مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

تبين بعد ذلك كونه قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام [١] وان تبين كونه قبله وقد تجاوز ، أو تبين كونه بعده. فإن أمكن العود والتجديد تعين [٢] ، والا فيكفي في الصورة الثانية ، ويجدد في الأولى في مكانه [٣]. والأولى التجديد مطلقاً [٤]. ولا فرق ـ في جواز الإحرام في المحاذاة ـ بين البر والبحر [٥].

______________________________________________________

[١] كما في الجواهر ، وعن الدروس والمسالك وغيرهما. لتبين البطلان لكونه قبل الميقات ، بناء على التحقيق من عدم الاجزاء في موافقة الأحكام الظاهرية.

[٢] أما في الصورة الأولى فلبطلان الإحرام ، لوقوعه قبل الميقات ولا دليل على الاجزاء في الأحكام الظاهرية. ومنه يظهر الاشكال على ما في الجواهر ، من الاجزاء لو ظهر التقدم وقد تجاوز ، لقاعدة الاجزاء. وأما في الصورة الثانية ، فعن الدروس والمسالك : إطلاق عدم الإعادة لو ظهر التأخير. وسيأتي الكلام فيه في المسألة الثانية من الفصل الآتي.

[٣] لبطلان الإحرام فيها.

[٤] لاحتمال البطلان فيهما معاً. بل لا يبعد إذا كان بحيث يمكنه الرجوع حال الإحرام وإن تعذر عليه حال الالتفات.

[٥] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وظاهر الشراح عدم الخلاف فيه ، إلا من ابن إدريس ، فذكر أن ميقات أهل مصر ومن صعد البحر : جدة. والاشكال فيه من وجهين : أحدهما : أن من ركب البحر يحاذي الجحفة إذا كان وارداً من المغرب‌

٢٨١

______________________________________________________

لأنها ـ كما قيل ـ قرب رابغ ، تبعد عن البحر ستة أميال أو ميلين ـ على اختلاف ـ فيكون الراكب في السفن عند توجهه من رابغ الى جدة محاذياً لها ، فيجب إحرامه منها قبل جدة. وإذا كان وارداً من جهة اليمن كان محاذياً ليلملم عند وصوله إلى الموضع الذي بين قمران وجدة ، فيكون إحرامه هناك ، كما عليه عمل الإمامية ـ رفع الله تعالى شأنهم ـ في الأزمنة الماضية ، فإنهم يحرمون في السفن البحرية عند وصولهم إلى ذلك الموضع : لكن عرفت الإشكال في ذلك ، فان الواصل إلى ذلك المكان إذا توجه إلى مكة المكرمة تكون يلملم بينه وبين مكة ، فيكون مواجهاً لها ، لا أنها عن يمينه أو يساره ، كما عرفت أنه معنى المحاذاة. ومثله الواصل إلى قرب رابغ في البحر ، فإن الجحفة لا تكون عن يساره إذا توجه إلى مكة. نعم الواصل إلى الموضع الأول في البحر تكون يلملم عن يمينه بلحاظ طريق السفر. وكذا الواصل الى قرب رابغ تكون الجحفة عن يساره بلحاظ طريق السفر. لكن لا اعتبار بذلك ، كما عرفت.

وثاني الإشكالين : إن جده ليست من المواقيت ، لا نصاً ولا فتوى ومحاذاتها ليلملم مشكل من وجهين : أحدهما : ما عرفت من أنه لا دليل على اعتبار المحاذاة مع البعد. وثانيهما : أن الظاهر أن يلملم واقعة في جنوب مكة ، وجدة واقعة في شرق مكة ، فلا تكون محاذية لها. ومن ذلك يشكل البناء على محاذاتها للجحفة ، لما بينهما من البعد الكثير. نعم مقتضى بعض الخارطات المصورة للحجاز : أن الواصل إلى قريب جدة في البحر يكون محاذياً للجحفة ، لكن على بعد منها ، فان قلنا بصحة المحاذاة على بعد لم يبعد وجوب الإحرام من ذلك الموضع المحاذي قبل جدة. لكن عرفت الاشكال فيه.

٢٨٢

ثمَّ إن الظاهر أنه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات ، ولا يكون محاذياً لواحد منها [١] ، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب [٢] ، فلا بد من محاذاة واحد منها. ولو فرض‌

______________________________________________________

[١] قال العلامة في القواعد : « ولو لم يؤد الطريق إلى المحاذاة فالأقرب أن ينشئ الإحرام من أدنى الحل. ويحتمل مساواة أقرب المواقيت » قال في المدارك : « ولو سلك طريقاً لم يؤد إلى محاذاة ميقات ، قيل يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة .. ( إلى أن قال ) : واستقرب العلامة في القواعد ، وولده في الشرح وجوب الإحرام من أدنى الحل. وهو حسن ، لأصالة البراءة من وجوب الزائد. وقولهم : إن هذه المسافة لا يجوز قطعها إلا محرماً ، في موضع المنع ، لأن ذلك إنما ثبت مع المرور على الميقات ، لا مطلقاً ». وقريب منه ما في الحدائق وغيرها. وظاهر الكلمات المفروغية عن صحة الفرض.

