مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

وكذا إذا جاوزها محلا ـ لعدم كونه قاصداً للنسك ، ولا لدخول مكة ثمَّ بدا له ذلك ـ فإنه يرجع الى الميقات مع التمكن [١] والى ما أمكن مع عدمه [٢].

______________________________________________________

مما يبعد جداً تقييده بصورة عدم إمكان الرجوع زائداً على ما ذكر ولو قليلا. وهذه النصوص لا تختص بالناسي ، فإنه حمل على النادر جداً ، فلذلك تعين حملها على ذلك جمعاً. وبذلك افترقت هذه النصوص عن النصوص السابقة الساكتة عن الرجوع الى الميقات ، إذ تقييدها بصورة عدم التمكن من الرجوع الى الميقات ليس فيه الحمل على النادر ، بل لعله الغالب.

[١] بلا خلاف ظاهر ، بل الظاهر أنه إجماع ، وفي المدارك : أنه مما قطع به الأصحاب ، وفي المستند : الإجماع عليه ، وفي الجواهر : نفي وجدان الخلاف في إلحاقهما بالناسي والجاهل. واستدل له في المعتبر : بأنه متمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجباً. ويشكل : بأن كونه مأموراً به شرعاً يحتاج إلى إثبات ، والقدر الثابت أن المريد للنسك حال العبور على الميقات يحرم منه ، والمقام ليس منه. فالعمدة ما ذكروه للاستدلال به ، وهو صحيح الحلبي المتقدم ، المتضمن لحكم من ترك الإحرام من الميقات. وإن أمكن الإشكال فيه بانصرافه الى من تركه وهو مريد للنسك ، لأن المنصرف من قول السائل : « ترك الإحرام » تركه لما لا ينبغي تركه ، وهو الذي يحتاج إلى السؤال عن حكمه ، فلا يشمل المقام. وكذا لا يشمل ما لو كان قاصداً دخول مكة ، وكان ممن لا يجب له الإحرام لذلك ـ كالحطاب ، والحشاش ، ونحوهما ـ فان الجميع من باب واحد عندهم.

[٢] على ما عرفت.

٣٢١

( مسألة ٧ ) : من كان مقيماً في مكة وأراد حج التمتع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات إذا تمكن ، وإلا فحاله حال الناسي [١].

( مسألة ٨ ) : لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثمَّ ذكر وجب عليه العود مع الإمكان [٢] ، وإلا ففي مكانه ، ولو كان في عرفات ـ بل المشعر ـ وصح حجه [٣]. وكذا‌

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام منه في هذه المسألة مفصلا ، في المسألة الرابعة من فصل صورة حج التمتع. فراجع.

[٢] لوجوب الإتيان بالمأمور به على وجهه. لكن تقدم في صحيح علي بن جعفر (ع) ما يدل على أنه إذا ذكر وهو في عرفات لم يرجع (١) وعن التذكرة والمنتهى : العمل به فيمن نسي الإحرام ـ يوم التروية ـ بالحج حتى حصل بعرفات. لكن عرفت أن اللازم ـ بمقتضى الجمع العرفي ـ تقييد الصحيح بغيره ، فيحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع الى الميقات ، بل هو كالصريح في ذلك كما عرفت. ولعل مراد العلامة منه ذلك ، فلا مخالفة منه للمشهور ، وإلا فلا وجه ظاهر للعمل به في خصوص الفرض المذكور دون غيره. فلاحظ.

[٣] لما يأتي فيمن ترك الإحرام حتى أتم المناسك. والظاهر أنه لا دليل عليه غيره. وحينئذ لا خصوصية للمشعر ، فلو نسي الإحرام وذكر بعد الإفاضة من المشعر كان حكمه كذلك ، فيحرم ويتم الأعمال. ولعل وجه التعرض للمشعر بالخصوص ما ذكره العلامة (ره) في التذكرة والمنتهى ، من أن من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

