مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

نحوه ـ واجب كفائي على كل من قدر على ذلك [١] ، وأولوية الورثة بالتركة إنما هي ما دامت موجودة [٢] ، وأما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به. إذ هذه الدعوى فاسدة جداً. بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة [٣].

______________________________________________________

[١] قال فيه : « مقتضى الأخبار المتواترة معنى ، المصرحة بوجوب قضاء الحج عن الميت من أصل ماله من غير خطاب الى شخص معين : وجوبه على كل مكلف ، وهو يجعل الوجوب الكفائي للمستودع أصلاً ثانياً ، فالتوقف على الاذن يحتاج إلى دليل .. ». وحاصل استدلاله : أن إطلاق الوجوب الكفائي يقتضي عدم الاحتياج إلى الاذن من الوارث أو الحاكم. وفيه : أن ذلك الدليل إنما ورد في مقام أصل التشريع ، فلا ينافي ولاية الوارث ، ولذا لا يتوهم منه جواز حج الأجنبي وأخذ العوض قهراً من الوارث أو سرقة منه.

[٢] هذا لم يذكره في المستند ، بل اقتصر على ما حكيناه عنه. ولو فرض ذكره له فالإشكال عليه ظاهر ، إذ مبادرة أحد إلى صرف المال إن كان المقصود منه الاستيجار به ، فهو لا يصح مع فرض كونه تصرفاً بغير اذن الولي ، فكيف يترتب عليه انتفاء موضوع الولاية؟!. وإنما يترتب ذلك لو صح التصرف ، وهو ممنوع. أو كان الإتلاف خارجياً ، وهو خلاف المفروض.

[٣] هذا بعيد جداً. ولا سيما وكون الوديعة مذكورة في السؤال ، الظاهر في كونه عن حكم القضية الخارجية.

١٢١

أو دعوى تنقيح المناط [١]. أو أن المال إذا كان بحكم مال الميت فيجب صرفه عليه [٢] ، ولا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه [٣]. بل وكذا على القول بالانتقال إلى الورثة ، حيث أنه يجب صرفه في دينه ، فمن باب الحسبة [٤] يجب على من عنده صرفه عليه ، ويضمن لو دفعه الى الوارث ، لتفويته على الميت. نعم يجب الاستئذان من الحاكم ، لأنه ولي من لا ولي له [٥] ويكفي الإذن الإجمالي ، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك‌

______________________________________________________

[١] استدل بذلك ـ في المسالك والمدارك ـ للقول بالتعدي.

[٢] هذا لا ينبغي التأمل فيه. لكنه أعم من جواز الاستقلال به ومراجعة الحاكم الشرعي ، كما سيأتي.

[٣] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. لأنه دفع الى غير المستحق.

[٤] المراد به الأمور التي يعلم من الشارع إرادة إيقاعها ، فان إفراغ ذمة الميت من الدين من ذلك الباب ، فاذا امتنع الوارث منه لزم الأجنبي القيام به. وحينئذ لا فرق بين من بيده المال وغيره. إلا أن يحتمل أن يكون لمن بيده المال خصوصية تقتضي اختصاصه بالوجوب ، وحينئذ لا يعلم غيره بالوجوب إلا في ظرف امتناعه.

[٥] قال شيخنا الأعظم في مكاسبه : « إنه اشتهر في الألسن ، وتداول في بعض الكتب : السلطان ولي من لا ولي له ، ونسبت روايته عن النبي إلى كتب العامة والخاصة. وفي دعائم الإسلام : السلطان وصي من لا وصي له (١). ودلالته على ولاية الحاكم مبنية على عموم النيابة ».

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٦٤ من أبواب الوصايا حديث : ١.

١٢٢

الواجب عليه ، كما قد يتخيل [١]. نعم لو لم يعلم ، ولم يظن [٢] عدم تأدية الوارث يجب الدفع اليه [٣]. بل لو كان الوارث منكراً أو ممتنعاً ، وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم ، أو أمكن إجباره عليه ، لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه [٤].

