مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

هو ، لا من حيث كونه عملاً مستأجراً عليه كما هو المدعى [١]. وربما تحمل على محامل أخر [٢]. وكيف كان لا إشكال في صحة حجه وبراءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيداً‌

______________________________________________________

الإجارة يوجب التعين ، عملاً بنفوذ العقد. وإنما الذي يوجب موافقتها للقواعد أن يكون ذكره من باب المثال لا لخصوصية فيه ، فيكون موضوع الإجارة حقيقة الطريق الكلي الجامع بينه وبين غيره وإن كان اللفظ قاصراً عنه. ولعل المراد ذلك وإن بعد عن ظاهر التعبير.

[١] العمدة في الاشكال على الرواية هذه الجهة ، فإنه لم يظهر من الرواية أن السؤال كان عن جواز العدول تكليفاً وعدم الإثم فيه ، أو كان عن جوازه وضعاً واستحقاق الأجرة ، أو عن صحة الحج وبراءة ذمة المنوب عنه به ، كل ذلك غير ظاهر. لكن الاقتصار في الجواب على الصحة يقتضي كون السؤال عنها دون الآخرين ، فتسقط الرواية عن صحة الاستدلال بها على المقام.

[٢] فعن الذخيرة : أن قوله : « من الكوفة » متعلق بقوله : « أعطى » وعن المدارك : أنه صفة لقوله : « رجلاً ». وعن السيد الجزائري : حملها على ان الشرط خارج عن العقد ، وهو لا يجب الوفاء به عند الفقهاء وعن المنتقى : أنه ليس من باب الإجارة بل على وجه الرزق.

وكل هذه المحامل بعيدة ، فإن قرينة المقابلة بين : « من الكوفة » و : « من البصرة » تقتضي أنه متعلق بالحج ، فلا مجال للاحتمالين الأولين واما احتمال الجزائري فهو خلاف ظاهر السؤال. واما احتمال المنتفى فهو لا يوجب الموافقة للقواعد ، لأن البذل إذا كان مشروطاً بالحج من الكوفة فمع عدم الشرط يكون المبذول مضموناً على المبذول له.

٤١

بخصوصية الطريق المعين [١] ، إنما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول وعدمه. والأقوى أنه يستحق من المسمى بالنسبة ، ويسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبراً في الإجارة على وجه الجزئية ، ولا يستحق شيئاً على تقدير اعتباره على وجه القيدية. لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ وإن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به ، لأنه حينئذ متبرع بعمله. ودعوى : أنه يعد في العرف أنه أتى ببعض ما استؤجر عليه ، فيستحق بالنسبة ، وقصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفاً عن العمل ذي الاجزاء ـ كما ذهب إليه في الجواهر [٢] لا وجه‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن الصحة في المقام تنافي كلمات الأصحاب في مقام آخر. فكأن الرواية هي الفاصلة بين المقامين. وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المسألة الواحدة والثلاثين (١) من الفصل السابق.

[٢] قال فيها : « وإن كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به ، فقد يتخيل ـ في بادي النظر ـ عدم استحقاق شي‌ء ـ كما سمعته من سيد المدارك ـ لعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه ، فهو متبرع به حينئذ. لكن الأصح خلافه ، ضرورة كونه بعض العمل المستأجر عليه ، وليس هو صنفاً آخر ، وليس الاستئجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه ـ مثلاً ـ بأولى منه بذلك .. ». ثمَّ استدل على ذلك بأصالة احترام عمل المسلم.

أقول : قد عرفت أن أصالة احترام عمل المسلم لا أصل لها بنحو تقتضي الضمان. وأما ما ذكره من مثال : خياطة بعض الثوب ، وعدم‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٦١ من الجزء : ١٠ من هذه الطبعة.

٤٢

لها. ويستحق تمام الأجرة ان كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية [١] ، بمعنى : الالتزام في الالتزام. نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط ، فيرجع إلى أجرة المثل.

( مسألة ١٤ ) : إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ، ثمَّ آجر عن شخص آخر في تلك السنة‌

______________________________________________________

أولوية الضمان فيه مما نحن فيه ، فإشكاله أظهر ، ضرورة كونه بعض العمل ، بخلاف المقام ، لأنه غيره ، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده. ومثله : لو استأجره على أن يصلي في المسجد ـ أو في يوم الجمعة ، أو نحوهما من الخصوصيات المشخصة ـ فخالف ، فإنه لا وجه للضمان ، لأنه أكل للمال بالباطل ، إذ الأجرة ملحوظة في مقابل العمل الخاص ، وهو منتف. نعم إذا كان القيد بمحض صورة العبارة ، وفي الحقيقة كان الإيجاز واقعاً على القيد والمقيد على نحو جزئية كل منهما كان التبعيض في محله ، فيكون المراد من قوله : « آجرتك على أن تحج من الطريق الفلاني » : أنه آجره على أن يخرج من أهله في الطريق المذكور ناوياً للحج ، فيكون سلوك الطريق جزء المستأجر عليه ،

لكن الفرض خارج عن محل الكلام الذي اختار فيه المصنف ـ تبعاً لجماعة ، منهم صاحب المدارك ـ عدم الاستحقاق. بل الظاهر : أنه ليس محل تأمل وإشكال ، كما يظهر من كلماتهم في القيود المشخصة إذا تخلفت. فلاحظ. فان كان خلاف الجواهر في مقام الإثبات فهو غير بعيد. وإن كان في مقام الثبوت فالظاهر ما ذكره المصنف.

