مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

عن إسحاق بن عمار عن أحدهما (ع) قال : [١] « قلت : فان ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزئ عن الأول؟ قال : نعم. قلت : فإن الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم » (١). وفي الثاني ، سأل الصادق (ع) عن رجل حج عن رجل ، فاجترح في حجه شيئاً يلزم فيه الحج من قابل أو كفارة. قال (ع) : « هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح » (٢). فالأقوى استحقاق الأجرة على الأول ، وإن ترك الإتيان من قابل ، عصياناً أو لعذر [٢].

______________________________________________________

الفساد في مورد الصحة. ولعله واضح.

[١] صدر الحديث : « سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة ، فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه ، فيموت قبل ان يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره. قال (ع) : إن مات في الطريق ، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول. قلت : فان ابتلي .. » إلى آخر ما في المتن. فالمراد من الأول ـ في الفقرة المذكورة في المتن ـ : الشخص الأول ، لا الحج الأول. وضمير : « يجزئ » راجع إلى الحج الذي وقع فيه المفسد.

[٢] هذا ينبغي أن يبتني على ما يبتني عليه الحكم الآتي ـ وهو أن الحج الثاني لا يرتبط بالحج الأول ، ولا تدارك فيه لنقص ورد في الأول وإنما هو محض عقوبة ـ فإنه على هذا المبنى لا دخل للثاني في استحقاق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٦١

ولا فرق بين كون الإجارة مطلقة أو معينة. وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول ـ فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك العنوان ـ أو هو واجب عليه تعبداً ، ويكون لنفسه؟ وجهان ، لا يبعد الظهور في الأول [١] ولا ينافي كونه عقوبة ، فإنه يكون الإعادة عقوبة. ولكن الأظهر الثاني [٢]. والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة. ثمَّ لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل ، من عدم استحقاق‌

______________________________________________________

الأجرة. أما بناء على أنه تدارك للنقص الواقع فيه فاللازم عدم استحقاق الأجرة بدونه. والمصنف هنا جزم باستحقاق الأجرة وإن ترك الثاني عصياناً أو لعذر ، وفي الحكم الآتي كان له نوع تردد وتوقف. بل قد يشكل استحقاق الأجرة على الأول في صورة التعيين ، وإن قلنا بصحة الأول ـ بناء على أن الثاني مكمل للأول ـ لأن الإجارة كانت على الإتيان به في السنة الأولى كاملاً ، فالاستحقاق وعدمه أيضاً يبتنيان على ما ذكر.

[١] وجهه : أن ظاهر الدليل أن الحج في القابل هو الحج الذي أفسده ، فيكون نظير القضاء ، فاذا كان الأول نائبا فيه كان الثاني كذلك. ولذلك ذكر في الجواهر : أنه ـ بناء على ما اختاره ، من فساد الأول وكون الثاني فرضه ، وانفساخ الإجارة الموقتة ـ يجب على النائب الإتيان بالحج في القابل بنية النيابة عن المنوب عنه بلا عوض ، ويجزي عن المنوب عنه.

[٢] لأن ظاهر كونه عقوبة : أنه تدارك لما ورد على النائب نفسه من نقص ، فيكون الفعل عن نفسه لا عن غيره.

٦٢

الأجرة ـ في صورة كون الإجارة معينة ـ ولو على ما يأتي به في القابل ، لانفساخها ، وكون وجوب الثاني تعبداً ، لكونه خارجاً عن متعلق الإجارة وإن كان مبرئاً لذمة المنوب عنه [١]. وذلك : لان الإجارة وإن كانت منفسخة بالنسبة إلى الأول ، ولكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبداً ، لكونه عوضاً شرعياً تعبدياً عما وقع عليه العقد [٢] ، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني. وقد يقال : بعدم كفاية الحج الثاني أيضاً في تفريغ ذمة المنوب عنه ، بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين ، وللأجير أن يحج ثالثاً في صورة الإطلاق. لأن الحج الأول فاسد ، والثاني إنما وجب للإفساد عقوبة ، فيجب ثالث ، إذ التداخل خلاف الأصل [٣]. وفيه : ان‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن القائل هو صاحب الجواهر. وقد فرّع على ما ذكر سابقاً بقوله : « فلا محيص عن القول بأن الفرض حينئذ الثاني. كما لا محيص ـ بناءً على ذلك ـ عن القول بانفساخ الإجارة إذا فرض كونها معينة ، وعود الأجرة لصاحبها .. ».

