دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

كانت النسبة بينها (١) متعددة ؛ كما (٢) إذا ورد هناك عامّان من وجه (٣) مع ما هو أخص مطلقا من أحدهما (٤) ، وأنه (٥) لا بد من تقديم الخاص على العام (٦) ومعاملة (٧) العموم من وجه بين العامّين (٨) من (٩) الترجيح والتخيير بينهما وإن (١٠) انقلبت النسبة

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «حالها» راجعان إلى «المتعارضات».

(٢) هذا بيان للمتعارضات المتعددة النسبة ، نظير «أكرم الأمراء ولا تكرم فساقهم ، ويستحب إكرام العدول» فإن النسبة بين الأولين أخص مطلقا ، فيخصّص الأول بالثاني ، ونتيجة هذا التخصيص : «وجوب إكرام الأمراء العدول» ، والنسبة بين الأول والثالث عموم من وجه ، فيعامل معهما معاملة هذه النسبة في مورد الاجتماع ـ وهو الأمير العادل ـ من تقديم أحدهما على الآخر تعيينا أو تخييرا.

ولا تنقلب نسبة العموم من وجه إلى الأخص المطلق ، بأن يخصّص «إكرام الأمراء» ب «لا تكرم فساقهم» ؛ لتكون النتيجة بعد هذا التخصيص «وجوب إكرام الأمراء العدول» ، ثم تلاحظ نسبته وهي الأخصيّة المطلقة إلى «استحباب إكرام العدول» حتى يجب النسبة التي كانت بينهما قبل تخصيص «أكرم الأمراء» ب «لا تكرم فساقهم» من العموم من وجه.

والحاصل : أن النسبة بين المتعارضات قبل العلاج لا تنقلب إلى نسبة أخرى بعد العلاج ، خلافا لما سيأتي من الشيخ الأنصاري من الالتزام بانقلاب النسبة في بعض موارد تعدد نسبة المتعارضات.

(٣) نظير «أكرم الأمراء ويستحب إكرام العدول» كما مرّ آنفا.

(٤) مثل : «لا تكرم الأمراء الفساق» فإنه أخص مطلقا من «أكرم الأمراء».

(٥) عطف على «حالها» ، يعني : وقد ظهر أنه لا بد من تقديم الخاص ... الخ.

(٦) كتقديم «لا تكرم فساق الأمراء» على «أكرم الأمراء» تخصيصا.

(٧) عطف على «تقديم الخاص».

(٨) ك «أكرم الأمراء ويستحب إكرام العدول» في المثال المتقدم قريبا.

(٩) بيان لمعاملة العموم من وجه ، وضمير «بينهما» راجع إلى «العامّين».

(١٠) وصلية يعني : أن نسبة العموم من وجه بين العامّين وإن انقلبت إلى نسبة العموم المطلق بعد تخصيص أحد العامّين بخاصّه ؛ لكن لا عبرة بهذا الانقلاب ، والمدار في الترجيح والتخيير هو النسبة السابقة بين العامّين من وجه ، فلا بد في مورد الاجتماع من إعمال الترجيح أو التخيير. وفي مثل هذه الصورة خالف المصنف الشيخ في التزامه

٣٤١

بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما (١) ؛ لما (٢) عرفت : من أنه لا وجه إلّا لملاحظة النسبة قبل العلاج.

نعم (٣) ؛ لو لم يكن الباقي ...

______________________________________________________

بانقلاب النسبة ، قال : «وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة ، فإن كان فيها ما يقدم على بعض آخر منها إمّا لأجل الدلالة كما في النص والظاهر أو الظاهر والأظهر ، وإما لأجل مرجح آخر قدّم ما حقه التقديم ، ثم لوحظت النسبة مع باقي المتعارضات ، فقد تنقلب النسبة وقد يحدث الترجيح ...» (١).

(١) كما عرفت في مثال «أكرم الأمراء» ؛ فإنه بعد تخصيصه ب «لا تكرم فساقهم» تنقلب نسبته إلى «يستحب إكرام العدول» من العموم من وجه إلى العموم المطلق ، ضرورة : أن نسبة «وجوب إكرام الأمراء العدول» إلى «استحباب إكرام العدول» أخص مطلقا ؛ لكن لا تلاحظ هذه النسبة الحادثة ؛ بل المدار على النسبة السابقة ، وإجراء حكم التعارض في مورد الاجتماع ـ وهو الأمير العادل ـ بتقديم دليل الوجوب أو الاستحباب إن كان فيه مزية ، وإلّا فالتخيير.

(٢) تعليل لما أفاده من ملاحظة النسبة قبل العلاج ومعاملة العموم من وجه بين العامّين وإن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما كما عرفت تفصيله في المتعارضات المتحدة النسبة.

(٣) استدراك على قوله : «وأنه لا بد من تقديم الخاص ومعاملة العموم من وجه بين العامّين من الترجيح» ، هذا تعريض بالشيخ الأنصاري «قدس‌سره» حيث إنه قدّم العام كقوله : «أكرم الأمراء» بعد تخصيصه ب «لا تكرم فساقهم» على معارضه وهو «يستحب إكرام العدول» لانقلاب نسبة العموم من وجه بين «أكرم الأمراء» ، وبين «يستحب إكرام العدول» بعد تخصيص «أكرم الأمراء» ب «لا تكرم فساقهم» إلى الأخص المطلق ؛ لصيرورة «وجوب إكرام الأمراء العدول» أخص مطلقا من «يستحب إكرام العدول» فيخصّصه ، وتصير النتيجة بعد التخصيص : استحباب إكرام العدول ، إلّا الأمراء العدول ، فإن إكرامهم واجب. والسر في الالتزام بانقلاب النسبة هنا هو : أنه لو لاه لزم إلغاء النّص أو طرح الظاهر المنافي له رأسا ، وكلاهما باطل.

وبيانه : أن «أكرم الأمراء» عام عارضه دليلان أحدهما بالعموم المطلق ، والآخر بالعموم

__________________

(١) فرائد الأصول ٤ : ١١١.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من وجه. ولو خصّصنا «أكرم الأمراء» ب «يستحب إكرام العدول» بأن تخرج مادة الاجتماع ـ وهي الأمير العادل ـ عن حيّز العام وتبقى تحت حكم العام الآخر ، فإما أن يخصّص العام المخصص ـ وهو الأمير الفاسق ـ بالخاص الآخر وهو «لا تكرم فساقهم» ، ويلزم لغوية العام رأسا ؛ لعدم بقاء فرد ل «أكرم الأمراء» حينئذ ، وإما أن لا يخصص به ، فيلزم طرح الخاص أعني : «لا تكرم فساقهم».

ومن المعلوم : بطلان كلا اللازمين ، فيتعيّن تخصيص العام أولا بخاصّه ثم ملاحظة النسبة مع العام الآخر.

