مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

______________________________________________________

فمن المعلوم أن جهة السؤال فيه عما يصنع بالبدنة غير معلومة ، من حيث الوجوب ، أو الاستحباب ، أو هما. وأيضاً فإن أكثر المذكورات آداب وأيضاً فالأمر إنما كان بالتلبية في البيداء ، وسيأتي أن في كونها مستحبة حينئذ أو واجبة إشكالاً.

وبالجملة : استفادة وجوب التلبية من الأمر المذكور غير ظاهرة. ولا سيما بملاحظة ما تقدم في صحيحة معاوية الثانية ، الدالة على أن الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية (١) ، فإن مقتضاه الاجتزاء بأحدهما عنها من حيث الوضع والتكليف ، فتكون حاكمة على أدلة الوجوب لو كانت. وأما كلمات الجماعة من القدماء ، فأما السيد وابن إدريس وابن حمزة وابن البراج والشيخ فحالهم معلوم ـ كما اعترف به في كشف اللثام ـ لما عرفت من بنائهم على عدم انعقاد الإحرام إلا بها اختياراً مطلقاً. وأما ما حكاه عن القواعد والمراسم ، مما يدل على وجوب التلبية حتى مع الاشعار والتقليد فغير ظاهر في ذلك. فلاحظ عبارتهما. ولا سيما مع اشتمالها على المندوبات واحتمال أن يكون مذهبهم فيها مذهب الشيخ وابني حمزة والبراج. وكيف كان ، فالعمدة في دعوى الوجوب الدليل ، وهو غير ظاهر.

هذا بالنسبة إلى التلبية ، وأما الاشعار والتقليد بعد التلبية ، فقد حكي في كشف اللثام : الاتفاق على عدم وجوبهما. للأصل ، وصحيح معاوية ابن عمار عن الصادق (ع) : « في رجل ساق هدياً ، ولم يقلده ، ولم يشعره. قال (ع) : قد أجزأ عنه. ما أكثر ما لا يقلد ولا يشعر ولا يحلل » (٢). فلا مجال لاحتمال قوله بالوجوب ، كما قد تشعر به عبارته السابقة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٠.

٤٠١

وإن لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها ، فهي واجبة عليه في نفسها. ويستحب الجمع بين التلبية وأحد الأمرين ، وبأيهما بدأ كان واجباً وكان الآخر مستحباً.

ثمَّ إن الاشعار عبارة عن شق السنام الأيمن [١] ، بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ، ويشق سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه [٢]. والتقليد : أن يعلق في رقبة الهدي نعلاً خلقاً قد صلى فيه [٣].

______________________________________________________

[١] كما في موثق يونس ومصحح معاوية بن عمار المتقدمين (١). وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله وزرارة : « سألنا أبا عبد الله (ع) : عن البدن كيف تشعر؟ .. ( إلى أن قال (ع) في الجواب ) : وتشعر من الجانب الأيمن » (٢).

[٢] كذا ذكره الأصحاب. لكن في الحدائق : إن الاخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ .. وهو كما ذكر. وفي التذكرة علله : بأنه يعرف به أنه صدقة. وفي رواية السكوني المتقدمة ما ربما ينافيه (٣).

[٣] كما تقدم في صحيح معاوية (٤) وعن ابن زهرة : يعلق عليه نعلاً أو مزادة. وفي التذكرة : « والتقليد : أن يجعل في رقبة الهدي بعلاً قد صلى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطاً أو سيراً أو ما أشبههما ليعلم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢ ، ٤. وقد تقدم الأول في التعليقة السابقة. والثاني قبل ذلك قريباً.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

٤٠٢

( مسألة ١٦ ). لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام ، وإن كان أحوط. فيجوز أن يؤخرها عن النية ولبس الثوبين على الأقوى [١].

______________________________________________________

أنه صدقة ». ونحوه عن المنتهى. ولعله لصحيح زرارة المتقدم (١). لكن دلالته غير ظاهرة ، لأن فعل الناس لا يدل على المشروعية.

