مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

______________________________________________________

المدينة ، فلما برأ من وجعه اعتمر .. » (١). بناء على أنه (ع) قد اشترط ، لأنه مستحب فلا يتركه. وبخبر عبد الله بن عامر ، الذي رواه في كشف اللثام عن جامع بن سعيد ، عن كتاب المشيخة لابن محبوب ، عن الصادق (ع) : « في رجل خرج معتمراً ، فاعتل في بعض الطريق وهو محرم. قال (ع) : ينحر بدنة ، ويحلق رأسه ، ويرجع إلى رحله ، ولا يقرب النساء. فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، فإذا برأ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه. وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر .. » (٢).

لكن الخبر الأخير غير ظاهر الصحة ، وقد تفرد بروايته ابن سعيد ولم يعمل به. فإنه نسب إليه القول الأول. والأول غير واضح الدلالة على ما نحن فيه. ومجرد الاستحباب لا يقتضي تحقق الاشتراط ، لإمكان وجود المانع. مع أن في صحيح رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال : « خرج الحسين (ع) معتمراً ـ وقد ساق بدنة ـ حتى انتهى إلى السقيا فبرسم ، فحلق شعر رأسه ، ونحرها مكانه. ثمَّ أقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال علي (ع) : ابني ورب الكعبة ، افتحوا له الباب. وكان قد حموه الماء ، فأكب عليه فشرب ، ثمَّ اعتمر بعد » (٣). إذ حينئذ يكون خارجاً عما نحن فيه ، ففي المدارك : أن موضع الخلاف من لم يسق الهدي أما السائق فقال فخر المحققين (ره) : إنه لا يسقط عنه بإجماع الأمة. وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ، ورفاعة عن أبي عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الإحصار والصد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الإحصار والصد حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب الإحصار والصد حديث : ٢.

٣٨١

______________________________________________________

أنهما قالا : « القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني. قال : يبعث بهديه. قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه » (١). اللهم إلا أن يكون مورده واقعة أخرى غير مورد صحيح معاوية ، للاختلاف الواقع بين مضمونيهما ، كما هو ظاهر. فالعمدة الإشكال الأول.

مضافا إلى أن ظاهره أنه (ع) نحر البدنة في مكانه ـ وهي سقيا بني غفار ـ لا أنه أرسله إلى مكة وانتظر وصول الهدي إلى مكة ، وبينه وبينها مسافة أربعة أيام أو أكثر ، فإنه أحد المنازل بين المدينة إلى مكة ، فمنه إلى الأبواء ، ومنه إلى الجحفة ، ومنه إلى قديد ، ومنه إلى عسفان ، ومنه إلى بطن مر ، ومنه إلى مكة. فإن ذلك بعيد جداً عن سوق الرواية ، لو لم يكن مقطوعاً بخلافه ، كما اعترف في الجواهر. فلو كانت الرواية فيما نحن فيه تعين البناء على تعجيل الإحلال بتعجيل نحر الهدي والإحلال بعده ، لا التعجيل بالمعنى الذي ذكروه ، فإنه خلاف ظاهر الرواية جداً. لكن عرفت الإشكال في كون الرواية فيما نحن فيه. وعليه لا مانع من الأخذ بظاهر الصحيحين السابقين في سقوط الهدي ، لسكوتهما عنه (٢). بل ظهور الشرط في ذلك ، فان مضمونه فسخ الإحرام وجعله كأن لم يكن ، فلا يكون مقتض للهدي كي يجب.

ومنه يشكل ما في الجواهر ، من أنه قد يقال : بأن المراد بالشرط‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب الإحصار والصد حديث : ١.

(٢) المراد بالصحيحين : هما صحيح ذريح المحاربي ، وصحيح محمد بن أبي نصر ، المتقدمين قريباً لاحظ الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الإحرام حديث : ٣ ، باب : ١ من أبواب الإحصار والصد حديث : ٤.

٣٨٢

وقيل : سقوط الحج من قابل [١].

______________________________________________________

التحلل من إحرامه بمحلله الشرعي ، لا أنه يثبت به تحليل خاص لا يحتاج معه إلى الهدي ولا غيره. انتهى. كيف وهو خلاف ظاهر الشرط؟وخلاف قوله (ع) : « إن الله أحق من وفى بما اشترط عليه »؟ (١) وحمله على التعجيل بالمعنى المذكور بعيد جداً.