وحاصل تعريض المصنف بما أفاده الشيخ هو : أن التعارض بين الدليلين ـ كما تقدم في ردّ مقالة الفاضل النراقي ـ يلاحظ دائما بالنظر إلى ظهور الدليلين قبل علاج التعارض بين أحدهما ومعارضه الآخر ، فإن العلاج من قبيل رفع المانع ؛ لا إحراز المقتضي وهو الظهور. ولا تفاوت في هذا المناط بين تساوي نسبة المتعارضات وتخالفها.

وعليه : فتقديم العام بعد تخصيصه على معارضه لا يصح مطلقا كما يظهر من الشيخ ؛ بل يتجه في صورة واحدة وهي : ما إذا لم يبق تحت العام المخصص إلّا أفراد نادرة بحيث لا يجوز تخصيصهما ثانيا في مورد الاجتماع ؛ إمّا لعدم بقاء فرد للعام المخصص ، وأما لقلّة أفراده ، بحيث يستهجن التخصيص إلى ذلك الحدّ. مثلا إذا لم يبق تحت «أكرم الأمراء العدول» ـ الذي هو نتيجة تخصيص «أكرم الأمراء بلا تكرم فساقهم» ـ إلّا أفراد ثلاثة ، والمفروض : أنهم مادة اجتماع «أكرم الأمراء العدول ويستحب إكرام العدول» كان إخراج هذه الأفراد الثلاثة عن حيّز. «أكرم الأمراء العدول» موجبا للاستهجان العرفي ؛ بل فوقه ، فلا محيص عن إبقاء هذه الأفراد تحت «أكرم الأمراء العدول» ووجوب إكرامهم ، وعدم إدراجهم في «يستحب إكرام العدول».

ووجه تقديم العام المخصص حينئذ على العام الآخر هو : كون العام المخصص كالنص في الباقي ، فتقديمه على معارضه لا يكون لانقلاب النسبة بينه وبين «يستحب إكرام العدول» حتى يستند تقدمه إلى الترجيح أو التخيير اللذين هما من أحكام المتعارضين ؛ بل لأقوائية الدلالة ، حيث إن لفظ «الأمراء» بعد تخصيصه ب «لا تكرم فساقهم» يصير كالنص في «الأمراء العدول» المفروض كونهم ثلاثة ، فيقدّم لأجلها على «يستحب إكرام العدول» ويحكم بوجوب إكرامهم لا باستحبابه.

وبالجملة : فالعام المخصّص ـ لقلّة أفراده ـ صار كالنص في مورد الاجتماع وهو في

٣٤٣

تحته (١) بعد تخصيصه إلّا إلى ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان (٢) بعيدا جدّا لقدّم (٣) على العام الآخر ؛ لا لانقلاب (٤) النسبة بينهما (٥) ؛ بل لكونه (٦) كالنص

______________________________________________________

المثال «أكرم الأمراء العدول» بخلاف العام الآخر ـ وهو يستحب إكرام العدول ـ فإنه بمقتضى عمومه ظاهر في مورد الاجتماع.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه : أن المصنف وافق الشيخ «قدس‌سره» في المثال المتقدم على أصل تقديم «أكرم الأمراء» في مادة الاجتماع على «يستحب إكرام العدول» ؛ لكن مناط التقديم عند كل منهما غير ما هو عند الآخر ، فهو بنظر الشيخ مستند إلى التخصيص الناشئ من انقلاب النسبة ، وبنظر المصنف مستند إلى تقديم المباين على المباين بمناط قوّة الدلالة ـ لا التخصيص ـ لأن «أكرم الأمراء» صار نصا في منتهى مراتب التخصيص أعني : «الأمير العادل» ، ويكون شمول «يستحب إكرام العدول» للأمير العادل بالظهور المستند إلى العموم ، ومن المعلوم : عدم رعاية قاعدة التعارض ـ من الترجيح والتخيير ـ بين النص والظاهر ؛ بل يقدّم النص على غيره حتى في المتباينين والمتعارضين بالعموم من وجه ، ولا تنقلب النسبة ؛ لما تقدم في ردّ مقالة الفاضل النراقي من أن مدار التعارض على ظهور الدليل وهو لا يتغيّر بورود المخصص المنفصل ، فإنه يزاحم حجية الظهور لا أصله.

(١) أي : تحت العام بعد تخصيصه إلّا إلى حدّ لا يجوز أن يتعدى عنه التخصيص وهو البلوغ إلى درجة يجوز التخصيص إليها ؛ لكن لا يجوز تجاوز التخصيص عنها ؛ للزوم محذور تخصيص الأكثر أو استيعاب جميع أفراد العام ، كما إذا كان الباقي تحت العام بعد التخصيص ثلاثة أشخاص مثلا ، فإنه لا يجوز تخصيصهم ثانيا.

(٢) عطف على «لا يجوز» يعني : أو كان التعدّي عنه بعيدا عن المحاورات ، كما إذا كان التخصيص مستلزما لتخصيص الأكثر وغير واصل إلى حد الاستيعاب.

(٣) جواب «لو لم يكن» ، والمراد بالعام الآخر في المثال هو : «يستحب إكرام العدول».

(٤) يعني : لقدّم العام المخصص على العام الآخر لا لأجل انقلاب النسبة بينه وبين العام الآخر كما يقول به الشيخ «قدس‌سره» ؛ بل لكون العام المخصص كالنص في الباقي بعد التخصيص ، ومن المعلوم : تقدّم النص أو الأظهر على الظاهر.

(٥) أي : بين العام المخصص والعام الآخر.

(٦) أي : لكون العام بعد التخصيص ، وضمير «فيه» راجع إلى «الباقي».

٣٤٤

فيه ، فيقدم (١) على الآخر (٢) الظاهر فيه بعمومه ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) يعني : فيقدّم العام المخصّص على العام الآخر الظاهر في الباقي ، فإن دلالة «أكرم الأمراء» بعد تخصيصه ب «لا تكرم فساقهم» على مادة الاجتماع تكون كالنص لقلته ، بخلاف «يستحب إكرام العدول» ، فإن دلالته على الباقي تكون بالظهور المستند إلى أصالة العموم والأول أقوى دلالة من الثاني ، فيقدم عليه من جهة أقوائية الدلالة ؛ لا من جهة التعيين أو التخيير اللذين هما من أحكام المتعارضين اللذين يكون العامان من وجه من صغرياتهما.

(٢) يعني : على العام الآخر الظاهر في الباقي بسبب عمومه مثل : «يستحب إكرام العدول». في المثال المتقدم. وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ محل الكلام : ما إذا كان هناك أكثر من دليلين كما لو ورد «أكرم العلماء» وورد «لا تكرم فساق العلماء» وورد «لا تكرم النحويين» ، والحق عند المصنف : أن يقدم الخاصان على العام ، فيحرم إكرام فساق العلماء وإكرام النحويين ، وهذا هو المشهور.

وقد وقع الفاضل النراقي في اشتباه وخطأ حيث توهّم انقلاب النسبة بأن يخصّص «أكرم العلماء» أولا ب «لا تكرم فساق العلماء» ، وبعد التخصيص بالخاص الأول تلاحظ النسبة بين العام المخصص ـ وهو العلماء غير الفساق ـ وبين الخاص الثاني أعني : «لا تكرم النحويين».

