دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وحيث كان المقتضي ـ أعني به : احتمال الإصابة ـ موجودا في كلا الخبرين ، وكان المانع متساوي النسبة إليهما ولم يكن مانعا عنهما معا ولا عن أحدهما المعيّن كان أحد المقتضيين وهو محتمل الصدق منهما مؤثرا بلا عنوان في مقتضاه ، والآخر بلا عنوان أيضا ساقطا عن التأثير ، ونتيجته حجية أحدهما وسقوط أحدهما كذلك.

ويترتب على هذا البيان أمران :

أحدهما : سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي ، فإن أحد الخبرين ـ وإن كان حجة ـ كما عرفت ـ إلّا إنه لا علامة له تميّزه عن الخبر الساقط عن الحجية لكونه بلا لون ولا عنوان أيضا ؛ لاحتمال انطباق الخبر الكاذب على كل منهما ، فلأجله يسقطان عن الاعتبار في المؤدى.

ثانيهما : نفي الثالث بالحجة الواقعية المعلومة إجمالا ، ولا يتوقف هذا النفي على العلم التفصيلي بالحجة ، فأي واحد من الخبرين كان حجة واقعا كان نافيا للثالث ؛ وذلك لأن الغرض المترقب من الحجة ـ وهو تحريك المكلف وبعثه نحو الفعل أو زجره عنه ـ وإن لم يترتب على الحجة التي لا تعيّن لها بوجه أصلا ؛ الذي هو أثر حجية الخبر واقعا ، لوجود المقتضي لنفي الثالث في أحدهما وفقد المانع منه. هذا توضيح ما أفاده المصنف بناء على الطريقية.

وأما بناء على حجية الأمارات من باب السببيّة والموضوعية ، أي : بمعنى : كون قيام الأمارة على وجوب شيء أو حرمته سببا لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى مقتضية لجعل ما يناسبها من الوجوب أو الحرمة للمؤدى على ما ينسب إلى المعتزلة ، فأحكامها مختلفة.

توضيح ذلك : أن المصنف قد ذكر صورا لتعارض الأمارتين على السببية ، ولهذا جعل أحكامها مختلفة من التساقط والتخيير بينهما مطلقا ، والأخذ بمقتضى الحكم الإلزامي إذا كان أحد المؤديين حكما إلزاميا والآخر غير إلزامي وغير ذلك.

ومبنى هذه الصور هو : محتملات حجية الأمارة على السببية من كون الحجة خصوص ما لم يعلم كذبه ، أو الأعم منه ومما علم كذبه.

وعلى الثاني : فإمّا أن يكون معنى الحجيّة إثبات المؤدى بدون التدين به ، وإمّا أن يكون معناها لزوم الالتزام والتدين به وإن كان المؤدى إباحة.

وأما الصورة الأولى ـ وهي كون الحجة خصوص ما لم يعلم كذبه ـ ، فحكمها

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

التساقط كحجيتها على الطريقية ، وقد أشار إلى حكم هذه الصورة بقوله : «فكذلك» يعني : فكما ذكرناه على الطريقية من سقوطهما في المدلول المطابقي ونفي الثالث بأحدهما ، وسيأتي تفصيل الكلام فيها في توضيح العبارة.

وأما الصورة الثانية : ـ وهي ما إذا كانت الأمارة كحدوث مصلحة أو مفسدة غير منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه ؛ بأن كانت كل أمارة مقتضية لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى ـ ففيها صور ثلاث :

الأولى : أن يكون مدلولا الأمارتين متضادين ؛ كما إذا قامت إحداهما على وجوب الإزالة عن المسجد ، والأخرى على وجوب الصلاة مثلا. وحكم هذه الصورة حكم باب التزاحم من التخيير إن لم يكن أحدهما أهم ولو احتمالا.

والوجه في إجراء حكم التزاحم هنا هو : أن المقتضي للوجوب في كل واحد منهما ـ وهو قيام الأمارة على طبقه ـ موجود ، والمانع مفقود ؛ إذ المانع هو عجز المكلف عن امتثال كلا الخطابين. وهو نظير وجوب إنقاذ الغريقين المؤمنين ؛ فإن العجز عن إنقاذهما معا لا يوجب سقوط أصل الخطاب ؛ بل يقيد وجوب إنقاذ كل منهما بترك الآخر ، ونتيجته التخيير.

الثانية : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد ، وكان مؤداهما حكمين إلزاميين كدلالة إحداهما على وجوب البقاء على تقليد الميّت والأخرى على حرمته ، فإن جعل الضدين في موضوع واحد يؤول إلى جعل المتناقضين باعتبار الدلالة الالتزامية. والحكم في هذه الصورة كسابقتها هو التخيير إن لم يكن أحدهما أهمّ من الآخر ولو احتمالا ، فإنه يقدم على ما ليس فيه هذا الاحتمال كما هو حكم المتزاحمين في جميع الموارد.

الثالثة : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد ـ كالصورة الثانية ـ وكان مؤدى إحداهما حكما إلزاميا ، ومؤدى الأخرى حكما غير إلزامي ؛ كدلالة إحداهما على حرمة ذبيحة الكتابي ، والأخرى على حليتها ، وحكم هذه الصورة لزوم الأخذ بالحكم الإلزامي وطرح غيره ؛ لعدم المعارضة بين المقتضي واللامقتضي ، فإن الإلزامي ناش من المقتضي ، بخلاف غير الإلزامي ، فإنه ليس فيه المقتضي ؛ إذ يكفي فيه عدم تحقق مقتضى الإلزام.

هذا تمام الكلام في مقتضى القاعدة الأولية على كل من الطريقية والسببيّة في حجية الأمارات. توضيح بعض العبارات.

٢٢٢

التعارض وإن كان لا يوجب إلّا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأسا (١) ، حيث (٢) لا يوجب إلّا العلم بكذب أحدهما ، فلا يكون هناك مانع عن حجية الأخر ، إلّا إنه (٣) حيث كان بلا تعيين ولا عنوان واقعا (٤) ، فإنه (٥) لم يعلم كذبه إلّا كذلك ـ واحتمال (٦) كون كل منهما كاذبا ـ لم ...

______________________________________________________

(١) أي : في كل من الدلالة المطابقية والالتزامية ؛ لأن معلوم الكذب ليس فيه مقتضي الحجية والطريقية. فالتعارض يوجب سقوط إحداهما عن الحجية لا سقوط كليهما.

(٢) تعليل لعدم إيجاب التعارض إلّا سقوط أحد المتعارضين عن الحجية ، فلا وجه لسقوط كليهما عنها ؛ إذ المانع عن الحجية ـ وهو العلم بالكذب ـ مختص بأحدهما.

