دروس في الكفاية - ج ٧

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث إنها ترفع الشك وتوجب صدق نقض اليقين باليقين ، وليست الأمارة رافعة للحكم مع بقاء الموضوع وهو نقض اليقين بالشك حتى ينطبق عليه ضابط التخصيص.

فحاصل إشكال المصنف على التوفيق العرفي : إن أريد به التخصيص هو : عدم انطباق ضابطه على الأمارة ، لأن التخصيص إخراج حكمي من دون تصرف في الموضوع ، والأمارة رافعة لموضوع الاستصحاب فما ينطبق في المقام هو ضابط الورود دون التخصيص. وضمير «كونه» راجع إلى «الأخذ بدليلها».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ تعرض المصنف في هذه التتمة شرطين من شرائط الاستصحاب ، وهما بقاء الموضوع ، وعدم أمارة معتبرة في مورده ؛ إذ معها لا تصل النوبة إليه. فيقع الكلام في مقامين :

أما المقام الأول فلا بد من بيان أمور :

الأول : بيان ما هو المراد من موضوع الاستصحاب.

الثاني : بيان ما هو المراد من بقاء الموضوع.

الثالث : لزوم الدليل على بقاء الموضوع.

والمراد من الموضوع هو : معروض المستصحب كصلاة الجمعة فيما إذا كان المستصحب هو وجوبها ، ووجود زيد فيما إذا كان حياة زيد.

والمراد من بقاء الموضوع : بقاؤه بجميع ما له دخل في عروض المستصحب لذلك المعروض ، ويتحقق البقاء بهذا المعنى في اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا.

٢ ـ يقول صاحب الكفاية : إن بقاء الموضوع بمعنى اتحاد القضيتين لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان ؛ لعدم صدق نقض اليقين بالشك بدون الاتحاد. كما لا يخفى.

ثم يذكر ما ذكره الشيخ من الاستدلال بالدليل العقلي ، وهذا الاستدلال مبني على أن يكون المراد من بقاء الموضوع هو إحراز وجود الموضوع في الخارج ؛ كما هو مختار الشيخ أو صاحب الفصول.

تقريب الاستدلال بهذا الدليل العقلي : أن العرض هو الذي يقوم بغيره ، فانتقاله عنه

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى غيره محال ؛ إذ في حال الانتقال إما لا يكون قائما بالمنتقل عنه ولا بالمنتقل إليه ، أو يكون قائما بالمنتقل إليه ، وكلا الاحتمالين باطل ومحال ؛ لأن الأول : يستدعي قيام العرض بغير موضوع ومحل وهو محال. والثاني : يوجب انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر وهو أيضا محال ؛ إذ حال الانتقال يلزم كون العرض بلا موضوع ولو آناً ما.

٣ ـ ردّ الاستدلال لبقاء الموضوع بهذا الدليل العقلي : هو انتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر وإن كان مستحيلا حقيقة ؛ إلا إنه ليس مستحيلا تعبدا. والمراد هو الثاني وهو لا يستلزم محذورا.

ثم المراد من بقاء الموضوع إذا كان الاتحاد بنظر العقل فلا يجري الاستصحاب لانتفاء الاتحاد عقلا عند تغيّر الموضوع ، ولا شك عند عدم تغيّره أصلا.

وأما إذا كان مناط الاتحاد هو نظر العرف : فيجري الاستصحاب لبقاء الموضوع عرفا عند تغيّر الموضوع بزوال بعض أوصافه.

٤ ـ والمناط في بقاء الموضوع في الاستصحاب : هو بقاء الموضوع العرفي ؛ لا الموضوع العقلي الدقي ، ولا الموضوع المأخوذ في لسان الدليل ، ففي مثل قوله : «العنب إذا غلى يحرم» نستصحب الحرمة التعليقية في حال الزبيبية ؛ وذلك لاتحاد القضيتين بحسب الموضوع العرفي ، وكون العنبيّة وكون العنبيّة والزبيبية من الحالات المتبادلة ؛ وإن لم يكن اتحاد بحسب الموضوع العقلي الدقي ولا بحسب الموضوع المأخوذ في لسان الدليل.

وفي مثل الوجوب والاستحباب يكون الأمر بالعكس ، فلم يستصحب الاستحباب عند انتفاء الوجوب ، وذلك لعدم اتحاد القضيتين بحسب المحمول عرفا وإن كان هناك اتحاد عقلا ؛ نظرا إلى كون الاستحباب عين الوجوب ، والتفاوت بينهما بالشدة والضعف.

٥ ـ تقدم الأمارة على الاستصحاب : إما بالورود أو الحكومة ، أو التوفيق إنما يصح إذا كان الاستصحاب أصلا عمليا لا أمارة ظنيّة.

والفرق بين هذه العناوين : أن الورود عبارة عن خروج شيء عن دائرة موضوع بعناية التعبد في مقابل التخصص الذي هو الخروج الموضوعي أيضا لكن بالتكوين لا بالتعبد ؛ كخروج الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء».

والحكومة هي : عبارة عن كون دليل ناظرا ومفسرا لدليل آخر ، والتوفيق هو الجمع بين الدليلين المتعارضين بالجمع الدلالي.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

٦ ـ التحقيق : أنه للورود ، فإن اللازم هو الأخذ بأمارة معتبرة ـ كخبر العدل والبيّنة ـ سواء كانت موافقة للحالة السابقة أو مخالفة لها ؛ ذلك لارتفاع موضوع الاستصحاب أعني : «نقض اليقين بالشك» ؛ لكونه نقض اليقين باليقين حينئذ لا بالشك ، وهذا معنى الورود.

٧ ـ الإشكال : على دعوى ورود الأمارة على الاستصحاب بأن العمل بالأمارة المخالفة لليقين السابق إنما يكون بنقض اليقين باليقين ومخرجا للمورد عن مصاديق نقض اليقين بالشك ، بناء على حجية دليل الأمارة في مورد الاستصحاب ، وهو أوّل الكلام لإمكان الأخذ بدليل الاستصحاب والعمل به دون دليل الأمارة ، فلا مجال للتمسك بدليل الأمارة مدفوع ؛ بأنه إن أخذ بدليل الاستصحاب لزم محذور تخصيص دليل الأمارة بلا وجه أو بوجه دائر ، ولا محذور في الأخذ بالأمارة ، فاللازم الأخذ بها من باب الورود دون دليل الاستصحاب من باب التخصيص.

٨ ـ وأما حديث الحكومة ـ الذي اختاره الشيخ ـ «فلا أصل له» ؛ لأن ضابط الحكومة لا ينطبق على تقدم الأمارة المعتبرة حتى يكون من باب الحكومة ؛ وذلك لفقدان شرطها وهو نظر الحاكم بمدلوله اللفظي إلى الدليل المحكوم وشرحه له ، ودليل الأمارة ـ كآية النبأ ـ لا تعرض له ولا نظر إلى مدلول دليل الاستصحاب إثباتا.