[٢] لم يتضح وجه ذلك. فان الدليل لم يرد في الإجارة ، كي يدعي ظهوره في استحقاق الأجرة ولو من جهة السكوت في مقام البيان ، وإنما ورد في الحاج عن نفسه ، فإذا بني على التعدي عنه إلى الأجير ، فقد دل على فراغ ذمة المنوب عنه بالثاني. أما استحقاق الأجرة ، وأن الثاني عوض شرعي عن المستأجر عليه الموقت في السنة الأولى ، فلم يظهر من الدليل.

[٣] القائل : العلامة في القواعد. وحكاه ـ في كشف اللثام ـ عن‌

٦٣

هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول ، والظاهر من الاخبار ـ على القول بعدم صحة الأول ـ وجوب إعادة الأول وبذلك العنوان ، فيكفي في التفريغ [١] ، ولا يكون من باب التداخل ، فليس الإفساد عنواناً مستقلا. نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا : إن الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول ، وهو خلاف ظاهر الاخبار. وقد يقال في صورة التعيين : إن الحج الأول إذا كان فاسداً وانفسخت الإجارة يكون لنفسه فقضاؤه في العام القابل أيضاً يكون لنفسه ، ولا يكون مبرئاً لذمة المنوب عنه ، فيجب على المستأجر استيجار حج آخر [٢].

______________________________________________________

المبسوط والخلاف والسرائر قطعاً ، وعن المعتبر احتمالا ، ثمَّ قال : « وهو واضح ».

[١] أقول : دلالة الأخبار على أن الثاني عقوبة ليس منوطاً بكون الأول صحيحاً ، بل دلالتها على ذلك على كل حال وإن كان الأول فاسداً ، لأن الثاني يكون عقوبة على ما جناه من ارتكاب المفسد. ولذا لا يختص الحكم بالحج الواجب ، فان الحج الأول إذا كان مندوباً وأفسده يجب عليه الحج ثانياً. فاذاً لا يكون الثاني مفرغاً للذمة ، ولا فيه خروج عن العهدة السابقة. ولأجل ذلك يشكل الاجتزاء به عن حج الإسلام لو كان الحاج مستطيعاً ، لأن الأول فاسد ، والثاني عقوبة. ولعل لزوم هذا الاشكال مما يقرب القول بصحة الأول ، وكون الثاني عقوبة ، مع قطع النظر عن النصوص الخاصة التي تقدمت.

[٢] هذا القول ذكره في الجواهر بصورة دعوى ، فقال : « ودعوى :

٦٤

______________________________________________________

أن الحج بإفساده له انقلب لنفسه ، لأنه غير المستأجر عليه .. ( إلى أن قال ) : فيكون القضاء عن نفسه. يدفعها : منع انقلابه إليه نفسه .. » والمصنف أجاب ـ بعد اعترافه بالانقلاب لنفسه ـ : بأن الثاني يؤتى به بالعنوان الذي كان عليه الأول قبل الانقلاب. ولكنه ـ أيضاً ـ كما ترى فإنه إذا كان ظاهر الدليل أن الثاني عقوبة يكون لنفسه على كل حال ، لأنه لتخليص نفسه.

ثمَّ إن الشيخ في جواهره ذكر أن المحصل من الأقوال ثمانية : الأول : انفساخ الإجارة مطلقاً إن كان الثاني فرضه. وهو ظاهر المتن. الثاني : انفساخها مع التعيين دون الإطلاق ، ووجوب حجة ثالثة نيابة ، كما هو خيرة الفاضل في القواعد والمحكي عن الشيخ وابن إدريس. الثالث : عدم الانفساخ مطلقاً ، ولا يجب عليه حجة ثالثة. وهو خيرة الشهيد (١) الرابع : أنه إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقاً ولا عليه حجة ثالثة ، وإن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة ، وعليه حجة ثالثة. وهو ـ على ما قيل ـ خيرة التذكرة ، وأحد وجهي المعتبر والمنتهى والتحرير. الخامس : كذلك ، وليس عليه حجة ثالثة مطلقاً. وهو محتمل المعتبر والمنتهى. السادس : انفساخها مطلقاً ، مطلقة كانت أو معينة ، كان الثاني عقوبة أو لا. لانصراف الإطلاق إلى العام الأول ، وفساد الحج الأول وإن كان فرضه. السابع : عدم انفساخها مطلقاً. كذلك قيل ، ويحتمله الجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير. الثامن : المختار. وهو محتمل محكي المختلف. وهو الأصح ، لما سمعت ، وليس في الخبرين منافاة له ، بعد ما عرفت.