والنسبة حينئذ تكون عموما من وجه ، فتنقلب النسبة من العموم المطلق إلى العموم من وجه ؛ لأنهما يجتمعان في النحوي العادل ، ويختص الأول بالفقيه العادل ، والثاني بالنحوي الفاسق. وقد انعقد هذا الفصل لدفع هذا التوهم.

٢ ـ وحاصل دفع هذا التوهّم : أن هذا التوهم مبني على أن يكون لحاظ النسبة طوليا وليس الأمر كذلك ؛ بل لحاظ النسبة يكون عرضيا وفي مرتبة واحدة ، فلا يلزم الانقلاب أصلا.

أو يقال : إن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات وأنها باقية حتى بعد تخصيص العام بمخصص منفصل ؛ لأن المخصص المنفصل يزاحم حجية ظهور العام لا أصل الظهور.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فظهور العام محفوظ على حاله ولو بعد تخصيصه بأحد الخاصين ، فكانت النسبة بينه وبين الخاص الثاني عموما مطلقا ، كما كانت كذلك قبل تخصيصه بأحد الخاصين ، فيعامل معهما معاملة العام والخاص لا معاملة العامين من وجه كما يقول به الفاضل النراقي.

٣ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو عدم انقلاب النسبة ، وبقاء ظهور العام في العموم وحجيته في الباقي.

٣٤٦

فصل (١)

لا يخفى : أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح الآخر

______________________________________________________

رجوع المرجحات إلى الصدور

(١) الغرض من عقد هذا الفصل : إرجاع جميع المرجحات ـ من المنصوصة وغير المنصوصة ـ إلى المرجح الصدوري. وعدم مراعاة الترتيب بينها.

توضيح الأمر الأول ـ وهو الإرجاع ـ يتوقف على مقدمة وهي : أن مجموع المرجحات من غير تقييد بكونها من المنصوصات أو غيرها على قسمين : «داخلية» و «خارجية».

وأما المرجحات الخارجية ـ أعني : كل مزية مستقلة في نفسها ولو لم يكن هناك خبر أصلا ـ فسيأتي تفصيل الكلام فيها في الفصل الأخير.

وأما المرجحات الداخلية ـ أعني : كل مزية غير مستقلة في نفسها ـ فهي على أقسام كلها لدى المصنف من مرجحات السند ، فإنها موجبة لتقديم أحد السندين وحجيته فعلا ووجوب الأخذ به وطرح الآخر رأسا ، وهو متين جدا.

وقد أشار المصنف إلى تلك الأقسام بقوله : «وإن كانت على أنحاء مختلفة ومواردها متعددة ، من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه». وقوله : «مثل الوثاقة والفقاهة» مثالان للمرجح الذي مورده راوي الخبر ؛ بأن يكون أحد الراويين أوثق أو أفقه من الآخر.

«والشهرة» أي : الشهرة في الرواية مثال للمرجح الذي مورده نفس الخبر ؛ بأن يكون هذا الخبر مشهورا في كتب الحديث لا نادرا.

«ومخالفة العامة» مثال للمرجح الذي مورده وجه صدور الخبر ؛ بأن يكون وجه صدوره بيان الحكم الواقعي.

«والفصاحة» مثال للمرجح الذي مورده متن الخبر بأن يكون الخبر فصيحا.

«وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب» مثالان للمرجح الذي مورده مضمون الخبر ؛ بأن يكون مضمونه موافقا للكتاب أو لفتوى الأصحاب.

٣٤٧

بناء (١) على وجوب الترجيح وإن كانت (٢) على أنحاء مختلفة ، ومواردها (٣) من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه ، مثل الوثاقة والفقاهة (٤) والشهرة ومخالفة العامة (٥) والفصاحة وموافقة الكتاب والموافقة لفتوى الأصحاب ، إلى غير

______________________________________________________

فهذه المرجحات وإن كانت مختلفة إلّا إنها موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه وطرح الآخر.

هذا خلاصة الكلام في رجوع هذه المرجحات إلى المرجح الصدوري وأما عدم مراعاة الترتيب بين هذه المرجحات : فتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أنه على القول بعدم التعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها والاقتصار على المرجحات المنصوصة ، لا بد من مراعاة الترتيب بينها كما ذكر في الروايات.

وأما على القول بالتعدي : فالمناط في الترجيح إفادة الظن بالصدور أو الأقربية إلى الواقع.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يسقط البحث عن الترتيب بين المرجحات ؛ إذ على القول بعدم التعدي فلا بد من الترتيب بينها ، وعلى القول بالتعدي فلا موضوعية لشيء من المرجحات ؛ بل المدار على الظن الحاصل منها.

نعم ؛ يتجه البحث حينئذ عن أن أيا منها يوجب الظن بالصدور أو الأقربية إلى الواقع ، وأيّا منها لا يوجب ذلك ، وهذا غير اعتبار الترتيب بينها.

(١) توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية :

«بناء» قيد لقوله : «الموجبة» ، حيث إن إيجاب المرجحات للأخذ بالخبر الواجد لتلك المرجحات مبني على القول بوجوب الترجيح بها ؛ إذ بدونه لا وجه للأخذ بذي المزية تعيينا.

(٢) هذه الجملة إلى قوله : «إلّا إنها موجبة» خبر قوله : «أن المزايا».

(٣) أي : معروضات المزايا متعددة ، فقد تعرض المزية نفس الخبر ، وقد تعرض راويه كالوثاقة والفقاهة ، فقوله : «من راويه ...» بيان ل «مواردها».

(٤) هذان مرجحان لراوي الخبر ، ومثلهما العدالة ونحوها مما ذكر في المقبولة.

(٥) مثال للمرجح الذي مورده جهة الصدور ؛ لكن عدّها من عوارض جهة الصدور ـ بمعنى : كون موردها جهة الصدور ـ لا يخلو من مسامحة ؛ لأن جهة الصدور ليست شيئا يعرضه مخالفة العامة ؛ إذ الجهة مما ينتزع من مضمون الخبر ، فينبغي عدّ مخالفة القوم من مرجحات مضمون الخبر لا من مرجحات الجهة.

٣٤٨

ذلك (١) مما يوجب مزيّة في طرف من أطرافه (٢) ، خصوصا (٣) لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة ؛ إلّا إنها (٤) موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه (٥) وطرح الآخر ، فإن (٦) أخبار العلاج دلّت على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها ونواحيها (٧) ، فجميع هذه من مرجحات (٨) السند حتى (٩) موافقة الخبر للتقية ، فإنها أيضا (١٠) مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته فعلا وطرح الآخر رأسا.

______________________________________________________

(١) كأضبطية الراوي وكون تحمّله للخبر بعد البلوغ والنقل باللفظ في أحد الخبرين والنقل بالمعنى في الآخر ، فإنها غير شهرة الرواية مثلا نوعا وموردا.

(٢) أي : من أطراف الخبر.