٩ ـ وأما التوفيق : فلو كان بمعنى الورود فنعم الاتفاق ، وإن كان بمعنى تخصيص دليل الاستصحاب بدليل الأمارة فلا وجه له لعدم انطباق ضابط التخصيص عليه ، حيث إن ضابطه هو التصرف في الحكم برفعه عن الخاص مع بقاء الموضوع على حاله ، وليس الأمر كذلك في المقام ؛ لأن دليل الأمارة يكون متصرفا في موضوع دليل الاستصحاب لا في حكمه.

١٠ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ المراد من بقاء الموضوع هو : اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة ؛ لا بمعنى إحراز الموضوع خارجا.

٢ ـ المناط في اتحاد القضيتين هو في نظر العرف لا النظر الدقي العقلي.

٣ ـ تقدم الأمارة على الاستصحاب يكون من باب الورود لا من باب الحكومة ، ولا من باب التوفيق العرفي.

١٤٣

خاتمة (١) : لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية (٢) ، وبيان التعارض بين الاستصحابين (٣).

وأما الأول (٤) : فالنسبة (٥) بينه وبينها هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه ، فيقدم عليها (٦) ولا مورد معه لها ؛ ...

______________________________________________________

في ورود الاستصحاب على سائر الأصول العملية

(١) المذكور في الخاتمة أمران.

الأول : بيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية من البراءة والاشتغال والتخيير.

الثاني : بيان حكم تعارض الاستصحابين ، وعقد لبيان حكم تعارض الاستصحاب مع اليد والقواعد الأخر تذنيبا.

(٢) بمعنى : أنه لو كان في المقام براءة أو احتياط أو تخيير عقلية كانت أو شرعية ، وكان هناك استصحاب ، فهل يقدم الاستصحاب عليها ، أو تقدم تلك الأصول على الاستصحاب؟

(٣) بمعنى : أن أيّهما يقدم على الآخر ؛ كما لو غسل يده في الماء المشكوك الكرية مع كونه كرّا سابقا ، فاستصحاب نجاسة اليد يقول بالنجاسة ، واستصحاب كرّية الماء يقتضي الطهارة ، فهل يقدم ذلك الاستصحاب أم هذا؟

(٤) هذا الأمر الأول يتضمن جهتين :

الأولى : بيان النسبة بين الاستصحاب وبين الأصول النقلية.

والثانية : بيان النسبة بينه وبين الأصول العقلية.

(٥) هذا إشارة إلى الجهة الأولى ، وحاصلها : أن النسبة بين الاستصحاب وبين الأصول الشرعية هي الورود ، فهو وارد على الأصول كورود الأمارة على الاستصحاب.

وفي قباله قولان آخران ، أحدهما : الحكومة ، وثانيهما : التخصيص.

وضمير «بينه» في الموضعين راجعان إلى الاستصحاب ، وضمير «بينها» إلى الأصول ، وضميرا «هي ، وبعينها» راجعان إلى النسبة.

(٦) هذا الضمير راجع على «الأصول» ، يعني : فيقدم الاستصحاب ورودا على الأصول العملية ؛ وذلك لعين ما تقدم منه في وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب حرفا بحرف.

ثم إن المصنف «قدس‌سره» أوضح وجه الورود في حاشية الرسائل ، ومحصل ما أفاده

١٤٤

للزوم (١) محذور التخصيص إلّا بوجه دائر في العكس (٢) ، وعدم (٣) محذور فيه أصلا. هذا في النقلية منها.

______________________________________________________

في حاشية الرسائل ، ومحصل ما أفاده في الحاشية في ورود الاستصحاب على غيره من الأصول النقلية : أن موضوع الاستصحاب هو المشكوك من وجه ، وهو الشك في الحكم الواقعي في مرحلة البقاء ، وموضوع سائر الأصول هو المشكوك مطلقا أي : حدوثا وبقاء ، فالاستصحاب يوجب العلم بالحكم بعنوان كونه مشكوك البقاء ، ومع العلم به يخرج حقيقة عن موضوع الأصول ، وهو الجهل بالواقع لحصول العلم به من وجه ، فإذا حرم حيوان بالجلل مثلا ، ثم شك في زوال الجلل عنه فاستصحاب جلله أو حرمته يوجب العلم بحكمه بعنوان كونه مما شك في بقاء حكمه ؛ لاقتضاء دليل الاستصحاب جعل حكم مماثل للحكم المتيقن. والشك في الحلية والحرمة الواقعيتين وإن لم يرتفع بالاستصحاب ؛ لكنه بعنوانه الاستصحابي معلوم ظاهرا ، ومع العلم بحكمه ظاهرا لا يبقى موضوع لأصالة الحل ؛ إذ موضوعها هو الشك من جميع الجهات حتى من جهة كونه مشكوك الحكم بقاء.

فاستصحاب الحرمة يدرجه في الغاية ، وهي «حتى تعلم أنه حرام» ، ولا نعني بالورود إلّا ارتفاع الموضوع.

فالمتحصل : أن الاستصحاب رافع لموضوع غيره من الأصول ، فمعه لا مورد لها. وضمير «معه» راجع على الاستصحاب ، وضمير «لها» على «الأصول».

(١) تعليل لعدم المورد لسائر الأصول مع الاستصحاب.

توضيحه : أنه إذا قدم الاستصحاب على سائر الأصول لا يلزم محذور أصلا ؛ إذ لا موضوع لها مع الاستصحاب ؛ لما عرفت : من ارتفاعه به ، بخلاف تقديمها على الاستصحاب ، فإنه مستلزم للتخصيص بلا وجه إلّا بوجه دائر ؛ لأن اعتبارها مع الاستصحاب موقوف على مخصصيتها لدليل الاستصحاب ، ومخصصيتها له موقوفة على اعتبارها ؛ إذ لا بد أن يكون المخصص معتبرا حتى يصلح للتخصيص.

(٢) متعلق ب «لزوم» ، والمراد بالعكس تقديم سائر الأصول على الاستصحاب ، فإن هذا التقديم يستلزم الدور الذي عرفت تقريبه.

(٣) معطوف على «لزوم» ، يعني : ولعدم محذور في تخصيص الاستصحاب للأصول وتقديمه عليها أصلا ، فإن محذور الدور لا يلزم فيه جزما ، لما مر من أن الاستصحاب رافع لموضوع الأصول ، ومع رفعه لموضوعها كيف يتوقف جريانه عليها؟

١٤٥

وأما العقلية (١) : فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها ، بداهة (٢) : عدم الموضوع معه لها ، ضرورة (٣) أنه إتمام حجة وبيان ومؤمّن من العقوبة ، وبه الأمان (٤). ولا شبهة في أن الترجيح به عقلا صحيح (٥).

______________________________________________________

وضمير «فيه» راجع إلى التخصيص ، وضمير «منها» إلى الأصول. وهذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي النسبة بين الاستصحاب والأصول النقلية.

(١) هذه هي الجهة الثانية أعني : ورود الاستصحاب على الأصول العقلية وهي البراءة والاشتغال والتخيير.

