مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

______________________________________________________

ذات عرق. وأظهر منه صحيح عمر بن يزيد السابق (١). وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « أول العقيق : بريد البعث وهو دون المسلخ بستة أميال ، مما يلي العراق. وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا ، بريدان » (٢) وفي مصححه الآخر عنه (ع) قال : « آخر العقيق : بريد أوطاس. وقال : بريد البعث دون غمرة ببريدين » (٣) وظاهر الأول : أن آخر العقيق إلى غمرة ، إذ لو كان زائداً على غمرة لذكر. وثانيهما قد يظهر منه أن ذات عرق ليست آخره. وإلا لكانت أولى بالذكر في مقام البيان ، لأنها أشهر وأعرف. كما أن مقتضى المصحح الأول : أن أوله قبل المسلخ. بستة أميال ، وهو يقتضي ظهور الثاني في ذلك أيضاً ، فيكونان مخالفين لما سبق في أول العقيق وآخره.

لكن مخالفتهما لما سبق في أوله خلاف الإجماع المحقق ـ على الظاهر ـ المصرح به في كلامهم ، فلا مجال للعمل بهما. وأما مخالفتهما لما سبق في آخره ـ وكذا مخالفة ما هو أظهر منهما في ذلك ، وهو خبر أبي بصير ، وصحيح عمر بن يزيد ـ فهي وإن لم تكن خلاف الإجماع ، فقد حكي القول بمضمونها عن علي بن بابويه وعن ولده في المقنع ، والشيخ في النهاية وعن الدروس متابعتهم ، وظاهر المدارك الميل إليها. إلا أنها مهجورة عند الأصحاب ، فإنها ـ مع ما هي عليه من صحة السند ، وقوة الدلالة في أكثرها ، ومخالفة العامة ـ لم يلتفتوا إليها ولم يعولوا عليها ، بل أعرضوا عنها وأهملوها ، وذلك موجب لسقوطها عن الحجية.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٢٦١

______________________________________________________

فان قلت : لعل وجه الاعراض عنها بناؤهم على الجمع بينها وبين الطائفة الأولى ، بالحمل على الأفضل. قلت : هو بعيد عن لسان تلك النصوص ـ ولا سيما مصحح عمر بن يزيد ـ فلا مجال لاحتمال ذلك منهم. ولأجل ذلك يشكل حمل نصوص المشهور على صورة التقية ، بشهادة ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، في جملة من كتبه إلى صاحب الزمان ( عليه وعلى آبائه الكرام أفضل الصلاة والسلام ) : « أنه كتب إليه يسأله : عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ، ويكون متصلا بهم ، يحج ويأخذ عن الجادة ، ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق ، فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة ، أم لا يجوز أن يحرم إلا من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب : يحرم من ميقاته ، ثمَّ يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، فاذا بلغ الى ميقاتهم أظهره » (١). فان التوقيع الشريف المذكور إن دل على خلاف المشهور فهو أيضاً مطروح. على أن ظاهره تعين الإحرام من المسلخ ، فلا بد أن يحمل على الفضل ، ويكون المراد من قول السائل فيه « يجوز .. أم لا يجوز » من جهة ترك الأفضل.

بل من المحتمل أن ذلك مراد علي بن بابويه ، فإن الذي استظهر في الحدائق : أنه أفتى بمضمون الرضوي المحكي عنه : أنه (ع) قال فيه ـ بعد أن ذكر أن العقيق أوله المسلخ ، ووسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأن أوله أفضل ، ثمَّ ذكر المواقيت الأخرى ـ (٢) : « ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلل أو تقية ، فإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٢٦٢

______________________________________________________

أن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق » (١). ومن المعلوم أن ما ذكره أخيراً ينافي ما ذكر أولا ، فمن المحتمل أن يحمل الأخير على إرادة ترك الأفضل.

