مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك ، واختلفوا فيه على أقوال : أحدها : خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة [١]. الثاني : فوات الركن من الوقوف الاختياري ، وهو المسمى منه [٢]. الثالث : فوات الاضطراري منه [٣]. الرابع : زوال يوم التروية [٤]. الخامس غروبه [٥]. السادس : زوال يوم عرفة [٦]. السابع : التخيير ـ بعد زوال يوم‌

______________________________________________________

[١] لم يتضح لي وجود القائل بذلك. نعم في الدروس : « وفي صحيح زرارة اشتراط اختياريها (١). وهو أقوى ». وظاهر العبارة اشتراط إدراك تمام الواجب الاختياري. فتأمل.

[٢] أختاره في القواعد ، وحكاه ـ في كشف اللثام ـ عن الحلبيين وابني إدريس وسعيد. وفي الجواهر : « لعله يرجع إليه ما عن المبسوط والنهاية والوسيلة والمهذب ، من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة ، بناء على تعذر الوصول غالباً إلى عرفة بعد هذا الوقت ، لمضي الناس عنه ».

[٣] حكي عن ظاهر ابن إدريس ، ومحتمل أبي الصلاح.

[٤] حكي عن والد الصدوق. ونقله في السرائر عن المفيد أيضاً.

[٥] نقل عن الصدوق في المقنع ، وعن المفيد في المقنعة.

[٦] حكي عن الشيخ في المبسوط والنهاية ، وعن الإسكافي وغيرهم ، كما تقدم نقله عن الجواهر. وفي المستند : « واختاره في المدارك ، والذخيرة وكشف اللثام .. ». لكن المذكور في الأخير : أن ذلك في غير من‌

__________________

(١) يأتي ذكر الرواية في أواخر المسألة.

٢٢١

التروية ـ بين العدول والإتمام ، إذا لم يخف الفوت [١]. والمنشأ اختلاف الأخبار ، فإنها مختلفة أشد الاختلاف.

والأقوى أحد القولين الأولين. لجملة مستفيضة من تلك الأخبار ، فإنها يستفاد منها ـ على اختلاف ألسنتها ـ : أن المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقت بعرفة.

منها : قوله (ع) في رواية يعقوب بن شعيب الميثمي [٢]

______________________________________________________

يتعين عليه التمتع ، وإلا لم يجز العدول ما لم يخف فوتها بفوات اضطراري عرفة ـ كما هو ظاهر ابن إدريس ، ويحتمله كلام أبي الصلاح ـ أو بفوات اختياريها ـ كما في الغنية ، والمختلف ، والدروس ـ لصحيح زرارة (١).

[١] حكاه في الجواهر ، قال : « وربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين : الجمع بين النصوص ، بالتخيير بين التمتع والافراد ، إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه .. ».

[٢] رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل ابن مرار ، عن يونس عن يعقوب بن شعيب المحاملي [ الميثمي خ ل ] قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا بأس للمتمتع ـ إن لم يحرم من ليلة التروية ـ متى ما تيسر له ، ما لم يخف فوت الموقفين » (٢). فان الظاهر منها أن المدار خوف فوت عرفة. لكن في كون الرواية فيما نحن فيه تأمل ظاهر ، لاحتمال كون المراد أن المتمتع إذا فرغ من متعته لا يجب عليه المبادرة إلى الإحرام بالحج ليلة التروية ، لا أنه لا يجب عليه العدول. ومنها : ما رواه الشيخ عن سعد بن عبد الله ، عن عبد الله بن

__________________

(١) يأتي ذكر الرواية في أواخر المسألة.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

٢٢٢

______________________________________________________

جعفر ، عن محمد بن مسرور (١) قال : « كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) ما تقول في رجل ـ متمتع بالعمرة إلى الحج ـ وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات ، أعمرته قائمة ، أو قد ذهبت منه؟ إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية ، فكيف يصنع؟ فوقع (ع) : ساعة يدخل مكة ـ إن شاء الله ـ يطوف ، ويصلي ركعتين ، ويسعى ، ويقصر ، ويخرج [ ويحرم خ ل ] بحجته ، ويمضي إلى الموقف ، ويفيض مع الامام » (٢) ، وصحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعاً ، ثمَّ قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف. قال (ع) : يدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه » (٣) ، ومرسل محمد بن أبي حمزة ، عن بعض أصحابه ، عن أبي بصير قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) المرأة تجي‌ء متعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها يوم عرفة (٤) فقال (ع) : إن كانت تعلم أنها تطهر ، وتطوف بالبيت ، وتحل من إحرامها ، وتلحق بالناس فلتفعل » (٥).