٣٢٢

______________________________________________________

نسي الإحرام يوم التروية حتى حصل بعرفات صح حجه ، فان الاقتصار فيه على عرفات ربما أشعر باختصاص الحكم بذلك. ومثله المحقق في الشرائع فإنه ذكر أنه إذا ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات. انتهى. ولذا قال الشهيد الثاني في شرح العبارة : « وكان حق العبارة أن يقول : أحرم ولو بالمشعر لأنه أبعد ما يمكن فرض الإحرام منه فيحسن دخول ( لو ) عليه. بخلاف عرفة ، وإن كان الإحرام منها جائزاً أيضاً ، بل أولى به » وقوله (ره) : « لأنه أبعد ما يمكن فرض الإحرام منه .. » باعتبار كونه كافراً ، فلو لم يدرك المشعر مسلماً بطل حجه ، لبطلان الوقوفين منه ، لا لفوات الإحرام وإلا فالإحرام يمكن تداركه ولو بعد المشعر ـ بناء على إلحاق هذه المسألة بما يأتي في المسألة الثامنة ـ فإنه إذا صح الحج مع قضاء المناسك كلها بغير إحرام فالبعض أولى. وفي المدارك : « فالمسألة محل تردد .. ». وكأنه لعدم وضوح الأولوية. لكن الأولوية في نظر العرف ـ الموجب لفهم العموم ـ ظاهرة. فلاحظ.

وأما حديث رفع النسيان (١) ، فلا يصلح لإثبات صحة الفاقد ، فإنه رافع لا مثبت. ودعوى : أن الرفع في حال رفع وجوب الباقي ليس امتنانياً فبقرينة ورود الحديث مورد الامتنان يتعين أن يكون الرفع في حال وجوب الباقي. مندفعة : بأن الرفع إذا لم يكن امتنانياً لا يكون الحديث شاملا له فلا يكون شاملاً للمورد. لا أنه شامل للمورد على نحو يكون الرفع في حال وجوب الباقي ، لأن ذلك إثبات لا يصلح حديث الرفع له. وبالجملة : قرينة الامتنان تقتضي عدم شمول الرفع للمورد ، لا شموله بنحو يقتضي الإثبات. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٣٢٣

لو كان جاهلاً بالحكم [١]. ولو أحرم له من غير مكة مع العلم والعمد لم يصح وإن دخل مكة بإحرامه ، بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان ، وإلا بطل حجه [٢]. نعم لو أحرم من غيرها نسياناً ، ولم يتمكن من العود إليها صح إحرامه من مكانه [٣].

( مسألة ٩ ) : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة ـ فالأقوى صحة عمله [٤].

______________________________________________________

[١] فان الدليل الآتي وارد في الجاهل أيضاً ، فيتم إلحاق الجاهل هنا به.

[٢] على ما عرفت في العامد.

[٣] يعني : من مكان الذكر.

[٤] كما هو المشهور. وعن المسالك : أنه فتوى المعظم. وفي الدروس أنه فتوى الأصحاب إلا ابن إدريس. ويشهد له مرسل جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (ع) : « في رجل نسي أن يحرم أو جهل ، وقد شهد المناسك كلها ، وطاف وسعى. قال (ع) : يجزيه نيته ، إذا كان قد نوى ذلك فقد تمَّ حجه وإن لم يهل » (١). وفي الدروس : أنه لم يجد دليلاً للمشهور إلا المرسلة المذكورة ، وفيها دليل على أن المنسي هو التلبية لا النية. وفيه ـ كما في المدارك ـ : أن الظاهر أن المراد بقوله : « إذا كان قد نوى ذلك » أنه نوى الحج بجميع أجزائه جملة ، لا نوى الإحرام بقرينة ذكر الجاهل مع الناسي ، والجاهل لا يتأتى منه نية الإحرام ، كما هو ظاهر. نعم استشكل في المدارك ـ في الحكم المذكور ـ بأن الرواية مرسلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٣٢٤

______________________________________________________

وإرسالها يمنع عن العمل بها.

وقد يستدل له بما يأتي في الجاهل ، فإن الناسي أعذر من الجاهل. وفي المدارك : أنه غير واضح. انتهى. أو لأن الجهل يعم النسيان ، كما في كشف اللثام. وفيه : منع. ولا يبعد أن يكون عمل الأصحاب بالمرسلة موجباً لانجبار سندها. وفي السرائر ـ بعد ما نسب صحة الحج إلى ما روي في أخبارنا ـ قال : « والذي تقتضيه أصول المذهب : أنه لا يجزي ، وتجب عليه الإعادة. لقوله (ص) : « إنما الأعمال بالنيات » (١) ، وهذا عمل بلا نية. فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد ، ولم يوردها ، ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر ، فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال ». ولا يخفى أن ما ذكره من الاستدلال بقوله (ص) : « إنما الأعمال بالنيات » لا يخلو من غموض ، فان المفروض ترك الإحرام نسياناً ، لا ترك نية الإحرام ، ولا ترك نية غيره من المناسك. ولذلك قال في المعتبر : « ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال ، وكيف توجيهه؟؟ » وعن المنتهى : أنه وهم في ذلك ، لأن الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية ، وهو الغلط من باب إيهام العكس. انتهى. وقد يوجه بوجوه لا تخلو من تكلف.

