مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

فلا يكفي حصولها في الأثناء ، فلو تركها وجب تجديده [١]. ولا وجه لما قيل [٢] : من أن الإحرام تروك وهي لا تفتقر إلى النية ، والقدر المسلم من الإجماع على اعتبارها إنما هو في الجملة ولو قبل التحلل ، إذا نمنع ـ أولاً ـ كونه تروكاً [٣] فان التلبية ، ولبس الثوبين من الافعال. وثانياً : اعتبارها فيه‌

______________________________________________________

[١] وعن الشيخ في المبسوط : « الأفضل أن تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل ». والاشكال عليه ظاهر ، بعد ما عرفت من كونه عبادة من أوله الى آخره ، فلا يصح بدون نية. ولذلك قال في محكي المختلف : « الأولى ابطال ما لم يقع بنيته ، لفوات الشرط .. » وفي الدروس : « لعله أراد نية التمتع في إحرامه ، لا مطلق نية الإحرام. ويكون هذا التجديد بناء على جواز نية الإحرام المطلق ـ كما هو مذهب الشيخ ـ أو على جواز العدول إلى التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة ».

[٢] قال في كشف اللثام : « وقد يكون النظر الى ما أمضيناه ، من أن التروك لا تفتقر إلى النية. ولما جمع على اشتراط الإحرام بها ـ كالصوم ـ قلنا بها في الجملة ، ولو قبل التحلل بلحظة ، إذ لا دليل على أزيد من ذلك ولو لم يكن في الصوم نحو قوله (ص) : « لا صيام لمن لم يبيت الصيام » (١) قلنا فيه بمثل ذلك. وإنما كان الأفضل المقارنة ، لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك ».

[٣] قد عرفت سابقاً : أن الإحرام صفة خاصة اعتبارية تحصل للمحرم بتوسط الالتزام بترك المحرمات أو نية ترك المحرمات ، لا أنه نفس الترك للمحرمات. كيف والمحرم إذا فعل جميع المحرمات من ابتداء إحرامه‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٢ من أبواب وجوب الصوم حديث : ١.

٣٦١

______________________________________________________

الى أن يحل بالمحلل لا يخرج عن كونه محرماً ، بخلاف الصائم فإنه إذا استعمل المفطر خرج عن كونه صائماً؟ فالصوم ترك المفطرات وفعلها نقيضه. أما الإحرام فليس هو ترك المحرمات ، فإنه لا ينتقض بفعلها ، بل بمجرد حصول سببه يحصل ويبقى للمكلف إلى أن يحل بالمحلل. فهو باق بنفسه ما لم يحصل المحلل ، والصوم باق باختيار الصائم لا بنفسه ، فما دام تاركاً يكون صومه باقياً ، فاذا استعمل المفطر انتقض.

وبذلك افترق الصوم عن الإحرام من جهة أخرى ، فإن الصوم في جميع الآنات المتالية لا بد أن يقع على وجه العبادة ، لأنه في جميع الآنات باق باختيار الفاعل ، فهو من الأمور التدريجية. والإحرام باق بنفسه فلا يحتاج في بقائه إلى نية بل هو باق بنفسه ، فهو من الأمور القارة ، نظير الأمور الإنشائية ، كالزوجية ، والرقية ، ونحوهما. فاذا عدل الصائم عن نية الصوم ونوى استعمال المفطر بطل صومه ، وإذا عدل المحرم عن إحرامه لم يبطل إحرامه. فبناء على ذلك لا يتوجه لكلام كاشف اللثام وجه ، لأن النية قبل التحلل ليست نية الإحرام ولا قصداً له ، لحصوله من الأول ، فلا معنى لقصد حصوله ، وأنه لا مجال للمقايسة بالصوم.

وأيضاً يظهر من دليل كاشف اللثام : أنه توجد قاعدة ، وهي : أن التروك لا تحتاج إلى نية بخلاف الافعال ، وظاهر المصنف (ره) موافقته على ذلك أيضاً. ولكنه غير ظاهر ، فإنه لا أصل لهذه القاعدة. نعم في تروك الصوم لا يعتبر نية القربة ، لجواز تعذر الفعل ، فإن الصائم ربما لا يتمكن من الطعام والشراب والنساء فلا يكون تركه لها حينئذ عبادياً ولا عن نية القربة. ولأجل ذلك نقول : بأن عبادية الصوم فاعلية لا فعلية ، ويكفي في وقوعه على وجه العبادة أن يكون ناوياً لترك المفطر على تقدير القدرة‌

٣٦٢

على حد اعتباره في سائر العبادات ، في كون اللازم تحققها حين الشروع فيها [١].