لكن قال في المستند : « واختلفوا في حكم من سلك طريقاً لا يحاذي شيئا منها. وهو خلاف لا فائدة فيه : إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب ». ونحوه ما في الجواهر. وفيه : أنه مبني على عموم حكم المحاذاة للبعيد ، وقد عرفت إشكاله. وقد تقدم من المصنف عدم الاجتزاء بالمحاذاة في البعيد ، وهو مناف لما ذكره هنا ، كما لا يخفى. ومن ذلك يظهر صحة ما ذكره الجماعة من فرض عدم أداء الطريق إلى المحاذاة.

[٢] فان الجحفة ما بين الشمال والمغرب ، ومسجد الشجرة في جهة الشمال ، ووادي العقيق بين الشمال والمشرق ، وقرن المنازل في المشرق تقريباً ويلملم في جنوب مكة.

٢٨٣

إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل [١]. وعن بعضهم أنه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكة بقدر ما بينها وبين أقرب المواقيت إليها ـ وهو مرحلتان ـ لأنه لا يجوز لأحد قطعه إلا محرماً. وفيه : أنه لا دليل عليه. لكن الأحوط الإحرام منه ، وتجديده في أدنى الحل.

العاشر : أدنى الحل ، وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الافراد [٢] ،

______________________________________________________

[١] لإطلاق ما دل على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام ، والأصل البراءة عن وجوب الإحرام قبله. ولزوم الخروج عنه ، فيمن مر بالميقات أو من حاذاه ـ لما دل على وجوب الإحرام من الميقات أو مما يحاذيه ـ لا يقتضي خروج غيره من الأفراد ، كما ذكر الجماعة ، واحتمال دخل الميقات في صحة الإحرام ، منفي بأصل البراءة من الشرطية ، كما في سائر العبادات الشرعية‌

[٢] كما عن جماعة التصريح به. وفي كشف اللثام : « هو منصوص الخلاف والمبسوط والسرائر. وفي التذكرة : لا نعلم فيه خلافا. وفي المنتهى : لا خلاف في ذلك ». واستدل له في الحدائق والمستند وغيرهما بما رواه ابن بابويه في الفقيه عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما. قال : وان رسول الله (ص) اعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة : عمرة أهلّ فيها من عسفان ـ وهي عمرة الحديبية ـ وعمرة القضاء ، أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة ، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين » (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ١ ، ٢.

٢٨٤

بل لكل عمرة مفردة [١]. والأفضل أن يكون من الحديبية ،

______________________________________________________

ودلالته لا تخلو من إشكال ، إذ لا ظهور فيه في وجوب الخروج عن مكة للاعتمار. اللهم إلا أن يقال : مقتضى إطلاق كون الخروج من مكة مقدمة للاعتمار ـ كما هو ظاهر حرف الغاية ـ أنه مقدمة على سبيل اللزوم والتعيين فيتوقف الاعتمار عليه.

ونحوه في الاشكال صحيح جميل بن دراج : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال (ع) : تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ، ثمَّ تقيم حتى تطهر ، فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » (١).

قال ابن أبي عمير : « كما صنعت عائشة » فإنه لا يمكن حمل الأمر بالإحرام من التنعيم على الوجوب. فالعمدة في الحكم هو الإجماع.

[١] كما اختاره في المستند. لعموم النصوص المذكورة. قال في الجواهر : « لو لا الإجماع ظاهراً على اختصاص العمرة المزبورة بذلك لأمكن القول باعتبار ذلك في كل عمرة ، لإطلاق بعض النصوص ». أقول : أما صحيح جميل فخاص بعمرة حج الافراد. وأما الصحيح الآخر فهو وإن كان عاماً ، لكن قد عرفت الإشكال في دلالته على اللزوم. وحينئذ يجوز له الإحرام من منزله ، لما دل على أن من كان منزله دون الميقات أحرم من منزله ، كما اختاره في الجواهر. إلا أن يقال : يحمل الصحيح الأول على الوجوب ـ ولو بقرينة الإجماع ـ وحينئذ يتعين الأخذ بعمومه. والإجماع الموجب للخروج عن عمومه غير ثابت.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

٢٨٥

أو الجعرانية ، أو التنعيم ، فإنها منصوصة [١]. وهي من حدود الحرم [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما عرفت. قال في كشف اللثام : « وفي التذكرة : ينبغي الإحرام من الجعرانة ، فإن النبي (ص) اعتمر منها. فان فاتته فمن التنعيم لأنه (ص) أمر عائشة بالإحرام منه. فان فاته فمن الحديبية ، لأنه لما قفل من حنين أحرم بالجعرانة. ولعل هذا دليل تأخير الحديبية والتنعيم عن الجعرانة فضلاً ، وتفصيل لما ذكره أولاً من اعتماره منه ».