ومحصل تقريب وروده عليها : أنه يرفع حقيقة ما هو موضوع لتلك الأصول ، فإن موضوع البراءة العقلية ـ وهو عدم البيان أي : الحجة على التكليف ـ يرتفع بالاستصحاب الذي هو حجة وبيان على التكليف. وكذا يرتفع الشك في المؤمّن ـ الذي هو موضوع قاعدة الاشتغال المقتضي عقلا للزوم الاحتياط تحصيلا للمؤمّن ـ ببركة الاستصحاب ، فإنه صالح للمؤمّنية ورافع لاحتمال العقوبة ، فإذا علم إجمالا بوقوع قطرة دم مثلا ـ إما على ثوب نجس أو ثوب طاهر ـ فاستصحاب طهارة الثوب الذي كان طاهرا يجري ، ويرتفع موضوع الاحتياط العقلي وهو احتمال العقوبة.

نعم ؛ إذا كان للمعلوم الإجمالي أثر زائد ؛ كما إذا كان بولا والنجاسة السابقة دما ، فحينئذ : لا يجري ؛ بل تجري قاعدة الاشتغال ، وكذا الحال في موضوع قاعدة التخيير وهو تساوي الاحتمالين ؛ كما إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته ، وجرى الاستصحاب في الوجوب ، فإن به يخرج عن تساويهما الموجب للتحيّر ؛ كاستصحاب شهر رمضان في يوم الشك في كونه منه أو من شوال ، فإنه يرفع التحيّر.

(٢) تعليل لقوله : «فلا يكاد» ، وضمير «معه ، أنه» راجعان إلى الاستصحاب ، وضمير «لها» راجع إلى الأصول العقلية.

(٣) بيان لعدم الموضوع ، وقوله : «أنه إتمام حجة وبيان» إشارة إلى البراءة العقلية ، فإن موضوعها ـ وهو عدم البيان ـ يرتفع بالاستصحاب ، حيث إنه حجة وبيان على التكليف.

(٤) إشارة إلى الاشتغال العقلي الذي موضوعه عدم المن من العقوبة ، وهو يرتفع بالاستصحاب ؛ لكونه مؤمّنا من العقوبة ؛ كما إذا جرى استصحاب القصر أو الإتمام في بعض الموارد التي يقتضي الاحتياط فيها الجمع بينهما ، فإن استصحاب وجوب أحدهما مبرئ للذمة ومؤمّن من العقوبة عند الاكتفاء بمستصحب الوجوب.

(٥) هذا إشارة إلى التخيير العقلي الذي موضوعه تساوي الاحتمالي الموجب للتحير ، ولا شبهة في أن الاستصحاب يرجح أحد الاحتمالين ، فيرتفع به الموضوع وهو التساوي ؛

١٤٦

وأما الثاني (١) : فالتعارض بين الاستصحابين إن كان لعدم إمكان العمل بهما بدون

______________________________________________________

كما مر في استصحاب شهر رمضان في يوم احتمل كونه منه أو من شوال ، فإن الاستصحاب يرفع التحير الموضوع للتخيير.

في تعارض الاستصحابين

(١) هذا شروع في الأمر الثاني ما يبحث عنه في الخاتمة ، وهو حكم تعارض الاستصحابين.

وتوضيحه أن التعارض ـ الذي يراد به هنا على قسمين :

القسم الأول : يكون بدون العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما حتى يعلم بكذب أحدهما في مقام الجعل ويندرج في التعارض المصطلح ؛ كما إذا جرى الاستصحاب في وجوب إنقاذ غريقين أو إطفاء حريقين أو تجهيز ميتين من دون تعارض بين الاستصحابين في مقام التشريع ، غاية الأمر : أن المكلف لا يقدر على امتثال كلا الأمرين.

وحكم هذا القسم هو الرجوع إلى قاعدة باب التزاحم من تقديم ما هو الأهم لو كان أحدهما أهم ؛ وإلّا فالتخيير لاندراج هذا القسم في تزاحم الواجبين ؛ إذ لا فرق في تزاحم الواجبين بين كونهما واقعيين أو ظاهريين.

القسم الثاني : ما علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، فإجراء الاستصحاب في كليهما كذب قطعا ، وهذا القسم يتصور على وجهين : الأول : أن يكون أحد الشكين مسببا عن الشك الآخر وفي طوله.

الثاني : أن يكون الشكان عرضيين ومعلولين لعلة ثالثة ، وهذا الوجه الثاني قد يكون جريان الاستصحاب فيهما مستلزما للمخالفة العملية ، وقد لا يكون مستلزما لها ، وحكمه جريان كلا الاستصحابين فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف ؛ وإلّا فلا يجري الاستصحاب لوجود مانع ، وهو لزوم المخالفة القطعية العملية.

وأما إذا كان الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر : فحكمه جريان الأصل السببي دون المسببي ؛ كما إذا كان الشك في طهارة الثوب المغسول بما هو مشكوك الطهارة من الماء ونجاسته ، فيجري استصحاب طهارة الماء ولا يجري استصحاب نجاسة ثوب النجس الذي غسّل بالماء المشكوك ؛ لأن الماء المشكوك محكوم بالطهارة بعد استصحاب طهارته ، ولازم طهارة الماء طهارة الثوب النجس الذي غسّل به.

هذا خلاصة الكلام في صور تعارض الاستصحاب وأحكامها. وأما تفصيل ذلك فهو موجود في منتهى الدراية.

١٤٧

علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما (١) ؛ كاستصحاب وجوب أمرين (٢) حدث بينهما التضاد في زمان الاستصحاب ، فهو (٣) من باب تزاحم الواجبين.

وإن (٤) كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، فتارة : يكون المستصحب (٥) في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر ، فيكون الشك

______________________________________________________

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

قوله : «بهما» أي : بالاستصحابين ، وهذه هي الصورة الأولى أعني : عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحد المستصحبين ، مع حصول التضاد الموجب لعجز المكلف عن الامتثال في زمان الاستصحاب.

(١) يعني : بدون العلم بانتقاضها لا يكون تعارض بين الاستصحابين ؛ لعدم مانع من تشريعهما معا ؛ كاستصحاب وجوب إنقاذ الغريقين ، وهذا هو تزاحم المصطلح.

(٢) كوجوب إطفاء حريقين مثلا لا يقدر المكلف على امتثال كليهما من باب الاتفاق ، لا دائما حتى يندرج في باب التعارض ، ولذا قيّد التضاد ب «زمان الاستصحاب» المراد به زمان الامتثال.

(٣) إشارة إلى حكم الصورة الأولى يعني : أن تعارض الاستصحابين اللذين لم يعلم انتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، ولم يمكن العمل بهما يندرج في باب تزاحم الواجبين ، فإن كان أحدهما أهم من الآخر تعيّن الأهم ، وإلّا فالحكم هو التخيير بينهما.

ففي الغريقين : إن كان أحدهما أهم كما إذا كان وليا من أوليائه «تبارك وتعالى» تعيّن إنقاذه ؛ وإلّا تخيّر.