( مسألة ٣ ) : يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة ، وأن الحج تمتع أو قران أو إفراد ، وأنه لنفسه أو نيابة عن غيره ، وأنه حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي [٢] فلو نوى الإحرام من غير تعيين وأو كله الى ما بعد ذلك بطل‌

______________________________________________________

فاذا لم يكن ناوياً ذلك كان صومه باطلاً. وقد أشرنا إلى ذلك في كتاب الصوم من هذا الشرح.

وأما تروك الإحرام بعد وقوعه فلا يعتبر فيها القربة بكل وجه ، فإنه إذا كان الفعل غير مبطل للإحرام لا يكون نية الفعل مبطلاً له بطريق أولى. نعم عند إنشاء الإحرام يجب أن يكون التزامه بتركه المحرمات أو نيته ترك المحرمات واقعاً على وجه قربي ، بحيث عند الابتلاء بالمحرم يتركه قربة الى الله تعالى ، كما في نية الصائم في ابتداء الصوم.

[١] يعني : اعتبار النية فيه. والعمدة في ذلك ارتكاز المتشرعة ، وإلا فالإجماع غير ثابت مع خلاف الشيخ (ره). اللهم إلا أن يكون خلافه لشبهة.

[٢] لاختلاف الخصوصيات الموجبة لاختلاف موضوع الأمر ، ويجب في العبادة أن يقع المأمور به بخصوصياته عن الأمر ، ولا يحصل ذلك إلا بقصد الخصوصية الموجبة لاختلاف الموضوع. فاذا لم يعين ، فان كان نوى الجامع بين الفردين فقد فاتت نية الخصوصية. مع أنه غير موضوع للأمر بما هو جامع بينهما فلا مجال للتقرب به. وكذا إذا نوى المردد ، لعين ما ذكر من المحذورين. فلاحظ ما ذكر مفصلاً في نية الوضوء وغيرها.

٣٦٣

فما عن بعضهم من صحته ، وأن له صرفه إلى أيها شاء من حج أو عمرة [١] لا وجه له ، إذ الظاهر أنه جزء من النسك فتجب نيته كما في أجزاء سائر العبادات. وليس مثل الوضوء والغسل بالنسبة إلى الصلاة [٢]. نعم الأقوى كفاية التعيين‌

______________________________________________________

[١] قال في التذكرة : « والواجب في النية أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة متقرباً إلى الله تعالى ، ويذكر ما يحرم له ، من تمتع ، أو قران ، أو إفراد .. ( إلى أن قال ) : ولو نوى الإحرام مطلقاً ولم يذكر لا حجاً ولا عمرة انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيهما شاء .. ». وحكي نحوه عن المنتهى ، وقريب منه عن المبسوط والمهذب والوسيلة. وفي كشف اللثام ـ بعد أن حكى ذلك ـ قال : « ولعله الأقوى ، لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام ، غير داخلين في حقيقته ، ولا يختلف حقيقة الإحرام ـ نوعاً ولا صنفاً ـ باختلاف غاياته. فالأصل عدم وجوب التعيين ».

[٢] فان كلاً منهما مشروع لنفسه ، فيمكن أن يتعبد به لنفسه من دون نية غايته ، بخلاف الإحرام. ضرورة أنه لا يصح ولا يتعبد به بنفسه وإنما يصح ويتعبد به في ضمن غايته ، فيكون جزءاً من المأمور به. ولأجل ذلك تختلف خصوصياته باختلاف خصوصيات ما ينضم اليه ، ولا بد من قصد تلك الخصوصيات في تحقق العبادة ، كما عرفت. واستدل في التذكرة على ما ذكره : بأن الإحرام بالحج يخالف غيره من إحرام سائر العبادات لأنه لا يخرج منه بالفساد ، وإذا عقد عن غيره ـ بأجرة أو تطوعاً ـ وعليه فرضه وقع عن فرضه ، فجاز أن ينعقد مطلقاً. وإذا ثبت أنه ينعقد مطلقاً فان صرفه إلى الحج صار حجاً ، وإن صرفه إلى العمرة صار عمرة ..

٣٦٤

الإجمالي ، حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه من حج أو عمرة فإنه نوع تعيين [١]. وفرق بينه وبين ما لو نوى مردداً مع‌

______________________________________________________

إلى آخر كلامه.

وفيه : ما لا يخفى ، فان ما ذكره ، من أنه لا يخرج عنه بالفساد ، لا أثر له فيما نحن فيه ، وقد عرفت في تحقيق مفهومه وجهه. وما ذكره ـ ثانياً ـ ممنوع. ولو سلم فهو للدليل. نظير ما ورد في العدول من صلاة إلى صلاة ، فإنه لا يدل على عدم وجوب التعيين في الصلاة.