لكن في استفادة الترتيب من النصوص اشكال ـ كما في الجواهر ـ لعدم دلالتها على ذلك ، لأن فعله (ص) أعم من الأفضلية ، فضلاً عن الترتيب ، لأن الفعل مجمل الوجه. إذ من الجائز أن إحرامه من المواضع المذكورة لأنها كانت في طريقه ، أو لوجه آخر. نعم أمره (ص) لعائشة بالإحرام من التنعيم يدل على أفضليته. وأما الجعرانة والحديبية في صحيح عمر بن يزيد فلم يذكرا بالخصوص ، وإنما ذكرا مثالاً لأدنى الحل بقرينة قوله (ع) : « أو ما أشبههما ».

نعم ذكرت الجعرانة في صحيحي سالم الحناط وعبد الرحمن بن الحجاج (١) ، المتقدمين في حكم الميقات السابع. لكن موردهما ، الحج لا العمرة. فاستحباب المواضع المذكورة مبني على قاعدة التسامح ، وكذا الترتيب بينها.

[٢] لا إشكال ظاهر بينا في أن الحرم بريد في بريد. وفي كشف اللثام : أنه لا خلاف فيه. وفي موثق عبد الله بن بكير عن زرارة قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : حرّم الله تعالى حرمه بريداً في بريد : أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦ ، ٥.

٢٨٦

على اختلاف بينها في القرب والبعد. فان الحديبية ـ بالتخفيف أو التشديد ـ [١] ـ بئر بقرب مكة ، على طريق جدة ، دون‌

______________________________________________________

يختلى خلاه ، أو يعضد شجره إلا الإذخر ، أو يصاد طيره .. » (١). وظاهر قوله (ع) : « بريد في بريد » أنه من قبيل المربع الذي طوله بريد وعرضه بريد. لكن لما كان من المعلوم اختلاف جهات مكة في حدود الحرم ، فان من بعض الجهات بعيد عنها ومن بعضها قريب إليها ، تعين أن يكون المراد من الحديث تقدير المساحة ، بحيث لو جمعت تلك المساحة وكانت بشكل مربع كان طولها بريداً وعرضها بريداً.

والذي ذكره ابن رستة في كتابه أعلاق النفيسة : أن الحرم من طريق المدينة : دون التنعيم ، عند بيوت معاذ ، على ثلاثة أميال ، ومن طريق اليمن : طرف إضاءة لبن ، في ثنية لبن ، على سبعة أميال ، ومن طريق جدة : منقطع الاعشاش ، على عشرة أميال ، ومن طريق الطائف : على طرف عرفة من بطن نمرة ، على أحد عشر ميلاً ، ومن طريق العراق : على ثنية خل بالمنقطع ، على سبعة أميال ، ومن طريق الجعرانة : في شعب عبد الله بن خالد بن أسيد ، على تسعة أميال. وقد أطال في كشف اللثام والجواهر في نقل كلمات من تعرض لذكر مسافة الحرم من الجهات المحيطة بمكة. وليس بمهم بعد وضع العلامات على الحدود بنحو صارت معلومة وإن كانت المسافة بينها وبين مكة بالذراع مجهولة. ولأجله لا يهم الإطالة في ذلك.

[١] قال في كشف اللثام : « بضم الحاء المهملة ، ثمَّ ياء مثناة تحتانية ساكنة ، ثمَّ باء موحدة ، ثمَّ ياء مثناة تحتانية ، ثمَّ تاء التأنيث. وهي في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٧ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٤٥.

٢٨٧

مرحلة ، ثمَّ أطلق على الموضع. ويقال : نصفه في الحل ونصفه في الحرم. والجعرانة ـ بكسر الجيم والعين وتشديد الراء ، أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء ـ [١] موضع‌

______________________________________________________

الأصل اسم بئر خارج الحرم ، على طريق جدة ، عند مسجد الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان. قال الفيومي : دون مرحلتين ، وقال النووي : على نحو مرحلة من مكة. وعن الواقدي : أنها على تسعة أميال من المسجد الحرام. وقيل : اسم شجرة حدباء ، ثمَّ سميت بها قرية هناك ليست بالكبيرة. قيل : إنها من الحل ، وقيل : من الحرم ، وقيل : بعضها في الحل وبعضها في الحرم. ويقال : إنها أبعد أطراف الحل إلى الكعبة. يخفف ياؤها الثانية ويثقل ، فيكون منسوباً إلى المخففة. وفي تهذيب الأسماء عن مطالع الأنوار : ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين ، وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشدونها .. وقال السهيلي : التخفيف أعرف عند أهل العربية ، وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز فيها غيره ، وكذا عن الشافعي. وقال أبو جعفر النحاس : سألت كل من لقيت ، ممن أثق بعلميته من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا عليّ في أنها مخففة ، وقيل : إن الثقيل لم يسمع من فصيح ». انتهى ما في كشف اللثام. وقال ابن إدريس في السرائر : « الحديبية اسم بئر ، وهو خارج الحرم. يقال : الحديبية ، بالتخفيف ، والتثقيل. وسألت ابن العطار الفرهي فقال : أهل اللغة يقولونها بالتخفيف ، وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد. وخطه عندي بذلك ، وكان إمام اللغة ببغداد ».