[١] كما نص عليه في الجواهر. وهو واضح.

٤٣

مباشرة أيضاً ، بطلت الإجارة الثانية [١] ، لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى. ومع عدم اشتراط المباشرة فيهما أو في إحداهما صحتا معاً. ودعوى : بطلان الثانية وان لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى ـ لأنه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه ، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن ، وكذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة ـ ممنوعة [٢] ، فالأقوى الصحة. هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة ، وأما إذا آجر نفسه لتحصيله فلا إشكال فيه [٣]. وكذا تصح للثانية مع اختلاف السنتين ، أو مع توسعة الاجارتين ، أو توسعة إحداهما. بل وكذا مع إطلاقهما [٤] ،

______________________________________________________

[١] كما ذكر ذلك في الجواهر ، معللاً بما ذكر. وظاهره : المفروغية عن ذلك لوضوح وجهه.

[٢] الوجه في المنع ظاهر ، وكذا في المثالين المذكورين. نعم إذا كان ظاهر الكلام المباشرة ، فالأخذ بالظاهر يقتضي البطلان لعدم القدرة. لكن ـ مع أنه غير ثابت كلية ، وأنه خارج عن محل الكلام ـ يمكن أن يكون العجز قرينة على خلاف الظاهر. اللهم إلا أن يكون المستأجر جاهلاً بالحال. ولأجل ذلك قال في الجواهر ـ بعد ذكر الدعوى المذكورة ـ : « لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة : احتمال الصحة .. ». وقد عرفت أن المتعين الجزم بالصحة.

[٣] لعدم المنافاة بينهما ، لإمكان اشتغال الذمة بتحصيل حجين في سنة واحدة ، ولو بتوسط الاستنابة فيهما أو في أحدهما.

[٤] عن المنتهى : أنه جزم بالجواز فيه ، ومثله غيره. لكن عن الشيخ‌

٤٤

أو إطلاق إحداهما [١] إذا لم يكن انصراف الى التعجيل [٢]. ولو اقترنت الإجارتان ـ كما إذا آجر نفسه من شخص ،

______________________________________________________

وغيره : بطلان الثانية ، واختاره المحقق في الشرائع ، بل يظهر منه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الأولى. لكن عن المعتبر : الجزم بالصحة حينئذ. وهو كذلك إذ لا مجال لاحتمال المزاحمة. وكأن مبنى القول ببطلان الثانية ـ المحكي عن الشيخ وغيره ـ : أن مقتضى الإطلاق التعجيل ، فتكون الثانية مزاحمة للإجارة الأولى فتبطل. لكن عرفت : أن التعجيل وإن كان مقتضى قاعدة السلطنة ، إلا أنه لا يبطل الثانية ، وإنما يبطلها إذا كان قيداً في العمل المستأجر عليه ، فتتزاحم الإجارتان. لكنه غير ثابت ، والتعجيل ـ المستفاد من قاعدة السلطنة ـ لا يرفع القدرة المعتبرة في صحة الإجارة ، ولا يوجب الفسخ عند التخلف. ولذلك ذكر في القواعد وغيرها : أن إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل فإن أهمل لم ينفسخ بل ولا يجب الخيار عند التخلف ، لأن اقتضاءه للفسخ مبني على أخذه قيداً ، واقتضاؤه الخيار مبني على أخذه شرطاً ، وكلاهما غير ثابت.

[١] قد عرفت إشكاله فيما لو كانت الأولى مطلقة والثانية مقيدة بالتعجيل. نعم يتم لو كان الأمر بالعكس ، لما تقدم في المطلقتين.