فالعمدة في الدليل هو المرسلة ، بناء على أن ضعف سندها منجبر بالعمل ـ كما هو غير بعيد ـ كما تقدم أيضاً في حكم المغمى عليه. فلاحظ نعم مورد الرواية نسيان إحرام الحج ، بقرينة قوله (ع) : « فقد تمَّ حجه » ، فالتعدي إلى نسيان إحرام العمرة غير ظاهر. وفي المدارك : « لا يخرج عن القياس .. » أقول : لا بأس بدعوى عموم الحكم لحج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١٠.

٣٢٥

وكذا لو تركه جهلاً حتى أتى بالجميع [١].

فصل في مقدمات الإحرام‌

( مسألة ١ ) : يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور : أحدها : توفير شعر الرأس [٢] ـ بل واللحية ـ [٣]

______________________________________________________

التمتع ، الشامل لعمرته. نعم عمرة الافراد والقران ، ومطلق العمرة المفردة لا تصلح الرواية للاستدلال بها فيها ، إلا بضميمة عدم القول بالفصل. أو بالأولوية.

[١] الظاهر. أنه لا خلاف فيه. وما تقدم من ابن إدريس مختص بالناسي ـ كما تقدم في عبارته ـ وإن كان ظاهر بعضهم أن خلافه هنا أيضاً وكيف كان يدل عليه صحيح ابن جعفر (ع) (١) المتقدم في ترك الإحرام من الميقات. ولا مجال للمناقشة ، لا في دلالته ، ولا في سنده ، فالعمل به متعين.

فصل في مقدمات الإحرام‌

[٢] كما في الشرائع والقواعد ، وعن النافع وغيرها.

[٣] ذكر مع شعر الرأس في جملة من الكتب ، كالمصباح ، ومختصره والسرائر ، والتحرير ، والمنتهى ، وغيرها على ما حكي. ويشهد له : خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (ع) قال : « لا يأخذ الرجل ـ إذا رأى هلال ذي القعدة ، وأراد الخروج ـ من رأسه ، ولا من لحيته » (٢). بل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

٣٢٦

لإحرام الحج مطلقاً [١] ـ لا خصوص التمتع [٢] ، كما يظهر من بعضهم لإطلاق الأخبار ـ [٣]

______________________________________________________

وإطلاق الشعر في جملة من النصوص الآتية.

[١] كما عن جماعة من محققي المتأخرين.

[٢] كما في الشرائع والقواعد ، وعن النهاية والمبسوط والتحرير والتذكرة والإرشاد وغيرها.

[٣] كصحيح عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال : « لا تأخذ من شعرك ـ وأنت تريد الحج ـ في ذي القعدة ، ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة » (١). ونحوه صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) ، (٢) وموثق محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : خذ من شعرك ـ إذا أزمعت على الحج ـ شوال كله إلى غرة ذي القعدة » (٣) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة. فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة. ومن أراد العمرة وفر شعره شهراً » (٤) ومصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : أعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة ، وللعمرة شهراً » (٥). ونحوها غيرها ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين حج التمتع وغيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

٣٢٧

من أول ذي القعدة ، بمعنى : عدم إزالة شعرهما [١]. لجملة من الأخبار. وهي وإن كانت ظاهرة في الوجوب [٢] ، إلا أنها محمولة على الاستحباب ، لجملة أخرى من الأخبار ظاهرة فيه [٣]

______________________________________________________

[١] أي : عدم الأخذ منه ، كما هو المذكور في أكثر النصوص ، المحمول عليه ما في صحيح معاوية وغيره ، من الأمر بالتوفير. إذ لا احتمال لإرادة ظاهره ، وهو السعي في كثرة شعره. وأما ما هو ظاهر العبارة ، من أن المراد الإزالة بالحلق ونحوه ، فمما لا يحتمل في النصوص.

[٢] أكثر النصوص يتضمن النهي عن أخذ الشعر ، فيكون حراماً ، فيكون تركه واجباً.