وكذلك الصدوق في الفقيه ، مع أنه لم يذكر في المخالفين للمشهور. فإنه ـ بعد أن روى عن الصادق (ع) ما تقدم ـ ألحقه بقوله : « ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية. وإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس أن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق ». فان هذا المضمون عين مضمون الرضوي ، والكلام فيه قد سبق. وقال في المقنع : « ولأهل العراق العقيق. وأول العقيق : المسلخ ووسطه : غمرة ، وآخره : ذات عرق. ولا تؤخر الإحرام إلى ذات عرق إلا من علة. وأوله أفضله ». وقال الشيخ في النهاية : « وقت رسول الله (ص) لكل قوم ميقاتاً على حسب طرقهم ، فوقت لأهل العراق ـ ومن حج على طريقهم ـ العقيق. وله ثلاثة أوقات : أولها المسلخ ـ وهو أفضلها ، ولا ينبغي أن يؤخر الإنسان الإحرام منه إلا عند الضرورة ـ وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق. ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا عند الضرورة والتقية ، لا يتجاوز ذات عرق إلا محرماً على حال ». فهذه كلمات الجماعة الذين نسب إليهم الخلاف ، ولا يبعد حمل الجميع على الأفضل. وأما الشهيد في الدروس فقال : « ولأهل العراق العقيق. وأفضله المسلخ ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق. وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية : أن التأخير إلى ذات عرق للتقية أو المرض ، وما بين هذه الثلاثة من العقيق ، فيسوغ الإحرام منه ». فان آخر كلامه صريح في تجاوز العقيق عن غمرة إلى ذات عرق. وبالجملة : ما تضمن من النصوص‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٢٦٣

من جميع مواضعه اختياراً ، وأن الأفضل الإحرام من المسلخ ثمَّ من غمرة. والأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق إلا لمرض أو تقية ، فإنه ميقات العامة. لكن الأقوى ما هو المشهور. ويجوز ـ في حال التقية ـ الإحرام من أوله ـ قبل ذات عرق ـ سراً [١] ، من غير نزع ما عليه من الثياب الى ذات عرق ، ثمَّ إظهاره ولبس ثوبي الإحرام هناك [٢]. بل هو الأحوط. وإن أمكن تجرده ولبس الثوبين سراً ، ثمَّ نزعهما ولبس ثيابه الى ذات عرق ، ثمَّ التجرد ولبس الثوبين فهو أولى [٣].

______________________________________________________

خروج ذات عرق عن العقيق كاد أن يكون مخالفاً للاتفاق ظاهراً ، فلا مجال للأخذ به. فالأقوى ما عليه المشهور.

[١] كما تقدم ذلك في خبر الاحتجاج (١).

[٢] بناء على عدم كون لبسهما شرطاً في انعقاد الإحرام ، كما سيأتي.

[٣] بل لازم في تحصيل الاحتياط ، لوجوب لبسهما حال إنشاء الإحرام ، كما سيأتي. ثمَّ إنه إذا نزعهما ولبس ثيابه فمقتضى القاعدة وجوب الفداء للبس المخيط. لكن سكوت خبر الاحتجاج عن التعرض لذلك قد يظهر منه عدم وجوب الفداء لذلك. إلا أن يقال : إن الظاهر من الثياب فيه ثياب الإحرام ، بقرينة العطف بـ ( ثمَّ ) ، وعدم الأمر بالنزع حين الإظهار ، وليس المراد منها المخيط. فكان لبس ثياب الإحرام حين وقوعه منه بعنوان الاستعداد للإحرام لا بعنوان الإحرام ، وإظهاره بعد ذلك بالجهر بالتلبية لا تبديل اللباس. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب المواقيت حديث : ١٠. وقد تقدم ذلك قريباً. فلاحظ‌

٢٦٤

الثالث : الجحفة [١] ، وهي لأهل الشام ، ومصر ، والمغرب [٢] ،

______________________________________________________

[١] قال في كشف اللثام : « بجيم مضمومة ، فحاء مهملة ، ففاء : على سبع مراحل من المدينة ، وثلاث من مكة. كذا في تحرير النوري وتهذيبه. وفي تهذيبه : بينها وبين البحر ستة أميال. وقيل : بينها وبين البحر ميلان. ولا تناقض ، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة. وفي القاموس : كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلا من مكة. وفي المصباح المنير : منزل بين مكة والمدينة ، قريب من رابع ، بين بدر وخليص ».

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. ففي صحيح الخزاز : « ووقت لأهل المغرب الجحفة. وهي عندنا مكتوبة ، مهيعة » (١). وفي صحيح معاوية ابن عمار : « ووقت لأهل المغرب الجحفة ، وهي مهيعة » (٢). وفي صحيح الحلبي : « ووقت لأهل الشام الجحفة » (٣). وفي صحيح علي ابن جعفر (ع) : « وأهل الشام ومصر من الجحفة » (٤). وفي صحيح ابن رئاب : « ووقت لأهل الشام الجحفة » (٥). وفي صحيح رفاعة ابن موسى : « ووقت لأهل الشام المهيعة ، وهي الجحفة » (٦). ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

٢٦٥

ومن يمر عليها من غيرهم ، إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها [١].