[٢] عن الشهيد ـ في بعض تحقيقاته ـ أن إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل. وفي الجواهر : « صرح باقتضاء الإطلاق فيه ـ يعني : في الحج ـ التعجيل جماعة .. ». وفي المدارك : ان مستنده غير واضح. وفي الجواهر ـ بعد نقله ذلك ـ قال : « وهو كذلك ، بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور ، والفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك .. ». وفيه : أنه لا مجال للمقايسة على الأمر ، لأن‌

٤٥

وآجره وكيله من آخر في سنة واحدة ، وكان وقوع الاجارتين في وقت واحد ـ بطلتا معاً مع اشتراط المباشرة فيهما [١]. ولو آجره فضوليان من شخصين ـ مع اقتران الاجارتين ـ يجوز له إجازة إحداهما ، كما في صورة عدم الاقتران [٢]. ولو آجر نفسه من شخص ، ثمَّ علم أنه آجره فضولي من‌

______________________________________________________

إطلاق مادة الأمر يقتضي نفي اعتبار الفورية والتراخي ، فالفورية تحتاج الى دليل. وفي باب الإجارة وإن كان الإطلاق يقتضي نفي الفور والتراخي والتعجيل والتأجيل ، لكن قاعدة السلطنة على الأموال والحقوق تقتضي وجوب المبادرة إلى الأداء ، لأن التأخير خلاف القاعدة المذكورة ، وكذلك الكلام في الثمن والمثمن.

ومن ذلك يظهر أنه ـ مع إطلاق الإجارة الأولى ـ لا مجال للإجارة الثانية إذا كانت مقيدة بالتعجيل ، لانتفاء القدرة على الأداء ، ويصح إذا كانت على التأجيل. وكذلك لو كانت الأولى على التأجيل ، فإنه تصح الثانية وإن كانت مطلقة. أما لو كانتا مطلقتين فلا مانع من صحتهما ، أما الأولى فلعدم المزاحم ، وأما الثانية فلأن المستأجر عليه لما كان هو الطبيعة المطلقة فالقدرة ـ المعتبرة في صحة الإجارة ـ القدرة عليه ولو بالقدرة على بعض أفراده في الزمان اللاحق.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر. لتنافيهما فلا يمكن صحتهما ، وصحة إحداهما المعينة دون الأخرى ترجيح بغير مرجح ، وصحة إحداهما بلا تعيين لا يترتب عليها أثر فتلغى.

[٢] فتصح المجازة لعموم الأدلة ، وتبطل الأخرى وإن أجازها ، لما سبق في الإجارة الثانية الصادرة منه.

٤٦

شخص آخر سابقاً على عقد نفسه ، ليس له إجازة ذلك العقد وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة ، بدعوى : أنها حينئذ تكشف عن بطلان إجارة نفسه. لكون إجارته نفسه مانعاً عن صحة الإجازة حتى تكون كاشفة [١]. وانصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك.

( مسألة ١٥ ) : إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير [٢] ، بل ولا التقديم [٣] ، الا مع رضى‌

______________________________________________________

[١] لأن الإجازة إنما تستوجب النفوذ إذا كانت صادرة من السلطان ، وبعد وقوع الإجارة الأولى منه تخرج المنافع عن سلطانه وتكون للمستأجر ، فإذا أجاز إجارة الفضولي فقد أجاز وهو غير سلطان. وكذا الحكم إذا باع الفضولي ملك غيره ثمَّ باع المالك ملكه ، فإنه لا مجال لإجازة المالك بعد خروج الملك عن ملكه ، إذ لا سلطان له عليه. فراجع كلماتهم في مبحث الفضولي.

[٢] لأن تعيين الزمان اقتضى استحقاق المستأجر الزمان المعين ، فالتأخير تفويت لحق المستأجر ، فيكون حراماً.

[٣] فلو قدم لم يجزئ ولم يستحق الأجرة ، لأنه غير المستحق. وعن التذكرة : « الأقرب الجواز ، لأنه زاد خيراً .. » وفي المدارك : « في الصحة وجهان ، أقربهما ذلك ، مع العلم بانتفاء الغرض بالتعيين .. ». وفيه ـ كما في الجواهر ـ : أنه يرجع إلى عدم إرادة التعيين من الذكر في العقد ، وحينئذ لا إشكال في الاجزاء. إنما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين ، ولا ريب في عدم الاجزاء به عن الإجارة ، إلا إذا كان بنحو الشرطية لا التشخيص للعمل ..

أقول : التعيين للزمان تارة : يكون في مقابل التأخير ، بمعنى : عدم‌

٤٧

المستأجر. ولو أخر لا لعذر أثم ، وتنفسخ الإجارة إن كان التعيين على وجه التقييد ، ويكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية. وإن أتى به مؤخراً لا يستحق الأجرة على الأول ، وإن برئت ذمة المنوب عنه به. ويستحق المسماة على الثاني ، إلا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل. وإذا أطلق الإجارة ، وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال [١]. وفي ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ وعدمه وجهان من أن الفورية ليست توقيتاً ، ومن كونها بمنزلة الاشتراط [٢].

______________________________________________________

جواز التأخير عنه ، وأخرى : في مقابل التقديم ، بمعنى : عدم جواز التقديم عليه ، وثالثة : في مقابلهما معاً. وفي الأولى لا يجوز التأخير ، ويجوز التقديم. وفي الثانية بالعكس. وفي الثالثة لا يجوز كل منهما. والظاهر من نفس التعيين الصورة الثالثة. إلا أن تكون قرينة على إحدى الأولتين فيعمل عليها.

