مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

بل لموثقة إسحاق بن عمار‌ [١] ، المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان ، وحسين بن يحيى‌ [٢] ، الدالة على أن النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة :

______________________________________________________

المنوب فيه ، لا في الأحكام. وهذا مما لا إشكال فيه ، انما الإشكال في أن الوحدة المذكورة تقتضي الاجتزاء في المقام. وذلك لأن الموت الطارئ على الحاج عن نفسه من قبيل العذر المستمر المانع من القدرة على الأداء أبداً ، والموت الطارئ على النائب ليس كذلك ، لإمكان النيابة من غيره مقارنة أو لا حقة ، فهذا الفرق هو الفارق بينهما في الاجزاء وعدمه ،

وأما ما ذكره في الجواهر : من ظهور نصوص الاجزاء في عموم الحكم فممنوع. وفهم الأصحاب لا يصلح قرينة عليه لو ثبت. مع إمكان منعه ، فان حكمهم بالاجزاء أعم من ذلك.

[١] عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة ، فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه ، فيموت قبل أن يحج ثمَّ أعطى الدراهم غيره. قال (ع) : إن مات في الطريق ، أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول .. » (١). وقد تقدمت.

[٢] أما الأولى فهي عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أعطى رجلاً ما يحجه ، فحدث بالرجل حدث ، فقال : إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول ، وإلا فلا » (٢) والثانية عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أعطى رجلاً مالاً يحج عنه فمات. قال : فان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه ، وإن مات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

٢١

« من خرج حاجاً فمات في الطريق ، فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة » [١] ، الشاملة للحاج عن غيره أيضاً [٢]. ولا يعارضها موثقة عمار الدالة على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي [٣] ،

______________________________________________________

في الطريق فقد أجزأ عنه » (١).

[١] تتمة المرسلة : قوله (ع) : « فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج ، وليقض عنه وليه » (٢).

[٢] المرسلة ـ لو سلم شمولها للنائب ـ تكون عامة بالنسبة إلى الروايات السابقة ، إذ هي خاصة بالنائب ، والخاص مقدم على العام ، فيتعين البناء على الاجتزاء بموت النائب في الطريق وإن لم يكن قد أحرم ودخل الحرم فالجمع يكون بالتصرف في المرسلة بالتقييد ، لا بالتصرف في غيرها بتقييده بها. وإن كان الظاهر أنها خاصة بالحاج عن نفسه ، بقرينة ذيلها ، إذ القضاء فيه إنما يكون عن الأصيل لا النائب ، لأنه مع اشتراط المباشرة تبطل الإجارة. ولا يصح القضاء عنه ولا الأداء ، ومع عدم اشتراطها يكون أداء لا قضاء. وبالجملة : الظاهر من الذيل الاختصاص بالأصيل.

ثمَّ إن ما ذكره المصنف (ره) من كيفية الجمع ، إنما ينفع في إثبات عدم الاجزاء لو مات قبل الإحرام ودخول الحرم ـ وهي المسألة الأولى ـ لا في المسألة الثانية ، إذ النصوص كلها متفقة على الاجتزاء بها. فلاحظ.

[٣] عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل حج عن آخر ومات في الطريق. قال : وقد وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، ولكن يوصي. فإن قدر على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٢٢

لأنها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام [١] ، أو على الاستحباب [٢]. مضافاً الى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق [٣]. وضعفها سنداً ـ بل ودلالة ـ منجبر بالشهرة ، والإجماعات المنقولة ، فلا ينبغي الإشكال في الاجزاء في الصورة المزبورة. وأما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان [٤]. ولا يبعد الاجزاء وإن لم نقل به في الحاج عن نفسه لإطلاق الأخبار في المقام ، والقدر‌

______________________________________________________

رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل » (١).

[١] هذا لا قرينة عليه. نعم يمكن أن يكون مقتضى الجمع العرفي ، بناء على ما ذكره المصنف (ره) من تقييد الموثقة ونحوها بالمرسلة ، فإنها تكون حينئذ أخص من رواية عمار ، فتقيد بها ، فتحمل على ما ذكر. أو أنه إذا كانت المرسلة صالحة لتقييد الموثقة بمفهوم الشرطية فيها تكون أيضاً صالحة لتقييد رواية عمار بمنطوق الشرط. نعم ـ بناء على ما ذكرناه من اختصاص المرسلة بالحاج عن نفسه ـ لا مجال لذلك كله.

[٢] هذا هو الذي يقتضيه الجمع العرفي ، فإن ما دل على الاجزاء ظاهر في عدم وجوب ذلك ، فيحمل ذلك على الاستحباب.

[٣] هذا هو العمدة.

[٤] أحدهما الاجزاء ، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف. بل في الثاني : ادعى إجماع الفرقة عليه ، وأن هذه المسألة منصوصة فهم لا يختلفون فيها. انتهى. وتبعه الحلي في السرائر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٥.

