مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

والأحوط الأول [١] ، وإن كان الأقوى الثاني ، لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة‌[٢] ،

______________________________________________________

قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما بصنع أهل مكة. فإن أقاموا شهراً فان لهم أن يتمتعوا. قلت : من أين؟ قال (ع) : يخرجون من الحرم. قلت : من أين يهلون بالحج؟ قال (ع) : من مكة نحواً مما يقول الناس » (١) ، ورواية حماد : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أهل مكة ، أيتمتعون؟ قال (ع) : ليس لهم متعة. قلت : فالقاطن بها؟ قال (ع) : إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة. قلت : فان مكث شهراً؟ قال (ع) : يتمتع. قلت : من أين؟ قال (ع) : يخرج من الحرم » (٢) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة ، أو الحديبية أو ما أشبههما » (٣).

[١] لأن فيه جمعاً بين الأقوال.

[٢] وفيه : أنها دعوى مجردة عن الدليل. ومثله دعوى : عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب. فان المحقق في محله أنها إذا وردت في مقام الطلب فهي ظاهرة في الوجوب.

واستشكل في الرياض في الخبر بضعف السند بالمعلى بن محمد البصري : وضعف الدلالة من جهة أن قوله (ع) : « إن شاء » ظاهر في عدم الوجوب. لكن ضعف السند ـ لو تمَّ ـ منجبر بالعمل. وقوله (ع) : « إن شاء » ظاهر في أنه راجع إلى التمتع ، لا إلى الخروج. لأن الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣‌

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ١.

١٨١

______________________________________________________

أن عدله : « وإن لم يشأ لم يخرج » ، وذلك إنما يصح فيما يجوز فعله وتركه ـ وهو التمتع ـ لا فيما لا بد من فعله أو فعل غيره ، كما في أحد أفراد الواجب ، وهو الخروج. ولعله ظاهر بأقل تأمل.

وعلى هذا يكون مقيداً لإطلاق المطلق من النصوص المستدل بها على القول الثاني ، كمرسل حريز. لو تمَّ حجة في نفسه ، ولم يقدح في دلالته وروده في العمرة المفردة ، التي لا إشكال في عدم لزوم الإحرام لها من الميقات. وأما موثق سماعة فالأمر بالخروج فيه إلى ذات عرق أو عسفان لا بد من التصرف فيه ، لعدم القائل به بالخصوص. فاما أن يحمل على أن ذكر عسفان وذات عرق من باب ذكر أحد أفراد الطبيعة المجزية. أو يحمل على أن المخاطب به كان من النائين الذين مهلهم ذات عرق أو عسفان. والثاني أقرب إلى الجمع العرفي. اللهم إلا أن يقال : عسفان ليست من المواقيت ، لأنها ـ كما قيل ـ على مرحلتين من مكة لمن قصد المدينة ، بين مكة والجحفة. لكن على ذلك تكون الموثقة مخالفة للإجماع ، فلا مجال للاعتماد عليها.

وأما خبر إسحاق بن عبد الله : « من مسيرة ليلة أو ليلتين » فإن أريد به ظاهره فمخالف للإجماع ، وإن أريد به المواقيت المختلفة بالقرب والبعد فليس فيها ما هو مسيرة ليلة على ما ذكروه. فلاحظ كلماتهم في تعيين المواقيت. مع أنه كان اللازم أن يقال : أو ثلاث أو أكثر ـ على اختلاف المواقيت في المسافة ـ ولا وجه للاقتصار على الليلة والليلتين. على أن حملها على التقسيم حينئذ ممكن ، جمعاً بينها وبين خبر إسحاق ـ كما تقدم في الموثق ـ فتكون الليلة لمن كان ميقاته على مسيرة ليلة ، والليلتان لمن كان ميقاته على مسيرة ليلتين ، ومن كان ميقاته على أكثر من ذلك كان إحرامه منه.