[١] في كشف اللثام : « بكسر الجيم والعين المهملة ، وتشديد الراء المهملة المفتوحة ، كما في الجمهرة. وعن الأصمعي والشافعي : بكسر الجيم‌

٢٨٨

بين مكة والطائف ، على سبعة أميال. والتنعيم : موضع قريب من مكة [١] ، وهو أقرب أطراف الحل إلى مكة. ويقال : بينه وبين مكة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة كذا في مجمع البحرين. وأما المواقيت الخمسة فعن العلامة رحمه‌الله في المنتهى : أن أبعدها من مكة ذو الحليفة ، فإنها على عشر مراحل من مكة ، ويليه في البعد الجحفة ، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة ، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان. وقيل : إن الجحفة على ثلاث مراحل من مكة.

( مسألة ٥ ) : كل من حج أو اعتمر على طريق‌

______________________________________________________

وإسكان العين ، وتخفيف الراء. قيل : العراقيون يثقلونه ، والحجازيون يخففونه. وحكى ابن إدريس : بفتح الجيم ، وكسر العين ، وتشديد الراء أيضاً. وهي موضع بين مكة والطائف من الحل ، بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلاً ، على ما ذكر الباجي. سميت بريطة بنت سعد بن زيد مناة من تميم أو قريش ، كانت تلقب بالجعرانة. ويقال : إنها المرادة بالتي نقضت غزلها. قال الفيومي : إنها على سبعة أميال عن مكة. وهو سهو في سهو في سهو ، فان الحرم من جهته تسعة أميال أو بريد ، كما يأتي ».

[١] قال في كشف اللثام : « على لفظ المصدر ، سمي به موضع على ثلاثة أميال من مكة أو أربعة. وقيل : على فرسخين على طريق المدينة به مسجد أمير المؤمنين (ع) ، ومسجد زين العابدين (ع) ، ومسجد عائشة وسمي به ، لأن عن يمينه جبلاً اسمه نعيم ، وعن شماله جبلاً اسمه ناعم ، واسم الوادي نعمان. ويقال : هو أقرب أطراف الحل إلى مكة ».

٢٨٩

فميقاته ميقات أهل ذلك الطريق وإن كان مهلّ أرضه غيره ـ كما أشرنا إليه سابقاً [١] ـ فلا يتعين أن يحرم من مهّل أرضه بالإجماع ، والنصوص. منها : صحيحة صفوان : « إن رسول الله (ص) وقت المواقيت لأهلها ، ومن أتى عليها من غير أهلها » (١).

( مسألة ٦ ) : قد علم مما مر أن ميقات حج التمتع مكة. واجبا كان أو مستحباً ، من الآفاقي أو من أهل مكة وميقات عمرته : أحد المواقيت الخمسة ، أو محاذاتها [٢] ،

______________________________________________________

[١] في الميقات الثاني ، والثالث.

[٢] قد عرفت أن المحاذاة مع البعد لا دليل على إجزائها ، ويتعين الإحرام حينئذ من أدنى الحل ، كما فرضه الجماعة ، فيمن لم يؤد طريقه الى الميقات أو ما يحاذيه. فراجع. هذا إذا كان عابرا على الميقات أو ما يحاذيه إلى مكة. أما إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة ، فالظاهر من الأصحاب أن منزلة ميقات عمرته وحجه ، فإنهم ذكروا أن من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله ، ولم يخصصوا ذلك بالحج أو العمرة. قال في الجواهر : « قد عرفت أن ميقات الإحرام ـ لمن كان منزله أقرب من الميقات ـ منزله ، سواء كان بعمرة تمتع ، أو إفراد ، أو حج. لإطلاق الأدلة ». وكذلك ظاهر عبارات غيره. وهو في محله ، للإطلاق الذي ذكره في الجواهر. فكان على المصنف أن يستثنيه في الفرض الآتي.