__________________

(١) وهذا هو الذي قربه المصنف رداً على صاحب الجواهر. منه قدس‌سره.

٦٥

وفيه أيضاً : ما عرفت من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الأول. وكون الأول ـ بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه ـ لنفسه ، لا يقتضي كون الثاني له وإن كان بدلاً عنه ، لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار اليه بعد الفسخ. هذا والظاهر عدم الفرق ـ في الأحكام المذكورة ـ بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجباً أو مندوباً [١]. بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرعاً أيضاً ، وإن كان لا يستحق الأجرة أصلاً.

( مسألة ٢٢ ) : يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد [٢] ، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل [٣] ، إذا لم يشترط التعجيل ، ولم تكن قرينة على إرادته ، من انصراف أو غيره. ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عيناً أو ديناً. لكن إذا كانت عيناً ونمت كان النماء للأجير [٤]. وعلى ما ذكر ـ من عدم وجوب التسليم قبل العمل ـ إذا كان المستأجر‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق النصوص السابقة.

[٢] لأنه مقتضى النفوذ والصحة.

[٣] لأن مبنى المعاوضات على التسليم والتسلم ، فلكل من المتعاوضين الامتناع عن التسليم في ظرف امتناع الآخر. كما أن لكل منهما المطالبة في ظرف صدور التسليم منه ، ولا يجوز للآخر الامتناع عنه حينئذ. فلو تعذر جاز الفسخ ، لتخلف الشرط الضمني ، الذي عرفت أن مبنى المعاوضات عليه.

[٤] كما في الجواهر. وهو واضح ، لأنه تبع الأصل ، المفروض كونه ملكاً للأجير بالعقد.

٦٦

وصياً أو وكيلاً ، وسلمها قبله كان ضامناً لها ، على تقدير عدم العمل من المؤجر ، أو كان عمله باطلاً [١]. ولا يجوز لها اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل [٢] أو الوارث [٣]. ولو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة [٤] كان له الفسخ [٥]. وكذا للمستأجر. لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي ، يستحق الأجير المطالبة في‌

______________________________________________________

[١] لأنه تفريط ، كما في الجواهر. وفي كشف اللثام : « لا يجوز للوصي إلا مع إذن الميت ، أو شهادة الحال .. » وقد يشكل : بأن الأجرة بعد ما كانت ملكاً للأجير وخرجت عن ملك الميت ، لم يكن لاعتبار إذن الميت وجه. وفيه : أنه بعد ما كان للميت حق الامتناع عن الدفع فالدفع تصرف في حق الميت ، فلا بد من إذنه فيه. وكذا الحكم في الوكيل. ثمَّ لما كان يترتب على التصرف في الحق المذكور خروج المال ـ على تقدير الفسخ ـ من سلطان الوكيل إلى سلطان الأجير كان الوكيل ضامناً. وكذا الوصي. نعم ينبغي إسناد الضمان إلى التعدي لا التفريط.

[٢] هذا واضح. لأن تصرف غير المالك لا يجوز بغير إذن المالك.

[٣] فيما لو كان الوصي وصياً على التصرف في الثلث لا غير ، فإخراج الحج الواجب من الأصل يقتضي مراجعة الوارث. لأن الحق المذكور يتعلق بماله ، واستيفاؤه يكون من ماله ، فيرجع الى التصرف في مال الوارث.

[٤] قيد للعمل ، يعني : إذا انكشف أن الأجير لا يقدر على العمل إذا لم تسلم إليه الأجرة ، لعدم قدرته على المال المحتاج إليه في السفر.

[٥] عدم القدرة يقتضي الانفساخ ، لأنه يكشف عن عدم المنفعة التي‌

٦٧

صورة الإطلاق ، ويجوز للوكيل والوصي دفعها من غير ضمان [١].

( مسألة ٢٣ ) : إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة [٢] ، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره ، إلا مع الاذن صريحاً أو ظاهراً. والرواية الدالة على الجواز [٣] محمولة على صورة‌

______________________________________________________

تكون الإجارة بلحاظ المعاوضة عليها. وكذا الكلام في المستأجر ، فإن له أن يدفع الأجرة ، فيمكن الأجير من العمل ، وله أن لا يدفع ، فيعجز عن العمل وينفسخ العقد.

[١] عملاً بالاذن المستفاد من التعارف ، كما نص على ذلك في الجواهر.