(٣) قيد لقوله : «وإن كانت على أنحاء مختلفة» ، يعني : أنه بناء على التعدّي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها تصير المزايا ومواردها أكثر من المزايا المنصوصة ومواردها ؛ كقلّة الوسائط وقلّة التكرار في بعض الأحاديث وكثرته ، كما في حديث تحف العقول ، وغير ذلك من المزايا المختلفة سنخا وموردا.

(٤) هذا راجع إلى قوله : «وإن كانت على أنحاء مختلفة» يعني : أن المزايا وإن كانت على أنحاء مختلفة مع اختلاف مواردها إلّا إنها ترجه إلى السند وتوجب قوّته ورجحانه وسقوط الآخر عن الحجية.

(٥) أي : وترجيح أحد السندين على الآخر.

(٦) هذا تقريب كون المزايا موجبة لتقديم أحد السندين على الآخر.

ومحصله : أن مفاد أخبار العلاج هو تقديم رواية ـ ذات مزية ـ على رواية فاقدة لها ، والمراد بالتقديم هو : جعلها حجة وصادرة لبيان الحكم ، فالمرجحات كلها ترجع إلى ترجيح السند ، فتعامل معاملة الصدور مع ذيها ، سواء كان موردها رأي الخبر ومتنه وغيرهما.

(٧) هذا الضمير وضمير «أطرافها» راجعان إلى «رواية».

(٨) الظرف مستقر وخبر ل «فجميع» ، والمراد ب «هذه» جميع المرجحات.

(٩) يعني : حتى تعدّ موافقة الخبر للتقية ـ التي عدّت من المرجحات الجهتية المتأخرة رتبة عن أصل الصدور ـ من المرجحات السندية ؛ لأنها توجب رجحان أحد السندين وحجيّته فعلا وسقوط الآخر عن الحجية رأسا.

(١٠) أي : فإن موافقة الخبر للتقية تكون كسائر المرجحات في كونها موجبة لرجحان أحد السندين وإن كان موردها الجهة.

٣٤٩

وكونها (١) في مقطوعي الصدور متمحضة في ترجيح الجهة لا يوجب (٢) كونها كذلك (٣) في غيرهما ، ضرورة (٤) : إنه لا معنى للتعبد بسند ما يتعيّن حمله على التقية ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى توهم ودفعه :

أما التوهّم فتقريبه : مقايسة المقام ـ أعني : الخبرين الظنيين سندا ـ بالخبرين القطعيين كذلك في كون مخالفة العامة مرجحة من حيث الجهة ؛ بأن يقال : إن مخالفة القوم كما تكون مرجحة جهتية في القطعيين ، كذلك تكون مرجحة جهتية في الظنيين ؛ إذ لا فرق في مرجحيتها من حيث بين الظنيين والقطعيين ؛ لحجيتهما معا ، غاية الأمر : أن الحجية في القطعيين ذاتية وفي الظنيين تعبدية ، فلا موجب لجعل مخالفة العامة مرجحة للصدور في الظنيين فقط ؛ بل لا بد أن تكون مرجحة لجهة الصدور في القطعيين أيضا.

وأما دفع التوهّم فمحصله : أن مقايسة الظنيين بالقطعيين غير صحيحة ؛ لأنها مع الفارق ضرورة : أن القطع الوجداني بالسند في القطعيين يوجب حمل الموافق للعامة على التقية ، فتكون مخالفة العامة مرجحة لجهة الصدور لا لنفسه ؛ إذ لم يرد من الشارع تعبّد في ناحية السند مثل : «صدّق العادل». وحيث كان الصدور قطعيا ولم يكن قابلا لإعمال التعبد الشرعي ، فلا معنى لجعل مخالفة العامة ـ التي هي من المرجحات التعبدية مرجحة للسند ؛ بل يتعين كونها مرجحة للجهة.

هذا بخلاف الظنيين ، فإن صدورهما تعبدي لا وجداني ، ومن المعلوم : أن التعبد موقوف على الأثر الشرعي ، ولا أثر هنا إلّا الحمل على التقية الذي هو عبارة أخرى عن الطرح ، فلا يصح التعبد بصدور الخبر الموافق للعامة ثم حمله على التقية ، بخلاف المخالف لهم فإن التعبد بصدوره مما له الأثر ، فيحكم بصدوره لمخالفته للعامة ، فهذه المخالفة مرجحة لصدوره بعد أن كان مقتضى أدلة حجيّة الخبر صدور كليهما ؛ لكن لأجل التعارض لا يمكن الحكم بصدورهما معا فيحكم بصدور المخالف لهم.

وبالجملة : فالمخالفة للعامة مرجحة للسند في الخبر المخالف لهم لترتب الأثر عليه.

(٢) خبر ل «وكونها» ودفع للتوهم المزبور. وقد عرفت توضيح الدفع.

(٣) يعني : مرجحة للجهة ، وضمير «كونها» راجع على المخالفة وضمير «غيرهما» راجع إلى «مقطوعي الصدور».

(٤) تعليل لقوله : «لا يوجب». وهذا إشارة إلى عدم أثر شرعي يترتب على التعبد بسنده حتى يصح التعبد بصدوره ؛ إذ لا أثر لهذا التعبد إلّا الحمل على التقية الذي هو معنى الطرح ، وليس هذا أثرا شرعيا يصحّح التعبد كما تقدم توضيحه آنفا.

٣٥٠

فكيف (١) يقاس على ما لا تعبّد فيه للقطع بصدوره؟

ثم (٢) إنه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي ، وإناطة الترجيح بالظن أو بالأقربية إلى الواقع ضرورة (٣) : أن قضية ذلك تقديم الخبر الذي ظنّ (٤) صدقه أو كان (٥) أقرب إلى الواقع منهما ، والتخيير (٦) بينهما إذا تساويا ، فلا وجه (٧)

______________________________________________________

(١) يعني : فكيف يقاس ما فيه التعبد ـ الموجب لحمله على التقية ـ على ما لا تعبد فيه ؛ للقطع بصدوره الذي لا يعقل معه التعبد.

فالمتحصل : فساد قياس مظنوني الصدور ـ اللذين يتعبد بصدورهما ـ على مقطوعي الصدور.

عدم مراعاة الترتيب بين المرجحات

(٢) هذا إشارة إلى الأمر الثاني الذي انعقد هذا الفصل لبيانه وهو مراعاة الترتيب بين المرجحات ، وهذا مبني على القول بالتعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها. وأمّا على القول بعدم التعدي فلا بد من مراعاة الترتيب كما ذكر في أخبار الترجيح.

وقد تقدم وجه عدم مراعاة الترتيب فلا حاجة إلى التكرار والإعادة ، فنذكر توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(٣) تعليل لعدم الوجه لمراعاة الترتيب بناء على القول بالتعدي ؛ لما مرّ آنفا من عدم دخل شيء ـ من خصوصيات المزايا المنصوصة ـ في الترجيح ؛ إذ المناط فيه هو إفادة المرجحات للظن ، سواء كانت من المنصوصة أم غيرها ، والمراد ب «ذلك» هو التعدي.

(٤) هذا إشارة إلى أن المناط في الترجيح بالمزايا هو الظن بالصدور أو الأقربية إلى الواقع ، من دون دخل خصوصية شيء من المرجحات في الترجيح.