الرابع : يلملم [٢] ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً محققاً ، حكاه جماعة. ويشهد به صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : « كتبت اليه إن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق ، وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل ، وعليهم في ذلك مئونة شديدة ، ويعجلهم أصحابهم ، وجمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء ، وهو منزلهم الذي ينزلون فيه ، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم وخفته عليهم؟ فكتب : إن رسول الله (ص) وقت المواقيت لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا تجاوز الميقات إلا من علة » (١).

وقد يستدل له : بأدلة نفي العسر والحرج (٢). وبالنبوي : « هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن » (٣). لكن في اقتضاء نفي العسر الصحة إشكال.

[٢] هو جبل ، كما في القواعد والمسالك وعن غيرهما. وعن إصلاح المنطق : أنه واد ، وكذا عن شرح الإرشاد للفخر. ويقال له : الملم ، بل قيل : إنه الأصل ، فخففت الهمزة. وقد يقال له : يرمرم. قيل : وهو على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا. وفي كتاب البلدان لليعقوبي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) دل على ذلك الايات والأخبار ، أما الآيات فهي على سبيل الإشارة كالآتي : البقرة : ١٨٥ ، المائدة : ٦ ، الحج : ٧٨ وأما الأخبار فهي : الوسائل باب : ٨ من أبواب الماء المطلق حديث : ١١ ، باب : ٣١ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٢٦٦

وهو لأهل اليمن [١].

الخامس : قرن المنازل [٢] ، وهو لأهل الطائف [٣].

______________________________________________________

« من مكة إلى صنعاء إحدى وعشرون مرحلة ، فأولها الملكان ، ثمَّ يلملم ـ ومنها يحرم حاج اليمن ـ ثمَّ الليث ، ثمَّ عليب .. ».

[١] بلا خلاف. وقد صرح بذلك في النصوص المتقدمة.

[٢] بفتح القاف ، وسكون الراء. قرية عند الطائف ، أو اسم الوادي كله ، كما في القاموس. قال : « وغلط الجوهري في تحريكه ، وفي نسبة أويس القرني إليه. لأنه منسوب إلى قرن ، بن دومان ، بن ناجية ، بن مراد .. ». وفي كشف اللثام : اتفق العلماء على تغليطه فيهما .. ». لكن في المستند : أنه لم يصرح بالتحريك ولا بالنسبة ، وإنما قال : والقرن : حي من اليمن ، ومنه أويس القرني. لكن في شرح القاموس : نص عبارة الصحاح : « والقرن موضع ، وهو ميقات أهل نجد. ومنه أويس القرني .. ». وفي مجمع البلدان : عن الصحاح أنه قال : « قرن ـ بالتحريك ـ ميقات .. ». ولعل نسخ الصحاح مختلفة. نعم في مجمع البحرين قال : « والقرن موضع ، وهو ميقات أهل نجد. ومنه أويس القرني ، ويسمى أيضاً : قرن المنازل ، وقرن الثعالب ». وهو عجيب بعد حكاية اتفاق العلماء على تغليط الجوهري.

هذا وفي كشف اللثام : إنه يقال له : قرن الثعالب ، وقرن بلا إضافة. وهو جبل مشرف على عرفات ، على مرحلتين من مكة. وقيل : قرن الثعالب غيره ، وأنه جبل مشرف على أسفل منى بينها وبين مسجده ألف وخمسمائة ذراع.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال. وقد صرحت بذلك النصوص ،

٢٦٧

السادس : مكة ، وهي لحج التمتع [١].

______________________________________________________

كصحيح الخزاز ، (١) وصحيح معاوية بن عمار (٢) ، وصحيح الحلبي (٣) وغيرها. وفي صحيح عمر بن يزيد : « ووقت لأهل المدينة : ذا الحليفة ولأهل نجد : قرن المنازل » (٤). وفي صحيح علي بن رئاب : « ووقت لأهل اليمن : قرن » (٥).

ولا بد من توجيه الأول ، بحمله على أن لنجد طريقين ، أحدهما يمر بالعقيق ـ كما يستفاد من النصوص ـ والآخر يمر بقرن المنازل. ولعل ذلك هو الوجه في الصحيح الثاني. ويحتمل حمل الأول على التقية ، لوجود ذلك في روايات المخالفين. وعلى كل لا معدل عن العمل بالنصوص السابقة.