(٣) أي : إلّا إن معلوم الكذب حيث إنه لم يكن له عنوان وعلامة يميّزانه عن معارضه ؛ إذ المفروض : واجدية كل منهما لشرائط الحجية ، وعدم محذور في حجية كل منهما إلّا العلم الإجمالي بكذب أحدهما واحتمال انطباق «معلوم الكذب» على كل منهما ، امتنع شمول دليل الاعتبار لهما ؛ للزوم التناقض ، كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه. أو التضاد ، كما إذا دل أحدهما على طهارة الغسالة مثلا والآخر على نجاستها ، فيسقط كلا المتعارضين عن الحجيّة في خصوص مدلولهما المطابقي.

(٤) لما مرّ من فرض واجدية كل منهما لشرائط الحجية ، وليسا كاشتباه خبر ضعيف بخبر صحيح ، فإن الصحيح متميّز عن الضعيف بما له من العنوان واقعا.

وتوضيح الفرق بين حجية أحدهما بلا عنوان وبين اشتباه الحجة باللاحجة ـ بعد اشتراكهما في صلاحية كل من البابين لنفي الثالث ـ هو : أن النافي للثالث في مسألة اشتباه الحجة باللاحجة هو الحجة الواقعية التي لها تعين واقعا وإن كانت مجهولة ظاهرا ، والنافي للثالث في مسألة حجية أحدهما بلا عنوان هو الحجة المبهمة التي لا تعيّن لها واقعا ولا ظاهرا.

(٥) أي : فإن معلوم الكذب لم يعلم كذبه إلّا كذلك أي : بلا تعيين ولا عنوان.

(٦) عطف على «كذلك» ، يعني : لم يعلم كذبه إلّا باحتمال كون كل منهما كاذبا ، ويمكن عطفه على «بلا تعيين» يعني : كان بلا تعيين ، وكان باحتمال «كون كل منهما كاذبا» ، كما يمكن كون الواو بمعنى «مع».

وعلى كل : فهذه الجملة مستغنى عنها ، فإن احتمال كذب كل منهما كان مستفادا

٢٢٣

يكن (١) واحد منهما بحجة في خصوص مؤداه ، لعدم (٢) التعيين في الحجية أصلا كما لا يخفى.

نعم (٣) ؛ يكون نفي الثالث بأحدهما لبقائه على الحجية (٤) وصلاحيته (٥) على ما هو عليه من عدم التعيين لذلك (٦) لا بهما (٧).

______________________________________________________

من نفس التعارض ، وكون الخبر الكاذب فاقدا لعلامة تميّزه عن الخبر الآخر.

(١) جواب «حيث كان» ، وقد عرفت وجه عدم حجيتهما وهو التناقض أو التضاد الذي هو منشأ أصالة التساقط الحاكم به العقل في المتعارضين ـ بناء على الطريقية ـ في خصوص المؤدى أعني به المدلول المطابقي الذي هو مورد التكاذب.

(٢) تعليل لعدم حجية كل منهما ، وحاصله : أنه لمّا كان الدليل الأوّلي للحجية قاصرا عن شمول أحدهما لا بعينه ؛ لما مرّ آنفا من لزوم التناقض أو التضاد ، فلا دليل على حجية أحدهما في مدلوله المطابقي ؛ إذ ما لم تحرز الحجة لم يكن مؤدّاها حجة.

حجية أحد المتعارضين في نفي الثالث

(٣) استدراك على عدم حجية كل منهما في مدلوله المطابقي.

وحاصله : أن التعارض يختص بمورد التكاذب وهو المدلول المطابقي للمتعارضين كما مرّ ، وأما ما لا تكاذب فيه كنفي الثالث ـ وهو المدلول الالتزامي ـ فلا مانع من حجيته فيه ، فإذا دلّ أحد المتعارضين على وجوب شيء والآخر على حرمته ، فهما وإن كانا ساقطين في مدلوليهما المطابقين أعني : الوجوب والحرمة ؛ إلّا إن حجية أحدهما لا بعينه صالحة لنفي الثالث.

(٤) لما عرفت من وجود المقتضي وفقد المانع ، فذاك الواحد مع عدم تعيّنه صالح لنفي الثالث.

(٥) عطف على «بقائه» ومفسر له ، وضميره وضمير «لبقائه» راجعان إلى «أحدهما».

وقوله : «من عدم» بيان للموصول في «ما هو».

(٦) أي : لنفي الثالث ، وهو متعلق ب «صلاحيته».

(٧) عطف على «بأحدهما» يعني : يكون نفي الثالث مستندا إلى أحدهما لا إلى كلا المتعارضين ؛ إذ مع العلم إجمالا بكذب أحدهما لا وجه لحجيتهما معا ؛ لمنافاته لحجيّتهما ، من دون منافاة لحجيّة أحدهما لا بعينه.

والظاهر : أن قوله : «لا بهما» تعريض بمن جعل نفي الثالث مدلول كلا الخبرين لا مدلول أحدهما لا بعينه.

٢٢٤

هذا (١) بناء على حجية الأمارات من باب الطريقية كما هو (٢) كذلك ، حيث (٣) لا يكون حجة طريقا إلّا ما احتمل إصابته ، فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما مانعا عن حجيّته ، وأمّا (٤) بناء على حجيّتها من باب السببيّة فكذلك (٥) لو كان الحجة

______________________________________________________

وجه التعريض : أن الباقي على الحجية هو أحدهما بلا عنوان ، وهذا ينفي الثالث ، وليس الحجة كلا المدلولين الالتزاميين كي يستند نفي الثالث إلى كلا المتعارضين.

(١) يعني : ما ذكرناه ـ من عدم حجيّتهما في المدلول المطابقي ، وحجية أحدهما في نفي الثالث ـ مبني على حجيّة الأمارات من باب الكشف والطريقية.

(٢) أي : كما أن التساقط المزبور ـ بناء على حجيّة الأمارات بنحو الكشف والطريقية ـ هو الحق.

(٣) تعليل للتساقط المذكور ، وحاصله : أن حجيّة شيء من باب الطريقية منوطة باحتمال إصابته للواقع ، فمع العلم بالكذب وعدم الإصابة لا معنى لحجيته في خصوص مؤداه.

هذا بالنسبة إلى ما علم كذبه. وأما غيره فهو على إبهامه حجة فيما لا معارض له من نفي الثالث ، وهذا هو ما تقدم من التساقط في الجملة.

مقتضى القاعدة الأوّلية في تعارض الدليلين بناء على السببيّة

(٤) هذا شروع فيما هو مقتضى القاعدة الأوّلية في تعارض الأمارتين ؛ بناء على حجية الأمارات من باب السببيّة والموضوعية.

(٥) يعني : التساقط. فكما ذكرناه على الطريقية من سقوطهما في المدلول المطابقي ونفي الثالث بأحدهما.