٢٣

المتيقن من التقييد هو اعتبار كونه بعد الإحرام. لكن الأقوى عدمه [١] ، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار الأمرين في الاجزاء. والظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام وغيرها من أقسام الحج [٢] ، وكون النيابة بالأجرة أو بالتبرع [٣].

( مسألة ١١ ) : إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم يستحق تمام الأجرة [٤]

______________________________________________________

[١] كأنه اعتماداً على المرسلة التي قد عرفت عدم ظهورها في العموم للأجير. أو اعتماداً على دعوى الإجماع على عدم الفصل بين الأصيل والأجير. ولكنه غير ظاهر. أو اعتماداً على الأصل ، بعد عدم صلاحية الأخبار المتقدمة للمرجعية ـ لظهورها في الموت في الطريق في مقابل الموت في المنزل ـ وبعد قيام الإجماع على عدم العمل بها تسقط عن الحجية ، لأن تقييدها بما بعد الإحرام بعيد عن مفادها. وهذا محتاج إلى التأمل.

[٢] لإطلاق الفتاوى والنصوص. ولم أقف على من تعرض لاحتمال الاختصاص بحج الإسلام.

[٣] لإطلاق النصوص ، بناء على التعويل عليها. وأما الفتاوى فهي وإن كانت مختصة بالإجارة ـ لذكرهم الأجير ، وتعرضهم لأحكام الإجارة من الرجوع بالأجرة كلا أو بعضاً ، كما سيأتي ـ لكن الظاهر منهم عدم الفرق في الاجزاء ، ولذا لم يتعرضوا لعدم الاجزاء على تقدير التبرع.

[٤] المذكور في كلام الأصحاب : أنه إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم استحق تمام الأجرة ، وإذا مات قبل ذلك وجب أن يستعاد من الأجرة ما قابل المتخلف ذاهباً وعائداً. ونسب الأول ـ في المسالك ـ

٢٤

إذا كان أجيراً على تفريغ الذمة [١] ، وبالنسبة الى ما أتى به من الأعمال إذا كان أجيراً على الإتيان بالحج ، بمعنى الاعمال المخصوصة [٢]. وإن مات قبل ذلك لا يستحق شيئاً ، سواء مات قبل الشروع في المشي ، أو بعده وقبل الإحرام ، أو‌

______________________________________________________

إلى اتفاق الأصحاب. كما نسب الثاني في الحدائق إلى تصريح الأصحاب.

واستشكل في المدارك في الأول : بأنه إنما يتم إذا تعلق الاستئجار بالحج المبرئ للذمة ، أما لو تعلق بالأفعال المخصوصة لم يتوجه استحقاقه لجميع الأجرة. واستشكل في الثاني : بأنه إنما يستقيم إذا تعلق الاستئجار بمجموع الحج مع الذهاب والإياب ، وهو غير متعين ، لأن الحج اسم للمناسك المخصوصة ، والذهاب والعود خارجان عن حقيقته. انتهى. وفي الحدائق دفع الإشكال الأول : بأن ما ذكره مبني على الرجوع إلى القواعد. لكنه غير ظاهر ، لأن المستند فيه الإجماع. ودفع الثاني : بأن المفروض في كلامهم الصورة الغالبة المتكثرة ، وهي ملاحظة الطريق في الأجرة وإن لم يكن داخلا في الإجارة. وسيأتي الكلام في ذلك.

[١] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، فان الأفعال التوليدية لما كانت أفعالا اختيارية جاز وقوع الإجارة عليها ، كما جاز وقوع الإجارة على أسبابها. فيجوز الاستئجار على غسل الثياب وعلى تطهير الثياب ، ويجوز الإجارة على صبغ الثوب كما يجوز على وضعه في الصبغ. ثمَّ إن الوجه في استحقاق تمام الأجرة في الفرض حصول الأمر المستأجر عليه بلا نقص ولا خلل.

[٢] هذا أيضاً ظاهر ، لعدم حصول تمام المستأجر عليه بل الحاصل بعضه والبعض الآخر غير حاصل ، فتوزع الأجرة على الجميع ، ويستحق من‌

٢٥

بعده وقبل الدخول في الحرم ، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه ـ لا كلاً ولا بعضاً ـ بعد فرض عدم إجزائه [١]. من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال ، أو مع‌

______________________________________________________

الأجرة على النسبة. وقد عرفت من الحدائق : دعوى الإجماع على استحقاق الجميع. وفي المسالك : « مقتضى الأصل أن لا يستحق إلا بالنسبة ، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب وبراءة ذمة الأجير ، واتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة ، فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل .. ». وفي كشف اللثام : « لا يستعاد من تركته ـ يعني : النائب ـ شي‌ء. بلا خلاف عندنا على ما في الغنية ، وفي الخلاف : إجماع الأصحاب على أنه منصوص لا يختلفون فيه ، وفي المعتبر : أنه المشهور بينهم. فان ثبت عليه إجماع أو نص ، وإلا اتجهت استعادة ما بإزاء الباقي .. ». أقول : لا إشكال في دعوى الاتفاق والإجماع على الحكم في الجملة ، أما في خصوص ما إذا كانت الا جارة على نفس العمل فغير ظاهرة ، ولا مجال للاعتماد عليها. فلاحظ.