(٥) عطف على «ظنّ» يعني : أن مقتضى التعدي تقديم الخبر الذي ظنّ صدقه ، أو كان أقرب إلى الواقع من الخبر الآخر. وعليه : فالأولى تبديل «منهما» ب «من الآخر» وإرجاع ضمير التثنية إلى الخبرين وإن كان صحيحا ؛ لكنه ليس مذكورا في العبارة أولا ، ويوهم أن هذا الخبر المظنون الصدور أو المظنون المطابقة إلى الواقع غير هذين الخبرين ثانيا.

(٦) عطف على «تقديم» ، يعني : أن مقتضى التعدي هو التخيير بين الخبرين مع تساويهما في المزايا الموجبة للظن الفعلي بصدورهما ؛ لإمكان ذلك مع الظن بخلل في دلالتهما أو جهتهما.

(٧) هذه نتيجة ما ذكره من التعدي إلى غير المزايا المنصوصة ؛ لكون المناط في الترجيح هو الظن بالصدور أو أقربية المضمون إلى الواقع ، ضرورة : أن المرجح هو الظن

٣٥١

لاتعاب النفس (١) في بيان أن أيّها يقدّم أو يؤخّر إلّا (٢) تعيين أن أيها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها (٣) مع الآخر.

وأما (٤) لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله (٥) وجه ؛ لما يتراءى من ذكرها

______________________________________________________

من أيّ سبب حصل ، فلا وجه حينئذ لإتعاب النفس في أن أيّها يقدّم أو يؤخذ ؛ إذ المرجح حقيقة هو الظن بالصدور أو الأقربية من دون دخل الخصوصية المزايا.

(١) من جماعة من المحققين كالوحيد البهبهاني والشيخ الأنصاري وبعض تلاميذه «قدس الله أرواحهم الطاهرة» ، فإنهم أتعبوا أنفسهم في بيان الترتيب بين المرجحات بعد تقسيمها إلى المرجح الصدوري والجهتي والمضموني ؛ بتقديم الصدوري على الجهتي لتأخر جهة الصدور رتبة عن أصل الصدور ، بتقديم المرجح المضموني على الجهتي.

(٢) استثناء من قوله : «فلا وجه لإتعاب النفس».

غرضه : توجيه ما تعرّضوا له من ترتيب المرجحات بعد نفي الوجه في اعتبار ترتيبها بناء على التعدي عن المزايا المنصوصة بمناط الظن.

ومحصل توجيهه : أن بيان ترتيب المرجحات لا وجه له إلّا تعيين المزية التي توجب الظن الذي هو مناط التعدي في صورة تزاحم بعض المرجحات مع بعضها الآخر كموافقة أحد الخبرين للشهرة ، ومخالفة الآخر للعامة وهكذا ، فيمكن أن يقال : إن مخالفة العامة في صورة المزاحمة للشهرة توجب الظن دون الموافقة للشهرة.

(٣) أي : مزاحمة بعض المرجحات مع البعض الآخر.

(٤) عطف على «لو قيل» ، والأولى أن يقال : «بخلاف ما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة ، فإن له وجها».

وكيف كان ؛ فالغرض من هذه العبارة : بيان حال ترتيب المرجحات ـ من حيث الاعتبار وعدمه ـ بناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم التعدي إلى غيرها.

وتوضيح ما أفاده هو : أنه بناء على عدم التعدي يمكن الالتزام بالترتيب بين المرجحات استنادا إلى ذكرها بالترتيب في المقبولة والمرفوعة ، حيث إن المذكور في المقبولة ابتداء صفات الراوي من الأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية ، ثم الشهرة ، ثم موافقة الكتاب والسنّة ، ثم مخالفة العامة ، وفي المرفوعة ابتداء الشهرة ، ثم صفات الراوي ثم مخالفة العامة ، ثم موافقة الاحتياط.

(٥) أي : فلاعتبار الترتيب وجه. وقوله : «لما يتراءى» بيان للوجه ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «حيث إن المذكور في المقبولة ابتداء ...» الخ ، وضمير «ذكرها» راجع إلى «المزايا».

٣٥٢

مرتّبا في المقبولة والمرفوعة. مع إمكان (١) أن يقال : إن الظاهر كونهما كسائر أخبار

______________________________________________________

(١) غرضه : المناقشة في الوجه الذي أفاده سندا لاعتبار الترتيب بوجهين :

الوجه الأول : ما أفاده بقوله : «إن الظاهر كونهما ...» وتوضيحه : أنه يمكن أن يقال : إن الظاهر كون المقبولة والمرفوعة كسائر أخبار الترجيح في مقام بيان المرجحات ، من دون نظر إلى ترتيب بينها ، فلا يكون ذكر المرجحات مرتبة في المقبولة والمرفوعة دليلا على اعتبار الترتيب شرعا بينها ، خصوصا مع اختلافهما في بيان ترتيب المرجحات ؛ لتقديم صفات الراوي في المقبولة على سائر المرجحات ، وتقديم الشهرة في المرفوعة على غيرها من المزايا.

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وإلّا لزم تقييد ...» الخ.

أي : وإن لم يكن ظاهر المقبولة والمرفوعة بيان تعداد المرجحات فقط من دون نظر إلى اعتبار الترتيب بينها ـ بل كانتا ظاهرتين في اعتبار الترتيب بينها أيضا «لزم تقييد جميعها».

ومحصله : أنه إن كان ظاهر المقبولة والمرفوعة اعتبار الترتيب دون بيان تعداد المرجحات فقط لزم أن يقيّد بهما سائر أخبار الترجيح مما لم يذكر فيه إلّا بعض المرجحات من واحد كموافقة الكتاب ، أو أزيد كموافقة الكتاب والسنة ، فإطلاق مرجحية موافقة الكتاب يقتضي الترجيح بها مطلقا سواء كان الخبر الموافق له شاذا أم لا ، وسواء كان المخبر المخالف له موافقا للشهرة أم لا. وهذا الإطلاق يوجب اندراج صورة مزاحمة المرجحين في الخبرين المتعارضين ـ وإن لم يكن المرجحان من نوع واحد ـ في إطلاقات التخيير ، فإذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب والآخر مخالفا للعامة وقع التعارض بينهما ويرجع إلى إطلاقات التخيير ، مع أن موافقة الكتاب مقدّمة على مخالفة العامة في المقبولة ، فإن عدم اعتبار الترتيب وكون جميع المرجحات من حيث الترجيح في عرض واحد يقتضي مرجحية كل من المرجحات بلا قيد ومرجعية إطلاقات التخيير عند تزاحمها.

هذا بخلاف اعتبار الترتيب ، فإنه يقتضي اعتبار المرجح بشرط عدم مرجح في رتبة سابقة عليه ، ففي الفرض المزبور لا تصل النوبة إلى التعارض والرجوع إلى أدلة التخيير ؛ بل يقدّم الخبر الموافق للكتاب على المخالف للعامة ؛ لتقدّمه في المقبولة على المخالف للعامة ، ولا يرجع إلى إطلاقات التخيير ؛ بل إلى أخبار الترجيح.