ثمَّ إنه قد ذكر الأصحاب ( قدهم ) أنه إذا كان القارن قد ساق أكثر من بدنة وقف بينهما ، وأشعر ما على يمينه من الجانب الأيمن ، وما على يساره من الجانب الأيسر. ففي صحيح حريز : « إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها ، دخل الرجل بين بدنتين ، فيشعر هذه من الشق الأيمن ، وهذه من الشق الأيسر » (٢).

وفي صحيح جميل : « إذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين اثنتين ، ثمَّ أشعر اليمنى ، ثمَّ اليسرى » (٣).

[١] كما لعله المشهور ، والمنسوب في الجواهر الى ظاهر المعظم ، بل الجميع إلا من جماعة. وفي المدارك وغيرها : نسبته إلى كثير ، أو الأكثر أو المشهور. وفي اللمعة : اعتبار المقارنة بينهما ، وحكي عن ابن إدريس وابني حمزة وسعيد عن التنقيح. وظاهر ذلك عدم الاعتبار بهما مع الفصل فلو نوى الإحرام ثمَّ لبى لم يصح. ويحتمل أن يكون المراد من المقارنة الانضمام ، فلو نوى الإحرام لم يصح إحرامه حتى يلبي ، فاذا لبى بعد ذلك صح إحرامه.

وهذا المعنى وان كان بعيداً عن معنى المقارنة ، غير بعيد عن عبارات من نسب إليهم اعتبار المقارنة فان المحكي عن ابن إدريس : أنها ـ يعني :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٩.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

٤٠٣

______________________________________________________

التلبية ـ كتكبيرة الصلاة. وعن ابن حمزة : أنه إذا نوى ولم يلب ، أو لبى ولم ينو لم يصح إحرامه. وعن ابن سعيد : أنه يصير محرماً بالنية والتلبية وإطلاق العبارات المذكورة يقتضي اعتبار المقارنة بالمعنى الثاني ، لا بالمعنى الأول. وكذلك ما استدل به عليها ، وهو الاتفاق على أن الإحرام إنما ينعقد بها لغير القارن ، ولا معنى للانعقاد إلا التحقق والحصول والنصوص الدالة على عدم لزوم الكفارات إذا حصل الموجب قبل التلبية. فإن مفاد الدليلين المذكورين عدم حصول الإحرام قبلها ، لا لزوم المقارنة بينها وبين النية.

وبالجملة : لا تصح نسبة القول بوجوب المقارنة ـ بالمعنى الأول ـ إلا إلى من عبر بالمقارنة ، فإنها ظاهرة فيه. ودليله أيضاً غير ظاهر إلا الأصل ـ بناء على عدم إطلاق لأدلة تشريع الإحرام ـ فإنه مع الشك حينئذ يرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر. أما إذا كان له إطلاق فمقتضى الإطلاق عدم الشرطية. وقد عرفت أن الإحرام من الإيقاعات الإنشائية الحاصلة بالالتزام بحصولها ، فمقتضى الإطلاق المقامي حصوله بمجرد الالتزام النفساني. والدليل الدال على لزوم التلبية في حصول الإحرام ـ لما لم يدل إلا على اعتبارها في الجملة ، فإطلاق دليل التشريع يقتضي نفي اعتبار المقارنة زائداً على اعتبار وجودها.

ثمَّ إن ثمرة الخلاف المذكور أنه لو أنشأ الإحرام ولم يلب حينئذ ثمَّ لبى بعد ذلك ، لم يصح إحرامه بناء على اعتبار المقارنة ، ويصح إحرامه بناء على عدمه. ولا فرق بين أن تكون النية هي الاخطار أو الداعي.

ومنه يظهر لك النظر فيما في الجواهر ، من أن الثمرة واضحة ، بناء على أن النية الاخطار. أما بناء على الداعي ـ كما هو التحقيق ـ فلا ثمرة‌

٤٠٤

( مسألة ١٧ ) : لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل فيه بالنية ولبس الثوبين ، فلو فعل شيئاً من المحرمات لا يكون آثماً ، وليس عليه كفارة [١]. وكذا في القارن إذا لم يأت بها ، ولا بالإشعار أو التقليد [٢]. بل يجوز له أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن ، أو لم يأت بها ولا بأحد الأمرين فيه [٣].