[٢] كما نص على ذلك في القواعد وغيرها. لأن الظاهر من قوله : « آجرتك على أن تحج » : أن نسبة الفعل إلى فاعله بنحو القيام به لا بنحو السبب في حصوله. ولذلك ذكروا : أن قول القائل : « بنى الأمير المدينة » مجاز في الإسناد لأن البناء لا يقوم بالأمير ، وإنما يقوم بالبناء ، وظاهر النسبة القيام بالفاعل فيكون مجازاً. نعم إذا قال : « آجرتك على أن يحج » ـ بالبناء للمفعول ـ كان مقتضى الإطلاق جواز المباشرة والاستنابة ، لأن النسبة المذكورة إلى الأجير ليست نسبة قيام به ، بل نسبة تحصيل. ومن ذلك يظهر اختصاص الحكم المذكور بما إذا كان الكلام مشتملاً على نسبة الحج إلى الأجير نسبة الفعل إلى فاعله.

[٣] وهي ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى قال : « قلت لأبي الحسن الرضا (ع) : ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟ قال : لا بأس » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

٦٨

العلم بالرضا من المستأجر [١].

( مسألة ٢٤ ) : لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعاً وكانت وظيفته العدول إلى حج الافراد ـ عمن عليه حج التمتع [٢]. ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ، ثمَّ اتفق ضيق الوقت ، فهل يجوز له العدول ويجزي عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان. من إطلاق أخبار العدول. ومن انصرافها الى الحاج عن نفسه [٣]. والأقوى عدمه.

______________________________________________________

[١] مجرد العلم بالرضا لا يكفي ما لم يرجع ، إما الى الإجارة على الأعم ـ كما ذكر بعضهم ـ أو إلى الاذن الإنشائي في الاستيفاء بفرد آخر. هذا ولكن ظهور الرواية في الاستيجار ممنوع ، لخلو الرواية عن التعرض لذلك ، ودفع الحجة أعم من ذلك. فالأقرب حمل الرواية على معنى : أنه دفع إليه قيمة الحجة وأوكل الأمر إليه ، في القيام بنفسه أو بغيره. والوجه في السؤال عن جواز الدفع إلى الغير عدم اليقين بقيامه به ـ إما لعدم النية ، أو لترك بعض الأفعال ـ فيتوهم أن ذلك مانع عن الدفع إلى غيره.

[٢] لأن الافراد ـ في الفرض المذكور ـ بدل اضطراري ، ولا دليل على الاجتزاء به عن التمتع ـ الذي هو الواجب الاختياري ـ والأصل عدم الاجتزاء به ، وان قلنا بجواز العدول إلى الافراد من أول الأمر إذا علم بالضيق ، لاختصاص ذلك بما إذا كان قد استقر عليه في سعة الوقت ، ولا يشمل ما نحن فيه ، فلا معدل عن أصالة عدم الاجتزاء به. واستقرار الوجوب على المنوب عنه في سعة الوقت لا يوجب دخول النائب في دليل البدلية. وسيأتي ـ في فصل صورة حج التمتع ـ التعرض للمسألة المذكورة.

[٣] لكن الانصراف ـ بنحو يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق ـ ممنوع.

٦٩

وعلى تقديره فالأقوى عدم إجزائه عن الميت [١] ، وعدم استحقاق الأجرة عليه ، لأنه غير ما على الميت. ولأنه غير العمل المستأجر عليه [٢].

( مسألة ٢٥ ) : يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أي واجب كان [٣] ،

______________________________________________________

[١] يعني : على تقدير جواز العدول فالأقوى عدم إجزائه عن المنوب عنه. وكأن ذلك لما عرفت : من أن الإبدال الاضطرارية إنما تجزئ على تقدير الاضطرار ، والاضطرار بالنسبة إلى المنوب عنه يتوقف على انحصار النائب بالشخص المعين ، فمع إمكان غيره لا اضطرار. وفيه : أن ظاهر النصوص إذا كان العموم للنائب ، فالاجزاء لازم له ، لأن تشريع العدول لا معنى له إلا الاجزاء.

[٢] الأول تعليل لعدم الاجزاء ، والثاني تعليل لعدم استحقاق الأجرة. وقد عرفت الإشكال في الأول. وأما الثاني فهو في محله ، لأن دليل البدلية إنما بتعرض للاجزاء فقط ، ولا تعرض فيه لاستحقاق الأجرة المجعولة من قبل المتعاقدين على حج التمتع لا غيره. ومن ذلك تعرف ضعف التفكيك بين الحكمين الأولين ، وقوة التفكيك بينهما وبين الحكم الثالث. نعم إذا كان ظاهر الإجارة الإجارة على إفراغ ذمة المنوب عنه كان استحقاق الأجرة في محله. وقد تقدم نظير ذلك في مسائل موت الأجير في الأثناء. فراجع.