[٣] كخبر علي بن جعفر (ع) المروي عن كتابه ، عن أخيه موسى ابن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل إذا همّ بالحج ، يأخذ من شعر رأسه ، ولحيته ، وشاربه ما لم يحرم؟ قال (ع) : لا بأس » (١) ، وصحيح هشام بن الحكم وإسماعيل بن جابر ـ جميعاً ـ عن الصادق (ع) : « إنه يجزي الحاج أن يوفر شعره شهراً » (٢) ، وموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج. فقال (ع) : لا بأس به ، والسواك ، والنورة » (٣) ، وخبر محمد بن خالد الخراز قال : « سمعت أبا الحسن (ع) يقول : أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج ـ يعني : إلى مكة للإحرام ـ » (٤). لكن الأخير يجب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

٣٢٨

فالقول بالوجوب ـ كما هو ظاهر جماعة [١] ـ ضعيف ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط. كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحق ، حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضاً ، لخبر [٢] محمول على الاستحباب. أو على ما إذا كان في حال الإحرام. ويستحب التوفير للعمرة شهراً.

______________________________________________________

التصرف فيه ـ حتى على القول بالاستحباب ـ فإن الإمام (ع) لا يواظب على ترك المستحب. وما قبله ليس وارداً في شعر الرأس واللحية. مع أن أشهر الحج أعم من ذي القعدة وغيره. والاجزاء فيما قبله أعم من الجواز. فلم يبق إلا خبر ابن جعفر (ع). وفي عده من الصحيح ـ كما في الجواهر ـ تأمل. والانصاف أن الاستحباب لا مجال للتردد فيه ، لعموم الابتلاء بهذا الحكم ، فبناء الأصحاب على استحبابه ، وخفاء الوجوب عليهم ـ لو كان ـ مما لا يحتمل.

[١] نسب ذلك إلى الشيخ في النهاية والاستبصار ، والمفيد في المقنعة. قال الأول ، في الأول : « فإذا أراد الإنسان أن يحج متمتعاً فعليه أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ، ولا يمس شيئاً منها ». ونحوه ما في الاستبصار وأما الثاني ، فقال في المقنعة : « إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة ، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه ».

[٢] وهو ما رواه جميل في الصحيح ـ كما في الفقيه ـ قال : « سألت أبا عبد الله (ع) في متمتع حلق رأسه بمكة. قال (ع) : إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فان عليه دماً‌

٣٢٩

______________________________________________________

يهريقه » (١). ورواه الكليني بطريق فيه علي بن حديد ، المرمي بالضعف (٢) ورواه الشيخ عن الكليني (٣). ودلالته على وجوب الدم في ذي الحجة ظاهرة. لكنه غير المدعى. وعليه فلا عامل به على ظاهره. فيلزم إما التصرف فيه بتقدير مضاف ـ يعني : وإن تعمد بعد دخول الثلاثين ـ فيكون حجة للجماعة ـ كما اختاره في الحدائق ـ وإما الحمل على الاستحباب. أو على صورة وقوعه في الإحرام ، بقرينة وقوعه في مكة ، التي لا يجوز دخولها للحاج بغير إحرام للعمرة. بل الثاني هو المتعين.

وما في الحدائق من أن تقدير المضاف لازم على كل حال ، إذ المراد إما بعد دخول الثلاثين أو مضي الثلاثين. والأول متعين. وكأنه لأن الثاني يلزم منه عدم التعرض لحكم الحلق في نفس الثلاثين التي يوفر فيها الشعر. فيه : أن معنى بعد الثلاثين : هو معنى : بعد مضي الثلاثين ، أو وجود الثلاثين. وليس من باب تقدير مضاف ، لأن الثلاثين عين وجودها ومضيها ، لأن المفهوم حاك عن نفس الوجود ، وحينئذ لا يلزم تقدير المضاف على كل حال.

نعم في مقام توجيه الرواية لا بد ، إما من تقدير المضاف ، أو الحمل على أحد الوجهين. وقد عرفت أن القرينة تقتضي الحمل على ثانيهما اللهم إلا أن يقال : الحمل على ذلك يقتضي إلغاء التفصيل بين ما قبل الثلاثين وما بعدها ، وهي كالصريحة فيه. ومن أجل ذلك تشكل الرواية. وحملها على الحلق في مكة بعد الإحلال من العمرة ـ لاستحباب توفير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ١.

٣٣٠

الثاني : قص الأظفار ، والأخذ من الشارب ، وإزالة شعر الإبط والعانة [١] بالطلي ، أو الحلق ، أو النتف [٢].