______________________________________________________

غالباً ، ضرورة عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الإحرام. وجه النظر : أن المراد من قصد عقد الإحرام بها إن كان إنشاء الإحرام حين التلبية ، فهو حاصل أيضاً بناء على الاخطار. وان كان تصور عقد الإحرام فلا يفيد في إنشاء الإحرام حتى بناء على الداعي ، لفقد الالتزام الذي يتحقق به الإنشاء.

[١] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. وتقتضيه النصوص والإجماع ، المتقدمان في المسألة الخامسة عشرة.

[٢] النصوص المتقدمة خالية عن التعرض لذلك. لكن يستفاد من الإجماع على عدم انعقاد إحرام القارن إلا بأحد الثلاثة ، ومن النصوص المتضمنة أن الاشعار والتقليد بمنزلة التلبية. فقبل واحد منها لا شي‌ء عليه ، لإطلاق النصوص المتقدمة ، ومع فعل واحد منها يكون عليه الإثم والكفارة ، لهذه النصوص المتضمنة للتنزيل.

[٣] كما نص على ذلك في التهذيب. ويشكل : بأنه ـ بناء على ما يأتي احتماله ، من صيرورته محرماً وإن لم يلب ـ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الإحرام وان عدل عنه. وإن كان بقاؤه لا أثر له ، من إثم أو كفارة ،

٤٠٥

والحاصل : أن الشروع في الإحرام وان كان يتحقق بالنية ولبس الثوبين [١] ، إلا أنه لا تحرم عليه المحرمات ، ولا يلزم‌

______________________________________________________

لكن لو رجع الى أهله واتفق وقوع التلبية منه ـ إما مطلقاً ، أو بقصد عقد الإحرام ـ لزمه الإحرام ، ولم يحل عنه الا بالمحلل.

[١] قد عرفت أن المذكور في كلام الأصحاب ، المدعى عليه الإجماع أنه لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية لغير القارن ، ولا ينعقد إحرام القارن إلا بالتلبية أو الإشعار أو التقليد ، وأن مقتضى ذلك عدم حصول الإحرام إلا بذلك.

لكن المذكور في كشف اللثام وغيره : أنه يصح الإحرام ، ويكون المكلف محرماً بالنية لا غير. وفسر معقد إجماع الأصحاب ، من أنه لا ينعقد الإحرام إلا بالتلبية : بأنه ما لم يلب يجوز له ارتكاب محرمات الإحرام ولا كفارة عليه ، لا أنه لا يكون محرماً إلا بالتلبية. وبذلك ـ أيضاً ـ فسره في الجواهر. وقد يظهر ذلك من الخلاف والمبسوط والنهاية والمهذب وغيرها.

والوجه فيه : عدم الدليل على عدم صحة الإحرام إلا بالتلبية. وإنما الذي دلت عليه النصوص ـ المتقدمة في المسألة الخامسة عشرة ـ : أنه إذا أحرم ولم يلب جاز له ارتكاب المحرمات ولا كفارة عليه ، وهو أعم من عدم الصحة. وحملها على أنها من قبيل نفي الموضوع بلسان نفي الحكم ، غير ظاهر ، ولا داعي إليه. لكن قال في التهذيب ـ بعد ذكر الأخبار المتقدمة في عدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية ـ : « والمعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام وصلى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً ، وإنما يكون عاقداً للحج والعمرة ، وإنما يدخل في أن‌

٤٠٦

البقاء عليه إلا بها ، أو بأحد الأمرين. فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة [١].

( مسألة ١٨ ) : إذا نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها [٢]. وان لم يتمكن أتى بها في مكان التذكر. والظاهر عدم وجوب الكفارة عليه إذا كان آتياً بما يوجبها ، لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلا بها.

______________________________________________________

يكون محرماً إذا لبى .. » ونحوه ظاهر غيره. ولكنه غير ظاهر ، كما عرفت. وكأنه لذلك اختاره في المتن. لكن الإنصاف أنه خلاف المرتكزات عند المتشرعة ، فيكون ذلك قرينة على نفي الموضوع بلسان نفي الحكم.

[١] يعني : توجب تحريم المحرمات ، لا أنها بها يتحقق الإحرام ، وإلا كان منافياً لما سبق.