[٣] بلا إشكال ولا خلاف ظاهر. وعن التذكرة : أنه لا يعرف فيه خلافاً ، وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. وفي خبر عامر بن عميرة عن الصادق : « إن رسول الله (ص) أتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن أبي مات ولم يحج حجة الإسلام. فقال (ص) : حج عنه ، فان ذلك‌

٧٠

والمندوب [١]. بل يجوز التبرع عنه بالمندوب وإن كانت ذمته مشغولة بالواجب ، ولو قبل الاستئجار عنه للواجب [٢]. وكذا يجوز الاستيجار عنه في المندوب كذلك. وأما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب [٣]. إلا إذا كان معذوراً في المباشرة ـ لمرض ، أو هرم ـ فإنه يجوز التبرع عنه ، ويسقط عنه وجوب الاستنابة على الأقوى [٤] ، كما مر سابقاً. وأما‌

______________________________________________________

يجزئ عنه » (١). وعن المسالك وأبي حنيفة : سقوط الفرض إن مات ولم يوص.

[١] إجماعاً ونصوصاً. فقد عقد في الوسائل باباً لاستحباب التطوع بالحج والعمرة عن المؤمنين (٢) ، وذكر فيه جملة من النصوص وافرة ، وهي ظاهرة في التبرع بالمندوب.

[٢] لإطلاق تلك النصوص.

[٣] إجماعاً. ويقتضيه ظاهر أدلة التشريع في لزوم المباشرة ، كما عرفت.

[٤] خلافاً لجماعة ، منهم : العلامة في القواعد وكاشف اللثام. واستدل الثاني : بأصالة عدم فراغ ذمته بذلك وبوجوب الاستنابة عليه ، وعدم الدليل على سقوطها عنه بذلك. وتبعه على ذلك في الجواهر. ثمَّ قال : « فالأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ الاقتصار في النيابة عنه حينئذ على الاذن ». وفي المستند : « وفي التبرع عن الحي بالواجب ـ فيما إذا كان له العذر المسوغ للاستنابة ـ وكفايته عنه وجهان ، أجودهما العدم ، إذ الأخبار المتضمنة للاستنابة صريحة في أمره بالتجهيز من ماله. فلعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج.

٧١

الحج المندوب فيجوز التبرع عنه [١]. كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج واجب لا يتمكن من أدائه فعلاً. وأما إن تمكن منه فالاستئجار للمندوب قبل أدائه مشكل [٢] ،

______________________________________________________

هذا العمل واجب عليه مقام الحج بنفسه ، وكفاية فعل الغير موقوف على الدليل ، وهو في المقام مفقود .. ». وظاهره عدم كفاية الاذن ، ولزوم البذل من ماله.

وهو كما ترى ، فان ظاهر الدليل المتضمن ذلك الوجوب الغيري لا النفسي. وأما اعتبار الاذن فلا يظهر وجهه ، إذ تعبد المنوب عنه إنما هو بفعل النائب لا بالاذن فيه ، فأي دخل للإذن في ذلك؟ فلم يبق إلا أصالة عدم الاجزاء. لكنه أيضاً يندفع : بأن ظاهر دليل الاجتزاء بفعل النائب في صورة الاستنابة : أن الدخيل في الاجزاء إنما هو فعل النائب والاستنابة طريق اليه ، فلا موضوعية لها في الاجزاء. وبالجملة : البناء على وجوب الاستنابة أو الاذن جمود لا يساعده التفاهم العرفي.

[١] حكي عن الشافعي وأحمد ـ في إحدى الروايتين ـ الخلاف في ذلك ، وعن المنتهى : التصريح بعدم جواز الحج ندباً عن الحي إلا بإذنه. وفي الجواهر : « لعله حمل النصوص على إهداء الثواب لا على وجه النيابة ، إلا أنه واضح الضعف .. ».

[٢] لكن الاشكال ضعيف. لإطلاق النصوص ، ففي خبر أبي بصير قال أبو عبد الله (ع) في حديث : « من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجة كاملة ، وكان للذي حج عنه مثل أجره » (١). ونحوه غيره. ولذلك قال في الجواهر : « بل لا فرق عندنا بين من كان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٤.

٧٢

بل التبرع عنه حينئذ أيضاً لا يخلو عن إشكال في الحج الواجب [١].