١٨٢

وأخبار الجاهل والناسي [١] ، وأن ذكر المهل من باب أحد الافراد. ومنع خصوصية للمرور في الأخبار العامة الدالة على المواقيت. وأما أخبار القول الثالث ـ فمع ندرة العامل بها [٢] ـ مقيدة بأخبار المواقيت [٣]. أو محمولة على صورة التعذر [٤]

______________________________________________________

[١] دعوى ذلك بلا قرينة ، كما تقدم في خبر سماعة. ومثله ما بعده.

[٢] لما عرفت من أنه لم ينقل ذلك إلا عن الحلبي إلى زمان المحقق الأردبيلي فاستظهره : واستحسنه في الكفاية ، ولم ينسب ذلك لغيرهم.

[٣] العمدة ـ في الأخبار المذكورة ـ هو الصحيح. وجعله من قبيل المطلق ـ الصالح للتقييد بأخبار المواقيت ـ غير ظاهر ، لاختلاف المورد ـ كما عرفت ـ فإنها مختصة بأهل الآفاق ، والصحيح مورده المقيم بمكة. نعم ـ بناء على ما عرفت من تمامية دلالة خبر سماعة الأول ـ يصلح لتقييد الصحيح ، لاتحاد المورد. ومع ذلك هو بعيد ، بل الجمع العرفي يقتضي الأخذ بظاهر الصحيح ، وحمل الخبر على الاستحباب.

[٤] لا قرينة عليه ، ولا الجمع العرفي يقتضيه. هذا والمتحصل مما ذكرنا : أن العمدة في القول الأول : خبر سماعة. ودلالته لا قصور فيها ، وضعف سنده منجبر بالعمل ، وما ذكر له من المعاضد غير ظاهر. وأن العمدة في القول الثاني : هو الأخبار ، والمرسل منها ـ وإن كانت دلالته تامة ـ قاصر السند ، والموثق ـ وإن كان معتبر الاسناد ـ قاصر الدلالة. وخبر إسحاق قاصر السند والدلالة. وأما القول الثالث فالعمدة فيه الصحيح فان لم يكن موهوناً بالاعراض كان المتعين الأخذ به ، وحمل خبر سماعة الأول على الاستحباب ـ كما هو الغالب في المتعارضين في الأقل والأكثر ـ وإن كان موهوناً بالاعراض لم يصح الاعتماد عليه. لكن الاعراض غير‌

١٨٣

ثمَّ الظاهر أن ما ذكرنا حكم كل من كان في مكة وأراد الإتيان بالتمتع ولو مستحباً [١].

هذا كله مع إمكان الرجوع الى المواقيت ، وأما إذا تعذر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل [٢]. بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكن من خارج الحرم مما هو دون الميقات. وإن لم‌

______________________________________________________

ثابت ، فرفع اليد عن الصحيح لا وجه له.

[١] فان ظاهر أكثر النصوص ، إما العموم ، أو خصوص المستحب ، وأما أهل مكة إذا أرادوا التمتع ـ استحباباً ، أو وجوباً ، بنذر أو نحوه ـ فمقتضى إطلاق ما دل على أن من كان منزله دون الميقات أحرم من منزله ـ بناء على عمومه لأهل مكة ، كما سيأتي في الميقات السابع في مبحث المواقيت ـ أن يكون إحرامهم لعمرة التمتع من مكة. لكن الظاهر التسالم على خلافه. وقد يقتضي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر ، أحرم من الجعرانة ، أو الحديبية أو ما أشبههما قال : وإن رسول الله (ص) اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها من ذي القعدة .. » (١) : أن ميقاتهم أدنى الحل ـ بناء على عمومه لمطلق العمرة ـ كما هو الظاهر. ولا ينافيه قوله (ع) : « وإن رسول الله (ص) .. ». لصحة الاستشهاد به وإن كان اعتماره (ص) كان عمرة مفردة ، كما سيأتي التعرض لذلك في آخر فصل المواقيت.

[٢] جعله في المدارك ـ وكذا ما بعده ـ مما قطع به الأصحاب. ويظهر من كلمات غيره أنه مفروغ عنه. وكأن الاحتياط ـ الذي ذكر في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ١ ، ٢.

١٨٤

يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه. والأحوط الخروج الى ما يتمكن.