[٢] هذا ظاهر ـ بناء على عدم صحة الإحرام قبل التلبية ـ إذ يكون نسيان التلبية نسياناً للإحرام ، وحكم الناسي الرجوع الى الميقات إن أمكن أما بناء على ما تقدم منه ، من صحة الإحرام قبل التلبية وصيرورة المكلف محرماً بمجرد النية ، فلا موجب للرجوع الى الميقات ، بل يلبي حيث يذكر. وكأنه لذلك حكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط : أنه من ترك الإحرام ناسياً حتى يجوز الميقات كان عليه أن يرجع اليه ويحرم منه إذا تمكن منه والا أحرم من موضعه. وإذا ترك التلبية ناسياً ثمَّ ذكر جدد التلبية ، وليس عليه شي‌ء .. ». فإنه كالصريح في الفرق بين نسيان الإحرام من الميقات ونسيان التلبية منه.

اللهم إلا أن يقال : كما يجب الإحرام من الميقات تجب التلبية منه ،

٤٠٧

( مسألة ١٩ ) : الواجب من التلبية مرة واحدة [١]. نعم يستحب الإكثار بها وتكريرها ما استطاع [٢]. خصوصاً في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة ، وعند صعود شرف أو هبوط واد ، وعند المنام [٣] ، وعند اليقظة ، وعند الركوب‌

______________________________________________________

فاذا نسيها في الميقات ثمَّ ذكر وجب تداركها بفعلها في الميقات. لكن دليله غير واضح ، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة وجوب المبادرة إليها ، والنسيان عذر في تركها. فتأمل.

[١] كما صرح به في السرائر وغيرها ، بل الظاهر أنه إجماع. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٢] إجماعاً كما قيل. وتقتضيه النصوص ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ بعد الأمر بالتلبية ، وذكر كيفيتها ـ : « تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة ونافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً ، أو لقيت راكباً ، أو استيقظت من منامك وبالأسحار. وأكثر ما استطعت وأجهر بها. ( إلى أن قال ) : وأكثر من ذي المعارج ، فان رسول الله (ص) كان يكثر منها » (١). وفي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشياً لبيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبيك .. ( إلى أن قال ) : وأجهر بها كلما ركبت وكلما نزلت ، وكلما هبطت وادياً ، أو علوت أكمة ، أو لقيت راكباً ، وبالأسحار » (٢).

[٣] كما في الشرائع والقواعد. لكن في كشف اللثام : « لم أر لمن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٤٠٨

وعند النزول ، وعند ملاقاة راكب ، وفي الأسحار. وفي بعض الأخبار [١] : « من لبى في إحرامه سبعين مرة إيماناً واحتساباً ، أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار وبراءة من النفاق ». ويستحب الجهر بها ـ خصوصاً في المواضع المذكورة ـ للرجال [٢] ،

______________________________________________________

قبل الفاضلين التعرض له » ، وفي الجواهر : « لم نجد ـ فيما وصل إلينا من النصوص ـ التعرض للنوم ، كما اعترف به في المدارك ».

[١] يريد به خبر ابن فضال ، عن رجال شتى ، عن أبي جعفر (ع) « قال : قال رسول الله (ص) .. » (١).

[٢] عن السرائر : « الجهر بها مندوب ، على الأظهر من قول أصحابنا. وقال بعضهم : الجهر بها واجب ». وعن التهذيب : « الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان ». وربما مال إليه في الحدائق. للأمر به في صحيح معاوية المتقدم (٢) ، وصحيح حريز وغيره عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) : « أنهما قالا : لما أحرم رسول الله (ص) أتاه جبرئيل فقال : مر أصحابك بالعج والثج. فالعج : رفع الصوت ، والثجّ : نحر البدن. قال : فقال جابر : فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا » (٣). والأمر حقيقة في الوجوب. ولا سيما أوامر الله تعالى.

وربما استظهر ذلك من الكليني ، حيث قال : « ولا يجوز لأحد أن يجوز البيداء إلا وقد أظهر التلبية ». لكن في الخلاف : « إن التلبية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب إحرام حديث : ٢. وقد تقدم ذلك قريباً.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ١.

