دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

تذنيب (١)

______________________________________________________

باليقين مطلقا ولو إجمالا ؛ حتى يناقض مدلول «لا تنقض اليقين بالشك» ؛ بل هو حكم عقلي من عدم رفع اليد عن اليقين إلّا بمثله ، وهذا الحكم إنما يصح فيما إذا تعلق اليقين اللاحق بعين ما تعلق به اليقين السابق ، وليس ذلك إلّا العلم التفصيلي ؛ إذ العلم الإجمالي مشوب بالشك أوّلا وغير متعلق بعين ما تعلق به ذلك اليقين ثانيا ؛ لتعلق العلم التفصيلي بواحد معيّن ، وتعلق العلم الإجمالي بعنوان أحدهما ، فيتعدد متعلق العلمين ، فلا يشمل دليل الاستصحاب كلا العلمين حتى يلزم التناقض بين الصدر والذيل.

٧ ـ الوجه الثاني من الجواب : أنه لو سلم شمول الصدر لأطراف العلم الإجمالي فيقال في الجواب : إن هناك أخبار في الباب ليس فيها الذيل المذكور وعليه : فإطلاق الخطاب وشموله لأطراف العلم الإجمالي في سائر أخبار الباب محفوظ على حاله ، والمقتضي لجريانه محقق لا محالة.

فيشمل عموم «لا تنقض» أطراف العلم الإجمالي من دون محذور فيه ، وإجمال ما اشتمل على الذيل المذكور لا يسري إلى سائر أخبار الباب.

٨ ـ وأما فقد المانع : فقد أفاد المصنف في ذلك : أن المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي هو المخالفة العملية للتكليف الفعلي ، وهي لا تلزم في المقام ، فيجري كلا الاستصحابين.

٩ ـ نظريات المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ إن النسبة بين الأصول الشرعية والعقلية وبين الاستصحاب هي الورود أي : ورود الاستصحاب عليهما.

٢ ـ حكم القسم الأول من تعارض الاستصحابين هو التزاحم.

٣ ـ حكم القسم الثاني هو تقديم الاستصحاب السببي على المسببي.

٤ ـ حكم القسم الثالث هو جريان كلا الاستصحابين فيما إذا لم يلزم من جريانهما محذور مخالفة عملية.

في تقدم قاعدة التجاوز والفراغ وأصل الصحة على الاستصحاب

(١) الغرض من عقد هذا التذنيب : بيان النسبة بين الاستصحاب وبين القواعد الجارية في الشبهات الموضوعية كقاعدتي التجاوز والفراغ ، وأصالة الصحة في عمل الغير والقرعة وغيرها.

واقتصر المصنف «قدس‌سره» على ذكر نسبتها مع الاستصحاب ، ولم يتعرض

١٦١

لا يخفى : أن مثل (١) قاعدة التجاوز (٢) في حال الاشتغال بالعمل ، وقاعدة (٣)

______________________________________________________

لمباحثها ، لكونها قواعد فقهية أجنبية عن علم الأصول ، ولذا تعرض لها بعنوان التذنيب.

والظاهر : أن ما أفاده صاحب الكفاية من تقديم هذه القواعد الثلاث على الاستصحاب بالتخصيص منوط بكونها أصولا تنزيلية ؛ إذ بناء على كونها أمارات تكون واردة على الاستصحاب.

(١) التعبير بالمثل للإشارة إلى عدم اختصاص البحث بها ، وجريانه في سائر القواعد الجارية في الشبهات الموضوعية كقاعدة الفراش.

(٢) وهي قاعدة مجعولة لحكم الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة بعد الخروج عن محله والدخول في غيره ، والبناء على وجود المشكوك فيه ، وعدم الاعتناء بالشك.

ويدل عليه جملة من الروايات كصحيح زرارة : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشككت ليس بشيء» ، ورواية إسماعيل بن جابر «كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» ، وغير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

وتقريب الدلالة : أن المراد من الشك في شيء : الشك في أصل وجوده ، والمراد من التجاوز عن الشيء الخروج عن محل الشيء والدخول في غيره ، كما إذا شك في وجود جزء الصلاة كالقراءة بعد تجاوز محلها بالدخول في الركوع ، ومقتضى الخبرين : عدم الاعتناء بالشك والبناء على وجوده.

الظاهر أن مراده من قوله : «حال الاشتغال بالعمل» ، خصوصا بقرينة قوله : «وقاعدة الفراغ بعد الفراغ» اختصاص مورد قاعدة التجاوز بالشك في نفس الأجزاء حال الاشتغال بالعمل المركب قبل الفراغ عنه.

ولعل وجهه : عدم إطلاق كلمة «في غيره» في صحيحة زرارة لغير أجزاء المركب من الأعمال الأجنبية عن أجزائه ؛ بل لا بد أن يكون الغير المترتب على المشكوك فيه مثل المشكوك فيه من حيث الجزئية. وعليه : فلا تجري قاعدة التجاوز بعد الفراغ عن العمل.

(٣) «عطف على قاعدة» ، وضمير «عنه» راجع إلى العمل ، وقاعدة الفراغ شرّعت للحكم بصحة العمل الموجود إذا شك في صحته بمفاد كان الناقصة بعد الفراغ عن العمل الذي شك في صحته.

ويدل عليه موثق محمد بن مسلم : «كلّما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» (١) ، فإن ظهور «فأمضه» في الأمر بالبناء على وجود المشكوك فيه على النحو الذي

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ / ١٥٢٦.

١٦٢

الفراغ بعد الفراغ عنه ، وأصالة (١) صحة عمل الغير ، إلى غير ذلك من القواعد المقررة في الشبهات الموضوعية (٢) إلّا القرعة (٣) ؛ تكون مقدمة (٤) على استصحاباتها

______________________________________________________

ينبغي أن يقع عليه ، وهو وجوده على الوجه الصحيح مما لا ينكر.

وكذا قوله «عليه‌السلام» : «مما قد مضى» ؛ إذ معناه مما قد أتى به ، إذ بدون الإتيان به لا يصدق المضي عليه ، فلا يتطرق فيه احتمال إرادة المضي عن المحل لا عن نفس الشيء ليكون مساوقا لمثل رواية ابن جابر المتقدمة ، مما يشتمل على لفظ التجاوز الظاهر في التجاوز عن محل الشيء المنطبق على التجاوز.

وعليه : فمفاد الأخبار بنظر المصنف كما صرح به في الحاشية جعل قاعدتين ، إحداهما : البناء على وجود الشيء بمفاد كان التامة وهي قاعدة التجاوز ، وثانيتهما : البناء على وجود الشيء على النحو الذي ينبغي أن يقع عليه من كونه واجدا لشرطه وجزئه وهي قاعدة الفراغ.

