مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

أن يقال ـ في مثل هذه الأزمنة ، بالنسبة الى هذه الأمكنة البعيدة عن مكة ـ : الظاهر من قول الموصي : « حجوا عني » هو حجة الإسلام الواجبة ، لعدم تعارف الحج المستحبي في هذه الأزمنة والأمكنة ، فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور والانصراف [١]. كما أنه إذا قال : « أدوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة » ينصرف الى الواجب عليه.

فتحصل : أن ـ في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتى يخرج من أصل التركة ، أو لا حتى يكون من الثلث ـ مقتضى الأصل الخروج من الثلث. لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً ، وهو غير معلوم ، بل الأصل عدمه. إلا إذا كان هناك انصراف ، كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج ونحوها. نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب ـ كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً ولم يعلم أنه أتى به أولا ـ فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل. ودعوى : أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكه ، لا شك الوصي أو الوارث ، ولا يعلم أنه كان شاكاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين. مدفوعة : بمنع‌

______________________________________________________

[١] يعني : يكون الظهور المذكور راجعاً إلى إخباره بالوجوب ، فيكون إخباره به حجة ، فيكون العمل باخباره لا بوصيته. وبذلك افترق هذا الفرض عن الفرض السابق ، فإنه من حيث كونه وصية لا فرق بينهما‌

٨١

اعتبار شكه ، بل يكفي شك الوصي أو الوارث أيضاً [١]. ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص ، فان مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث [٢]. ولكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد ، لحصول العلم ـ غالباً ـ بأن الميت كان مشغول الذمة بدين ، أو خمس ، أو زكاة ، أو حج ، أو نحو ذلك. إلا أن يدفع بالحمل على الصحة ، فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه [٣].

______________________________________________________

في عدم وجوب العمل بها من جهة الشبهة المصداقية ، وإنما افترقا من جهة اشتمال الثاني على الخبر الذي يكون حجة دون الأول ، وإلا فأصالة الصحة في الجميع غير جارية.

ويحتمل أن يكون الوجه ـ في عدم جريان أصالة الصحة في المقام ـ : أنها مختصة بما إذا كان الفعل صادراً من السلطان وشك في تماميته وعدمها أما إذا كان الشك في صدوره من السلطان ولو للشك في سلطنة المصدر فلا مجال لأصالة الصحة. لكن في اعتبار الشرط المذكور تأمل ، وإن كان هو مقتضى الاقتصار على القدر المتيقن. لكن الظاهر عموم القاعدة لذلك.

[١] تقدم الكلام في ذلك في المسألة الواحدة بعد المائة من الفصل الأول (١). وقد تقدم منه ما ربما يقتضي خلاف ما ذكره هنا. كما تقدم منه في المسألة الخامسة من ختام الزكاة خلاف ذلك. فراجع.

[٢] هذا الأثر لا حاجة إليه ، إذ الكلام في وجوب الإخراج ، ويكفي فيه ثبوت الوجوب وإن انتقل ما يقابله إلى الورثة.

[٣] تقدم ـ في بعض مسائل ختام الزكاة ـ الكلام في مثل هذه‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٢٧٢ من الجزء العاشر من هذه الطبعة.

٨٢

لكنه مشكل في الواجبات الموسعة [١] ، بل في غيرها أيضاً ، في غير الموقتة [٢]. فالأحوط ـ في هذه الصورة ـ الإخراج من الأصل.

( مسألة ٢ ) : يكفي الميقاتية [٣] ، سواء كان الحج الموصى به واجباً أو مندوباً. ويخرج الأول من الأصل ، والثاني من الثلث. إلا إذا أوصى بالبلدية ، وحينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية ـ في الأول ـ من الثلث. كما أن تمام الأجرة ـ في الثاني ـ منه.

( مسألة ٣ ) : إذا لم يعين الأجرة ، فاللازم الاقتصار‌

______________________________________________________

المسألة. كما تقدم الإشكال في جريان أصالة الصحة في حال المسلم ، وأنه لم يثبت.

[١] فإن التأخير فيها لما كان جائزاً لم يكن ظاهر المسلم عدمه.

[٢] مما كانت تجب المبادرة إليها وإن لم يكن على نحو التوقيت ، لما عرفت من عدم ثبوت أصالة الصحة فيه بنحو تقتضي البناء على وجوب الأداء. أما الموقتة فيمكن التمسك فيها بقاعدة الشك بعد خروج الوقت فقد تضمنت بعض النصوص : أنه إذا شك بعد خروج الوقت فقد دخل حائل فلا يلتفت (١) ، بناء على ما يستفاد منها من عموم الحكم لكل شك في الموقت بعد خروج وقته.