وإن شئت قلت : ظاهر الآية الشريفة ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ... ) (٢) انحصار المحلل بالهدي ووجوب الانتظار ، فان كانت فائدة الشرط التعجيل كان التصرف في إطلاقها من حيث وجوب الانتظار ، وان كانت فائدة الشرط التحلل كان التصرف في إطلاقها من حيث لزوم الهدي. والتصرف الأول ليس أولى من الثاني ، فيسقط الإطلاق من الجهتين ، ومقتضى أصل البراءة عدم وجوب الهدي.

[١] حكي ذلك عن الشيخ (ره) في التهذيب. واستدل عليه بصحيح ضريس بن أعين قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل خرج متمتعاً بالعمرة إلى الحج ، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال (ع) : يقيم على إحرامه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه ، وينصرف إلى أهله إن شاء. وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه. فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل » (٣). وأشكل عليه : بأن الحج الفائت إن كان واجباً لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط. وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده‌

__________________

(١) هذا بعض ما جاء في صحيح ذريح المحاربي ، المتقدم ذكره قريباً.

(٢) البقرة : ١٩٦‌

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب الوقوف بالمشعر حديث : ٢.

٣٨٣

وقيل : إن فائدته إدراك الثواب [١] ، فهو مستحب تعبدي وهذا هو الأظهر. ويدل عليه قوله (ع) في بعض الأخبار [٢] :

______________________________________________________

فيه ، كما اعترف به في محكي المنتهى ». وإن لم يكن واجباً لم يجب بترك الاشتراط ، والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضاً. وعليه فالصحيح غير معمول به ، ولا معول عليه. على أن مورده خاص بالمتمتع الذي لم يدرك الموقفين فلا وجه للتعدي منه الى ما نحن فيه.

[١] نسبه في المدارك إلى الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته : قال في المسالك ـ بعد ذكر الأقوال في فائدة الشرط ـ : « وكل واحد من هذه الفوائد لا يأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط. أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق ، إذ لو كان قد ساق هدياً لم يسقط. وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصور دون المصدود ـ فإنه يجوز له التعجيل من غير شرط اتفاقا ، كما تقدم في كلامه. وأما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع. وظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل ، والعارض لا مدخل له في شي‌ء من الأحكام. واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج. ومن الجائز كونه ـ تعبداً ، أو ادعاءً ـ مأموراً به يترتب على فعله الثواب ». وفي الجواهر : « ربما كان ذلك ظاهر المبسوط والخلاف والمهذب ».

[٢] يشير بذلك الى مصحح زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « هو حل إذا حبسه ، اشترط أو لم يشترط » (١) ، وخبر حمزة بن حمران قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الذي يقول : حلني حيث حبستني. قال (ع) : هو حل حيث حبسه ، قال أو لم يقل » (٢). ورواه الصدوق بإسناده عن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٨٤

______________________________________________________

حمران بن أعين (١). لكن الروايتين لا تنافيان ما سبق ، لجواز الفرق من جهة زائدة على أصل الحل ، فالتمسك بهما لنفي الفرق أصلا غير ظاهر في مقابل ـ ما عرفت من النصوص. مضافاً الى أن الضمير في قوله (ع) : « هو حل .. » لا يعرف مرجعه ، فالتمسك به في جميع الصور غير ظاهر.

وأما ما أشار إليه في المسالك ، من أن استحباب الشرط عام والفائدة غير عامة ، فلا بد أن يكون الشرط لغير تلك الفوائد المذكورة. ففيه أيضاً : أنه وإن كان صحيحاً في الجملة ، لكنه لا يصلح لنفي الفائدة بالمرة بعد دلالة النصوص عليها. ووجوب الهدي للسائق لا يدل على عدم الفائدة للشرط فيه ، لإمكان أن يكون الوجوب من جهة تعين الهدي للذبح أو النحر ، لا لعدم التحلل بالشرط ، بل يتحلل قبل ذبح الهدي. فلا تختص الفائدة ـ على القول الأول ـ بمورد دون مورد ـ وهذا مما يعضد أدلة القول الأول.