وعلى هذا فميقات إحرام عمرة التمتع ، أما أحد المواقيت ـ إن مر به ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٢٩٠

كذلك أيضاً. وميقات حج القران والافراد : أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً [١] ، إلا إذا كان منزله دون الميقات أو مكة فميقاته منزله [٢]. ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضاً ، بل هو الأفضل. وميقات عمرتهما : أدنى الحل إذا كان في مكة [٣] ويجوز من أحد المواقيت أيضاً [٤]. وإذا لم يكن في مكة فيتعين أحدها [٥]. وكذا الحكم في العمرة المفردة [٦] ،

______________________________________________________

أو ما يحاذيه محاذاة قريبة ، بحيث يكون معه في أفق واحد عرفاً ـ إن مر به ـ أو أدنى الحل إن لم يمر بالميقات ، ولا بما يحاذيه. أو منزله إذا كان دون الميقات. هذا إذا كان ذاهباً إلى مكة. وان كان مقيما بمكة فسيأتي حكمه ..

[١] يعني : واجباً كان أو مستحباً ، من أهل الآفاق أو غيره. وكان المناسب أن يذكر المحاذاة أيضاً كما ذكرها فيما قبل.

[٢] تقدم وجهه في الميقات السابع. كما تقدم الوجه في قوله : « ويجوز من .. ».

[٣] كما تقدم في الميقات العاشر.

[٤] تقدم وجهه في نظيره.

[٥] هذا إذا كان فيما بعد الميقات ، وعبر عليه. أما إذا كان فيما بعده وعبر على ما يحاذيه أحرم مما يحاذيه ، وإن عبر على غير الميقات وما يحاذيه أحرم من أدنى الحل ، وكذا إذا كان في الحرم. وإذا كان منزله دون الميقات أحرم من منزله. كل ذلك لإطلاق الأدلة في الجميع. ويكون الحكم كما في عمرة التمتع لمن لم يكن في مكة. والتخصيص بأحد المواقيت لا دليل عليه.

[٦] أما في الحكم الأول ، فلما عرفت في الميقات العاشر. وأما في‌

٢٩١

مستحبة كانت أو واجبة. وإن نذر الإحرام من ميقات معين تعين [١]. والمجاور بمكة بعد السنتين حاله حال أهلها [٢] ، وقبل ذلك حاله حال النائي. فإذا أراد حج الافراد أو القران‌

______________________________________________________

الحكم الثاني الذي ذكرناه ، فلإطلاق الأدلة.

[١] لعموم الوفاء بالنذر إذا تعلق بالراجح ، وان كان غيره أرجح منه.

[٢] قد عرفت أن أهل مكة إذا أرادوا حج التمتع فاحرامهم منها كإحرام حج التمتع من غيرهم ، فإن مكة ميقات حج التمتع مطلقاً. وأما إذا أرادوا حج القران أو الافراد فاحرامهم منها أيضاً ، على ما عرفت في الميقات السابع. وإذا أرادوا عمرة الافراد أو القران ، أو العمرة المفردة فاحرامهم من أدنى الحل ، على ما عرفت في الميقات العاشر. وأما إذا أرادوا عمرة التمتع فقد تقدم من المصنف (ره) ـ في المسألة الرابعة من فصل أقسام الحج ـ : أن ميقات إحرامها منهم أحد المواقيت الخمسة. بل قد يظهر منه أن الخلاف في حكم المجاور إذا أراد أن يعتمر عمرة التمتع جار فيهم ، وأن ميقات عمرة التمتع منهم ، هل هو مهلّ أرضه ، أو أحد المواقيت ، أو أدنى الحل؟.

لكن لا مجال للاحتمال الأول ، لأن المفروض أنه من أهل مكة. فكأن مراده هناك أن ما اختاره من هذه الاحتمالات ـ وهو أحد المواقيت الخمسة ـ جار في حقهم. وكيف كان فنصوص تلك المسألة أكثرها واردة في المجاور ، ولا تشمل أهل مكة ، فلا بد من الرجوع الى غيرها من الأدلة وحينئذ مقتضى عموم : من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله ـ بناء على عمومه لأهل مكة كما تقدم ـ أن ميقات عمرتهم لحج التمتع هو منزلهم مكة. لكن الظاهر أنه خلاف الإجماع ، وقد ذكر في كشف اللثام : أنه‌

٢٩٢

______________________________________________________

لا بد في النسك من الجمع بين الحل والحرم ، وفي الحج يجمع بينهما بالخروج الى عرفات ، وجعله دليلاً على عدم جواز إحرام عمرة القارن والمفرد من مكة. وقد أشار العلامة في التذكرة الى ذلك ، فيظهر منهم أن من المسلمات أن العمرة مطلقاً لا تكون من مكة ، إذ حينئذ لا جمع فيها بين الحل والحرم. وهذه القاعدة وإن لم يظهر دليل عليها ، لكن الظاهر التسالم عليها. وحينئذ يتردد الأمر بين كونه أدنى الحل وكونه أحد المواقيت. والمصنف اختار الثاني فيما تقدم ، في فصل أقسام الحج. والذي يقتضيه عموم صحيح عمرو ابن يزيد ـ المتقدم في دليل الميقات العاشر ـ : الاجتزاء بالخروج إلى أدنى الحل (١).