فصل

صورة حج التمتع على الإجمال : أن يحرم ـ في أشهر الحج ـ من الميقات ، بالعمرة المتمتع بها الى الحج ، ثمَّ يدخل مكة ، فيطوف فيها بالبيت سبعاً ، ويصلي ركعتين في المقام ، ثمَّ يسعى لها بين الصفا والمروة سبعاً ، ثمَّ يطوف للنساء احتياطاً ـ وإن كان الأصح عدم وجوبه [١] ـ ، ويقصر. ثمَّ ينشئ إحراماً للحج من مكة في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة ـ والأفضل إيقاعه يوم التروية ـ ثمَّ يمضي الى عرفات فيقف‌

______________________________________________________

المتن ـ للارتياب في ذلك ـ ولكن كان اللازم ذكر الاحتياط ، بتجديد التلبية في أدنى الحل في الفرض الأول ، وفي مكة في الثاني.

فصل‌

[١] بل قيل : لا خلاف فيه ، أو إجماعاً عليه. ويشهد له كثير من النصوص الصحيحة وغيرها. منها : صحيح صفوان بن يحيى قال : « سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، فطاف وسعى وقصر ، هل عليه طواف النساء؟ قال (ع) : لا. إنما طواف النساء بعد الرجوع من‌

١٨٥

بها من الزوال الى الغروب ، ثمَّ يفيض ويمضي منها الى المشعر فيبيت فيه ، ويقف به بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، ثمَّ يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة ، ثمَّ ينحر أو يذبح هديه ، ويأكل منه [١] ، ثمَّ يحلق أو يقصر ، فيحل من كل شي‌ء ، إلا النساء والطيب. والأحوط اجتناب الصيد أيضاً [٢] وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام. ثمَّ هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه ، فيطوف طواف الحج ، ويصلي‌

______________________________________________________

منى » (١). وعن بعض وجوبه ، ولم يعرف ، كما قيل. لخبر سليمان ابن حفص المروزي عن الفقيه (ع) قال : « إذا حج الرجل ، فدخل مكة متمتعاً ، فطاف بالبيت ، وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (ع) ، وسعى بين الصفا والمروة ، وقصر ، فقد حل له كل شي‌ء ما خلا النساء. لأن عليه ـ لتحلة النساء ـ طوافاً وصلاة » (٢).

[١] ويهدي بعضه ، ويتصدق ببعضه ، على الأحوط ، كما يأتي في محله.

[٢] لما في صحيح معاوية (٣) ، فإن ظاهره حرمة الصيد بعد الحلق كالطيب والنساء. وهو محمول على الحرمة من حيث الحرم لا الإحرام ، لعموم ما دل على أنه يتحلل بالحلق من كل شي‌ء إلا الطيب والنساء.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٢ من أبواب الطواف حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٨٢ من أبواب الطواف حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الحق حديث : ١ لكنه انما يدل على حرمة الصيد بعد طواف النساء بعد ان يستثني بعد الحلق خصوص الطيب والنساء ، فيمكن ان يدعى ان ذلك قرينة على إرادة الحرمة من حيث الحرم لا الإحرام بلا حاجة الى العمومات الأخرى. ولعل المقصود رواية أخرى له لم نعثر عليها.

١٨٦

ركعتيه ، فتحل له النساء. ثمَّ يعود إلى منى لرمي الجمار ، فيبيت بها ليالي التشريق ـ وهي الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ـ ويرمي في أيامها الجمار الثلاث. وأن لا يأتي إلى مكة ليومه ، بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ـ ومثله يوم الثاني عشر ـ ثمَّ ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء والصيد. وإن أقام إلى النفر الثاني ـ وهو الثالث عشر ـ ولو قبل الزوال ـ لكن بعد الرمي ـ جاز أيضاً. ثمَّ عاد إلى مكة للطوافين والسعي ، ولا إثم عليه في شي‌ء من ذلك ، على الأصح [١]. كما أن الأصح الاجتزاء‌

______________________________________________________

[١] يقتضيه ما تضمن نفي البأس عن التأخير ، كمصحح إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث؟ قال (ع) : تعجيلها أحب إلي. وليس به بأس إن أخره » (١) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر ، إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض » (٢) ونحوهما غيرهما.