(١) عطف على «قاعدة» ، وهذا الأصل أيضا من الأصول الجارية في صحة عمل الغير في قبال صحة عمل النفس بترتيب آثار صحة الشيء لا فساده ، والقدر المتيقن منه جريانه بعد إحراز أمرين ، أحدهما : أهلية الفاعل لصدور الفعل الصحيح منه ، وثانيهما : قابلية المورد.

وقد استدل الشيخ «قدس‌سره» على اعتبارها بوجوه من الإجماع والسيرة وغيرهما.

قال المصنف في الحاشية بعد المناقشة في الإجماع القولي والعملي الذي استدل به الشيخ : «نعم سيرة عامة الناس بدليل عدم ردعهم عنها يكشف عن إمضائها والرضا بها ، وإلّا كان عليهم الردع عنها ، فالأولى كان التمسك بسيرة العقلاء كما لا يخفى.

وإن كان الإنصاف استقلال العقل به لأجل اختلال نظام المعاش والمعاد كما أفاده».

(٢) كقاعدة الفراش ، وأصالة الحرية في الإنسان وقاعدة اليد بناء على كونها من الأصول لا الأمارات وقاعدة سوق المسلمين وغيرها.

(٣) استثناء من القواعد المقدمة على الاستصحاب يعني : أن تلك القواعد غير القرعة مقدمة على الاستصحاب ، وأما القرعة فالاستصحاب يقدم عليها لما سيأتي.

(٤) وجه تقدم هذه القواعد على الاستصحابات الجارية في مواردها هو أخصيتها من الاستصحاب حقيقة أو حكما.

والأخصية الحقيقية تكون في قاعدة التجاوز ؛ لأن وجود الحادث مسبوق بالعدم ، فالشك في وجوده مورد الاستصحاب العدمي ، كالشك في القراءة بعد تجاوز محلها.

١٦٣

المقتضية لفساد (١) ما شك فيه من الموضوعات ، لتخصيص (٢) دليلها بأدلتها.

وكون النسبة (٣) بينه وبين بعضها عموما من وجه ؛ ...

______________________________________________________

والأخصيّة الحكمية تكون فيما إذا كانت النسبة بين الاستصحاب وبعض تلك القواعد عموما من وجه ؛ ولكن لو قدم الاستصحاب في مورد الاجتماع استلزم ذلك قلّة المورد لتلك القواعد ؛ بحيث يكون سوق الدليل لبيان أحكام الموارد القليلة مستهجنا عند أهل اللسان ، فإن موارد اليد غير المسبوقة بيد الغير في غاية القلة ؛ بحيث يكون دليلها لبيان تلك الموارد القليلة مستهجنا عند أبناء المحاورة ، كاستهجان حمل المطلق على الفرد النادر.

هذا مضافا إلى الإجماع على عدم الفصل بين مواردها من كونها مسبوقة باليقين السابق وعدمه ، فالنسبة وإن كانت عموما من وجه ، إلّا إن هذا الإجماع يوجب تخصيص دليل الاستصحاب في مورد الاجتماع ، وتقديم أدلة تلك القواعد على دليله فيه فإن في التخصيص جمعا بين الدليلين ، وضمير «استصحاباتها» راجع إلى «الشبهات».

(١) كاستصحاب عدم الإتيان بالركوع المشكوك فيه بعد التجاوز عن محله ، فإن قاعدة التجاوز تقتضي الصحة إلّا إن الاستصحاب يقتضي الفساد. لكن ليس الفساد مطلقا مقتضى الاستصحاب ؛ إذ المشكوك فيه إن لم يكن ركنا لا يقتضي استصحاب عدم الإتيان به فساد الصلاة ، فقاعدة التجاوز تجري وتنفي سجدة السهو ، أو قضاء المتروك مما يقتضيه استصحاب عدمه.

(٢) تعليل لتقديم أدلة القواعد على دليل الاستصحاب. وضمير «دليله» راجع على الاستصحاب ، وضمير «بأدلتها» إلى القواعد.

وحاصل التعليل : تخصيص عموم دليل الاستصحاب بأدلة القواعد ، فالمقام من صغريات العام والخاص ، ولا شبهة في اقتضاء القاعدة تخصيص العام به.

(٣) هذا إشكال على تخصيص دليل الاستصحاب بأدلة تلك القواعد ، ومحصله : أن نسبة بعض تلك القواعد إلى الاستصحاب ليست بالأخصية حتى تقدم عليه ؛ بل بالعموم والخصوص من وجه.

وتوضيحه : منوط ببيان نسبة كل واحدة من هذه القواعد مع الاستصحاب فيقال : أما نسبة الاستصحاب مع قاعدة الفراغ فهي العموم من وجه لجريان الاستصحاب في جميع الشبهات الحكمية والموضوعية ؛ كوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة وعدالة زيد ، ولا معنى لجريان قاعدة الفراغ. وأما جريانها دونه فهو فيما إذا تواردت حالتان على

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المكلف قبل الصلاة وشك بعد الفراغ في المتقدم والمتأخر منهما كالحدث والطهارة ، فإنه لا يجري فيه الاستصحاب إما لقصور المقتضي وإما لوجود المانع وهو المعارضة المقتضية للسقوط ، وتجري القاعدة ويحكم لأجلها بصحة الصلاة. ومورد الاجتماع هو : أغلب موارد قاعدة الفراغ إذا كان الشك في إتيان جزء المركب أو شرطه ؛ لاقتضاء الاستصحاب عدم تحققه ؛ لكون عدمه متيقنا فيستصحب ، واقتضاء القاعدة التعبد بإتيانه لقوله «عليه‌السلام» : «بلى قد ركعت» (١) أو «فأمضه كما هو».

نعم ؛ إذا كان الشك في صحة العمل ناشئا من الشك في الزيادة المانعة كان مقتضى الاستصحاب أيضا صحة العمل لأصالة عدم الزيادة ، كما كان يقتضيها قاعدة الفراغ ، فالصلاة محكومة بالصحة حتى لو لم تشرع قاعدة الفراغ أصلا لكفاية الاستصحاب في إثبات صحتها. مع إن مورد بعض أخبار القاعدة هو الشك في النقيصة ؛ بحيث لا يمكن حمل القاعدة على خصوص الشك في الزيادة.

وعليه : فتصحيح الصلاة بخصوص القاعدة منحصر في ما كان الشك في النقيصة ، ومن المعلوم : أنه لو قدم الاستصحاب فيه للزم اختصاص القاعدة بمورد نادر وهو توارد الحالتين التي لا يجري فيه الاستصحاب ، فلا بد من تقديم القاعدة فرارا من محذور تنزيل الأخبار على الفرد النادر.

وأما نسبة الاستصحاب مع أصالة الصحة الجارية في عمل الغير : فهي أيضا عموم من وجه ، فتجري القاعدة دون الاستصحاب فيما إذا علمنا بوقوع عقد من المكلف وشككنا في كيفية وقوعه وأنه هل وقع باللفظ العربي أم وقع بالفارسي؟ مع فرض كون موضوع الأثر هو العقد العربي خاصة ، فأصالة الصحة تقتضي التعبد بوقوعه عربيا.