______________________________________________________

الشعر لحج التمتع ـ مما لا قائل به. والنصوص لا تساعد عليه ، لاختصاصها بالمواقيت غير مكة. فلاحظ.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقت رسول الله (ص) فانتف إبطيك ، واحلق عانتك ، وقلم أظفارك ، وقص شاربك. ولا يضرك بأي ذلك بدأت .. » (١) ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق ، أو إلى الوقت من هذه المواقيت ـ وأنت تريد الإحرام إن شاء الله ـ فانتف إبطك وقلم أظفارك ، وأطل عانتك ، وخذ من شاربك ـ ولا يضرك بأي ذلك بدأت ـ ثمَّ استك ، واغتسل ، والبس ثوبيك » (٢) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « السنة في الإحرام : تقليم الأظفار ، وأخذ الشارب وحلق العانة » (٣) ونحوها غيرها.

[٢] أما في العانة فقد ورد الاطلاء في صحيح معاوية الأخير ، والحلق في صحيحه الأول ، وفي صحيح حريز وغيرها. وأما النتف فيها فلم أجده في أبواب نصوص الإحرام. وأما في الإبط فالنتف ذكر في الصحاح المذكورة وغيرها. وأما الحلق والطلي فلم أجدهما في أبواب نصوص الإحرام. نعم ذكر في آداب الحمام ، كخبر ابن أبي يعفور ، المتضمن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

٣٣١

والأفضل الأول ، ثمَّ الثاني [١]. ولو كان مطلياً قبله يستحب له الإعادة وإن لم يمض خمسة عشر يوماً [٢].

______________________________________________________

للخلاف بينه وبين زرارة في أن النتف أفضل ـ كما ادعاه زرارة ـ أو الحلق أفضل ـ كما ادعاه هو ـ وقد قال الصادق (ع) : « حلقه أفضل من نتفه ، وطليه أفضل من حلقه ». ثمَّ قال (ع) لنا : « اطليا ، فقلنا : فعلنا منذ ثلاث. فقال (ع) : أعيدا ، فإن الاطلاء طهور » (١). لكن التعبير في الروايات بالنتف في الإبطين ، والطلي والحلق في العانة ، يقتضي الفرق بينهما في ذلك. فلاحظ.

[١] أما بالنسبة للإبط فللخبر ، وأما بالنسبة للعانة فغير ظاهر.

[٢] عن المبسوط والنهاية والمنتهى وجماعة. لخبر ابن أبي يعفور المتقدم. وخبر أبي بصير : « تنور. فقال : إنما تنورت أول أمس ، واليوم الثالث. فقال (ع) : أما علمت أنها طهور ، فتنور » (٢). لكن في الشرائع والقواعد وغيرهما : إذا أطلى ولم يمض خمسة عشر يوماً أجزأه ، بل في الحدائق : نسبته إلى الأصحاب. لخبر علي بن أبي حمزة : « سأل أبو بصير أبا عبد الله (ع) ـ وأنا حاضر ـ فقال : إذا أطليت للإحرام الأول ، كيف أصنع في الطلية الأخيرة ، وكم بينهما؟ قال (ع) : إذا كان بينهما جمعتان ـ خمسة عشر يوماً ـ فاطل » (٣). وفيه : أن ظاهر الرواية صورة الاطلاء للإحرام مع وقوع الإحرام ، فيكون الثاني في أثنائه أو بعد انتهائه ، فلا تكون مما نحن فيه. بل في رواية أبي بصير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٥ من أبواب آداب الحمام حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣٢ من أبواب آداب الحمام حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٣٢

ويستحب ـ أيضاً ـ إزالة الأوساخ من الجسد [١] ، لفحوى ما دل على المذكورات. وكذا يستحب الاستياك [٢].

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا بأس بأن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوماً » (١) ، وصحيح معاوية عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل يطلي قبل أن يأتي الوقت بستة ليال. قال (ع) : لا بأس. وسأله عن رجل يطلي قبل أن يأتي مكة بسبع أو ثمان. قال (ع) : لا بأس » (٢). فتدل هذه الروايات على الاجتزاء بالاطلاء للإحرام قبل الإحرام بخمسة عشر ، أو ستة ليال ، أو أقل من ذلك ، ولا تدل على الاجتزاء باطلاء قبل الإحرام بمدة معتد بها إذا لم يكن للإحرام.

والمتحصل من مجموع النصوص : هو استحباب الاطلاء لنفسه في كل وقت وتكريره ، واستحباب الاطلاء عند الإحرام ، والاجتزاء بالاطلاء للإحرام قبله بخمسة عشر يوماً أو أقل ، وعدم الاجتزاء به إذا كان قبل الإحرام بمدة لا يصدق كونه عنده ، إذا لم يكن بقصد الإحرام والتهيؤ له.