[١] بل لو فرض إجزاؤه أيضاً لا وجه للاستحقاق ، لأنه غير العمل المستأجر عليه. نعم لو كان الاستئجار على إفراغ الذمة كان البناء على الاستحقاق في محله ، لحصول المستأجر عليه ، وهو فراغ الذمة. ثمَّ إنه قد يستشكل في صحة الإجارة على العمل نفسه في قبال إفراغ الذمة ، لعدم الغرض العقلائي. وفيه : أنه قد يكون الغرض تحمل الزحمة ليترتب عليه زيادة الأجر. وأيضاً فإن كون الغرض هو إفراغ الذمة لا يقتضي المنع من وقوع الإجارة على سببه ولو بملاحظة الغرض المذكور.

٢٦

المقدمات من المشي ونحوه [١]. نعم لو كان المشي داخلاً في الإجارة على وجه الجزئية ـ بأن يكون مطلوباً في الإجارة نفساً ـ استحق مقدار ما يقابله من الأجرة. بخلاف ما إذا لم يكن داخلاً أصلاً ، أو كان داخلاً فيها لا نفساً بل بوصف المقدمية. فما ذهب اليه بعضهم من توزيع الأجرة عليه أيضاً مطلقاً [٢]

______________________________________________________

[١] يعني : على نحو تكون قيداً للعمل المستأجر عليه ، فالإجارة تكون على العمل المقيد بالذهاب أو مع الإياب ، في مقابل ما لو حظ جزءاً للمستأجر عليه ، فتكون الإجارة واقعة على الذهاب والعمل معاً ، فيكون الذهاب بعض المستأجر عليه كالعمل.

ثمَّ قد يستشكل في أخذ الذهاب قيداً ، لأن العمل إذا كان موقوفاً على الذهاب كان الذهاب ضرورياً له ، فلا إطلاق له كي يحسن تقييده. وفيه : أنه يتم لو أخذ الذهاب المطلق قيداً ، أما إذا أخذ الذهاب الخاص ـ وهو ما كان بنية النيابة ـ فلا مانع عنه ، لإمكان التخلي عنه. ويحتمل أن يكون المراد من دخوله بوصف المقدمية ، دخوله جزءاً لكن بوصف كونه مقدمة للجزء اللاحق. وحينئذ فالوجه ـ في عدم الاستحقاق حينئذ ـ انتفاء وصف المقدمية عنه. وسيأتي الكلام فيه.

[٢] قد عرفت من الحدائق نسبته إلى تصريح الأصحاب ، وهو المذكور في الشرائع والقواعد. قال في الأول : « ولو مات قبل ذلك لم يجز ، وعليه أن يعيد من الأجرة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهباً وعائداً .. ». وقال في الثاني : « وقبله يعيد مقابل الباقي والعود .. ». وحكي عن جماعة : أنهم عبروا بذلك ، غير أنهم لم يذكروا العود.

٢٧

لا وجه له [١].

______________________________________________________

[١] ذكر بعضهم أن الوجه فيه : أن إطلاق الإجارة على الحج يقتضي دخول الذهاب والإياب على نحو الجزئية ، ونسبه في الجواهر إلى جماعة ، وفي كشف اللثام : « قوى في الخلاف تضمن الاستيجار للحج الاستيجار لقطع المسافة ، وقطع به القاضي في الجواهر .. ».

أقول : لا ريب في أن الاستيجار للحج تارة : يكون للحج الميقاتي ، وأخرى : للحج البلدي. فإن كان الأول فلا ريب في عدم ملاحظة الطريق في عقد الإجارة ، لا جزءاً ولا شرطاً ، وإن كان الأجير من أهل البلد ويتوقف حجه على السير من البلد. وإن كان الثاني فلا ريب في ملاحظته ، ويكون السير في الطريق حقاً من حقوق المستأجر. لكن توزيع الأجرة ليس تابعاً للملاحظة مطلقاً ، بل إنما هو تابع للملاحظة على وجه الجزئية ، لأن منشأ التوزيع تبعيض العقد فيصح في بعض ويبطل في بعض ، نظير تبعض الصفقة في البيع ، فاذا لم يكن ملحوظاً على وجه الجزئية بحيث يكون موضوعاً لبعض العقد ـ الراجع إلى العقد على البعض ، بعد تحليل العقد إلى عقود متعددة بتعدد الأبعاض ـ لا مجال للتوزيع. ومجرد أن ملاحظة الطريق موجبة لزيادة القيمة لا يكفي في التوزيع ، فان صفات المبيع ربما تكون موجبة لزيادة الثمن لا لكونها موضوعاً للبيع. وكذلك بعض صفات العين المستأجرة ربما تكون موجبة لزيادة الأجرة لكن لا لكونها موضوعاً لعقد الإجارة ، والمدار في التوزيع هو ذلك ، كما لا يخفى.