٤٠٩

دون النساء [١]. ففي المرسل [٢] : « إن التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية ». وفي المرفوعة [٣] : « لما أحرم رسول الله (ص) أتاه جبرائيل ، فقال : مر أصحابك بالعج

______________________________________________________

فريضة ، ورفع الصوت بها سنة. ولم أجد أحداً ذكر كونها فرضاً ». ثمَّ ذكر رواية خلاد بن السائب ، المتضمنة للأمر برفع أصواتهم بالتلبية ، ثمَّ قال : « وظاهر الأمر يقتضي الوجوب. ولو خليناه وظاهره لقلنا إن رفع الصوت أيضاً واجب. لكن تركنا بدليل ». وكيف كان فالنصوص المذكورة ظاهرة في الحكم الأدبي ، بقرينة بحة الصوت الذي حكاه جابر ، إذ لا قائل بوجوبه. وكذا ذكره في سياق الأمور التي لا شبهة في استحبابها.

[١] بلا خلاف ، كما قيل. للأخبار الكثيرة الدالة على ذلك. منها : مرسلة فضالة ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله (ع) : « إن الله وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية .. » (١). ونحوه خبر أبي سعيد المكاري (٢). وفي مصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « ليس على النساء جهر بالتلبية » (٣).

[٢] رواه في الفقيه عن أمير المؤمنين (ع) : « قال : جاء جبرئيل (ع) إلى النبي (ص) وقال له : إن التلبية .. » (٤).

[٣] رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز رفعه قال : « إن رسول الله (ص) لما أحرم أتاه جبرئيل ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٤١٠

والثج. فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : نحر البدن ».

( مسألة ٢٠ ) : ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقاً ـ كما قاله بعضهم ـ [١] أو في خصوص الراكب ، كما قيل [٢]. ولمن حج على طريق آخر تأخيرها الى أن يمشي قليلاً [٣]. ولمن حج من مكة تأخيرها إلى الرقطاء [٤] ـ كما قيل ـ أو الى أن يشرف على الأبطح [٥]. لكن الظاهر ـ بعد عدم الإشكال في عدم‌

______________________________________________________

فقال له : مر أصحابك .. » إلى آخر ما تقدم. لكن في الحدائق : أنه مسند ، كما تقدم (١).

[١] حكي ذلك عن الشيخ ، وبني حمزة والبراج وسعيد.

[٢] حكي عن الشيخ ، وابن سعيد.

[٣] حكي عن المبسوط ، والتحرير ، والمنتهى ، والمسالك.

[٤] عن هداية الصدوق : استحباب التأخير إلى الرقطاء مطلقاً. وعن السرائر والنهاية والجامع والوسيلة والمنتهى والتذكرة : استحباب تلبية المحرم من مكة من موضعه إن كان ماشياً. وإذا نهض به بعيره إن كان راكباً.

[٥] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، بل في الجواهر : « صرح به غير واحد من المتقدمين والمتأخرين ». وفي حسن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « إذا انتهيت الى الردم ، وأشرفت على الأبطح ، فارفع صوتك بالتلبية » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب الإحرام ملحق حديث : ١. وقد تقدم ذلك قريباً فلاحظ‌

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٤١١

وجوب مقارنتها للنية ولبس الثوبين ـ استحباب التعجيل بها مطلقاً ، وكون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها [١].

______________________________________________________

[١] أقول : الروايات الواردة في الباب لا تخلو من إشكال واختلاف ففي صحيح معاوية بن وهب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن التهيؤ للإحرام. فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله (ص). وقد ترى أناساً يحرمون ، فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء ـ حيث الميل ـ فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك .. » (١) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء ، حيث يقول الناس : يخسف بالجيش » (٢) ، وصحيح عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن رسول الله (ص) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء » (٣) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : صل المكتوبة ، ثمَّ أحرم بالحج أو بالمتعة ، وأخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك. فاذا استوت بك الأرض ـ راكباً كنت أو ماشياً ـ فلب » (٤). وفي صحيح البزنطي : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) ، كيف أصنع إذا أردت الإحرام؟ قال : اعقد الإحرام في دبر الفريضة ، حتى إذا استوت بك البيداء فلب. قلت : أرأيت إذا كنت محرما من طريق العراق؟ قال : لب إذا استوى بك بعيرك » (٥)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٧.