وأمّا تقريب هذا الاحتمال على القول بالسببيّة واشتراكه مع مبنى الطريقية فهو : أن حجيّته كل أمارة ـ على ما تقدم في الفصل السابق ـ منوطة بتمامية جهات ثلاث وهي : الصدور والدلالة والجهة. والدليل على اعتبار أصالتي الظهور والجهة هو : بناء العقلاء على الأخذ بظاهر الكلام وحمله على بيان المراد الجدي ، ومن المعلوم : أن السيرة العقلائية دليل لبيّ ، وليس لها لسان حتى يؤخذ بإطلاقه ، فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن منها عند الشك في تحقق البناء العقلائي ، والقدر المتيقن منه هو ما إذا لم يعلم كذبه ، فإنهم إذا علموا عدم إرادة المتكلم ظاهر الكلام ، وعدم كونه كاشفا عن مراده الجدّي لم يعملوا به ولم يرتّبوا عليه آثاره. وعليه : فدائرة حجية أصالتي الظهور والجهة مضيقة ؛ لاختصاصها بالظاهر المحتمل صدقه ، وعدم كون معلوم الكذب مورد عملهم. وأما أصالة

٢٢٥

هو خصوص ما لم يعلم كذبه ؛ بأن لا يكون المقتضي للسببيّة فيها إلا فيه (١) كما هو (٢) المتيقن من دليل اعتبار غير السند منها (٣) وهو بناء العقلاء على أصالتي الظهور والصدور لا لتقية ونحوها (٤) ، وكذا (٥) السند لو كان دليل اعتباره هو بناؤهم أيضا ،

______________________________________________________

السند فكذلك ؛ إذ الدليل عليها إما السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة وإما إطلاق الآيات والأخبار المتواترة إجمالا ، وشيء منهما لا يصلح لإثبات حجية الخبر المعلوم كذبه.

أمّا السيرة العقلائية : فحالها حال السيرة على أصالتي الظهور والجهة من أن المتيقن من عمل العقلاء هو عملهم بخبر الثقة المحتمل للصدق والكذب ، وإن لم يكن العمل به لأجل طريقيته إلى الواقع ، بل لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى.

وأما الأدلة اللفظية ـ كمفهوم آية البناء وجملة من الأخبار الإرجاعية ـ فمقتضى إطلاقها وإن كان حجية كل خبر حتى معلوم الكذب ؛ لكن أصل الإطلاق ممنوع ؛ لظهورها في كون المصلحة في العمل بالخبر الذي لم يعلم مخالفته للواقع ، فإن هذه الخطابات ملقاة إلى العرف ، ومن المعلوم : عدم بنائهم على العمل بالأمارة عند العلم. بالخلاف لا يبعد ظهورها في حجية الخبر المفيد للظن أو الاطمئنان ، وعدم كفاية احتمال الصدق والكذب.

وبالجملة : مفاد أدلة الاعتبار ـ بناء على الموضوعية والطريقية ـ واحد في جريان أصالة الصدور والدلالة والجهة ، وأن المصلحة تكون في العمل بالأمارة عند عدم العلم بالخلاف ، فلا مقتضي لحجيّة كليهما حال التعارض حتى يندرجا في باب التزاحم كما هو حال بعض الصور الآتية ؛ بل الحجة أحدهما لا بعينه كما هو الحال على الطريقية.

(١) أي : في خصوص ما لم يعلم كذبه ، وضمير «فيها» راجع إلى الأمارات.

(٢) أي : كون الحجة ما لم يعلم كذبه لا تفصيلا ولا إجمالا المتيقن.

(٣) أي : من جهات الأمارات وهي : الدلالة والجهة والسند.

يعني : كما أن الحجة خصوص ما لم يعلم كذبه هو المتيقن من دليل اعتبار غير السند من الجهة والدلالة من الأمارات إن كان ذلك الدليل بناء العقلاء على أصالتي الظهور والصدور لبيان الواقع ، لا لتقية. فلو علم بالخدشة في أحد الظهورين أو بالصدور تقية في أحد الخبرين لم يدل دليل الاعتبار على الحجية.

(٤) من المصالح الأخر ؛ كعدم استعداد المخاطب لإلقاء الحكم الواقعي إليه.

(٥) عطف على «غير» ، يعني : وكما هو المتيقن من دليل اعتبار السند لو كان دليل

٢٢٦

وظهوره (١) فيه (٢) لو كان هو الآيات والأخبار.

ضرورة (٣) ؛ ظهورها فيه (٤) لو لم نقل بظهورها (٥) في خصوص ما إذا حصل الظن منه أو الاطمئنان.

وأما (٦) لو كان المقتضي للحجيّة في كل واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين (٧) ، فيما إذا كانا مؤدّيين إلى وجوب الضدين أو لزوم المتناقضين (٨) ؛ ...

______________________________________________________

اعتباره بناء العقلاء ، فإن المتيقن من بنائهم أيضا هو كون الحجة خصوص ما لم يعلم كذبه ، وقوله : «أيضا» يعني : كبناء العقلاء في غير السند.

(١) عطف على «المتيقن» ، يعني : وكما هو ـ أي : خصوص ما لم يعلم كذبه ـ ظهور دليل اعتبار السند فيه لو كان دليل اعتباره هو الآيات والأخبار.

(٢) أي : في خصوص ما لم يعلم كذبه.

(٣) تعليل لظهور دليل اعتبار السند ـ الذي هو غير بناء العقلاء من الآيات والأخبار ـ في كون مقتضى السببية خصوص ما لم يعلم كذبه لو لم نقل بظهورها في خصوص ما إذا حصل الظن منه بالصدق أو الاطمئنان به.

(٤) أي : في خصوص ما لم يعلم كذبه. وضمير «هو» راجع إلى «دليل».

(٥) هذا الضمير وضمير «ظهورها» راجعان إلى الآيات والأخبار.

(٦) عطف على قوله : «لو كان الحجة» وحاصله : أن في حجية الأمارات على السببيّة تفصيلا ، وهو : أنه إذا كانت الأمارة الموجبة لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه ، فحكمها التساقط كحجيّتها بناء على الطريقية ؛ إذ المفروض : أن ما يقتضي الحجية ـ وهو ما لم يعلم كذبه ـ ليس في كلا المتعارضين مع العلم بكذب أحدهما حتى يندرجا في المتزاحمين المنوطين بوجود المقتضي في كليهما ، فلا بدّ من إجزاء حكم التعارض عليهما دون التزاحم.

وإذا كانت الأمارة الموجبة لحدوث مصلحة أو مفسدة غير منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه ـ بأن كانت كل أمارة مقتضية لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى ـ فقد ذكر المصنف «قدس‌سره» صورا ثلاثا ، وقد تقدم تفصيل الكلام في هذه الصور.

(٧) لكون كل واحد منهما لأجل سببيته لحدوث مصلحة أو مفسدة في مؤدّاه واجدا للمقتضي الذي هو مقوم باب التزاحم.

(٨) وقد عرفت بعض أمثلتهما آنفا ، ومن أمثلتهما كما لو قال أحدهما بوجوب

٢٢٧

لا فيما (١) إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزامي ، فإنه (٢) حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة (٣) : عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء.

إلّا أن يقال (٤) : بأن قضية اعتبار دليل غير الإلزامي أن يكون عن اقتضاء ، فيزاحم

______________________________________________________

كونه في عرفات ، وقال الآخر بوجوب عدم كونه في عرفات. وضمير «بينهما» راجع راجع إلى «المتعارضين».