( مسألة ١٨ ) : يجوز للنائب ـ بعد الفراغ عن الأعمال

______________________________________________________

[١] قال في المسالك : « وصرح بعضهم بوجوب الاستيذان من الحاكم مع إمكانه. وهو حسن ، مع القدرة على إثبات الحق عنده ». وظاهره توقف لزوم الاستيذان على ذلك. ووجهه غير ظاهر ، لكفاية الاذن الإجمالي في المحافظة على حق الميت ، وولاية الحاكم.

[٢] أقول : بعد ما عرفت من عموم الدليل على ولاية الوارث ، فالخارج عنه صورة امتناعه من الأداء ، فمع الشك فيه تكون الشبهة موضوعية ، وأصالة عدم الامتناع تقتضي ثبوت الولاية ظاهراً. نعم إذا كان دليل التخصيص يدل على تقييده بالمقدم ، فمع الشك في الاقدام يكون مقتضى الأصل عدم الولاية ، لأصالة عدم الاقدام. لكن القدر المتيقن في التخصيص الأول ، فمع الشك يبنى على ثبوت الولاية ولذلك استقرت السيرة على دفع العين للوارث في حال الشك. وعليه فالبناء على إلحاق الظن بالعلم محل تأمل ، لعدم الدليل على حجيته ، فاللازم إجراء حكم الشك عليه ، لا العلم.

[٣] لما عرفت من ولايته على الوفاء ، حتى على القول ببقاء المال على ملك الميت.

[٤] إذا كان الخارج عن العموم الممتنع ، فمع الامتناع يبنى على عدم ولايته وإن أمكن إجباره. وكذلك إذا كان إنكاره لا عن عذر ، فإنه‌

١٢٣

للمندوب عنه ـ أن يطوف عن نفسه‌ وعن غيره [١]. وكذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه وعن غيره.

( مسألة ١٩ ) : يجوز لمن أعطاه رجل مالاً لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ، ما لم يعلم أنه أراد الاستئجار من الغير [٢].

______________________________________________________

نوع من الامتناع ، الموجب لسقوط ولاية الوارث. إلا أن يقال : إن القدر المتيقن في الخروج صورة تعذر الأداء من قبله ، فإذا أمكن إجباره على الأداء لم يحصل التعذر المذكور ، فلم تبطل ولايته.

[١] بلا إشكال ظاهر ولا خلاف. وعقد له في الوسائل باباً (١) ، وذكر فيه : صحيح صفوان بن يحيى ، عن يحيى الأزرق قال : « قلت لأبي الحسن (ع) : الرجل يحج عن الرجل ، يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ قال (ع) : إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء » (٢). وقريب منه روايته الأخرى (٣). وهو الذي تقتضيه القواعد العامة.

[٢] لا إشكال في أن الاستيجار من العناوين القائمة بين الاثنين : المؤجر والمستأجر ، وأن المؤجر ـ بمعنى : من يملك فعل الأجير ـ قائم بالأصيل. وبمعنى : من قام به إيقاع الإجارة ، قائم بالموقع ، سواء أكان الأصيل أم الوكيل. فالاستئجار القائم بين الأصيلين ، هو بمعنى الموقع ـ بالفتح ـ وهو المضمون المنشأ بالعقد ، والقائم بين الوكيلين بمعنى الإيقاع نفسه. وهو ـ بهذا المعنى ـ لا يتوقف على الاثنينية الخارجية ، بل يكفي فيه الاثنينية الاعتبارية ، بخلاف ما هو بالمعنى الأول ، فإنه لا بد فيه من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب النيابة في الحج.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

١٢٤

والأحوط عدم مباشرته [١] ، إلا مع العلم بأن مراد المعطي حصول الحج في الخارج. وإذا عين شخصاً تعين ، إلا إذا علم عدم أهليته ، وأن المعطي مشتبه في تعيينه [٢]. أو أن ذكره من باب أحد الأفراد [٣].

______________________________________________________

الاثنينية الخارجية. فالوكيل عن طرفي العقد مؤجر ومستأجر باعتبارين ، وكذا الوكيل عن البائع والمشتري بائع ومشتر ، فاذا وكله في الاستيجار للحج ـ مثلاً ـ كان مقتضى الإطلاق جواز استيجار نفسه. نعم ينصرف إلى الاثنينية الخارجية. لكنه ابتدائي. ولذا بنى المشهور على جواز تولي طرفي العقد لشخص واحد ، وتترتب الأحكام عليه ، مع تحقق الانصراف إلى الاثنينية في عموم صحة العقد وثبوت الأحكام.