__________________

(١) حكي عن المنتقى : أنه محمد بن سرور ، وهو ابن جزك ، والغلط وقع من الناسخين. ومحمد ابن جزك ثقة. ( منه قدس‌سره )

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٦.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

(٤) كما في الكافي الجزء ٤ صفحة ٤٤٧ طبع إيران الحديثة وكذلك الوسائل. وفي التهذيب الجزء ٥ صفحة ٣٩١ طبع النجف الأشرف ، والاستبصار الجزء ٢ صفحة ٣١١ طبع النجف الأشرف والفقيه الجزء ٢ صفحة ٢٤٢ طبع النجف الأشرف : ( ليلة عرفة ).

(٥) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ٤.

٢٢٣

« لا بأس للمتمتع ـ إن لم يحرم من ليلة التروية ـ متى ما تيسر له ، ما لم يخف فوات الموقفين ». وفي نسخة : « لا بأس للمتمتع أن يحرم ليلة عرفة .. ». وأما الاخبار المحددة بزوال يوم التروية [١] ،

______________________________________________________

[١] في صحيح ابن بزيع قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحل ، متى تذهب متعتها؟ قال (ع) : كان جعفر (ع) يقول : زوال الشمس من يوم التروية. وكان موسى (ع) يقول : صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت : جعلت فداك ، عامة مواليك يدخلون يوم التروية ، ويطوفون ويسعون ، ثمَّ يحرمون بالحج. فقال (ع) : زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان أبي صالح (١) ، فقال (ع) : إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت : فهي على إحرامها ، أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال (ع) : لا ، هي على إحرامها. قلت : فعليها هدي؟ قال (ع) : لا. إلا أن تحب أن تتطوع. ثمَّ قال : أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (٢).

وفي جملة جعل الحد أن يدرك الناس بمنى ، ففي صحيح أبي بصير : « قلت لأبي عبد الله (ع) : المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت ، فيكون طهرها ليلة عرفة. فقال (ع) : إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبيت ، وتحل من إحرامها ، وتلحق الناس بمنى فلتفعل » (٣). ونحوه غيره.

__________________

(١) تأتي هذه الرواية في المسألة الآتية ( منه قدس‌سره ).

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٤.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣.

٢٢٤

أو بغروبه [١] ،

______________________________________________________

وفي جملة من النصوص جعل الحد يوم التروية ، كصحيح عبد الرحمن ابن الحجاج قال : « أرسلت الى أبي عبد الله (ع) : إن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن ، فكيف نصنع؟ قال : تنظر ما بينها وبين التروية فإن طهرت فلتهل ، وإلا فلا يدخل عليها التروية إلا وهي محرمة » (١) وفي رواية إسحاق بن عبد الله عن أبي الحسن (ع) قال : « المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة ، يجعلها حجة مفردة. إنما المتعة إلى يوم التروية » (٢). ونحوها صحيحة علي بن يقطين ، وفيها : « وحدّ المتعة إلى يوم التروية » (٣).

[١] في صحيح العيص بن القاسم ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ قال (ع) : لا ، ما بينه وبين غروب الشمس. قال : وقد صنع ذلك رسول الله (ص) » (٤) وخبر إسحاق بن عبد الله قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية. فقال : ليتمتع [ للمتمتع. خ ل ] ما بينه وبين الليل » (٥) ، ورواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا قدمت مكة يوم التروية ـ وقد غربت الشمس ـ فليس لك متعة ، امض كما أنت بحجك » (٦) ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٠.

(٥) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

(٦) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٢.

٢٢٥

أو بليلة عرفة [١] ، أو سحرها [٢]. فمحمولة على صورة عدم إمكان الإدراك إلا قبل هذه الأوقات ، فإنه مختلف باختلاف الأوقات ، والأحوال ، والأشخاص [٣]. ويمكن‌

______________________________________________________

[١] تدل على ذلك النصوص المتقدمة ، فإن غروب يوم التروية أول ليلة عرفة.

[٢] في صحيح محمد بن مسلم قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال (ع) : الى السحر من ليلة عرفة » (١).