(٤) عطف على «إن كان» يعني : وإن كان التعارض لأجل العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما لا لعجز المكلف عن امتثال كليهما ؛ كإنقاذ الغريقين ، فتأتي فيه الأقسام التي تقدمت إجمالا ، وسيجيء تفصيلها في كلام المصنف إن شاء الله تعالى.

(٥) هذا هو المعروف بالشك السببي والمسببي ، والتعبير بكون المستصحب في أحدهما مسببا عن الآخر ، أو من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر كما في المتن وغيره لا يخلو عن مسامحة واضحة ؛ لأن المسبب في الشك المسببي هو الشك في بقاء مستصحبه ؛ كبقاء نجاسة الثوب المغسول بالماء الذي تستصحب طهارته ، ضرورة : نشوء الشك في بقاء نجاسته عن الشك في بقاء طهارة الماء ، فالمستصحب في الثوب وهو نجاسته ليس من الآثار الشرعية لطهارة الماء التي هي مورد الاستصحاب ؛ بل ارتفاعها من آثار طهارة الماء كما هو المطلوب.

١٤٨

فيه (١) مسببا عن الشك فيه ، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان طاهرا (٢) ، وأخرى : لا يكون كذلك ، فإن كان (٣) أحدهما أثرا للآخر ، فلا مورد إلّا للاستصحاب في طرف السبب.

______________________________________________________

وكيف كان ؛ فالمقصود من الشك المسببي هو الشك المعلول عن شك آخر ؛ بحيث يكون أصله رافعا لموضوع أصل الشك المسببي. قوله : «من الآثار الشرعية» احتراز عن الآثار العقلية ، فإذا كان من الآثار العقلية لمستصحب الآخر كتسبّب بقاء الكلي عن الشك في حدوث الفرد الباقي ؛ فلا يكون المسبب ـ وهو بقاء الكلي ـ من لوازم وجود الفرد شرعا ؛ بل من لوازمه العقلية ، فلا يكون استصحابه حاكما على استصحاب الكلي كما تقدم تفصيله في التنبيه الثالث. والأولى تبديل قوله : «المستصحب الآخر» ب «للمستصحب في الآخر» ؛ ليكون نظيرا لقوله : «في أحدهما».

(١) أي : فيكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر.

(٢) يعني : وقد كان الماء طاهرا.

وغرضه من هذا القيد : التنبيه على أن اندراج هذا المثال في أمثلة تعارض الاستصحابين في الشك السّببي والمسببي منوط بطهارة الماء سابقا حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ وإلّا فالحكم بطهارة الثوب المغسول بالماء الذي هو مشكوك الطهارة والنجاسة ليس منوطا بجريان الاستصحاب في طهارة الماء ؛ لكفاية ثبوت طهارة الماء بقاعدتها في طهارة الثوب لحكومتها على استصحاب نجاسة الثوب ، حيث إن مقتضى طهارة الماء الثابتة باستصحابها أو بقاعدتها هو طهارة المتنجس المغسول به ؛ كارتفاع الحدث مطلقا به ، وغيره من الآثار المترتبة على طهارته.

قوله : «وأخرى» عطف على «فتارة» يعني : وأخرى لا يكون المستصحب في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الاستصحاب الآخر ؛ بأن لا يكون شكه مسببا عن الشك فيه وناشئا منه ، كما إذا كان الشكان عرضيين من دون ترتب وطولية بينهما.

(٣) هذا إشارة إلى الشك السببي والمسببي ، وقد اختلفت كلماتهم في حكمه ، فذهب المحقق القمي وبعض المتأخرين إلى إجراء حكم المتعارضين عليهما ، والمعروف من زمن الشيخ الأنصاري إلى عصرنا هو تقديم الأصل السببي على المسببي ؛ وإن وقع الخلاف في وجه التقديم في كونه للورود أو الحكومة أو التخصيص ، فالظاهر من بعض كلمات الشيخ : أن التقديم من باب الورود ، ووافقه صاحب الكفاية هنا وفي حاشية الرسائل.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والمستفاد من بعضها الآخر هو : الحكومة ، ووافقه المحقق النائيني وغيره.

وظاهر المحقق الأصفهاني «قدس‌سره» بعد مناقشته في الحكومة بوجوه عديدة هو الثالث ، حيث قال في آخر البحث : «فلو فرض كونه ـ أي : التقديم ـ تخصيصا ودوران الأمر بين تخصيصين لكان أحدهما أرجح من الآخر» (١).

قال في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٧٨٥» ما لفظه : «وحيث إنك عرفت إجمالا اختلاف الكلمات في وجه التقديم ، فينبغي توضيح المتن بعد التنبيه على عبارة الشيخ المستفاد منها الورود. قال «قدس‌سره» في ثاني الأدلة التي أقامها على تقديم الأصل السببي على المسببي ما لفظه : «إن قوله «عليه‌السلام» : «لا تنقض اليقين بالشك» باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب في الشك السببي مانع للعام عن قابلية شموله لجريان الاستصحاب في الشك المسببي ، يعني : أن نقض اليقين له يصير نقضا بالدليل لا بالشك ، فلا يشمله النهي في لا تنقض» ـ إلى أن قال ـ «وإن قلت» : وأما وجه دلالته على كون التقديم للورود فهو : أنه بعد التصرف في اليقين والشك بإرادة الدليل واللادليل منهما يصير نقض اليقين في المسبب بالدليل ، فينتفي موضوع الأصل المسببي أعني : «نقض اليقين بالشك» بإجراء الأصل في السبب.

وكيف كان ؛ فما أفاده المصنف في المتن من وجه التقديم هو الوجه العام الذي سبق منه في تقديم الأمارة على الاستصحاب ، وسيأتي في تقديمه على سائر الأصول ومحصله : لزوم التخصيص بلا وجه أو بوجه دائر.

وتوضيحه : أن المناط في تقديم الأصل السببي على المسببي ترتب الثاني على الأول ترتبا شرعيا مع اقتضاء الأصل السببي زوال الشك في المسبب ، كما في المثال المعروف أعني : غسل الثوب المتنجس بماء مستصحب الطهارة ، حيث إن الشك في بقاء نجاسة الثوب ناش عن الشك في طهارة الماء ونجاسته ، ولو كان الماء طاهرا لكان أثره الشرعي المستفاد من النصوص : «ما يغسل بالماء الطاهر طاهر» هو طهارة الثوب ، فطهارة الماء سبب شرعي لطهارة الثوب.

ولا عكس يعني : ليس نجاسة الماء أثرا شرعيا لنجاسة الثوب ، فإن الملاقي وإن كان تابعا لحكم ملاقاه ومقتضى هذه التبعية نجاسة ما يلاقي النجس ؛ إلّا إن المقام أجنبي عن مسألة الملاقي للنجس ؛ للفرق بين تطهير المتنجس بالماء وبين ملاقاة الماء القليل للمتنجس ؛

__________________

(١) نهاية الدراية ٣ : ٣٠١.