[١] منشأه الانصراف الابتدائي ، الذي عرفته.

[٢] إذ حينئذ لا يكون استيجاره صحيحاً ، فلا يكون موضوعاً للوكالة ، وحينئذ تبطل الوكالة بالمرة.

[٣] وحينئذ يبطل التعيين ، وتكون الوكالة عامة.

١٢٥

فصل في الحج المندوب‌

( مسألة ١ ) : يستحب لفاقد الشرائط ـ من البلوغ ، والاستطاعة ، وغيرهما ـ أن يحج مهما أمكن [١]. بل وكذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب. ويستحب تكرار الحج [٢].

بل يستحب تكراره في كل سنة [٣] ، بل يكره تركه خمس

______________________________________________________

فصل في الحج المندوب‌

[١] بلا إشكال. ويقتضيه ما تقدم في حج الصبي والعبد. مضافاً إلى الإطلاقات المرغبة فيه.

[٢] كما تقتضيه الإطلاقات المرغبة فيه ، والروايات الواردة في حج النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام ، وأن النبي (ص) حج عشرين حجة (١) ، والحسن (ع) خمساً وعشرين حجة (٢) ، والسجاد (ع) أربعين حجة .. (٣) الى غير ذلك.

[٣] في رواية عيسى بن أبي منصور قال : « قال لي جعفر بن محمد (ع) : يا عيسى ، إن استطعت أن تأكل الخبز والملح وتحج في كل سنة فافعل » (٤). ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٦ ، ٧ ، ١٢ ، ٣٣.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٢٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥. ولكن ذلك في شأن الحسين (ع) ، وأما الحسن (ع) فالوارد في حقه في جملة من النصوص : أنه حج عشرين حجة. راجع الوسائل باب : ٤٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣١ ونحوه غيره.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أحكام الدواب حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٦.

١٢٦

سنين متوالية [١]. وفي بعض الأخبار : « من حج ثلاث حجات لم يصبه فقر أبداً » [٢].

( مسألة ٢ ) : يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة. وفي الخبر : إنها توجب الزيادة في العمر [٣]. ويكره نية عدم العود. وفيه : أنها توجب النقص في العمر [٤].

______________________________________________________

[١] في رواية ذريح عن أبي عبد الله (ع) : « من مضت له خمس سنين فلم يفد إلى ربه ـ وهو موسر ـ إنه لمحروم » (١). وفي رواية حمران عن أبي جعفر (ع) : « إن لله تعالى منادياً ينادي : أي عبد أحسن الله تعالى اليه ، وأوسع عليه في رزقه ، فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله إن ذلك لمحروم » (٢).

[٢] في رواية صفوان بن مهران عن أبي عبد الله (ع) : « من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبداً » (٣).

[٣] في خبر عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : من رجع من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره » (٤).

[٤] في رواية الحسن بن علي عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن يزيد بن معاوية حج ، فلما انصرف قال :

إذا جعلنا ثافلاً يمينا

فلن نعود بعدها سنينا

للحج والعمرة ما بقينا

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢٢.

(٤) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

١٢٧

( مسألة ٣ ) : يستحب التبرع بالحج عن الأقارب وغيرهم أحياء وأمواتاً [١] ، وكذا عن المعصومين (ع) أحياءً وأمواتاً [٢].

______________________________________________________

فنقص الله تعالى عمره ، وأماته قبل أجله ، (١). ونحوه خبر أبي حذيفة (٢). لكن في مرسل الفقيه : « ومن خرج من مكة وهو لا ينوي العود إليها ، فقد قرب أجله ، ودنا عذابه » (٣). وظاهره ترتب ذلك بمجرد عدم نية العود.