ومثله في الاشكال ما عن فخر المحققين ، من أن الفائدة : هي أن التحليل بالشرط أصلي ، وبغيره عرضي من جهة العذر. وفيه : أن ذلك يتوقف على أن طروء المانع مع عدم الشرط موجب للتحلل فعلاً من دون حاجة الى الهدي ، وهو غير ظاهر. بل خلاف ظاهر الآية الشريفة الواردة في المحصور ، المتضمنة الانتظار في التحلل أن يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (٢). فمع الشرط يجوز التحلل فوراً ، فتكون فائدته تحليل ما لم يحل لولاه. نعم عرفت الاتفاق على التحلل فوراً في المصدود ، فتكون فائدة الشرط سقوط الهدي ، لأن الشرط يوجب انفساخ الإحرام وفرضه بمنزلة عدمه ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٢) المراد بالآية : قوله تعالى ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ـ البقرة : ١٩٦ ـ.

٣٨٥

« هو حل حيث حبسه ، اشترط أو لم يشترط ». والظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط ، بل لا بد من التلفظ [١]. لكن يكفي كلما أفاد هذا المعنى ، فلا يعتبر فيه لفظ مخصوص [٢] وان كان الأولى التعيين مما في الأخبار.

الثاني : من واجبات الإحرام : التلبيات الأربع [٣].

______________________________________________________

موجب للهدي. بخلاف ما لو لم يشترط ، فان تحلله يكون بالهدي في مكانه.

والمتحصل : أن حكم المحصور عدم التحلل إلا بعد وصول الهدي الى محله إذا لم يكن قد اشترط. فان كان قد اشترط كان حكمه انفساخ الإحرام ، فيتحلل بلا هدي. وحكم المصدود ـ إذا لم يشترط ـ : أن يتحلل بذبح الهدي أو نحره من مكان الصد ، فاذا اشترط كان حكمه انفساخ الإحرام بمجرد الصد ، ولا حاجة الى الهدي. فهذا هو الفرق بين الشرط وعدمه ، لا ما ذكره قدس‌سره.

[١] الظاهر أن المراد من النية : الالتزام النفساني بمضمون الشرط فلا يترتب عليه الأثر ـ لانصراف الأدلة عنه ـ ما لم يكن معه إنشاء لفظي كما هو الحكم في الإنشائيات العرفية ، فإن الالتزامات النفسانية ما لم يكن لها مظهر ـ من قول أو فعل ـ ليست موضوعاً للتأثير ، ولا يترتب عليها الأثر. وأما النية بمعنى : نية الاشتراط فلا تحتمل إرادتها في كلام المصنف ولا موضوعيتها لأثر شرعي.

[٢] كما يقتضي ذلك إطلاق الأدلة ، مثل ما تقدم في صحيح ذريح (١)

[٣] الوجوب ـ في الجملة ـ من القطعيات ، المدعى عليها الإجماع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الإحرام حديث : ٣. وقد تقدم ذلك في صفحة : ٣٧٩‌.

٣٨٦

والقول بوجوب الخمس [١] ، أو الست [٢] ضعيف. بل ادعى جماعة الإجماع على عدم وجوب الأزيد من الأربع. واختلفوا في صورتها على أقوال :

أحدها : أن يقول : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك » [٣].

______________________________________________________

وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». نعم يقع الكلام تارة : في وجوبها تكليفاً ، وأخرى : في وجوبها وضعاً ، بمعنى : عدم انعقاد الإحرام إلا بها. وسيأتي الكلام في ذلك في المسألة الخامسة عشرة.

[١] قال في محكي الاقتصار : « يلبي فرضاً واجباً فيقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك بحجة أو عمرة أو بحجة مفردة تمامها عليك ، لبيك. وإن أضاف إلى ذلك ألفاظاً مروية من التلبيات كان أفضل ». قال في كشف اللثام ـ بعد نقل ذلك ـ : « ولم يقل به أحد ، وفي التذكرة : الإجماع على العدم ، وفي المنتهى : إجماع أهل العلم عليه .. ».

[٢] حكي عن المهذب البارع : حكايته عن بعض. وفي الجواهر : « لم نتحققه .. ».