وحيث إنه لا علم بالحالة السابقة فلا يجري الاستصحاب ؛ إذ ليس الشك في أصل الوقوع بل في كيفيته ، إلّا بناء على جريانه في الأعدام الأزلية. وكذا لو شك في صحة عقد لأجل الشك في وقوعه حال الإحرام أو الإحلال.

ومورد الافتراق من ناحية الاستصحاب جميع الشبهات الحكمية والموضوعية التي لا تتعلق بفعل الغير. ومورد الاجتماع الشبهات الموضوعية المتعلقة بفعل الغير ، فأصل الصحة يقتضي التعبد بوجود الشرط والجزء وفقد المانع ، والاستصحاب يقتضي الفساد بعدم تحقق الجزء والشرط.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٨٥١ / جزء من ح ٥٩٢.

١٦٥

لا يمنع (١) عن تخصيصه بها ـ بعد الإجماع على عدم التفصيل بين مواردها ـ مع لزوم (٢) قلة الموارد لها جدا لو قيل ...

______________________________________________________

والاستصحاب يكون حكميا تارة وموضوعيا أخرى ، فالأول : كاستصحاب عدم ترتب النقل والانتقال على العقد الفارسي لاحتمال اعتبار العربية فيه.

والثاني : كاستصحاب عدم تحقق عقد البالغ الذي هو موضوع الأثر. وأما نسبة قاعدة اليد مع الاستصحاب ، فهي أيضا عموم من وجه ، فمورد الاجتماع أغلب موارد اليد المسبوقة بيد الغير ، ومورد الافتراق من ناحية اليد تعاقب حالتين من يد واحدة على مال ؛ كما إذا كان المال لزيد في زمان وكان عارية عنده في زمان آخر ، فالاستصحاب لا يجري ، ومن ناحية الاستصحاب ما إذا كانت حال اليد معلومة ؛ كما إذا كانت عين وديعة ثم شك في تملك الودعي لها ، فإن الاستصحاب فيها يجري دون اليد.

إذا عرفت النسبة بين هذه القواعد والاستصحاب فاعلم : أنه لا بد من إعمال قواعد التعارض في مورد الاجتماع ؛ لا تقديم تلك القواعد على الاستصحاب.

(١) خبر «كون» وإشارة إلى دفع الإشكال المزبور ، بوجهين :

أحدهما : الإجماع. والآخر : اللغوية.

وتقريب الأول : أن الإجماع على عدم الفصل بين موارد تلك القواعد وتقديمها مطلقا على الاستصحاب يجعلها حكما كالخاص في تخصيصها للاستصحاب وتقديمها عليه.

فالنتيجة : أن تلك القواعد الثلاث وإن كانت أعم من وجه من الاستصحاب لكنها بحكم الخاص في تخصيصها للاستصحاب ، وضمير «تخصيصه» راجع على «دليله» أي : دليل الاستصحاب ، وضمير «بها» راجع إلى «أدلتها» ، وضمير «مواردها» إلى «القواعد».

(٢) هذا هو الوجه الثاني لتقديم تلك القواعد على الاستصحاب ، ومحصله : أنه مضافا إلى الإجماع المذكور لا بد من تقديمها أيضا على الاستصحاب ؛ إذ لو قدم عليها لقلّ موردها ، لقلّة مورد منها لم يكن فيه استصحاب على خلافه ، وقد ثبت في محله من التعادل والترجيح : أن قلّة المورد لأحد العامين ـ إذا قدم عليه الآخر في المجمع ـ من مرجحات باب التعارض.

وقد مثلوا له بتقديم أدلة اعتصام الماء الجاري القليل على مفهوم أدلة عاصميّة الكرّ ؛ لاقتضاء إطلاق المفهوم انفعال القليل راكدا كان أم جاريا ؛ إذ لو قدم دليل عاصمية الكر

١٦٦

بتخصيصها (١) بدليله ، إذ قلّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها ، كما لا يخفى.

وأما القرعة (٢) : فالاستصحاب في موردها يقدم عليها ؛ لأخصيّة دليله من دليلها ؛

______________________________________________________

وحكم بانفعال القليل الجاري لزم كون مناط الاعتصام دائما هو الكر ، ولغوية عنوان الجاري عن موضوعيته للاعتصام.

بخلاف عدم الأخذ بمفهوم أدلة عاصمية الكر لكثرة الماء الراكد القليل الذي هو موضوع الانفعال بمفهوم «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء».

(١) أي : أدلة القواعد يعني : لو قيل بتخصيص أدلة القواعد بدليل الاستصحاب لزم المحذور المذكور وهو قلّة المورد لها ، بخلاف تخصيصه بأدلتها وتقديمها على الاستصحاب ، فإنه لا يلزم منه ذلك المحذور أصلا ؛ لكثرة موارد الاستصحاب وضمائر «لها ، منها ، خلافها» راجعة إلى «القواعد».

في تقديم الاستصحاب على القرعة

(٢) وقد عرفت استثناء القرعة من سائر القواعد التي مرّ الكلام في تقدمها على الاستصحاب.

ووجه استثنائها وتقدم الاستصحاب عليها أمران :

أحدهما : الأخصية ، والآخر : وهن دليل القرعة بكثرة التخصيص.

أما الأول : ـ وهو أخصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة ـ فلظهور دليلها في اعتبارها مطلقا ، من غير فرق فيه بين العلم بالحالة السابقة وعدمه ، بخلاف الاستصحاب ، فإن مورده خصوص العلم بالحالة السابقة ، ومقتضى قاعدة تخصيص العام بالخاص تخصيص عموم دليل القرعة بدليل الاستصحاب.

وحاصل الوجه في أعمية دليل القرعة هو : أن الأخبار المستدل بها على اعتبارها طائفتان : إحداهما : خاصة وهي الأخبار الواردة في موارد متفرقة كقطيع غنم نزى الراعي على واحدة منه ، والوصية بعتق ثلث ممالكيه وهم ستون مملوكا ، واشتباه الحر بالعبد في سقوط بيت على قوم لم يبق منهم إلّا صبيان ، وتعيين مولود جارية اجتمع عليها رجلان أو ثلاثة ، وغير ذلك مما ورد في أبواب الوصية والعتق والميراث والطلاق ، ودل على حجية القرعة في تلك الشبهات الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي.

ثانيتهما : الأخبار العامة المشتملة على عنوان «المشكل والمجهول والمشتبه» ؛ وأن «القرعة سنة» ، والمقصود من أخصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة هو : أخصيته من

١٦٧

لاعتبار (١) سبق الحالة السابقة فيه دونها واختصاصها (٢) بغير الأحكام إجماعا لا يوجب (٣) الخصوصية في دليلها بعد ...