هذا في الذهاب ، أما بالنسبة إلى الإياب فليس هو مقدمة للحج عقلية ، فضلا عن أن يكون ملحوظاً عوضاً وطرفاً للمعاوضة. نعم له دخل في زيادة الأجرة ، فإن الشخص الذي لا بد له من العود لا يؤجر نفسه للحج‌

٢٨

______________________________________________________

بالقيمة التي لا تفي بالعود ، فإذا بني على التوزيع بالإضافة إلى كل ما له دخل في زيادة القيمة لم يكن الفرق بين الذهاب والإياب ، فتوزع الأجرة عليهما بنحو واحد. وعلى هذا المبنى لا فرق في التوزيع بين الأجرة على الحج البلدي والحج الميقاتي إذا كان الأجير من أهل البلد الذي لا بد له من الرجوع إلى بلده ، فإنه لا يؤجر نفسه للحج الميقاتي إلا إذا كانت القيمة وافية للذهاب والإياب على نحو الحج البلدي ، فيكونان معاً ملحوظين لزيادة القيمة.

وعلى هذا المبنى جرى في كشف اللثام ، حيث قال : « وعندي أنه وإن لم يتضمنه ( يعني : يتضمن عقد الإجارة للذهاب والإياب ) لكنه في حكم المتضمن ، لأن أجرة الحج تتفاوت بتفاوت مسافة الذهاب ، وبالاختلاف في الإياب وعدمه .. ( إلى أن قال ) : فهو وإن لم يفعل شيئاً مما استؤجر له ، لكنه فعل فعلا له أجرة بإذن المستأجر ولمصلحته ، فيستحق أجرة مثله. كمن استأجر رجلا لبناء ، فنقل الآلة ثمَّ مات قبل الشروع فيه ، فإنه يستحق أجرة مثل النقل قطعاً. فيصح ما في الكتاب على إطلاقه ». وتبعه عليه في الجواهر ، مستدلا له : بأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به ، بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه ، فلم يتيسر له ذلك بمانع قهري. وعدم فائدة المستأجر ـ مع إمكان منع .. ( إلى أن قال ) : « غير قادح في استحقاق الأجرة عليه نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه ، كبعض الصلاة ونحوه .. ».

أقول : أصالة احترام عمل المسلم لا تقتضي الضمان ، وإنما هي في مقام محض التكليف ، من باب لزوم احترام ماله ونفسه ، المستفاد من موثقة سماعة : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه » (١). فهي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

٢٩

______________________________________________________

في مقام التكليف وتحريم نفسه وماله وأنه لا يجوز اغتصابه ، ولا تدل على أكثر من ذلك. نعم من جملة الأسباب استيفاء العمل ، فمن عمل بأمر غيره فقد استوفي غيره عمله ، فيكون مضموناً عليه. لكنه يختص بالأمر النفسي ، فلا يشمل الأمر الغيري وإن كان أيضاً سبباً للاستيفاء ، لكن لا دليل على سببيته مطلقاً ، والقدر المتيقن ـ من مرتكزات المتشرعة ، وكلمات الأصحاب ـ هو الاستيفاء بالأمر النفسي لا بغيره.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : الأول : أنه إذا استأجره على الحج البلدي ، فموضوع الإجارة هو الحج ، وهو المناسك المخصوصة. وكونه بلدياً لوحظ شرطاً وقيداً له ، فلا يكون جزء العمل المستأجر عليه ، ولا توزع عليه الأجرة كغيره من القيود ، بل كغيره من قيود المبيع. هذا على المشهور من أن السير من الميقات ليس واجباً نفسياً ، أما بناء على أنه جزء الواجب ـ كما استظهرناه سابقاً ، لأن الحج هو القصد ـ فالحج من البلد يراد منه السير من البلد ، مقابل السير من الميقات ، فاذاً يكون جزء العمل المستأجر عليه ، وتوزع عليه الأجرة. ولازم ما ذكرنا : أنه يجب وقوع السير على وجه يكون طاعة ، ولا يجوز أن يكون السير معصية فلو سار ليسرق مالاً في بعض الطريق كان باطلاً غير مجزي.