[١] ذكر ذلك جماعة ، منهم : المحقق في الشرائع ، والعلامة في القواعد. وليس له دليل ظاهر. ولذلك خصه بعضهم بالأمور المذكورة ، من قص الأظفار ، وحلق العانة ، وغيرهما. نعم لا إشكال في رجحان ذلك في نفسه ، لما دل على رجحان التنظيف ، والتنزيه ، والطهارة. لكنه غير ما نحن فيه من الاستحباب للإحرام. والفحوى التي ادعاها المصنف (ره) غير ظاهرة.

[٢] لما تقدم في صحيح معاوية بن عمار (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٣٣

الثالث : الغسل للإحرام [١] في الميقات [٢] ، ومع العذر عنه التيمم [٣].

______________________________________________________

[١] للنصوص الكثيرة المستفيضة أو المتواترة ، على اختلاف ألسنتها. ففي بعضها : الأمر به ، وفي بعضها : عده من الغسل الواجب ، وفي مضامين أخرى يأتي بعضها في هذه المباحث (١). وظاهر النصوص : الوجوب ، لكنها محمولة على الاستحباب إجماعاً ـ كما عن التذكرة والتحرير وعن المنتهى : لا نعرف فيه خلافاً. وكأنه لم يعتد بخلاف الحسن ، فإنه حكي عنه الوجوب. لكنه ضعيف ، إذ كيف يخفى الوجوب على الأصحاب مع اتفاقهم على خلافه؟!

[٢] كما عن جمع التصريح به. بل ظاهر ما يأتي من جواز تقديمه عند إعواز الماء الاتفاق على أن تشريعه كان في الميقات. ويشهد له ظاهر النصوص ، كصحيح معاوية بن عمار المتقدم ، وصحيح الحلبي الآتي في جواز التقديم ، وغيره.

[٣] حكاه في الشرائع قولاً. وظاهره التوقف فيه. ونسبه في المسالك إلى الشيخ وجماعة ، وفي كشف اللثام إلى المبسوط والمهذب. وحكى فيه عن التذكرة تعليله : بأنه غسل مشروع ، فناب عنه التيمم. ثمَّ قال : « وضعفه ظاهر » وفي المدارك : أنه ضعيف جداً ، لأن الأمر إنما تعلق بالغسل فلا يتناول غيره. وفي المسالك : « وتوقف المصنف ، من عدم النص ومن أن الغرض من الغسل المندوب التنظيف ـ لأنه لا يرفع الحدث ـ وهو مفقود مع التيمم ـ ومن شرعيته بدلاً لما هو أقوى ،

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب : ١ من أبواب الجنابة ، وباب : ١ من أبواب الأغسال المسنونة وباب : ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ من أبواب الإحرام.

٣٣٤

ويجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء [١] ، بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضاً [٢].

______________________________________________________

وعموم قوله (ص) : الصعيد طهور المؤمن ». وقد تقدم في مبحث التيمم : أن عموم بدلية التراب عن الماء ، وأنه يكفي عشر سنين ، وأن التراب أحد الطهورين ، وأن رب الماء ورب الصعيد واحد ونحوها ، كاف في ثبوت بدلية التيمم في المقام ونحوه ، مما لم يرد فيه نص بالخصوص فلا بأس بالبناء عليه. فراجع.

[١] في المدارك : إنه مجمع عليه بين الأصحاب. لصحيح هشام بن سالم قال : « أرسلنا إلى أبي عبد الله (ع) » ونحن جماعة ونحن بالمدينة : إنا نريد أن نودعك ، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة ، فإني أخاف عليكم أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة. فاغتسلوا بالمدينة ، والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثمَّ تعالوا فرادى أو مثاني .. ( إلى أن قال ) : فلما أردنا أن نخرج. قال (ع) : لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة » (١) ، وصحيح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام ، أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال (ع) : نعم » (٢). ونحوه خبر أبي بصير (٣).