والحاصل : أنه بناء على الترتيب يلزم كثرة تقييد إطلاق ما دل على الترجيح بمرجح واحد أو أكثر ، وهذا التقييد الكثير بعيد.

٣٥٣

الترجيح بصدد بيان أن هذا مرجّح وذاك مرجّح (١) ، ولذا (٢) اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجّح واحد ؛ وإلّا لزم تقييد جميعها ـ على كثرتها ـ بما في المقبولة وهو (٣) بعيد جدا ، وعليه (٤) : فمتى وجد في أحدهما مرجّح وفي الآخر آخر منها (٥)

______________________________________________________

هذا تمام الكلام في الإشكال على اعتبار الترتيب بين المرجحات المنصوصة.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) يعني : من دون نظر إلى اعتبار ترتيب بينها واقعا.

(٢) غرضه : إقامة شاهد على ما ادعاه من إمكان دعوى ظهور المقبولة والمرفوعة في مقام بيان تعداد المرجحات ، من دون نظر إلى ترتيب بينها ، وذلك الشاهد هو عدم تعرّض غير واحد من أخبار الترجيح إلّا لمرجح واحد كقول مولانا الرضا «عليه‌السلام» في خبر محمد بن عبد الله في الخبرين المختلفين : «إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا إلى ما يخالف منهما العامة فخذوه ، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه» ، وقول أبي عبد الله «عليه‌السلام» في خبر سماعة بن مهران : «خذ بما فيه خلاف العامة» وغير ذلك مما ذكر فيه مرجّح واحد وهو موافقة الكتاب كخبر الحسن بن الجهم عن العبد الصالح «عليه‌السلام» : «إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق ، وإن لم يشبههما فهو باطل». وقريب منه سائر أخبار الباب ، فإن الاقتصار على ذكر مرجّح واحد وعدم بيان الترتيب بين المرجحات في تلك الروايات يشهد بعدم اعتبار الترتيب.

قوله : «وإلّا» إشارة إلى الوجه الثاني من الإشكال الذي تقدم توضيحه.

(٣) أي : تقييد إطلاق الأخبار المتضمنة لمرجح واحد أو أكثر بالمقبولة والمرفوعة بعيد جدّا ؛ لاستهجان كثرة التقييد كاستهجان كثرة التخصيص عند أبناء المحاورة ؛ إذ جميع أخبار الترجيح ـ عدا المقبولة والمرفوعة ـ لا تتضمّن تمام المرجحات بل بعضها ، فيلزم تقييد كلها.

(٤) يعني : وبناء على كون المقبولة والمرفوعة بصدد بيان المرجحات ـ من دون نظر إلى اعتبار الترتيب والطولية بينها ـ فمتى وجد في أحد الخبرين مرجح كأول المرجحات المذكورة في المقبولة مثل الأفقهية وغيرها من صفات الراوي ، وفي الآخر مرجح آخر كمخالفة العامة ونحوها مما يتأخر عن صفات الراوي في المقبولة وقع التعارض بينهما ؛ لكون المرجحين في عرض واحد ، فيرجع حينئذ إلى إطلاقات التخيير.

(٥) أي : من المرجحات.

٣٥٤

كان (١) المرجع هو إطلاقات التخيير ولا كذلك (٢) على الأول (٣) ؛ بل لا بد من ملاحظة الترتيب إلّا (٤) إذا كانا في عرض واحد.

وانقدح بذلك (٥) : أن حال المرجّح الجهتي (٦) حال سائر المرجحات في أنه (٧) لا بد في صورة مزاحمته مع بعضها (٨) من ملاحظة أن أيّهما فعلا (٩) موجب للظن بصدق

______________________________________________________

(١) جواب «فمتى» يعني : فالمرجع حين التعارض هو إطلاق ما دلّ على التخيير.

(٢) يعني : ولا يرجع إلى إطلاقات التخيير بناء على كون المقبولة والمرفوعة بصدد بيان الترتيب بين المرجحات ؛ بل يرجع إلى أخبار الترجيح.

(٣) وهو البناء على الترتيب بين المرجحات ، فلا بد حينئذ من ملاحظة الترتيب بين المرجحات ، وتقديم الخبر ـ الذي يكون مرجحه مقدما رتبة على مرجح الخبر الآخر ـ على الخبر المعارض له ، ولا تصل النوبة إلى إطلاقات التخيير.

(٤) استثناء من قوله : «ولا كذلك على الأول» يعني : يلاحظ الترتيب بين المرجحات إذا كان بينها ترتب ، وأما إذا كان المرجحات في الخبرين من نوع واحد ـ ككون المرجّح في كل منهما من صفات الراوي مثلا ـ فإنهما لعرضيتهما لا ترتيب بينهما ، فيقع التعارض بينهما ، ويرجع إلى إطلاقات التخيير كما تقدم آنفا.

(٥) أي : بما ذكر في وجه عرضية المرجحات ـ وكون المقبولة والمرفوعة بصدد بيان تعداد المرجحات من دون نظر إلى اعتبار الترتيب بينها ـ يظهر حال المرجّح الجهتي كمخالفة العامة وكونه كسائر المرجحات في أنه إذا زوحم مع مرجّح آخر يلاحظ ما يكون منهما واجدا لملاك الترجيح من الظن بالصدور أو الأقربية إلى الواقع ، فيقدم ما فيه هذا المناط على غيره ، ومع التساوي وعدم هذا الملاك فيهما يرجع إلى اطلاقات التخيير.

وهذا الكلام توطئة للإيراد على الوحيد البهبهاني والشيخ «قدس سرّهما».

(٦) كمخالفة العامة ، فإن حالها ـ بناء على مذهب المصنف «قدس‌سره» من عدم الترتيب بين المرجحات ـ حال سائر المرجحات في المزاحمة مع غيره من المزايا كما مر آنفا.

(٧) الضمير للشأن ؛ وضمير «مزاحمته» راجع إلى «المرجح الجهتي».

(٨) أي : بعض المرجحات ، وضمير «أيهما» راجع إلى المرجح الجهتي وسائر المرجحات.

(٩) قيد ل «أيّهما» يعني : لا بد من ملاحظة أن أيّ واحد من المرجّح الجهتي وغيره من المرجحات واجد للمناط ؛ وهو الظن الفعلي بالصدور أو الأقربي إلى الواقع ، فيقدّم منهما ما يوجب الظن المزبور على غيره ، والأولى تقديم «موجب» على «فعلا».

٣٥٥

ذيه بمضمونه (١) أو الأقربية (٢) كذلك إلى الواقع ، فيوجب (٣) ترجيحه وطرح الآخر ، أو أنه (٤) لا مزية لأحدهما على الآخر ، كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزية (٥) مساويا للخبر المخالف لها بحسب (٦) المناطين (٧) ، فلا بد حينئذ (٨) من التخيير بين الخبرين فلا وجه (٩) لتقديمه على غيره (١٠) كما عن الوحيد البهبهاني «قدس

______________________________________________________

(١) متعلق ب «صدق». وضمير «ذيه» راجع إلى المرجح والأولى أن يقال : «للظن بصدق مضمون ذيه».

