دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

وكذا الصدور (١) أو الظهور (٢) في الخبر المخالف للكتاب يكون موهونا بحيث لا يعمّه أدلة اعتبار السند ، ولا الظهور كما لا يخفي ، فتكون (٣) هذه الأخبار (٤) في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة ؛ لا (٥) ترجيح الحجة على الحجة ، فافهم (٦).

______________________________________________________

من مخالفته لهم ـ يوجب الوثوق بصدور الخبر الموافق تقية ؛ لا لبيان الحكم الواقعي ، ومع هذا الوثوق لا تجري فيه أصالة حجية الصدور ؛ لعدم بناء العقلاء عليهما مع الوثوق بخلافهما.

(١) غرضه : أن الخبر المخالف للكتاب كالموافق للقوم فاقد لشرط الحجية سندا وظهورا ؛ لأن التعبير عنه في الروايات بالزخرف والباطل يكشف عن عدم اقتضاء الحجية فيه ، لا أنه فاقد لما هو مرجح الحجية. ومن المعلوم : أن ما لا يصلح للحجية لا يشمله دليل صدوره من الروايات وبناء العقلاء ، ولا دليل ظهوره وهو بناء العقلاء أيضا ، فلا يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه ـ مع الغض عن ابتلائه بالمعارض ـ حجة حتى يندرج هو ومعارضه ـ أعني : الخبر الموافق للكتاب ـ في تعارض الحجتين ، وتكون موافقة الكتاب مرجّحة للخبر الموافق له ؛ بل هما مندرجان في تعارض الحجة مع اللّاحجة ، وموافقة الكتاب من مميّزات الحجة عن غيرها ، لا من مرجحات الحجة.

(٢) يعني : فيكون الخبر المخالف فاقدا لشرائط الحجية ، لا لمرجّحات الحجة كما هو المطلوب.

(٣) هذه نتيجة ما أفاده من الإشكال في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب ، وقد مرّ آنفا توضيح الإشكال الذي مرجعه إلى عدم حجية الخبر المخالف للكتاب والموافق للقوم في نفسه مع الغض عن المعارضة.

(٤) أي : موافقة الكتاب ومخالفة القوم.

(٥) عطف على «تمييز» ، يعني : لا في مقام ترجيح الحجة على الحجة كما هو مورد البحث ، فتكون تلك الأخبار أجنبيّة عما نحن فيه ، فالتمسك بها لوجوب الترجيح في غير محله.

(٦) لعله إشارة إلى ما احتمله بعض من : أن إطلاقات التخيير مقيّدة لا محالة بأخبار موافقة الكتاب ومخالفة العامة ؛ وإن حملتا على تمييز الحجة عن اللاحجة لا ترجيح الحجة على الحجة ، ضرورة : أنه لا تخيير بين الحجة واللاحجة ، فإطلاقات التخيير مقيّدة على كل حال.

لكن فيه ما لا يخفى ، حيث إن مورد أخبار التخيير هو الخبران الجامعان لشرائط

٢٦١

وإن أبيت عن ذلك (١) ، فلا محيص عن حملها توفيقا بينها وبين الاطلاقات ، إما على ذلك (٢) أو على الاستحباب كما أشرنا إليه آنفا (٣) هذا.

______________________________________________________

الحجية ؛ بحيث لو لم يكن بينهما تعارض لكان كلاهما حجة فعلية ، لا مطلق خبرين وإن لم يكن أحدهما حجة ذاتا. وعليه فلا يصلح ما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة لتقييد إطلاقات التخيير ؛ لمغايرة موردها لمورد الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة كما عرفت.

ويمكن أن يكون إشارة إلى ما : أفاده الماتن في آخر فصول هذا المقصد من كون موافقة الكتاب من مرجّحات الحجة على الحجة لا من مميّزات الحجة عن اللاحجة ـ كما بيّنا ـ بتقريب : أن موافقة الكتاب ومخالفته المذكورتين في الأخبار العلاجية كالمقبولة لا يراد بهما ما يراد بهما في الأخبار المتضمنة ؛ لكون مخالفة الكتاب زخرفا وباطلا ونحوهما ؛ إذ المراد بالمخالف فيها هو المخالفة التباينية ؛ لأنها هي المساوية للبطلان دون المخالفة بالعموم والخصوص المطلق ؛ لوضوح : جواز تخصيص العام الكتابي وكذا تقييد مطلقه بالخبر الواحد ، فإذا كان هناك خبران متعارضان يكون أحدهما موافقا لعام الكتاب والآخر خاصا مخالفا له أمكن ترجيح الخبر الموافق لعامّه على المخالف له مخالفة بالخصوص المطلق.

(١) يعني : وإن أبيت عن تسليم ظهور أخبار الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة في تمييز الحجة عن اللاحجة ، والتزمت بكونهما ظاهرة في ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى ، فلا تصلح مع ذلك لتقييد إطلاقات التخيير ؛ لتوقف تقييدها على أظهرية مقيّدها. وقد تقدم فيما يتعلق بالمقبولة والمرفوعة أظهرية إطلاقات التخيير وعدم صلاحيتهما لتقييدها.

وحيث تعذر الجمع الموضوعي ـ المقدم رتبته على الجمع الحكمي ـ فلا بد حينئذ من الجمع بين إطلاقات التخيير وبين أخبار الترجيح بحمل هذه إمّا على الاستحباب ، وإمّا على كونها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة ، فإطلاقات التخيير لا تنثلم.

ولا يخفى : أن قوله : «وإن أبيت» يعدّ وجها آخر لعدم تقييد إطلاقات التخيير في قبال الوجوه السابقة ؛ لكنه راجع إلى الأظهرية المانعة عن التقييد ؛ أو إلى استلزام التقييد حمل المطلق على الفرد النادر ؛ لقلة موارد تكافؤ الخبرين المتعارضين من جميع الجهات ، وكلاهما من الإشكالات المتقدمة الواردة على تقييد إطلاقات التخيير.

(٢) أي : على تمييز الحجة عن اللاحجة.

(٣) حيث قال فيما يتعلق بالمقبولة : «بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذلك

٢٦٢

ثم إنه لو لا التوفيق بذلك (١) للزم التقييد أيضا في أخبار المرجحات ، وهي (٢) آبية عنه ، كيف يمكن تقييد مثل : «ما خالف قول ربنا لم أقله» ، أو «زخرف» ، أو «باطل» كما لا يخفى؟

فتلخص مما ذكرنا (٣) : أن إطلاقات التخيير محكمة ، وليس في الأخبار (٤) ما يصلح لتقييدها (٥).

______________________________________________________

الاختصاص لوجب حملها عليه ، أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب».

(١) أي : لو لا التوفيق بحمل أخبار الترجيح على تمييز الحجة عن اللاحجة للزم التقييد في نفس أخبار الترجيح كلزومه في إطلاقات التخيير.