[٢] وفي المدارك : أنه لا يبعد ، وكذا في كشف اللثام. ونسبه في الذخيرة إلى ظاهر عدة من الروايات. ثمَّ ذكر صحيح الحلبي وخبر أبي بصير المتقدمين. لكن تمكن المناقشة فيهما : بأن المراد السؤال عن أجزاء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الإحرام حديث : ١ ، ٤.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٣٣٥

______________________________________________________

الغسل الواقع في المدينة في فرض مشروعيته ولو للإعواز ، لا السؤال عن أصل المشروعية ، فلا يدلان على المشروعية مطلقاً. نعم في صحيح معاوية بن وهب : « سألت أبا عبد الله (ع) ـ ونحن بالمدينة ـ عن التهيؤ للإحرام. فقال : أطل بالمدينة ، وتجهز بكل ما تريد ، واغتسل. وان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة » (١). لكن رواه الشيخ ـ أيضاً ـ بطريق فيه موسى بن القاسم (٢) ، خالياً عن ذكر الغسل.

وأما إطلاقات مشروعية غسل الإحرام فمقيدة بما دل على كونه في الميقات ، كما عرفت. مع أنه لو سلم الإطلاق فالتعليل في صحيح هشام المتقدم حاكم عليه. اللهم إلا أن يكون تعليلاً لتعين الفرد الأول ـ كما هو ظاهر الأمر ـ فيكون إرشادياً إلى وجه المتعين عقلاً ـ كما لو قال : « صلّ أول الوقت ، فإني أخاف عليك الموت ـ لا لأصل المشروعية ، وإن كان دالاً على المشروعية بالالتزام. لكنه لا يصلح حينئذ لتقييد إطلاق دليلها ، كما لو قال : « صل نافلة الليل قبل نصف الليل ، فإني أخاف عليك النوم وعدم التمكن من أدائها في آخر الليل ». وحينئذ فالأخذ بالإطلاق في محله. وهذا غير بعيد. لكن عن التنقيح : أنه لا يظهر قائل به. لكن لا يهم بعد عدم تحقق الإجماع على خلافه. ولا سيما بعد مخالفة من عرفت. فتأمل. ولا ينافي ذلك ما تقدم من أن مكان غسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الإحرام حديث : ٣. قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التهيؤ للإحرام ، فقال : اطل بالمدينة ، فإنه طهور ، وتجهز بكل ما تريد ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء وتلبس قميصك إن شاء الله ». فربما يستظهر من الحديث لزوم تأخير الغسل إلى مسجد الشجرة.

٣٣٦

والأحوط الإعادة في الميقات [١]. ويكفي الغسل من أول النهار الى الليل ، ومن أول الليل الى النهار [٢]. بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر الليل وبالعكس [٣]. وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحب إعادته خصوصاً في النوم [٤].

______________________________________________________

الإحرام الميقات ، ولا ينطبق ذلك على الغسل بالمدينة. لإمكان أن يكون الغسل بالمدينة بدلاً اختيارياً ، فلا منافاة.

[١] بل هي مستحبة حتى في صورة خوف الاعوز ، كما تقدم في صحيح هشام.

[٢] بلا خلاف ـ كما قيل ـ للمستفيضة ، مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال : غسل يومك ليومك ، وغسل ليلتك لليلتك » (١). ونحوه غيره.

[٣] كما عن المقنع. وفي المدارك : أنه الأظهر ، وفي الذخيرة : أنه الظاهر ، وفي المستند : أنه لا بأس به ، وفي الجواهر : أنه لا يخلو من وجه. ويقتضيه صحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (٢) ، وخبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ، ثمَّ أحرم من يومه ، أجزأه غسله » (٣). وحمل الأخير على الغسل بعد الفجر بعيد. وكذلك حمل اللام ـ في الصحيح ـ على معنى : ( إلى ).

[٤] كما هو المشهور. لصحيح النضر بن سويد عن أبي الحسن (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

٣٣٧

______________________________________________________

قال : « سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم. قال (ع) : عليه إعادة الغسل » (١). ونحوه خبر علي بن أبي حمزة (٢). وفي السرائر : « وإذا اغتسل بالغداة كان غسله كافياً لذلك اليوم ، أي وقت أراد أن يحرم منه فعل. وكذلك إذا اغتسل أول الليل كان كافياً إلى آخره سواء نام أو لم ينم. وقد روي : أنه إذا نام بعد الغسل ـ قبل أن يعقد الإحرام ـ كان عليه إعادة الغسل استحباباً. والأول هو الأظهر ، لأن الأخبار عن الأئمة الأطهار جاءت في أن من اغتسل نهاراً كفاه ذلك الغسل ، وكذلك من اغتسل ليلاً ».