(١) عطف على «فيما إذا» ، يعني : فلا تجري قاعدة التزاحم فيما إذا دلّ أحدهما على حكم إلزامي ، والآخر على حكم غير إلزامي ، وضمير «أحدهما» راجع إلى «المتعارضين» ، فقوله : «لا فيما إذا» إشارة إلى الصورة الثالثة المذكورة سابقا. وغرضه : عدم جريان قاعدة التزاحم في هذه الصورة.

(٢) يعني : فإن مؤدى أحدهما ـ حين كونه غير إلزامي ـ لا يزاحم مؤدى الآخر وهو الإلزامي.

(٣) تعليل لعدم مزاحمة غير الإلزامي للإلزامي.

وحاصل التعليل : ما عرفته بقولنا : «لعدم المعارضة بين المقتضي واللامقتضي».

ثم إن التفصيل الذي ذكره المصنف «قدس‌سره» في حجية الأمارات على السببية ـ بين كون مطلق الأمارة سببا لحدوث مصلحة في مؤداها ، وبين كون خصوص أمارة لم يعلم كذبهما سببا له ؛ باندراج الصورة الأولى في المتعارضين اللذين حكمهما التساقط ، والصورة الثانية في المتزاحمين اللذين حكمهما التخيير مع التساوي ، والأخذ بالأهم ولو احتمالا ، ولزوم الأخذ بخصوص الحكم الإلزامي فيما إذا كان مؤدى الآخر حكما غير إلزامي ـ تعريض بما أفاده الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» من اندراج المتعارضين بناء على حجيّة الأمارات من باب السببية مطلقا في باب التزاحم ، من دون التفصيل المذكور في المتن.

وضمير «فيه» راجع إلى «ما» الموصول المراد به المعارض الذي فيه الاقتضاء.

وضمير «به» راجع إلى الموصول في «ما لا اقتضاء فيه» المقصود به المعارض الذي ليس فيه الاقتضاء.

(٤) استثناء مما ذكره في حكم المتعارضين ـ اللذين يكون مؤدى أحدهما حكما إلزاميا ، ومؤدى الآخر حكما غير إلزامي ـ من تقديم الإلزامي على غيره.

ووجه الاستثناء : هو أن الحكم غير الإلزامي إن كان لأجل المقتضي ـ كالإلزامي ـ اندرج المتعارضان حينئذ في تعارض المقتضيين ، وخرجا عن باب تعارض المقتضي

٢٢٨

به حينئذ ما يقتضي الإلزامي ، ويحكم فعلا بغير الإلزامي ، ولا يزاحم (١) بمقتضاه (٢) ما (٣) يقتضي الغير الإلزامي ؛ لكفاية عدم تمامية علّة الإلزامي في الحكم (٤) بغيره.

نعم (٥) ؛ يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا (٦) لو كان قضية الاعتبار هو

______________________________________________________

واللامقتضي ؛ لأن الحكم غير الإلزامي نشأ أيضا عن ملاك حدث في مؤدى الأمارة بسبب قيامها عليه ، واقتضى تشريع إباحة الفعل والترك ، فيندرجان في باب التزاحم ؛ إلا إنه لا بد من الأخذ بما يدل على الحكم غير الإلزامي ؛ لعدم تأثير مقتضى الحكم الإلزامي مع وجود المانع ، وهو ما يقتضي الحكم غير الإلزامي وعدم تمامية المقتضي للحكم الإلزامي كاف في عدم تحققه وفي ثبوت غير الإلزامي وفعليته.

والضمير في «يكون» راجع إلى الحكم غير الإلزامي ، وضمير «به» أيضا راجع إلى الحكم الغير الإلزامي ، يعني : فيزاحم بغير الإلزامي ـ حين كونه عن اقتضاء ـ ما يقتضي الحكم الإلزامي ، فيقدم غير الإلزامي على الإلزامي دون عكس.

(١) بالفتح عطف على «فيزاحم» ، يعني : ولا ينعكس الأمر بأن يزاحم ملاك الحكم غير الإلزامي بملاك الإلزامي حتى يرتفع به فعلية غير الإلزامي ؛ وذلك لكفاية عدم تمامية ملاك الإلزامي في فعلية غير الإلزامي ، وعدم الحاجة إلى تمامية مقتضيه ، بخلاف فعلية الإلزامي ، فإنها منوطة بتمامية علته من وجود المقتضي وعدم المانع.

(٢) أي : بمقتضى الإلزامي.

(٣) نائب عن فاعل «يزاحم» ، والمراد ب «ما» الموصول هو : ملاك الحكم غير الإلزامي.

(٤) متعلق بقوله : «لكفاية» ، وضمير «بغيره» راجع إلى «الإلزامي».

(٥) استدراك على قوله : «لا فيما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزامي ...» الخ.

وحاصله : أنه يمكن أن يندرج في باب التزاحم ـ الذي حكمه التخيير ـ ما إذا كان مؤدى أحدهما حكما غير إلزامي ؛ بأن يقال : إن دليل اعتبار كل من المتعارضين لا يختص بإثبات المؤدى من الوجوب والحرمة والإباحة ؛ بل يقتضي وجوب الموافقة الالتزامية بمؤداه أيضا وإن لم يكن مؤدّاه حكما إلزاميا ، وحينئذ : فمع تعذر الالتزام بكليهما يلزم الالتزام بأحدهما تخييرا ، كما هو الحال في جميع الأمارات المتعارضة بناء على وجوب الموافقة الالتزامية كالموافقة العملية.

(٦) يعني : ولو كان الحكم غير الإلزامي ـ كالاستحباب ـ ممّا لا اقتضاء فيه ، لكن الالتزام به واجب وإن كان العمل غير واجب ، فيتجه حينئذ ما أفاده من اندراج المتعارضين في المتزاحمين كالواجبين المتزاحمين ؛ لعدم إمكان الموافقة الالتزامية بالنسبة إلى

٢٢٩

لزوم البناء والالتزام (١) بما يؤدي إليه من الأحكام ؛ لا مجرد (٢) العمل على وفقه (٣) بلا لزوم الالتزام به ، وكونهما (٤) من تزاحم الواجبين حينئذ (٥) وإن كان واضحا ، ضرورة (٦) : عدم إمكان الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام إلا إنه (٧) لا

______________________________________________________

كليهما كما لا يخفى.

(١) وأما إرادة الطريقية والموضوعية من قوله : «مطلقا» كما قيل ، ففيها : أنها لا تلائم الطريقية ؛ للعلم بكذب أحدهما المانع عن وجوب الالتزام بمؤدى الخبرين المتعارضين ، فلا يتجه وجوب الالتزام بهما إلّا على مبنى السببيّة الموجبة للحكم الظاهري في كل منهما ، والالتزام به ، فإنه بناء على الطريقية لا حكم أصلا حتى يجب الالتزام به كما لا يخفى.