[٣] كما في الشرائع ، وعن النافع ، وعن جملة من نسخ المقنعة ، وعن التحرير والمنتهى ، واختاره السيد في المدارك وكاشف اللثام وغيرهم. ويشهد له صحيح معاوية بن عمار ـ الآتي عن أبي عبد الله (ع) (١) فإنه ـ بعد ما ذكر ما في المتن إلى قوله (ع) : « يا كريم لبيك » ـ قال :

__________________

(١) يأتي ذلك في الأمر الرابع من واجبات الإحرام.

٣٨٧

الثاني : أن يقول ـ بعد العبارة المذكورة ـ : « إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك » [١].

الثالث : أن يقول : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك » [٢].

______________________________________________________

« تقول ذلك في دبر كل صلاة .. ( إلى أن قال ) (ع) : واعلم أنه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون .. » (١). والظاهر من التلبيات الأربع ـ التي كن أول الكلام ـ ما يتم بلفظ ( لبيك ) الرابع.

[١] حكي ذلك عن الفقيه ، والمقنع ، والهداية ، والأمالي ، والمراسم لما في صحيح عاصم بن حميد قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن رسول الله (ص) لما انتهى إلى البيداء ـ حيث الميل ـ قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبى بالأربع ، فقال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك. ثمَّ قال : هاهنا يخسف بالأخابث. ثمَّ قال : إن الناس زادوا بعد ، وهو حسن » (٢) وخبر شرائع الدين ، الذي رواه الصدوق في الخصال عن الأعمش ، عن الصادق (ع) « وفرائض الحج : الإحرام ، والتلبيات الأربع ، وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك » (٣)

[٢] كما عن جمل السيد ، وشرحه ، والمبسوط ، والسرائر ، والكافي والغنيمة ، والوسيلة ، والمهذب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٩.

٣٨٨

الرابع : كالثالث ، إلا أنه يقول : « إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، لبيك » [١] بتقديم لفظ : والملك على لفظ : لك. والأقوى هو القول الأول ـ كما هو صريح [٢] صحيحة معاوية بن عمار‌ (١) ـ والزوائد مستحبة. والأولى التكرار ، بالإتيان بكل من الصور المذكورة. بل يستحب‌

______________________________________________________

[١] اختاره في القواعد ، وحكي عن جامع ابن سعيد. الخامس : ما عن النهاية والإصباح ، من ذكر : ( لك ) قبل : ( الملك ) وبعده جميعاً‌

[٢] الصراحة غير ظاهرة ، لاحتمال أن يكون المراد من التلبيات الأربع : ما قبل الخامسة ، بأن تكون التلبيات الأربع من قبيل العلم لذلك كما أن ما بينها داخل في مفهومها. نعم دعوى الظهور في محلها. لكن الجمع بينه وبين صحيح عاصم بن حميد يقتضي الحمل على ذلك. اللهم إلا أن يقال : المذكور في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال إذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشياً لبيت من مكانك من المسجد تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك. وأجهر بها .. » (٢) ، فإن خلوه من الزيادة المذكورة دليل على عدم لزومها. وحينئذ يتعين حمل ما في صحيح عاصم على الاستحباب ، وتكون حكاية الإمام (ع) ذلك من باب حكاية ما هو أفضل وأرجح. وأما القول الثالث والرابع والخامس فلم يعرف لها شاهد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢. وقد تقدم ذكر الرواية في الصورة الأولى من صور التلبية.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٨٩

أن يقول ـ كما‌ في صحيحة معاوية بن عمار ـ : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعياً الى دار السلام ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام ، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبيك ، لبيك تبدأ والمعاد إليك ، لبيك كشاف الكروب العظام لبيك ، لبيك عبدك ابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ».

______________________________________________________

وفي الجواهر : « وأما القول الثالث ـ على كثرة القائل به ، بل في الدروس : إنه أتم الصور ، وإن كان الأول مجزياً ، والإضافة إليه أحسن ـ فلم أظفر له بخبر ـ كما اعترف به غير واحد ـ لا من الصحيح ، ولا من غيره ، في الكتب الأربعة ولا في غيرها ، لا بتقديم. ( لك ) على ( الملك ) ، ولا تأخيره ، ولا ذكر مرتين قبله وبعده .. » ونحوه ما في المدارك وكشف اللثام وغيرهما. نعم ورد في بعض الروايات صور أخرى مثل ما في خبر يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن يسار ، عن أبويهما عن الحسن العسكري (ع) ، عن آبائه (ع) ، عن أمير المؤمنين (ع) ، قال : « قال رسول الله (ص) .. ( الى أن قال ) : فنادى ربنا عز وجل : يا أمة محمد ، فأجابوا كلهم ، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهم ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك » (١). ونحوه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين (ع) قال : « جاء جبرئيل إلى النبي (ص) فقال : إن التلبية شعار المحرم ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

٣٩٠

( مسألة ١٤ ) : اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على قواعد العربية [١]. فلا يجزي الملحون مع التمكن من الصحيح ، بالتلقين ، أو التصحيح. ومع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه وبين الاستنابة [٢].