وقد استدل أيضاً بما رواه العامة ، من أن النبي (ص) : خرج من المدينة لا سمى حجاً ولا عمرة ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء ، وهو بين الصفا والمروة (١) وهو كما ترى ، فإن الرواية ـ لو صحت ـ فإنما تدل على قصور في التشريع ، لا قصور في التعيين ، فإنه (ص) إنما قصد ما هو المشروع بخصوصياته ، إذ لا تعين حينئذ زائداً على ذلك.

[١] فاذا كان ما يعينه الحج فقد نوى الحج من الأول ، وإذا كان ما يعينه العمرة فقد نوى العمرة من أول الأمر ، وهكذا .. اللهم إلا أن يكون المعتبر هو التعيين مع قطع النظر عن التعيين ، ولا يكفي التعيين الآتي من التعيين. لكنه غير ظاهر. ودعوى : أنه قبل التعيين اللاحق لا تعيين للمأتي به. مدفوعة ، ضرورة كون المكلف قد قصد ما يعينه لاحقاً فاذا كان ما يعينه هو الحج ـ مثلاً ـ فقد قصد الحج من الأول ، لكنه لعدم معرفته بما يعينه لا حقاً لا يعرف المعين حين النية ، لكنه لا يقدح في حصول التعيين الإجمالي. والظاهر جريان مثل ذلك في أجزاء الصلاة ، فالتكبير إذا وقع منه بنية ما يعينه بعد ذلك ـ من ظهر أو عصر ـ فقد نوى التكبير‌

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٥ الصفحة : ٦ باب : أنه (ص) لم يعين الحج وينتظر القضاء.

٣٦٥

إيكال التعيين الى ما بعد.

( مسألة ٤ ) : لا يعتبر فيها نية الوجه من وجوب أو ندب [١] ، إلا إذا توقف التعيين عليها. وكذا لا يعتبر فيها التلفظ [٢]. بل ولا الاخطار بالبال ، فيكفي الداعي [٣].

( مسألة ٥ ) : لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته [٤] ،

______________________________________________________

المعين بلحاظ التعيين الآتي. ولأجل ذلك يتضح الفرق بين الفرض وبين ما إذا نوى المردد ثمَّ عين بعد ذلك ، فإنه في أول الأمر لم ينو الخصوصية لا تفصيلاً ولا إجمالاً.

[١] تقدم في نية الوضوء وغيرها وجه ذلك ، خلافاً للمشهور.

[٢] كما في القواعد وغيرها. والظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه ـ مضافاً إلى ذلك ، وإلى الأصل ـ : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج ، فكيف أقول؟ فقال : تقول : اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، على كتابك وسنة نبيك. وإن شئت أضمرت الذي تريد » (١). ونحوه خبر أبي الصلاح مولى بسام الصيرفي (٢). ويحتمل أن يكون المراد بالإضمار الإسرار في التلفظ.

[٣] كما تحقق ذلك في مباحث نية الوضوء وغيره من العبادات.

[٤] كما أشرنا إليه آنفاً ، وأن فعل المحرمات لا يوجب فساد الإحرام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٦٦

بل المعتبر العزم على تركها مستمراً [١] ، فلو لم يعزم من الأول على استمرار الترك بطل. وأما لو عزم على ذلك ولم يستمر عزمه ـ بأن نوى بعد تحقيق الإحرام عدمه ، أو إتيان شي‌ء منها ـ لم يبطل ، فلا يعتبر فيه استدامة النية كما في الصوم. والفرق : أن التروك في الصوم معتبرة في صحته [٢] ، بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية.

( مسألة ٦ ) : لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد [٣] ،

______________________________________________________

وإنما يوجب الفداء ، فعدم استمرار العزم أولى أن لا يقتضي الفساد. وسيأتي في المتن التعرض لذلك.

[١] يعني : يعتبر ذلك في حدوثه وإنشائه لا في بقائه واستمراره.

والوجه في اعتبار ذلك : ما أشرنا إليه آنفاً ، من أن إنشاءه إما بالالتزام الملازم للعزم المذكور ، أو بنفس العزم ، فلا يتحقق بدونه على كل حال.

[٢] بل في مفهومه ، فان مفهوم الصوم ترك المحرمات ، ففعلها مناف له.

[٣] لبطلان إحرامه ، لإجمال المكلف به وعدم الطريق الى امتثاله ، ولو بالاحتياط بفعل كل محتمل. فإنه وإن كان هذا ليس جمعاً بين النسكين بل هو مقدمة ليقين البراءة ، إلا أن فعل أحدهما يقتضي التحليل لاشتماله على الطواف. ولعل مرادهم بالتخيير هذا المعنى ، لا أن خطابه ينقلب الى التخيير ، كما في الابتداء كذا في الجواهر.

