمرجّح يوجب فعليه حجّية ذيه ، والأخبار العلاجية متكفّلة لمرجّح الحجة الفعلية. فلو كان المرجّح مميّزا للحجة عن اللاحجة ـ بمعنى كون المقتضي للحجية في أحدها موجودا دون الآخر ـ كان هذا خارجا عن ترجيح الحجة على الحجة كما هو مورد البحث. والمفروض أن الخبر المخالف للكتاب ليس فيه مقتضى الحجية ؛ لأن مخالفته للكتاب تشهد بعدم صدوره ، ومن المعلوم : أن إحراز صدوره ـ ولو تعبّدا مما يتوقف عليه حجّية الخبر ، فالخبر غير الصادر ليس فيه اقتضاء الحجّية حتى يرجّح على غيره ـ أو غيره عليه ـ في الحجية الفعلية.

وعليه : فعد الطائفة الآمرة بطرح الخبر المخالف للكتاب ـ والدالة على «أنه زخرف ، وباطل» ونحو ذلك من التعبيرات ـ من الأخبار العلاجية الدالة على الترجيح في تعارض الخبرين لا يخلو من النظر. فمرجع هذا الإشكال إلى عدم كون موافقة الكتاب ومخالفته من المرجحات وأجنبيّتهما عن باب الترجيح في الخبرين المتعارضين ، وأنهما مميزتان للحجة عن اللاحجة ، ولا تصل النوبة حينئذ إلى البحث عن وجوب الترجيح واستحبابه وتقييد إطلاقات التخيير ، لما عرفت : من أن عدم المخالفة للكتاب شرط حجية مطلق الأخبار الآحاد ، سواء كانت متعارضة أم لا ، وليست من مرجحات باب التعارض.

قوله : «نظرا» اسم «أن» وحاصل وجه النظر ما تقدم من عدم حجّية الخبر المخالف للكتاب في نفسه ؛ وإن لم يكن له معارض ، فيخرج عن باب تعارض الخبرين.

٢٥٨

وجهه قوة احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه (١) غير حجة ، بشهادة (٢) ما ورد في أنه (٣) زخرف (٤) وباطل ، وليس بشيء (٥) ، أو أنه (٦) لم نقله (٧) ، أو أمر (٨) بطرحه على الجدار (٩) ، ...

______________________________________________________

(١) يعني : حتى مع عدم ابتلائه بالمعارض. لا يكون حجة.

(٢) هذا شاهد على قوة الاحتمال المذكور ، فإن التعبير «بالزخرف والباطل وأنه لم نقله» يكشف عن عدم المقتضي للحجية فيه ؛ لأنه يدل على نفي الصدور الذي لا محيص عن إثباته ولو تعبدا في حجية الخبر ؛ إذ لا معنى لحجيته مع نفي صدوره ، فهذه التعبيرات الكاشفة عن عدم الصدور مميّزة للحجة عن اللاحجة وأجنبيّة عن ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى الذي هو المقصود في تعارض الخبرين.

(٣) هذا الضمير وضمائر «نفسه ، لم نقله ، بطرحه» راجعة إلى الخبر المخالف.

(٤) كما في معتبرة أيوب بن راشد عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : «ما لا يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» (١).

(٥) يعني لم أظفر على رواية بمضمون «ما خالف كتاب الله فليس بشيء» ، نعم في رواية الحسن بن الجهم عن الرضا «عليه‌السلام» «فليس منّا» أو «فليس من حديثي» كما في بعض الروايات ومع ذلك عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، فلا بد من مزيد التتبع.

(٦) عطف على «أنه» في قوله : «أنه زخرف» والضمير إمّا للشأن ، وإمّا راجع إلى الخبر المخالف.

(٧) كما في خبر هشام بن الحكم عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال «خطب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» (٢).

(٨) عطف على «ورد» والمراد ب «ما» الموصول الأخبار الواردة في حكم الخبر المخالف للكتاب ، فكأنه قيل بشهادة الأخبار التي وردت في أن الخبر المخالف للكتاب زخرف ... أو أمرت بطرحه على الجدار.

(٩) يقول صاحب منتهى الدراية (٣) : لم نعثر على الرواية المشتملة على هذه الكلمة

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٩ / ٤ ، الوسائل ٢٧ : ١١٠ / ٣٣٣٤٥.

(٢) الكافي ١ : ٦٩ / ٥ ، الوسائل ٢٧ : ١١ / ٣٣٣٤٨.

(٣) منتهى الدراية ٨ : ١٤٣.

٢٥٩

وكذا الخبر الموافق للقوم (١) ، ضرورة (٢) : أن أصالة عدم صدوره تقيّة. بملاحظة الخبر المخالف لم مع الوثوق بصدوره لو لا القطع به (٣) ـ غير (٤) جارية ، للوثوق حينئذ (٥) بصدوره كذلك (٦) ، ...

______________________________________________________

في جوامع الأخبار ، نعم في عدة الأصول وجود خبر بهذا المضمون ، فقال الشيخ : وروي عنه «عليه‌السلام» أنه قال : «إذا جاءكم عنّي حديث فأعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط» (١).

(١) غرضه : أن وزان الخبر الموافق للعامة وزان الخبر المخالف للكتاب في الخروج عن باب مرجّحات أحد الخبرين المتعارضين والاندراج في مميزات الحجة عن اللاحجة.

توضيحه : أن حجية الخبر كما تتوقف على أصل الصدور ، كذلك تتوقف على جهة الصدور ، وهي كونه صادرا لبيان الحكم الواقعي ؛ لا لبيان غيره من تقية أو غيرها ، ولا يحصل الاطمئنان من الخبر الموافق لهم بصدوره لبيان الحكم الواقعي إن لم يحصل الاطمئنان بخلافه ، فبناء العقلاء الذي هو دليل جمعة الصدور ـ التي هي شرط الحجية الخبر ـ لا يشمل الخبر الموافق ، فيخرجان عن باب تعارض الخبرين ويدخلان في باب تعارض الحجة واللّاحجة ؛ لمغايرة ما هو شرط الحجّية لما هو مرجّح الحجية.

(٢) تعليل لقوله : «وكذا الخبر الموافق للقوم».

وحاصله : أن أصالة جهة الصدور التي هي من الأصول العقلانية المحرزة لجهة الصدور ـ التي هي إحدى الجهات التي تتوقف عليهما حجّية الخبر ـ لا تجري في الخبر الموافق لهم للوثوق بصدوره تقية بملاحظة الخبر المخالف لهم ؛ لما دلّ على كون مخالفتهم رشدا. وموافقتهم ضلالة ، ومع هذا الوثوق باختلال جهة الصدور كيف يجري الأصل العقلاني في الخبر الموافق حتى تحرز به هذه الجهة؟ وأنه صدر لبيان الحكم الواقعي.

(٣) أي : بصدوره ، وضميرا «صدوره ، وبصدوره» راجعان إلى «الخبر الموافق».

(٤) خبر «أن» و «للوثوق» متعلق ب «جارية» ، وتعليل لعدم الجريان ، وقد مرّ توضيحه بقولنا : «أن أصالة الحجية ... لا تجري في الخبر الموافق لهم».

(٥) أي : حين القطع أو الوثوق بصدور الخبر المخالف للقوم.

(٦) أي : بصدور الموافق تقية ، حاصلة : أن الوثوق أو القطع بصدور المخالف ـ الناشئ

__________________

(١) عدة الأصول ١ : ٣٥.

٢٦٠