وفي بعضها التحديد بدخول يوم عرفة ، ففي خبر زكريا بن آدم قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة. قال (ع) : لا متعة له. يجعلها عمرة مفردة » (٢).لكن في ظهوره في التحديد بذلك إشكال ظاهر.

وفي جملة التحديد بزوال يوم عرفة. ولا يبعد رجوعه إلى الأول ، كما يأتي في كلام المصنف.

[٣] هذه المحامل مذكورة في كلام الجماعة. لكنها ناتجة من طرح النصوص ، وإلا فلا شاهد على الجمع بذلك. مع أن الأول بعيد جداً عن ظاهر بعض تلك النصوص ، بل ممتنع. والاختلاف باختلاف الأوقات والأشخاص مسلم ، لكن لا يناسب البيان المشتملة عليه النصوص. مع أن التعرض لخصوص الأشخاص ـ الذين لا يتمكنون من إدراك الحج إلا في المدة المذكورة ـ وإهمال غيرهم غير ظاهر. مع أن وجود هؤلاء الأشخاص إما نادر جداً ، أو مجرد فرض لا خارج له.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨.

٢٢٦

حملها على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس يوم التروية [١]. ويمكن كون الاختلاف لأجل التقية ، كما في أخبار الأوقات للصلوات. وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد التخصيص بالحج المندوب [٢] ، فإن أفضل أنواع‌

______________________________________________________

[١] فتكون التقية في عمل المكلف ، بخلاف التقية في المحمل الآتي فإنها في بيان المعصوم. لكن التعرض للتقية في خصوص الموارد المذكورة دون غيرها غير ظاهر. كما سبق في الاشكال على ما قبله. وأما التقية في بيان المعصوم (ع) : فيتوقف إما على وجود الأقوال المختلفة المذكورة عند المخالفين ، أو الاجتزاء بإيقاع الخلاف في الحمل على التقية. وكلاهما بعيد جداً عن مفاد النصوص. وإن كان يشعر به ما في صحيح ابن بزيع ، من قول الرضا (ع) : « كان جعفر (ع) يقول .. » (١).

[٢] حكي ذلك عن الشيخ في كشف اللثام والجواهر وغيرهما. فإنه جمع بين الأخبار ، بحملها على اختلاف مراتب الفضل. فالأفضل الإحرام بالحج بعد الفراغ من العمرة عند الزوال يوم التروية ، فان لم يفرغ عنده من العمرة كان الأفضل العدول إلى الحج ، ثمَّ ليلة عرفة ، ثمَّ يومها إلى الزوال ، السابق منها أفضل من اللاحق ، وإن كانت مشتركة في التخيير ، وعند الزوال يوم عرفة يتعين العدول ، لفوات الموقف غالباً. ثمَّ قال : « هذا إذا كان الحج مندوباً ، لا فيما إذا كان هو الفريضة .. ».

وهذا الجمع وإن كان أقرب مما سبق ، إلا أنه لا وجه للتخصيص بالمندوب ، لعموم الأخبار للجميع ، فان طوائف الأخبار المتقدمة كلها على نسق واحد ، ليس لبعضها اختصاص بالواجب وبعضها اختصاص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٤. وقد سبق ذكر الرواية قريباً.

٢٢٧

التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة [١] ، ثمَّ ما تكون عمرته قبل يوم التروية ، ثمَّ ما يكون قبل يوم عرفة. مع أنا لو أغمضنا عن الاخبار ـ من جهة شدة اختلافها وتعارضها ـ [٢] نقول :

______________________________________________________

بالمندوب مضافاً إلى أن صحيح بن الحجاج ـ المتقدم في التحديد بيوم التروية ـ مورده صرورة النساء ، فيكون حجهن حج الإسلام. وأيضاً فإنه روى في الكافي ـ في الصحيح ـ عن محمد بن ميمون ، قال : « قدم أبو الحسن (ع) متمتعاً ليلة عرفة ، فطاف ، وأحل ، وأتى بعض جواريه ، ثمَّ أهل بالحج وخرج » (١). فان فعله (ع) يدل على أنه الأفضل ، وكيف يناسب ذلك ما دل على أن حد المتعة إلى يوم التروية أو غروبها؟! فلاحظ رواية إسحاق بن عبد الله ، وصحيحة ابن يقطين ، ورواية عمر بن يزيد ونحوها فان لسانها آب عن الحمل على الأفضل ، فضلاً عما يناسب فعمل الامام (ع).