______________________________________________________

الطائفة الثانية الشاملة لما إذا كانت الحالة السابقة معلومة ومجهولة ؛ إذ بهذا اللحاظ يكون دليل الاستصحاب أخص منها.

وأما الطائفة الأولى : فلا ريب في لزوم العمل بها في مواردها عند اجتماع شرائط الحجية.

هذا كله في إثبات الوجه الأول.

وأما الثاني فسيأتي فانتظر.

قوله : «لأخصية دليله» إشارة على الأمر الأول المتقدم بقولنا : «أما الأول وهو أخصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة ...».

وضميرا «دليله ، فيه» راجعان إلى الاستصحاب ، وضمائر «دليلها ، موردها ، عليها ، دونها» راجعة إلى «القرعة».

(١) تعليل ل «أخصية دليله» ، وقد تقدم تقريب الأخصية.

(٢) أي : «واختصاص القرعة بغير الأحكام إجماعا ...» الخ ، يعني : أن هذا إشكال على أخصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة ، ومحصله : أن النسبة بين دليلي القرعة والاستصحاب تنقلب من الأخص المطلق إلى الأخص من وجه ، فلا بد حينئذ من معاملة التعارض معهما ، لا تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب.

توضيح انقلاب النسبة : أن الإجماع على عدم اعتبار القرعة في الأحكام أوجد خصوصية فيها صارت القرعة بها أخص من وجه من الاستصحاب ؛ لاختصاصها لأجل هذا الإجماع بالشبهات الموضوعية ، كما أنها أعم من الاستصحاب ، لاعتبارها مع العلم بالحالة السابقة وبدونه. والاستصحاب أعم من القرعة ؛ لكون مورده كلتا الشبهتين الحكمية والموضوعية وأخص منها ؛ لاختصاصه بصورة العلم بالحالة السابقة ، فيتعارضان في مورد الاجتماع وهي الشبهة الموضوعية المسبوقة باليقين.

(٣) خبر «واختصاصها» ودفع للإشكال المذكور.

ومحصله : أن المعيار في لحاظ النسبة بين الدليلين من حيث العموم والخصوص ـ بحيث تكون نسبة الأخصية محفوظة بين المخصصات على كثرتها وغير منقلبة إلى نسبة أخرى ، لتساويها في الأخصية ، وعدم تقدم بعضها رتبة على الآخر حتى يتعين تخصيص العام به ، فتنقلب نسبته مع سائر المخصصات من الأخصية إلى الأعم من وجه ـ هو ظاهر

١٦٨

عموم (١) لفظها لها.

هذا مضافا (٢) إلى وهن دليلها بكثرة (٣) تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر بعمل المعظم كما قيل ، وقوة (٤) دليله بقلة (٥) تخصيصه بخصوص دليل (٦) لا يقال : ...

______________________________________________________

لفظ العام من دون نظر إلى شيء معه ، مثلا : إذا قال : «أكرم الأمراء» ، ثم قال : «لا تكرم مبتدعيهم ، وأهن أعداءهم لأهل البيت «عليهم الصلاة والسلام» واقتل ناصبيهم» إلى غير ذلك من المخصصات ، فإن نسبة كل واحد من هذه الخصوصات إلى «الأمراء» نسبة الخاص إلى العام ، ومن المعلوم : أن دليل القرعة المشتمل على عنوان «المشكل والمشتبه والمجهول» عام يشمل الشبهات الموضوعية والحكمية والمسبوقة باليقين وغيرها ودليل الاستصحاب أخص منه ، فيخصصه ، فيختص دليل القرعة بما لم يكن مسبوقا باليقين. وتخصيص دليل القرعة بعدم جريانها في الأحكام لا يوجب انقلاب النسبة بينها وبين الاستصحاب إلى الأعم من وجه حتى يتعارضا في المجمع وهو المشتبه المقرون باليقين السابق.

(١) أي : لفظ القرعة. وفي العبارة مسامحة ؛ إذ المقصود عموم الألفاظ الواردة في دليل القرعة من «المشكل والمشتبه والمجهول». وضمير «لها» راجع إلى الأحكام المراد بها الشبهات الحكمية.

(٢) هذا هو الأمر الثاني من الأمرين الموجبين لتقدم الاستصحاب على القرعة.

وحاصله : أن كثرة تخصيص دليل القرعة أوجبت ضعف ظهوره في العموم المانع عن جريان أصالة الظهور فيه ، ولذا اشتهر بينهم : أن العمل به في كل مورد منوط بعمل المشهور. وعليه : فلا مجال للعمل بالقرعة في مورد الاستصحاب استنادا إلى عمومها.

(٣) متعلق ب «وهن» ، والباء للسببية ، يعني : مضافا إلى وهن دليل القرعة بسبب كثرة تخصيصه.

(٤) عطف على «وهن» يعني : مضافا إلى وهن دليل القرعة ، فلا سبيل إلى العمل بعمومه ، وقوة دليل الاستصحاب ، فلا مانع من العمل بأصالة العموم فيه.

(٥) الباء للسببية ، يعني : وقوة دليل الاستصحاب بسبب قلّة تخصيصه ، حيث إن كثرة التخصيص ـ في عمومات القرعة ـ الموجبة لضعف الظهور ربما تمنع عن جريان الأصل العقلائي وهو أصالة العموم فيه ، فيعامل معه معاملة المجمل.

وضمير «تخصيصه» راجع إلى «دليله» وضميره راجع إلى الاستصحاب.

(٦) كتخصيص دليله بأدلة البناء على الأكثر في الركعتين الأخيرتين ؛ إذ

١٦٩

كيف (١) يجوز تخصيص دليلها بدليله؟ وقد (٢) كان دليلها رافعا لموضوع دليله لا

______________________________________________________

الاستصحاب يقتضي البناء على الأقل ، لكن تلك الأدلة خصصته ولذا لا يجوز البناء فيها على الأقلّ.

(١) يعني : كيف يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب؟ والحال أن دليل القرعة رافع لموضوع دليل الاستصحاب.

وغرضه من «لا يقال» : الإشكال على ما أفاده قبل ذلك من تقديم دليل الاستصحاب على دليل القرعة بالأخصية ، لا ما ذكره أخيرا من صيرورة المراد من دليل القرعة مجملا لكثرة التخصيص ؛ إذ مع الإجمال لا معنى لتقديم دليل القرعة ورودا أو حكومة على الاستصحاب كما هو مقصود المستشكل كما سيظهر ، وعلى هذا كان الأولى ذكر الإشكال وجوابه قبل قوله : «مضافا إلى وهن دليلها» لئلا يتوهم ارتباط الإشكال بالوجه الثاني. وكيف كان :

فتوضيح الإشكال : أن القرعة على ما يظهر من بعض الروايات تكون من الأمارات كقوله «عليه‌السلام» في خبر محمد بن حكيم : «كل ما حكم الله به فليس بمخطئ» (١) ، وقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيما رواه أبو بصير عن أبي جعفر «عليه‌السلام» : «ليس من قوم تقارعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله إلّا خرج سهم المحق» (٢) ؛ لظهورهما في إصابة القرعة بالواقع ، ومن المعلوم : أن ما جعله الشارع حجة بلحاظ كشفه عن الواقع يكون أمارة ، وقد ثبت أن الأمارة رافعة للشك الذي هو موضوع الأصول التي منها الاستصحاب ، وعليه : فلا وجه لتقديمه على القرعة بما تقدم من تخصيص دليلها بدليله.