وغرضه : إيراد إشكال آخر على تقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة كما عن المشهور.

تقريب الإشكال : أن التقييد المزبور مستلزم لتقييد نفس أخبار الترجيح أيضا ، حيث إن إطلاق مرجحية مخالفة العامة مقيد بما إذا لم يكن الخبر الموافق لهم موافقا للكتاب ، أو لم يكن الخبران معا مخالفين لهم ، مع خلو أخبار الترجيح بمخالفة العامة عن هذا القيد.

وكذا مرجحية موافقة الكتاب ، فإنه لا بد من تقييدها بما إذا لم يكن الخبر الموافق له موافقا للعامة ، وكذا مرجحية الشهرة ، فلا بد من تقييدها بما إذا لم يكن المشهور مخالفا للكتاب أو موافقا للعامة. وبالجملة : فلا بد من تقييد إطلاقات نفس أخبار المرجحات ورفع الاختلاف بينها أولا حتى تصلح لتقييد إطلاقات التخيير ثانيا ، والمفروض : إباء أخبار المرجحات عن التقييد كما سيأتي.

(٢) الجملة حالية ، يعني : والحال أن أخبار المرجحات آبية عن التقييد.

كيف يمكن تقييد إطلاق مثل «ما خالف قول ربنا لم نقله أو زخرف أو باطل»؟

وجه عدم إمكان التقييد : أن عنوان «الباطل» ونحوه أن يقال : إن «ما خالف قول ربنا باطل إلّا إذا كان مخالفا للعامة أو كان موافقا للمشهور» ، وحيث امتنع تقييد إطلاق مثل : «زخرف وباطل» تعيّن حمله على تمييز الحجة عن اللاحجة.

(٣) من الإشكالات المتقدمة التي أوردها على تقييد إطلاقات التخيير من أظهرية الإطلاقات من التقييد ، ومن استلزام التقييد حمل المطلقات على الفرد النادر وغيرهما.

(٤) أي : أخبار الترجيح التي ادعي تقييدها لإطلاقات التخيير.

(٥) أي : لتقييد إطلاقات التخيير.

وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

٢٦٣

نعم (١) ؛ قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجه أخر :

منها : دعوى الإجماع (٢) على الأخذ بأقوى الدليلين.

وفيه (٣) : أن دعوى الإجماع ـ مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء ، قال في ديباجة الكافي : لا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير ـ مجازفة (٤).

ومنها (٥) : أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا.

______________________________________________________

في بقية الوجوه التي استدل بها لوجوب الترجيح

(١) أي : نعم ؛ قد استدل على تقييد إطلاقات التخيير ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر غير أخبار الترجيح.

(٢) الظاهر : أنه يعني بدعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين ما تقدم منه في صدر الفصل الثالث من الإجماع على الأخذ بالخبر الراجح ، ومقصوده من الراجح : أقوى الدليلين ؛ لأن فاقد المزية مرجوح وواجدها من الراجح أقوى من فاقدها فهو مورد الإجماع دون المرجوح.

(٣) هذا إشكال على الاستدلال بالإجماع على لزوم الأخذ بأقوى الدليلين.

وحاصل الإشكال : إنكار الإجماع وعدم تحققه ؛ وذلك لأن ثقة الإسلام الكليني مع كونه في عهد الغيبة الصغرى ـ ومخالطته مع نوّابه «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» ـ ذهب إلى التخيير ولم يقل بالترجيح ، ومخالفته هذه تقدح في دعوى الإجماع. هذا مضافا إلى أنه محتمل الاستناد ، ومثله ليس بحجة كما سبق في مبحث الإجماع.

وكيف كان ؛ فدعوى الإجماع مع مخالفة الكليني مجازفة لا قيمة لها أصلا.

ولذا قال : «ولا نجد شيئا أوسع ولا أحوط من التخيير».

أما أوسعية التخيير فواضحة ؛ إذ وجوب الأخذ بأحدهما المعين ضيق على المكلّف ، وأما أحوطيته فلعدم العلم بالمرجحات في جميع الموارد في زمان صدور الروايات ؛ لعدم العلم غالبا بفتاوى العامة حتى يحصل العلم في ذلك الزمان بموافقة الروايات أو مخالفتها لفتاواهم ؛ بل الحاصل لهم لم يكن إلا الظن ، ومن المعلوم : أن الظن بالمرجحية لا يكفي ؛ لأن الأصل عدم حجيته ، فالاحتياط يقتضي العمل بإطلاقات التخيير.

(٤) خبر «أن دعوى الإجماع».

(٥) أي : ومن الوجوه التي استدل بها على لزوم تقييد إطلاقات التخيير بأخبار

٢٦٤

وفيه (١) أنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكّد ملاك ...

______________________________________________________

الترجيح أنه لو لم يجب ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، فالنتيجة هي : لزوم ترجيح ذي المزية وهو المطلوب.

وأما بطلان التالي فهو واضح ، وأما الملازمة فهي ثابتة ، فإن مقابل الراجح هو المرجوح ، فإذا لم يلزم ولم يجب الأخذ بالراجح جاز الأخذ بالمرجوح ، ومع الأخذ به يلزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا ؛ بل ممتنع قطعا.

وكيف كان ؛ فهذا الوجه عقلي كما أن الوجه السابق نقلي.

(١) أي : في ترجيح المرجوح على الراجح ، وقد أورد المصنف على الاستدلال بهذه القاعدة بوجهين :

أحدهما : عدم صغروية المقام لكبرى قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح عقلا.

ثانيهما : عدم صحة الإضراب عن قبح الترجيح إلى امتناعه.

وأما الوجه الأول : فتوضيحه : أن الملاك في حجية خبر الواحد ـ كما سبق في الفصل المتقدم ـ هو غلبة الإصابة نوعا واحتمال الإصابة شخصا ، ومن المعلوم : تحقق هذا الملاك والمناط في الخبر الراجح والمرجوح. وأقوائية ذي المزية من فاقدها في الحجية منوطة بكون المزية موجبة لتأكد مناط حجيته ومقتضيها ، كما إذا كان خبر العادل مثلا غالب الإصابة ، وخبر الأعدل أكثر إصابة منه في نظر الشارع ، فيكون المقتضي في الأعدل أشد وأكد.

فحينئذ : يجوز الترجيح بهذه المزية لكونها مما له دخل في مناط الحجية ، وأما إذا لم تكن المزية موجبة لتأكد المناط والملاك فلا وجه للترجيح بها ، فإن ضم ما لا دخل له في مناط الحجية إلى الدليل من قبيل الحجر في جنب الإنسان ؛ وذلك كالكتابة والبصر فإنهما غير دخيلين في المخبر وإن قيل باعتبارهما في القاضي.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إن أحرز الدخل المزبور بدليل خارجي لزم ترجيح واجد المزية على فاقدها اعتمادا على ذلك التدليل لا من جهة القاعدة ، فإن حجية الراجح من الخبرين المتعارضين كحجية خبر الواحد في غير حال التعارض موكولة إلى بيان الشارع ، فإذا حكم بتقديم أحد الخبرين المتعارضين بصفات الراوي أو بموافقة الكتاب أو بغيرهما كان ذلك أجنبيا عن حكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح ؛ وإن كان مفاده موافقا له.