[٣] تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة الثامنة والثمانين من الفصل الأول (٢) ، وبقية الأحكام المذكورة في هذه المسألة واضحة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) راجع صفحة : ٢٥٨ من الجزء العاشر من هذه الطبعة.

٨٣

على أجرة المثل [١] ، للانصراف إليها. ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره ، إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنما هو نفي الأزيد فقط [٢]. وهل يجب الفحص عنه‌

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع وغيرها. لكن في القواعد : « وإن لم يعين القدر أخرج أقل ما يستأجر به .. ». واستدل بعضهم على الأول : بتوقف الحج عليه. لكن وجوب ما يتوقف عليه الواجب يقتضي إرادة الثاني. وعليه فاذا أمكن الاستيجار بالأقل لم يجز الاستيجار بأجرة المثل. كما أنه لو لم يمكن الاستيجار بأجرة المثل تعين الاستيجار بالأكثر ، مع الاقتصار على أقل ما يمكن منه.

[٢] أراد به دفع الإشكال الذي ذكر في المستند على من جمع بين الاستدلال على لزوم أجرة المثل بالانصراف وبين الحكم بوجوب الاستيجار بالأقل مع وجود من يرضى به. وتوضيح الدفع : أن المراد من الانصراف إلى أجرة المثل الانصراف عن الأكثر ، لا ما يقابل الأكثر والأقل. والوجه في الانصراف المذكور أن الوصي بمنزلة الوكيل ، وإطلاق التوكيل يقتضي الانصراف الى ما تقتضيه مصلحة الموكل ، ومن المعلوم ، أن مصلحة الموكل تقتضي الاستيجار بالأقل مع تهيئة.

هذا إذا لم يكن التصرف مزاحماً لحق الورثة ـ كما إذا كان قد أوصى بإخراجه من الثلث ـ أما مع المزاحمة لحق الورثة ـ بأن كان اللازم إخراجه من الأصل ـ فالحكم أوضح ، فإنه لو صرح الموصي بأجرة المثل ليس للوصي العمل بالوصية مع مزاحمة حق الورثة ، لأن فيه حيفاً عليهم ، فيتعين الأخذ بالأقل. ومن ذلك يظهر أن ما ذكره في الشرائع إن لم يرد به الثاني فالإشكال عليه ظاهر.

٨٤

لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك [١] ، توفيراً على الورثة خصوصاً مع الظن بوجوده. وإن كان في وجوبه إشكال ، خصوصاً مع الظن بالعدم [٢]. ولو وجد من يريد أن يتبرع فالظاهر جواز الاكتفاء به ، بمعنى : عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار ـ بل هو المتعين ـ توفيراً على الورثة ، فان أتى به صحيحاً كفى ، وإلا وجب الاستئجار. ولو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجباً ، بل وان كان مندوباً ايضاً مع وفاء الثلث [٣]. ولا يجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل ـ بل لا يجوز ـ لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب ، والعمل بمقتضى الوصية في المندوب [٤]

______________________________________________________

[١] بل هو الأقوى ، لعدم العلم بالتوقف على أجرة المثل ، فلا يعلم الاذن فيه. نعم الفحص اللازم إنما هو بالمقدار الذي لا يلزم فيه تعطيل الواجب ، ولا يلزم من وجوبه الحرج ، فان لزم أحدهما لم يلزم ، كما هو ظاهر.

[٢] لكن بعد أن كان الظن ليس بحجة فلا طريق إلى الاذن في التصرف. نعم لو لم يكن فيه ضرر على الورثة ـ كما لو أوصى بإخراجه من الثلث ، وفهم من الموصي الاذن بالتصرف من دون فحص ـ لم يجب الفحص حينئذ. لكن فهم ذلك يحتاج إلى قرينة خاصة ، لما عرفت من أن إطلاق الوصية يقتضي اختصاص الاذن بما فيه مصلحة الموصي.

[٣] مع الاقتصار على أقل الممكن ، كما سبق.

[٤] هذا إذا فهم من الموصي الوصية بالمبادرة ، والا فمقتضى الإطلاق‌

٨٥

وإن عين الموصي مقداراً للأجرة تعين وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على أجرة المثل ، وإلا فالزيادة من الثلث. كما أن في المندوب كله من الثلث.

( مسألة ٤ ) : هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل الناس أجرة ، أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟ لا يبعد الثاني ، والأحوط الأظهر الأول [١]. ومثل هذا الكلام يجري أيضاً في الكفن الخارج من الأصل أيضاً.