[١] لعدم كونه قيداً. وعن الدروس : « ولو أطلق اقتضى التعجيل فلو خالف الأجير فلا أجرة له .. ». وظاهره اعتباره قيداً.

[٢] يعني : فيكون تخلفه موجباً للخيار. وهو ـ أيضاً ـ ظاهر عبارة أخرى للدروس ، قال : « ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوي. ولو كان لا لعذر تخيير المستأجر خاصة .. ». ولا يخلو ما ذكره هنا من منافاة ما سبق عنه. فلاحظ.

ثمَّ إن المناسب للمصنف التعبير هكذا : « لو قلنا بوجوب التعجيل ، فاما أن نقول بأنه قيد فتبطل مع إهماله ، أو أنه شرط فيكون للمستأجر‌

٤٨

( مسألة ١٦ ) : قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثمَّ آجر من آخر في تلك السنة ، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟ فيه تفصيل [١] ، وهو : أنه إن كانت الأولى‌

______________________________________________________

الخيار بإهماله » فان دليل التعجيل ـ لو قلنا به ـ ليس بأيدينا كي نجزم بأنه لا يدل على كونه بنحو التقييد. كما أن المدار في الخيار تخلف الشرط لا فوات الوقت. والأمر سهل.

[١] الكلام في المقام إنما هو في صورة تنافي الاجارتين لاشتراط المباشرة فيهما معاً ، فلو لم تعتبر المباشرة فيهما ـ أو في إحداهما ـ فلا إشكال في صحتهما معاً ، كما سبق في المسألة الرابعة عشرة. وحينئذ نقول : إذا اشترط المباشرة فيهما فالاجارتان تارة : تكونان واقعتين على ما في الذمة ، وأخرى : على ما في الخارج ، أعني : المنفعة الخاصة الخارجية ، وثالثة : تكونان مختلفتين ، فتكون الأولى على ما في الذمة والثانية على ما في الخارج ، أو بالعكس. وفي جميع الصور الأربعة تارة : يكون موضوعاً الاجارتين متماثلين ، وأخرى : متضادين. مثال الصورة الأولى : أن يستأجر زيداً على أن يحج ـ في سنة معينة ـ عن عمرو ، ثمَّ يستأجره خالد على أن يحج في تلك السنة عن الوليد ، على أن يكون مقصود المستأجرين إشغال ذمته بالحج عن عمرو وعن الوليد. ومثال الصورة الثانية : المثال المذكور بعينه على أن يكون مقصود المستأجرين بملك منفعته الخاصة من دون إشغال لذمته بشي‌ء. ومثال الأخيرتين يعلم مما ذكر من المثالين ، فإنه إذا كانت الأولى على النحو الأولى والثانية على النحو الثاني كان مثالاً للصورة الثالثة ، وإذا كان بالعكس كان مثالاً للصورة الرابعة. وموضوعا‌

٤٩

______________________________________________________

الاجارتين متماثلان ، وإذا بدلنا الحج عن خالد بزيارة الحسين (ع) يوم عرفة كانا متضادين.

وفي جميع هذه الصور لا تصح الإجارة الثانية بدون إجازة المستأجر الأول ، لما سبق من أنها منافية لحقه. كما أن الظاهر أنها تصح بإجازته ، إذ لا يعتبر في صحة العقد بالإجازة أن يكون المجيز مالكاً لموضوع العقد ، بل يكفي في صحة العقد بالإجازة أن يكون العقد ـ لو لا الإجازة ـ منافيا لحق غير العاقد ، فإذا أجاز ذو الحق لم يكن مانع من نفوذ العقد. ولذا صح بيع العين المرهونة بإجازة المرتهن وإن لم يكن مالكاً لموضوع الحق ، ويصح بيع أموال المفلس بإجازة الغرماء. إلى غير ذلك من موارد الإجازة ممن له الحق ، المانع ـ لو لا الإجازة ـ من نفوذ العقد على موضوع الحق.

ومرجع الإجازة : إما إلى الإقالة وانفساخ العقد الأول ، فلا يرجع الأجير على المستأجر الأول بالأجرة. أو الى إسقاط ماله على الأجير من حق ملكه بالإجارة ـ وهو العمل الخاص على نحو المباشرة ـ فيكون إبراء لما في ذمته ، أو إسقاطاً لما ملكه عليه من المنفعة الخاصة. لكن مقتضى نفس الإجازة هو الثاني ، لأن الإقالة محتاجة إلى تراضي الطرفين ، لأنها من العقود ، فتكون أجرة الإجارة الثانية راجعة للأجير من دون حق للمستأجر فيها. نعم إذا كانت الإجارة الثانية واردة على نفس موضوع الإجارة الأولى كان مقتضى الإجازة رجوع أجرة الإجارة الثانية إلى المستأجر الأول ، لأنها عوض ملكه. مثل : أن يستأجره الأول ليحج عن زيد في سنة معينة ، فيستأجره الثاني على أن يحج عن زيد أيضاً في تلك السنة بأجرة معينة ، فإن الإجارة الثانية واقعة على نفس ما ملكه المستأجر الأول ، فإذا أجازها ملك الأجرة المسماة فيها ، وكان للأجير أجرته المسماة في الإجارة الأولى.