الثاني : إذا استأجره للحج الميقاتي فمات قبل الإحرام لم يستحق أجرة إلا بناء على أن استيفاء عمل الغير موجب للضمان ولو كان من جهة الأمر الغيري. وقد عرفت أن هذا المبنى لا دليل عليه. واحترام عمل المسلم لا يقتضيه : وما دل على أن استيفاء عمل الغير موجب لضمانه ، لما كان هو ارتكاز المتشرعة والعقلاء ، وكان القدر المتيقن منه هو الاستيفاء بطريق الأمر النفسي ، وجب الاقتصار عليه. بل ظاهر كلماتهم ـ في كتاب‌

٣٠

كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم : من التوزيع على ما أتى به من الاعمال بعد الإحرام [١]. إذ هو نظير ما إذا استؤجر‌

______________________________________________________

الجعالة ـ : التسالم عليه ، فقد ذكروا : أن العامل إنما يستحق الجعل بالتسليم ، فلو جعل لمن سلمه عبده جعلاً ، فجاء العامل بالعبد إلى البلد ، ففر العبد قبل التسليم ، لم يستحق العامل شيئاً ، وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده. نعم لو صرح بما لا يقتضي التسليم ـ كالايصال الى البلد ـ استحق الجعل .. ». والمقامان من باب واحد. ومن ذلك تعرف ضعف ما تقدم عن كشف اللثام والجواهر. ولعل السر فيما ذكرنا : أن الأمر الغيري إنما يتعلق بالمقدمة الموصلة ، فغير الموصلة لا أمر بها لا نفسياً ولا غيرياً ، فلا استيفاء ليترتب عليه الضمان.

الثالث : أنه لو بني على التوزيع في البلدي وعدمه في الميقاتي ، فهل يكون مقتضى الإطلاق هو الحج البلدي ، فيجب التوزيع لو مات قبل الميقات ـ كما تقدم ـ أو لا؟ الظاهر أن المقامات مختلفة ، فقد يكون مقتضى الإطلاق الحج البلدي ، وقد يكون مقتضاه الحج من بلد الإجارة ، وقد لا يكون ، وكل ذلك تابع للمناسبات المقامية المقتضية للانصراف وعدمها.

[١] ذكر ذلك في المدارك وغيرها. قال في الأولى : « ولو مات بعد الإحرام استحق بنسبة ما فعله إلى الجملة .. ». ونحوه كلام غيره وفي النافع : « لو صد الأجير قبل الإكمال استعاد من الأجرة ما قابل المتخلف .. ». ونحوه في القواعد. ونسب ذلك ، في بعض الكلمات ، الى تصريح الأصحاب. وحاصل الاشكال عليه : أن أبعاض العمل المستأجر عليه إنما توزع عليها الأجرة إذا كانت ذات قيمة ـ بأن كانت ينتفع بها ـ فاذا لم يكن ينتفع بها وليس لها قيمة لا مجال للتبعيض. وكذا الحكم في‌

٣١

للصلاة ، فأتى بركعة أو أزيد ثمَّ أبطلت صلاته ، فإنه لا إشكال في أنه‌

______________________________________________________

باب تبعض الصفقة في البيع ، فاذا كان بعض المبيع له قيمة في حال الانفراد كان تبعيض الثمن في محله ، أما إذا لم يكن له قيمة في حال الانفراد فلا مجال لتبعيض الثمن عليه ، لأن تبعيض الثمن إنما يكون لتبعيض العقد وانحلاله الى عقود متعددة بتعدد الاجزاء ، ولا مجال لذلك فيما إذا كان البعض منفرداً لا قيمة له ، لأن أخذ الثمن في حال الانفراد أكل للمال بالباطل.

ومن ذلك يظهر : أنه لو أحرم فمات قبل دخول الحرم لم يستحق شيئاً من الأجرة ـ بناء على عدم الاجزاء ـ لأنه لا قيمة للعمل المذكور. نظير ما لو استؤجر على الصلاة فمات قبل التسليم ، أو أحدث قهراً ، فإنه لا يستحق على ما أتى به من أجزاء الصلاة ، لعدم المنفعة له ، الموجبة لصحة المعاوضة عليه بالمال. وكذلك الكلام في جميع الأعمال الارتباطية التي لا يترتب الأثر على بعضها إلا في حال الانضمام فان البعض في حال الانفراد لا يكون مالاً ، ولا يصح أن يقابل بالمال ، فأخذ المال بإزائه أكل للمال بالباطل.

فان قلت : المشتري للصفقة إنما اشترى الأبعاض في حال الاجتماع لا في حال الانفراد ، فكيف جاز إلزامه بالبيع في البعض مع تبعض الصفقة؟ قلت : الاشكال المذكور ـ وهو لزوم أكل المال بالباطل ـ غير آت هنا. نعم هذا إشكال آخر ، وهو عدم قصد شراء البعض. فاذا صح العقد فيه فقد صح ووقع ما لم يقصد. لكن أشرنا ـ في بعض مباحث الإجارة ـ إلى الجواب عن الاشكال المذكور ، وحاصله : الاكتفاء بالقصد الضمني عند العقلاء والمتشرعة ، وإن كان ذلك القصد يختص بحال اجتماع الأبعاض ولا يعم حال انفرادها. فراجع.