( مسألة ٥ ) : لو أوصى بالحج وعين المرة أو التكرار بعدد معين تعين [٢] ، وإن لم يعين كفى حج واحد [٣]. إلا أن يعلم أنه أراد التكرار. وعليه يحمل ما ورد في الاخبار :

______________________________________________________

جواز التأخير ، لأن الأمر لا يقتضي الفور ، وليس في المقام حق للغير تجب المبادرة إلى أدائه. اللهم إلا أن تكون الوصية من حق الميت تجب المبادرة إلى أدائه. لكنه غير ظاهر ، ولا يناسب سيرة المتشرعة. فلاحظ.

[١] قد عرفت : أنه ـ مع اختلاف مراتب أجرة المثل ـ يتعين الاقتصار على الأقل ، إما لأنه أصلح للميت ، أو لأن في الأكثر منافاة لحق الورثة. لكن إذا كان الأقل منافياً لشرف الميت فلا تبعد دعوى انصراف الدليل عنه. ولأجل ذلك قال المصنف (ره) : « الأظهر الأول ».

[٢] بلا إشكال ولا خلاف ، كما يظهر ذلك من ملاحظة كلماتهم.

[٣] كما هو المشهور بين المتأخرين. أما في صورة يكون لكلام الموصي إطلاق ، فلأن الإطلاق يقتضي أن يكون المراد صرف الطبيعة ،

٨٦

من أنه يحج عنه ما دام له مال ـ كما في خبرين ـ [١] أو ما بقي‌

______________________________________________________

وصرف الطبيعة يصدق على الواحد كما يصدق على الكثير ، ولذا ذكروا أن الأمر لا يقتضي التكرار كما لا يقتضي المرة. وحينئذ فإن أخرج من الأصل اقتصر على الواحد ، لمنافاة الأكثر لحق الوارث ، ولا يجوز إلا بإذنه. وإن أخرج من الثلث جاز الواحد ، كما جاز المتعدد في سنة واحدة أما في سنتين فالظاهر عدم مشروعية التعدد ، لأن صرف الوجود لا يتكرر انطباقه ، فاذا كان منطبقاً على الأول امتنع أن ينطبق على الثاني ، فالحج في السنة الثانية لا يكون مما أوصى به ، فلا يكون مأذوناً فيه. أما إذا لم يكن لكلام الموصي إطلاق وتردد الموصى به بين الواحد والمتعدد اقتصر على الواحد ، للشك في الوصية بما زاد على الواحد ، والأصل عدمها.

[١] أحدهما : خبر محمد بن الحسن الأشعري : « قلت لأبي الحسن (ع) : جعلت فداك. إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك عنه فلم أجد عندهم جواباً ، وقد اضطررت إلى مسألتك. وإن سعد بن سعد أوصى إلي ، فأوصى في وصيته حجوا عني مبهماً ولم يفسر ، فكيف أصنع؟ قال (ع) : يأتي جوابي في كتابك. فكتب لي : يحج عنه ما دام له مال يحمله » (١). وثانيهما : خبر محمد بن الحسين قال لأبي جعفر (ع) : « جعلت فداك ، قد اضطررت إلى مسألتك ، فقال : هات. فقلت : سعد بن سعد أوصى حجوا عني مبهماً ولم يسمّ شيئاً ، ولا ندري كيف ذلك. قال : يحج عنه ما دام له مال » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب النيابة في الحج ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

٨٧

من ثلثه شي‌ء ـ كما في ثالث ـ [١] بعد حمل الأولين على الأخير من إرادة الثلث من لفظ المال [٢]. فما عن الشيخ وجماعة ، من وجوب التكرار ما دام الثلث باقياً ضعيف [٣]. مع أنه يمكن [٤] أن يكون المراد من الاخبار : أنه يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شي‌ء من الثلث بعد العمل بوصايا أخر وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ـ ولو مع عدم العلم‌

______________________________________________________

[١] وهو خبر محمد بن الحسين بن خالد : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى أن يحج عنه مبهماً. فقال : حج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء » (١).

[٢] المقتضي لهذا الحمل إما الجمع العرفي بين الأولين والأخير ـ لأن الأخير من قبيل المقيد والأولين من قبيل المطلق ـ أو الإجماع.

