مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

بل وكذا لو تطيب [١]. بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام [٢] ، فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الأولى إعادته. ولو أحرم بغير غسل أتى به [٣] ،

______________________________________________________

يريد أن يحرم ، فلبس قميصاً قبل أن يلبي ، فعليه الغسل » (١) ، وخبر علي بن أبي حمزة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل اغتسل للإحرام ثمَّ لبس قميصاً قبل أن يحرم. قال (ع) : قد انتقض غسله » (٢). ونحوها غيرها.

[١] كما عن التهذيب والدروس وغيرهما. لما تقدم في صحيح عمر بن يزيد.

[٢] لاحتمال حملها على ما سبق. وفي المسالك : « ولم يتعرضوا لباقي محرمات الإحرام ـ مع أن منها ما هو أقوى من هذه ـ لعدم النص ». وفي المدارك : « والظاهر عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام ، لفقد النص. ولو قلم أظفاره بعد الغسل لم يعد ، ويمسحها بالماء. لما رواه الشيخ ـ في الحسن ـ عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر (ع) : « في رجل اغتسل للإحرام ثمَّ قلم أظفاره قال (ع) : يمسحها بالماء ، ولا يعيد الغسل » (٣).

[٣] على المشهور. لصحيح الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن قال : « كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن (ع) : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل ، جاهلاً أو عالماً ، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٤١

وأعاد صورة الإحرام [١] ،

______________________________________________________

يصنع؟ فكتب : يعيده » (١). وبقرينة قول السائل : « ينبغي » يظهر أن المراد السؤال عن الوظيفة الاستحبابية ، فيكون الجواب كذلك ، لوجوب المطابقة بينهما. ولو فرض عدم ظهور : « ينبغي » في الاستحباب فلا أقل من الاجمال ، فلا يكون الكلام ظاهراً في الوجوب. مع أن نفي الوجوب إجماعي. ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للقول بالوجوب كما حكاه في المسالك ، بل في الجواهر : « لا أجد له وجهاً ، ضرورة عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوباً ».

[١] في السرائر ـ بعد ما حكى عن الشيخ (ره) في النهاية القول بإعادة الإحرام في الفرض ـ قال : « إن أراد به أنه نوى الإحرام وأحرم ولبى من دون صلاة وغسل ، فقد انعقد إحرامه ، فأي اعادة تكون عليه ، وكيف يتقدر ذلك؟ وإن أراد ، أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية والتلبية ـ على ما قدمنا القول في ذلك ومعناه ـ فيصح ذلك ، ويكون لقوله وجه ». وأشكل عليه في المختلف : بأنه لا استبعاد في استحباب إعادة الفرض لأجل النفل ، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل فيها المصلي بغير أذان ولا إقامة ، فإنه يستحب له إعادتها. انتهى. وأشكل عليه في المسالك : بأن الفرق بين المقامين واضح ، فإن الصلاة تقبل الإبطال ، بخلافه. انتهى.

وتبعه على ذلك في كشف اللثام ، وزاد عليه بأن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال ، لم لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للخبر؟ انتهى. وكذلك في المدارك تبع جده فيما ذكر ، وزاد بقوله : « وعلى هذا فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الإحرام حديث : ١.

٣٤٢

______________________________________________________

وجه لاستيناف النية ، بل ينبغي أن يكون المعاد بعد الغسل والصلاة التلبية واللبس خاصة ». ونحوه حكى عن جده أيضاً. وفي الرياض أصر على بطلان الإحرام بإعادته ، مستظهراً له من لفظ الإعادة في الصحيح ، مستشهداً عليه بما ذكره الأصوليون : بأن الإعادة الإتيان بالشي‌ء ثانياً بعد الإتيان به أولاً ، لوقوعه على نوع خلل ، كتجرد عن شرط معتبر ، أو اقترانه بأمر مبطل ..

ومن ذلك يظهر أن في المسألة وجوها : الأول : عدم مشروعية الإعادة إلا فيما لو كان الواقع منه ـ أولاً ـ صورة الإحرام لا حقيقته. وهو ظاهر ابن إدريس. الثاني : البناء على مشروعية الإحرام ـ ثانياً ـ حقيقة وبطلان الإحرام الأول. وهو ظاهر المختلف ، وتبعه عليه في الرياض الثالث : مشروعية صورة الإحرام ، بلبس الثوبين ، والتلبية ، بلا نية إنشائه. وهو ظاهر المدارك ، وكذا المسالك فيما حكي عنه. الرابع : مشروعية إنشائه ثانياً مع البناء على صحة الإحرام الأول ، فيكون قد أحرم إحرامين حقيقيين. كما قد يظهر من كاشف اللثام ، واختاره في الجواهر في أواخر شرح المسألة.

ولا يخفى بعد الوجه الأخير أولاً : بمخالفته لمرتكزات المتشرعة. بل لعله خلاف بناء الأصحاب ، فإن الإشكالات المذكورة ـ في كلمات ابن إدريس وغيره ـ مبنية على عدم إمكان تكرر الإحرام وتأكده. ولأجله حدثت الأقوال تخلصاً من المحذور المذكور.