٤١٢

______________________________________________________

وفي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن أحرمت من غمرة ومن بريد البعث صليت ، وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك وإن شئت لبيت من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلاً ثمَّ تلبي » (١). وفي صحيح الفضلاء ، حفص بن البختري ، ومعاوية بن عمار ، وعبد الرحمن ابن الحجاج ، والحلبي ، كلهم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا صليت في مسجد الشجرة فقل ـ وأنت قاعد ـ في دبر الصلاة ـ قبل أن تقوم ـ ما يقول المحرم ، ثمَّ قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فاذا استوت بك فلبه » (٢). وفي صحيح الفضلاء ـ أيضاً ـ عن أبي عبد الله (ع) : « وإذا أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبيت خلف المقام. وأفضل من ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي ، قبل أن تصير إلى الأبطح » (٣). وفي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فاذا علت بك راحلتك البيداء » (٤). وفي صحيحه ـ أيضاً ـ عن أبي عبد الله (ع) : « إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثمَّ صل خلف المقام ، ثمَّ أهل بالحج. فان كنت ماشياً فلب عند المقام ، وان كنت راكباً فاذا نهض بك بعيرك » (٥). وفي موثق أبي بصير : « ثمَّ تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت » (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

٤١٣

______________________________________________________

وفي خبر زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : متى ألبي بالحج؟ فقال : إذا خرجت إلى منى .. ثمَّ قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج » (١). وفي خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها أن لا يلبي حتى يعلو البيداء؟ قال : لا يلبي حتى يأتي البيداء ، عند أول ميل. فأما عند الشجرة فلا تجوز التلبية » (٢) وفي مصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت له : إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة ، أيلبي حين ينهض به بعيره أو جالساً في دبر الصلاة؟ قال : أي ذلك شاء صنع » (٣). ونحوها غيرها. وهي ـ كما ترى ـ تختلف مضامينها من حيث المنع من الإحرام في مسجد الشجرة ـ كما في صحيح معاوية بن وهب ـ أو المنع من التلبية فيه ـ كما في خبر ابن جعفر ـ أو الأمر بتأخير التلبية عن الميقات ـ كما في أكثرها ـ أو التفصيل في الجهر بالتلبية بين الماشي ، فيجهر من المسجد ، والراكب فيجهر في البيداء ـ كما في صحيح عمر بن يزيد ـ أو التخيير بين المبادرة إلى التلبية في دبر الصلاة وتأخيرها إلى أن ينهض به بعيره ، كما في مصحح إسحاق. ونحوه صحيح هشام بن الحكم ، فيمن أحرم من غمرة.

أقول : أما ما دل على تأخير الإحرام عن مسجد الشجرة فلا مجال للأخذ به. ضرورة وجوب الإحرام من الميقات ، وأنه موضع الإحرام لا موضع التهيؤ للإحرام. مع أنه لم يعرف قائل به. ومعارض بالنصوص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٤١٤

______________________________________________________

الباقية ، الظاهرة في وقوع الإحرام في الميقات. فما في الحدائق من الميل اليه ، وما في كشف اللثام من احتماله تأخير نية الإحرام إلى البيداء ، ضعيف.

وأما ما تضمن الأمر بتأخير التلبية ، فيعارضه في الماشي صحيح عمر ابن يزيد المتقدم في استحباب الإكثار منها (١) ، ومطلقاً مصحح إسحاق ابن عمار (٢) ، وخبر عبد الله بن سنان : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : نعم ، إنما لبى رسول الله (ص) في البيداء ، لأن الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية » (٣). وعليه فلا ينبغي التأمل في جوازها في الميقات. نعم يبقى الإشكال في جواز تأخيرها ـ بناء على أنها شرط في صحة الإحرام ـ فتأخيرها تأخير للإحرام عن الميقات ، مع أنه لا يجوز تأخيره عن الميقات. ولأجل ذلك يشكل التفصيل بين الراكب فيؤخر التلبية والماشي فيبادر إليها ـ كما عن الشيخ لصحيح عمر بن يزيد ، ويكون شاهد جمع بين النصوص ـ فان المحذور المذكور لا يفرق فيه بينهما ويلزم الوقوع في المحذور في الراكب. مضافاً إلى أن الصحيح ظاهر في التفصيل بالإجهار بالتلبية ، لا في أصل التلبية ، وأن روايات التأخير قد نص بعضها على عدم الفرق بين الماشي والراكب.