[٣] لإجمال مورد السؤال في الأخبار المذكورة ، لإجمال الإبهام المذكور فيها. ولا سيما بملاحظة عجز أصحابنا ( رض ) عن الجواب ـ حسب ما ذكر في الخبر الأول ـ فإنه لو كان إطلاق في كلام الموصي أو لم يبين تعيين الاكتفاء بالمرة ـ كما عرفت ـ وليس ذلك مما يخفي الحكم فيه على أصحابنا وغيرهم. وحينئذ لا مجال للاستدلال بها على ما ذكره الشيخ (ره) ـ وتبعه عليه في الحدائق والمستند ـ من أنه إذا لم ينص على تعيين المقدار يتعين التكرار. واستدل له في الحدائق أيضاً : بأنه الموافق لأصالة الشغل. مع أن الأصل البراءة من وجوب الزائد على المرة.

[٤] هذا الإمكان ذكره كاشف اللثام. وهو أيضاً بعيد عن الإبهام وعدم التفسير ، وعجز أصحابنا عن الجواب ، المذكورة في النصوص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٨٨

بإرادته ـ لا بد من طرحها ، لإعراض المشهور عنها [١] ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار. نعم لو أوصى بإخراج الثلث ولم يذكر إلا الحج ، يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج [٢] ، وكذا لو لم يذكر إلا المظالم ، أو إلا الزكاة ، أو إلا الخمس. ولو أوصى أن يحج عنه مكرراً كفى مرتان ، لصدق التكرار معه [٣].

( مسألة ٦ ) : لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج‌

______________________________________________________

[١] لكن في كون الاعراض المذكور موجباً للوهن والسقوط عن الحجية تأمل ظاهر. وفي المستند : أنه لا يظهر راد لهما من المتقدمين عدا شاذ .. انتهى. وإعراض المتأخرين لا يجدي بعد عمل القدماء.

[٢] قال في الجواهر : « بل قد يدعى ظهور الاقتصار على الوصية بالحج عنه في إرادة الوصية بالثلث ، وأنه يصرف في ذلك وإن لم يوص بالثلث بغير اللفظ المزبور ، نحو ما لو قال : « أخرجوا رد مظالم ، أو تصدقوا عني » أو نحو ذلك. ولعل مراد الشيخ ومن تبعه ذلك ، لا الحمل على التكرار تعبداً. وان كان ظاهر اللفظ خلافه ، ضرورة استبعاد مثل ذلك من مثله ».

أقول : دعوى الظهور المذكور غير ظاهرة ، بل يختلف الظهور باختلاف المقامات. ومثله حمل كلام الشيخ (ره) عليه ، فإنه بعيد. واستبعاد مثل ذلك من مثله إنما هو لو كان المستند القواعد ، وقد عرفت أنه النصوص‌

[٣] كما صرح به غير واحد. إلا أن يفهم إرادة التكرار مهما أمكن.

٨٩

سنين معينة ، وعين لكل سنة مقداراً معيناً ، واتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة ، صرف نصيب سنتين في سنة ، أو ثلاث سنين في سنتين مثلاً ، وهكذا .. [١]. لا لقاعدة الميسور [٢] ، لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع [٣].

______________________________________________________

[١] بلا خلاف أجده فيه ـ كما في الجواهر ـ ومن غير خلاف يعرف ـ كما في الحدائق ـ وفي المدارك وعن غيرها : أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. لما رواه إبراهيم بن مهزيار قال : « كتب إليه علي بن محمد الحضيني : إن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر ديناراً في كل سنة وليس يكفي ، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (ع) : يجعل حجتين في حجة فان الله تعالى عالم بذلك » (١) ، وروايته الأخرى : « كتبت اليه (ع) : إن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة ـ صيّر ربعها لك ـ في كل سنة حجة إلى عشرين ديناراً ، وأنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفت المؤمن على الناس فليس يكتفون بعشرين ديناراً. وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم. فكتب (ع) : يجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله » (٢).

[٢] كما استدل بها في الرياض ، وهو ظاهر كشف اللثام. وظاهر الحدائق : نسبة الاستدلال بها الى الأصحاب ، وفي المدارك : أنه لا بأس به. وإن أمكنت المناقشة فيه : بأن انتقال القدر المعين بالوصية إنما يتحقق مع إمكان صرفه فيها .. إلى آخر ما ذكره.