[١] قال في المدارك : « قد أجمع العلماء كافة على أن ميقات حج التمتع مكة ». وفي المستند : « بلا خلاف كما قيل ، بل بإجماع العلماء ، كما في المدارك ، والمفاتيح ، وشرحه ، وغيرها ». وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده نصاً وفتوى ، بل في كشف اللثام : الإجماع عليه ».

واستدل له في المدارك وغيرها : بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أهل بالحج؟ فقال (ع) : إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق » (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٢٦٨

السابع : دويرة الأهل أي : المنزل ـ وهي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة [١].

______________________________________________________

وقد تقدم ـ في مبحث خروج المتمتع من مكة ـ بعض النصوص الدالة عليه. كما تقدم ما قد يشهد بخلافه. فراجع. لكن لا مجال للتأمل في الحكم بعد كونه من القطعيات الفقهية. وقد تقدم التعرض لذلك في فصل صورة حج التمتع.

[١] بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن المنتهى : أنه قول أهل العلم كافة إلا مجاهداً. كذا في الجواهر. ويشهد له النصوص الكثيرة ، كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله : « من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله » (١). قال في محكي التهذيب ـ بعد ما روى ذلك ـ : « وقال في حديث آخر : إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله » (٢). وصحيح عبد الله بن مسكان قال : حدثني أبو سعيد ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال (ع) : يحرم منه » (٣) وصحيح مسمع عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله » (٤). ونحوها غيرها.

قال في المدارك : « ويستفاد من هذه الروايات ، أن المعتبر القرب إلى مكة. واعتبر المصنف في المعتبر القرب الى عرفات. والأخبار تدفعه ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٢٦٩

بل لأهل مكة ـ أيضاً ـ على المشهور الأقوى [١] ـ وان استشكل فيه بعضهم ـ فإنهم يحرمون لحج القران والافراد‌

______________________________________________________

وهو كما ذكر. ولذلك قال في المسالك : « لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة ، وفي الحج بعرفة ، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت ». لكن لعل في القرب إلى مكة خصوصية في صحة إنشاء الإحرام.

نعم العمدة في الاشكال : أن المراد من القرب إلى مكة : أنه دون الميقات إلى جهة مكة ، وهذا يلازم كونه أقرب الى عرفات من الميقات فلا تفاوت بين العبارتين عملا ولا خارجاً ، وإن كان بينهما تفاوت مفهوماً.

[١] كما عن الرياض. وفي المستند : « بل حكيا عن بعض نفي الخلاف فيه ». والنصوص المتقدمة لا تشمله ، لاختصاصها بمن كان منزله بين مكة والميقات. نعم استدل عليه بالمرسل في الفقيه : « عن رجل منزله خلف الجحفة ، من أين يحرم؟ قال (ع) : من منزله » (١) وبالنبوي : « ومن كان دونهن فمهله من أهله » (٢). بل النصوص المذكورة وإن كان موردها غير أهل مكة ، لكن بمناسبة الحكم والموضوع يفهم منها : أن المراد من كان دون الميقات فمنزله ميقاته. ولعل من ذلك ـ ومن المرسل ـ يحصل الاطمئنان بالحكم. ولا سيما بملاحظة شهرته عند الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً.

لكن في صحيح أبي الفضل الحناط : « كنت مجاوراً بمكة ، فسألت أبا عبد الله (ع) من أين أحرم بالحج؟ فقال (ع) : من حيث أحرم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

(٢) سنن البيهقي الجزء : ٥ الصفحة : ٢٩ باب : من كان أهله دون الميقات.

٢٧٠

من مكة. بل وكذا المجاور الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة [١]. وإن كان الأحوط إحرامه من الجعرانة ـ وهي أحد مواضع أدنى الحل ـ للصحيحين الواردين فيه [٢] ، والمقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل. وإن كان القدر المتيقن الثاني ، فلا يشمل ما نحن فيه [٣]. لكن الأحوط ما ذكرنا ، عملا بإطلاقهما. والظاهر أن الإحرام من المنزل‌

______________________________________________________

رسول الله (ص) ، من الجعرانة. أتاه في ذلك المكان فتوح : فتح الطائف ، وفتح خيبر ، والفتح .. » (١). وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني أريد الجوار ، فكيف أصنع؟ فقال (ع) : إذا رأيت الهلال ـ هلال ذي الحجة ـ فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها. بالحج » (٢). وخصها في الحدائق بموردها ، وهو المجاور ، فلا تشمل المتوطن‌

[١] فإنه يحرم للحج من مكة كأهلها. ودليله ما عرفت من التقريب بناء على عموم المنزل لمنزل المجاور وإن لم يكن متوطناً. وما دل على أن أهل مكة يحرمون من مكة ، قد عرفت عدم وضوحه ، فلا يشمل المقام.