وقد يشكل عمومه ، باستشهاد الامام (ع) فيه بفعل النبي (ص) ، ولم يكن (ص) حينئذ من أهل مكة ، ولا كانت عمرته عمرة تمتع. لكن الظاهر أن الاستشهاد بالفعل الخاص لا يصح قرينة على التخصيص ، فلا بأس بالبناء على العموم. ولا سيما بعد اعتضاده بصحيح الحلبي الوارد في المجاور إذا أراد أن يتمتع ، حيث أمر فيه بالخروج عن الحرم ، وقد عرفت ـ في مسألة حكم المجاور ـ أن هذا الصحيح أرجح من غيره من أدلة القولين الآخرين. ولو فرض قصور النصوص عن تعيين الميقات تعين الرجوع إلى الأصل المقتضي للاجتزاء بالإحرام من أدنى الحل. ثمَّ إن مقصود المصنف (ره) ، من قوله : « حاله حال أهلها » أن إحرامه لحج القران والافراد يكون منها ، لما سبق في الميقات السابع. ويشكل بما سبق من الصحيحين المتضمنين إحرام المجاور للحج من أدنى الحل ، بناء على إطلاقهما الشامل لما بعد السنتين ، كما تقدم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب المواقيت حديث : ١ ، ٢.

٢٩٣

يكون ميقاته أحد الخمسة أو محاذاتها [١] ، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل.

______________________________________________________

[١] قد تقدم منه أن القدر المتيقن من الصحيحين ما قبل السنتين ، وحينئذ لا موجب لرفع اليد عنهما. وإن شئت قلت : المنزل ـ في روايات المنزل ـ إن كان يختص بالوطن فلا يشمل المجاور ولو بعد السنتين ، فلا وجه لإحرام المجاور منه حينئذ. وإن كان يعم غيره ـ بأن يراد به المنزل الذي اتخذه مقراً له ولأهله مدة معتداً بها ـ فهو وإن كان يشمل منزل المجاور ، لكن الصحيحين موجبان للخروج عن عموم حكم المنزل بمقتضى إطلاقهما. وقد عرفت لزوم العمل بالمطلق وإن كان القدر المتيقن منه الخاص ، فكيف ساغ الحكم بأن إحرام المجاور بعد السنتين من مكة؟ ولكن عرفت سابقاً أن ذيل الصحيح الثاني طويل جداً ، وظاهر في القاطن الذي تبدل فرضه وهو ما بعد السنتين. فلاحظ وتأمل.

والذي يتحصل مما ذكرنا : أن ميقات الحج لأهل مكة مطلقاً ـ سواء كان تمتعاً أم قراناً ، أم إفراداً ـ وميقات عمرتهم ـ سواء كانت عمرة تمتع ، أم إفراد ، أم قران ، أم مفردة ـ أدنى الحل ، وميقات حج المجاور في مكة ، وعمرته أدنى الحل مطلقاً. إلا حج التمتع فان ميقاته مكة. وإلا عمرته فان ميقاتها محل الخلاف ، المتقدم في فصل صورة حج التمتع والله سبحانه العالم العاصم ، وهو حسبنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

٢٩٤

فصل في أحكام المواقيت‌

( مسألة ١ ) : لا يجوز الإحرام قبل المواقيت [١] ، ولا ينعقد [٢] ، ولا يكفي المرور عليها محرماً ، بل لا بد من إنشائه جديداً. ففي خبر ميسرة [٣] : « دخلت على أبي‌

______________________________________________________

فصل في أحكام المواقيت‌

[١] المراد من عدم الجواز الحرمة التشريعية. ولو أريد الحرمة الذاتية فلا دليل. ولا سيما وأن المذكور في كلماتهم أنه لا ينعقد. وما في بعض النصوص ، من النهي عن الإحرام قبل الميقات ، فالظاهر الإرشادي الى عدم الصحة.

[٢] بلا خلاف أجده فيه. والنصوص وافية في الدلالة عليه. كذا في الجواهر. وفي كشف اللثام : « للنصوص ، والأصل ، والإجماع. خلافاً للعامة ». وفي المدارك : « عن المنتهى : أنه قول علمائنا أجمع » ، واستدل له : بصحيحة عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله (ص) لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها » (١) وصحيح ابن أذينة قال : « قال أبو عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : ومن أحرم قبل الميقات فلا إحرام له » (٢).