[١] في مصحح إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) : « سألته عن الرجل يحج ، فيجعل حجته وعمرته ، أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه غائب ببلد آخر. قال : فقلت : فينقص ذلك من أجره؟ قال (ع) : لا ، هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى ذلك .. » (٤). وفي خبر جابر عن أبي جعفر (ع) قال : « قال رسول الله (ص) : من وصل قريباً بحجة أو عمرة كتب الله له حجتين وعمرتين » (٥). وفي رواية موسى ابن القاسم البجلي : « قلت لأبي جعفر الثاني (ع) : فربما حججت عن أبيك ، وربما حججت عن أبي ، وربما حججت عن الرجل من إخواني ، وربما حججت عن نفسي ، فكيف أصنع؟ فقال (ع) : تمتع .. » (٦).

[٢] كما تقدم في رواية البجلي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٥٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٦.

(٦) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

١٢٨

وكذا يستحب الطواف عن الغير [١] ، وعن المعصومين (ع) أمواتاً وأحياءً [٢] ، مع عدم حضورهم في مكة ، أو كونهم معذورين.

( مسألة ٤ ) : يستحب لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحج إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك [٣].

( مسألة ٥ ) : يستحب إحجاج من لا استطاعة له [٤].

( مسألة ٦ ) : يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج‌

______________________________________________________

[١] في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قلت له : فأطوف عن الرجل والمرأة وهما بالكوفة؟ فقال (ع) : نعم » (١).

[٢] في رواية موسى بن القاسم : « قلت لأبي جعفر الثاني (ع) : قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك ، فقيل لي : إن الأوصياء لا يطاف عنهم. فقال (ع) : بل طف ما أمكنك ، فإن ذلك جائز .. » (٢).

[٣] في رواية موسى بن بكر الواسطي قال : « سألت أبا الحسن (ع) : عن الرجل يستقرض ويحج ، فقال : إن كان خلف ظهره مال. فان حدث به حدث أدي عنه فلا بأس » (٣). ونحوه غيره.

[٤] في رواية الحسن بن علي الديلمي : « سمعت الرضا (ع) يقول : من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله عز وجل بالثمن » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

١٢٩

ليحج بها [١].

( مسألة ٧ ) : الحج أفضل من الصدقة بنفقته [٢].

( مسألة ٨ ) : يستحب كثرة الإنفاق في الحج ، وفي بعض الأخبار : إن الله يبغض الإسراف ، إلا بالحج والعمرة [٣].

( مسألة ٩ ) : يجوز الحج بالمال المشتبه [٤] ـ كجوائز الظلمة ـ مع عدم العلم بحرمتها [٥].

______________________________________________________

[١] لأنه سبيل الله.

[٢] استفاضت بذلك الاخبار ـ وفيها الصحيح وغيره ـ منها : صحيح معاوية ، وفيه : « فالتفت رسول الله (ص) إلى أبي قبيس ، فقال : لو أن أبا قبيس لك زنة ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت به ما بلغ الحاج » (١).

[٣] في رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « قال رسول الله (ص) : ما من نفقة أحب الى الله عز وجل من نفقة قصد. ويبغض الإسراف إلا في الحج والعمرة » (٢).

[٤] في صحيح أبي همام عن الرضا (ع) : « فيمن عليه دين. قال : يحج سنة ، ويقضي سنة. قلت : أعطى المال من ناحية السلطان؟ قال (ع) : لا بأس عليك » (٣).

[٥] في صحيح محمد بن مسلم ومنهال القصاب جميعاً : « من أصاب مالاً من غلول ، أو ربا ، أو خيانة ، أو سرقة لم يقبل منه في زكاة ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٥٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب وجوب الحج حديث : ١٠.

١٣٠

( مسألة ١٠ ) : لا يجوز الحج بالمال الحرام. لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه ، وطوافه ، وثمن هديه من حلال [١].

( مسألة ١١ ) : يشترط في الحج الندبي : إذن الزوج والمولى ، بل والأبوين في بعض الصور [٢]. ويشترط أيضاً : أن لا يكون عليه حج واجب مضيق. لكن لو عصى وحج صح [٣].

( مسألة ١٢ ) : يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه. كما يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه.