______________________________________________________

فارفع صوتك بالتلبية : لبيك اللهم لبيك .. » (١) إلى آخر ما في الخبر. ومثل ما في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لما لبى رسول الله (ص) قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج. وكان (ص) يكثر من ذي المعارج .. » (٢). ومتن هذا الصحيح كمتن صحيح معاوية المتقدم (٣) ، غير أنه خال عن الجملة الأخيرة التي بها قوام الاستدلال للقول الأول.

[١] قال في التذكرة ومحكي المنتهى : « لا تجوز التلبية إلا بالعربية مع القدرة ، خلافاً لأبي حنيفة ». وظاهره أنه لا خلاف فيه منا. لأنه المفهوم من الأدلة ، والملحون ـ مادة أو هيئة ـ خارج عنه.

[٢] فان مقتضى قاعدة الميسور الاجتزاء بالملحون. ومقتضى خبر زرارة : « إن رجلا قدم حاجاً لا يحسن أن يلبي ، فاستفتي له أبو عبد الله (ع) فأمر له أن يلبى عنه » (٤) لزوم الاستنابة عنه. لكن القاعدة لا تعارض الخبر. ودعوى : أنه حكاية حال كما ترى ، فإنه حكاية قول في مورد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٥.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢. وقد تقدم ذلك في الصورة الأولى من صور التلبية.

(٤) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٩١

وكذا لا تجزئ الترجمة مع التمكن [١] ، ومع عدمه فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة [٢]. والأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه [٣]. والاولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة.

______________________________________________________

الجواب عن السؤال ، كغيره من الأخبار الواردة هذا المورد. نعم هو غير ثابت الصحة ، والاعتماد عليه غير ظاهر. والقاعدة وان لم تكن عليها حجة لكنها معتضدة برواية الأخرس ، بضميمة الأولوية.

[١] لأنها غير المأمور به.

[٢] لما عرفت ، من قاعدة الميسور ، وخبر زرارة.

[٣] كما صرح بذلك أكثر الأصحاب. ويقتضيه خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) « إن علياً (ع) قال : تلبية الأخرس ، وتشهده ، وقراءته القرآن في الصلاة : تحريك لسانه ، وإشارته بإصبعه » (١). وفي الشرائع قال : « مع عقد قلبه بها .. ». ولم يذكره الأكثر ، ولا ذكر في الخبر ولعله لاستفادته من الأمر بالإشارة بالإصبع ، لأنها لا تتحقق إلا بذلك. ومن الأمر بتحريك لسانه ، إذ المراد منه تحريكه بعنوان الحكاية عما يحكيه لفظ التلبية لا مجرد التحريك.

وظاهر المحكي عن أبي علي لزوم الجمع. قال : « يجزيه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه ». ثمَّ قال : ويلبى عن الصبي ، والأخرس ، وعن المغمى عليه .. ». ولعل مراده من الأخرس ـ في كلامه الأخير ـ الأبكم الذي لا يعرفها ، ولا تمكنه الإشارة ، ولا عقد قلبه إياها. إلا فهو خلاف ظاهر خبر السكوني ، المعول عليه عندهم هنا وفي الصلاة. فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الإحرام حديث : ١.

٣٩٢

ويلبى عن الصبي غير المميز ، وعن المغمى عليه [١]. وفي قوله : « إن الحمد .. » يصح أن يقرأ بكسر الهمزة ، وفتحها [٢]. والأولى الأول. و ( لبيك ) مصدر منصوب بفعل مقدر [٣] ، أي : ألب لك إلباباً بعد إلباب. أو لباً‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر في الأول. ويقتضيه فيهما خبر زرارة المتقدم لكن عرفت الإشكال في صحة الاعتماد عليه. مع أن عمومه لهما محل تأمل أو منع. ويقتضيه في الصبي صحيح زرارة عن أحدهما (ع) قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير ، فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج. فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه .. » (١). وقريب منه غيره. وقد تقدم ـ في المسألة الخامسة من فصل أحكام المواقيت ـ ما هو مناف لما هنا في الأول. فراجع.