٣٢

لا يستحق الأجرة على ما أتى به. ودعوى : أنه وإن كان لا يستحق من المسمى بالنسبة ، لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به [١] ، حيث أن عمله محترم [٢]. مدفوعة : بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه ، والمفروض أنه لم يكن مغروراً من قبله [٣]. وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة ، ويجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة ، من غير استحقاق لشي‌ء على التقديرين.

______________________________________________________

[١] تقدمت هذه الدعوى عن كشف اللثام والجواهر.

[٢] كذا استدل في الجواهر. وعرفت أن هذه القاعدة تكليفية لا وضعية. ولو سلم ذلك فهي تختص بما له قيمة من الأجزاء ولا تشمل الفرض مما كان الجزء المأتي به لا قيمة له. وأما كاشف اللثام فلم بذكر دليلاً غير أن الضمان مقطوع به. لكن القطع غير ثابت.

[٣] ولو كان مغروراً رجع إلى الغار ، لقاعدة : « المغرور يرجع على من غره » التي هي مضمون المرسل النبوي (١) ، ويستفاد من جملة من النصوص ـ الواردة في باب تدليس الزوجة ـ حيث ذكر فيها : أن الزوج يرجع على المدلس كما غر الرجل وخدعه (٢). وقد تعرضنا لهذه القاعدة في كتاب : ( نهج الفقاهة ) تعليقتنا على مكاسب شيخنا الأعظم فراجع مبحث الفضولي منه.

ثمَّ إنه لا فرق ـ في الضمان بهذه القاعدة ـ بين المستأجر الغار وغير ، إذا كان غاراً. والضمان بالغرور لا ينافي ما سبق : من عدم الضمان بالعقد‌

__________________

(١) تقدم التعرض للحديث المذكور في صفحة : ١٤٤ من الجزء : ١٠ من هذه الطبعة.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب العيوب والتدليس في النكاح حديث : ١.

٣٣

( مسألة ١٢ ) : يجب في الإجارة تعيين نوع الحج ، من تمتع ، أو قران ، أو إفراد [١]. ولا يجوز للمؤجر العدول عما عين له [٢] وإن كان الأفضل ـ كالعدول من أحد‌

______________________________________________________

من جهة عدم المنفعة ، لإطلاق دليله المقتضي لثبوته ولو مع عدم المنفعة الموجبة لكونه مالاً إذا كان يصدق معه النقص والخسارة ، وإن كان لا يصح العقد معه. فلو استأجر أجيراً على عمل لا يترتب عليه فائدة كانت الإجارة باطلة ، فلا يستحق الأجرة المسماة ، لكن يستحق أجرة المثل على المستأجر إذا كان قد غره. كما يستحق على غيره إذا كان قد غره أيضاً. وإن كان أيضاً محل تأمل ونظر. فتأمل.

[١] قال في المدارك : « سيأتي ـ إن شاء الله ـ أن أنواع الحج ثلاثة : تمتع ، وقران ، وإفراد. ومقتضى قواعد الإجارة : أنه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر ، لاختلافها في الكيفية والاحكام .. ». ونحوه ذكر غيره أيضاً. وفي الجواهر : « ظاهرهم الاتفاق عليه .. » ، وعلله : بلزوم الغرر. لكن المذكور في محله : أن صفات المبيع ـ التي يجب العلم بها لئلا يلزم الغرر ـ هي الصفات التي تختلف بها المالية ، إما مالا تختلف به المالية فلا تجب معرفته ، لعدم لزوم الغرر مع الجهل بها. وحينئذ فاختلاف أنواع الحج في الكيفية والأحكام إذا لم توجب اختلاف المالية لم تجب معرفتها ، فيجوز أن يستأجره على أن يحج أي نوع شاء. نعم إذا كان المنوب عنه مما يتعين نوع منها عليه لزم التعيين من الوصي أو غيره. لكنه لا يرتبط بصحة الإجارة.

[٢] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه بالنظر الى القواعد الأولية ، فإنه خلاف أدلة النفوذ والصحة. ولا فرق بين أن يكون العدول إلى الأفضل‌

٣٤

الأخيرين إلى الأول ـ إلا إذا رضي المستأجر بذلك [١] ، فيما إذا كان مخيراً بين النوعين أو الأنواع ـ كما في الحج المستحبي والمنذور المطلق ـ أو كان ذا منزلين متساويين في مكة وخارجها. وأما إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضاً بالعدول الى غيره [٢]. وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط إن كان التعيين بعنوان الشرطية [٣] ، ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس إن كان بعنوان القيدية.

______________________________________________________

أو المفضول أو المساوي ، إذ المعدول اليه غير المستأجر عليه ، فكيف يجزي عنه؟!.

[١] هذا إذا كان الرضا قبل عمل الأجير. أما إذا كان بعده فقد عرفت أنه إذا كان التعيين بنحو الشرط يكون العدول مخالفاً لحق المشروط له ، فيبطل لكونه حراماً ، كما تقدم.