( مسألة ١٣ ) : يستحب لمن لا مال‌له يحج به أن يأتي به ولو بإجارة نفسه عن غيره. وفي بعض الأخبار : أن للأجير من الثواب تسعاً وللمنوب عنه واحد [٤].

______________________________________________________

ولا صدقة ، ولا حج ، ولا عمرة » (١). ومنه يظهر وجه حكم المسألة الآتية.

[١] كما تقدم ذلك في المسألة السبعين (٢) من الفصل الأول.

[٢] تقدم ذلك في مباحث الاستطاعة.

[٣] تقدم ذلك في مباحث النيابة كما تقدم ما في المسألة الآتية.

[٤] في رواية عبد الله بن سنان قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ دخل عليه رجل ، فأعطاه ثلاثين ديناراً يحج بها عن إسماعيل ، ولم يترك من العمرة إلى الحج إلا اشترط عليه ، حتى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسر. ثمَّ قال : يا هذا ، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٢) راجع صفحة : ١٩٠ من الجزء العاشر من هذه الطبعة.

١٣١

فصل في أقسام العمرة‌

( مسألة ١ ) : تنقسم العمرة ـ كالحج ـ إلى واجب أصلي ، وعرضي ، ومندوب. فتجب بأصل الشرع على كل مكلف ـ بالشرائط المعتبرة في الحج ـ [١] في العمر مرة.

______________________________________________________

ماله ، وكان لك تسع بما أتعبت من بدنك » (١). وفي رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) : « للذي يحج عن رجل أجر وثواب عشر حجج » (٢). ولعلها في المتبرع دون الأجير ، كما عليه حمله في الوسائل.

فصل في أقسام العمرة‌

[١] هذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف. وفي كشف اللثام : « للإجماع ، والنص من الكتاب والسنة ، كقوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ) (٣). لشمول حجه للعمرة ، وتصريح الصادق (ع) عليه في صحيح ابن أذينة الذي في علل الصدوق. قال عمر ابن أذينة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ). يعني : به الحج دون العمرة؟ قال (ع) لا ، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعاً ، لأنهما مفروضان » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب العمرة حديث : ٧.

١٣٢

بالكتاب ، والسنة [١] ، والإجماع [٢]. ففي صحيحة زرارة : « العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فان الله تعالى يقول : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ .. » [٣]. وفي صحيحة الفضيل :

______________________________________________________

[١] كذا في كلام جماعة ، منهم كاشف اللثام ، والنراقي ، وصاحب الجواهر. لكن دلالة الكتاب على الوجوب غير ظاهرة ، فإن العمرة لم تذكر في الكتاب إلا في قوله تعالى ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ، فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. ) (١). والظاهر منه وجوب الإتمام ، لا وجوب العمرة. وإلا في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ .. ) (٢). ودلالته أخفى.

[٢] ادعى في الجواهر الإجماع بقسميه عليه. وفي المستند : « بالإجماع المحقق والمنقول مستفيضاً .. ». ونحوه كلام غيرهما. والمنسوب إلى العامة : القول بالاستحباب.

[٣] قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : ما الذي يلي الحج في الفضل؟ قال (ع) : العمرة المفردة ، ثمَّ يذهب حيث شاء. وقال (ع) : العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، لأن الله تعالى يقول : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ... ). وإنما نزلت العمرة بالمدينة » (٣).

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) البقرة : ١٥٨.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب العمرة حديث : ٢.

١٣٣

« في قول الله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ .. ). قال (ع) : هما مفروضان » [١]. ووجوبها ـ بعد تحقق الشرائط ـ فوري كالحج [٢]. ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحج ، بل تكفي استطاعتها في وجوبها ، وإن لم تتحقق استطاعة الحج [٣] كما أن العكس كذلك ، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها. والقول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما ، وأنهما‌

______________________________________________________

[١] كذا فيما يحضرني من نسخة الكتاب. لكن الظاهر أنها صحيحة الفضل أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) (١). والنصوص الواردة في وجوبها كثيرة. فراجع الوسائل وغيرها.