وعن جماعة : المنع من التأخير ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال (ع) : يوم النحر » (٣) ، وصحيح منصور بن حازم : « سمعت أبا عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ٥.

١٨٧

بالطواف والسعي تمام ذي الحجة [١]. والأفضل الأحوط هو اختيار الأول ، بأن يمضي إلى مكة يوم النحر. بل لا ينبغي التأخير لغده ـ فضلاً عن أيام التشريق ـ إلا لعذر.

ويشترط في حج التمتع أمور :

أحدها : النية بمعنى : قصد الإتيان بهذا النوع من‌

______________________________________________________

يقول : لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت » (١). ونحوهما غيرهما. والجمع العرفي يقتضي حمل هذه النصوص على كراهة التأخير ، أو استحباب التقديم ، كما هو ظاهر.

[١] أما الأول فتقتضيه جملة من النصوص ، مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح. قال (ع) : لا بأس. أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق » (٢) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق ، إلا أنك لا تقرب النساء ، ولا الطيب » (٣).

قال في الذخيرة : « واختلف الأصحاب في جواز التأخير عن الغد للمتمتع اختياراً ، فذهب المفيد والمرتضى وسلار والمحقق ـ في موضع من الشرائع ـ إلى عدم الجواز ، واختاره المصنف ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا. وقال ابن إدريس : يجوز التأخير طول ذي لحجة. وهو الظاهر من كلام الشيخ في الاستبصار ، واختاره المصنف في المختلف ، ونسب إلى سائر المتأخرين. وعن ابن أبي عقيل : يكره للمتمتع تأخيره يوم النحر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب زيارة البيت حديث : ٣.

١٨٨

الحج ـ حين الشروع في إحرام العمرة [١] ، فلو لم ينوه ، أو نوى غيره ، أو تردد في نيته بينه وبين غيره لم يصح.

______________________________________________________

وذهب المحقق ـ في موضع من الشرائع ـ إلى جواز تأخيره إلى النفر الثاني. والأقرب جواز تأخيره إلى النفر الثاني. والقول بجوازه طول ذي الحجة غير بعيد ».

وأما جواز التأخير إلى آخر ذي الحجة ، فالظاهر الإجماع عليه على تقدير القول بجواز التأخير الى ما بعد أيام التشريق. وقد استدل في الذخيرة عليه بقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ... ) (١). وقد سبق : أن شهر ذي الحجة كله من أشهر الحج ، فيجوز إيقاع أفعال الحج فيه .. أقول : يمكن الاستدلال عليه بإطلاق ما دل على جواز التأخير إلى ما بعد أيام التشريق ، فإنه يقتضي جواز التأخير حتى بعد ذي الحجة. لكنه خارج بالإجماع. وتحقيق ذلك كله موكول إلى محله.

[١] قال في المسالك : « قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم. وظاهرهم أن المراد بها نية الحج بجملته. وفي وجوبها كذلك نظر ». ووجه النظر : ما أشار إليه في المدارك ، من أن مقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة. وهو غير واضح ، والأخبار خالية عن ذلك كله .. وعن الدروس : أن المراد بها نية الإحرام. وفي المسالك : « وهو حسن ، إلا أنه كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال ، وكما تجب النية له تجب لغيره ، ولم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص .. ».

أقول : أما ما ذكر في الدروس فبعيد عن ظاهر كلامهم ، فإن‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

١٨٩

نعم في جملة من الاخبار : أنه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز أن يتمتع بها [١]. بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى‌

______________________________________________________

الشروط المذكورة شروط لحج التمتع ، فالمتعين أن يكون المراد بها نية نفس الحج كما في المتن ، وهو ظاهر كلماتهم. وأما ما ذكر في المسالك من النظر ففيه أيضاً نظر ، إذ لا مانع من أن يكون كل واحد من أفعال الحج عبادة محتاجة إلى نية ، والمجموع عبادة محتاجة إلى نية.