ويشكل بإمكان الامتثال الإجمالي. مثلاً : إذا تردد بين نية حج الافراد وبين نية العمرة المفردة ، يأتي بأعمال الحج أو لا ، ثمَّ يأتي إلى‌

٣٦٧

سواء تعين عليه أحدهما أولا. وقيل : إنه للمتعين منهما [١] ،

______________________________________________________

مكة فيأتي بأعمالها بنية المردد بين الحج والعمرة. وإذا تردد بين العمرة المفردة وعمرة التمتع ، يتم أعمال العمرة بقصد ما نواه ، وأحل واقتصر. لأصالة البراءة من وجوب الحج بعدها. واحتياط ـ بناء على لزوم الاحتياط ـ لأن الحج طرف للعلم الإجمالي ، فيحج برجاء المطلوبية.

وبالجملة : لا مقتضي لبطلان الإحرام بعد وقوعه على الوجه الصحيح وإمكان إتمام أعماله إما رجاءً أو علماً. نعم لا يجزي ذلك عقلا ، ولا تفرغ به الذمة ـ وان تمكن من إتمامه ـ لتردده فيما نواه. فيجوز له رفع اليد عنه إذا لم يكن محذور في ذلك ، كما لو دخل في صلاة ثمَّ تردد أنه نواها ظهراً أو عصراً ، فإنه إذا أتمها بقصد ما نواه لم تجزئ عما في الذمة لا عن الظهر ولا عن العصر. وهذا المقدار لا يستوجب البطلان ، وانما يستوجب جواز رفع اليد عنه. لكن في مثل الإحرام ـ الذي لا يتحلل عنه إلا بمحلل خاص ـ لا مجال للبناء على التحلل منه بمجرد ذلك ، إلا إذا ثبت عموم قاعدة : جواز رفع اليد عن العمل إذا لم يكن له دخل في الامتثال ولا في اليقين به ، حتى في مثل المقام. لكنه يشكل ، وإن كان الظاهر ثبوت ذلك هنا أيضاً عندهم. نعم إذا كان لا يصح منه إلا أحدهما ، فإذا تردد فيما نوى جاز له رفع اليد بالمرة ـ بناء على عدم جريان أصالة الصحة في المقام ـ ومقتضى الأصل العملي البطلان.

[١] قال في الشرائع : « ولو نسي بما ذا أحرم ، كان مخيراً بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما ». وفي القواعد : « ولو نسي ما عينه تخير إذا لم يلزمه أحدهما ». ونحوهما ما في غيرهما. وفي الجواهر : نسبته إلى الفاضل والشهيدين وغيرهم. وفي كشف اللثام : تعليله بأن له الإحرام بأيهما شاء‌

٣٦٨

ومع عدم التعيين يكون لما يصح منهما [١]. ومع صحتهما ـ كما في أشهر الحج ـ الاولى جعله للعمرة المتمتع بها [٢]. وهو مشكل ، إذ لا وجه له [٣].

______________________________________________________

إذا لم يتعين عليه أحدهما ، فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء. لعدم الرجحان. وعدم جواز الإحلال بدون النسك إلا إذا صد أو أحصر ، ولا جمع بين النسكين في إحرام .. انتهى. وأما أنه للمتعين منهما ، فلأن الظاهر من حال المكلف الإتيان بما هو فرضه.

[١] عملاً بقاعدة الصحة. لكن قاعدة الصحة إنما تجري بعد إحراز العنوان الذي يكون موضوعاً للصحة والفساد ، لا مع الشك فيه.

[٢] يعني : ويجوز جعله لكل منهما ، كما تقدم في كلام الجماعة. وهذه الأولوية نسبت إلى الشيخ (ره) ، لأنه ان كان متمتعاً فقد وافق ، وإن كان حاجاً فالعدول منه إلى غيره جائز. وعن المنتهى والتحرير : أنه حسن. لكن في كشف اللثام ، عن الخلاف : تتعين العمرة. وهو ظاهر كلامه المحكي عن الخلاف. قال : « وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال » وكيف كان فأولوية العدول مبنية على جواز العدول من الافراد الى العمرة المتمتع بها. لكن الوجوب غير ظاهر الوجه. إلا المحافظة على تمامية العمل ، وهو لا يقتضي الوجوب.

[٣] وما تقدم في كشف اللثام ، من توجيهه : بأن له الإحرام بأيهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما. لا يخلو من منع ، فان ثبوت ذلك قبل إنشاء الإحرام لا يقتضي ثبوته بعده. ولذا قلنا : بأن العدول من صلاة إلى أخرى خلاف الأصل ، لا يجوز ارتكابه إلا في موارد مخصوصة دل عليها الدليل‌

٣٦٩

( مسألة ٧ ) : لا تكفي نية واحدة للحج والعمرة [١] ، بل لا بد لكل منهما من نيته مستقلا ، إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل ، فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها. والقول‌

______________________________________________________

وان جاز قبل الشروع في العمل.