[٢] وهما صحيحا سالم الحناط ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، المتقدمان.

[٣] لكن لا يجوز الاقتصار على القدر المتيقن في الإطلاقات ، وإلا لم يبق إطلاق بحاله ، فالبناء على خروجهما معاً متعين. مضافاً إلى أن ذيل الصحيح الثاني ظاهر فيما بعد السنتين. فراجعه فإنه طويل جداً. ويظهر منه أن مورده القاطن الذي تبدل فرضه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

٢٧١

للمذكورين من باب الرخصة [١] ، وإلا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت بل لعله أفضل ، لبعد المسافة ، وطول زمان الإحرام.

الثامن : فخّ [٢] ، وهو ميقات للصبيان ، في غير حج. التمتع عند جماعة [٣] ، بمعنى : جواز تأخير إحرامهم الى هذا المكان ، لأنه يتعين ذلك. ولكن الأحوط ما عن آخرين‌

______________________________________________________

[١] كما احتمله في الجواهر. قال في كشف اللثام : « وفي الكافي والغنية والإصباح : أن الأفضل لمن منزله أقرب : الإحرام من الميقات. ووجهه ظاهر ، لبعد المسافة ، وطول الزمن ». لكنه ظاهر الإشكال ، فإن ظاهر الأمر الإلزام والتعيين. نعم إذا ذهب إلى ميقات من المواقيت صدق أنه مر عليه ، فيجوز له الإحرام منه ، كما تقدم نظيره في أهل الآفاق إذا مروا على غير ميقاتهم. وحينئذ إذا كان المراد من الرخصة هذا المعنى ففي محله ، وإلا فغير ظاهر.

[٢] في كشف اللثام : « بفتح الفاء ، وتشديد الخاء المعجمة : بئر معروف ، على نحو فرسخ من مكة. كذا قيل. وفي القاموس : موضع بمكة دفن فيه ابن عمر. وفي النهاية الأثيرية : موضع عند مكة. وقيل : واد دفن به عبد الله بن عمر. وفي السرائر : إنه موضع على رأس فرسخ من مكة ، قتل فيه الحسين بن علي ، بن الحسن بن الحسن ، بن علي أمير المؤمنين (ع) ..

[٣] حكي ذلك عن المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة. وفي الجواهر : « ربما نسب إلى الأكثر ، بل في الرياض : يظهر من آخر عدم الخلاف فيه ». والأصل في الحكم المذكور صحيح أيوب بن الحر قال : « سئل أبو عبد الله (ع)

٢٧٢

______________________________________________________

من أين تجرد الصبيان؟ قال (ع) : كان أبي يجردهم من فخ » (١). ونحوه صحيح علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) (٢).

وقد وقع الكلام بين الجماعة في أن المراد من التجريد : الإحرام ـ كما عن المشهور ـ أو نزع الثياب بعد الإحرام من الميقات ـ كما عن السرائر ، والمقداد ، والكركي ـ مقتضى الجمود على عبارة الصحيحين هو الثاني. وقد يستدل عليه بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة ، أو الى بطن مر ، ثمَّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم » (٣) ، وخبر يونس بن يعقوب عن أبيه : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إن معي صبية صغاراً ، وأنا أخاف عليهم البرد ، فمن أين يحرمون؟ قال (ع) ائت بهم العرج فليحرموا منها ، فإنك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة. ثمَّ قال : فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة » (٤) وفيه : أن الصحيح والخبر ظاهر ان في إحرامهم مع التجريد من الجحفة أو بطن مر أو العرج ، فيكونان متعارضين. وحينئذ يتعين الجمع بالتخيير : وأما الجمود على عبارة الصحيحين الأولين فهو خلاف المتفاهم العرفي منها. ولا سيما مع عدم الإشارة إلى التجريد نفسه في النصوص الأخيرة.

ولأجل ذلك يضعف ما توهم من الجمع بين النصوص ، بحمل الأولين على محض التجريد ، وحمل الأخيرين على الإحرام من الميقات. فان ظاهر الأخيرين التجريد من الميقات ، وحملها على محض الإحرام بلا تجريد خلاف الظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

٢٧٣

من وجوب كون إحرامهم من الميقات ، لكن لا يجرد وإلا في فخ. ثمَّ إن جواز التأخير ـ على القول الأول ـ إنما هو إذا مروا على طريق المدينة ، وأما إذا سلكوا طريقاً لا يصل إلى فخ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين [١].