[٣] رواه الكليني عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٢٩٥

عبد الله (ع) وأنا متغير اللون ، فقال (ع) : من أين أحرمت بالحج؟ فقلت : من موضع كذا وكذا. فقال (ع) : رب طالب خير يزل قدمه. ثمَّ قال : أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعاً؟ قلت : لا. قال : فهو والله ذاك » نعم يستثنى من ذلك موضعان :

أحدهما : إذا نذر الإحرام قبل الميقات [١] ، فإنه يجوز ويصح. للنصوص. منها‌ خبر أبي بصير [٢] عن أبي

______________________________________________________

علي بن النعمان ، عن علي بن عقبة ، عن ميسرة قال : « دخلت على أبي عبد الله (ع) .. » (١) إلى آخر ما في المتن ونحوه غيره من النصوص الكثيرة ويأتي بعضها.

[١] حكاه ـ في كشف اللثام ـ عن النهاية ، والمبسوط ، والخلاف والتهذيب ، والمراسم ، والمهذب ، والوسيلة ، والنافع ، والشرائع ، والجامع. وفي كلام غيره نسبته إلى الأكثر ، أو أكثر المتأخرين ، أو المشهور. واستدل له بجملة من النصوص. منها : صحيح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة. قال (ع) : فليحرم من الكوفة ، وليف لله بما قال » (٢) ، وخبر علي ابن أبي حمزة قال : « كتبت إلى أبي عبد الله (ع) أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة. قال (ع) : يحرم من الكوفة » (٣).

[٢] رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٢٩٦

______________________________________________________

أبي نصر ، عن عبد الكريم ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (ع) قال : « سمعته يقول : لو أن .. » (١). لكن الظاهر منه مجرد جعل الإحرام من المواضع البعيدة على نفسه ، من باب تحمل الزحمة في سبيل الطاعة ، شكراً لله تعالى ، لا أنه من باب نذر الشكر. لكن في الأولين كفاية.

نعم عن جماعة : المنع ، لبطلان النذر ، لأنه نذر غير مشروع ، كما لو نذر الصلاة قبل وقتها ، أو إيقاع المناسك في غير مواضعها. مع ضعف الأخبار ، فإن الأول وإن حكم بصحته في المنتهى وغيره ، لكن المحكي عن أكثر نسخ التهذيب أن السائل فيه : ( علي ) ، هكذا : « عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن علي .. ». والظاهر أنه ابن أبي حمزة. بل قيل : إن نسخ التهذيب متفقة على ذلك (٢) ، وإنما الحلبي بدله مذكور في نسخ الاستبصار (٣). مع أن السند فيه هكذا : « الحسين ابن سعيد ، عن حماد ، عن الحلبي ». والمعروف في الحلبي مطلقاً : عبيد الله ، وأخوه محمد. وحماد إن كان ابن عيسى فتبعد روايته عن عبيد الله بلا واسطة ، وإن كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين بن سعيد عنه بلا واسطة. وتبعد أيضاً إرادة عمران من إطلاق الحلبي. ولذلك قوى البطلان في كشف اللثام. وفيه : أنه لا مجال للطعن في الروايات بالضعف بعد اعتماد من عرفت عليها. فالعمل بها متعين. مع أنها إن لم تكن من الصحيح فهي من الموثق الداخل في موضوع دليل الحجية.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٢) المصرح به في بعض نسخ التهذيب : ( الحلبي ) لاحظ التهذيب الجزء : ٥ الصفحة : ٥٣ طبع النجف الأشرف.

(٣) لا حظ الاستبصار الجزء : ٢ الصفحة : ١٦٣ طبع النجف الأشرف.

٢٩٧

عبدالله (ع) : « لو أن عبداً أنعم الله تعالى عليه نعمة ، أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية ، فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم ». ولا يضر عدم رجحان ذلك ـ بل مرجوحيته ـ قبل النذر ، مع أن اللازم كون متعلق النذر راجحاً [١]. وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من الأخبار [٢] ، واللازم رجحانه حين العمل [٣] ولو كان‌

______________________________________________________

[١] هذه الشبهة ذكرت في كلام من خالف في الحكم اعتماداً عليها.

[٢] هذا على ظاهره غير معقول ، لأن صحة النذر مشروطة بمشروعية المنذور ، فلو كانت مشروعيته مشروطة بالنذر لزم الدور. ولا يمكن العمل بالأخبار إذا دلت على أمر غير معقول.

[٣] لا إشكال في ذلك ، لكن الإشكال في تحقق الرجحان حين العمل فإنه لا يعقل أن يكون مستنداً إلى النذر. وكذلك الإشكال في نظيره. واللازم في التخلص عن الاشكال أن يقال : إن الاخبار دلت على صحة النذر ، اللازمة لمشروعية متعلقه. أما أنها كانت لأجل النذر أو لجهة ملازمة له فلا يستفاد من الأخبار. ولما كان الأول غير معقول تعين الثاني. وليس الدليل على عدم مشروعية الإحرام قبل الميقات إلا كسائر الأدلة ، يصح تقييد إطلاقه الأحوالي ، كما يصح تقييد إطلاق غيره. وقد دل الدليل على صحة الصلاة تماماً في السفر في بعض الموارد ، وعلى صحة الصلاة قبل الوقت في بعض الموارد ، وكما جاز الخروج به عن إطلاق دليل بطلان الصلاة تماماً في السفر ، وعن إطلاق دليل بطلان الصلاة قبل الوقت ، فليجز في المقام ذلك.