(٢) عطف على «لزوم» ، يعني : لا مجرد وجوب الموافقة العملية ؛ بل هو مع وجوب الموافقة الالتزامية.

(٣) يعني : على وفق ما يؤدي إليه من الأحكام من دون الالتزام به. وضمير «به» كضمير «وفقه» راجع إلى الموصول في «بما يؤدى من الأحكام».

(٤) أي : وكون المتعارضين من باب تزاحم الواجبين.

(٥) أي : حين كون مقتضى دليل الاعتبار وجوب الموافقة الالتزامية ؛ وإن كان تزاحم المتعارضين واضحا ، حيث إن وجوب الالتزام بمضمون كل منهما ثابت كوجوب الواجبين المتزاحمين في سائر المقامات مع تعذر الالتزام بهما ، فلا محيص عن الالتزام بأحدهما تخييرا كسائر موارد التزاحم.

والحاصل : أنه بناء على السببية ، وعلى وجوب الموافقة الالتزامية يندرج المتعارضان في باب التزاحم مطلقا ، سواء أكانا مؤديين إلى وجوب الضدين أم لزوم المتناقضين ، أم كان مؤدى أحدهما حكما إلزاميا ومؤدى الآخر حكما غير إلزامي ، عن اقتضاء أو لا عن اقتضاء.

(٦) تعليل لكون المتعارضين ـ بناء على وجوب الموافقة الالتزامية ـ من المتزاحمين.

(٧) من الضمير للشأن.

وغرضه : الإشكال على ما أفاده بقوله : «نعم يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقا ...» الخ وهذا الإشكال يرجع إلى وجهين :

الأول : عدم دليل نقلي ولا عقلي على لزوم الموافقة الالتزامية في الأحكام الواقعية ، فضلا عن الأحكام الظاهرية التي هي مؤديات الأمارات بناء على السببية وقوله : «إلا إنه لا دليل نقلا ...» الخ إشارة إلى هذا الوجه.

٢٣٠

دليل نقلا ولا عقلا على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلا عن الظاهرية كما مرّ تحقيقه (١) وحكم التعارض (٢) بناء على السببية فيما كان من باب التزاحم (٣) هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة (٤) ، حسبما فصّلناه في مسألة الضد (٥) ؛ وإلّا (٦) فالتعيين وفيما (٧) لم يكن من باب التزاحم هو : لزوم

______________________________________________________

(١) في الأمر الخامس من مباحث القطع.

(٢) هذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم وجوب الموافقة الالتزامية حتى في الأحكام الظاهرية ـ لا يكون التخيير حكم المتزاحمين مطلقا كما ينسب إلى الشيخ «قدس‌سره» ؛ بل في خصوص ما لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها ؛ إذ لو كان أحدهما كذلك لزم الأخذ به تعيينا.

والحاصل : أن مجرد وجوب الموافقة الالتزامية لا يوجب التخيير بقول مطلق.

(٣) كما في الصورتين الأوليين وهما : لزوم وجوب الضدين كالإزالة والصلاة ، ولزوم المتناقضين كطهارة الغسالة وعدمها.

(٤) هذا قيد للترجيح بالأهمية في باب التزاحم ، يعني : أن الترجيح بالأهمية في الجملة ثابت ، وأمّا الترجيح بها مطلقا حتى مع وجود غيرها من المرجحات ـ كتقدم الزماني وعدم البدل لأحد المتزاحمين وغيرهما من المرجحات ـ ففيه كلام مذكور في محله.

(٥) لم يتقدم منه في مسألة الضد تفصيل ولا إجمال بالنسبة إلى تقديم محتمل الأهمية ، وإنما تعرض له في موضعين آخرين أحدهما : في مسألة الدوران بين المحذورين بقوله : «ولا يذهب عليك أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح ...» الخ.

ثانيهما : في حاشية الرسائل ، حيث فصّل في كلام الشيخ بتقديم محتمل الأهمية.

(٦) يعني : ولو كان أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها وجب الأخذ به تعيينا.

(٧) عطف على «فيما كان» ، يعني : «وحكم التعارض فيما لم يكن من باب التزاحم ...» الخ ، وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة وهي : ما إذا كان مؤدى أحد المتعارضين حكما إلزاميا كالوجوب ، والآخر حكما غير إلزامي كالاستحباب أو الإباحة ؛ كما إذا دلّ أحدهما على وجوب التسبيحات ثلاث مرات في الأخيرتين من الرباعيات ، والآخر على استحباب ما زاد على مرة واحدة منها فيهما.

ووجه عدم كون هذه الصورة من التزاحم هو : عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه

٢٣١

الأخذ بما دل على الحكم الإلزامي لو لم يكن (١) في الآخر مقتضيا لغير الإلزامي ؛ وإلّا (٢) فلا بأس بأخذه والعمل عليه ؛ لما أشرنا إليه من وجهه (٣) آنفا ، فافهم (٤).

هذا (٥) هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات ؛ لا الجمع (٦) بينهما بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما ، كما هو (٧) قضية ما يتراءى مما قيل من أن الجمع (٨)

______________________________________________________

لمعارضة ما فيه الاقتضاء ، فيقدم ما يدل على الحكم الإلزامي على ما يدل على غير الإلزامي ؛ إلا إذا كان ذلك أيضا ناشئا عن المقتضي ، فيقدم هو على الإلزامي كما أشار إليه بقوله : «وإلا فلا بأس بأخذه».

(١) هذا إشارة إلى قوله : «إلّا أن يقال : ...» الخ وقد تقدم توضيحه.

(٢) يعني : ولو كان في الآخر مقتض لغير الإلزامي.

(٣) وهو كفاية عدم تمامية علة الحكم الإلزامي في فعلية الحكم غير الإلزامي.

(٤) لعله إشارة إلى ضعف وجه تقديم الحكم غير الإلزامي الاقتضائي على الإلزامي ؛ بما بيّناه في التعليقة من تقديم الإلزامي على غيره لأهمية ملاكه من ملاكه.

أو إشارة : إلى أن غير الإلزامي بعد مزاحمته للإلزامي يصير لا اقتضائيا.

(٥) أي : ما تقدم من أول الفصل إلى هنا في تعارض الدليلين ـ من التساقط في المدلول المطابقي وبقاء أحدهما لا بعينه على حجيته في نفي الثالث بناء على الطريقية. وكذا الحال بناء على حجية الأمارات على السببيّة بالنحو الأول ، وهو كون السببية في خصوص أمارة لم يعلم كذبها ـ فمع العلم بكذب أحدهما إجمالا يسقط كلاهما عن الحجية. وأما على السببيّة بالنحو الآخر ـ وهو كون الأمارة مطلقا ولو مع العلم بكذبها إجمالا سببا لحدوث المصلحة والحكم الفعلي ـ فقد عرفت : أن حكمها التخيير ، وهو مقتضى القاعدة الأولية في تعارض الأمارات.