٥٠

واقعة على العمل في الذمة لا تصح الثانية بالإجارة ، لأنه‌

______________________________________________________

وهذا واضح إذا كانت الأولى واقعة على المنفعة الخاصة الخارجية والثانية عليها أيضاً ، أما إذا كانت الأولى على ما في الذمة والثانية على المنفعة الخاصة ـ أو بالعكس ـ فموضوع الاجارتين مختلف ، ولا تكون الإجازة موجبة لرجوع أجرة الثانية إلى المستأجر الأول. بل يجري حكم المتضادين والمتماثلين ، من رجوع الإجازة إلى الفسخ والإقالة ، فلا يكون للمستأجر إلا الأجرة الثانية. أو إلى إسقاط المستأجر الأول حقه على الأجير ، فيستحق الأجرة عليه وعلى المستأجر الثاني. وإذا استأجره الأول على الحج عن زيد مباشرة في الذمة ، ثمَّ استأجره الثاني على الحج عن زيد مباشرة أيضاً في الذمة ، ففي كون موضوع الاجارتين واحداً ، وبالإجازة تكون أجرة الثانية للمستأجر الأول وأجرة الأولى للأجير. أو متعدداً ، فيجري حكم المتضادين الذي عرفت إشكاله وجهان. وإن كان الأقوى الثاني ، لأن ما في الذمة لا يتعين كونه للمستأجر الأول إلا بالتعيين ، بخلاف ما في الخارج. ولذا لو فرض إمكان الجمع بينهما ـ كما لو استأجره زيد ليزور عن عمرو يوم عرفة ، واستأجره خالد ليزور عن عمرو في ذلك اليوم ـ صحت الإجارتان ، ووجبت زيارتان عن عمرو إحداهما لزيد والأخرى لخالد. وامتناع الاجتماع ـ في مثل الحج في سنة واحدة ـ لا يجعل موضوع الثانية عين موضوع الأولى ، كي تكون الثانية واقعة على مال المستأجر الأول. نعم إذا استأجره الثاني على أن يحج عن زيد ملاحظاً الحج الذي ملكه الأول عليه ، كانت الثانية واقعة على مال المستأجر الأول ، فإذا أجازها الأول استحق الأجرة الثانية وكان للأجير أجرة الإجارة الأولى. فلاحظ.

٥١

لا دخل للمستأجر بها ، إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها [١]. وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة ـ بأن تكون منفعته من حيث الحج ، أو جميع منافعه له ـ جاز له إجازة الثانية ، لوقوعها على ماله. وكذا الحال في نظائر المقام ، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين ، ثمَّ آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ، ليس لزيد إجازة العقد الثاني. وأما إذا ملكه منفعته الخياطي [٢] ، فأجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو [٣] ، جاز له اجازة هذا العقد ، لأنه تصرف في متعلق حقه ، وإذا أجاز يكون مال الإجارة له لا للمؤجر. نعم لو ملك منفعة خاصة ـ كخياطة‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت إشكاله مما سبق ، وكذا قوله بعد ذلك : « ليس لزيد إجازة .. ».

[٢] يعني : مطلق المنفعة الخارجية الخياطية المطلقة. أما لو كان الخياطية الخاصة الراجعة لزيد ـ يعني : خياطة ثوبه مثلا ـ فان آجره الثاني على الخياطة لعمرو ، فالخياطة الثانية غير الخياطة الاولى ، فلا تكون مورداً للإجارة الأولى ، كما سيأتي.

[٣] ينبغي أن يكون مثالا لما إذا آجره الأول لمطلق الكتابة الخارجية نظير ما سبق في الخياطة ، وإلا لم تكن الثانية واقعة على مال المستأجر الأول ، كما سيأتي. ثمَّ إن المتحصل مما ذكرنا أمور : الأول : أن الإجارة الثانية إذا كانت بحيث لا يمكن العمل بها مع الإجارة الأولى لا تصح بدون الإجازة من المستأجر الأول ، لانتفاء القدرة‌

٥٢

______________________________________________________

على موضوعها ، وتصح بإجازته. سواء أكانت الثانية واقعة على عين ما وقعت عليه الإجارة الأولى ، أم على مثله ، أم على ضده. وكأن عذر المصنف (ره) في عدم صحة الإجازة : أن معنى الإجازة الرضا بالعقد ، ولما لم يكن العقد واقعاً على ما تعلق به لم يكن معنى لإجازته. لكن اختصاص الإجازة بذلك غير ظاهر ، إذ يكفي في صحة الإجازة كون العقد منافياً لحقه ، فإذا رضي فقد رفع اليد عن حقه ، فان هذا هو المعني من صحة الإجازة. وإن كان هو في الحقيقة إسقاطاً للحق ، الموجب لانتفاء المانع عن صحة العقد. فكأن النزاع لفظي لا غير.