( مسألة ٢٦ ) : لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد ، وإن كان الأقوى فيه الصحة [٢]. إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة ، كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج [٣]. وأما في الحج‌

______________________________________________________

عليه حج واجب ـ مستقراً كان أولا ـ وغيره ، تمكن من أدائه ففرط ، أو لم يفرط بل يحج بنفسه واجباً ويستنيب غيره في التطوع. خلافاً لأحمد فلم يجز الاستنابة فيه ما اشتغلت ذمته بالواجب ، إذ لا يجوز له فعله بنفسه فالاستنابة أولى. وفيه : أن عدم جواز فعله له لإخلاله بالواجب ، ولذا لو أخلت الاستنابة به ـ لقصور النفقة ونحوه ـ لم يجز عندنا أيضاً ، لا أن عدم جوازه لعدم المشروعية في حقه ، كي تمتنع النيابة فيه .. ». ومن ذلك يظهر جواز التبرع عنه حينئذ ، وضعف الاشكال فيه.

[١] لا تخلو العبارة من تشويش ، فإنها غير ملتئمة ، ومفادها مناف لما سبق.

[٢] هذه العبارة أيضاً لا تلتئم مع ما بعدها. بل ولا مع ما قبلها. والمظنون قويا : أن موقعها في ذيل المسألة السابقة ، بدل قوله : « في الحج الواجب » ، وأن موقع القول المذكور هذا الموضع ، بدل : « وإن كان الأقوى الصحة » ، والناسخ قد بدل أحد الكلامين بالآخر. فإن عبارة الفقهاء في منع الحج عن اثنين مشتملة على التقييد بالحج الواجب ، بلا ريب منهم في الحكم. وقوله بعد ذلك : « وأما في الحج المندوب .. » صريح في ذلك.

[٣] يعني : الحج عنه على نحو الاشتراك.

٧٣

المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة [١] ـ كما يجوز بعنوان إهداء الثواب [٢] ـ لجملة من الاخبار [٣] الظاهرة في جواز النيابة أيضاً ، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.

( مسألة ٢٧ ) : يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو

______________________________________________________

[١] نص على ذلك في الجواهر وغيره. ويدل عليه صحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألت أبا الحسن (ع) كم أشرك في حجتي؟ قال (ع) : كم شئت » (١) ، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه. فقال (ع) : إذن يكتب لك حجاً مثل حجهم ، ونزداد خيراً بما وصلت » (٢). ونحوهما غيرهما. لكن ظاهر الجميع ، الاشتراك في الحج المأتي به لنفسه ، فيشاركهم معه فيه ، لا أن يحج عن جماعة نائباً عنهم ، وإن كان ذلك يستفاد من النصوص المذكورة.

[٢] كما في الوسائل. واستدل له : برواية الحرث بن المغيرة : « قلت لأبي عبد الله (ع) ـ وأنا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة : ـ إني أردت أن أحج عن ابنتي. قال (ع) : فاجعل ذلك لها الآن » (٣). ونحوه مرسل الصدوق (٤). لكن دلالته لا تخلو من خفاء ، لاحتمال أن يكون المراد جعل الحج نفسه لها ، لا ثوابه.

[٣] راجع إلى قوله : « بعنوان النيابة ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٧٤

الحي في عام واحد في الحج المندوب ، تبرعاً ، أو بالإجارة. بل يجوز ذلك في الواجب أيضاً ، كما إذا كان على الميت ـ أو الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر ـ حجان مختلفان نوعاً ـ كحجة الإسلام والنذر ـ أو متحدان من حيث النوع ـ كحجتين للنذر ـ فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد [١]. وكذا يجوز إذا كان أحدهما واجباً والآخر مستحباً بل يجوز أن يستأجر أجيرين لحج واجب واحد ـ كحجة الإسلام في عام واحد احتياطاً ـ لاحتمال بطلان حج أحدهما. بل وكذا مع العلم بصحة الحج بكل منهما وكلاهما آت بالحج الواجب ، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر ، فهو مثل : ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد. ولا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر ، فان الذمة مشغولة ما لم يتم العمل ، فيصح قصد الوجوب من كل منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعاً [٢].

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة ، بعد عدم ما يدل على لزوم الترتيب بينهما.

[٢] أما إذا كان أحدهما أسبق ختاماً صح فعل السابق وبطل فعل اللاحق ، لانطباق الواجب على الأول ، فيمتنع انطباقه على اللاحق إذا كان الواجب بنحو صرف الوجود ، فإنه لا يتكرر. نعم إذا كان الواجب الطبيعة السارية انطبق على اللاحق ، كما ينطيق على السابق. لكنه ممنوع.