وهذا تمهيد للإشكال على قاعدة «أولوية الجمع مهما أمكن من الطرح» ، بناء على إرادة ظاهرها من لزوم التكلف في الجمع بين الدليلين حتى يخرجا عن التعارض ، ولو كان هذا الجمع بعيدا عن مذاق العرف وطريقتهم.

(٦) عطف على «هذا» ، يعني : لا أن مقتضى القاعدة هو الجمع بين المتعارضين بالتصرف في أحدهما أو كليهما.

(٧) الضمير راجع إلى «الجمع» يعني : كما أن الجمع مقتضى ما يتراءى» الخ.

(٨) واستدل على أولوية الجمع من الطرح بوجوه :

منها : الإجماع على أولوية الجمع المزبور من الطرح.

٢٣٢

مهما أمكن أولى من الطرح ؛ إذ (١) لا دليل عليه فيما لا يساعد عليه العرف مما كان المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما ، كما عرفته في الصور السابقة (٢).

______________________________________________________

ومنها : أن الأصل في الدليلين الإعمال ، فيجب الجمع بينهما مهما أمكن لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، كما ذكره ثاني الشهيدين «قدس‌سرهما» ، وغيره.

ومنها : ما ذكره الشيخ في الرسائل بقوله : «وأخرى : بأن دلالة اللفظ على تمام معناه أصلية ، وعلى جزئه تبعية ، وعلى تقدير الجمع يلزم إهمال دلالة تبعية وهو أولى مما يلزم على تقدير عدمه ، وهو إهمال دلالة أصلية» (١).

والكل مخدوش ؛ إذ في الأول : عدم حجيته ؛ لعدم حجية الإجماع المنقول سيما مع العلم بعدم تحققه ؛ لما مر من حكم المتعارضين على الطريقية وعلى بعض أنحاء السببية هو التساقط.

وفي الثاني : أن مقتضى دليل الاعتبار في كل من المتعارضين وإن كان هو لزوم إعمالهما ؛ لكنه يلزم إعمالهما بنحو يساعد عليه العرف ؛ لأنهم المخاطبون بالخطابات الشرعية.

فالنتيجة : أن الجمع لا بد أن يكون بمساعدة العرف لا مطلقا.

وفي الثالث : أن الجمع إن كان لمساعدة العرف كما في مثل العام والخاص فهو حق ؛ لكن ليس للأولوية المزبورة. وإن كان لغير مساعدة العرف فالأولوية ممنوعة ؛ لعدم دليل عليها ، وما ذكر مستندا لها مجرد استحسان لا يعبأ به ما لم يوجب أظهرية أحد المتعارضين من الآخر.

(١) تعليل لقوله : «لا الجمع بينهما» ، وقد أجاب عنه بوجهين :

أحدهما : عدم الدليل على الجمع المزبور ؛ لما عرفت : من ضعف أدلة أولوية الجمع بين الدليلين.

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «مع إن في الجمع كذلك ...» الخ.

وحاصله : أن غرض القائل بأولوية الجمع من الطرح إعمال مقتضى الأصل ، وهو الجمع بين الدليلين والفرار من محذور طرح أحدهما في أحدهما ، أو كليهما مستلزم لسقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما.

(٢) من موارد الجمع العرفي كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص أو الأظهر

__________________

(١) فرائد الأصول ٤ : ٢٠.

٢٣٣

مع (١) إن في الجمع كذلك (٢) أيضا (٣) طرحا للأمارة أو الأمارتين (٤) ، ضرورة (٥) : سقوط أصالة الظهور في أحدهما أو كليهما معه (٦) ، وقد عرفت (٧) : أن التعارض بين الظهورين فيما كان سنداهما قطعيّين (٨) ، وفي السندين إذا كانا ظنيّين (٩) ، وقد

______________________________________________________

والظاهر وغير ذلك.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) أي : بالتصرف في أحدهما أو كليهما.

(٣) أي : كطرح أحد الدليلين في استلزام الجمع طرحا لأمارة أو أمارتين.

(٤) طرح الأمارة ـ أي : أصالة الظهور ـ يكون في صورة التصرف في أحد الدليلين وطرح الأمارتين ـ أي : أصالتي الظهور ـ يكون في صورة التصرف في كلا الدليلين ، فلا وجه لأولوية الجمع من الطرح.

(٥) تعليل لكون هذا الجمع طرحا ، وقد عرفت : أن المراد بالطرح طرح أصالة الظهور.

(٦) أي : مع هذا الجمع ؛ لاستلزامه سقوط أصالة الظهور في أحد المتعارضين لو كان التصرف في أحدهما ، وسقوطها في كليهما لو كان التصرف فيهما معا.

(٧) هذا تمهيد لتوجيه أولوية الجمع من الطرح بعد الإشارة إلى التعارض موضوعا وحكما ، وأن ما ذكروه من قاعدة أولوية الجمع لا يلائم ما تقدم من حكم التعارض.

توضيح ما أفاده : أن موضوع التعارض إمّا يكون في الدلالة ؛ كما إذا كان سند المتعارضين قطعيّين ، أو في السندين وغيرهما ؛ كما إذا كانا ظنيين من جميع الجهات ، ليكون التعارض بين الأصول الستة أو من حيث السند فقط ؛ ليكون التعارض بين الأصلين ، وهما أصالتا الصدور. وحكم التعارض في جميع هذه الصور هو التساقط لا الجمع بينهما كما هو مقتضى أولوية الجمع.

(٨) لم يذكر المصنف «قدس‌سره» في الفصل السابق حكم تعارض الدليلين فيما كان سنداهما قطعيّين ؛ بل اقتصر على تعارض السندين الظنيّين مع قطعية الدلالة أو الجهة ، فلعله أراد أنه يعلم حكم قطعية السندين من مجموع ما أفاده في صور التعارض.

(٩) هذا وما قبله مما يبيّن موضوع التعارض ، وأنه قد يتحقق في الدلالة كما في قطعية سنديهما ، حيث إن القطع بالصدور قرينة صارفة عن ظهورهما بحملهما على معنيين مجازيين يمكن اجتماعهما والتعبد بهما ؛ لارتفاع التنافي بينهما الموجب لامتناع التعبد بمدلوليهما إلا بالحمل المزبور. وقد يتحقق التعارض في السند كما إذا كانا ظنيّين ، كما مرّ آنفا.

٢٣٤

عرفت (١) : أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص (٢) كل ما يؤدّيان إليه من الحكمين لا بقاؤهما (٣) على الحجية بما يتصرف فيهما أو في أحدهما (٤) أو بقاء (٥) سنديهما عليها (٦) كذلك (٧) بلا (٨) دليل يساعد عليه من عقل أو نقل ، فلا يبعد (٩) أن يكون المراد من إمكان الجمع هو إمكانه عرفا.

______________________________________________________

(١) يعني : في أول هذا الفصل حيث قال : «... لم يكن واحد منهما بحجة في خصوص مؤدّاه» ، وهذا إشارة إلى حكم التعارض ، وهو سقوط المتعارضين في خصوص المدلول المطابقي على التفصيل الذي تقدّم سابقا ، لا بقاؤهما على الحجيّة.