(٢) عطف على «بصدق» أي : موجب للظن بالصدق أو للظن بأقربية مضمونه إلى الواقع.

والحاصل : أن الوظيفة في مزاحمة المرجحات بناء على عدم اعتبار الترتيب بينها هو الأخذ بذي المزية التي توجب فعلا الظن بالصدور أو أقربية المضمون إلى الواقع وطرح الآخر ، ومع التساوي وعدم كون إحدى المزيتين موجبة للظن المزبور لا بد من الرجوع إلى إطلاقات التخيير.

(٣) يعني : فيوجب المرجّح ـ الموجب فعلا للظن بالصدور أو الأقربية ـ ترجيح واجد هذا المرجح على فاقده ، وتقديمه عليه.

(٤) عطف على «أن أيّهما» وضميره للشأن يعني : من ملاحظة أن أيّ واحد من المرجحين موجب فعلا للظن ... أو أنه لا مزية لأحد المرجحين من حيث إفادته للظن الفعلي بالصدور أو الأقربية ، كما إذا كان راوي أحد الخبرين أعدل أو أفقه أو غيرهما من مرجحات السند مع كونه موافقا للعامة ، وكان الخبر الآخر مخالفا للعامة ، ولم يكن شيء من مزايا الخبرين موجبا للظن الفعلي ، فيرجع حينئذ إلى إطلاقات التخيير.

(٥) كالمرجح السندي مثل الأفقهيّة والأعدليّة ونحوهما.

(٦) متعلق ب «مساويا». وضمير «لها» راجع إلى «التقية».

(٧) وهما الظن بالصدور والأقربية إلى الواقع.

(٨) أي : فلا بد حين عدم مزية ـ لأحد المرجحين على الآخر ـ من التخيير بين الخبرين.

(٩) هذه نتيجة ما أفاده «قدس‌سره» من عدم الترتيب بين المرجحات ، وأن المدار في تقديم أحد المرجّحين على الآخر على إفادة الظن الفعلي لا على غيرها. وعليه : فلا وجه لتقديم المرجح الجهتي ـ كمخالفة العامة ـ على غيره كما عن الوحيد البهبهاني «قدس‌سره» ، فإنه قدّم المرجح الجهتي على غيره من المرجحات ، وتبعه بعض أعاظم معاصري المصنف وهو المحقق الميرزا الرشتي «قدس‌سره» مصرّا على ذلك.

(١٠) هذا الضمير وضمير «تقديمه» راجعان إلى «المرجّح الجهتي».

٣٥٦

سره» ، وبالغ فيه (١) بعض أعاظم المعاصرين «أعلى الله درجته» ، ولا (٢) لتقديم غيره عليه كما يظهر من شيخنا العلامة «أعلى الله مقامه» ، قال : أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور ؛ بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة ، فالظاهر تقديمه (٣) على غيره وإن كان مخالفا للعامة ، بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق (٤) ؛ لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر. وفيما نحن فيه يمكن ذلك (٥) بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور (٦).

______________________________________________________

(١) أي : في تقديم المرجح الجهتي على غيره من المرجحات. والحاصل : أن هذين العلمين «قدس‌سرهما» يقدّمان المرجّح الجهتي على المرجّح السندي والمضموني.

(٢) عطف على «فلا وجه» يعني : ولا وجه لتقديم غير المرجّح الجهتي على المرجح الجهتي كما هو مذهب الشيخ الأنصاري «قدس‌سره». فإنه قدّم المرجّح ؛ السندي والمضموني على المرجّح الجهتي ، فالمصنف «قدس‌سره» خالف هؤلاء الأعلام ، وذهب إلى عرضيّة المرجحات طرّا ، من غير فرق في ذلك بين التعدّي إلى غير المرجّحات المنصوصة وعدمه والاقتصار عليها ، فالأقوال ثلاثة :

أحدها : تقديم المرجّح الجهتي على غيره ، وهو قول الوحيد والرشتي «قدس‌سرهما».

ثانيها : تقديم غير المرجح الجهتي ـ وهو الصدوري ـ على الجهتي وهو قول الشيخ وغيره.

ثالثها : عرضيّة المرجحات ، وعدم تقديم بعضها على بعضها الآخر إلّا بأقوائية الملاك ، ومع عدمها وتساويهما في الملاك يرجع إلى إطلاقات التخيير.

(٣) أي : تقديم الأرجح صدورا على غير الأرجح صدورا وإن كان غير الأرجح مخالفا للعامة.

(٤) هذا احتراز عما إذا كان الترجيح لقلّة الاحتمال في الخبر المخالف وكثرته في الموافق ؛ إذ تخرج مخالفة العامة حينئذ عن المرجح الجهتي وتندرج في المرجح المضموني.

(٥) أي : التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبد بصدور الآخر ، فإن ذلك يمكن فيما نحن فيه أعني : الخبرين الظنيين المتفاضلين.

(٦) محصل ما أفاده : أن المرجّح الجهتي لمّا كان متفرعا على إحراز أصل الصدور ـ قطعا كما في المتواترين أو تعبّدا كما في الظنيين المتكافئين اللذين لا بد من الحكم

٣٥٧

إن قلت (١) : إن الأصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية ، كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما ، فيكون هذا المرجّح (٢) نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.

قلت (٣) : لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقية ، لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة.

______________________________________________________

بصدورهما معا ، لفرض تساويهما من حيث شمول دليل الحجيّة لهما ـ فلا مورد لهذا المرجّح الجهتي في المتفاضلين ؛ كما هو مورد البحث ؛ لعدم شمول دليل الحجية إلّا لخصوص ذي المرجّح الصدوري ، دون فاقده حتى تلاحظ جهة صدوره. وعليه : فيقدم ذو المرجح الصدوري ـ وإن كان موافقا للعامة ـ على غيره وإن كان مخالفا لهم.

(١) محصل هذا الإشكال : الذي أورده الشيخ «قدس‌سره» على نفسه هو : أن في تقديم المرجّح الصدوري على الجهتي محذورا ، وهو : تخصيص عموم أدلة حجيّة الخبر ، حيث إن مقتضى هذا التقديم عدم شمولها للخبر المخالف للعامة ، فلا بد من الالتزام بحجيّة كلا الخبرين وصدورهما معا كما هو مقتضى عموم أدلة حجيّة الخبر ، ثم التصرف في الخبر الموافق للعامة بحمله على التقية. نظير شمول أدلة اعتبار الخبر للظاهر والأظهر ، والتصرف في الظاهر بحمله على الأظهر ، فكما يصح التعبد بصدور الظاهر مع فرض عدم العمل به ؛ للزوم حمله على الأظهر ، ولا يقتضي هذا الحمل لغوية التعبّد بدليل حجيّة خبر الواحد ، فكذا في مورد موافقة أحد الخبرين للعامة وصدوره تقية ، فإنه يتعبّد بصدوره ولو لم يجز العمل بمضمونه فعلا ؛ لاختصاص مشروعيته بحال التقية.