اللهم إلا أن يقال : فعله (ع) مجمل ، والناقل له غير معصوم ، فلا يحتج به. لكن إباء النصوص المذكورة عن الجمل على الأفضل لا مجال للمناقشة فيه.

[١] كما في صحيح إسماعيل ، من قوله (ع) : « أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة فاتتنا المتعة .. » (٢). لكن ظاهره التخصيص بهم (ع) ، ووجهه غير ظاهر.

[٢] لكن الإشكال في الإغماض عن الأخبار ، لأنها إذا كانت متعارضة ، ولم يمكن الجمع العرفي بينها ، فاللازم إما التخيير مع عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٤. وقد سبق ذكره قريباً فلاحظ‌

٢٢٨

مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا ، لأن المفروض أن الواجب عليه هو التمتع ، فما دام ممكناً لا يجوز العدول عنه. والقدر المسلم من جواز العدول صورة عدم إمكان إدراك الحجّ ، واللازم إدراك الاختياري من الوقوف ، فإن كفاية الاضطراري منه‌

______________________________________________________

المرجح ، أو الأخذ بالراجح مع وجود المرجح. وحينئذ لا مجال للرجوع إلى القواعد. نعم يمكن أن تكون الموافقة للقواعد من المرجحات. لأنها راجعة إلى موافقة الكتاب والسنة ، فيؤخذ بما وافقها ويطرح غيره. وهذا الوجه لا بأس به.

ولعل الأولى أن يقال : إذا أرجعنا نصوص التحديد بزوال يوم عرفة إلى نصوص المشهور تكون هي أكثر عدداً من غيرها ، فتكون أولى بالأخذ بها. أو يقال : إن الطوائف المذكورة غير معمول بها غير طائفتين منها ، وهي طائفة التحديد بزوال التروية التي لم يعمل بها إلا ابن بابويه ، وطائفة التحديد بغروبه التي لم يعمل بها إلا المفيد في المقنعة والصدوق في المقنع. ولأجل أنهما مهجورتان عند بقية الأصحاب لا مجال للاعتماد عليهما. والطوائف الأخر غير معمول بها أصلاً ومجمع على خلافها ، فلا أهمية لها في قبال نصوص المشهور ، التي منها نصوص التحديد بزوال يوم عرفة ، فالعمل بها متعين والاعراض عما عداها.

ويشير اليه ما في صحيح إسماعيل بن بزيع ، من قول السائل : « عامة مواليك يدخلون يوم التروية .. » ، الظاهر في أن الشيعة ـ رفع الله تعالى شأنهم ـ كان عملهم على خلاف التحديد المذكور ، وأن التحديد كان مبنياً على وجه غامض.

٢٢٩

خلاف الأصل [١].

يبقى الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين. ولا يبعد رجحان أولهما [٢] ، بناء على كون الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف ، وإن كان الركن هو المسمى ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال ، فإن من جملة الأخبار‌ مرفوع سهل ، عن أبي عبد الله (ع) : « في متمتع دخل يوم عرفة. قال : متعته تامة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم » [٣]. حيث أن قطع التلبية بزوال يوم عرفة. وصحيحة جميل : « المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج الى زوال الشمس من يوم النحر » [٤]. ومقتضاهما كفاية‌

______________________________________________________

[١] لكن جواز العدول أيضاً خلاف الأصل. وسيأتي بقية الكلام فيه.

[٢] لأن ظاهر النصوص ـ المسوغة للعدول عند خوف فوت الموقفين ـ : أن المسوغ للعدول فوات الواجب من الوقوف ، ولا يختص بالركن. ويظهر ذلك ـ بمناسبة المقام ـ مما دل على مشروعية التيمم عند خوف فوت الصلاة ، فإن المراد منه الصلاة بجميع أجزائها ، ولا يختص بالركن منها.

[٣] رواه في الكافي عن العدة ، عن سهل بن زياد ، رفعه ، عن أبي عبد الله (ع) (١).

[٤] رواها الشيخ عن سعد ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله (ع) قال : « المتمتع .. » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٥.