(٢) المراد به : المدلول المطابقي ، و «من الحكمين» بيان ل «ما» الموصول.

(٣) أي : لا بقاء المتعارضين وهو عطف علي «سقوط» ، وهذا إشارة إلى قاعدة أولوية الجمع من الطرح ، وحاصله : أن حكم المتعارضين هو التساقط عن الاعتبار ، لا بقاؤهما على الحجية كما هو مقتضى قاعدة أولوية الجمع الموجبة لارتكاب التأويل في أحدهما أو كليهما ، مع عدم وضوح عدم الدليل على حجيّة الكلام في المأوّل.

(٤) هذا الضمير وضمير «فيهما» راجعان إلى المتعارضين أي : يتصرف في ظهور كلا المتعارضين أو أحدهما ، هذا في صورة القطع بصدورهما وعدم إمكان التصرف في سنديهما لأجل هذا القطع ، فلا بد من التصرف في ظهور أحدهما أو كليهما كما تقتضيه قاعدة الجمع المزبورة.

(٥) عطف على «بقاؤهما» ، هذا في صورة ظنيّة السندين ، يعني : أنه يبنى على بقاء سنديهما على الحجية ـ التي يقتضيها دليل حجيّة الخبر ـ مع التصرف في ظهورهما أو أحدهما إعمالا لقاعدة أولوية الجمع من الطرح.

(٦) أي : بقاء سندي المتعارضين على الحجيّة.

(٧) يعني : بالتصرف فيهما أو أحدهما.

(٨) متعلق ب «بقاء سنديهما» يعني : أنه لا دليل على حجيّة سنديهما مع ظنيتهما ؛ لا من العقل ؛ لما مرّ من أن مقتضاه سقوط المتعارضين عن الحجية ، ولا من النقل ؛ لأن مقتضى الأخبار العلاجية حجية أحدهما تعيينا أو تخييرا.

(٩) هذه نتيجة ما تقدم من كون مقتضى التعارض سقوط المتعارضين عن الحجية ، لا بقاؤهما على الحجية والتصرف فيهما أو في أحدهما ، وهو التوجيه الذي أشرنا إليه في شرح قوله «قدس‌سره» : وقد عرفت : «أن التعارض بين الظهورين» ، وحاصله : أنه يمكن

٢٣٥

ولا ينافيه (١) الحكم بأنه أولى مع لزومه (٢) حينئذ (٣) وتعيّنه ، فإن (٤) أولويته من قبيل الأولوية في أولي الأرحام ، وعليه (٥) : لا إشكال ولا كلام.

______________________________________________________

توجيه قاعدة «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» بأن المراد بالإمكان الذي هو معقد الإجماع ليس ذلك الإمكان العقلي ؛ بل المراد به : الإمكان العرفي ؛ إذ العقلي منه يوجب انسداد باب التعارض رأسا ، ضرورة : إمكان الجمع عقلا بين المتعارضين في جميع الموارد ، ولو بحسب الزمان والمكان ؛ كحمل أحدهما على الليل والآخر على النهار ، أو حمل أحدهما في هذا المكان ، والآخر في المحل الكذائي ، أو بحسب حالات المكلف كالصحة والمرض والفقر والغنى وغيرها.

وعليه : فلا يبقى موضوع للأخبار العلاجية ، ومن البديهي : عدم بناء الأصحاب على اعتبار الجمع العقلي بين الأخبار المتعارضة ؛ بل بناؤهم على إعمال قواعد التعارض فيها من الترجيح والتخيير وغيرهما .. ولو كان مرادهم الإمكان العقلي لكان عملهم مخالفا لقولهم ، ولكان مقدّما على أحكام التعارض.

فلا وجه لإرادة الإمكان العقلي من القاعدة في معقد الإجماع ؛ بل المراد هو : الإمكان العرفي كحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ، وغيرهما من موارد الجمع العرفي المتقدمة سابقا.

(١) يعني : ولا ينافي الإمكان العرفي الحكم ، هذا إشكال على التوجيه المزبور ، وحاصله : أنه بناء على إرادة الإمكان العرفي يتعيّن الجمع بين المتعارضين ، لا أنه أولى ، مع أن القائلين بأولوية الجمع لم يقولوا بتعيّنه ولزومه.

(٢) هذا الضمير وضميرا «بأنه ، تعيّنه» راجعة إلى الجمع الممكن عرفا.

(٣) أي : حين إمكان الجمع عرفا. وقوله «وتعيّنه» عطف على «لزومه».

(٤) أي : فإن أولوية الجمع عرفا. وهذا دفع الإشكال ، ومحصله : أن الأولوية يراد بها التفضيل تارة ، والتعيين أخرى كما في آية «أولي الأرحام» حيث إن الإرث يختص بمن في الطبقة السابقة ، فأولويتها تعيّنية. وكذا في المقام ، فإن أولوية الجمع العرفي بين الدليلين تعينيّة.

وعليه : فالتوجيه المزبور ـ وهو حمل الإمكان على العرفي لا العقلي ـ خال عن الإشكال.

(٥) أي : وعلى هذا التوجيه لا إشكال في أولوية الجمع من الطرح ولا كلام.

٢٣٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما هو مقتضى القاعدة الأوليّة : وهل حكم العقل مع قطع النظر عن الأخبار العلاجية في المتعارضين.

فيقال : إن مقتضى القاعدة الأوليّة ـ على القول بحجيّة الأمارات من باب الطريقية ـ هو التساقط ، بمعنى : سقوط المتعارضين عن الحجيّة ؛ للعلم الإجمالي بكذب أحدهما.

نعم ؛ يمكن نفي الثالث بهما معا لا بأحدهما ، فلازم التساقط سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي ، ونفي الثالث بالحجة الواقعية المعلومة إجمالا.

٢ ـ وأما بناء على حجية الأمارات من باب السببيّة : بمعنى : كون قيام الأمارة على وجوب شيء أو حرمته سببا لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى ، مقتضية لجعل ما يناسبها من الوجوب أو الحرمة للمؤدى ، فأحكامها مختلفة من التساقط والتخيير بينهما مطلقا ، والأخذ بمقتضى الحكم الإلزامي.

وأما الصورة الأولى ـ وهي كون الحجة خصوص ما لم يعلم كذبه ـ فحكمها التساقط كحجيّتها على الطريقية.

وأما الصورة الثانية ـ وهي ما إذا كانت حجيّة الأمارة غير منحصرة في خصوص ما لم يعلم كذبه ؛ بأن كانت كل أمارة مقتضية لحدوث مصلحة أو مفسدة في المؤدى ، ففيها صور ثلاث :

٣ ـ الأولى : أن يكون مدلول الأمارتين متضادين ، وحكم هذه الصورة : حكم باب التزاحم من التخيير أو الترجيح بتقديم الأهم على غيره.