(٢) الواو للحالية ، يعني : كيف يقدم دليل الاستصحاب على دليل القرعة؟ والحال أن دليلها رافع للشك الذي هو موضوع دليل الاستصحاب ، وهذا ناظر إلى بعض روايات القرعة الظاهرة في كشف القرعة عن الواقع ، وكونها واسطة إثباتية له.

وهذا شأن الأمارة ، وليس في الاستصحاب جهة كشف وحكاية عن الواقع.

بل هو حكم على الشك الذي يرتفع بالقرعة ، فهي كسائر الأمارات واردة أو حاكمة على الاستصحاب ، وضمير «دليلها» راجع إلى القرعة ، وضمير «دليله» راجع إلى الاستصحاب.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ : ٢٤٠ / ذيل ح ٥٩٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٩ / ذيل ح ٣٣٧٢٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٩٤ / ٣٣٩٩ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٨ / ٣٣٧١٥.

١٧٠

لحكمه (١) ، وموجبا (٢) لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه ، كما هو (٣) الحال بينه وبين أدلة سائر الأمارات ، فيكون هاهنا أيضا (٤) من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه (٥) غير دائر والتخصص (٦).

فإنه يقال (٧) : ليس الأمر ...

______________________________________________________

(١) يعني : لا لحكم الاستصحاب مع بقاء موضوعه حتى يبقى مجال للبحث عن تقدمه على القرعة ، بدعوى : تحقق موضوع كل منهما وكونهما متعارضين.

(٢) عطف على «رافعا» ومفسر له ؛ حيث إن الأمارة الكاشفة عن الواضع ترفع الشك وتوجب كون نقض اليقين باليقين بالحجة ـ وهي القرعة ـ على خلاف اليقين السابق. وضمير «خلافه» راجع إلى اليقين في قوله : «نقض اليقين» وقوله : «بالحجة» متعلق ب «باليقين» أي : القطع بحجية القرعة في موارد الشبهة.

(٣) أي : رفع الموضوع حال سائر الأمارات مع الاستصحاب ، وضمير «فيكون» راجع إلى تقديم الاستصحاب.

(٤) يعني : كغير القرعة من سائر الأمارات في دوران الأمر بين تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب بلا وجه أو بوجه دائر ، حيث إن مخصصيته لدليل القرعة موقوفة على اعتباره ، وهو موقوف على مخصصيته بالتقريب الذي تقدم في تقديم الاستصحاب على سائر الأصول ، وهذا دور محال ، وبين التخصص أعني به : الخروج الموضوعي ، حيث إن الأخذ بالقرعة يوجب ارتفاع الموضوع وهو نقض اليقين بالشك ، والاندراج في نقض اليقين باليقين بالحجة على الخلاف. لكن المراد بالتخصص هنا هو الورود ، فإن الخروج وإن كان موضوعيا ، لكنه تشريعي لا تكويني.

(٥) فيكون خارجا عن الموازين.

(٦) عطف على «التخصيص».

(٧) هذا جواب الإشكال المزبور ، ومرجع هذا الجواب إلى فساد قياس القرعة بسائر الأمارات المقدمة على الاستصحاب ورودا أو حكومة.

توضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٨١٥» ـ أن موضوع سائر الأمارات مجهول الحكم بالعنوان الأولي كحرمة شرب الخمر وحلية الخلّ ونظائرهما من أحكام العناوين الأولية ، فإذا قام خبر الثقة على حرمة شرب التتن مثلا كان رافعا للشك الذي هو موضوع الاستصحاب ، وواردا أو حاكما عليه ، وموضوع القرعة هو مجهول مطلقا وبكل عنوان ـ لا في الجملة ـ فلو علم الحكم بعنوان الاستصحاب ارتفع المشكل الذي

١٧١

كذلك (١) ، فإن (٢) المشكوك مما كانت له حالة سابقة وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه (٣) بعنوانه الواقعي ؛ إلّا (٤) إنه ليس منها بعنوان ما طرأ عليه من نقض اليقين بالشك ، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق (٥) لا في الجملة (٦).

______________________________________________________

هو موضوع في القرعة ؛ لكون الاستصحاب رافعا لموضوعها ، فيقدم عليها. واختلاف الموضوع في القرعة وسائر الأمارات أوجب الفرق بينهما في تقدم الاستصحاب على القرعة ، وتقدم سائر الأمارات على الاستصحاب.

(١) أي : دائرا بين التخصيص بلا وجه والتخصص ، على التفصيل الذي تقدم.

(٢) تعليل لقوله : «ليس الأمر كذلك» ، وبيان لعدم كون القرعة مقدمة على الاستصحاب كتقدم سائر الأمارات عليه ، وحاصله : ما تقدم من : أن الموضوع في القرعة هو المجهول من جميع الجهات والعناوين ولو بعنوان نقض اليقين بالشك ؛ إذ الظاهر من لفظ «المشكل» ونظائره هو الجهل والاشتباه بقول مطلق وبكل عنوان ، والاستصحاب بيان لحكم المجهول بعنوان ثانوي وهو نقض اليقين بالشك ، ورافع لموضوع دليل القرعة بهذا العنوان الثانوي ، فالمشكوك الذي يجري فيه الاستصحاب لا يشمله دليل القرعة ؛ لعدم كونه مجهول الحكم بقول مطلق.

(٣) وغيرها كعنوان «الملتبس» مما هو مذكور في أدلة القرعة ، يعني : وإن كان المشكوك في الاستصحاب مجهول الحكم بعنوانه الواقعي كسائر الأمارات غير القرعة ، ولذا يرتفع الشك في الاستصحاب بالأمارة القائمة على الحكم الواقعي ؛ لكن القرعة ليست كذلك ؛ لأن موضوعها هو الجهل المطلق وبجميع العناوين ، ومن المعلوم : ارتفاعه بالاستصحاب ؛ لأنه موجب لوضوح الحكم في الجملة بعنوان ثانوي وهو نقض اليقين بالشك.