٢٣٠

إدراك مسمى الوقوف الاختياري ، فإن من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة ، وإدراك الناس في أول الزوال بعرفات. وأيضاً يصدق إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب. إلا أن يمنع الصدق ، فان المنساق منه إدراك تمام الواجب [١]. ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ ، كما ادعي [٢]. وقد يؤيد القول الثالث ـ وهو كفاية إدراك الاضطراري من عرفة ـ بالأخبار الدالة على أن من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات ، وأدركها ليلة النحر تمَّ حجه [٣]. وفيه : أن موردها‌

______________________________________________________

ومحمد بن عيسى مشترك بين الأشعري وبين اليقطيني. والظاهر صحة حديثهما وإن كان الثاني محل مناقشة. ولذلك وصفها في المدارك وغيرها بالصحة. أو لبنائه على أن المراد منه الأشعري والد أحمد بن محمد بن عيسى. لكن استقرب في الذخيرة أنه اليقطيني.

[١] كما عرفت سابقاً.

[٢] الجواب عن المرفوعة بالضعف أولى. وأما الشذوذ فغير ظاهر.

[٣] هذا التأييد ـ لو تمَّ ـ لا يصلح لمعارضة ما تقدم في رواية محمد ابن سرور المتقدمة ، من قوله (ع) : « ويفيض مع الإمام » (١) ، فإنه كالصريح في أن إتمام العمرة إنما هو مع إدراك الإمام في عرفات. ومثله صحيح الحلبي المتقدم (٢) ، فان الظاهر من قوله : « والناس بعرفات فخشي .. ( إلى قوله ) : أن يفوته الموقف » الوقوف مع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

٢٣١

غير ما نحن فيه ـ وهو عدم الإدراك من حيث هو ـ وفيما نحن فيه يمكن الإدراك ، والمانع كونه في أثناء العمرة ، فلا يقاس بها [١]. نعم لو أتم عمرته في سعة الوقت ثمَّ اتفق أنه لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري ودخل في مورد تلك الاخبار. بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتم عمرته ثمَّ بان كون الوقت مضيقاً في تلك الاخبار [٢].

______________________________________________________

الناس في عرفات ، وهو الوقوف الاختياري. وأوضح منه صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) : عن الرجل يكون في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال ، وهو متمتع بالعمرة إلى الحج. فقال : « يقطع التلبية ، تلبية المتعة ، ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ، ولا شي‌ء عليه » (١).فهذه النصوص يتعين الأخذ بها في المقام ، ورفع اليد عن النصوص المؤيدة لو كانت شاملة لما نحن فيه.

[١] وان شئت قلت : الكلام فيما نحن فيه في السبب المسوغ للعدول من العمرة ، وأنه فوات موقف عرفة الاختياري ، أو فواته مع الاضطراري ، فلا يرتبط بما دل على ادراك الوقوف بعرفة بالوقوف الاضطراري ، وأنه إذا أدركه فقد تمَّ حجه. وإلا لزم الاكتفاء بإدراك الوقوف الاختياري في المشعر ، لما دل على أن من أدرك المشعر الحرام فقد تمَّ حجه.

[٢] هذا يتوقف على كون النصوص واردة في الملتفت. ولكن دعوى ذلك غير ظاهرة ، فإنه خلاف إطلاق النصوص. نعم يمكن البناء على صحة حجه حينئذ من باب حج الافراد ، ثمَّ يعتمر بعد ذلك ، ويكون‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

٢٣٢

ثمَّ إن الظاهر عموم حكم المقام بالنسبة إلى الحج المندوب وشمول الأخبار له [١] ، فلو نوى التمتع ندباً ، وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج ، جاز له العدول الى الافراد. وفي وجوب العمرة بعده إشكال ، والأقوى عدم وجوبها [٢]. ولو علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحج قبل أن يدخل في العمرة ، هل يجوز له العدول من الأول إلى الافراد؟ فيه إشكال ، وان كان غير بعيد [٣]. ولو دخل‌

______________________________________________________

إتمامه للعمرة غير مجزي عنها ، بل هو باق على إحرامه ، ولا يحل بالتقصير ـ ولا بغيره ـ حتى يدرك الحج ، ولو بإدراك المشعر الاختياري. لدخوله حينئذ في النصوص جميعها. ولا تتوقف صحة حجه على إدراك اختياري عرفة ولا اضطراريها.

[١] الظاهر أنه لا ريب فيه. وقد تقدم من الشيخ حمل نصوص التحديد بغير الضيق على خصوص المندوب ، فكأن الحكم في المندوب أوضح منه في الواجب. والنصوص المستدل بها على الحكم مطلقة شاملة له.