[٢] بلا خلاف أجده ، كما في الجواهر. وحكي عن السرائر : نفي الخلاف فيه ، وعن التذكرة : الإجماع عليه. ودليله كلية غير ظاهر ، لو لا الإجماع. وفي كشف اللثام ـ بعد ما حكى عن المبسوط والسرائر وجوب الفورية ـ قال : « لم أظفر بموافق لهم ولا دليل ، إلا على القول بظهور الأمر فيه .. ». نعم في عمرة التمتع ـ التي هي جزء من الحج ـ ظاهر ، لما دل على وجوبه فوراً ، فيدل على وجوبها كذلك. كما أنه بناء على أن مقتضى اللام وجوب الفورية ـ كما تقدم في مبحث نذر الحج ـ بدل قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ... ) على فورية العمرة ، بضميمة ما ورد في تفسير الحج فيها بما يشمل العمرة (٢).

[٣] هذا هو المشهور شهرة عظيمة ، كما يقتضيه إطلاق أدلة الوجوب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب العمرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب العمرة حديث : ٧. وقد تقدم ذكر الرواية في أول الفصل.

١٣٤

مرتبطان [١] ضعيف. كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة [٢].

______________________________________________________

[١] هذا القول حكاه جماعة. وفي الجواهر : « أرسله غير واحد. لكن لم أعرف قائله .. ». ووجه ضعفه ما عرفت ، من إطلاق أدلة الوجوب. وأن أدلة شرطية الاستطاعة منحصرة بما عرفت ، مما لا يصلح لإثبات شرطية الاستطاعة للحج في وجوب العمرة ، ولا للعكس.

[٢] هذا القول حكي عن الشهيد في الدروس ، قال فيها : « ولو استطاع لها خاصة لم تجب. ولو استطاع للحج مفرداً دونها فالأقرب الوجوب » واستدل له في كشف اللثام : بالأصل ، وظهور حج البيت في الآية في غير العمرة. ثمَّ قال : « وهو ممنوع .. ». ووجهه : ما عرفت من صحيح ابن أذينة (١). على أن قصور دلالة الآية على وجوب العمرة لا يقتضي قصور غيرها من أدلة الوجوب التي تقدمت. مع أن الكلام في شرطية الاستطاعة للحج في وجوبها ، لا في أصل وجوبها ، ثمَّ قال : « ولعدم ظهور وجوب إتمامها في وجوب إنشائها ، ومنع استلزامه له ». والاشكال فيه كسابقه. ثمَّ قال : « ولأنها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبلها وقبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة. ولم يذكر ذلك في خبر أو كتاب. وكان المستطيع لها وللحج إذا أتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام ، لاحتمال أن يموت ، أو لا تبقى استطاعته للحج إلى وقته .. ». ثمَّ أشكل عليه بقوله : « وفيه : أن المستطيع لها فرضه عمرة التمتع أو قسميه ، وليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلا عند الحج ، فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلاً. واحتمال‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب العمرة حديث : ٧. وقد تقدم ذكر الرواية في أول الفصل‌

١٣٥

( مسألة ٢ ) : تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة. بالإجماع [١] ، والاخبار [٢]. وهل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم يكن مستطيعاً للحج؟

______________________________________________________

الموت أو فوت الاستطاعة غير ملتفت إليه .. ».

[١] في الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه .. ». بل الإجماع محقق ، والسيرة القطعية تشهد به.

[٢] في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة » (١) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) في حديث ، قال : « قلت : فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ، أيجزئ ذلك؟ قال (ع) : نعم » (٢) ، وفي خبر البزنطي : « سألت أبا الحسن (ع) عن العمرة واجبة هي؟ قال. نعم. قلت : فمن تمتع يجزي عنه؟ قال (ع) : نعم » (٣) ، وصحيح يعقوب بن شعيب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : قال الله عز وجل : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ... ) ، يكفي الرجل ـ إذا تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ـ مكان تلك العمرة المفردة؟ قال : كذلك أمر رسول الله (ص) أصحابه » (٤) ، ومصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « العمرة مفروضة مثل الحج ، فاذا ادعى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة » (٥). ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب العمرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب العمرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب العمرة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب العمرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب العمرة حديث : ٦.