[٢] قال في المدارك : « فائدة : يجوز كسر الهمزة في : « إن الحمد » وفتحها. وحكى العلامة في المنتهى ، عن بعض أهل العربية أنه قال : من قال : ( أن ) ـ بفتحها ـ فقد خص ، ومن قال بالكسر فقد عم. وهو واضح ، لأن الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقاً والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي : لبيك بسبب أن الحمد لك ». ونحوه كلام غيره ، ممن تقدم عليه ، أو تأخر عنه.

[٣] قال سيبويه : « انتصب ( لبيك ) على الفعل ، كما انتصب سبحان الله ». وفي الصحاح : « نصب على المصدر ، كقولك : « حمداً لله وشكراً » وكان حقه أن يقال : لباً لك .. ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

٣٩٣

بعد لب [١] ، أي : إقامة بعد إقامة ، من لب بالمكان ـ أو ألب ـ أي : أنام. والاولى كونه من « لب » [٢]. وعلى هذا ، فأصله ( لبين لك ) ، فحذف اللام ، وأضيف إلى الكاف ، فحذف النون. وحاصل معناه : إجابتين لك [٣]. وربما يحتمل أن يكون من ( لب ) ، بمعنى : واجه [٤] ، يقال : « داري تلب دارك » ، أي : تواجهها. فمعناه : مواجهتي وقصدي لك. وأما احتمال كونه من ( لب الشي‌ء ) أي : خالصة ، فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد [٥]. كما‌

______________________________________________________

[١] حكى بعض عن الخليل ، وأنشد :

لب بأرض ما تخطاها الغنم

قال : ومنه قول طفيل :

رددن حصيناً من عدي ورهطه

وتيم تلبي في العروج وتحلب

وعن أبي الهيثم : أن معنى تلبي ـ في البيت المذكور ـ تحلب اللبأ تشربه‌

[٢] لأنها أنسب بهيئة الثلاثي.

[٣] ذكر ذلك جماعة من أهل اللغة ، من القدماء والمتأخرين.

[٤] احتمل ذلك جماعة ، كابن الأثير ، والجواهري ، والفيروزآبادي حكى احتماله عن الخليل وغيره.

[٥] وان احتمل الجماعة. وكأن وجه البعد : أنه لا يناسب مقام الجواب. أو لا يناسب هيئة الكلمة. واحتمل في القاموس وغيره أن المعنى محبتي : لك. مأخوذ من قولهم : « امرأة لبه » أو « أم لبة » بمعنى : محبة. وأنشد له :

٣٩٤

أن القول بأنه كلمة مفردة ، نظير : ( على ) و ( لدى ) ، فأضيفت إلى الكاف ، فقلبت ألفه ياء [١]. لا وجه له [٢] لان ( على ) و ( لدى ) ـ إذا أضيفا إلى الظاهر ـ يقال فيهما بالألف ، كعلي زيد ، ولدى زيد. وليس لبى كذلك ، فإنه يقال فيه : « لبي زيد » بالياء.

( مسألة ١٥ ) : لا ينعقد إحرام حج التمتع وإحرام عمرته ، ولا إحرام حج الافراد ، ولا إحرام حج العمرة‌

______________________________________________________

وكنتم كأم لبة طعن ابنها

إليها فما ردت عليه بساعد

وهو ـ أيضا ـ كسابقه في البعد.

(١) هذا القول محكي عن يونس.

(٢) قال الجواهري ـ بعد ما حكي ذلك عن يونس وأنكره سيبويه ـ قال : « لو كان مثل ( على ) و ( لدى ) ثبتت الياء مع الضمير ، وبقيت الألف مع الظاهر. وحكى من كلامهم : « لبى زيد ، مع الإضافة إلى الظاهر ، فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر يدل على أنه ليس مثل ( على ) و ( لدى ) .. ».