الثاني : أن الإجارة الثانية إذا كانت واقعة على عين ما وقعت عليه الإجارة الأولى كان مقتضى الإجازة استحقاق المستأجر الأول الأجرة المسماة في الإجارة الثانية ، ويكون للأجير الأجرة المسماة في الإجارة الاولى لا غير. وإذا كانت واقعة على غير ما وقعت عليه الإجارة الأولى كان مقتضى الإجازة سقوط حق المستأجر الأول ، وحينئذ يستحق الأجير الأجرة الاولى والأجرة الثانية معاً.

الثالث : أن الإجازة نفسها راجعة إلى إسقاط الحق لا غير. والحمل على التفاسخ محتاج إلى قرينة تدل على وقوع الإقالة عن تراضي الطرفين ، فاذا لم تكن القرينة يحكم بالأول لا غير.

الرابع : أن الإجارة تارة : تكون بلحاظ تمليك منفعة في الذمة ، وأخرى : بلحاظ منفعة خارجية. نظير إجارة الحيوان ، واجارة المساكن ـ بل واجارة المولى عبده ـ فان مقتضاها تمليك نفس المنفعة الخارجية التي تكون للعين المستأجرة من دون إشغال ذمة ، فان المولى إذا آجر عده فقد ملك منفعته للمستأجر ، من دون إشغال ذمته بشي‌ء ولا ذمة عبده. وكذلك‌

٥٣

ثوب معين ، أو الحج عن ميت معين على وجه التقييد ـ يكون كالأول في عدم إمكان إجازته [١].

( مسألة ١٧ ) : إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه‌

______________________________________________________

في الحر إذا أجر نفسه. والمصحح للإجارة على النحو المذكور هو قاعدة السلطنة على النفس ، والمستفادة من قاعدة : « سلطنة الناس على أموالهم » بالأولوية ، بل الإجارة على النحو الأول ـ الموجب لاشتغال ذمة الأجير بالعمل أيضاً ـ هي مقتضى تلك القاعدة المتصيدة ، لا قاعدة السلطنة على المال. لان التصرف راجع إلى إشغال الذمة بالعمل ، ولا تصرف في المال. إذ لا مال ولا موضوع.

الخامس : أن المباشرة إذا كانت شرطاً لا قيداً فالإجازة للعقد الثاني لا تقتضي سقوط أصل العمل ، إذ يمكن تنفيذها بإسقاط شرط المباشرة فقط ، وحينئذ يبقى العمل في الذمة لا بقيد المباشرة ، فيجب على الأجير تحصيله بنحو التسبيب. فاذا لم تكن قرينة على أحد الأمرين يبنى على سقوط الشرط فقط ، ويجب على المستأجر تحصيل العمل بالتسبيب. وما ذكرناه أولا ـ من أن مقتضى الإجازة إسقاط نفس العمل ـ يختص بصورة ما إذا كانت الإجارة لوحظ فيها المباشرة بنحو التقييد.

[١] يعني : إذا كانت الإجارة الثانية واقعة على منفعة خاصة أخرى ، مثل خياطة ثوب آخر ، أو الحج عن ميت آخر. أما إذا كانت واقعة عليه نفسه ـ كما إذا استأجره أحد أولاد زيد على أن يحج عن أبيه بدينار ، فاستأجره ولد زيد الآخر أيضاً على أن يحج عن أبيه بدينارين ـ يمكن حينئذ للأول أن يجيز الإجارة الثانية ، ويملك الأجرة المسماة فيها.

٥٤

كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال [١]. وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة [٢] ، ويبقى الحج في ذمته مع الإطلاق. وللمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد. ولا يجزي عن المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم [٣] ، لأن ذلك كان في خصوص الموت من جهة الأخبار ، والقياس عليه لا وجه له ولو ضمن المؤجر الحج في المستقبل ـ في صورة التقييد ـ لم تجب إجابته. والقول بوجوبه [٤] ضعيف. وظاهرهم‌

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه عندهم. ويقتضيه عموم الأدلة المثبتة لتلك الاحكام ، فان إطلاقها شامل للحاج عن نفسه والحاج عن غيره.

[٢] لتعذر العمل المستأجر عليه ، الكاشف عن عدم صحة تمليكه وتملكه.