[٢] لأن العمرة المفردة عمل مستقل عن الحج. ووجوب إتمام الحج بالشروع فيه لا يقتضي وجوب فعل العمرة ، لأنها ليست من تمام الحج ، والأصل البراءة. وأما ما رود في النصوص من الأمر بالإتيان بالعمرة المفردة ، فلا يدل على الوجوب ، لأن الظاهر منه الإرشاد إلى ما هو يدل عمرة التمتع ، فان كانت واجبة كان واجباً ، وإلا فلا ، وليس المقصود منه إيجابها تعبداً.

[٣] فان كلمات الأصحاب موردها الدخول في العمرة ـ وكذلك‌

٢٣٣

في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت وأخر الطواف والسعي متعمداً الى ضيق الوقت ، ففي جواز العدول وكفايته إشكال [١] ، والأحوط العدول وعدم الاكتفاء إذا كان الحج واجباً عليه.

______________________________________________________

النصوص ـ لكن يمكن أن يستفاد الجواز بالأولوية. ولا سيما بملاحظة أن البناء على عدم جواز العدول فيه يوجب سقوط الحج عنه بالمرة ، لأنه لا يتمكن من حج التمتع ، ولا يجزيه غيره.

[١] لاختصاص النصوص بغيره. لكن لازم ذلك الرجوع إلى القواعد المقتضية لوجوب إتمام العمرة والاجتزاء في فعل الحج بإدراك المشعر ، لعموم : من أدراك الوقوف بالمشعر فقد تمَّ حجه. ودعوى : اختصاصه بغير المقام ممنوعة. كما يظهر ذلك من ملاحظة نظائره ، من موارد الأبدال الاضطرارية. فإن من أراق ماء الوضوء عمداً صح تيممه ، ومن أخر الصلاة حتى أدرك ركعة من الوقت صحت صلاته أداء ، ومن عجز نفسه عن القيام في الصلاة صحت صلاته من جلوس .. إلى غير ذلك من الموارد. ومن ذلك يظهر الإشكال في كون الأحوط العدول ، فان العدول وإن كان مردداً بين الوجوب والحرمة ، لكن الحرمة مقتضى الدليل ، والوجوب خلاف مقتضى الدليل ، فيكون العمل على الحرمة أحوط.

هذا بناء على اختصاص نصوص المقام بغير الفرض. لكنه غير ظاهر فلاحظ النصوص تجدها ـ كغيرها من موارد الأبدال الاضطرارية ـ شاملة للعامد وغيره ، وان كان العامد آثماً في التأخير. ثمَّ لو فرض التوقف عن العمل بالنصوص والعمل بالقواعد ـ كما يظهر من المتن ـ فالاحتياط كما يكون بالعدول لاحتمال وجوبه ، يكون بالإتمام لاحتمال وجوبه أيضاً. بل لعل الثاني أقرب ، لأنه موافق للاستصحاب. فتأمل جيداً.

٢٣٤

( مسألة ٤ ) : اختلفوا في الحائض والنفساء ـ إذا ضاق وقتهما عن الطهر وإتمام العمرة وإدراك الحج ـ على أقوال : أحدها : أن عليهما العدول إلى الافراد والإتمام ، ثمَّ الإتيان بعمرة بعد الحج [١]. لجملة من الأخبار [٢].

الثاني : ما عن جماعة ، من أن عليهما ترك الطواف ، والإتيان بالسعي ، ثمَّ الإحلال ، وإدراك الحج ، وقضاء طواف‌

______________________________________________________

[١] وفي الجواهر : « على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في المنتهى : الإجماع عليه .. ». ثمَّ حكى كلام المنتهى ، ثمَّ قال : « ونحوه عن التذكرة .. ».

[٢] منها صحيح جميل : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال (ع) : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثمَّ تقيم حتى تطهر ، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » (١). قال ابن أبي عمير : « كما صنعت عائشة ». ومصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال : « سألته عن المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث ـ قبل أن تطوف بالبيت ـ حتى تخرج إلى عرفات. قال (ع) : تصير حجة مفردة ، وعليها دم أضحيتها » (٢) ، وصحيح ابن بزيع ، السابق في تحديد الضيق بزوال يوم التروية (٣). وقد تعضد ـ أو تؤيد ـ ببعض الأخبار الآتية في المسألة الآتية.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج ملحق حديث : ١٣.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤ وقد صبق ذكر الرواية في المسألة السابقة.