التاسع : محاذاة أجد المواقيت الخمسة [٢] ، وهي ميقات من لم يمر على أحدهما. والدليل عليه صحيحتا ابن سنان‌[٣].

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في القواعد ، وحكاه في كشف اللثام عن السرائر. ثمَّ قال : « ووجهه ظاهر. وذلك ، لاختصاص الدليل به ، فيرجع في غيره إلى الأدلة العامة المقتضية للإحرام من الميقات ».

[٢] كما هو مشهور بين الأصحاب. وعن بعض : نسبته إلى الشهرة العظيمة ، بل لا يظهر مخالف صريح في ذلك. وإن كان قد يظهر من المحقق في الشرائع وجود المخالف ، وتوقفه في الحكم المذكور ، فإنه قال : « ولو حج على طريق لا يفضي الى أحد المواقيت ، قيل : يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة ». لكن من المحتمل أن يكون للتوقف في اعتبار الظن. أو للتوقف في اعتبار القرب إلى مكة ، وإلا فالمخالف في أصل الحكم غير ظاهر. نعم استشكل فيه في المدارك والذخيرة والحدائق وغيرها ، تبعاً لما في مجمع البرهان.

[٣] يريد بهما ما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال : من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج ، ثمَّ بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه ، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال‌

٢٧٤

ولا يضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة [١] ،

______________________________________________________

فيكون حذاء الشجرة من البيداء » (١) ، وما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : من أقام بالمدينة وهو يريد الحج ـ شهراً أو نحوه ـ ثمَّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها » (٢). وعدهما صحيحين بلحاظ اختلاف المتن ، وإلا فمن المقطوع به : أن الواقعة واحدة لا متعددة. ودلالة الصحيح ـ على تقدير كل من المتنين ـ لا مجال للمناقشة فيها.

نعم يعارضها خبر إبراهيم بن عبد الحميد ، المتقدم في مسألة حكم ذي الحليفة (٣). وبمرسلة الكليني ، فإنه بعد ما روى صحيح ابن سنان قال : « وفي رواية يحرم من الشجرة ، ثمَّ يأخذ أي طريق شاء » (٤) لكنهما لا يصلحان للمعارضة ، لضعفهما ، وهجرهما عند الأصحاب.

[١] لا يخفى أن الرواية قد اشتملت على قيود متعددة في كلام الامام (ع) منها : الإقامة بالمدينة شهراً ، ومنها : أنه كان يريد الحج في هذه الإقامة ومنها : أن يخرج في غير طريق المدينة ، على رواية الكافي والفقيه (٥). وفي رواية التهذيب عن الكافي : « في طريق أهل المدينة » (٦). لكن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب المواقيت حديث : ٥. وقد تقدم ذلك في المسألة : ١ من الفصل‌

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٥) لا حظ الكافي الجزء ٤ الصفحة ٣٢١ طبع إيران الحديثة ، الفقيه الجزء ٢ الصفحة ٢٠٠ طبع النجف الأشرف.

(٦) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت ملحق حديث : ١. ولا يخفى عليك : أن بعض نسخ التهذيب موافق لما في الكافي والفقيه. لا حظ : التهذيب الجزء ٥ الصفحة ٥٧ طبع النجف الأشرف.

٢٧٥

بعد فهم المثالية منهما [١] ، وعدم القول بالفصل [٢]. ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي اثنين [٣] ، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة [٤].

______________________________________________________

الظاهر أنه سقط من قلمه الشريف ، أو من الناسخين. نعم يمكن أن يقال : إن القيد الأخير ذكر تمهيداً للحكم ، لتحقيق موضوعه.

[١] هذا بعيد في القيود المذكورة في شرط القضية الشرطية. نعم لو كانت مذكورة في كلام السائل أمكن دعوى ذلك. وإن كانت ـ أيضاً ـ محتاجة إلى إثبات. لكن إذا كانت في كلام الحاكم كان مقتضى الشرطية الانتفاء عند الانتفاء. ولذلك احتمل في مجمع البرهان : الاقتصار ـ في العمل بالرواية ـ على من دخل المدينة وجاور فيها شهراً.