١٥٠

فإن (١) الاستصحاب في طرف المسبب موجب لتخصيص الخطاب (٢) ، وجواز (٣) نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم (٤) ترتيب أثره الشرعي ، فإن (٥) من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع (٦) نجاسته ، فاستصحاب (٧) نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته ، بخلاف (٨) استصحاب طهارته ؛ إذ لا يلزم منه نقض يقين

______________________________________________________

إذ لو كان مطلق الملاقاة بينهما حتى بنحو الصبّ للتطهير موجبا لانفعال القليل لتعذر التطهير به ، وانحصر التطهير في الكرّ ونحوه.

وهذا اللازم واضح البطلان ، ويكشف بطلانه عن عدم كون انفعال القليل أثرا لنجاسة الثوب ، فالتسبب من طرف واحد ، فبقاء نجاسة الثوب لازم نجاسة الماء من أوّل الأمر ، لا نجاسته الحاصلة بالغسل.

وعلى هذا : فبعد غسل الثوب بالماء وإن تحقق في كل منهما يقين وشك. وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(١) تعليل لقوله : «فلا مورد» وبيان للورود.

(٢) وهو «لا تنقض اليقين بالشك» ، وقد عرفت توضيحه. «وأن البناء على نجاسة الثوب نقض اليقين بالشك ، وهذا تخصيص في عموم «لا تنقض» في طرف الاستصحاب السببي وهو طهارة الماء ؛ لأن البناء على بقاء نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارة الماء بالشك فيها كما مرّ.

(٣) عطف على «تخصيص» ومفسر له ، يعني : وموجب لجواز نقض اليقين بالشك.

(٤) متعلق ب «نقض» ، وضمير «أثره» راجع على «اليقين».

(٥) غرضه : بيان لزوم نقض اليقين بالشك من طرف السبب.

وحاصله : ما عرفته من أن النقض يتحقق بعدم ترتيب آثار اليقين ، ومن آثار اليقين بطهارة الماء التي هي مورد الاستصحاب السببي طهارة الثوب المغسول به شرعا ، فلو بنى على بقاء نجاسته باستصحابها كان هذا البناء نقضا لليقين بطهارة الماء بالشك فيها ، وهو منهي عنه.

(٦) بالنصب عطف على طهارة الثوب ومفسر له ؛ لكن المفسر ـ بالفتح ـ أوضح منه.

(٧) بعد أن أثبت كون طهارة الثوب من آثار طهارة الماء اتضح أن بقاء نجاسة الثوب المغسول به نقض لليقين بطهارة الماء ، وضمير «بطهارته» راجع إلى الماء.

(٨) يعني : بخلاف استصحاب طهارة الماء وهو الاستصحاب الجاري في الشك السببي ، فإنه لا يلزم منه المحذور المذكور وهو نقض اليقين بنجاسة الثوب بالشك فيها ؛

١٥١

بنجاسة الثوب بالشك ؛ بل باليقين بما هو رافع لنجاسته ، وهو غسله بالماء المحكوم شرعا بطهارته (١).

وبالجملة : فكل من السبب والمسبب وإن كان موردا للاستصحاب (٢) ؛ إلّا إن الاستصحاب في الأول بلا محذور ، بخلافه في الثاني (٣) ، ففيه محذور التخصيص بلا وجه (٤) إلّا بنحو محال (٥) ...

______________________________________________________

بل يلزم نقض اليقين بما جعل الشارع رافعا لنجاسته ، حيث إن الماء الذي غسل به الثوب جعله الشارع طاهرا ، وطهارته ولو ظاهرا كافية في طهارة المتنجس الذي غسل به.

فقوله : «إذ لا يلزم» تعليل لقوله : «بخلاف استصحاب طهارته» ، وضمير «منه» راجع إلى استصحاب طهارة الماء ، وضمير «هو» راجع إلى «ما» الموصول ، وضمير «لنجاسته» إلى الثوب.

(١) أي : بطهارة الماء ببركة استصحابها.

(٢) لكون كل منهما واجدا لليقين والشك الفعليين ، وهذا يوجب جريان الاستصحاب في كل منهما وتعارضهما كما تقدم ذهاب الجماعة إليه.

إلّا إن الاستصحاب في الأول وهو السبب لا محذور فيه ، بخلافه في الثاني أعني :

المسبب ، فإن في جريان الاستصحاب فيه محذور التخصيص بلا وجه أو بنحو دائر كما عرفت.

(٣) وهو المسبب ، فإن في استصحابه محذور التخصيص بلا وجه.

(٤) فالأخذ باستصحاب نجاسة الثوب يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء وعدم جريان استصحاب طهارة الماء إلى تخصيصه بلا مخصص وهو باطل ، ضرورة ، وإما لتخصيصه بنفس الاستصحاب الجاري في نجاسة الثوب وتخصيصه به دوري ؛ لأن التخصيص به يتوقف على تحقق موضوعه ، وتحقق موضوعه يتوقف على عدم جريان الاستصحاب في طهارة الماء ، وعدم جريان استصحاب طهارة الماء يتوقف على تخصيصه ، باستصحاب نجاسة الثوب ، وهذا دور واضح. وأما جريان استصحاب طهارة الماء فلا يلزم من جريانه شيء التمامية موضوعه وعدم توقفه على عدم جريان استصحاب نجاسة الثوب لأنه ليس من آثاره.

(٥) وقد عرفت تقريب كلا محذوري الدور وعدم الوجه.

ويمكن تقريب الدور بوجه آخر وهو : أن خروج الاستصحاب السببي عن عموم «لا تنقض» منوط بدخول الاستصحاب المسببي تحت عمومه حتى يصلح للمخصصية ، ودخوله كذلك منوط بخروج الاستصحاب السببي عن عمومه ؛ إذ لو لم يخرج عنه كان

١٥٢

فاللازم (١) الأخذ بالاستصحاب السببي ، نعم (٢) ؛ لو لم يجر هذا الاستصحاب بوجه لكان الاستصحاب المسببي جاريا ، فإنه (٣) لا محذور فيه حينئذ (٤) ، مع وجود أركانه (٥) وعموم خطابه.

وإن (٦) لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر : فالأظهر جريانهما فيما

______________________________________________________

رافعا لموضوع الاستصحاب المسببي وموجبا لنقض يقينه باليقين لا بالشك ، فخروج السببي عن العموم منوط بدخول المسببي فيه ، وهو منوط بخروج السببي عن العموم ، وهذا هو الدور.

(١) حيث إن محذور الأخذ بالاستصحاب المسبب من الدور وعدم الوجه أوجب الأخذ بالاستصحاب السببي.

(٢) هذا استدراك على لزوم الأخذ بالاستصحاب السببي.