وعليه : فتكون مخالفة العامة نظير المرجّح الدلالي في التقدم على المرجح الصدوري.

(٢) أي : المرجّح الجهتي ، وقوله : «أضعفهما» أي : أضعف الخبرين دلالة.

(٣) هذا دفع الإشكال : ومحصله : عدم صحة قياس المقام بالظاهر والأظهر ؛ وذلك للفرق الواضح بينهما ، حيث إنه لا يرفع اليد عن الظاهر رأسا حتى لا يشمله دليل الحجية ؛ بل يتصرف في دلالته في الجملة كالعام الذي يتصرف فيه بالخاص ، فدليل الحجية يشمل كلا من الظاهر والأظهر بلا إشكال.

وهذا بخلاف المتفاضلين ، فإن دليل الحجية لا يشمل الخبر الموافق للعامة ؛ إذ لا أثر لشموله له إلّا إسقاطه ورفع اليد عنه رأسا وهذا هو الطرح لا الحجيّة.

وبالجملة : فالدليلان اللذان يكون بينهما جمع عرفي يشملهما دليل الحجيّة لعدم

٣٥٨

وقال بعد جملة من الكلام : «فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إما علما كما في المتواترين ، أو تعبدا كما في المتكافئين من الأخبار. وأمّا ما وجب فيه التعبد (١) بصدور أحدهما المعيّن دون الآخر ؛ فلا وجه لإعمال هذا المرجح (٢) فيه (٣) ؛ لأن (٤) جهة الصدور متفرع على أصل الصدور». انتهى موضع الحاجة من كلامه «زيد في علوّ مقامه».

وفيه (٥) ـ مضافا إلى ما عرفت ـ : أن (٦) حديث فرعيّة جهة الصدور على أصله إنما

______________________________________________________

انثلامه بالنسبة إليهما ؛ إذ لا يلزم من شموله لهما محذور الطرح في أحدهما بخلاف المقام ـ أعني : المتفاضلين صدورا ـ لما عرفت من عدم تعقل صدورهما ثم طرح أحدهما رأسا ؛ إذ حمل الموافق منهما للعامة على التقية إلغاء له عن الاعتبار من جميع الجهات.

(١) وهو فيما إذا كان المتعارضان متفاضلين ، فإنه يجب التعبد بأحدهما المعيّن ـ وهو ذو المزية الصدورية ـ بمقتضى أدلة الترجيح.

(٢) أي : المرجّح الجهتي.

(٣) أي : فيما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن ، وحاصله : أنه ـ بعد تفرّع جهة الصدور على أصله ـ لا يبقى مجال لإعمال المرجّح الجهتي ؛ بل لا بد من إعمال المرجّح الصدوري والحكم بصدور ذيه ، وطرح الخبر الآخر وإن كان مخالفا للعامة.

(٤) تعليل لقوله : «فلا وجه» ، وقد تقدم في صدر كلامه بقوله : «لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما ...» الخ.

ومقتضى الفرعية لزوم إعمال مرجح الصدور قبل مرجح جهته ، فلا مجال للمرجح الجهتي مع الصدوري ؛ بل هذا مقدم على ذلك.

(٥) هذا جواب ما أفاده الشيخ «قدس‌سره» : وهو يرجع إلى وجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «مضافا إلى ما عرفت» ، ومحصله : ما أفاده سابقا من أنه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجحات سواء قلنا بالتعدي عن المزايا المنصوصة أم لم نقل ، ومن المعلوم : أن مقتضى عدم الترتيب عرضيّة المرجحات وعدم تقدم أحدها على الآخر.

(٦) إشارة إلى ثاني الوجهين : ومحصله : أنّ فرعية جهة الصدور على أصله إنما تصح إن لم يكن المرجح الجهتي مرجحا لأصل الصدور ، وأما إذا كان كذلك بأن جعل مناط مرجحية المرجّح مطلقا ـ سواء كان مرجّحا صدوريا أم جهتيا ـ الظن بالصدور أو الأقربية إلى الواقع ، فلا فرق بينه وبين سائر المرجحات ؛ لرجوعها طرّا إلى مرجحات

٣٥٩

يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجّحات أصل الصدور ؛ بل من مرجّحاتها. وأما (١) إذا كان من مرجّحاته (٢) بأحد المناطين فأيّ فرق بينه (٣) وبين سائر المرجحات ، ولم يقم دليل (٤) بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبّد بصدور

______________________________________________________

الصدور ، فترتيب المرجحات يجدي في تقديم بعضها على بعضها الآخر إن لم ترجع إلى المرجّح السندي ، فهذه المناقشة ترجع حقيقة إلى منع الصغرى ، وهي عدم كون ما عد من المرجح الجهتي مرجّحا للجهة ؛ بل هو مرجح ؛ لأصل الصدور.

وعليه : فإذا كان أحد الخبرين مخالفا للعامة والآخر موافقا لهم ، وكان راويه أعدل وأفقه من راوي الآخر ؛ قدّم الخبر الذي مناطه أقوى من الآخر ؛ سواء كان ذلك الخبر مخالفا للعامة أم موافقا لهم ، ومع التساوي وعدم الأقوائية يرجع إلى إطلاقات التخيير.

هذا بناء على التعدّي عن المزايا المنصوصة بمناط الظن ، وكذا الحال بناء على عدم التعدّي ، فإنه على مذهب المصنف من عدم اعتبار الترتيب بينها ، فيرجع أيضا إلى إطلاقات التخيير.

وعلى كل حال : فلا ملزم بالأخذ بذي المرجّح السندي وطرح ذي المرجّح الجهتي كما أفاده الشيخ «قدس‌سره» ؛ لعدم دليل عليه ، حيث إن أخبار العلاج لا تدل إلّا على الترجيح بالمزية السندية والجهتية ، ولا تدل على تقديم إحداهما على الأخرى عند المزاحمة ؛ بل لا بد حينئذ من الرجوع إلى إطلاقات التخيير.

(١) إشارة إلى القول بالتعدّي وقد تقدم توضيحه.

(٢) أي : من مرجحات أصل الصدور ، وضمير «مرجحاتها» راجع إلى جهة الصدور.

(٣) أي : بين مرجّح أصل الصدور.

(٤) إشارة إلى القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم التعدّي عنها إلى غيرها.

وغرضه : أنه بناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة وعدم التعدّي عنها لا دليل أيضا على مذهب الشيخ من وجوب التعبّد بصدور الراجح من غير جهة الصدور ـ وهو الواجد للمرجح الصدوري ـ على الواجد للمرجح الجهتي ، حيث إن أخبار العلاج لا تدل إلّا على «أن هذا مرجّح ، وذلك مرجّح» ، وليس فيها دلالة على اعتبار الترتيب بينها حتى يقال : إن المرجّح الصدوري مقدّم على المرجح الجهتي.

وبالجملة : فلا دليل على تقديم المرجّح السندي على الجهتي سواء قلنا بالتعدي أم لا.

٣٦٠