وثانياً : بأنه خلاف ظاهر الصحيح ، فإن الإعادة المذكورة في الصحيح يراد منها امتثال أمر الإحرام بالفرد الثاني ، فلا ينطبق على الفرد الأول ، فالبناء على حصول الامتثال بفردين في عرض واحد في زمان‌

٣٤٣

______________________________________________________

واحد خلاف ظاهر النص وخلاف المرتكز العرفي. وأشكل من ذلك ما ذكر في الجواهر ، من أنه يحسب له أفضلهما ، نظير ما ورد في الصلاة جماعة. فان ذلك كان الدليل ، وهذا في المقام مفقود. والقاعدة تقتضي وقوع الامتثال بالفردين معاً ، لأنهما في عرض واحد. ومما سبق يظهر ضعف الوجه الثالث ، فإن صورة الإحرام ليست إعادة للإحرام ضرورة. وأما الوجه الأول فهو خروج عن مفروض السؤال في الصحيح ، فيتعين الوجه الثاني. ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ وأمثاله ممن أطلق استحباب الإعادة ذلك. ثمَّ إنه لا يبعد أن يكون مراد كاشف اللثام ، من تجديد النية وتأكيدها استحضار صورة الإحرام ، لا نية إنشائه ، فإن نية إنشائه لا تكون مؤكدة لنيته ، بخلاف استحضار نية الإحرام ـ ولو بقاء ـ فإنه مؤكد لنية الإحرام الإجمالية ، وهي نية بقائه. وحينئذ يرجع مراده إلى الوجه الثالث.

ومن المؤسف أن شيخنا في الجواهر مع أنه أطال في شرح المسألة ، وأتعب نفسه الزكية في نقل كلمات الأصحاب وما فيها من النقض والإبرام لكنه لم يتعرض لتحقيق أن الإحرام الثاني إذا كان إحراماً حقيقياً وكان الإحرام الأول صحيحاً ، فهل يكون من اجتماع المثلين الجائز ، أو أنه يتأكد أحدهما بالآخر؟ وهل يترتب على ذلك تعدد الكفارة ، أو تعدد العقاب لو فعل المحرم بعض محرمات الإحرام ، أو لا يترتب ذلك؟ كما أنه لم يتعرض للإشكال على القول بأن الإحرام الثاني صوري ، وما المسوغ للالتزام به؟! وأطال في نقل كلام السيد في الرياض والاشكال عليه. فراجع. والله سبحانه الموفق الهادي.

٣٤٤

سواء تركه عالماً عامداً أو جاهلاً أو ناسياً [١]. ولكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله [٢] ، فلو أتى بما يوجب الكفارة بعده وقبل الإعادة وجبت عليه [٣]. ويستحب أن يقول عند الغسل أو بعده : « بسم الله ، وبالله. اللهم اجعله لي نوراً ، وطهوراً ، وحرزاً ، وأمنا من كل خوف ، وشفاء من كل داء وسقم. اللهم طهرني وطهر قلبي ، واشرح لي‌

______________________________________________________

[١] الصحيح المتقدم (١) مورده الجاهل والعالم ، فذكر الناسي في كلماتهم لا بد أن يكون من جهة دخوله في العالم. ولا يخلو من إشكال لاحتمال انصرافه إلى العامد في مقابل الجاهل المعذور ، فكأنه سأل فيه عن المعذور وغيره ، وكأنه لذلك جعل في الجواهر إلحاق الناسي بالفحوى. لكنه ضعيف. وأضعف منه ما يظهر من بعضهم ، من الاقتصار في موضوع المسألة على الناسي ، مع التصريح في النص بالجاهل والعالم.

[٢] إذ لا موجب لبطلانه على هذا القول ، فان الواقع ليس إحراماً وإنما هو صورة الإحرام ، من لبس الثوبين ، والتلبية ـ بل والنية ، وهي استحضار كونه محرماً ـ وكل ذلك لا ينافي الإحرام الواقع. فإنه لا يزال المحرم في سائر الأوقات يقع منه مثل ذلك ، بل لعلها أفضل أحواله.

[٣] قد يظهر من العلامة في القواعد : أن لزوم الكفارة في المتخلل على كل من الأقوال ، فإنه ـ بعد أن جزم باستحباب الإعادة ـ قال : « وأيهما المعتبر؟ إشكال. وتجب الكفارة بالمتخلل بينهما ». فلو‌

__________________

(١) المراد : هو صحيح الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن ، المتقدم قريباً. راجع الوسائل باب : ٢٠ من أبواب الإحرام حديث : ١.

٣٤٥

صدري ، وأجر على لساني محبتك ومدحت والثناء عليك ، فإنه لا قوة إلا بك ، وقد علمت أن قوام ديني التسليم لك ، والاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه وآله » [١].