وإن لم يحرز الدخل المزبور ـ كما هو مفروض البحث من جهة عدم دلالة أخبار

٢٦٥

الحجية (١) في نظر الشارع ، ضرورة (٢) : إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة إلى

______________________________________________________

الترجيح على وجوبه ، فلا وجه لترجيح ذي المزية على فاقدها ؛ بل اللازم التسوية بينهما لاشتمال كل منهما على ملاك الحجية ويشك في تأكده بالمزية الموجودة في واجدها ، ومن المعلوم : أن قاعدة «قبح ترجيح المرجوع على الراجح» لا تتكفل إثبات صغراها ، بل لا بد من إحراز الصغرى من الخارج كي يحكم عليها بالقبح. وحيث إنه لم يحرز تأكد مناط الحجية بالمزية الموجودة في أحد الخبرين فلا سبيل للتمسك بهذه القاعدة لإثبات الترجيح ؛ بل الأمر على خلاف مقصود المستدل ، ضرورة : أن ترجيح واجد المزية ـ التي لم تثبت مرجحيتها ـ يكون بلا مرجح ، وهو قبيح.

هذا مع الغض عن إطلاقات التخيير الدافعة لاحتمال دخل المزايا في وجوب الترجيح ؛ وإلا فبالنظر إليها لا تصل النوبة إلى التمسك بهذه القاعدة العقلية ؛ لكون الإطلاق بيانا على عدم الدخل. هذا بيان الوجه الأول الراجع إلى الإشكال الصغروي الذي عرفت توضيحه.

وأما الوجه الثاني ـ الراجع إلى الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع الذاتي ـ فحاصله : عدم الوجه في هذا الإضراب الظاهر في استحالة ترجيح غير ذي المزية على ذيها.

توضيحه : أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ليس محالا ؛ إذ المستحيل هو وجود الممكن بلا علّة ، وأما ترجيح الخبر الفاقد للمزية على الواجد لها فليس بمحال ؛ لكون علة وجود المرجوح إرادة الفاعل المختار ، غاية الأمر : أنه قبيح لكونه بدون داع عقلائي مع إمكان إيجاد الراجح ، نعم ؛ الترجيح بلا مرجح محال بالنسبة إلى الحكيم «تعالى شأنه» من حيث حكمته «جلّت عظمته».

ونتيجة البحث في هذا الوجه الثاني هي : أن ترجيح المرجوح على الراجح قبيح وليس بمحال.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأول الراجع إلى الإشكال الصغروي الذي تقدم توضيحه.

(٢) تعليل للمفهوم المستفاد من الحصر في قوله : «إنما يجب الترجيح» ، يعني : أنه إذا لم تكن المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية فلا وجه للترجيح بها ، ضرورة : إمكان ... وهذا بيان للمناقشة الصغروية ، وحاصله : أنه بعد وضوح كون وجه مرجحية المزية هو دخلها

٢٦٦

ملاكها (١) من قبيل الحجر في جنب الإنسان ، وكان (٢) الترجيح بها (٣) بلا مرجح ، وهو قبيح كما هو واضح.

هذا مضافا (٤) إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع (٥) ؛ من (٦) أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ـ ومنها الأحكام الشرعية ـ لا يكون إلا

______________________________________________________

في تأكد ملاك الحجية في نظر الشارع يلزم إحراز دخلها ، وهو موكول إلى بيان الشارع ، ومع عدم إحراز هذا الدخل يشك في اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين حتى يلزم ترجيحه على فاقدها.

(١) أي : ملاك الحجية.

(٢) يعني : ومع إمكان عدم دخل المزية في ملاك الحجية وكونها ـ بالإضافة إلى ملاكها ـ من قبيل الحجر في جنب الإنسان يكون الترجيح بهذه المزية بلا مرجح ، وهو قبيح.

(٣) أي : بالمزية وضمير «هو» راجع إلى «الترجيح».

(٤) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الراجع إلى الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع الذاتي ، وقد تقدم توضيحه فلا حاجة إلى التكرار.

(٥) هذا وقوله : «من الحكم» متعلقان ب «الإضراب» و «بالقبح» متعلق ب «الحكم».

(٦) بيان ل «ما» الموصول ، وتقرير للجواب عن الإضراب المزبور وقد عرفت توضيحه ، وملخصه : أن هنا مقامين : أحدهما الترجيح بلا مرجح ، ومورده : الأفعال الاختيارية ـ التي منها الأحكام الشرعية ـ للشارع ، وهو قبيح لا ممتنع ، حيث إن إرادة المرجوح ـ لعدم كونها بداع عقلائي ـ قبيحة عندهم.

والآخر : الترجح بلا مرجح بمعنى : وجود المعلول بلا علة وهو محال.

وما نحن فيه ـ وهو الحكم الشرعي بجواز الأخذ بالمرجوح ـ ليس من هذا المقام ؛ لعدم كون الأخذ بالمرجوح ـ ليس من هذا المقام ؛ لعدم كون الأخذ بالمرجوح بلا علّة ؛ بل يكون الحكم مع العلة وهي إرادة الفاعل المختار فهو من قبيل المقام الأول أعني : كون ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا لا ممتنعا ، فالإضراب من القبح إلى الامتناع الذاتي في غير محله ؛ لاستلزامه للجمع بين الممتنع الذاتي الذي لا يتصف بالحسن والقبح ـ وهو الترجيح بلا مرجح بمعنى : صدور الفعل من غير علّة مرجحة له ـ وبين الترجيح بلا مرجح أي : بلا داع عقلائي الذي هو قبيح لا محال.

قوله : «لا يكون إلا قبيحا» خبر «أن الترجيح» وضمير «منها» راجع إلى «الأفعال».

٢٦٧

قبيحا ، ولا يستحيل وقوع إلا على الحكيم تعالى ؛ وإلّا فهو (١) بمكان من الإمكان ؛ لكفاية (٢) إرادة المختار علّة لفعله ، وإنما الممتنع وجود الممكن بلا علّة. فلا استحالة (٣) في ترجيحه (٤) لما هو مرجوح مما باختياره.

وبالجملة : الترجيح بلا مرجح بمعنى بلا علّة محال (٥) ، وبمعنى بلا داع عقلائي (٦) قبيح ليس بمحال ، فلا تشتبه.

ومنها (٧) : غير ذلك مما لا يكاد يفيد الظن ، ...

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «وقوعه» راجعان على «الترجيح».