[٣] لأن مفاد القاعدة كون الطلب بنحو تعدد المطلوب ، وذلك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٩٠

بل لان الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج ، وكون تعيين مقدار كل سنة بتخيل كفايته [١]. ويدل عليه أيضاً : خبر علي بن محمد الحضيني‌ [٢] ، وخبر إبراهيم ابن مهزيار ، ففي الأول : تجعل حجتين في حجة ، وفي الثاني : تجعل ثلاث حجج في حجتين ، وكلاهما من باب المثال كما لا يخفى [٣]. هذا ولو فضل من السنين فضلة لا تفي

______________________________________________________

إنما يصح بالنسبة إلى الطلب الشرعي الذي يمكن فيه الكشف عن ذلك ، الذي هو خلاف التقييد. أما الطلب الصادر من غير الشارع فلا يمكن فيه الكشف المذكور. ووجوب العمل بالوصية وإن كان شرعياً ، لكنه يتوقف على صدق الوصية على البعض ، فاذا فرض انتفاؤه ـ لانتفاء القيد ـ انتفى صدق الميسور ، ضرورة أنه لا يصدق مع انتفاء الوصية. وإن شئت قلت : ضرورة عدم وجوب ما لم يوص به الميت.

[١] من المحتمل : أن يكون ذلك مراد من استدل بقاعدة الميسور.

[٢] كذا في الجواهر. وقد عرفت أن الخبر خبر إبراهيم بن مهزيار فإنه روى أن علي بن محمد كتب إليه (ع).

[٣] وحينئذ يتعدى عن موردهما إلى سائر الموارد ، فيتم الاستدلال بهما على القاعدة الكلية. هذا والخبران رواهما الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن إبراهيم بن مهزيار (١) ، وطريقه اليه صحيح. ورواهما الصدوق أيضاً عنه (٢) ، وطريقه أيضاً صحيح. وأما إبراهيم فهو من الثقات. وفي الحدائق : « إنه في أعلى مراتب الصحة » ، وعن علي بن‌

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ٣ من أبواب النيابة في الحج.

(٢) لا حظ الوسائل باب : ٣ من أبواب النيابة في الحج.

٩١

بحجة [١] ، فهل ترجع ميراثاً ، أو في وجوه البر ، أو تزاد على أجرة بعض السنين؟ [٢] وجوه [٣]. ولو كان الموصى به‌

______________________________________________________

طاوس في كتاب ربيع الشيعة : « أنه من سفراء الصاحب (ع) والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الاثنا عشرية فيهم ». وقد تعرض في مستدرك الوسائل لذكر القرائن الدالة على وثاقته. فراجع. نعم رواهما في الكافي عن محمد بن يحيى ، عمن حدثه ، عن إبراهيم بن مهزيار (١).

[١] هذا يتعلق بما قبله من ضم السنين بعضها الى بعض ، بأن كان الضم يستوجب زيادة فضلة.

[٢] يعني : البعض الآخر.

[٣] في الجواهر ذكر الوجهين الأولين ، تبعاً لكاشف اللثام ، ثمَّ قال : « قد يقال : بتعين الثاني مع فرض الوصية بها ، وأنه ذكر ذلك مصرفاً لها فاتفق تعذره. كما أنه يتعين الأول إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة ، التي قد فرض تعذرها. فتأمل ». وكأن وجه التأمل أن إخراجها بالوصية المزبورة عن ملك الوارث لا ينافي الوصية بها على وجه آخر.

فالعمدة ، ما سيشير إليه المصنف (ره) ، من أنه إن فهم تعدد المطلوب لم ترجع ميراثاً ، وإن لم يفهم ذلك ـ أو فهم وحدة المطلوب ـ رجعت ميراثاً ، ويختلف ذلك باختلاف المناسبات. والوجه الأخير مبني على أن المطلوب ينحل إلى أمور ثلاثة ، صرف المال في مصلحته ، وصرفه في الحج ، وصرفه في خصوص السنة المعينة ، فإذا تعذر الأخير تعين الأولان. لكن الأذواق العرفية ـ غالباً ـ لا تساعد عليه. ولذا لم‌

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ٣ من أبواب النيابة في الحج.

٩٢

الحج من البلد ، ودار الأمر بين جعل أجرة سنتين ـ مثلاً ـ لسنة ، وبين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ، ففي تعيين الأول أو الثاني ، وجهان [١]. ولا يبعد التخيير ، بل أولوية الثاني [٢]. إلا أن مقتضى إطلاق الخبرين الأول [٣]. هذا كله إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على‌

______________________________________________________

يتعرضوا له.

[١] في كشف اللثام اختار الثاني ، ثمَّ قال : « ولكن الخبر الأخير قد يوهم الخلاف. ويمكن تنزيله على عدم إمكانه من الميقات .. » وفي الجواهر : « قلت : لا داعي إلى هذا الاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب .. ».

[٢] لأن الحج أفضل من الطريق.