(٤) أي : إلّا إن المشكوك الذي له حالة سابقة ليس من «المشكل ونظائره» بعنوان ثانوي ؛ إذ المراد به هو المجهول في الجملة لا مطلقا ، بخلاف الجهل في دليل القرعة ، فإنه الجهل المطلق ، ولذا يرتفع بوضوح الحكم في الجملة ولو بعنوان نقض اليقين بالشك.

(٥) إذ المشكل المطلق ومثله «المجهول والمشتبه والملتبس» ظاهر في الجهل الذي لا سبيل إلى رفعه كما مرت الإشارة إليه آنفا ، والضمير المستتر في «أن يكون» راجع إلى المشكوك ، وضمير «منها» إلى عناوين «المشكل والمجهول والمشتبه».

(٦) يعني : كما في سائر الأمارات ، فإن الموضوع فيها هو مجهول الحكم بعنوانه الواقعي لا مطلقا.

١٧٢

فدليل (١) الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق (٢) عليه حقيقة رافع لموضوعه أيضا (٣) ، فافهم (٤).

فلا بأس (٥) برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر ...

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة كون موضوع دليل القرعة المجهول المطلق وبكل عنوان ، ومقتضاه : تقدم الاستصحاب على القرعة ؛ لكونه بيانا للحكم بعنوان ثانوي ، ورافعا للجهل المطلق بوجه.

(٢) هذا و «الدال» نعتان ل «دليل» ، وضمير «عليه» راجع إلى «المشكوك» الذي له حالة سابقة وضمير «لموضوعه» راجع إلى دليل القرعة ، يعني : فدليل الاستصحاب يدل على أمرين : الأول : حكم الشك الذي له حالة سابقة وهو حرمة النقض ، والثاني : رفع الجهل الذي يكون موضوع دليل القرعة بعد صدق المشكوك عليه حقيقة.

(٣) يعني : كما أن دليل الاستصحاب يكون مثبتا لحكم موضوعه أعني : الشك المسبوق باليقين ، كذلك يكون رافعا لموضوع دليل القرعة.

(٤) يحتمل قويا أن يكون إشارة إلى ضعف التفصيل بين القرعة والاستصحاب في كون الجهل في القرعة هو الجهل المطلق ، وفي الاستصحاب هو الهمل في الجملة ؛ بل المراد بالجهل في كليهما واحد ، وهو إما عام في كل منهما وإما خاص كذلك.

نعم ؛ لو قيل بظهور عنوان «المشكل» في بعض أخبار القرعة فيما ادعاه المصنف من عدم وضوح الوظيفة لا واقعا ولا ظاهرا ؛ إذ مع تعيين الوظيفة بالاستصحاب وجعل الحكم المماثل يتعين العمل به وإن لم ينكشف الواقع به ، ويرتفع الإشكال الموضوع في دليل القرعة.

وهذا بخلاف عنوان «المجهول» لظهوره في الجهل بالواقع خاصة.

(٥) سوق الكلام يقتضي تفرعه على ما أفاده من كون دليل الاستصحاب رافعا لموضوع دليل القرعة ؛ لكن لا يناسبه حينئذ التعليل بقوله : «لوهن عمومها» ؛ لعدم المناسبة بينه وبين المعلل ؛ بل لا بد من التعليل برافعية دليل الاستصحاب لموضوع دليل القرعة.

ولذا احتملنا قويا كون الأمر بالفهم إشارة إلى ضعف ما أفاده في وجه تقديم الاستصحاب على القرعة من التفصيل بينهما في الجهل الذي مرجعه إلى رافعيته لموضوع دليل القرعة ، وبعد تضعيفه اختار في تقديمه على القرعة الوجه الذي ذكره قبل ذلك بقوله : «مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر» ، ولذا أعاده هنا معتمدا عليه ومعللا به ، وقال : «لوهن عمومها وقوة

١٧٣

بينه (١) وبين رفع اليد عن دليله ، لوهن عمومها وقوة عمومه كما أشرنا إليه آنفا (٢) ، والحمد لله أوّلا وآخرا ، وصلى الله على محمد وآله باطنا وظاهرا

______________________________________________________

عمومه» ، وهذا التعليل يشهد بتضعيف التفصيل المزبور بقوله : «فافهم» ، واختار الوجه السابق بشهادة هذا التعليل.

(١) أي : بين رفع ، اليد عن دليل القرعة ، وبين رفع اليد عن دليل الاستصحاب.

وضمير «عمومها» راجع إلى القرعة ، وضمير «عمومه» إلى الاستصحاب.

(٢) وهو قوله : «مضافا إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الغرض من عقد هذا التذنيب : بيان النسبة بين الاستصحاب وبين القواعد الجارية في الشبهات الموضوعية ؛ كقاعدتي التجاوز والفراغ وأصالة الصحة في عمل الغير والقرعة وغيرها.

ثم ما أفاده المصنف من تقديم هذه القواعد الثلاث غير القرعة ـ على الاستصحاب بالتخصيص ـ منوط بكونها أصول تنزيلية ؛ إذ بناء على كونها من أمارات تكون واردة أو حاكمة على الاستصحاب.

٢ ـ جملة من الروايات تدل على قاعدتي التجاوز والفراغ كصحيحة زرارة «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء» ، «كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه».

وأما تقريب دلالة هاتين الروايتين على قاعدة التجاوز : فإن المراد من الشك في شيء هو : الشك في أصل وجوده ، والمراد من التجاوز عن شيء هو : الخروج عن محل الشيء والدخول في غيره ، ومقتضى الخبرين عدم الاعتناء بالشك والبناء على وجود الشيء بعد التجاوز عن محله. هذا في قاعدة التجاوز.

وأما قاعدة الفراغ : فقد شرعت للحكم بصحة العمل الموجود إذا شك في صحته بعد الفراغ عن العمل الذي شك في صحته.

ويدل عليه موثق محمد بن مسلم «كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو» ، فإن ظهور «فأمضه» في الأمر بالبناء على وجود المشكوك فيه على النحو الذي ينبغي أن يقع عليه وهو وجوده على النحو الصحيح مما لا ينكر.

٣ ـ وجه تقديم هذه القواعد ـ غير القرعة ـ على الاستصحابات الجارية في مواردها

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هو أخصية هذه القواعد من الاستصحاب حقيقة أو حكما والأخصية الحقيقية تكون في قاعدة التجاوز ؛ لأن وجود الحادث مسبوق بالعدم ، فالشك في وجوده مورد للاستصحاب العدمي كالشك في القراءة بعد تجاوز محلها.

والأخصية الحكمية تكون فيما إذا كانت النسبة بين الاستصحاب وبين بعض تلك القواعد عموما من وجه. فيلزم من تقديم الاستصحاب قلّة موارد تلك القواعد بخلاف تقديمها عليه حيث لا يلزم هذا المحذور.