وبالجملة : لا ينبغي التأمل في أن الجزء الأول من حج التمتع هو الإحرام للعمرة بها ، فوقوعه بعنوان حج التمتع يتوقف على نية حج التمتع ، فان كان إشكال لزوم الجمع بين النيتين وارداً كان إشكالاً على اعتبار النية في كل فعل من الأفعال ، لا اعتبار نية الحج. ويشهد بما ذكر النصوص ، ففي صحيح البزنطي : « قلت لأبي الحسن علي بن موسى (ع) : كيف أصنع إذا أردت التمتع؟ فقال (ع) : لب بالحج ، وانو المتعة » (١) ، وصحيحه الآخر عن أبي الحسن (ع) : « سألته عن رجل متمتع ، كيف يصنع؟ قال (ع) : ينوي العمرة ، ويحرم بالحج » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] في الجواهر : « بلا خلاف أجده ، بل الإجماع محكي ـ صريحاً وظاهراً ـ عليه في جملة من الكتب ، كالخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى ، وغيرها ». واستفادة المشروعية من النصوص من جهة حملها على ذلك ، وإلا فظاهرها الانقلاب كما سيأتي. نعم في مرسل موسى بن القاسم ـ الآتي ـ الأمر به ، ودلالته على المشروعية ظاهرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الإحرام حديث : ١.

١٩٠

هلال ذي الحجة [١] ، ويتأكد إذا بقي إلى يوم التروية [٢] ، بل عن القاضي وجوبه حينئذ. ولكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه [٣]. ففي موثق سماعة عن الصادق (ع) : « من‌

______________________________________________________

[١] ظاهر جماعة ثبوت الاستحباب قبل ذلك. قال في القواعد : « ولو اعتمر في أشهر الحج استحب له الإقامة ليحج ويجعلها متعة .. ». ونحوه كلام غيره. وفي الشرائع عبر بالجواز ، كعبارة المصنف. ولعل المراد ذلك ، إذ لا معنى لجواز ذلك إلا الإتيان بالحج بعد العمرة ، ولا ريب في أنه عبادة راجحة. نعم يتأكد ذلك إذا بقي إلى هلال ذي الحجة لما يأتي في صحيح عمر بن يزيد.

[٢] لما يأتي في صحيح عمر بن يزيد الأخير.

[٣] وفي الجواهر : « إنه قول نادر ، فالمتجه حمله على الكراهة ». والعمدة : وجود النصوص على خلافه ، ففي الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمراً ثمَّ خرج إلى بلاده؟ قال (ع) : لا بأس. وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم. وإن الحسين بن علي (ع) خرج يوم التروية إلى العراق وكان معتمراً » (١) وفي خبر معاوية بن عمار : قلت لأبي عبد الله (ع) : من أين يفترق المتمتع والمعتمر؟ فقال (ع) : إن المتمتع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين (ع) في ذي الحجة ، ثمَّ راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى. ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج » (٢). ودلالتهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٣.

١٩١

حج معتمراً في شوال ومن نيته أن يعتمر ، ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك. وإن هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة. فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة ، ومن رجع الى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة. وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع ، وإنما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج ، فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان ، فيدخل متمتعاً بعمرته إلى الحج. فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها » [١]. وفي صحيحة عمر بن يزيد

______________________________________________________

عن على عدم لزوم التمتع ظاهرة.

واحتمال الضرورة في فعل الحسين (ع) ـ كما في كشف اللثام ، وحكاه في الدروس عن بعض ـ خلاف ظاهر الخبرين من الاستدلال بفعله (ع) على الحكم حال الاختيار ، فلو فرض ثبوت الاضطرار ـ كما هو المظنون ، وتشهد به بعض الأخبار ـ فليس دخيلاً في الحكم. وأما ما في بعض كتب المقاتل : من أنه (ع) جعل عمرته عمرة مفردة ، مما يظهر منه أنها كانت عمرة تمتع وعدل بها إلى الافراد. فليس مما يصح التعويل عليه في مقابل الأخبار المذكورة التي رواها أهل الحديث.

[١] رواه الصدوق (ره) بإسناده عن سماعة (١). وإسناده صحيح ، أو مصحح.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ١٣.