[٣] أما الخبر الثاني فظاهر في البلدية ، ومطلق من حيث التمكن من الاستنابة من الميقات وعدمه. وأما الخبر الأول فهو مطلق من حيث البلد ، ومن حيث التمكن من الاستنابة من الميقات. وحينئذ يكون مقتضى الإطلاق الحج من البلد ، والجمع بين أجور السنين. وربما ينافي ذلك ما يأتي من رواية علي بن مزيد المتضمنة : أنه إذا أوصى بمال لا يكفي للحج من البلد يحج به من الميقات (١) ، وصحيحة البزنطي المتضمنة : أنه يحج من البلد فان لم يمكن فمن حيث يمكن (٢) ، المحمولة على صورة الوصية بمال للحج. لكن الخبرين المذكورين في غير المورد ، والأخذ بإطلاق الخبرين الواردين في المورد أولى وأظهر.

__________________

(١) يأتي ذكرها في أواخر المسألة التاسعة من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

٩٣

وجه التقييد ، وإلا فتبطل الوصية ، إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير ، أو كانت الوصية مقيدة بسنين معينة [١].

( مسألة ٧ ) : إذا أوصى بالحج وعين الأجرة في مقدار فان كان الحج واجباً ، ولم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل ، أو زاد وخرجت الزيادة من الثلث [٢] تعين. وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية ، ويرجع الى أجرة المثل [٣]. وان كان الحج مندوباً فكذلك تعين ـ أيضاً ـ مع وفاء الثلث بذلك المقدار ، والا فبقدر وفاء الثلث ، مع عدم كون التعيين على وجه التقييد. وإن لم يف الثلث بالحج ، أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية ، وسقط وجوب الحج [٤].

______________________________________________________

[١] لفوات المقيد بفوات قيده. وأما الخبران فاطلاقهما اللفظي وإن كان يشمل الفرض ، لكن من المعلوم ـ بقرينة المناسبات العرفية ـ عدم ظهورهما في وجوب ما لم يوص به الميت. نعم مع الشك لا بأس بالأخذ بإطلاق الخبرين ، وتكون فائدتهما ذلك ، إذ مع الشك في ذلك يكون المرجع أصالة عدم الوصية. والظاهر أن الخبرين واردان هذا المورد ، فهما في مقام الحكم الظاهري اعتماداً على القرائن العامة. نعم لو اتفق حصول بعض ما يمنع من القرائن العامة ، ففي جواز الأخذ بهما إشكال ، والأوجه العدم.

[٢] بأن وفي الثلث بها من دون مزاحم.

[٣] لعدم صحة الوصية بما زاد على الثلث.

[٤] أما في الأول فللتعذر ، وأما في الثاني فلتعذر القيد.

٩٤

( مسألة ٨ ) : إذا أوصى بالحج وعين أجيراً معيناً تعين استئجاره بأجرة المثل. وإن لم يقبل إلا بالأزيد ، فإن خرجت الزيادة من الثلث تعين أيضاً ، وإلا بطلت الوصية واستؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقاً. وكذا في المندوب إذا وفي به الثلث ، ولم يكن على وجه التقييد. وكذا إذا لم يقبل أصلاً [١].

( مسألة ٩ ) : إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد وكان الحج مستحباً بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها. وحينئذ فهل ترجع ميراثاً ، أو تصرف في وجوه البر ، أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثاً أو كان الراغب موجوداً ثمَّ طرأ التعذر؟ وجوه [٢]. والأقوى هو الصرف في وجوه البر. لا لقاعدة الميسور ، بدعوى : أن‌

______________________________________________________

[١] يعلم حكم هذه المسألة مما سبق.

[٢] الأول : محكي عن ابن إدريس ، والشيخ في أجوبة المسائل الحائريات ، واختاره في المدارك. لتعذر العمل بالوصية ، فتبطل. والثاني : محكي عن المشهور ، واختاره في الشرائع وغيرها. بناء منهم على أنها بنحو تعدد المطلوب ، فاذا لم تصح الوصية بالحج بطل القيد ، وتبقى الوصية بالمال فيصرف في مصلحة الميت. والثالث : محكي عن الكركي ، واختاره في المسالك. إذ ـ مع طروء العذر ـ لما صحت الوصية ابتداء ، وخرج المال من ملك الوارث لا يعود اليه إلا بدليل ، ولم يثبت. غاية الأمر : أنه قد تعذر صرفه في الوجه المعين ، فيصرف في وجوه البر ، بخلاف ما لو كان العذر من الأول ، فإنها لم تصح الوصية من الأول. والاشكال فيه‌

٩٥

الفصل إذا تعذر يبقى الجنس ـ لأنها قاعدة شرعية ، وإنما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع ، ولا مسرح لها في مجعولات الناس ، كما أشرنا إليه سابقاً [١]. مع أن الجنس لا يعد ميسوراً للنوع [٢] ، فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذر‌