٢٩٨

ذلك للنذر. ونظيره : مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو ، مع صحته ورجحانه بالنذر. ولا بد من دليل يدل على كونه راجحاً بشرط النذر ، فلا يرد أن لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم. وفي المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار. فالقول بعدم الانعقاد ـ كما عن جماعة [١] ،

______________________________________________________

نعم يفترق المقام عن غيره أن عنوان المقيد في سائر المقامات يجوز أن يكون علة لحكم المقيد ، وفي المقام لا يجوز ذلك ، لئلا يلزم الدور. لكن هذا المقدار ـ مع إمكان استكشاف عنوان موجب لحكم المقيد ملازم لعنوان المقيد ـ لا يوجب الفرق بين المقامات ، في وجوب الخروج عن الإطلاق بالمقيد.

[١] المراد بهم الحلي ، والعلامة في المختلف. وعن المحقق ، في المعتبر : الميل اليه. أما الحلي فعذره واضح على أصله ـ كما في المسالك ـ لبنائه على عدم العمل بأخبار الآحاد ، وأما العلامة في المختلف فلم يذكر دليلاً على الجواز إلا رواية الحلبي ـ ونسبها إلى علي بن أبي حمزة البطائني ـ ورواية أبي بصير. وطعن في الأولى : بأن البطائني واقفي ، وفي الثانية : بأن في طريقها سماعة ، وهو أيضاً واقفي. وأما المحقق في المعتبر فنسب الروايتين الأولتين إلى علي بن أبي حمزة ، وأنه تارة يرويها عن أبي عبد الله (ع) ، وتارة يقول : كتبت إلى أبي عبد الله (ع). ثمَّ ذكر رواية سماعة عن أبي بصير ، ثمَّ طعن فيهما بأن علي بن أبي حمزة واقفي ، وكذا سماعة. وقال في المسالك : « ولم يذكر ـ يعني : العلامة ـ في المختلف صحيحة الحلبي ، وهي مستند واضح. والعجب أنه في المنتهى والتذكرة أفتى بالجواز ، مستدلا بها ولم يذكر غيرها. وحينئذ فالجواز أقوى ». وقد عرفت أن‌

٢٩٩

لما ذكر ـ لا وجه له. لوجود النصوص ، وإمكان تطبيقها على القاعدة. وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه ، ثالثها : [١] إلحاق العهد دون اليمين [٢]. ولا يبعد الأول ،

______________________________________________________

اعتماد الأصحاب على الرواية ـ على تقدير ضعفها ـ موجب لدخولها في موضوع الحجية ، فضلاً عن أن تكون صحيحة ، أو موثقة.

[١] وأولها : الإلحاق. استظهره في المسالك ، واستدل له : بأن النصوص شاملة له ، فإنها مفروضة فيمن جعل ذلك عليه لله. وثانيها : العدم. وهو ظاهر كل من اقتصر على النذر ، وربما مال إليه في الجواهر.

[٢] لما عرفت في أول فصل نذر الحج ، من أن النذر يتضمن إنشاء تمليك الله سبحانه نفس المنذور ، والعهد يتضمن إنشاء المعاهدة مع الله على فعل ، واليمين ليس فيه إنشاء مضمون إيقاعي ، فلا جعل فيه لله تعالى ، فلا يدخل في النصوص. بل العهد كذلك ، فإن إنشاء المعاهدة لا يرجع الى جعل شي‌ء لله تعالى ، فلا وجه لدخوله في النصوص أيضاً. بل التحقيق : أن المعاهدة ليست من المعاني الإيقاعية ، بل من الأمور الحقيقية ، والمعاني الإيقاعية هي التي تكون موضوعاً للمعاهدة. وتحقيق ذلك موكول الى محله وإرجاع المعاهدة مع الله سبحانه على فعل شي‌ء إلى جعل شي‌ء له تعالى غير واضح ، بل ممنوع.

ولأجل ذلك نقول : إذا صالحت زيداً على أن يصلي عنك أو تصلي عنه ، كان مفاد عقد الصلح غير مفاده لو صالحته على أن يكون لك عليه أن يصلي عنك وله عليك أن تصلي عنه ، فان مفاد الأول لا تمليك فيه ، ومفاد الثاني فيه إنشاء التمليك. وكذا في الشرط ، فقد يشترط عليه أن يخيط ثوبه ، فيقول : بعتك وعليك أن تخيط ثوبي ، فلا تمليك ، وقد يشترط‌

٣٠٠