٤ ـ والإشكال : على تخصيص دليل الاستصحاب بأدلة تلك القواعد فيما إذا كانت النسبة بينهما عموما من وجه ، فيقع التعارض بينهما في مادة الاجتماع ، فيرجع إلى قواعد باب التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا معنى لتخصيص دليل الاستصحاب بأدلة تلك القواعد مدفوع بأحد وجهين :

أحدهما : الإجماع ، فإن الإجماع على عدم الفصل بين موارد تلك القواعد وتقديمها على الاستصحاب مطلقا يجعلها حكما كالخاص في تخصيصها للاستصحاب وتقديمها عليه بالتخصيص.

ثانيهما : يلزم من تقديم الاستصحاب عليها قلة مواردها ، بخلاف تقديمها على الاستصحاب ، فلا يلزم هذا المحذور.

ولزوم قلّة مورد تلك القواعد مانع عن تقديم الاستصحاب عليها.

٥ ـ في تقديم الاستصحاب على القرعة وجهان :

أحدهما : الأخصّية.

والآخر : وهن دليل القرعة بكثرة التخصيص.

وأما أخصية دليل الاستصحاب من دليل القرعة : فلظهور دليلها في اعتبارها مطلقا ، من غير فرق فيه بين العلم بالحالة السابقة وعدمه ، بخلاف دليل الاستصحاب فإن مورده هو خصوص العلم بالحالة السابقة ، ومقتضى قاعدة تخصيص العام بالخاص هو تخصيص عموم دليل القرعة بدليل الاستصحاب.

وأما وهن دليل القرعة : فلأن كثرة التخصيص في عمومات القرعة الموجبة لضعف الظهور ربما تمنع عن جريان الأصل العقلائي وهو أصالة الظهور فيه ، فيعامل معه معاملة المجمل ، فيكون الاستصحاب مقدما عليها لكونه أقوى الدليلين.

٦ ـ والإشكال : بأنه كيف يجوز تخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب؟ والحال

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أن دليل القرعة رافع لموضوع دليل الاستصحاب لأنها من الأمارات ـ كما هو مفاد بعض الروايات في باب القرعة ـ مدفوع ؛ بفساد قياس القرعة بسائر الأمارات المقدمة على الاستصحاب ورودا أو حكومة ؛ لأن موضوع سائر الأمارات هو مجهول الحكم بالعنوان الأولي كحرمة شرب الخمر وحلية الخلّ ونحوهما.

وأما موضوع القرعة : فهو مجهول مطلقا وبكل عنوان ، فلو علم الحكم بعنوان الاستصحاب ارتفع موضوع القرعة وهو المجهول المطلق.

فالاستصحاب رافع لموضوعها فيقدم عليها.

٧ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ تقديم قاعدتي التجاوز والفراغ وأصالة الصحة في عمل الغير على الاستصحاب في مواردها.

٢ ـ تقديم الاستصحاب على القرعة.

١٧٦

المقصد الثامن

في تعارض الأدلة والأمارات (١)

______________________________________________________

(١) وقبل الخوص في أصل البحث ينبغي تقديم أمور :

١ ـ أن الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» عبّر عن هذا البحث بلفظ الخاتمة ، حيث قال : «خاتمة في التعادل والترجيح» (١). وهذا التعبير منه ، مشعر بكونها خارجة عن المسائل الأصولية ، مع أنها من أهم المسائل الأصولية ، فلا وجه لجعله خاتمة لعلم الأصول.

٢ ـ أن التعبير عن هذا البحث بتعارض الأدلة كما في المتن هو الأصح من التعبير ب «مبحث التعادل والترجيح» كما في بعض نسخ الكتاب ولعله من سهو الناسخ أو الطابع.

٣ ـ في عطف الأمارات على الأدلة احتمالان :

الأول : كون العطف تفسيريا إشارة إلى وحدة المعنى وترادف لفظي الدليل والأمارة.

الثاني : مغايرة المعطوف للمعطوف عليه كما هو مقتضى العطف ؛ إذ القاعدة في العطف هي المغايرة بينهما كما نسب إلى الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، فحينئذ : يكون الدليل مختصا بالأحكام ، والأمارة مختصة بالموضوعات.

ومن هنا يظهر : أن في عبارة المتن جهات من البحث منها : جعل مباحث التعادل والترجيح من مقاصد علم الأصول لا خاتمة مباحثه كما عن الشيخ «قدس‌سره».

ومنها : أولوية التعبير ببحث تعارض الأدلة من التعبير ببحث التعادل والترجيح.

ومنها : إرادة معنى من الأدلة والأمارات هنا أو إرادة معنيين.

وقبل التعرض لهذه الجهات لا بأس ببيان الوجه الموجب للبحث عن التعادل والترجيح فيقال : إن همّ الفقيه من تنقيح مباحث الأصول هو تحصيل الحجة على الحكم الشرعي ، ولا ريب في أن فعلية كل حجة بمعنى جواز الاستناد إليها في مقام الاستنباط ، تتوقف على وجود المقتضي للحجية وفقد المانع عنها.

__________________

(١) فرائد الأصول ٤ : ٧.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

توضيحه : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ٥» ـ أن استنباط الحكم الشرعي من أخبار الآحاد التي هي عمدة أدلة الفقه منوط بأمور :

الأول : حجية خبر الواحد ؛ بأن يكون خبر العدل أو الثقة طريقا لإحراز صدور الحكم الشرعي من النبي والولي «صلى الله عليهما وآلهما».

الثاني : ظهور الألفاظ الواردة في الخبر في معانيها وعدم إجمالها ؛ كدلالة صيغة «افعل» على الوجوب ، ودلالة صيغة «لا تفعل» على الحرمة ، ودلالة الجملة الشرطية على المفهوم ، وألفاظ العموم على العموم ، وعدم دلالة الأمر الواقع عقيب الحظر أو توهمه على الوجوب ، وغير ذلك من الأمور المبحوث عنها في مباحث الألفاظ الراجعة إلى تعيين صغريات الظهورات.

الثالث حجية ظواهر الألفاظ بنحو الكبرى الكلية ، سواء وردت في الكتاب أم في السنة ، في قبال من يدّعي اختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه أو غير ذلك.

الرابع : علاج تعارض الأخبار ؛ لما يتراءى من التنافي بين الأخبار المأثورة عن الأئمة المعصومين «عليهم‌السلام» ، خصوصا في أبواب العبادات.

أما الأمر الأول : فيتكفله بحث خبر الواحد ؛ إذ قد عرفت هناك وفاء الأدلة ـ من الكتاب والسنة المتواترة إجمالا والسيرة العقلائية الممضاة شرعا ـ بإثبات اعتبار خبر الثقة أو الموثوق به.

وأما الأمر الثاني : فيتكفله العرف واللغة ، وقد تقدم في مباحث الألفاظ جملة منها.

وأما الأمر الثالث : فيبحث عنه في مسألة حجية ظواهر الألفاظ ، وأن ظواهر الكتاب والسنة تكون حجة في حقنا كحجيتها في حق الموجودين في عصر التخاطب.