[٢] لا في براءة ذمة المنوب عنه ، لأن الرضا لا يشرع انقلاب موضوع الوجوب ، ولا في صحة الفعل إذا كان النائب قد قصد أمر المنوب عنه الوجوبي ، لأنه لم يتعلق بالمعدول عنه ، فالإتيان به بنيته إتيان به عن غير أمره. نعم إذا أتى به عن أمره الندبي فلا بأس بالبناء على صحته لتعلق الأمر الندبي به ، وإن كان الأمر الوجوبي متعلقاً بغيره ، إذ لا مانع من تحقق الأمرين واجتماعهما. كما أن رضا المستأجر ينفع في براءة ذمة النائب إذا كان قد رضي به على كل حال ، أو رضي به على بعض الأحوال وكان العمل واجداً لتلك الحال. ولا فرق بين الرضا السابق واللاحق فيما ذكرنا.

[٣] والمراد من الشرط ليس ما يكون تحت إنشاء مستقل في ضمن‌

٣٥

وعلى أي تقدير يستحق الأجرة المسماة وإن لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني ، لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل اليه ماله على المؤجر ، كما في الوفاء‌

______________________________________________________

العقد ـ الذي يكون شرط فعل تارة ، وشرط نتيجة أخرى ـ بل المراد به الوصف المتعلق بموضوع العقد ، الموجب تخلفه خيار الشرط. بخلاف الشرط ـ بالمعنى الأول ـ الموجب تخلفه خيار الاشتراط ، لاختصاص ذلك بالمفهوم المنشأ في مقابل المفهوم المنشأ بالعقد. وكون الحج تمتعاً أو قراناً أو إفراداً ليس من هذا القبيل ، بل من قبيل القيود والأوصاف المتعلقة بموضوع العقد ، مثل كون العبد كاتباً وكونه حبشياً.

وقد قسمه المصنف (ره) إلى قسمين : أحدهما : أن يؤخذ شرطاً ، مثل أن يستأجره على الحج ويشترط عليه أن يأتي به بعنوان حج التمتع ، وثانيهما : أن يؤخذ على نحو القيدية ، بأن يستأجره على حج التمتع. لكن الانقسام إلى القسمين ليس لاختلاف صورة الإنشاء ، بل لاختلاف خصوصية المفهوم ، فان كان ذاتياً كان قيداً ، وإن كان خارجاً عن الذات كان شرطاً ، فمثل كتابة العبد من قبيل الشرط ، سواء باعه العبد الكاتب أم باعه العبد بشرط كونه كاتباً ، ومثل كونه حبشياً قيد ، سواء باعه العبد الحبشي أم باعه العبد بشرط كونه حبشياً. فكون الحج تمتعاً أو قراناً إن كان من قبيل الذاتي في نظر العرف ، فهو قيد ولو كانت صورة الإنشاء بعنوان الشرط ، وإن كان من قبيل الخارج عن الذات فهو شرط ووصف ، سواء كانت صورة الإنشاء بعنوان الشرط أم بعنوان القيد. فالانقسام إلى القسمين في المقام غير ظاهر. كما أن الظاهر أن ما به الامتياز بين أنواع الحج داخل في الذات ، فتكون من قبيل القيود ، فالعدول عن بعضها إلى الآخر عدول‌

٣٦

بغير الجنس في سائر الديون ، فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه. ولا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو الى المفضول. هذا ويظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل [١]

______________________________________________________

إلى غير المستأجر عليه ، لا عدول من واجد الصفة إلى فاقدها. نعم ربما يكون اختلاف صورة الإنشاء موجباً لاختلاف كون القيد ملحوظاً على نحو وحدة المطلوب وتعدده. ولكنه محتاج إلى تأمل. وكيف كان فما ذكره المصنف (ره) : من أنه مع الرضا بالعدول يستحق الأجير تمام الأجرة ، في محله لما ذكر.

ثمَّ إنه بناء على صحة اشتراط التعيين بنحو الالتزام في ضمن العقد وكان الرضا بعد العمل ، فالفعل قبل الرضا لما كان على خلاف الشرط كان حراماً ، لما فيه من تضييع حق الشرط. وحينئذ لا يصح عبادة ـ نظير من نذر أن يحج حجة الإسلام طاهراً ، وأن يصلي صلاته جماعة ـ لأنه راجع إلى شرط أن لا يحج إلا متمتعاً مثلاً وحينئذ لا يستحق الأجرة ، ولا يصح الرضا به من الوصي والوارث ، كما أشرنا إلى وجهه فيما سبق. فتأمل جيداً.

[١] المحكي عن أبي علي والشيخ والقاضي : أنه يجوز العدول إلى الأفضل مطلقاً ، وفي الشرائع : « يجوز إذا كان الحج مندوباً ، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ، لا مع تعلق الغرض بالقران أو الافراد .. » ، وفي القواعد : « لو عدل الى التمتع عن قسيميه ، وتعلق الغرض بالأفضل أجزأ ، والا فلا .. ». ونحو ذلك كلمات غيرهم الظاهرة في جواز العدول في الجملة.