١٣٦

المشهور عدمه ، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات [١]. وهو الأقوى. وعلى هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة وإن كان مستطيعاً لها وهو في مكة. وكذا لا تجب على من تمكن منها ولم يتمكن من الحج لمانع. ولكن الأحوط الإتيان بها.

______________________________________________________

[١] كأنه يشير الى ما في المسالك ـ في شرح ما ذكره في الشرائع من تقسيم العمرة إلى متمتع بها ومفردة ، وأن الأولى تجب على من ليس في حاضري المسجد الحرام ، والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ـ قال (ره) : « يفهم من لفظ السقوط : أن المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف ، كما أن الحج مطلقاً يجب عليه ، وإنما يسقط عن التمتع إذا اعتمر عمرته تخفيفاً. ومن قوله : « والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام » : عدم وجوبها على النائي من رأس. وبين المفهومين تدافع ظاهر. وكأن الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة ، وكانت المفردة بسبب ذلك أكمل. وهي المشروعة بالأصالة ، والمفروضة قبل نزول آية التمتع ، فكانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها ، وهي بمنزلة الرخصة من العزيمة. ويكون قوله (ره) : « والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام » إشارة إلى ما استقر عليه الحال ، وصار هو الحكم الثابت بأصل الشرع. ففي الأول إشارة إلى ابتدائه ، والثاني إلى استقراره .. » قال في الجواهر ـ بعد نقله ـ : « وهو كالصريح في المفروغية عن عدم وجوب عمرة مفردة على النائي. ويؤيده ما ذكرناه .. ».

ويشير به إلى ما ذكره سابقاً من السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات ، أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج ، وعدم‌

١٣٧

______________________________________________________

الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج ، وقول المحقق في الشرائع وغيره ـ على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم ـ : أن العمرة قسمان : متمتع بها ، ومفردة ، والأولى فرض النائي ، والثانية فرض حاضري مكة ، وظهور كلامهم في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي ، لا أنه يجب عليه مع ذلك العمرة ..

واستدل له في المستند : بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة ، لأن الله تعالى يقول : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... ). فليس لأحد إلا أن يتمتع ، لأن الله أنزل ذلك في كتابه ، وجرت به السنة من رسول الله (ص) » (١). خرج منه ما خرج فيبقى الباقي. ويشكل : بأن الإطلاق المذكور يقتضي عموم مشروعية العمرة المفردة ، وذلك خلاف الضرورة ، فلا بد من التصرف فيه بحمله على المستطيع للحج إذا كان نائياً ـ كما يقتضيه ذيله ـ ولا مجال للبناء على إطلاقه ثمَّ الرجوع اليه عند الشك كما في المقام. وكأنه لذلك : ما حكي ـ في الجواهر عن معاصريه من العلماء وغيرهم ـ من وجوب عمرة مفردة على النائين النائبين عن غيرهم ، مع فرض استطاعتهم المالية. معللين : بأن العمرة واجبة على كل أحد ، والفرض استطاعتهم لها فتجب ..

اللهم إلا أن يقال بعد أن كانت العمرة قسمين تمتعاً وإفراداً ، فعمومات الوجوب على من استطاع العمرة لا تجدي في إثبات وجوب العمرة المفردة بالاستطاعة إليها. حتى يثبت إطلاق لدليل المشروعية ، يقتضي أن كل من استطاع إلى أي نوع من العمرة وجبت عليه ، والإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