وبتمامية هذه الأمور الثلاثة يتمّ المقتضي لحجية خبر الواحد ، فإذا تصدى المجتهد للاستنباط ولم يكن للخبر معارض كان الخبر حجة فعلية أي : منجّزا للواقع على تقدير الإصابة ومعذّرا عنه على تقدير الخطأ ؛ وإن كان للخبر معارض أو معارضات لم يجز التمسك به إلّا بعد علاج التعارض ؛ وذلك لقصور أدلة حجيّة الخبر وظاهر الكلام عن شمولها بحال التعارض ، بناء على ما هو الحق من حجيّة الأمارات على الطريقية.

وحينئذ : يكون أحد الخبرين المتعارضين حجة شأنية لا حجة فعلية ، ومن المعلوم : أن ما يصلح للاستناد إليه في مقام الاستنباط هو الحجة الفعلية لا الاقتضائية ، وتتوقف هذه الحجية الفعلية ـ في الأخبار المتعارضة ـ على قيام دليل ثانوي على حجية أحد الخبرين

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تعيينا أو تخييرا. وهذا المقصد الثامن يتكفل البحث عن هذا الدليل الثانوي ، ويعيّن وظيفة الفقيه الذي يواجه الأخبار المتعارضة في كثير من الأبواب.

ويلزم البحث حينئذ عن جهات :

منها : أن الأصل في تعارض الخبرين هو التخيير أو التساقط.

ومنها : حجية المتعارضين في المدلول الالتزامي أعني : نفي الثالث وعدمها.

ومنها : عدد المرجحات واعتبار الترتيب بينهما وعدمه.

ومنها : التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى كل ما يوجب أقربية أحد المتعارضين إلى الواقع وعدمه.

ومنها : حكم معارضة أكثر من خبرين ومسألة انقلاب النسبة. وغير ذلك مما سيأتي بحثه في هذا المقصد إن شاء الله تعالى.

إذا اتضح ما ذكرناه من شدة الحاجة إلى تنقيح مسائل تعارض الأدلة لدخلها في الاستنباط ، فلنعد إلى ما أردنا بيانه من الجهات الثلاث ، فنقول :

أما الجهة الأولى : فمحصّل الكلام فيها : أنه قد جعل جمع من الأصحاب المسائل الباحثة عن أحكام تعارض الأدلة في خاتمة مباحث علم الأصول ، كما جعلها من المقاصد ، فمن الطائفة الأولى : صاحب المعالم والقوانين والفصول والشيخ الأنصاري ، ففي المعالم (١) والرسائل : «خاتمة في التعادل والترجيح».

وفي الفصول : «خاتمة في تعارض الأدلة» (٢).

ومن الطائفة الثانية : العلامة في محكي التهذيب والمحقق الرشتي في البدائع ، والمصنف «قدس‌سرهم».

والظاهر : أن ما صنعه المصنف أولى ؛ إذ البحث عنه بعنوان الخاتمة ربما يكون ظاهرا في خروجه عن مسائل علم الأصول كخروج الأمور المبحوث عنها في المقدمة ـ كمسألة الاشتراك والصحيح والأعم والمشتق ونحوها ـ عن مسائل العلم ، مع وضوح : انطباق ضابط المسألة الأصولية عليه ، فإن تعريف علم الأصول ـ سواء كان هو «العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الكلية» ، أم كان هو «ما يبحث فيه عن عوارض الأدلة» أم غيرهما ـ ينطبق على أحكام تعارض الأدلة ، فلا وجه لجعلها خاتمة العلم إلّا إذا أريد

__________________

(١) معالم الدين : ٢٤٩.

(٢) الفصول الغروية : ٤٣٥.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اختتام مسائل علم الأصول بها ، لا خروجها عن حاق مباحثه.

وفي المقام احتمال ثالث له وجه وجيه ، وهو ما نبّه عليه الفقيه الأعظم الأصفهاني «قدس‌سره» من أنه ينبغي جعل هذا المقصد الثامن تتمة لمباحث حجية خبر الواحد ؛ لرجوع البحث فيه إلى حجية الخبر المعارض وعدمها ، كحجية خبر المعارض ، فراجع تقدير بحثه الشريف : «منتهى الوصول ، ص ٢٥١».

وأما الجهة الثانية : فتقريبها : أنهم جعلوا عنوان هذه المباحث تارة «التعادل والترجيح» بلفظ المفرد ، أو «التراجيح» بصيغة الجمع المذكورين في عدة من كتب الأصول ، وأخرى : «تعارض الأدلة» كما في المتن وعدة أخرى من العبارات.

والظاهر : أولوية التعبير الثاني من الأول ؛ لأن «تعارض الأدلة» عنوان جامع لكل من المتعارضين المتعادلين في المزايا ، والواجد أحدهما لمزية دون الآخر. ومع كون نفس الكلي ـ مع الغض عن خصوصيات أفراده ـ ذا حكم فالأنسب جعل نفسه عنوان البحث دون أفراده. ومن المعلوم : أن لنفس التعارض أحكاما مثل : كون الأصل فيه التساقط أو التخيير ، ومثل : أولوية الجمع بينهما مهما أمكن من الطرح ، ونحوهما.

مضافا إلى : مناسبة هذا العنوان لما ورد في بعض أخبار العلاج أعني : به مرفوعة زرارة التي فيها «الخبران المتعارضان».

ولعل نظر المحقق القمّي «قدس‌سره» ـ في الجمع بين الألفاظ الثلاثة المذكورة ـ إلى التنبيه على تكفل هذا البحث لأحكام نفس الكلي وأفراده معا. فتأمل جيّدا.

وأما الجهة الثالثة : فتقريبها : أنهم اصطلحوا على تسمية الطريق المعتبر في الأحكام بالدليل وفي الموضوعات بالأمارة ، فخبر الثقة إن كان مؤداه حكما شرعيا ـ كوجوب صلاة الجمعة ـ كان الخبر دليلا ، وإن كان موضوعا خارجيا ـ بناء على اعتباره فيها ـ سمّي أمارة كسائر الطرق المثبتة للموضوعات كالبيّنة والإقرار.

لكن الظاهر أن المقصود بهما في المتن أمر واحد ؛ لأن موضوع البحث في باب التعارض هو الأخبار التي هي أدلة الأحكام ، وعليه : يكون عطف «الأمارات» على «الأدلة» تفسيريا.

فإن قلت : إن الفقيه كما يثبت له منصب الإفتاء بالأحكام الكلية كذلك يثبت له التصدي للقضاء وفصل الخصومة ، وحينئذ : فكما يلزمه تعيين حكم الخبرين المتعارضين والشهرتين المتعارضتين في مقام الإفتاء ، فكذلك يلزمه تعيين حكم البيّنتين المتعارضتين من

١٨٠