هذا وإن المناسب للقول المذكور التفصيل هكذا : أنه إن صح أحدهما دون الآخر اختار ما صح ، وإن صحا معاً ، ولزمه أحدهما دون الآخر اختار ما لزم. وإن تساويا في عدم اللزوم اختار أحدهما ، والأولى العدول إلى العمرة. وعبارة المتن قد نقل فيها التفصيل على شكل آخر غير مناسب ثمَّ إنه تقدم من الجواهر : أنه احتمل أن مراد الجماعة بالتخيير التجديد. لكنه بعيد ـ كما يظهر من ملاحظة عبارة الشرائع ـ فإنه ذكر التجديد مقابل التخيير في المسألة الآتية. وفي هذه المسألة ذكر التخيير مقتصراً عليه ، فليس المراد منه إلا التخيير بالمعنى الظاهر له. فلاحظ.

[١] قال في الشرائع : « ولو أحرم بالحج والعمرة ، وكان في أشهر الحج كان مخيراً بين الحج والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما. وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه ». وفي القواعد : « فالأقرب البطلان ، وإن كان في أشهر الحج ». وفي الدروس : « لا يجوز إدخال حج على حج ، ولا عمرة على عمرة » ولا نية حجتين ولا عمرتين .. ( إلى أن قال ) : ولا نية حجة وعمرة معاً ، إلا على قول الحسن وابن الجنيد. ولو فعل بطل إحرامه. وفي المبسوط : يتخير ما لم يلزم أحدهما ».

أقول : بعد ما تحقق ، من أن لكل من الحج والعمرة إحراماً مستقلا فإذا أحرم ونوى بإحرامه الحج والعمرة ـ بأن كان قصده أن يكون إحرامه‌

٣٧٠

بصرفه الى المتين منهما إذا تعين عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعين ، وصح منه كل منهما ، كما في أشهر الحج [١]. لا وجه له. كالقول : بأنه لو كان في أشهر الحج بطل ولزم‌

______________________________________________________

للحج وللعمرة معاً ـ فقد نوى ما لم يشرع ، فلا يصح. ولا فرق بين أن يكون بحيث يصح منه الإحرام للحج ويصح منه الإحرام للعمرة ـ كما إذا كان في أشهر الحج ـ وبين أن لا يصح منه الإحرام للحج وإن كان يصح منه الإحرام للعمرة ـ كما إذا لم يكن في أشهر الحج ـ لاطراد المانع في الصورتين ، وهو نية غير المشروع عن غير أمر الشارع. فما ذكره في القواعد هو الموافق للقواعد.

[١] هذا منسوب إلى الشيخ وجماعة. وقواه في كشف اللثام ، لما سبق منه ، من أن الإحرام حقيقة واحدة ، فإذا وقع على وجه العبادة صح وترتب عليه أثره. وفيه : أنه لو سلم ، فذلك إذا كان قد وقع على وجه العبادة ، ونيته للحج والعمرة مانعة عن ذلك ، إذ الإحرام الذي يترتب عليه الغايتان ليس بمشروع له ، فلا مجال للتقرب به. نعم إذا كان قصد الغايتين ـ على نحو تعدد المطلوب ـ فلا بأس. لكنه خلاف المفروض.

وكذا إذا كان قصدهما لا باعتبار وقوعهما فيه بل باعتبار آخر ، مثل : أن يكون العمرة واقعة فيه والحج يترتب عليه في الجملة ـ ولو لتوقفه عليه ـ وإن كان يقع في إحرام آخر ، فان نيتهما معاً ـ بهذا المعنى ـ لا بأس بها. وعلى ذلك تحمل النصوص المتضمنة لنية الحج والعمرة في إحرام العمرة. ففي صحيح يعقوب بن شعيب : « سألت أبا عبد الله (ع) ، فقلت : كيف ترى لي أن أهلّ؟ فقال : إن شئت سميت وإن شئت لم تسم شيئاً. فقلت له : كيف تصنع أنت؟ قال : أجمعهما فأقول : لبيك‌

٣٧١

التجديد ، وإن كان في غيرها صح عمرة مفردة [١].

( مسألة ٨ ) : لو نوى كإحرام فلان ، فان علم أنه لما ذا أحرم صح [٢]. وإن لم يعلم ، فقيل : بالبطلان لعدم التعيين ، وقيل : بالصحيحة لما عن علي (ع) [٣]. والأقوى‌

______________________________________________________

بحجة وعمرة معاً .. » (١).

[١] وهو ظاهر الشرائع. ومثله ، القول بالصحة للحج والعمرة ـ الذي نسبه في الدروس : إلى الحسن وابن الجنيد ، وفي المسالك : إلى الأول وجماعة ـ لما عرفت. نعم في الحدائق : أن الأول يرى أن الحج بعد العمرة يقع في إحرام العمرة لا في إحرام آخر. وأنه لا يحل من إحرامها إلا بعد أفعال الحج. وعليه يكون خلافه في المبنى.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. لوجود المقتضي ـ من النية ، والتعيين ـ وعدم المانع. كذا في الجواهر.