١٣٨

______________________________________________________

المذكور مفقود. ولأن أدلة التشريع ـ التي يكون موضوعها الماهيات المخترعة ـ إنما تدل على وجوب المشروع لا غير ، وحينئذ لا يرجع إليها إلا بعد ثبوت حدود المشروع وقيوده عند الشارع. وهذا بخلاف أدلة التشريع المتعلقة بالمفاهيم العرفية ، فإن مفادها وإن كان ثبوت الحكم على المفهوم ، إلا أن الإطلاق المقامي يقتضي الرجوع إلى العرف في ثبوت الانطباق ، ولا يحتاج فيه إلى الرجوع الى الشارع فيه. فالخطاب المتعلق بالمفهوم العرفي والخطاب المتعلق بالمفهوم الشرعي وإن كانا على حد واحد في ثبوت الحكم للطبيعة ، لكن يختلفان في أن تطبيق الطبيعة وتحقيق الصغرى في الأول راجع إلى العرف ، وفي الثاني راجع الى الشرع. فالخطاب المتضمن وجوب العمرة وأنها مفروضة لا يرجع اليه إلا بعد بيان الشرع انطباقه لتحقق الصغرى ، والعرف لا مجال له. فالدليل المتضمن : أن العمرة مفروضة على من استطاع إليها ، أو الحج مفروض على من استطاع اليه ، لا يرجع اليه إلا بعد بيان المراد من الحج ومن العمرة. وكذلك الخطاب بوجوب الصلاة والصوم.

وبالجملة : بعد أن كانت العمرة عمرتين : عمرة التمتع ، وعمرة الافراد ، فان كان النائي عن مكة عمرته عمرة الافراد فاذا استطاع إليها وجبت ، وان كانت عمرته عمرة التمتع فاستطاعته إلى عمرة الافراد لا تكفي في وجوبها ولا بد فيه من استطاعته إليها ، ولا تكون إلا باستطاعته الى الحج. فاذا تردد ما هو وظيفة النائي بين العمرتين ، ولم يكن مستطيعاً لعمرة التمتع فقد شك في وجوب العمرة عليه ، والمرجع حينئذ أصل البراءة.

نعم قد يوهم صحيح يعقوب بن شعيب ـ المتقدم في أدلة وجوب العمرة ـ : أن المتمتع عليه عمرة الإفراد ، لكن عمرة التمتع تجزئ عنها‌

١٣٩

( مسألة ٣ ) : قد تجب العمرة بالنذر ، والحلف ، والعهد ، والشرط في ضمن العقد ، والإجارة ، والإفساد [١].

______________________________________________________

لا أنها فرضه (١). لكن يعارضه في ذلك صحيح الحلبي (٢) ، ومصحح أبي بصير (٣) المتقدمان. بل صحيح معاوية (٤) ، وخبر البزنطي (٥) أيضاً ، لظهور الاجزاء في ذلك. مع أن الظاهر أن قوله (ع) في صحيح يعقوب بن شعيب : « كذلك أمر رسول الله (ص) يدل على أن التعبير فيه بالاجزاء عن العمرة المفردة جاز على ما عند المخالفين من أن الواجب هو العمرة المفردة ، وعدم إجزاء التمتع عنها ، فيدل على أن الواجب هو عمرة التمتع ـ لا أن الواجب العمرة المفردة ـ لأن المتمتع بها غير واجبة نفسياً وإنما تجب غيرياً للحج. أو أنها تجب نفسياً ، فيكون المستطيع عليه عمرتان ، تجزئ المتمتع بها عن نفسها وعن المفردة. بل الظاهر أن السؤال في الروايات المتقدمة كلها جار على منوال واحد ، للشبهة التي جاءت من جهة مذهب المخالفين. وحينئذ تكون كلها دالة على أمر واحد وهو أن الواجب هو عمرة التمتع للمتمتع من دون تعارض بينها في ذلك وإن كانت لا تدل على ما نحن فيه ، لأنها واردة في الحاج لا فيما نحن فيه ، لكنها توجب الشك في التطبيق ، الموجب للرجوع إلى أصل البراءة بعد سقوط الإطلاقات.

[١] قال في الشرائع : « وقد تجب ـ يعني : العمرة ـ بالنذر ، وما في معناه ، والاستيجار ، والإفساد ، والفوات .. ». ويريد بالفوات : فوات الحج ، فان من فاته الحج وجب عليه التحلل بعمرة ـ كما قطع به بعضهم ـ وربما يأتي في محله. والوجه في جميع ذلك ظاهر‌

__________________

(١) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة : فلاحظ‌

(٢) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة : فلاحظ‌

(٣) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة : فلاحظ‌

(٤) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة : فلاحظ‌

(٥) تقدم ذكر الروايات المشار إليها في صدر المسألة : فلاحظ‌

١٤٠