وفيه : أن ما دل على الاكتفاء بغسل الليل إلى آخر الليل وبغسل النهار إلى آخر النهار ، إنما كان النظر فيه الى الزمان ، فلا تعرض فيه للحدث. نعم في صحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ، ويلبس ثوبين ، ثمَّ ينام قبل أن يحرم. قال (ع) : ليس عليه غسل » (٣). ولكنه محمول على نفي التأكد جمعاً ـ كما في المدارك ـ لا على نفي الوجوب ـ كما عن الشيخ ـ لأن السؤال لم يكن عن الوجوب وعدمه وإنما كان عن الاعتداء بالغسل الأول وعدمه.

ثمَّ إن الروايات من الطرفين واردة في النوم ، وليس فيها تعرض لغيره من الأحداث. ولذلك قال في القواعد : « ولو أحدث بغير النوم فإشكال ، ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى. ومن عدم النص عليه ». لكن في الدروس : « والأقرب أن الحدث كذلك ». ونفي البأس عنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٣٣٨

______________________________________________________

في المسالك ، لأن غير النوم أقوى. ووجه القوة الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقاً ، والخلاف فيه على بعض الوجوه. وفي كشف اللثام : « وجه القوة : أنها تلوث البدن دونه. أو لأن الظاهر أن النوم إنما صار حدثاً لأن معه مظنة الأحداث فحقائقها أولى ».

أقول : الأقوائية الحدثية غير ظاهرة ، والوجوه المذكورة لا تصلح لإثباتها. فالعمدة استفادة عدم الخصوصية من النص الوارد في النوم ، كما هو الظاهر. ومنه يظهر ضعف ما في المدارك من أن الأصح عدم الاستحباب ، لانتفاء الدليل. وربما كان في صحيحة جميل المتقدمة إشعار بذلك انتهى. وقد عرفت ـ في تضعيف دليل ابن إدريس ـ وجه الاشكال فيما ذكره أخيراً. مضافاً إلى أن مقتضى الاشعار عدم الفرق بين النوم وغيره فالتفصيل غير ظاهر.

وفي مصحح إسحاق بن عمار ـ المروي في التهذيب ـ قال : « سألته عن غسل الزيارة ، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد. قال (ع) : يجزيه إن لم يحدث. فإن أحدث ما يوجب وضوءاً فليعد غسله » (١). ونحوه مصححه الآخر ، المروي في الكافي ـ كما في الحدائق ـ (٢) ودلالته على الإعادة لمطلق الحدث ظاهرة. وهو وإن كان وارداً في غسل الزيارة لكن الظاهر بناؤهم على عدم الفرق بينه وبين المقام. وأما صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ، ثمَّ ينام فيتوضأ قبل أن يدخل ، أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال (ع) : لا يجزيه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (٣). فالتعليل فيه لا يقتضي عموم الحكم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب زيارة البيت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب زيارة البيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب مقدمات الطواف حديث : ١.

٣٣٩

كما أن الأولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم [١].

______________________________________________________

لمطلق الحدث ، ولا لمطلق الغسل ـ نظير نصوص المقام ـ وإنما يقتضي انتقاض الغسل المستحب بالنوم ، فيحتاج في تعميم الحكم والموضوع إلى دليل.

نعم في المدارك : « ربما ظهر منه ارتفاع الحدث بالغسل المندوب كما ذهب اليه المرتضى (ره) ». وفي مرآة العقول للمجلسي : « في دلالته على مذهب السيد تأمل ». وكأنه لإمكان الالتزام بتعدد المراتب للحدث الأصغر ، على نحو يكون وجود بعضها ناقضاً للغسل ومرتفعاً به وبعضها ناقضاً للوضوء ومرتفعاً به. فكما لا يكون الوضوء رافعاً لجميع مراتب الحدث الأصغر الحاصل من أسبابه ولا بد في رفع بعضها من الغسل ، كذلك الغسل لا يرفع جميع مراتبه ، بل لا بد في رفع بعضها من الوضوء. وفيه : أن المنسبق من النص أن الغسل رافع لأثر النوم مطلقاً ، ويكون المكلف بالغسل كأن لم ينم ، لا أنه رافع لبعضه ويبقى بعضه ، فيكون الغسل أعظم أثراً من الوضوء. فلاحظ.

[١] بل ظاهر كلام الأصحاب استحباب الإعادة ، كما في الحدائق ويشهد له صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا لبست ثوباً لا ينبغي لك لبسه ، أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله ، فأعد الغسل » (١) وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع ، ولا تطيب ، ولا تأكل طعاماً فيه طيب ، فتعيد الغسل » (٢) وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « إذا اغتسل الرجل وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٤٠