[٣] قال في الدروس : « قال ـ يعني : الشيخ ـ لو قال : كإحرام فلان ، صح. لما روي عن علي (ع) أنه قال : إهلالاً كإهلال نبيك ». يشير بذلك إلى ما في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ الوارد في حج النبي (ص) ـ وفيه ذكر : « أن علياً (ع) قدم من اليمن على رسول الله (ص) وهو بمكة .. ( إلى أن قال ) : وأنت يا علي بما أهللت؟ قال (ع) : قلت : يا رسول الله ، إهلالاً كإهلال النبي (ص) : فقال له رسول الله (ص) : كن على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي » (٢). ونحوه ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) (٣) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٤.

٣٧٢

______________________________________________________

ومرسل الفقيه (١) ، وغيرها.

لكن النصوص المذكورة لا تخلو من تدافع ـ كما أشار إلى ذلك في الحدائق والجواهر وغيرهما ـ فان المذكور في صحيح الحلبي ومرسل الفقيه : أن النبي (ص) ساق مائة بدنة ، وبعد أن جاء علي (ع) من اليمن وسأل عن إهلاله ، فقال : أهللت بما أهلّ به النبي (ص) ، فشركه في هديه وجعل له سبعاً وثلاثين وحينئذ يكون الحكم مختصاً به (ع) ، لأن مجرد نية الإحرام كإحرام النبي ـ مع أنه (ع) لم يسق الهدي ـ لا يستوجب الاشتراك في الهدي. والمذكور في صحيح معاوية وخبر الفضل بن الحسن الطبرسي ـ في إعلام الورى ـ : أن النبي (ص) ساق الهدي ، ستاً وستين أو أربعاً وستين بدنة. وأن علياً (ع) جاء بأربع وثلاثين ، أو ست وثلاثين (٢). ومقتضاه أنه لم يكن إجمال في نية إحرام أمير المؤمنين (ع) وإنما كان ناوياً للقران وساق الهدي كما نواه رسول الله (ص) وساق الهدي فلا يكون مما نحن فيه.

وأيضاً فإن المستفاد من النصوص : أن المتعة شرعت في حجة الوداع بعد وصول النبي (ص) إلى مكة ، ولم يكن قبل ذلك إلا تشريع الحج. والمسلمون حين أحرم النبي (ص) من الميقات كلهم أحرموا للحج كما أحرم النبي (ص) ، ولا فرق بينهم وبينه في الإحرام ، وإنما كان الفرق في سياق الهدي ، وهو أمر خارج عن النية وعلي (ع) إنما أحرم للحج كما أحرم غيره ، ولا إجمال فيما نواه. بل إن كان قد ساق الهدي ـ كما في بعض الروايات ـ كان حجه قراناً ، وإلا كان إفراداً. وحينئذ يكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج ملحق حديث : ١٤ ، حديث : ٢٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣٢.

٣٧٣

الصحة ، لأنه نوع تعيين. نعم لو لم يحرم فلان ، أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان [١]. وقد يقال : إنه في صورة الاشتباه يتمتع [٢]. ولا وجه له. إلا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتع.

( مسألة ٩ ) : لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل [٣].

______________________________________________________

المقصود ، من قوله (ع) : « كإهلاك » أنه إهلال بالحج. ولعله في مقابلة إهلال الجاهلية ، فالاستدلال بالنصوص على ما نحن فيه غير ظاهر. وقد عرفت فيما سبق أنه لا قصور في النية في فرض المسألة. بل الصحة فيها أظهر منها فيه ، لتحقق التعين حال النية في الفرض دون ما سبق. ومن العجيب ما في الجواهر هنا من أن الأقوى البطلان : كيف؟! ولعل أكثر السواد على هذا النهج من النية ، فإنهم يحرمون كما يحرم غيرهم ممن يعرفونه بالمعرفة والتفقه.

[١] أما في الصورة الأولى فظاهر ، لانتفاء الموضوع. وأما في الصورة الثانية فغير ظاهر. إلا بناء على ما عرفت في الناسي.

[٢] حكاه في الشرائع قولاً ، ونسبه في الجواهر إلى الشيخ. قال في محكي الخلاف : « إذا أحرم كإحرام فلان ، وتعيين له ما أحرم به عمل عليه. وإن لم يعلم حج متمتعاً ». وفيه ـ كما في الجواهر ـ : أن العدول إنما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعيناً عليه. ومن ذلك يظهر الوجه فيما ذكر في المتن.

[٣] لفوات النية.

٣٧٤

( مسألة ١٠ ) : لو نوى نوعاً ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق [١].