(٢) تعليل لإمكان الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ، وعدم استحالته ذاتا وإنما المستحيل هو وقوعه منه تعالى عرضا ؛ لمنافاته لحكمته «جل وعلا» كما تقدم آنفا.

(٣) هذه نتيجة جوابه عن الدليل المزبور القائم على وجوب تقديم ذي المزية على غيره ، وحاصلها : أن ترجيح المرجوح على الراجح ليس محالا بل هو قبيح.

(٤) هذا الضمير راجع إلى «المختار» فهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، وضمير «هو» راجع إلى «ما» الموصول الذي يراد به فعل ، والمراد ب «مما» الأفعال يعني : فلا استحالة في ترجيح المختار لفعل مرجوح من الأفعال التي هي باختياره.

(٥) يعني : وهو أجنبي عن الحكم بترجيح المرجوح على الراجح.

(٦) يعني : كما هو المقصود ؛ إذ ترجيح فاقد المزية على واجدها قبيح وليس بمحال كما تقدم مفصلا ، فلا يشتبه عليك القبح ـ وهو ترجيح المرجوح على الراجح ـ بالممتنع وهو وجود المعلول بلا علّة.

(٧) أي : ومن الوجوه التي استدل بها على لزوم تقديم الراجح على المرجوح ما في «الرسائل» من قوله : «وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد بل نظام الفقه ، من حيث لزوم التخيير بين الخاص والعام والمطلق والمقيد وغيرهما من الظاهر والنص المتعارضين» (١).

ولكن ردّ «قدس‌سره» بخروج هذه المعارضات عن محل النزاع ؛ لعدم تحير العرف في الجمع بينها ، وهو في محله.

ومنها : ما قيل : من أن لازم التخيير تساوي العالم والجاهل والعادل والفاسق وهما منفيان بقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٢) و (أَفَمَنْ كانَ

__________________

(١) فرائد الأصول ٤ : ٥٣.

(٢) الزمر : ٩.

٢٦٨

فالصفح عنه أولى وأحسن (١).

ثم إنه (٢) لا إشكال في الإفتاء بما اختاره من الخبرين ، في عمل نفسه وعمل

______________________________________________________

مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)(١). وهذا الوجه راجع إلى الترجيح السندي ، فإذا كان أحد سندي الروايتين مشتملا على عالم عادل والآخر على غيره ، فاللازم ترجيح الرواية الأولى على الثانية.

ومنها : أن حكم الشارع بلزوم الأخذ بأحد المتعارضين دائر بين التعيين والتخيير ، والأصل يقتضي التعيين ، ومقتضاه ترجيح ذي المزية على غيره ؛ لكن فيه : أن الأصل مرجح حيث لا دليل ، والمفروض : وجود الدليل هنا وهو إطلاق ما دلّ على التخيير ؛ إذ المفروض : سلامته عن التقييد.

(١) بل الصفح عنه أولى مطلقا حتى مع الظن بوجوب الترجيح ؛ لأن الظن غير المعتبر لا يجدي ولا يغني من الحق شيئا.

وقد تحصل مما أفاده المصنف ـ من أول هذا الفصل إلى هنا ـ أن المرجع في تعارض الخبرين هو إطلاقات التخيير ، ولا يجب الترجيح بشيء من المرجحات الواردة في المقبولة وغيرها من أخبار الباب ، وسيأتي الكلام في الآثار المترتبة بالتخيير.

هل يجب الإفتاء بما اختاره من الخبرين أو بالتخيير في المسألة الأصولية أو يجوز كلا الأمرين جميعا؟

(٢) الضمير للشأن ، وهذا شروع في الآثار المترتبة على التخيير لكن هذه الآثار لا تختص بمختار المصنف «قدس‌سره» من التخيير المطلق بل تجري بناء على مختار غيره ممن يرجع إلى أخبار التخيير بعد تقييدها بمرجحية موافقة الكتاب ومخالفة العامة ، وعليه : فهذه الآثار أحكام القول بالتخيير سواء قيل به مطلقا أم بعد فقد المرجح.

وكيف كان ؛ فالأثر الأول هو : أن مقتضى حجية أحد الخبرين تخييرا جواز الإفتاء بما يختاره منهما ؛ إذ المفروض حجيّة أحدهما تخييرا ، فإذا اختار أحدهما وأفتى به كان حجة عليه وعلى مقلديه كالرواية التي هي حجة عليه تعيينا ؛ لعدم معارض لها مع اجتماع شرائط حجيتها ، فإذا اختار الرواية الدالة على وجوب جلسة الاستراحة وأفتى بوجوبها كان حجة عليه وعلى مقلديه ، وليس له بعد ذلك أن يختار الرواية الأخرى الدالة على عدم وجوبها.

__________________

(١) السجدة : ٨.

٢٦٩

مقلديه ولا وجه (١) للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية ؛ لعدم (٢) الدليل عليه (٣) فيها.

نعم (٤) ؛ له الإفتاء به في المسألة الأصولية ، فلا بأس حينئذ (٥) باختيار المقلد غير ما

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الأثر الثاني ، وحاصله : أنه لا وجه لجواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية كالتخيير بين حرمة شرب التتن وإباحته فيما إذا دل أحد الخبرين على حرمته والآخر على إباحته ؛ وذلك لأن الغالب في كل واقعة وحدة حكمها الواقعي تعيينا وندرة حكما تخييرا ؛ كالتخيير بين القصر والإتمام في مواطن التخيير. ومع تعيّن الحكم الواقعي يكون الإفتاء بالتخيير على خلافه ، وهو افتراء على الشارع ، فالحكم بالتخيير في المسألة الفرعية لا مسوغ له.

وعليه : فمورد التخيير هو حجية الخبرين ؛ لأن السؤال ناظر إلى ذلك حيث إن التحير في الحجية نشأ عن تعارضهما ؛ إذ لو لاه لكان كلاهما حجة ، فالجواب بقولهم «عليهم‌السلام» «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» يراد به الأخذ بأيهما حجة وتسليما لأمر الشارع.

ومن المعلوم : أن التخيير في الحجية تخيير في المسألة الأصولية وليس تخييرا بين مضموني الخبرين حتى يكون تخييرا في المسألة الفقهية كي يفتي المجتهد في مثال شرب التتن بالتخيير بين الحرمة والإباحة.

(٢) تعليل لقوله : ولا وجه. وأما عدم الدليل. فلأن ظاهر الأخبار ـ كما مر ـ هو التخيير في الحجية التي هي المسألة الأصولية ولا دليل غيرها على التخيير.

(٣) أي : على التخيير في المسألة الفرعية. وضمير «فيها» راجع على «المسألة الفرعية».

(٤) استدراك على عدم جواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية ، وإشارة إلى الأثر الثالث للقول بالتخيير.