لا يقال : الحج يجب إتمامه بالشروع فيه. لأنه يقال : يختص ذلك بما إذا كان الشروع فيه مشروعاً ، فلا يعم ما نحن فيه ، لأنه ـ بسبق انتهاء‌

٧٥

فصل في الوصية بالحج‌

( مسألة ١ ) : إذا أوصى بالحج ، فان علم أنه واجب أخرج من أصل التركة وإن كان بعنوان الوصية ، فلا يقال : مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث [١]. نعم لو صرح‌

______________________________________________________

أحدهما ـ لا يكون اللاحق مشروعاً من حينه ، لارتباطية أجزائه ، فإذا كان الآخر غير مشروع كان الأول غير مشروع حين وقوعه.

فصل في الوصية بالحج‌

[١] لاختصاص الحكم المذكور ـ وهو إخراج الوصية من الثلث ـ بما إذا كان وجوب إخراجه من حيث كونه وصية. وليس منه الحج ، لوجوب إخراجه على كل حال. وإن شئت قلت : الثمرة العملية إنما تكون في صورة عدم اتساع الثلث للحج وغيره من الوصايا ، فإنه لو بني على إخراج الحج من الثلث كان مزاحماً لغيره من الوصايا. لكن المزاحمة المذكورة مبنية على أن المراد من الثلث ثلث التركة. أما إذا أريد منه ثلث ما زاد ـ بعد إخراج ما يجب إخراجه على كل حال ـ فلا مزاحمة ، لأن الوصايا الأخرى تخرج من الثلث بعد إخراج الحج ، لما عرفت من أن المراد من الثلث ـ الذي تخرج منه الوصايا ـ الثلث مما زاد على ما يجب إخراجه من الأصل ، وهو ـ في الفرض ـ ثلث ما زاد على الحج. فالوصية بالحج نظير الوصية بوفاء الدين لا تزاحم الوصايا الأخرى إذا كانت لا تزيد‌

٧٦

بإخراجه من الثلث أخرج منه ، فان وفي به ، وإلا يكون الزائد من الأصل. ولا فرق ـ في الخروج من الأصل ـ بين حجة الإسلام ، والحج النذري ، والافسادي. لأنه ـ بأقسامه ـ واجب مالي [١] ، وإجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل. مع أن في بعض الأخبار : أن الحج بمنزلة الدين ، ومن المعلوم خروجه من الأصل. بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل وإن كان بدنياً ، كما مر سابقاً [٢]. وإن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث [٣]. وإن لم يعلم أحد الأمرين ، ففي خروجه من الأصل أو الثلث‌

______________________________________________________

على الثلث المذكور. نعم لو كانت الوصية بالحج أو بالدين موجبة لعدم وجوب إخراجه إلا من جهة الوصية كان الاشكال محكماً ، وكانت المزاحمة بينه وبين الوصايا الأخرى محكمة.

[١] قد تقدم ـ في أول مباحث الحج النذري ـ الكلام في ذلك ، وأن التحقيق : أنه كحج الإسلام واجب مالي. لكن الحكم في الحج الافسادي غير ظاهر ، نظير الكفارات المخيرة بين الخصال الثلاث ، فان كونها من قبيل الدين والحج المالي غير ظاهر ، بل الظاهر العدم. ومثل الحج الافسادي : الحج الواجب باليمين أو العهد ، فإنهما واجبان غير ماليين كما لعله ظاهر.

[٢] في المسألة الثامنة من فصل الحج النذري. ومر الكلام والاشكال فيه.

[٣] على المشهور المعروف ، المدعى عليه الإجماع من جماعة ، والمصرح به في النصوص ـ المدعى تواترها معنى ـ المتضمنة أنه لا تجوز الوصية بأكثر‌

٧٧

وجهان. يظهر من سيد الرياض ( قده ) خروجه من الأصل [١] حيث أنه وجه كلام الصدوق ( قده ) ـ الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل ـ : بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أولا ، فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل ، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً‌

______________________________________________________

من الثلث إلا بإجازة الورثة. منها : صحيح أحمد بن محمد : « كتب أحمد ابن إسحاق إلى أبي الحسن (ع) : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيدنا (ع) في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث .. ( الى أن قال ) : فكتب بخطه ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث .. » (١). ونحوه غيره. وقد عقد لها في الوسائل باباً واسعاً. فراجعه في كتاب الوصية (٢).