وأشكل من ذلك : أنه لا مجال للالتزام بمضمون الصحيحين إلا في مورد خاص. وإلا فقد تقدم أنه لو خرج من المدينة إلى جهة الغرب كان ميقاته الجحفة ، أو الى الشرق كان ميقاته وادي العقيق ، ولا يجب عليه الإحرام من مسيرة ستة أميال ، ولا مما يحاذي مسجد الشجرة. نعم يدل في الجملة على مشروعية الإحرام مع المحاذاة.

[٢] ادعى ذلك جماعة ، منهم صاحب المستند. والظاهر أنه كما ذكر فلا بأس بالاعتماد عليه. ولا سيما مع اعتضاده بما سبق في ميقات ذي الحليفة من جواز الإحرام خارج المسجد. فراجع.

[٣] فان مسجد الشجرة أبعد المواقيت عن مكة ، وقد تضمن الصحيح وجوب الإحرام من محاذاته.

[٤] كما اختاره في القواعد. قال : « ولو لم يؤد الطريق إليه أحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة » ، وذكره في الشرائع قولاً. وفي المدارك : أنه أجود. اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق. انتهى.

٢٧٦

وتتحقق المحاذاة بأن يصل ـ في طريقه الى مكة ـ إلى موضع يكون بينه وبين مكة باب [١] ، وهي بين ذلك الميقات ومكة بالخط المستقيم. وبوجه آخر : أن يكون الخط من موقفه الى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق [٢]. ثمَّ إن المدار‌

______________________________________________________

ومرجعه إلى أصالة البراءة عن وجوب الإحرام من الأبعد. وفيه : أنه لا مجال للأصل مع الدليل. وعن المبسوط : لزوم الإحرام من أقرب المواقيت اليه ، وحكي عن المنتهى أيضاً. وعن ابن إدريس : الإحرام مما يحاذي أحد المواقيت مطلقاً.

[١] كذا في النسخ المطبوعة كلها. ومن المؤسف أني راجعت النسخة التي بخط المصنف (ره) فلم أجد فصل المواقيت فيها. والمظنون وقوع التحريف في نسخة الأصل. ولعل أصل النسخة هكذا : « بينه وبين مكة كما بين ذلك .. ». وكيف كان فالوجه المذكور لا يصلح أن يكون ضابطاً للمحاذاة ، فان الشاخص ـ الذي يكون بينه وبين الميقات مسافة ـ لا يكون محاذياً له إلا إذا كان الخط المأخوذ منه الى مكة أقصر من الخط المأخوذ من الميقات إلى مكة ، وكلما يبعد عنه يكون خطه إلى مكة أقصر من خط الميقات إلى مكة. فإذا خرج عن نصف الدائرة لا يكون محاذياً له أصلاً بل يكون مواجهاً له ، سواء كان الخط منه الى مكة أقصر من خط الميقات إلى مكة أم أطول. نعم يصح هذا الوجه فيما إذا كانا متصلين.

[٢] هذا الوجه لا يتحد مع ما سبقه عملاً ، ولا يلازمه خارجاً ، فان الطريق إذا كان يمر خلف الميقات بمسافة معينة ثمَّ يبعد عنه ـ حينما يكون عن يمينه أو يساره ـ يكون أقصر الخط خلفه ، ولا يكون الشاخص حينئذ محاذياً له بل يكون خلفه. ومن ذلك تعرف أن الضابط في المحاذاة : أن‌

٢٧٧

على صدق المحاذاة عرفاً ، فلا يكفي إذا كان بعيداً عنه [١]. فيعتبر فيها المسامتة [٢] ، كما لا يخفى. واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن [٣] ،

______________________________________________________

يكون الميقات عن يمين الشخص أو يساره ، حينما يكون مواجهاً لمكة المكرمة‌

[١] لا ينبغي الإشكال في اعتبار صدق المحاذاة عرفاً ، فإن المحاذاة ـ كسائر المفاهيم العرفية ـ إذا وقعت في لسان الشارع ـ موضوعاً أو حكماً ـ فالمراد منها المفهوم العرفي. لكن الظاهر أن القرب والبعد لا دخل لهما في ذلك ، فكما تصدق المحاذاة مع القرب تصدق مع البعد. نعم لا دليل ظاهراً على الاكتفاء بالمحاذاة مطلقاً ، فان الدليل إنما ورد في مورد خاص ، وهو المحاذاة للشجرة بمسيرة ستة أميال عن المدينة. والمحاذاة الحاصلة من ذلك إنما تكون مع قرب المسافة بين الشخص والشجرة ، فالتعدي إلى مطلق المحاذاة العرفية محتاج الى دليل.