وتوضيحه : أنه يجوز للمجتهد أن يفتي بالتخيير في المسألة الأصولية وهي حجية أحد الخبرين تخييرا ، ضرورة : أن المستفاد من أدلة التخيير هو التخيير في المسألة الأصولية فلا مانع من الإفتاء بذلك ، فيجوز للمقلّد ـ بعد أن قلّد مجتهده في هذه المسألة الأصولية ـ أن يختار غير ما اختاره المجتهد من الخبرين المتعارضين ، فإذا اختار المجتهد الخبر الدال على إباحة شرب التتن مثلا جاز للمقلّد أن يختار الخبر الدال على حرمته. نظير إجراء الاستصحاب في الموضوعات بعد أن قلّد مجتهده في حجيته فيها ، ولا دليل على لزوم متابعة المقلّد للمجتهد فيما اختاره بعد فرض متابعته في نفس الحكم بالتخيير في المسألة الأصولية.

(٥) أي : حين جواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الأصولية. و «غير» مفعول «باختيار».

٢٧٠

اختاره المفتي ، فيعمل (١) بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره (٢) الذي لا شبهة فيه (٣).

وهل التخيير (٤) بدوي أم استمراري؟

______________________________________________________

ولا فرق في الحكم الذي دلّ عليه الخبران من الأحكام المبتلى بها للمجتهد كأحكام الصلاة والصوم ، ومن غيرها كالأحكام المختصة بالنساء.

(١) هذه نتيجة حجية الخبر بإفتاء المفتي بها وجواز اختيار المقلد لها ، فإن حجية الخبر ـ أي : الحكم بصدوره في حقه ـ كحجيته في حق نفس المفتي تقتضي اعتبار معنى ألفاظ الخبر إن كان نصا أو ظاهرا بمثابة لا يعتدّ باحتمال خلافه عند أبناء المحاورة ، فلا يكون في فهم معنى الرواية تابعا للمجتهد مثلا بل هو كسائر أبناء المحاورة في فهم المعاني من الألفاظ. وضمير «منه» راجع إلى «ما اختاره» ، أي : ما اختاره المقلّد لا المفتي. والأولى أن يقال : «فيعمل بما يفهمه منه».

(٢) هذا الضمير وضمير «بصريحه» ـ المراد به النص ـ راجعان إلى «ما» الموصول المقصود به المعنى. يعني : فيعمل المقلّد بالمعنى الذي يفهمه الصراحة أو الظهور من غير الخبر الذي اختاره المفتي. والأولى تبديل «بصريحه» ب «صراحته» مصدرا كمعطوفه وهو «بظهوره» كما لا يخفى.

(٣) أي : في الظهور الذي لا يحتاج إلى النظر والتأمل. وهذا احتراز عن الظهور الذي يحتاج إلى ذلك ، كما إذا لم يكن اللفظ الدال على الحكم كالجملة الاسمية أو الفعلية الخبرية ـ صريحا أو ظاهرا معتدا به في الحكم. وكذا اللفظ الدال على موضوع الحكم كالغناء والصعيد والآنية من ألفاظ الموضوعات المستنبطة. فإنه في استظهار معانيها لا بد من مراجعة المجتهد ، لعجزه عن إثبات الظهور بدون الرجوع إليه ، مع وضوح إناطة حجية الكلام بظهوره في المعنى وعدم إجماله.

هل التخيير بدوي أو استمراري؟

(٤) هذا إشارة إلى الأثر الرابع من آثار التخيير ، وتوضيحه : ـ كما في «منتهى الدراية ، ج ٨ ، ص ٢٠٤» ـ : أن التخيير مطلقا أو في خصوص المتكافئين ـ على الخلاف ـ هل هو بدوي بمعنى : أنه إذا اختار أحد الخبرين في زمان لم يكن له الأخذ بالآخر في زمان آخر؟ أم استمراري ، فيجوز أن يختار أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر فيه وجوه :

أحدها : كونه بدويا مطلقا وهو الظاهر من كلام الشيخ كما سيأتي تفصيله.

ثانيها : كونه استمراريا كذلك كما هو ظاهر جماعة منهم المصنف «قدس‌سره».

٢٧١

قضية الاستصحاب (١) لو لم نقل بأنه (٢) قضية الإطلاقات أيضا (٣) كونه استمراريا.

وتوهّم : أن المتحير (٤) كان محكوما بالتخيير ولا تحيّر له بعد الاختيار ، فلا يكون الإطلاق ولا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما فاسد (٥) ؛ فإن

______________________________________________________

ثالثها : كونه بدويا إلا مع قصد الاستمرار ، فقصد الاستمرار دخيل في كون التخيير استمراريا.

رابعها : كونه استمراريا إلا إذا قصد بدويته.

(١) استدل المصنف وغيره على كون التخيير استمراريا مطلقا بوجهين :

أحدهما : الاستصحاب والآخر : إطلاقات أدلة التخيير.

والوجه الأول مبني على الإغماض من الوجه الثاني ، ومحصل تقريب الاستصحاب : أن التخيير الثابت في الزمان الأول يصير بعد الأخذ بأحد الخبرين مشكوكا فيه ؛ لاحتمال كون الأخذ بأحدهما رافعا للتخيير ، كغيره من موارد الشك في رافعية الموجود ، فيستصحب التخيير وجواز الأخذ بالخبر الآخر في الزمان الثاني والثالث وهكذا.

(٢) أي : بأن التخيير الاستمراري. هذا إشارة إلى الوجه الثاني وهو إطلاقات التخيير. ومحصله : أن مقتضى إطلاق أدلة التخيير بحسب الزمان وعدم تقييده بزمان خاص هو استمرار التخيير ، وعدم اختصاصه بالزمان الأول ، فإن إطلاق دليل حجية أحد الخبرين تخييرا يقتضي استمرار حجيته كذلك.

(٣) يعني : كما أن التخيير مقتضى الاستصحاب ، و «كونه» خبر «قضية» وضميره راجع إلى «التخيير». وبالجملة : فمقتضى الاستصحاب بل الإطلاقات كون التخيير استمراريا.

(٤) وهو موضوع الحكم بالتخيير ، فإذا أخذ الشخص بأحد الخبرين ذهب تحيّره فلا موضوع للإطلاق ولا بقاء لموضوع الاستصحاب ، وحينئذ يجب أن يكون التخيير بدويا لا استمراريا.

(٥) خبر و «توهم» ودفع له وحاصله : بقاء موضوع التخيير حتى بعد الأخذ بأحد الخبرين ، فلا مانع من الحكم باستمرار التخيير تمسكا بالإطلاق أو الاستصحاب.

توضيحه : أن موضوع التخيير ـ وهو التحيّر بمعنى تعارض الخبرين ـ باق على حاله حتى بعد الأخذ بأحد الخبرين ؛ لأن الأخذ بأحدهما لا يرفع التعارض والتنافي القائم بهما ، فلم يختلف موضوع التخيير قبل الأخذ بأحدهما وبعده حتى يتوجه المنع عن التمسك بإطلاقات التخيير أو استصحابه.