وغرضه : أن الأخذ بالاستصحاب المسببي إنما يكون فيما إذا لم يجر الاستصحاب السببي لمحذور ؛ كابتلائه بمعارض ، كما إذا غسل الثوب المتنجس بأحد الماءين المشتبهين اللذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، فإن استصحاب نجاسة الثوب الذي هو استصحاب مسببي يجري ، ولا يجري استصحاب طهارة الماء الذي هو أصل سببي لكونه معارضا بالاستصحاب في الإناء المشتبه الآخر.

والوجه في جريان الأصل في المسبب هو : أن كل واحد من الأصلين فرد لعموم «لا تنقض» ، وإنما المانع عن جريانه في المسبب هو كون الأصل السببي فردا فعليا للعام ، بخلاف الأصل المسببي فإن فرديته للعام تقديرية ، فإذا سقط الأصل السببي الفعلي ارتفع المانع عن شمول العام للفرد الآخر ؛ لصيرورته فردا محقق الوجود ، فيجري.

(٣) تعليل لجريان الاستصحاب المسببي ، وقد عرفت توضيحه.

وضمير «فإنه» للشأن ، وضمير «فيه» راجع إلى الجريان المفهوم من قوله : «جاريا».

(٤) أي : حين عدم جريان الأصل السببي ، مع وجود أركان الاستصحاب المسببي من اليقين والشك ، وعموم خطابه مثل : «لا تنقض».

والحاصل : أن المقتضي لجريان الاستصحاب المسببي موجود ، والمانع ـ وهو الاستصحاب السببي ـ مفقود.

(٥) يعني : مع وجود المقتضي لجريانه ، وقوله : «لا محذور فيه» إشارة إلى عدم المانع بأن يقال : «لكان الاستصحاب المسببي جاريا لوجود أركانه وعموم خطابه وعدم محذور فيه».

(٦) عطف على قوله : «فإن كان أحدهما أثرا للآخر» ، وهذا إشارة إلى صورة كون

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشكين عرضيين مع العلم إجمالا بانتقاض أحد المستصحبين ، وعدم لزوم المخالفة العملية من جريان الاستصحاب فيهما ، ومحصل ما أفاده فيه هو : أن الاستصحاب يجري في كليهما لوجود المقتضي وعدم المانع.

وأما الأول : لعموم دليل الاستصحاب الشامل لأطراف العلم الإجمالي ؛ لكون كل منهما معلوما سابقا مشكوكا لا حقا.

فالمحدث المتوضئ غفلة بمائع مردد بين الماء والبول ، يجري استصحاب الحدث وطهارة الأعضاء ؛ لكون كل منهما متعلقا لليقين والشك ، ولا يلزم من جريانهما مخالفة عملية لتكليف فعلي معلوم إجمالا.

أما جريان استصحاب الطهارة : فلاحتمال كون المائع ماء ، فالأعضاء باقية على طهارتها وإن ارتفعت واقعا ، وأما جريان استصحاب الحدث فلعدم العلم بارتفاعه ، وتقتضي قاعدة الاشتغال حينئذ : لزوم إحراز الطهارة للصلاة وغيرها من المشروط بالطهارة.

وعليه : فلا يلزم من إجراء الاستصحابين مخالفة عملية لتكليف إلزامي فعلي.

وبالجملة : ففي هذا المثال لا يكون شيء من الشكين مسببا عن الآخر ؛ بل هما عرضيان مسببان عن علة ثالثة ، وهي دوران أمر المائع بين الماء والبول ، فإنه منشأ الشك في بقاء كل من الحدث وطهارة البدن ، فيجري كلا الاستصحابين مع العلم الإجمالي بانتقاض أحد المستصحبين ؛ لارتفاع طهارة البدن إن كان ذلك المائع بولا ، أو ارتفاع الحدث إن كان ماء ؛ لكن هذا العلم الإجمالي بالانتقاض مع عدم لزوم المخالفة العملية غير مانع عن جريانهما ؛ إذ لا تنافي بين نفس المستصحبين ، ضرورة : اجتماع الحدث القائم بالنفس ، والطهارة القائمة بالبدن.

نعم ؛ يقع التنافي بينهما باعتبار لوازمهما ؛ إذ لازم بولية المائع بقاء الحدث ونجاسة البدن ، ولازم مائيته ارتفاع الحدث وبقاء طهارة الأعضاء ، فلا يمكن الجمع ـ لأجل هذه اللوازم ـ بين بقاء الحدث وطهارة البدن ؛ لكن التفكيك في اللوازم في مرحلة الظاهر مما لا محذور فيه ، وإنما المحذور هو المخالفة العملية ، وذلك غير لازم من الحكم بوجوب الوضوء وطهارة الأعضاء.

والحاصل : أن المانع ـ أعني : المخالفة ـ غير لازم ، واللازم وهو التفكيك في اللوازم ظاهرا غير مانع.

١٥٤

لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا ؛ لوجود المقتضي إثباتا (١) وفقد المانع عقلا (٢).

أما وجود المقتضي : فلإطلاق الخطاب وشموله (٣) للاستصحاب في أطراف المعلوم بالإجمال ، فإن (٤) قوله «عليه‌السلام» في ذيل بعض أخبار الباب : «ولكن

______________________________________________________

(١) يعني : أن المقتضي لجريان كلا الاستصحابين وهو دلالة الدليل ـ التي هي مقام الإثبات ـ موجود ، وقوله : «إثباتا» تعريض بما أفاده الشيخ «قدس‌سره» من قصور دليل الاستصحاب إثباتا عن شموله لأطراف العلم الإجمالي ، بتقريب : أن مقتضى عموم «لا تنقض» حرمة نقض اليقين بالشك مطلقا وإن كان مقرونا بالعلم الإجمالي ، ومقتضى «انقضه بيقين آخر» وجوب نقضه بيقين آخر ولو كان إجماليا ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل ، فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد إناءين كانا طاهرين ، فقد علم بانتقاض الطهارة في أحدهما ، ولا وجه لجريان استصحاب الطهارة في كليهما للمناقضة مع اليقين بنجاسة أحدهما إجمالا مناقضة السلب الكلي للإيجاب الجزئي ، ولا في أحدهما المعين ؛ لكونه بلا مرجح ، ولا في غير المعين ؛ لأنه ليس للعام فرد آخر غير الفردين المتشخصين في الخارج.

وبالجملة : فمقتضى عموم الصدر عدم جواز النقض في كليهما ، ومقتضى الذيل جوازه في أحدهما ، وهذا التناقض يوجب إجمال الدليل وقصوره عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي وسقوط الأصول فيها.

هذا ملخص إشكال الشيخ «قدس‌سره» على شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الإجمالي.

(٢) لعدم لزوم المعصية كما سيأتي ، والمخالفة الالتزامية ليست مانعة عقلا ولا شرعا كما تقدم في محله.

(٣) عطف تفسيري ل «إطلاق الخطاب» ، والأولى تبديل الإطلاق بالعموم كما سيأتي في قوله : «عن عموم النهي» ، ووجه شموله هو وقوع جنس اليقين في حيّز النهي ، ومبغوضية الجنس تقتضي مبغوضية جميع أفراده ، كمبغوضية جميع أفراد الخمر المستفادة من قوله : «لا تشرب الخمر» ، وهذا هو السلب الكلي.