ومما يعضد ما ذكرنا وجوب إحرام أهل العراق ونحوهم من وادي العقيق ، مع محاذاتهم ـ على الظاهر ـ لمسجد الشجرة قبل وادي العقيق وليس ذلك الا لعدم الاعتناء بالمحاذاة إذا كانت على بعد. وكذا أهل المغرب والشام عند مجيئهم إلى الجحفة ، فإنهم يحاذون مسجد الشجرة قبل الجحفة.

[٢] بمعنى : أن يكون أحدهما في سمت الآخر وجهته ، فلا يكفي في المحاذاة أن يكونا على خط واحد في جهتين. بل عرفت أن مقتضى الاقتصار على المتيقن أن يكونا متقاربين ، ولا يكفي أن يكونا متسامتين وحينئذ يكون تفسير المحاذاة العرفية بالمسامتة تفسيراً بالأخفى ، أو بالأعم.

[٣] لقاعدة الاشتغال ، المقتضية لوجوب العلم بالفراغ.

٢٧٨

وإلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة [١]. ومع عدمه أيضاً فاللازم الذهاب الى الميقات ، أو الإحرام من أول موضع احتماله واستمرار النية والتلبية إلى آخر مواضعه. ولا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ [٢] ـ مع أنه لا يجوز ـ

______________________________________________________

[١] كما عن المبسوط ، والجامع ، والتحرير ، والمنتهى ، والتذكرة والدروس : بل ظاهر المحكي عنهم الاكتفاء به ولو مع إمكان العلم. واستدل لهم بالحرج. والأصل ، كما في كشف اللثام والجواهر. وفي الأخير الاستدلال له أيضاً بانسباق إرادة الظن في أمثال ذلك. والجميع كما ترى. لمنع لزوم الحرج. والأصل لا أصل له. والانسباق غير ظاهر. نعم مع عدم إمكان العلم بالمحاذاة يتعين في نظر العقل تحصيل العلم بالفراغ ، إما بالذهاب الى الميقات ، أو بالاحتياط المذكور في المتن.

[٢] حكى في الجواهر هذا الاشكال عن بعض. قال : « وأشكل : بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه. وتجديد الإحرام في كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل ، لأنه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل. ويدفع : بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه. بل قد ينافيه على الوجوب أيضا ـ بناء على أن النية هي الداعي ـ إذ لا مشقة في استمرارها في إمكان الاحتمال. فتأمل جيداً » وكأنه أشار بالأمر بالتأمل إلى أن الإحرام لا ينعقد بمجرد النية ، بل يحتاج إلى عقده بالتلبية ، والاستمرار على ذلك مشقة.

اللهم إلا أن يقال : إن نفي الحرج والمشقة في المقام يتوقف على عدم إمكان الذهاب الى الميقات ، أما مع إمكان ذلك فالمشقة ليست لازمة من التكليف ، وإنما لزمت من اختيار المكلف ، فلا مجال لأدلة نفي الحرج.

٢٧٩

لأنه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة ، أو أصالة عدم وجوب الإحرام ، لأنهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذياً. والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة [١]. ويجوز لمثل هذا الشخص أن ينذر الإحرام قبل الميقات ، فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله ، على ما سيأتي ، من جواز ذلك مع النذر. والأحوط في صورة الظن أيضاً عدم الاكتفاء به وإعمال أحد هذه الأمور ، وإن كان الأقوى الاكتفاء [٢]. بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب الى الميقات [٣]. لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقاً. ثمَّ إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة ولم يتبين الخلاف فلا إشكال [٤]. وان‌

______________________________________________________

نعم إذا فرض تعذر الذهاب الى الميقات والإحرام منه. فالعمل بالظن يتوقف على تمام مقدمات الانسداد في المورد بخصوصه ، فاذا لم تتم جاز الإحرام في بعض محتملات المحاذاة.

[١] وحينئذ يكون الشك في الفراغ ، لا في الاشتغال ، فيجب تحصيل العلم به في نظر العقل.

[٢] قد عرفت الاشكال فيه.

[٣] لما عرفت من الاشكال من جماعة في الحكم المذكور. بل الإشكال في صحيح ابن سنان من وجوه ، عمدتها عدم إمكان الالتزام بالعمل به في مورده.

[٤] عملاً بحجية الظن ، بناء عليها.

٢٨٠