٢٧٢

التحيّر ـ بمعنى تعارض الخبرين ـ باق على حاله ، وبمعنى آخر (١) لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) يعني : وإن أريد بالتحيّر معنى آخر كالتحيّر في الحكم الواقعي ففيه :

أولا : أنه لم يؤخذ موضوعا للتخيير في شيء من الأدلة.

وثانيا : أنه ـ بعد تسليمه ـ باق أيضا بعد الأخذ بأحد الخبرين ، ضرورة : أنه لا يكون كاشفا قطعيا عن الحكم الواقعي حتى يرتفع به التحيّر ويمتنع التمسك بالإطلاق أو الاستصحاب.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الغرض من عقد هذا الفصل : بيان ما هو مقتضى القاعدة الثانوية النقلية في باب تعارض الأخبار ، ومقتضى القاعدة الأولية وإن كان سقوط المتعارضين عن الحجية كما تقدم في الفصل السابق ؛ إلا إنه بعد قيام الإجماع والأخبار العلاجية على عدم سقوط الخبرين المتعارضين عن الحجية ، فهل مقتضى القاعدة الثانوية هو التخيير ، أو ترجيح الراجح على المرجوح ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير؟

ذهب صاحب الكفاية إلى أن الأصل يقتضي التعيين وهو وجوب العمل بالراجح بدعوى كون المقام من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجية.

وكيف كان ؛ فالأصل يقتضي التعيين وهو وجوب الأخذ بالراجح إمّا تعيينا لاحتمال وجوب الترجيح ، وإما تخييرا لعدم وجوبه.

٢ ـ أخبار العلاج على طوائف :

١ ـ أخبار دلت على التخيير على الإطلاق.

٢ ـ أخبار دلت على التوقف مطلقا.

٣ ـ أخبار دلت على الاحتياط.

٤ ـ أخبار دلت على وجوب الترجيح بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة. ثم المرجحات التي تضمنتها الروايات مختلفة كمّا وكيفا.

أما الكم : فلاختلافها عددا حيث إن الترجيح بالاحتياط لم يذكر في كثير من أخبار الترجيح.

وأما الكيف : فالاختلاف في الأخبار في ترتيب الترجيح بتلك المزايا ففي بعضها كالمقبولة قدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بمخالفة العامة. وفي المرفوعة عكس الأمر.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الترجيح بصفات الراوي مقدم في المقبولة على الترجيح بالشهرة وفي المرفوعة بالعكس.

٣ ـ واختلاف الأخبار العلاجية في عدد المرجحات وترتيبها أوجب اختلاف الأنظار وتشتت الأقوال :

أحدها : وجوب الترجيح بخصوص المزايا المنصوصة.

ثانيها : وجوب الترجيح بمطلق المزايا ؛ وإن لم تكن منصوصة.

ثالثها : وجوب الترجيح بكل مزية ؛ وإن لم توجب ظنّا ولا قربا لأحدهما إلى الواقع.

رابعها : التخيير مطلقا سواء كانا متكافئين في المزايا أم متفاضلين فيها.

٤ ـ والتحقيق : إنكار دلالة أخبار الترجيح على وجوبه وإثبات عدم صلاحيتها لتقييد إطلاقات التخيير.

فيقع الكلام في مقامين : أحدهما : ما يرجع إلى المقبولة والمرفوعة لأنهما أجمع ما في الباب من الروايات المتضمنة للمرجحات.

ثانيهما : ما يرجع إلى سائر الروايات المشتملة على أحكام المتعارضين.

٥ ـ وأما المقام الأول فملخصه : عدم صلاحية المقبولة والمرفوعة لتقييد إطلاقات التخيير لوجوه :

الأول : اختلافهما في ترتيب المرجحات ، حيث إن الترجيح بصفات الراوي في المقبولة مقدم على الترجيح بغيرها ، وفي المرفوعة بالعكس.

وهذا الاختلاف الموجب للتعارض يوهن اعتبارهما ويسقط كلاهما عن الحجيّة ، فيسقط كلاهما عن صلاحية تقييد إطلاقات التخيير.

الثاني : أن الأخذ بما في المرفوعة ـ من تقديم المشهور على غيره حتى يؤخذ بالمقبولة ـ محال ؛ إذ معنى الأخذ بالمقبولة هو طرح المرفوعة ، فيلزم من وجود المرفوعة عدمها ، وما يلزم من وجوده عدمه محال.

الثالث : أن الاستدلال بهاتين الروايتين على وجوب الترجيح في مقام الفتوى مشكل لاحتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا بمورد المقبولة وهو باب الخصومة والحكومة.

٦ ـ وأما الإشكال : في سائر الأخبار العلاجية غير المقبولة والمرفوعة فلأن هذه الأخبار تشتمل على مضامين ستة ، اثنان منها أجنبيان عن علاج تعارض الخبرين ، وإنما يدلان على شرط حجية الخبر مطلقا ، وأربعة منها وإن كانت ترتبط بعلاج تعارض

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الخبرين وهي ما دل على الترجيح بالشهرة ، وما دل على الترجيح بموافقة الكتاب والسنة ، وما دل على الترجيح بموافقة الكتاب دون التعرض بموافقة السنة ، وما دل على الترجيح بمخالفة القوم خاصة ؛ إلا أن هذه الطوائف الأربع غير متفقة على الترجيح بمزية معينة فيتعارض بعضها البعض فتسقط عن صلاحية تقييد إطلاقات التخيير.

٧ ـ وبعض الأخبار الواردة في الباب خارج عن أخبار الترجيح ؛ بل يكون لتمييز الحجة عن اللاحجة ، وهو ما دل على أن مخالف الكتاب زخرف وباطل ولم نقله ؛ لأن هذه التعبيرات تكشف عن عدم المقتضى للحجية فيه ؛ لأنها تدل على نفي الصدور الذي لا محيص عن إثباته في حجية الخبر ؛ إذ لا معنى لحجيته مع نفي صدوره ، فهذه التعبيرات مميّزة للحجة عن اللاحجة وأجنبية عن ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى.

فحاصل البحث : أن إطلاقات التخيير محكمة وليس في أخبار الباب ما يصلح لتقييدها.

٨ ـ الاستدلال على تقييد إطلاقات التخيير بوجوه أخر.

منها : الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين وهو الراجح.

ومنها : أنه لو لم يجب الترجيح للزم ترجيح المرجوح على الراجح.

ومنها غير ذلك.

وأما الجواب عن الإجماع : فلعدم تحققه أولا ؛ فكيف يحصل الإجماع مع مخالفة الكليني وقوله بالتخيير وغيره.

هذا مضافا إلى : أنه محتمل الاستناد ، والإجماع كذلك لا يكون حجة.