٢٣٥

العمرة بعده [١]. فيكون عليهما الطواف ثلاث مرات ، مرة لقضاء طواف العمرة ، ومرة للحج ، ومرة للنساء. ويدل على ما ذكروه أيضاً جملة من الأخبار [٢].

______________________________________________________

[١] حكي ذلك عن علي بن بابويه وأبي الصلاح. وفي كشف اللثام : حكايته عن جماعة ـ ولعل منهم الحلبي ـ وفي مورد آخر : نسبه إلى الحلبيين وجماعة.

[٢] منها صحيح العلاء بن صبيح ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، وعلي ابن رئاب ، وعبيد الله بن صالح ، كلهم يروونه عن أبي عبد الله (ع) قال : « المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثمَّ حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ، ثمَّ سعت بين الصفا والمروة ، ثمَّ خرجت إلى منى. فاذا قضت المناسك وزارت البيت ، طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ، ثمَّ طافت طوافاً للحج ، ثمَّ خرجت فسعت ، فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم ، إلا فراش زوجها ، فاذا طافت أسبوعاً حل لها فراش زوجها » (١) وخبر عجلان أبي صالح : « قلت لأبي عبد الله (ع) : « متمتعة قدمت مكة فرأت الدم ، كيف تصنع؟ قال (ع) : تسعى بين الصفا والمروة ، وتجلس في بيتها. فان طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فاذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها ، فاذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ، ثمَّ سعت بين الصفا والمروة فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي‌ء ما عدا فراش زوجها ، قال : وكنت أنا وعبد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد ، فدخل عبيد الله على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ١.

٢٣٦

الثالث : ما عن الإسكافي وبعض متأخري المتأخرين [١] من التخيير بين الأمرين. للجمع بين الطائفتين بذلك.

الرابع : التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل ، أو كانت طاهراً حال الشروع فيه ثمَّ طرأ الحيض في‌

______________________________________________________

أبي الحسن (ع) فخرج إلي ، فقال : سألت أبا الحسن (ع) عن رواية عجلان ، فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان » (١) ، ورواية عجلان الأخرى : « أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول : إذا اعتمرت المرأة ثمَّ اعتلت قبل أن تطوف ، قدمت السعي وشهدت المناسك ، فاذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف النساء ، ثمَّ أحلت من كل شي‌ء » (٢) ونحوهما روايته الثالثة : « سألت أبا عبد الله (ع) عن متمتعة دخلت مكة فحاضت. قال (ع) : تسعى بين الصفا والمروة ، ثمَّ تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد » (٣). وقريب منها رواية يونس بن يعقوب ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (ع) (٤).

[١] لعله يريد به صاحب المدارك ، فإنه ـ بعد ما نقل صحيحة العلاء بن صبيح والجماعة معه ـ قال : « والجواب : أنه ـ بعد تسليم السند والدلالة ـ يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة ـ المتضمنة للعدول إلى الافراد ـ بالتخيير بين الأمرين. ومتى ثبت ذلك كان العدول أولى ، لصحة مستنده ، وصراحة دلالته ، وإجماع الأصحاب عليه ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ٨.

٢٣٧

الأثناء فتترك الطواف وتتم العمرة وتقتضي بعد الحج. اختاره بعض [١] ، بدعوى : أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين ، بشهادة‌ خبر أبي بصير : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول ـ في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ، ثمَّ حاضت قبل أن تقضي متعتها ـ سعت ولم تطف حتى تطهر ، ثمَّ تقضي طوافها وقد قضت عمرتها. وان أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر » [٢]. وفي الرضوي : « إذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم .. الى قوله (ع) ـ : وإن طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجة مفردة. وان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها. الا الطواف بالبيت ، فاذا طهرت قضت الطواف بالبيت ، وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج ، وعليها‌

______________________________________________________

[١] حكي عن الكاشاني في الوافي والمفاتيح ، واختاره في الحدائق.

[٢] رواه في الكافي عن العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي عمير [ نجران. خ ل ] (١). عن مثنى الحناط (٢) ، قال : « سمعت [ سألت. خ ل ] أبا عبد الله (ع) .. » (٣).

__________________

(١) كما في الكافي الجزء : ٤ صفحة ٤٤٨ طبع إيران الحديثة.