والانصاف : أن الاحتمالات المذكورة وإن ذكرت في كلام أكثر أهل اللغة والعربية ، واقتصر بعضهم على ذكر الأولين منها ، وبعضهم على ذكر الثلاثة الأول منها. لكن كلها بعيدة وتخرص في العربية ، ولا طريق إلى إثبات بعضها ، ولا يخطر منها شي‌ء في بال المتكلم أصلاً. والأقرب أن تكون كلمة برأسها ، تستعمل في مقام الجواب للمنادي ، مثل سائر كلمات الجواب ، ولا يختلف حالها في الظاهر والضمير.

٣٩٥

المفردة إلا بالتلبية [١]. وأما في حج القران فيتخير بين‌

______________________________________________________

[١] حكي الإجماع على ذلك في الانتصار وفي الجواهر والغنية والتذكرة والمنتهى وغيرها ، بمعنى : أن من لم يلب كان له ارتكاب المحرمات على المحرم ولا كفارة عليه. وقد استفاضت بذلك النصوص. منها : صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يقع على أهله بعدها يعقد الإحرام ولم يلب. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء » (١) ، وصحيح معاوية ابن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ، ويقول الذي يريد أن يقول ولا يلبي ، ثمَّ يخرج فيصيب من الصيد وغيره ، فليس عليه فيه شي‌ء » (٢) ، وما رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) « فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثمَّ وقع على أهله قبل أن يلبي. قال (ع) : ليس عليه شي‌ء » (٣) ، ومصحح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب » (٤). ونحوها غيرها مما هو كثير. ومقتضى عموم بعضها عدم الفرق بين إحرام العمرة وإحرام الحج. كما لا فرق بين عمرة التمتع والعمرة المفردة ، ولا في الحج بين حج التمتع والقران والافراد.

وأما ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد قال : « سمعت أبي يقول ، في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للإحرام ثمَّ يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الإحرام حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الإحرام حديث : ٨.

٣٩٦

التلبية وبين الإشعار أو التقليد [١]. والاشعار مختص بالبدن‌

______________________________________________________

قال : عليه دم » (١). فلا مجال للعمل به في مقابل تلك النصوص والإجماعات ولا سيما أن مقتضى الجمع بينها وبينه الحمل على الاستحباب ، كما عن الشيخ (ره). على أنه غير معلوم الإسناد إلى المعصوم.

[١] على المشهور ، كما في المدارك والجواهر وغيرهما. للنصوص. منها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية ، والاشعار ، والتقليد ، فاذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » (٢) ‌، وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) : « تقلدها نعلا خلقاً قد صليت فيه. والاشعار والتقليد بمنزلة التلبية » (٣) وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : من أشعر بدنة فقد أحرم ، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » (٤) ونحوها غيرها.

وعن السيد وابن إدريس عدم انعقاد الإحرام مطلقاً إلا بالتلبية ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه ، ولا دليل على انعقاده بهما. وفيه : أن النصوص الصحيحة الصريحة المعول عليها دليل عليه. ومثله في الاشكال ما عن الشيخ وابني حمزة والبراج ، من اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها إذ فيه : أنه جمع بلا شاهد. والجمع العرفي يقتضي ما ذكره المشهور. ولا سيما بملاحظة صحيح معاوية الثاني ، فإنه بمنزلة الحاكم المعلوم تقدمه على المحكوم.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الإحرام حديث : ١٤.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٠.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢١.

٣٩٧

والتقليد مشترك بينهما وبين غيرها من أنواع الهدي [١]. والاولى في البدن الجمع بين الاشعار والتقليد [٢]. فينعقد‌

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه. وقد صرح به غير واحد ، مرسلاً له إرسال المسلمات ، منهم العلامة في التذكرة والقواعد. قال في القواعد : وبتخير القارن في عقد إحرامه بها ، أو بالإشعار المختص بالبدن ، أو التقليد المشترك بينها ». ونحوه كلام غيره. وفي الحدائق : أنه ذكره الأصحاب وأن الظاهر أنه متفق عليه بينهم ، لا أعلم فيه مخالفاً. انتهى. ولكن دليله غير ظاهر.

نعم كل ما ورد في كيفية الاشعار لم يذكر فيه إلا البدن ، والتقليد ورد في جميعها. وعلل اختصاص الاشعار : بضعف البقر والغنم عن الاشعار. واستدل على الاشتراك في الثاني ، بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قال : كان الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثاً ، ويقلدون بخيط أو سير » (١). وضعف ذلك ظاهر.