والجواب عن الثاني : أولا : ليس المقام من صغريات قبح ترجيح المرجوح على الراجح ؛ لأن الملاك في حجية خبر الواحد هو احتمال الإصابة ، وهذا الملاك متحقق في كل من المرجوح والراجح ، فلا يلزم من تقديم غير ذي المزية على ذي المزية تقديم المرجوح على الراجح ؛ إلا إذا علم من الخارج بأن المزية في الراجح له دخل في تأكد ملاك الراجح وليس كالحجر في جنب الإنسان ولم يعلم يحرز دخلها في الملاك.

وأما الإضراب من القبح إلى الامتناع الذاتي فهو في غير محله ؛ لأن الترجيح في الأفعال ليس بمحال ؛ إذ المحال هو وجود الممكن من دون علّة وإرادة الفاعل في الأفعال الاختيارية علة لها.

٩ ـ ومقتضى التخيير : هو جواز الإفتاء بما اختاره المفتي منهما ؛ إذ المفروض : حجية

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما تخييرا ، فإذا اختار أحدهما وأفتى به كان حجة عليه وعلى مقلّديه ، ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية كالتخيير بين حرمة شرب التتن وإباحته ؛ لأن الغالب في كل واقعة وحدة حكمها الواقعي تعيينا.

١٠ ـ كون التخيير بدويا أو استمراريا فيه احتمالان.

واستدل المصنف على كونه استمراريا بوجهين : أحدهما الاستصحاب ، والآخر : إطلاقات التخيير.

وأما الاستصحاب : فلأن التخيير الثابت في الزمان الأول مشكوك فيه في الزمان الثاني ، فيستصحب في الزمان الثاني.

وأما إطلاق التخيير : فلأن مقتضى إطلاق أدلة التخيير بحسب الزمان وعدم تقييدها بزمان خاص هو استمرار التخيير وعدم اختصاصه بالزمان الأول.

١١ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ مقتضى القاعدة الثانوية هو : التخيير لعدم صلاحية أخبار الترجيح لتقييد إطلاقات التخيير.

٢ ـ بعض الأخبار العلاجية يكون لتمييز الحجة عن اللاحجة ؛ لا لترجيح إحدى الحجتين على الأخرى.

٣ ـ عدم صحة الاستدلال بالإجماع على وجوب الترجيح ولا بالقياس الاستثنائي.

٤ ـ جواز الإفتاء بالتخيير في المسألة الأصولية دون المسألة الفرعية.

٥ ـ التخيير استمراري ولا يكون بدويا.

٦ ـ ومقتضى الأصل في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو التعيين.

٢٧٦

فصل (١)

هل على القول بالترجيح ، يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة ، أو

______________________________________________________

في التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها

(١) الغرض من عقد هذا الفصل : هو التعرض لما هو محل الخلاف بين الأعلام من أنه بناء على القول بلزوم الترجيح وتقييد إطلاقات التخيير بأخبار الترجيح ، هل يقتصر في الترجيح على المرجحات المنصوصة وفي غيرها يرجع على إطلاقات التخيير؟ أم يتعدّى إلى كل مرجح وإن لم يكن من تلك المرجحات ، فتقيد إطلاقات التخيير بكل مزيّة؟

نسب الأول إلى أصحابنا المحدثين وبعض الأصوليين.

والثاني إلى جمهور الأصوليين ومنهم الشيخ الأنصاري «قدس‌سره».

ولا يخفى : أنه لا موضوع للبحث عن التعدي عن المرجحات المنصوصة بناء على إنكار أصل وجوب الترجيح كما هو مختار المصنف «قدس‌سره».

وقد استدل الشيخ وأتباعه على التعدي بوجوه ترجع إلى أخبار الترجيح :

الأول : أصدقية الراوي في المقبولة وأوثقيته في المرفوعة ؛ بتقريب : أن في كل منهما جهتين : إحداهما : النفسية ، ثانيتهما : الكشف والإراءة ، وجعل مرجحيتها من الجهة الأولى أو الثانية وإن كان محتملا ويكون الترجيح بهما بناء على الجهة الأولى تعبديا محضا ، وبناء على الجهة الثانية ارتكازيا ؛ لكون الأصدقية والأوثقية موجبتين للأقربية إلى الواقع التي هي ملاك حجية الطرق غير العلمية ؛ لكن الظاهر بحسب الإطلاق هو جعل الترجيح بهما من الجهة الثانية ، فيكون المناط حينئذ في الترجيح كل ما يوجب القرب إلى الواقع ؛ وإن لم يكن من المرجحات المنصوصة وهي في أخبار العلاج الأصدقية والأوثقية والأورعية والأفقهية والأعدلية كما وردت في المقبولة والمرفوعة ، وكذا الترجيح بالشهرة وبموافقة الكتاب والسنة وبمخالفة العامة كما في المقبولة ، وبموافقة الاحتياط كما في المرفوعة.

والمرجحات غير المنصوصة كثيرة :

٢٧٧

يتعدى إلى غيرها؟ قيل (١) : بالتعدي ؛ لما (٢) في الترجيح بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما ، مما (٣) فيه من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها (٤) موجبة للأقربية إلى الواقع (٥) ، ولما (٦) في التعليل «بأن المشهور مما لا ريب فيه» ...

______________________________________________________

منها : أضبطية الراوي أحد الخبرين من الآخر كما حكي عن الشيخ الترجيح بها.

ومنها : قلّة الوسائط وهي علوّ السند.

ومنها : نقل أحد الخبرين بلفظ الإمام «عليه‌السلام» ، والآخر بالمعنى.

ومنها : كون لفظ أحد الخبرين فصيحا والآخر ركيكا بعيد عن الاستعمال.

ومنها : تأكّد دلالة أحدهما بحرف التأكيد والقسم ونحوهما دون الآخر.

ومنها : اعتضاد أحدهما بدليل دون الآخر.

ومنها غير ذلك.

(١) القائل هو الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ونسبه إلى المجتهدين.

قال بالتعدي لوجوه : الأول : ما أشار إليه بقوله : «بمثل الأصدقية والأوثقية» ، وقد تقدم تقريب التعدي بهما إلى غيرهما.

(٢) تعليل للقول بالتعدي. وهذا إشارة إلى أول الوجوه التي استدل بها على التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها ، وقد تقدم توضيح ذلك.

(٣) بيان ل «نحوهما» ، والمراد ب «ما» الموصول المرجحات و «فيه» ظرف مستقر متعلق بأحد أفعال العموم مثل «يكون» ، وضميره راجع إلى الموصول ، ومعنى العبارة : أن في الأصدقية والأوثقية ونحوهما من الأمور ـ التي فيها كشف وإراءة ـ دلالة على أن المناط في الترجيح بالمرجحات هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع. و «من الدلالة» بيان ل «ما» الموصول في «لما في الترجيح» وتقريب للاستدلال بالأصدقية والأوثقية ونحوهما.

(٤) هذا الضمير وضمير «بها» راجعان إلى «الأصدقية والأوثقية ونحوهما».