(٤) شروع في الجواب عن الإشكال المتقدم عن الشيخ.

وقد أجاب عنه المصنف بوجهين :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «لو سلم».

١٥٥

تنقض اليقين باليقين» لو سلم أنه يمنع عن شمول قوله «عليه‌السلام» في صدره : «لا تنقض اليقين بالشك» لليقين والشك في أطرافه ؛ للزوم المناقضة في مدلوله ضرورة (١):

______________________________________________________

الثاني : ما أشار إليه بقوله : «إلّا إنه لا يمنع».

وتوضيح الوجه الأول في الجواب : أن قوله «عليه‌السلام» : «ولكن تنقضه بيقين آخر» ليس حكما تعبديا بجواز النقض باليقين مطلقا ولو إجمالا ؛ حتى يناقض مدلول «لا تنقض» وهو حرمة نقض اليقين بالشك ولو كان مقرونا بالعلم الإجمالي ؛ بل هو حكم عقلي ذكر تأييدا وتأكيدا للنهي وإرشادا إلى أن اليقين لما كان أمرا وثيقا فلا بد من استمرار الجري على مقتضاه وعدم رفع اليد عنه إلى أن يحصل ما هو مثله في الوثاقة والإبرام ، ويتعلق بعين ما تعلق به اليقين السابق ، وليس ذلك إلّا العلم التفصيلي ؛ إذ العلم الإجمالي مشوب بالشك أولا ، وغير متعلق بعين ما تعلق به ذلك اليقين ثانيا ؛ لتعلق العلم التفصيلي بواحد معين أو بصورة تفصيلية معينة ، وتعلق العلم الإجمالي بعنوان «أحدهما» أو بالصورة الإجمالية المرددة بين أمرين ، فيتعدد متعلق العلمين ، فلا يشمل دليل الاستصحاب ـ وهو «لا تنقض اليقين» ـ كلا العلمين.

فوجود الذيل حينئذ كعدمه. وعليه : فلا مانع من الاستدلال بالصدر على جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ؛ إذ لا موضوع للمناقضة بين الصدر والذيل.

وحاصله الوجه الثاني في الجواب : أنه لو سلم شمول الصدر لأطراف العلم الإجمالي يجاب عن الإشكال بوجه آخر وهو : أنه هناك أخبار في الباب ليس فيها الذيل المذكور أي : «إنما ينقضه بيقين آخر».

وعليه : فإطلاق الخطاب وشموله لأطراف العلم الإجمالي في سائر أخبار الباب محفوظ على حاله ، والمقتضي للجريان محقق لا محالة ، فحينئذ : يشمل عموم «لا تنقض» أطراف العلم الإجمالي من دون محذور ، وإجمال ما اشتمل على الذيل المزبور لا يسري إلى سائر الأخبار الخالية عنه ، ولا يوجب إجمالها لانفصال هذا الذيل عنها وعدم اتصاله بها حتى يصلح لصرفها عن ظاهرها ، فإطلاق الأخبار المجردة عن هذا الذيل محكم ولا مانع من الاستدلال به لجريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي. وهذا محصل الجواب الثاني.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) هذا بيان المناقضة.

١٥٦

المناقضة بين السلب الكلي والإيجاب الجزئي (١) ؛ إلّا إنه (٢) لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار مما ليس فيه (٣) هذا الذيل ، وشموله (٤) لما (٥) في أطرافه ؛ فإن (٦) إجمال ذاك الخطاب لذلك (٧) لا يكاد يسري إلى غيره مما (٨) ليس فيه ذلك.

وأما فقد المانع (٩) : فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب إلّا

______________________________________________________

(١) وأما الإيجاب الجزئي : فالمراد به النقض بيقين ما الصادق على العلم الإجمالي.

(٢) إشارة إلى الوجه الثاني من الجواب ، وقد عرفت توضيحه.

(٣) الضمير راجع على «ما» الموصول المراد به الأخبار التي ليس فيها هذا الذيل ، فإنها تدل على عدم نقض شيء من أفراد اليقين بالشك ؛ وإن كان مقرونا بالعلم الإجمالي.

(٤) عطف على «عموم» ، يعني : إلّا إن الذيل لا يمنع عن عموم النهي وعن شموله لأطراف المعلوم بالإجمال.

(٥) متعلق ب «شموله» ، وضمير «أطرافه» راجع إلى المعلوم بالإجمال ، والمراد ب «ما» في «لما» هو اليقين والشك ، وحاصله : أن الذيل لا يمنع عن شمول النهي في سائر الأخبار لليقين والشك المتعلقين بأطراف العلم الإجمالي ، ولو سقط الموصول والظرف وقيل : «وشموله لأطرافه» لكفى وكان أخصر.

(٦) تعليل لقوله : «لا يمنع عن عموم النهي» ، وقد عرفت آنفا تقريبه.

وحاصله : عدم سراية إجمال الخطاب المقرون بذلك الذيل إلى غيره مما ليس فيه هذا الذيل ؛ وذلك لظهور الأخبار المجردة عنه في العموم بلا مانع ؛ إذ المفروض : عدم احتفافه بما يمنع ظهوره في العموم.

(٧) أي : لذلك الذيل ، وضمير «غيره» راجع إلى ذلك الخطاب وهو المقرون بالذيل.

(٨) يعني : من الأخبار التي ليس فيها ذلك الذيل ، فضمير «فيه» راجع إلى «ما» ، وقوله : «ذلك» إشارة إلى الذيل.

هذا تمام الكلام في إثبات وجود المقتضي لجريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ، مع عدم لزوم مخالفة عملية من جريانه فيها ، بعد الجواب عن إشكال الشيخ «قدس‌سره» في المتن بوجهين تقدم بيانهما.

(٩) بعد أن أثبت وجود المقتضي لجريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي صار بصدد تحقيق عدم المانع عن تأثير المقتضي ، وقد أفاد في ذلك : أن المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي هو المخالفة العملية للتكليف الفعلي ، وهي لا

١٥٧

المخالفة الالتزامية ، وهو ليس بمحذور لا شرعا ولا عقلا (١).

ومنه (٢) قد انقدح : عدم جريان في أطراف العلم بالتكليف فعلا (٣) أصلا ولو في بعضها ؛ لوجوب الموافقة القطعية له عقلا ، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية (٤) ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

تلزم في مفروض كلامنا ، كما قال في صدر البحث : «فالأظهر جريانهما فيما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية».

وعليه : فيجري استصحاب الحدث وطهارة البدن في التوضؤ بمائع مردد بين الماء والبول ، مع العلم إجمالا بارتفاع الحدث أو طهارة الأعضاء. وكذا يجري استصحاب النجاسة في الإناءين النجسين اللذين علم إجمالا بطهارة أحدهما ، دون العكس ، وهو ما إذا كانا طاهرين ، وعلم إجمالا بنجاسة أحدهما ، فإن استصحاب الطهارة لا يجري للزوم المخالفة العملية فيه ، دون المثالين الأوّلين.