______________________________________________________

ظاهر ، لأنها إذا بطلت لم يكن لوجوب الصرف وجه إلا البناء على التبعيض وهو مبني على تعدد المطلوب ، ومعه يكون الحكم كذلك في العذر المقارن للوصية. فالعمدة : هو أن الوصية في أمثال ذلك مبنية على وحدة المطلوب أو على تعدده ، فعلى الأول يتعين التبعيض ويلزم الصرف في وجوه البر ـ كما ذكر المشهور ـ وعلى الثاني يتعين الرجوع ميراثاً ـ كما ذكر ابن إدريس ـ والتفصيل بلا فاصل.

[١] في المسألة السادسة. فراجع.

[٢] من المعلوم أن مفهوم الميسور كسائر الموضوعات التي تذكر موضوعاً للأحكام في لسان الشارع ، فاذا لم يتعرض الشارع لبيان المراد بها تحمل على المفاهيم العرفية ، بمقتضى الإطلاقات المقامية ، فالمراد بالميسور هو الميسور العرفي. وحكم العرف بصدق الميسور تابع للمرتكزات العرفية في مناسبات الاحكام وموضوعاتها ، فقد يصدق الميسور على الجنس عند تعذر الفصل وقد لا يصدق ، وقد يصدق على المقيد عند زوال قيده وقد لا يصدق ، وقد يصدق على المباين وقد لا يصدق ، وقد يصدق على بعض الأجزاء عند تعذر البعض الآخر وقد لا يصدق ، كل ذلك لاختلاف المناسبات العرفية بين الأحكام وموضوعاتها ، فهذه المناسبات العرفية وإن لم تكن قطعية ولا حجية فيها ، لكن عرفت أن الإطلاق المقامي يقتضي جواز الاعتماد عليها.

٩٦

بعض أجزائها ولو كانت ارتباطية ـ [١] بل لأن الظاهر من حال الموصي ـ في أمثال المقام ـ إرادة عمل ينفعه ، وإنما عين عملاً خاصاً لكونه أنفع في نظره من غيره ، فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب وإن لم يكن متذكراً لذلك حين الوصية. نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللب أيضاً يكون الحكم فيه الرجوع الى الورثة. ولا فرق في الصورتين بين كون التعذر طارئاً أو من الأول. ويؤيد ما ذكرنا : ما ورد من الأخبار في نظائر المقام [٢].

______________________________________________________

[١] قد عرفت عمومها لها ، وللمقيدات عند تعذر قيدها ، وللأجناس عند تعذر فصلها. لكن لا بنحو الكلية في الجميع ، بل يختلف باختلاف المناسبات الارتكازية العرفية.

[٢] كصحيحي إبراهيم بن مهزيار المتقدمين في المسألة السادسة ، وخبر محمد بن الريان قال. « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن إنسان أوصى بوصية ، فلم يحفظ الوصي إلا باباً واحداً ، كيف يصنع بالباقي؟ فوقع (ع) : الأبواب الباقية اجعلها في وجوه البر » (١). وما ورد ـ فيمن أوصى أن تشترى رقبة بثمن معين وتعتق ، فوجدت بأقل من ذلك الثمن ـ : من أنه تشترى بالأقل ، وتعتق ، ويدفع إليها الباقي (٢). وقد يستدل بما ورد ـ فيمن أوصى للكعبة ، أو نذر لها ، أو جعل لها هدياً ـ : من أنه يباع ويصرف على الحجاج المنقطعين (٣). لكنه غير ما نحن فيه ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦١ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٧ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢٢ من أبواب مقدمات الطواف.

٩٧

بل يدل عليه خبر علي بن سويد (١) عن الصادق (ع) [١]

______________________________________________________

الظاهر أن المراد به ذلك من أول الأمر ، لا بعد التعذر.

ثمَّ إن المصرح به في كلام جماعة : البناء على أن الصرف في وجوه البر تعبدي ، نظير البدل الاضطراري ، وحينئذ لا فرق بين وحدة المطلوب في الوصية وتعدده. لكن فهم ذلك من النصوص غير ظاهر الوجه ، لكون منصرفها أن ذلك كان عملاً بالوصية ، واعتماداً على القرائن العامة ، فلا مجال للأخذ بها مع العلم بأن الوصية على نحو وحدة المطلوب ، أو قيام بعض القرائن الخاصة المانعة من الأخذ بالقرائن العامة ، كما أشرنا إليه آنفاً. ثمَّ إن ما ذكر يختص بالأعمال الخيرية التي قصد فيها التقرب إلى الله سبحانه أما غيرها مما يقصد به وجه آخر فاللازم فيها البناء على الرجوع إلى الوارث كما هو مقتضى الأصل الأولي ، لعدم ما يوجب الخروج عنه.