(٥) المعبّر عنها في القوانين في قانون الترجيح ب «ما هو أقرب إلى الحق النفس الأمري ؛ لا ما هو أقرب بالصدور عن المعصوم «عليه‌السلام» ...» الخ.

والمراد بالأقربية : كون احتمال مخالفة الخبر الواجد لمرجح للواقع أقل من احتمال مخالفة الخبر الفاقد له للواقع.

(٦) عطف على «لما في الترجيح» وإشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه التي استدل بها الشيخ على التعدي إلى المرجحات غير المنصوصة ، وهو تعليل الأخذ بالخبر المشهور في مقبولة ابن حنظلة بقوله «عليه‌السلام» «فإن المجمع عليه لا ريب فيه» ، بتقريب : أن تعليل

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الترجيح في الخبر المشهور بعدم الريب فيه ظاهر في نفي الريب عنه بقول مطلق ومن جميع الجهات. لكن هذا الظاهر غير مراد هنا قطعا لقرائن مسلّمة :

منها : عدم إفادة الشهرة الروائية للقطع بالصدور والدلالة والجهة ؛ بل المقتضي لحصول هذا القطع هو الشهرة الروائية والفتوائية معا ، والمفروض في المقبولة : شهرة الرواية خاصة لقوله «مشهوران مأثوران قد رواهما الثقات».

ومنها : أن السائل سأل عن حكم تعارض الخبرين ، ولو كان أحدهما قطعيا من جميع الجهات وكان الآخر موهونا كذلك لما كان مجال لفرض التعارض بينهما ، ولا للسؤال عن حكم الخبرين المشهورين ، فلا بد أن يكون الريب المنفي إضافيا لا حقيقيا ؛ إذ يتجه السؤال حينئذ عما هو أقرب إلى الواقع ، ويكون الريب فيه أقل من الأخر.

ومنها : أن الإمام «عليه‌السلام» بعد تعليل الأخذ بالمشهور ب «أن المجمع عليه لا ريب فيه» استند إلى خبر التثليث وظاهرة إدراج الخبر الشاذ ـ المقابل للمشهور ـ في الشبهة لا في بيّن الغيّ والحرام البيّن ، فإن المكلف مجبول على عدم الأخذ بما كان هذا شأنه.

وعليه : يصير الخبر المشهور مما لا ريب فيه ، بالإضافة إلى غيره لا قطعيا من جميع الجهات.

ومنها : أن الإمام «عليه‌السلام» حكم بترجيح أحد الحكمين بصفات الحاكم من الأصدقية ونحوها ، وتقديم خبر الأصدق إنما هو من جهة أقربيته إلى الواقع ، فتتقوّى أصالة الصدور في الخبر ؛ لكون رواية أصدق من راوي الخبر الآخر ، وبعد التكافؤ في الصفات رجّح الإمام «عليه‌السلام» الخبر المشهور على غيره.

ومقتضى الترتيب تقديم خبر الأصدق ـ ولو لم يكن مشهورا ـ على الخبر المشهور الذي رواه الصادق ولو كان الخبر المشهور قطعيا من جميع الجهات لما صح جعل الأصدقية موجبة لأقربية الخبر المخالف للمشهور ، ولمّا تعذر الأخذ بظاهر التعليل في نفي الرب عن الخبر المشهور من جميع الجهات ـ بما تقدم من القرائن ـ فلا بد من الأخذ بما هو أقرب إلى المعنى الحقيقي ، وهو أن يكون الريب في أحدهما أقلّ من الآخر بعد اشتراكهما في أصل الريب ، وأن الريب المنفي في الخبر المشهور هو خصوص الريب الموجود في الخبر الشاذ.

ومحصل التعليل حينئذ : أن المدار في حجية أحد الخبرين المتعارضين هو قلة احتمال المخالفة للواقع فيه ، وأقربية احتمال مطابقته له من احتمال مطابقة الأخر له ، فيتعدّى

٢٧٩

من (١) استظهار أن العلة (٢) هو عدم الريب فيه ، بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه ألف ريب. ولما (٣) في التعليل بأن الرشد في خلافهم. ولا يخفى (٤) : ما في الاستدلال بها.

أمّا الأول (٥) : فإن جعل خصوص شيء ...

______________________________________________________

حينئذ من الشهرة إلى مزية توجب أقربية ذيها إلى الواقع من الخبر الفاقد لتلك المزية.

(١) بيان ل «ما» الموصول في قوله «ولما في التعليل».

(٢) أي : العلة في ترجيح المشهور على الخبر الشاذ هو عدم الريب الإضافي دون الحقيقي ، فليس كل ريب منفيا عن الخبر المشهور ؛ بل المنفي عنه هو الريب الموجود في الشاذ. وضمير «فيه» في كلا الموضعين راجع إلى «المشهور».

(٣) عطف على «لما في الترجيح» وإشارة إلى الوجه الثالث من الوجوه التي استدل بها على التعدّي ، وهو تعليلهم «عليهم‌السلام» في جملة من الروايات لتقديم الخبر المخالف للعامة ب «أن الحق والرشد في خلافهم».

ومحصل تقريب الاستدلال به : أن المراد بكون الرشد في خلافهم إمّا من جهة كون الحق في مخالفتهم دائما ، وإمّا من جهة كونه في مخالفتهم غالبا. والأول باطل جزما كما هو واضح ؛ الموافقة جملة من أحكامهم للواقع ، فبعد بطلان الاحتمال الأول يتعين الاحتمال الثاني. فمرجع التعليل حينئذ إلى أن مخالفة العامة مرجحة ؛ لكونها أقرب إلى الواقع غالبا ، فكل شيء يوجب هذه الأقربية يكون مرجحا وإن كان غير مخالفة العامة.

(٤) هذا شروع في ردّ الوجوه المذكورة التي استدل بها على التعدّي عن المرجعات المنصوصة. وضمير «بها» راجع إلى الوجوه المستفادة من العبارة.

(٥) هذا إشارة إلى رد الوجه الأول.

وحاصل ما أفاده في ردّه يرجع إلى أمرين :

أحدهما : أن الاستدلال المزبور على التعدي مبني على ظهور جعل الحجّية أو الراجحية لشيء فيه جهة كشف وإراءة في كون تمام ملاك هذا الجعل هو حيثية الكشف والطريقية حتى يصح التعدي عنه إلى كل ما فيه هذه الحيثية. وهذا الظهور في حيّز المنع لاحتمال دخل خصوصية ذلك الشيء في الجعل ؛ لا جهة الإراءة ولا دافع لهذا الاحتمال ، فاستناد التعدي إلى هذا الوجه غير صحيح ، وإلّا جاز التعدي إلى حجية كل ما يفيد الظن كالشهرة والأولوية وهو كما ترى.

وببيان آخر : لا ريب في أن جهة الإراءة والكشف محفوظة في أصدقية المخبر

٢٨٠