(١) لما تقدم في الأمر الخامس من مباحث القطع من عدم وجوبها.

(٢) أي : «ومما تقدم من أن المانع من جريان الاستصحاب هي المخالفة العملية دون الالتزامية ...» الخ ، وهذا إشارة إلى صورة عرضية الشكين والعلم الإجمالي بانتقاض أحد المستصحبين ، ولزوم المخالفة القطعية العملية من جريان الاستصحاب فيهما ، والمخالفة الاحتمالية من جريانه في بعضها.

ومحصل ما أفاده في حكمها : عدم جريان الاستصحاب لا في جميع الأطراف للقطع بالمخالفة ولا في بعضها لاحتمال المخالفة ، وكلاهما محذور عقلي مع العلم بفعلية التكليف على كل تقدير كما تقدم تفصيل ذلك في مباحث العلم الإجمالي من مباحث القطع وفي أوائل الاشتغال.

(٣) قيد للتكليف ، يعني : أن عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي إنما يكون فيما كان المعلوم بالإجمال حكما فعليا على كل تقدير.

قوله : «ولو في بعضها» قيد لقوله : «أصلا» ، يعني : لا يجري الاستصحاب مطلقا لا في جميع الأطراف ولا في بعضها ، وضمير «له» راجع إلى التكليف المعلوم بالإجمال.

وقوله : «لوجوب الموافقة القطعية» تعليل لعدم جريان الاستصحاب. وحاصله : أنه مع فعلية التكليف على كل تقدير يحكم العقل بوجوب موافقته القطعية ؛ لعدم حصول الأمن من العقوبة إلّا بها. وضمير «بعضها» راجع إلى «أطراف» ، وضميرا «جريانه» في الموضعين راجعان إلى الاستصحاب.

(٤) هذا في جريان الاستصحاب في بعض الأطراف ، وما قبله في جريانه في جميع

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأطراف ، وممنوعية المخالفة عقلا إنما هي لكونها ترخيصا في المعصية التي يستقل العقل بقبحها ، وباستحقاق مرتكبها للعقوبة.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ المذكور في الخاتمة آمران :

الأول : بيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية.

الثاني : بيان تعارض الاستصحابين.

ثم الأمر الأوّل يتضمن جهتين :

الأولى : بيان النسبة بين الاستصحاب والأصول النقلية.

والثانية : بيان النسبة بينه وبين الأصول العقلية.

وأما الجهة الأولى فحاصلها : أن النسبة بين الاستصحاب وبين الأصول الشرعية هي الورود ، فهو وارد عليها كورود الأمارة على الاستصحاب.

وهناك قولان آخران ؛ أحدهما : الحكومة ، وثانيهما : التخصيص.

وخلاصة وجه الورود : أن موضوع الاستصحاب هو المشكوك من وجه وهو الشك في الحكم الواقعي في مرحلة البقاء ، وموضوع سائر الأصول هو المشكوك مطلقا أي : حدوثا وبقاء ، فالاستصحاب يوجب العلم بالحكم بعنوان كونه مشكوك البقاء ، ومع العلم به. يخرج حقيقة عن موضوع الأصول وهو الجهل بالواقع لحصول العلم به ، ومع العلم لا يبقى موضوع للأصول النقلية. وهذا معنى الورود.

هذا بخلاف تقديمها عليه ، فإنه مستلزم للتخصيص بلا وجه أو بوجه دائر ؛ لأن اعتبارها مع الاستصحاب موقوف على مخصصيتها لدليل الاستصحاب ، ومخصصيّتها كذلك موقوفة على اعتبارها ؛ إذ لو لا اعتبارها مع الاستصحاب لا تصلح للمخصصية ، وهذا هو دور صريح.

٢ ـ الجهة الثانية : ـ وهي ورود الاستصحاب على الأصول العقلية ـ أنه يرفع حقيقة موضوع تلك الأصول ؛ إذ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان ، والاستصحاب بيان ، وموضوع قاعدة الاشتغال هو عدم الأمن من العقوبة ، وبالاستصحاب يتحقق الأمن من العقوبة وموضوع التخيير العقلي هو تساوي الدليلين المتعارضين ، وعدم ترجيح أحدهما

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على الآخر وبالاستصحاب يحصل ترجيح ما يوافق الاستصحاب على الآخر.

فالحاصل : أن الاستصحاب رافع لموضوع تلك الأصول ، فيكون واردا عليها.

٣ ـ حكم تعارض الاستصحابين : وهو على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : أن يكون بدون العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما حتى يعلم بكذب أحدهما في مقام الجعل ، ويندرج في التعارض المصطلح. غاية الأمر : أن المكلف لا يقدر على امتثال كلا الأمرين كاستصحاب وجوب إنقاذ غريقين.

وحكم هذا القسم هو الرجوع إلى قاعدة باب التزاحم من تقديم ما هو الأهم إن كان أحدهما الأهم ؛ وإلّا فالتخيير لاندراج هذا القسم في تزاحم واجبين ظاهريين.

٤ ـ القسم الثاني : ما علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما ، وأن يكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر ، وحكمه جريان الاستصحاب السببي دون المسببي ؛ كما إذا كان الشك في طهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة وكان طاهرا سابقا ، فاستصحاب طهارة الماء يكون سببيّا به يرتفع الشك عن نجاسة الثوب المغسول به ، فيكون الثوب محكوما بالطهارة ، ولا يجري استصحاب نجاسة الثوب ؛ لأن الاستصحاب في جانب المسبب موجب لتخصيص الخطاب أعني : «لا تنقض اليقين بالشك» ، فيلزم جواز نقض اليقين بالشك في طرف المسبب على فرض جريان الاستصحاب فيه.

٥ ـ القسم الثالث : ما إذا لم يكن المستصحب في أحدهما من الآثار في الآخر ؛ بأن لا يكون الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر ، فالأظهر جريان كلا الاستصحابين ما لم يلزم منه محذور المخالفة العملية للتكليف الفعلي المعلوم إجمالا ؛ وذلك لوجود المقتضي وعدم المانع.

وأمّا الأول : ـ وهو دلالة الدليل : فموجود ، هذا بخلاف ما أفاده الشيخ من قصور دليل الاستصحاب إثباتا عن شموله لأطراف العلم الإجمالي ؛ للزوم التناقض بين الصدر ـ وهو لا تنقض اليقين بالشك ـ والذيل ـ وهو «انقضه بيقين آخر» ـ إذ مقتضى الصدر : هو عدم جواز نقض اليقين بالشك في كلا الاستصحابين ، ومقتضى الذيل : قصوره عن الشمول لأطراف العلم الإجمالي ، فلا يجري الاستصحاب في مورد العلم الإجمالي.

٦ ـ أجاب صاحب الكفاية عن هذا الإشكال : بوجهين :

الأول : أن قوله «عليه‌السلام» : «انقضه بيقين آخر». ليس حكما تعبديا بجواز النقض

١٦٠