[٢] في حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « البدن تشعر من الجانب الأيمن ، ويقوم الرجل من الجانب الأيسر ، ثمَّ يقلدها بنعل خلق قد صلى فيه » (٢). وفي رواية السكوني عن أبي جعفر (ع) : « أنه سئل ما بال البدنة تقلد بالنعل وتشعر؟ قال : أما النعل فتعرف أنها بدنة ، ويعرفها صاحبها بنعله. وأما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان أن يمسها » (٣) ونحوه غيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٢.

٣٩٨

إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة ، ولكن الأحوط ـ مع اختيار الاشعار والتقليد ـ ضم التلبية أيضاً [١]. نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن [٢] ،

______________________________________________________

[١] خروجاً عن شبهة خلاف السيد وغيره ممن تقدم.

[٢] قال في الشرائع : « والقارن بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها ـ يعني : بالتلبية ـ وإن شاء قلد أو أشعر ، على الأظهر. وبأيهما بدأ كان الآخر مستحباً ». وفي القواعد : « ولو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني مستحباً ». وظاهر المسالك : المفروغية عن الاستحباب. وفي المدارك : أنه لم يقف على دليل يتضمن ذلك صريحاً. ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك .. وفي كشف اللثام ، في شرح عبارة القواعد المذكورة ـ بعد نسبة مضمونها إلى الشرائع ـ قال : « والأقوى الوجوب. لإطلاق الأوامر ، والتأسي. وهو ظاهر من قبلهما ـ يعني : قبل الفاضلين .. » إلى آخر كلامه في تقريب نسبة الوجوب إلى من قبل الفاضلين ، ونقل عباراتهم الظاهرة في وجوب التلبية في حج القران حتى مع الاشعار والتقليد. وفي الجواهر ـ في مباحث فصل أنواع الحج ـ قال : « إنما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد ، من استحباب التلبية بعد عقد الإحرام والاشعار والتقليد. ولعل وجهه الاحتياط ، وإطلاق الأوامر بها في عقده ، ونحو ذلك مما يكفي في مثله. وأما احتمال الوجوب تعبداً وإن انعقد الإحرام بغيرها ـ كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام. بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار والتقليد بعدها أيضاً ـ فهو في غاية البعد. خصوصاً الأخير. فتأمل جيداً ».

لكن في هذا المبحث حمل عبارة الشرائع والقواعد على أن المراد‌

٣٩٩

______________________________________________________

استحباب الثاني من حيث عقد الإحرام الذي لا ينافي الوجوب تعبداً. وذكر أنه يمكن استفادته من إطلاق الأمر بالتلبية (١). وما في موثق يونس من الأمر بالتلبية بعد الاشعار (٢) ، وما في حسن معاوية المتقدم من الأمر بالتقليد بعد الاشعار (٣) ، وما في رواية السكوني المتقدمة من الأمر بالتقليد مع الاشعار (٤) ، وما في رواية الفضيل بن يسار ، من الأمر بالجمع بين التقليد والاشعار ، فإنه (ع) قال : « ولكن إذا انتهى الى الوقت فليحرم ، ثمَّ يشعرها ، ويقلدها » (٥).

أقول : أما الروايات الثلاث الأخيرة فاللازم حملها على الاستحباب. ضرورة عدم وجوب الجمع بين الاشعار والتقليد ، لا على الترتيب ولا مطلقاً. ولذلك ذكرها في الحدائق دليلاً على الاستحباب الذي ذكر في الشرائع والقواعد ، معارضة منه لصاحب المدارك ، فيما ذكره من عدم وقوفه على دليل صريح في الاستحباب. وأما موثق يونس : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني قد اشتريت بدنة ، فكيف أصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة ، فأفض عليك من الماء ، والبس ثوبيك. ثمَّ أنخها مستقبل القبلة ، ثمَّ ادخل المسجد فصل ، ثمَّ أفرض بعد صلاتك ، ثمَّ أخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ، ثمَّ قل : بسم الله اللهم منك ولك ، اللهم فتقبل مني. ثمَّ انطلق حتى تأتي البيداء فلبه » (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٩.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٢.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٣.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

٤٠٠