[٣] عن الشيخ في الخلاف : أن الإحصار بعد الإحرام كالموت بعده في خروج الأجير من العهدة. واستدل عليه بإجماع الفرقة. مع أن الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه .. انتهى. وضعفه ظاهر مما ذكره المصنف. وكأن استدلاله بالإجماع قرينة على وقوع السهو ـ من قلمه الشريف ، أو قلم غيره ـ في ذكر الإحصار ، كما ظنه في كشف اللثام. وإن كان ظاهر قول المحقق في الشرائع : ـ « ولو صد قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف .. » ـ موافقته. فلاحظ.

[٤] حكى في الشرائع قولا بالوجوب ، ونسبه غير واحد إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمهذب. وفي الجواهر : « ربما قيل : إنه ظاهر المبسوط والسرائر وغيرهما .. ». وضعفه ـ أيضاً ـ ظاهر ، لعدم ، الدليل عليه.

٥٥

استحقاق الأجرة بالنسبة ما أتى به من الأعمال [١]. وهو مشكل ، لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه ، وعدم فائدة فيما أتى به. فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد والحصر ، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها. وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري ، لعدم الاستناد إلى المستأجر ، فلا يستحق أجرة المثل أيضاً.

( مسألة ١٨ ) : إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله [٢].

( مسألة ١٩ ) : إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى : الحلول في مقابل الأجل ـ [٣] لا بمعنى الفورية ، إذ لا دليل عليها. والقول بوجوب التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف فحالها حال البيع ، في أن إطلاقه يقتضي الحلول ، بمعنى :

______________________________________________________

[١] قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشرة. فراجع.

[٢] بلا خلاف أجده بيننا ـ كما اعترف به بعضهم ـ بل عن الغنية : الإجماع عليه. كذا في الجواهر ، ونحوه في كشف اللثام. فان ذلك مقتضى الخطاب. ولا سيما بملاحظة كونه عقوبة له على ما صدر منه ، فلزوم ذلك في مال غيره يحتاج الى دليل مفقود.

[٣] قد تقدم في المسألة الرابعة عشرة. الكلام في ذلك ، وأن التعجيل مقتضى قاعدة السلطنة على المال. سواء أكان في الذمة أم في الخارج. وكما أن إبقاء المال في اليد بلا إذن المالك حرام كذلك إبقاؤه في الذمة. وليس ذلك مبنياً على ظهور الكلام في التعجيل ، كي يدعي :

٥٦

جواز المطالبة ، ووجوب المبادرة معها [١].

( مسألة ٢٠ ) : إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها. كما أنها لو زادت ليس له استرداد الزائد [٢]. نعم‌

______________________________________________________

أنه خلاف الإطلاق. أو على أن الأمر يقتضي الفور ، كي يدعى أنه خلاف التحقيق.

[١] ظاهره : أنه مع عدم المطالبة لا يجب الدفع وان لم يأذن المالك بالتأخير ، وإشكاله ظاهر ، لما عرفت من أنه خلاف قاعدة السلطنة ، وما دل على حرمة حبس الحقوق. ولذا لو علم أن المالك لم يطالب بالدفع ـ لجهله بالموضوع ، أو بالحكم ـ لا يجوز التأخير في الدفع. نعم إذا كان عالماً وترك المطالبة كان ذلك ظاهراً في الرضا بالتأخير والاذن فيه.

[٢] الحكمان المذكوران ذكرهما الأصحاب ، من دون تعرض منهم لخلاف أو احتمال الخلاف. وفي الجواهر : « وكأن تعرض المصنف وغيره لذلك ـ مع وضوحه ، وعدم الخلاف فيه بيننا ، نصاً وفتوى ـ لتعرض النصوص له ، وللتنبيه على خلاف أبي حنيفة ، المبني على ما زعمه من بطلان الإجارة ، فلا يجب على المستأجر الدفع إلى الأجير ». وفي التذكرة : « حكي عن أبي حنيفة منع الإجارة على الحج ، فيكون الأجير نائباً محضاً وما يدفع اليه من المال يكون رزقاً لطريقة ، فلو مات. أو أحصر ، أو ضل الطريق ، أو صد لم يلزمه الضمان لما أنفق عليه ، لأنه إنفاق بإذن صاحب المال ». والاشكال عليه ـ في أصل الحكم ـ ظاهر مما سبق. كالإشكال عليه فيما فرعه عليه لأن ذلك خلاف قصد المستأجر والأجير ، إذ هما إنما قصدا المعاوضة. مع أن الاذن في الصرف مبني على وقوع الحج لا مطلقاً. فتأمل.

٥٧

يستحب الإتمام كما قيل [١]. بل قيل : يستحب على الأجير أيضاً رد الزائد [٢]. ولا دليل بالخصوص على شي‌ء من القولين. نعم يستدل على الأول : بأنه معاونة على البر والتقوى [٣] وعلى الثاني : بكونه موجباً للإخلاص في العبادة [٤].