( مسألة ١١ ) : لو كان في أثناء نوع وشك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على أنه نواه [٢].

( مسألة ١٢ ) : يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية [٣] ،

______________________________________________________

[١] كما في القواعد وغيرها. إذ لا اعتبار بالنطق ، وإنما الاعتبار بالنية. وقد يستشهد له بخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن رجل أحرم قبل التروية ، فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء ، فليعقد الإحرام بالحج » (١). لكن ظاهره نية العمرة غلطاً ، لا التلفظ بالعمرة والنية غلطاً ـ أيضاً ـ لا أثر لها كاللفظ ، لأن التأثير في الفعل إنما يكون للداعي النفسي ، لا للنية غلطاً ، فيكون المدار عليه لا عليها.

[٢] قد تقدم ـ في بعض مباحث نية الصلاة ـ الإشكال في ذلك ، وأن قاعدة التجاوز أو الصحة إنما تجري مع الشك في تحقق ما له دخل في تمامية المعنون بعد إحراز عنوانه. والنية لما كانت بها قوام العنوان ، فمع الشك فيها يكون الشك في العنوان لا في المعنون. فراجع ذلك المبحث ، وتأمل.

[٣] يعني : بالمنوي. ذكره جماعة من الأصحاب ، كما في الحدائق. وفي الجواهر : « صرح به غير واحد .. ». ويشير بالأخبار المذكورة إلى صحيح حماد بن عثمان المتقدم في المسألة الرابعة (٢). ونحوه خبر أبي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب الإحرام حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب إحرام حديث : ١.

٣٧٥

______________________________________________________

الصلاح مولى بسام الصيرفي ، قال : « أردت الإحرام بالمتعة ، فقلت لأبي عبد الله (ع) : كيف أقول؟ قال : تقول : اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج ، على كتابك وسنة نبيك وإن شئت أضمرت الذي تريد » (١) ، وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا أردت الإحرام بالتمتع ، فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي ، وتقبله مني ، وأعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. أحرم لك شعري ، وبشري من النساء ، والطيب ، والثياب » (٢). وظاهر هذه النصوص استحباب التلفظ بالمنوي في غير التلبية.

قال في المدارك : « والأفضل أن يذكر ـ في تلبية عمرة التمتع ـ الحج والعمرة معاً ، على معنى : أنه ينوي فعل العمرة ـ أولاً ـ ثمَّ الحج بعدها ، باعتبار دخولها في حج التمتع. لقوله في صحيحة الحلبي : إن أمير المؤمنين (ع) كان يقول فيها : لبيك بحجة وعمرة معاً ، لبيك » (٣) وهو في محله. وما في بعض النصوص من أنه يهلّ بالحج ، محمول على ذلك قطعاً.

هذا وفي المنتهى : « لو اتقى كان الأفضل الإضمار. وروى الشيخ ـ في الصحيح ـ عن أبان بن تغلب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : بأي شي‌ء أهل؟ فقال (ع) : لا تسم حجاً ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة. فإن أدركت كنت متمتعاً ، وإلا كنت حاجاً » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الإحرام حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٧٦

والظاهر تحققه بأي لفظ كان [١]. والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار [٢] ، وهو أن يقول : « اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، على كتابك وسنة نبيك (ص) ، فيسر ذلك لي ، وتقبله مني ، وأعني عليه. فان عرض شي‌ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم تكن حجة فعمرة ، أحرم لك شعري ، وبشري ، ولحمي ، ودمي ، وعظامي ، ومخي ، وعصبي من النساء والطيب ، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة ».

______________________________________________________

وعن منصور بن حازم قال : « أمرنا أبو عبد الله (ع) أن نلبي ، ولا نسمي شيئاً. وقال : أصحاب الإضمار أحب إلي » (١). وعن إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) قال : الإضمار أحب إلي ، ولم يسم » (٢). وإنما قلنا : أن ذلك على سبيل التقية جمعاً بين الأخبار ». ولا بأس به ، كما في المدارك.

[١] لأن اختلاف النصوص في اللفظ يدل على عدم خصوصية في لفظ بعينه.

[٢] روى في الفقيه : عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال : « لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة .. ( إلى أن قال ) : فاذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله عز وجل وأثن عليه وصل على النبي (ص) ، وتقول : اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استحباب لك ، وآمن بوعدك ، واتبع أمرك .. ( إلى أن قال ) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

٣٧٧

( مسألة ١٣ ) : يستحب أن يشترط ـ عند إحرامه ـ على الله أن يحله إذا عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة ، وأن يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج ولم يمكنه الإتيان ، كما يظهر من جملة من الأخبار [١]. واختلفوا في‌

______________________________________________________

اللهم تمم لي حجي. اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج ، على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله ، فان عرض لي عارض (١) .. » (٢) إلى آخر ما في المتن. كذا فيما يحضرني من نسخة الفقيه وغيرها.