[١] ذكر ذلك في مبحث عدم جواز الوصية بما زاد على الثلث ، فإنه ـ بعد ما ذكر ما عن والد الصدوق : من جواز الوصية بالمال كله ، واستدلاله بالرضوي : « فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى به » (٣) ، وببعض الأخبار الأخر ، كرواية عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كله فهو جائز » (٤) ، وغيرها ـ رده بالمناقشة في دلالة الأخبار ، وبمعارضتها بغيرها. ثمَّ قال : « ويحتمل عبارة المخالف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ ، ١١ ، ١٢ من أبواب الوصايا.

(٣) فقه الرضا باب الوصية صفحة : ٢٠.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوصايا حديث : ١٩.

٧٨

______________________________________________________

كالرضوي لما يلتئم مع فتاوى العلماء ، بأن يكون المراد به يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما أوصى به ، من حيث وجوب العمل بالوصية وحرمة تبديلها بنص الكتاب والسنة. وإنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جوراً ولو بالوصية بزيادة عن الثلث ، وهو بمجرد الاحتمال غير كاف ، فلعل الزيادة منه وقعت الوصية بها من دون حيف ، كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له ، والموصي أعلم. وهذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرعاً ، فلا يمضى منها إلا الثلث ، كما عليه العلماء. وهذا التوجيه إن لم يكن ظاهراً من عبارته فلا أقل من تساوي احتماله لما فهموه منها ، فنسبتهم المخالفة إليه ليس في محله. وعليه نبه في التذكرة. وعليه فلا خلاف من أحد يظهر منها ». وما ذكره العلامة في التذكرة قريب مما ذكره في الرياض. والظاهر : أن مرادهما أنه مع الشك بحمل تصرف الموصي على الصحة ، فيبنى على أن وصيته في الواجب لا في المندوب. فليس فيها مخالفة لما دل على عدم نفوذ الوصية فيما زاد على الثلث ، ولا تمسك بالعموم في الشبهة المصداقية. فهو نظير : ما لو باع زيد مالاً على عمرو وشك في أنه ماله أو مال غيره ، أو علم أنه مال غيره وشك في أنه مأذون فيه أو لا ، فإنه يبنى على صحة البيع ، وليس فيه مخالفة لما دل على عدم صحة بيع مال الغير إلا بإذنه.

نعم الاشكال يقع في جريان أصالة الصحة في الفرض ، لاختصاصها بما يكون صحيحاً وفاسداً ، ووجوب العمل لا يكفي أثراً للصحة. نعم لو أوصى بعين لشخص ، وشك في أنها للموصي أو لغيره ، يبني على صحة الوصية حتى يثبت الخلاف ، لا في مثل المقام مما لا يكون للوصية أثر غير وجوب العمل. فان عموم وجوب العمل بالوصية لما كان مخصصاً بما دل‌

٧٩

وحمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك. لكنه مشكل ، فان العمومات مخصصة بما دل على أن الوصية بأزيد من الثلث ترد اليه ، إلا مع إجازة الورثة. هذا مع أن الشبهة مصداقية ، والتمسك بالعمومات فيها محل إشكال. وأما الخبر المشار اليه ـ وهو‌ قوله (ع) : « الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إن أوصى به كله فهو جائز » ـ (١) فهو موهون باعراض العلماء عن العمل بظاهره [١]. ويمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده [٢]. نعم يمكن

______________________________________________________

على عدم لزوم الوصية بما زاد على الثلث ، فمع الشك في الشبهة المصداقية يرجع الى أصالة البراءة ، لا إلى عموم وجوب العمل بالوصية.

[١] ومعارض بغيره من الروايات ، مما هو أصح سنداً ، وأكثر عدداً وأوضح دلالة. بل هو عمار نفسه روى عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به ، فان قال : بعدي فليس له إلا الثلث » (٢). وفي رواية الصدوق : « فان تعدى فليس له إلا الثلث » (٣) ، يعني : فإن تعدى عن زمان حياته. ولعل الجمع بين هذه الرواية والرواية السابقة ـ التي استدل بها للصدوق ـ هو حمل السابقة على ما إذا تصرف فيه منجزاً وأوصى بذلك ، بأن باعه محاباة أو وهبه وأوصى بذلك ، بأن اعترف أنه باع أو وهب.

[٢] ذكره في الرياض ، وحكاه عن صريح المقنع. لكنه بعيد جداً.

__________________

(١) المقصود هو خبر عمار المتقدم في صدر التعليقة.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوصايا حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب الوصايا ملحق حديث : ١٢.

٨٠