وحينئذ يكون التخلص عن المحذور المذكور دائراً بين أمور : الأول : حمل روايات التأخير على تأخير الجهر ، إما مطلقاً ـ كما عن الصدوق في الفقيه والهداية ، وابن إدريس ، والمنتهى والتذكرة ، واختاره في المتن ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) تقدم ذلك قريباً. فلاحظ.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٤١٥

فالأفضل أن يأتي بها حين النية ولبس الثوبين سراً ، ويؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة. والبيداء : أرض مخصوصة بين مكة والمدينة ، على ميل من ذي الحليفة نحو مكة [١].

______________________________________________________

أو لخصوص الراكب ـ كما في الشرائع والقواعد وعن غيرهما ـ وأما الماشي فيجهر بها في الميقات. الثاني : البناء على صحة الإحرام بلا تلبية ، فيكون الإحرام من الميقات لكن بلا تلبية ، فلا يلزم المحذور المتقدم. الثالث : حمل روايات تأخير التلبية على التلبية المستحبة والإكثار منها. وهذا هو الأقرب ، فإن الروايات واردة في التلبية في فرض حصول الإحرام ، فلا تعرض فيها للتلبية التي بها قوام الإحرام. وقد عرفت : أن الوجه الثاني خلاف المرتكزات الشرعية. والأول بعيد جداً عن ظاهر النصوص ، فإنها كالصريحة في أصل التلبية ، لا الإجهار بها.

وبالجملة : الأقرب ـ في وجوب التخلص من المحذور ـ حمل الروايات على استحباب تأخير التلبية المستحبة بعد عقد الإحرام بها ، لا التلبية التي بها عقد الإحرام. وأما وجه الجمع بين النصوص ـ بعد حملها على هذا المعنى ـ : فالأقرب هو الأخذ بإطلاق نصوص التأخير وحملها على كراهة التقديم ، جمعاً بينها وبين ما دل على جواز التقديم. والبناء على تأكد الكراهة في الراكب ـ ولا سيما مع الجهر ـ بشهادة صحيح عمر بن يزيد (١). هذا ما يقتضيه التأمل عاجلاً. والله سبحانه العالم العاصم الحاكم ، وهو حسبنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

[١] كما عن السرائر ، والتحرير ، والتذكرة ، والمنتهى ، وغيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الإحرام حديث : ١ وباب : ٤٦ من أبواب الإحرام حديث : ٢. وقد تقدم ذكر الروايتين قريباً. فلاحظ.

٤١٦

والأبطح مسيل وادي مكة [١] ، وهو مسيل واسع فيه دقائق الحصى ، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالعلى عند أهل مكة. والرقطاء : موضع دون الردم ، يسمى مدعى [٢]. ومدعى الأقوام : مجتمع قبائلهم. والردم : حاجز يمنع السيل عن البيت [٣] ، ويعبر عنه بالمدعى [٤].

( مسألة ٢١ ) : المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة [٥] في الزمن القديم. وحدها ـ لمن جاء‌

______________________________________________________

ويشهد به صحيح معاوية المتقدم.

[١] هذا إلى قوله (ره) : « والرقطاء » ذكره في مجمع البحرين. لكن عن ابن الأثير : تفسيره بمسيل وادي مكة ، مقتصراً عليه. وقوله : « هو مسيل واسع فيه دقائق الحصى » ذكره في القاموس تفسيراً للبطيحة والبطحاء والأبطح.

[٢] على وزن سلمى : اسم مكان للدعوة.

[٣] هذا إلى آخره ذكره في مجمع البحرين. وكأنه لا حظ فيه معناه في أصل اللغة ، ومنه قوله تعالى. ( أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ) (١). لكن المذكور في القاموس : أنه موضع بمكة يضاف إلى بني جمح ، وهو لبني قراد ، كغراب.

[٤] هذا ربما ينافي ما تقدم من تفسير الرقطاء ـ التي هي دون الردم ـ بالمدعى. اللهم إلا أن يكون كل من الموضعين يسمى بالمدعى.