(٢) الموجود في الكافي : رواية ذلك عن مثنى الحناط ، عن أبي بصير. لا حظ الكافي الجزء : ٤ صفحة ٤٤٨ طبع إيران الحديثة وفي التهذيب والاستبصار : رواها عن ابن أبي عمير عن أبي بصير ، بحذف. مثنى الحناط لا حظ التهذيب الجزء : ٥ صفحة ٣٩٥ طبع النجف الأشرف ، والاستبصار الجزء : ٢ صفحة ٣١٥ طبع النجف الأشرف.

(٣) الوسائل باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ٥.

٢٣٨

طواف الحج ، وطواف العمرة ، وطواف النساء » [١]. وقيل في توجيه الفرق بين الصورتين : أن في الصورة الأولى لم تدرك شيئاً من أفعال العمرة طاهراً ، فعليها العدول الى الافراد ، بخلاف الصورة الثانية ، فإنها أدركت بعض أفعالها طاهراً ، فتبني عليها ، وتقضي الطواف بعد الحج [٢]. وعن المجلسي ( قده ) [٣] في وجه الفرق ما محصله : أن في الصورة الأولى لا تقدر على نية العمرة ، لأنها تعلم أنها لا تطهر‌

______________________________________________________

[١] قال في كتاب الفقه الرضوي : « وإذا حاضت المرأة من قبل أن تحرم ، فعليها أن تحتشي إذا بلغت الميقات ، وتغتسل ، وتلبس ثياب إحرامها ، وتدخل مكة وهي محرمة ، ولا تدخل المسجد الحرام. فان طهرت ما بينها وبين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها ، فعليها أن تغتسل ، وتطوف بالبيت ، وتسعى بين الصفا والمروة ، وتقضي ما عليها من المناسك ، وإن طهرت بعد الزوال .. » (١). الى آخر ما في المتن.

[٢] لا يحضرني هذا القائل. كما أن تعليله ظاهر الضعف ، فان مجرد عدم إدراكها لبعض أجزاء العمرة طاهرة لا يكفي في بطلان العمرة ، ولا في وجوب العدول عنها. ومجرد إدراك بعض الأجزاء طاهرة لا يكفي في وجوب إتمامها ، إذ لا دليل عليه.

[٣] المراد به : المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه. قال‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٥٧ من أبواب الطواف حديث : ٣ ، وباب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢. لكن في الموضعين اقتصر على صدر الحديث الى قوله : « فتجعلها حجة مفردة ». وأما الذيل فهو مذكور في الحدائق الجزء : ١٤ صفحة : ٣٤٥. كما ان الصدر مذكور في صفحة : ٣٣٩ منه.

٢٣٩

للطواف وادراك الحج بخلاف الصورة الثانية ، فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية والدخول فيها.

الخامس : ما نقل عن بعض ، من أنها تستنيب للطواف ثمَّ تتم العمرة وتأتي بالحج [١]. لكن لم يعرف قائله [٢]. والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول. للفرقة الأولى من الاخبار ، التي هي أرجح من الفرقة الثانية ، لشهرة العمل بها دونها [٣]. وأما القول الثالث ـ وهو التخيير ـ فان كان‌

______________________________________________________

في الحدائق : « هذه ترجمة كلامه : والحائض التي حاضت قبل الإحرام إنما لا تسعى بين الصفا والمروة لتأتي بجميع المناسك مع حج التمتع ، لأنها لا تقدر على نية عمرة التمتع ، لأنها تعلم أن لأفعال الحج أوقاتاً مخصوصة لو لم تفعلها في تلك الأوقات لم تصح حجتها. مثل الوقوف بعرفات ، فإنه لا يصح إلا يوم عرفة ، وبالمشعر ، فلا يصح إلا يوم النحر ، ورمي الجمار. وإذا كانت في حال إحرامها حائضاً فظنت عدم النقاء إلى اليوم العاشر لا تقدر أن تنوي عمرة التمتع ، فيتعين عليها نية حج الإفراد. فاما إن لم تكن عند الإحرام حائضاً تقدر أن تنوي عمرة التمتع .. ( إلى أن قال ) : وهذا وجه للجمع بين الأخبار الواردة في هذا الباب ».

[١] حكى ذلك في الجواهر عن بعض الناس.

[٢] وفي الجواهر : « فلم نعرف قائله ، ولا دليله .. » ونحوه في المستند.

[٣] أقول : شهرة العمل لا تصلح للترجيح ، كما حقق في الأصول. والشهرة ـ المذكورة في روايات الترجيح ـ هي شهرة الرواية وكثرة رواتها كما لا يخفى.

٢٤٠