١٩٢

أبي عبد الله (ع) : « من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله. الا أن يدركه خروج الناس يوم التروية » [١]. وفي قوية عنه (ع) : « من دخل مكة معتمراً مفرداً للحج فيقضي عمرته كان له ذلك. وإن أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة. قال (ع) : وليس تكون متعة إلا في أشهر الحج » [٢]. وفي صحيحة عنه (ع) : « من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة ، فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس » [٣]. وفي مرسل موسى بن القاسم : « من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع » (١) إلى غير ذلك من الأخبار [٤].

______________________________________________________

[١] رواها الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد (٢). وإسناده إليه له طرق ، بعضها في أعلى مراتب الصحة.

[٢] رواها الشيخ (ره) عن موسى بن القاسم ، عن محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله (ع) (٣).

[٣] رواها الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن الحسين بن حماد ، عن إسحاق ، عن عمر بن يزيد (٤). وقد وصف المصنف (ره) هذه الرواية بالصحة ، وكذا في الجواهر. ولكنه غير ظاهر.

[٤] مثل صحيح يعقوب بن شعيب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) :

__________________

(١) لم نعثر عليه في الوسائل والمستدرك.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٦.

١٩٣

وقد عمل بها جماعة ، بل في الجواهر : لا أجد فيه خلافاً. أو مقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة ، بل الظاهر من بعضها : أنه يصير تمتعاً قهراً من غير حاجة إلى نية التمتع بها بعدها [١] ، بل يمكن أن يستفاد منها :

______________________________________________________

عن المعتمر في أشهر الحج. قال (ع) : هي متعة » (١) ، وخبر وهيب بن حفص قال : « سأله أبو بصير ـ وأنا حاضر ـ عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج ، أله أن يرجع؟ قال (ع) : ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله ، ولكنه يحتبس بمكة متى يقضي حجه ، لأنه إنما أحرم لذلك » (٢) ، وصحيح عبد الله بن سنان : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) : عن المملوك يكون في الظهر يرعى ، وهو يرضى أن يعتمر ثمَّ يخرج؟فقال : إن كان اعتمر في ذي القعدة فحسن ، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلا الحج » (٣) ، وغير ذلك.

[١] لا ريب في دلالة قوله (ع) : « هي متعة » ونحوه ـ في النصوص المتقدمة وغيرها ـ على الانقلاب القهري. واعترف بذلك في الجواهر ، إلا أنه لم يجد قائلاً به ، فلذلك تعين حمل النصوص على إرادة نية ذلك. مضافاً إلى أن الانقلاب لو كان قهرياً كان الإتمام واجباً ولم يجز الخروج إلى أهله ، وهو خلاف النص والفتوى. وأيضاً لا يصح له حج الافراد ، وهو خلاف صريح خبر اليماني (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ٢. وقد تقدم ذكر الرواية قريباً فلاحظ‌

١٩٤

أن التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج ، بأي نحو أتى بها. ولا بأس بالعمل بها [١]. لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي [٢] ، ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثمَّ أراد أن يجعلها عمرة التمتع ، يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه ، سواء كان حجة الإسلام ، أو غيرها مما وجب بالنذر أو الاستيجار.

الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجه في أشهر الحج فلو أتى بعمرته ـ أو بعضها ـ في غيرها لم يجز له أن يتمتع بها [٣]. وأشهر الحج : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة بتمامه‌

______________________________________________________

[١] لكن ينافيها ما تقدم في الخبر اليماني. مضافاً إلى ما عرفت من الإجماع على اعتبار النية في حج التمتع في مقابل غيره. ويقتضيه اختلاف الأحكام الدال على اختلاف الموضوعات.

[٢] فان النصوص إنما تضمنت الأمر بجعل العمرة المفردة متعة وإلحاقها بحج التمتع ، وليس لها نظر إلى تنزيله منزلة حج التمتع الواجب وكونه مصداقاً له مطلقاً ، فتفرغ به الذمة. وحينئذ يتعين الاقتصار على الندب لا غير. وبالجملة : الفرد المذكور لما لم يكن فرداً حقيقياً وإنما كان تنزيلياً ، فشموله للواجب يتوقف على عموم نظر التنزيل ، وهو غير ثابت.