[١] رواه المشايخ الثلاثة قال : « أوصى إلي رجل بتركته ، وأمرني أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فإذا شي‌ء يسير لا يكفي للحج. فسألت أبا حنيفة وفقهاء الكوفة ، فقالوا : تصدق بها عنه. فلما حججت لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف ، فسألته وقلت له : إن رجلاً من مواليكم من أهل الكوفة مات فأوصى بتركته إلي ، وأمرني أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم تكف في الحج ، فسألت من قبلنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدق بها ، فتصدقت بها ، فما تقول؟ فقال لي : هذا جعفر بن محمد فأته وأسأله. قال : فدخلت الحجر فإذا أبو عبد الله (ع) تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو ، ثمَّ التفت فرآني ، فقال : ما حاجتك؟

__________________

(١) هكذا في نسخ المتن المطبوعة. ولكن الموجود في الفقيه والتهذيب : ( ابن مزيد ). وفي الكافي : ( ابن فرقد ). وهناك نسخ أخرى ليس فيها ابن سويد.

٩٨

______________________________________________________

قال : « قلت مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم تكف للحج ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها. فقال (ع) : ما صنعت؟ قلت : تصدقت بها. فقال (ع) : ضمنت. إلا أن لا تكون تبلغ أن يحج بها من مكة ، فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن » ويظهر مما ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة فقلت : جعلت فداك ، إني رجل من أهل الكوفة من مواليكم ، فقال (ع) : دع ذا عنك ، حاجتك ، قلت : رجل مات فأوصى بتركته أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج ، فسألت من عندنا من الفقهاء ، فقالوا : تصدق بها. فقال : ما صنعت؟ قلت : تصدقت بها فقال (ع) : ضمنت. إلا أن لا يبلغ أن يحج به من مكة ، فإن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان ، وإن كان يبلغ أن يحج به من مكة فأنت ضامن » (١).

ودلالة الرواية على التنازل من الحج البلدي إلى الميقاتي واضحة. وكذا دلالتها على التنازل من النائب إلى غيره ، وهو غير ما نحن فيه. كما أن الظاهر اختصاصها بصورة ما إذا لم يعلم أن التقييد على نحو وحدة المطلوب ، فإن إطلاقها اللفظي وإن كان شاملا لذلك ، لكن المنصرف إلى الذهن منها. أن وجوب الصرف من باب العمل بالوصية ، لا من باب آخر في مقابل ذلك. نعم الظاهر منها الشمول لصورة الشك ، أخذاً بالارتكاز الغالب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الوصايا حديث : ٢ ، الفقيه الجزء : ٤ صفحة : ١٥٤ طبعة النجف الأشرف.

٩٩

من الجهات ، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث وعين له مصارف وتعذر بعضها ، وأما فيه فالأمر أوضح ، لأنه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه [١].

( مسألة ١٠ ) : إذا صالحه على داره مثلاً وشرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح ولزم ، وخرج من أصل التركة وإن كان الحج ندبياً ، ولا يلحقه حكم الوصية. ويظهر من المحقق القمي قدس‌سره في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه ، بدعوى : أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج ، وهو عمل له أجرة [٢] ، فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل ، فان كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة. وفيه : أنه لم يملك عليه الحج مطلقاً في ذمته ثمَّ أوصى أن يجعله عنه [٣]

______________________________________________________

[١] تعليل الوضوح بما ذكر خفي ، إذ لا مانع من العود الى ملك الوارث بعد أن بطل السبب المخرج. فالعمدة في الوضوح : أنه لما اشتملت الوصية على أمرين كان البناء على تعدد المطلوب فيها أوضح من الوصية المشتملة على أمر واحد ، لأن ذلك في الثانية محتاج الى التحليل العقلي ، بخلاف الأولى ، لاشتمالها على التحليل الخارجي.

[٢] يعني : فيكون مملوكاً للمصالح ، فيكون لورثته بعد موته كسائر تركته. وحينئذ يكون أمره للمصالح ـ بالفتح ـ بفعله عنه وصية منه بذلك فتخرج من ثلثه.

[٣] توضيح الاشكال : أن الوصية تصرف في المملوك بعد المفروغية عن الملكية له ، مثل أن يوصي بداره لزيد ، وبفرسه لعمرو ، ونحو ذلك‌

١٠٠