الثانية : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد ؛ كدلالة أحدهما على وجوب البقاء على تقليد الميت ، والآخر على حرمته ، وكان مؤداهما حكمين إلزاميين كهذا المثال ، والحكم في هذه الصورة : كسابقتها هو التخيير أو تقديم ما هو الأهم على غيره.

الثالثة : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد كالصورة الثانية ، وكان مؤدى إحداهما حكما إلزاميا ، ومؤدى الأخرى حكما غير إلزامي ، وحكم هذه الصورة : لزوم الأخذ بالحكم الإلزامي وطرح غيره ؛ لعدم المعارضة بين المقتضي واللامقتضي. هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى القاعدة الأوّلية.

٤ ـ وأمّا بناء على وجوب الموافقة الالتزامية ؛ كالموافقة العملية ، فيكون باب

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التعارض مندرجا في باب التزاحم مطلقا ، أي : سواء كانا مؤديين إلى وجوب الضدين أم لزوم المتناقضين ، أم كان مؤدى أحدهما حكما إلزاميا ومؤدى الآخر غير إلزامي ، كان عن اقتضاء أو لا عن اقتضاء.

إلّا إنه لا دليل على وجوب الموافقة الالتزامية في الأحكام الواقعية ، فضلا عن الأحكام الظاهرية.

٥ ـ والمراد من إمكان الجمع : هو الإمكان العرفي لا الجمع العقلي ، فإنه ممكن في جميع الموارد.

والمراد من أولوية الجمع : أولوية تعيينية لا أولوية تفضيلية.

٦ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ مقتضى القاعدة الأوّلية على الطريقية هو : التساقط.

٢ ـ نفي الثالث بهما لا بأحدهما.

٣ ـ مقتضى القاعدة الأوّلية على السببية هو : التساقط في الجملة في بعض الموارد ، والتزاحم في بعضها الآخر.

٤ ـ والمراد من إمكان الجمع بين الدليلين هو : إمكان الجمع عرفا لا عقلا.

٥ ـ والمراد من أولوية الجمع أولوية تعيينيّة لا أولوية تفضيلية.

٢٣٨

فصل (١)

لا يخفى : أن ما ذكر من قضية التعارض بين الأمارات إنما هو بملاحظة ...

______________________________________________________

في بيان مقتضى القاعدة الثانوية في باب تعارض الأخبار

(١) الغرض من عقد هذا الفصل : بيان ما تقتضيه القاعدة الثانوية النقلية في تعارض الروايات ، كما كان الغرض من عقد الفصل السابق بيان ما تقتضيه القاعدة الأولية العقلية المقتضية لتساقط المتعارضين في الجملة.

وحاصل الكلام في المقام : أنه بعد ما قام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوط الخبرين المتعارضين ، وأنه لا بد فيهما من العمل بأحدهما لا محالة ؛ إمّا تعيينا أو تخييرا إذا فرض أنه لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير ، بمعنى : أنه إذا عجزنا عن الجمع بين الأخبار العلاجية ، ولم نستفد منها وجوب الترجيح في الخبرين المتعارضين بتقييد إطلاقات أخبار التخيير بأخبار الترجيح ، أو التخيير بينهما بحمل أخبار الترجيح على الاستحباب وغيره وإن استفدنا من مجموعهما عدم سقوط المتعارضين على الإجمال.

في تأسيس الأصل في دوران الحجيّة بين التعيين والتخيير

يقع الكلام فيما هو مقتضى الأصل في دوران الحجيّة بين التعيين والتخيير ، بمعنى : إن مقتضى الأصل هل هو وجوب الأخذ بالراجح والعمل على طبقه. أو جواز العمل بالمرجوع وطرح الراجح؟

ذهب المصنف : إلى أن الأصل يقتضي التعيين ، وهو وجوب العمل بالراجح ، بدعوى : كون المقام من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجيّة ، حيث إن خروج ذي المزية عن مقتضى أصالة عدم الحجيّة قطعي إمّا تعيينا ؛ لاحتمال وجوب الترجيح ، وإمّا تخييرا لاحتمال عدم وجوبه.

وخروج غير ذي المزية عن أصالة عدم الحجيّة مشكوك فيه ، ومن المقرر في محله : كفاية الشك في الحجيّة في الحكم بعدم الحجية.

٢٣٩

القاعدة (١) في تعارضها (٢) ؛ وإلّا (٣) فربما يدّعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار ، كما اتفقت عليه (٤) كلمة غير واحد من الأخبار (٥) ، ولا يخفى (٦) : أن اللازم فيما إذا لم تنهض حجة على التعيين أو التخيير بينهما هو (٧) الاقتصار على الراجح منهما ؛ للقطع (٨) بحجيته تخييرا أو تعيينا ، بخلاف الآخر (٩) لعدم القطع بحجيته ، والأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيّته ؛ بل (١٠) ربما ادعي الإجماع أيضا على حجية خصوص الراجح.

______________________________________________________

فالمتحصل : أن المتيقن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين المتعارضين ، وأمّا مع مزية أحدهما على الآخر من بعض الجهات : فالمتيقن هو جواز العمل بالراجح ، وأمّا العمل بالمرجوح : فلم يثبت فلا يجوز الالتزام به ، فصار الأصل فيما يحتمل كونه مرجحا الترجيح به. توضيح بعض العبارات.

(١) أي : القاعدة الأوّلية العقلية المقتضية لتساقط المتعارضين في الجملة كما ذكر في الفصل السابق.

(٢) أي : في تعارض الأمارات.

(٣) أي : وإن لم تلاحظ القاعدة الأوّلية العقليّة ، فربما يدّعى قيام الدليل النقلي من الإجماع والروايات العلاجية على عدم سقوطهما معا عن الحجيّة ، وأن أحدهما حجة تعيينا أو تخييرا في خصوص الروايتين المتعارضتين ، لا جميع الأمارات المتعارضة ، وأنه لا بدّ من رفع اليد عما تقتضيه القاعدة العقلية الأوّلية من سقوطهما معا ، والالتزام بحجية إحداهما تعيينا أو تخييرا.

(٤) أي : على عدم سقوط كلا المتعارضين.

(٥) أي : الأخبار العلاجية التي هي أدلة ثانوية على حجية أحد الخبرين المتعارضين.

(٦) إشارة إلى ما هو مقتضى الأصل في دوران الحجيّة بين التعيين والتخيير ، وقد عرفت : أن الأصل يقتضي الأخذ بالتعيين.

(٧) خبر «أن» يعني : أن اللازم هو الأخذ بالراجح.

(٨) تعليل لزوم الأخذ للراجح ، وقد مرّ توضيح ذلك. وضميرا «بينهما ، منهما» راجعان إلى المتعارضين.

(٩) وهو المعارض المرجوح ؛ لكونه مشكوك الحجيّة والأصل عدمها. وضمير «بحجيته» في الموضعين راجع إلى الآخر.

(١٠) إضراب على قوله : «للقطع بحجيّته» ، يعني : بل الإجماع أيضا قائم على حجية خصوص الراجح من المتعارضين ، مضافا : إلى حكم العقل القطعي بحجيته ،

٢٤٠