[٣] بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كذا في الجواهر. وفي المدارك : « هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب .. » ، وفي الحدائق : « لا خلاف فيه بينهم .. ». ويقتضيه النصوص الكثيرة ، كصحيح عمر بن يزيد المتقدم ، وموثق سماعة ، وغيرهما.

١٩٥

على الأصح [١]. لظاهر الآية [٢] ، وجملة من الأخبار ، كصحيحة معاوية بن عمار ‌[٣] ، وموثقة سماعة‌ [٤] ، وخبر زرارة‌ [٥]. فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأول‌

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع وغيرها ، وحكي عن الشيخين في الأركان والنهاية وابني الجنيد وإدريس ، والقاضي في شرح الجمل.

[٢] وهي قوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ... ) (١). فان الشهر ظاهر في تمامه.

[٣] رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : إن الله تعالى يقول : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ .. ) ، وهي : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة » (٢).

[٤] المتقدمة في المتن (٣).

[٥] الذي رواه الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن مثنى الحناط ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) : « قال (ع) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شوال ، وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهن » (٤) ، وصحيح أبان الذي رواه الصدوق عنه عن أبي جعفر (ع) : « في قول الله عز وجل : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ... ). قال : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب العمرة حديث : ١٣. وقد تقدم ذلك قريباً فلاحظ‌

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

١٩٦

من ذي الحجة ـ كما عن بعض [١] ـ أو مع ثمانية أيام ـ كما عن آخر [٢] ـ أو مع تسعة أيام وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره ـ كما عن ثالث [٣] ـ أو إلى طلوع شمسه ـ كما عن رابع [٤] ـ ضعيف [٥]. على أن الظاهر أن النزاع لفظي [٦] ، فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة‌

______________________________________________________

وليس لأحد أن يحرم بالحج فيما سواهن » (١). ونحوها غيرها.

[١] حكى في الجواهر ذلك عن الحسن والتبيان والجواهر وروض الجنان.

[٢] حكي عن ابن زهرة في الغنية ، لأنه جعلها الشهرين وتسع ليال فيخرج التاسع. وعن الكافي : وثمان ليال ، فيخرج الثامن.

[٣] حكي عن المبسوط ، والخلاف ، والوسيلة ، والجامع. ونسب إلى ظاهر جمل العلم والعمل ، والمصباح ، ومختصره ، ومجمع البيان ، ومتشابه القرآن. لأنه عبر فيها بأنها الشهران ، وعشر من ذي الحجة بالتأنيث ، الظاهر في أن المراد الليالي ، فيخرج اليوم العاشر.

[٤] قيل : إنه ابن إدريس في موضع.

[٥] لما عرفت من النصوص. هذا بناء على أن النزاع معنوي.

[٦] كما اعترف به جماعة. قال في محكي المنتهى : « وليس يتعلق بهذا الخلاف حكم .. » ، وعن المختلف : « التحقيق : أن هذا النزاع لفظي .. ». ومثلهما كلام غيرهما. وفي الجواهر : « الظاهر لفظية الاختلاف في ذلك ـ كما اعترف به غير واحد ـ للاتفاق على أن الإحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة ـ وكذا عمرة التمتع ـ وعلى إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة وأفعال أيام منى ولياليها .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨.

١٩٧

فيمكن أن يكون مرادهم : أن هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج [١].

( مسألة ١ ) : إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصداً بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعاً. لكن هل تصح مفردة ، أو تبطل من الأصل؟ قولان. اختار الثاني في المدارك ، لأن ما نواه لم يقع ، والمفردة لم ينوها [٢]. وبعض اختار الأول ، لخبر الأحول عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج. قال : يجعلها عمرة » (١).

______________________________________________________

[١] يعني : إنشاءه ، فلا يمكن الشروع فيه إذا انتهت. نعم يبقى الإشكال في جعل الثمان ليالي ، أو التسع والثمانية أيام ، أو التسعة أيام وليلة يوم النحر ، آخر الوقت ، لعدم صحة ذلك.