[٥] ذكره الأصحاب ، وقيل : إنه إجماع ، ويشهد له النصوص.

__________________

(١) الكهف : ٩٥.

٤١٧

______________________________________________________

منها : مصحح معاوية بن عمار قال : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية. وحدّ بيوت مكة ـ التي كانت قبل اليوم ـ : « عقبة المدنيين ، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن ، فاقطع التلبية. وعليك بالتكبير ، والتحميد ، والتهليل ، والثناء على الله عز وجل ما استطعت » (١) ، ومصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية » (٢) ، وصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « أنه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال (ع) : إذا نظر الى عروش مكة ، عقبة ذي طوى. قلت : بيوت مكة؟ قال : نعم » (٣). ونحوها غيرها.

نعم في موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال : إذا دخل البيوت بيوت مكة ، لا بيوت الأبطح » (٤). لكنه مهجور. ونحوه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال : حين يدخل الحرم » (٥).

نعم يبقى الإشكال في الاختلاف فيما بين مصحح معاوية وصحيح البزنطي ، فإن التحديد في الأول بعقبة المدنيين ينافيه التحديد في الثاني بعقبة ذي طوى ـ بناء على أن الأولى غير الثانية ـ كما يظهر من الأصحاب. ولأجل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الإحرام حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب الإحرام حديث : ٩.

٤١٨

على طريق المدينة ـ : عقبة المدنيين ، وهو مكان معروف. والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم [١] ، ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من‌

______________________________________________________

ذلك جمع بينهما ، بحمل الأول على من دخل مكة على طريق المدينة ، والثاني على من دخلها على طريق العراق. حكي ذلك عن السيد والشيخ وسلار. وعن الصدوقين : تخصيص الثاني بمن أخذ على طريق المدينة. وفي الروضة والمسالك : تخصيص الأول بمن دخلها من أعلاها ، والثاني بمن دخلها من أسفلها. وفي المختلف ـ بعد نقل المجمعين الأولين ـ « ولم نقف لأحدهم على دليل ».

أقول : عقبة المدنيين وعقبة ذي طوى إن اتحد المراد منهما فلا تعارض وإن اختلف فلا بد أن يكون ذلك لاختلاف الجهات. وحينئذ لا اختلاف بين النصوص ، لأن بيوت مكة من جهة : عقبة المدنيين ، ومن جهة أخرى : عقبة ذي طوى ، والوارد إلى مكة من جهة يكون قطعه عند النظر إلى بيوتها من تلك الجهة لا من الأخرى ، وحينئذ لا معارضة بين النصوص ولا منافاة. ومقتضى ما في الروضة والمسالك : أن عقبة ذي طوى تكون من جهة أسفل مكة ، كما حكي عن تهذيب الأسماء ولعل اختلاف الجماعة ـ قدس‌سرهم ـ مبني على اختلاف الأزمنة في تداول الطرق إلى مكة.

[١] كما عن المشهور فيه وفيما بعده. جمعاً بين صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) ، قال في حديث : « ومن خرج من مكة يريد العمرة ثمَّ دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة » (١) ومصحح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « من اعتمر من التنعيم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ٨.

٤١٩

______________________________________________________

فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد (١). وبين خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم » (٢) وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « من دخل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم » (٣) ، وحسن مرازم عن أبي عبد الله (ع) : « يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم » (٤). ونحوها غيرها.

لكن في جملة من النصوص : أنه يقطع التلبية عند النظر إلى بيوت مكة. منها : موثق يونس بن يعقوب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن الرجل يعتمر عمرة مفردة ، من أين يقطع التلبية؟ قال (ع) : إذا رأيت بيوت مكة ـ ذي طوى ـ فاقطع التلبية » (٥). وفي خبر الفضيل ابن يسار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) قلت : دخلت بعمرة ، فأين أقطع التلبية؟ قال (ع) : حيال العقبة ، عقبة المدنيين. فقلت : أين عقبة المدنيين؟ قال : بحيال القصارين » (٦) وصحيح البزنطي ، والمروي في قرب الاسناد قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال : كان أبو الحسن (ع) يقول : يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة » (٧). ونحوها غيرها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ١١.

(٧) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب الإحرام حديث : ١٢.

٤٢٠