ثمَّ إن تخصيص الأولوية بصحيحة معاوية غير ظاهر. فاللازم إطلاق الأولوية بالنسبة إليها وإلى ما في صحيح ابن سنان (٣) وغيرها ، من دون اختصاص بواحد منها.

[١] وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، نصاً وفتوى. نعم أنكره جماعة من العامة » ، وفي المدارك والحدائق : « استحباب ذلك مما أجمع عليه أصحابنا وأكثر العامة ». والمراد من الأخبار في المتن : صحيح عبد الله بن سنان ، وصحيح معاوية بن عمار المتقدمان (٤) ، وخبر‌

__________________

(١) كما في الفقيه الجزء ٢ الصفحة ٢٠٦ طبع النجف الأشرف. وفي الكافي والتهذيب : « فان عرض لي شي‌ء ». الكافي الجزء ٤ الصفحة ٣٣١ طبع إيران الحديثة ، التهذيب الجزء ٥ الصفحة ٧٧ طبع النجف الأشرف.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ١. وأما ما أسنده إلى معاوية بن عمار في المتن فلم نعثر له على رواية كذلك. نعم الى قوله : « وأعني عليه » موافق لصحيح ابن سنان المتقدم ذكره قريباً. فلاحظ.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ٢. وقد تقدم ذكره قريباً.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ٢ ، ١. وقد تقدم ذكر رواية ابن سنان في المسألة المتقدمة ورواية معاوية في التعليقة السابقة.

٣٧٨

فائدة هذا الاشتراط ، فقيل : إنها سقوط الهدي [١].

______________________________________________________

أبي الصباح الكناني قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد أن يحرم : أن حلني حيث حبستني ، فإن حبستني فهي عمرة .. » (١) ، وخبر الفضيل ابن يسار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه ، ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة » (٢) ، وخبر حنان بن سدير قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا أتيت مسجد الشجرة .. ( إلى أن قال ) : ثمَّ تقول : اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإن أصابني قدرك فحلني حيث حبستني بقدرك .. » (٣) ، وغير ذلك من النصوص.

[١] حكي ذلك في كشف اللثام ، عن الانتصار ، والسرائر ، والجامع ، وحصر التحرير ، والمنتهى ، والتذكرة ، وغيرها. واستدل ـ في الأول ـ عليه : بالإجماع. وبأنه لا فائدة له سواه. وبصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : أو ما اشترط على ربه ـ قبل أن يحرم ـ أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله تعالى؟ فقلت : بلى ، قد اشترط ذلك. قال : فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه. إن الله أحق من وفي بما اشترط عليه. قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا » (٤) ، وصحيح محمد بن أبي نصر قال :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٣٧٩

وقيل : إنها تعجيل التحلل ، وعدم انتظار بلوغ الهدي محله [١].

______________________________________________________

« سألت أبا الحسن (ع) عن محرم انكسرت ساقه ، أي شي‌ء تكون حاله وأي شي‌ء عليه؟ قال (ع) : هو حلال من كل شي‌ء. قلت : من النساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم. وقال : أو ما بلغك قول أبي عبد الله (ع) : حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي؟ قلت : أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال : لا .. » (١). فان الصحيحين وإن لم يتعرض فيهما لنفي الهدي صريحاً ، لكن السكوت فيهما عن الهدي ظاهر في سقوطه. واحتمال أن يكون ترك بيان وجوب الهدي اتكالاً على الآية وغيرها ـ كما في الجواهر ـ غير ظاهر ، فان مورد الصحيحين أخص من مورد الآية ، وظاهر الآية : أن وجوب الهدي من جهة التحلل ، فاذا حصل بالشرط لم يكن له فائدة (٢). وأيضاً فإن البناء على كون الفائدة التعجيل يوجب تصرفاً في الآية ، وليس هو أولى من التصرف فيها ، بحمل الهدي على غير صورة الاشتراط.

[١] ولا يسقط الهدي ، كما عن المبسوط والخلاف والمهذب في المحصور ، والوسيلة في المصدود ، وعن التذكرة والتحرير والمنتهى والنافع. واختاره في الشرائع والجواهر ، واستشهد له بصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « إن الحسين بن علي (ع) خرج معتمراً فمرض في الطريق ، فبلغ علياً ذلك وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا ، وهو مريض بها. فقال : يا بني ما تشتكي؟ فقال : اشتكي رأسي ، فدعا علي (ع) ببدنة فنحرها ، وحلق رأسه ، ورده إلى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الإحصار حديث : ٤.

(٢) المرار بها : قوله تعالى ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )ـ البقرة : ١٩٦.

٣٨٠