( مسألة ٢١ ) : لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه يجب عليه إتمامه ، والحج من قابل ، وكفارة بدنة [٥]. وهل يستحق الأجرة على الأول أو لا؟ قولان ، مبنيان على أن الواجب هو الأول وأن الثاني عقوبة ، أو هو الثاني وأن الأول عقوبة [٦]. قد يقال بالثاني ، للتعبير‌

______________________________________________________

[١] حكي عن النهاية ، والمبسوط ، والمنتهى.

[٢] ذكر ذلك في التذكرة ، معللا له بقوله : « ليكون قصده بالحج القربة لا العوض .. ».

[٣] إنما يتم لو كان في أثناء العمل ، وكان الإكمال يتوقف على الإتمام.

[٤] يعني : أقرب إلى الإخلاص. لكنه يختص بما إذا كان قبل تمام العمل ، إذ لو كان بعده لم يكن موجباً لانقلابه عما هو عليه.

[٥] الظاهر أنه لا إشكال فيه ولا خلاف. وفي الجواهر : نفي وجدان الخلاف في وجوب الحج من قابل ، وأنه يمكن تحصيل الإجماع عليه.

[٦] قال في الشرائع : « وإذا أفسد حجه حج من قابل. وهل تعاد الأجرة عليه؟ يبنى على القولين .. ». ويريد من القولين : القولين اللذين ذكرهما المصنف. وظاهره انفساخ الإجارة ، بناء على أن الثاني فرضه وإن كانت مطلقة. وأما عبارة المتن فمختصة بالمعينة ، كما يأتي.

٥٨

في الاخبار بالفساد ، الظاهر في البطلان [١]. وحمله على إرادة النقصان وعدم الكمال مجاز لا داعي اليه. وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة ، ولا يستحق الأجرة ، ويجب عليه الإتيان في القابل بلا أجرة. ومع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة ، ويستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل [٢]. والأقوى صحة الأول ، وكون الثاني عقوبة [٣]. لبعض‌

______________________________________________________

[١] قال في الجواهر : « التحقيق : أن الفرض الثاني ، لا الأول الذي أطلق عليه اسم الفاسد ، في النص والفتوى. واحتمال ان هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه ، بل هو مناف لجميع ما ورد ـ في بيان المبطلات ـ في النصوص ، من أنه قد فاته الحج ، ولا حج له ، ونحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه. بل مقتضاه ان الحج لا يبطله شي‌ء أصلا ، وإنما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم والعقوبة. وهو كما ترى ».

[٢] هذا الاستحقاق مبني على ان الحج في القابل عن المنوب عنه ، لا عن نفس النائب عقوبة ، كما عن الخلاف والمبسوط والسرائر. وسيأتي الكلام فيه.

[٣] هذا أحد القولين المشهورين ـ كما في المدارك ـ ونسب الى الشيخ واختاره في الجواهر ، في مبحث كفارات الإحرام. في الحج عن نفسه. قال (ره) : « نعم قد يقال : إن المراد بالفساد كونها كالفاسدة ، باعتبار وجوب الإعادة ولو عقوبة لا تداركاً. والدليل على ذلك ما سمعته من التصريح في صحيح زرارة : بأن الأولى هي الحج والثانية عقوبة. والمناقشة بإضماره يدفعها : معلومية كونه الامام ، ولو بقرينة كون المضمر‌

٥٩

الأخبار الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه [١] ، ولا فرق بينه وبين الأجير [٢]. ولخصوص خبرين في خصوص الأجير [٣]

______________________________________________________

مثل زرارة ، المعلوم عدم نقله عن غير الإمام .. » إلى آخر ما ذكره في تقريب صحة الأولى.

[١] يريد به حسن زرارة ـ بل صحيحه ـ المروي في الكافي قال : « سألته عن محرم غشي امرأته. قال (ع) : جاهلين أم عالمين؟ قلت : أجبني على الوجهين جميعاً. قال (ع) : إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ، ومضيا على حجهما وليس عليهما شي‌ء. وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل. فاذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال (ع) : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة » (١).

[٢] لظهور الدليل في كون ذلك من أحكام الحج ، من دون دخل لكونه عن نفسه.

[٣] قال في الجواهر : « وخبرا المقام ـ اللذان ستسمعهما ـ وإن كانا ظاهرين في أن الفرض الأول ، إلا أنه يجب حملهما على إرادة إعطاء الله تعالى للمنوب عنه حجة تامة تفضلا منه ، وإن قصر النائب في إفسادها وخوطب بالإعادة. فلا محيص عن القول بأن الفرض الثاني .. ».

أقول : لا يخفى أن التصرف في الخبرين بما ذكر ليس بأسهل من التصرف في الاخبار السابقة ، بحمل الفساد على النقص الموجب للعقوبة. وقد ذكر ( قده ) في مبحث الكفارات : بعض الموارد التي ذكر فيها اسم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام حديث : ٩.

٦٠