[٢] قال في المدارك ـ في شرح قول ماتنه : « ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز التمتع بها .. » ـ : « وربما لاح من العبارة : أن من أحرم بالعمرة بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها. وبه جزم العلامة في التذكرة والمنتهى ، من غير نقل خلاف. بل صرح في المنتهى بما هو أبلغ من ذلك ، فقال : « إن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه للحج ، وانعقد للعمرة ». واستدل له بما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر الأحول .. ». ثمَّ احتمل حمل قوله (ع) : « يجعلها عمرة » ، على معنى : أنه ينشئ عمرة لا أن يكون عمرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

١٩٨

وقد يستشعر ذلك من‌ خبر سعيد الأعرج [١] : « قال أبو عبد الله (ع) : من تمتع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة. وإن تمتع في غير أشهر الحج ثمَّ جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، إنما هي حجة مفردة. إنما الأضحى على أهل الأمصار » (١). ومقتضى القاعدة وإن كان هو ما ذكره صاحب المدارك ، لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض ، للخبرين. الثالث : أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة ، كما هو مشهور ، المدعى عليه الإجماع [٢]. لأنه المتبادر من‌

______________________________________________________

[١] قال في الجواهر ـ بعد نقل ما في المدارك ، وأنه تبعه عليه في كشف اللثام ، وتردد فيه في التحرير ـ : « وفيه : أنه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة. لكن لا بأس بالقول به ، للخبر المزبور ، مؤيداً بخبر سعيد الأعرج .. ». أقول : أما خبر الأحول فالمفروض فيه الحج في غير أشهر الحج ، لا العمرة. ولا ينافيه تأنيث الضمير في قوله (ع) : « فليجعلها عمرة » ، لجواز رجوعه إلى الحجة ، فلا يكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يتعدى عن مورده إلى ما نحن فيه. وأما خبر الأعرج فدلالته على انقلاب عمرة التمتع إلى العمرة المفردة ظاهرة ، لكن من جهة عدم وجوب حج التمتع على المجاور ، لا من جهة وقوعها في غير أشهر الحج ، فيكون منافياً للنصوص والإجماعات السابقة.

[٢] في المدارك : « لا خلاف فيه بين العلماء .. ». ونحوه :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

١٩٩

الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع [١] (١). ولقاعدة توقيفية العبادات [٢]. وللأخبار الدالة على دخول العمرة في الحج وارتباطها به [٣] ، (٢) والدالة على عدم جواز الخروج من مكة بعد العمرة قبل الإتيان بالحج [٤]. (٣) بل وما دل من الاخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم التروية ، أو يوم عرفة (٤) ونحوها [٥]. ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدم ،

______________________________________________________

ما عن المفاتيح. وعن غيره : « بلا خلاف يعلم .. » ، وفي كشف اللثام : حكاية الاتفاق عن ظاهر التذكرة عليه.

[١] لكنّ في كون التبادر المذكور على نحو يقتضي التقييد تأملاً.

[٢] لكن القاعدة المذكورة لا تقتضي وجوب الاحتياط ، كما هو معلوم من بنائهم على الرجوع إلى أصل البراءة عند الشك في الجزء والشرط.

[٣] لكن في كون المراد منه وقوعهما في سنة واحدة تأمل.

[٤] لكنه أعم من المدعى.

[٥] ستأتي هذه النصوص في المسألة الثالثة من هذا الفصل. وهي واردة في العدول عن عمرة التمتع إلى الافراد لضيق الوقت ، لا في أن من أتم عمرته وضاق وقته عن ادراك الحج بطلت متعته. ولذلك قال في كشف اللثام ـ بعد الاستدلال بالأدلة المذكورة عدا الأخير : « دلالة المجموع ظاهرة الضعف .. ». وفي المستند أيضاً استضعف دليلية ما عدا الأخير ، وجعل الدليل الأخير. وفيه : ما عرفت ، لكن الإنصاف أنها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج.

٢٠٠