٣٧

ـ كالعدول الى التمتع ـ تعبداً من الشارع. لخبر أبي بصير [١] عن أحدهما : « في رجل أعطى رجلاً دراهم يحج بها مفردة [٢] أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (ع) : نعم ، إنما خالف إلى الأفضل ». والأقوى ما ذكرناه. والخبر منزل على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيراً بين النوعين [٣]

______________________________________________________

[١] رواه المشايخ الثلاثة عن أبي بصير. وفي الوسائل : « يعني : المرادي ». ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي بصير (١). وعلى ما ذكره في الوسائل يكون الخبر في أعلى مراتب الصحة.

[٢] في الوسائل : « يحج بها عنه حجة مفردة ، فيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم ، إنما خالف إلى الفضل ». وفي رواية الصدوق : « إنما خالفه إلى الفضل والخير ».

[٣] هذا التنزيل خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظة أنه مع العلم بالرضا يكون الحكم بالجواز واضحاً لا يحتاج إلى سؤال. فإن قلت : قوله (ع) : « إنما خالف .. » ظاهر في تعليل الحكم بالجواز ، ومقتضى حمل التعليل على مقتضى الارتكازيات العرفية : أن يكون المراد أن التمتع أفضل ، فيكون أرضى للمستأجر ، إذ لو لم يكن للمستأجر رضاً به لم يكن التعليل ارتكازياً بل تعبدياً.

قلت : بعد ما عرفت من أنه مع العلم بالرضا لا مجال للسؤال ، أن الوجه الارتكازي الذي لوحظ في التعليل : أن التمتع لما كان أفضل من غيره كان العدول اليه إحساناً للمستأجر وإن لم يرض به. والأولى الجمع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

٣٨

جمعاً بينه وبين‌ خبر آخر [١] : « في رجل أعطى رجلاً دراهم يحج بها حجة مفردة. قال (ع) : ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم ». وعلى ما ذكرنا ـ من عدم جواز العدول إلا مع العلم بالرضا ـ إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية ، وإن كان حجه صحيحاً عن المنوب عنه ومفرغاً لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعيناً فيما عين [٢]. وأما إذا كان على وجه الشرطية فيستحق [٣]. إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط ، إذ حينئذ لا يستحق المسمى [٤] ، بل أجرة المثل.

( مسألة ١٣ ) : لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق

______________________________________________________

بين الخبرين بتقييد الثاني بالأول ، لأن الأول ظاهر في صورة التخيير الذي يكون التمتع فيها أفضل. والثاني مطلق ، فيحمل على غير هذه الصورة ، ومنه صورة الجهل بالحال. ثمَّ إن مقتضى التعليل : عموم الحكم لكل مورد كان المعدول إليه أفضل. لكن لا مجال له ضرورة.

[١] وهو خبر علي ، الذي استظهر في المدارك : أنه ابن رئاب (١).

[٢] قد عرفت الإشكال في ذلك ، وأنه لا يناسب ما ذكروه في باب نية الوضوء ، والغسل ، والصلاة. فراجع.

[٣] لحصول المستأجر عليه بلا نقص فيه.

[٤] لبطلانه ببطلان الإجارة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٣٩

وإن كان في الحج البلدي ، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعاً ، ولكن لو عين تعين ، ولا يجوز العدول عنه الى غيره [١]. إلا إذا علم أنه لا غرض للمستأجر في خصوصيته وإنما ذكره على المتعارف [٢] ، فهو راض بأي طريق كان ، فحينئذ لو عدل صح ، واستحق تمام الأجرة. وكذا إذا أسقط بعد العقد حق تعيينه ، فالقول بجواز العدول مطلقاً [٣] ، أو مع عدم العلم بغرض في الخصوصية [٤] ضعيف. كالاستدلال له‌ بصحيحة حريز : « عن رجل أعطى رجلاً حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة. فقال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجة » (١). إذ هي محمولة على صورة العلم بعدم الغرض كما هو الغالب [٥]. مع أنها إنما دلت على صحة الحج من حيث‌

______________________________________________________

[١] أخذاً بدليل النفوذ والصحة.

[٢] فلا تعيين حينئذ ، وإنما الصادر مجرد التعبير. لكنه خلاف الظاهر. ولا سيما بملاحظة أن الحج من الكوفة أكثر ثواباً وأعظم أجراً ، لما فيه من بعد المسافة.

[٣] حكي عن الشيخ في المبسوط. وفي المستند : حكاه عن الشيخين والقاضي ، والحلبي والجامع ، والإرشاد ، وغيرهم.

[٤] حكي عن الشرائع. لكن المذكور فيها : عدم جواز العدول إن تعلق بذلك غرض. انتهى ، ونسبه في الجواهر إلى المشهور.

[٥] هذا المقدار لا يوجب موافقتها للقاعدة ، لأن التعيين في عقد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

٤٠