______________________________________________________

كان لزوم الكفارة مبنياً على القول بصحة الأول كان اللازم الإشكال في ترتبها في المتخلل تبعاً للإشكال في المعتبر منهما. ولعله ظاهر. ولذا قال في كشف اللثام ـ في شرح العبارة المذكورة ـ : « لعل استشكاله هنا لاحتمال الإحلال هنا بخصوصه للنص. وأما وجوب الكفارة بالمتخلل فلاعتبار الأول ما لم يحل ». لكن اعتبار الأول ما لم يحل لا يجدي في ثبوت الكفارة بعد تحقق الإحلال بالثاني بالموجب لبطلانه من أول الأمر. إلا أن يقال : صحة الإحرام الثاني لا تقتضي بطلان الأول وإنما تقتضي انتهاءه ، وهو كما يكون بنحو الابطال يكون بنحو الإحلال ، والإحلال اللاحق لا ينافي ثبوت الكفارة بالجناية قبله.

ومن ذلك يشكل ما ذكر في الرياض من أن ظاهر القواعد : وجوب الكفارة على القولين. فان تمَّ إجماعاً ، وإلا هو منفي على المختار قطعاً. وكذا مع التردد بينه وبين مقابله ، عملا بالأصل السالم عن المعارض. انتهى وجه الاشكال : ما عرفت ، من أن البناء على صحة الثاني وانتهاء الأول أعم من بطلانه والإحلال منه. اللهم إلا أن يقال : لا نعني من البطلان إلا عدم كونه موضوعاً للامتثال ، والإحرام السابق كذلك ، فإنه ليس جزءاً من النسك ، ولا يشرع الإحرام إلا إذا كان جزءاً من النسك. فلاحظ.

[١] قال في الفقيه ـ في باب سياق مناسك الحج ـ : « وقل إذا اغتسلت : بسم الله وبالله .. » إلى آخر ما في المتن ، مع تبديل : التسليم لك » بـ : « التسليم لأمرك » (١).

__________________

(١) الفقيه الجزء : ٢ الصفحة : ٣١٢ طبع النجف الأشرف.

٣٤٦

الرابع : أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة [١]. وقيل بوجوب ذلك [٢] ، لجملة من الأخبار الظاهرة فيه [٣] ،

______________________________________________________

[١] على المشهور : شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً.

[٢] القائل : الإسكافي.

[٣] كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : صل المكتوبة ، ثمَّ أحرم بالحج أو بالمتعة » (١) ، وصحيحه الآخر عنه (ع) : « إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة. فصل ركعتين ثمَّ أحرم في دبرها » (٢). وصحيحه الآخر : « لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فاذا انفتلت في صلاتك فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبي (ص) .. » (٣) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : تصلي للإحرام ست ركعات ، تحرم في دبرها » (٤) ، وخبر إدريس بن عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يقيم الى المغرب. قلت : فان أبي جماله أن يقيم عليه. قال (ع) : ليس له أن يخالف السنة. قلت : أله أن يتطوع بعد العصر؟ قال (ع) : لا بأس به ، ولكني أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحب إلي. قلت : كم أصلي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٤٧

المحمولة على الندب ، للاختلاف الواقع بينها [١] ، واشتمالها على خصوصيات غير واجبة [٢].

______________________________________________________

إذا تطوعت؟ قال (ع) : أربع ركعات » (١).

[١] لكن مع التمكن من الجمع لا يضر الاختلاف : ويصعب جداً رفع اليد ـ لذلك ـ عن ظاهر صحيح معاوية الثالث المتقدم.

[٢] لا يضر ذلك أيضاً إذا اشتملت على ما هو ظاهر في الوجوب ، بحيث لا مانع من الأخذ به ، كالصحيح المتقدم. فالعمدة : التسالم على عدم الوجوب ، المانع من احتمال الوجوب وخفائه فيما كان محلا للابتلاء العام ، كما تقدم ذلك في استحباب غسل الإحرام. واما صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم .. » (٢). فالظاهر منه الترك من جهة الوقت الذي تكره فيه الصلاة. نظير خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « خمس صلوات تصليها في كل وقت ، منها : صلاة الإحرام » (٣). وقد تقدمت الإشارة إليه في خبر إدريس بن عبد الله. ونحوه خبر ابن فضال (٤).

واستدل في كشف اللثام على نفي الوجوب بالأصل. ولاستلزامه وجوب نافلة الإحرام إذا لم يتفق في وقت فريضة. وهو كما ترى ، إذ الأصل لا يقاوم الدليل. والاستلزام المذكور لا محذور فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٣٤٨

والأولى أن يكون بعد صلاة الظهر [١] ، في غير إحرام حج‌

______________________________________________________

[١] كما في القواعد وغيرها ، بل هو المشهور ، بل نسبه في الحدائق إلى الأصحاب. وفي كشف اللثام : استدل بتظافر الأخبار. وكأنه يشير إلى صحيحة معاوية بن عمار وعبد الله الحلبي ، كليهما عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا يضرك بليل أحرمت أو نهار. إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس » (١) ، وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته ليلاً أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نهاراً؟ قال (ع) : نهاراً. فقلت : أي ساعة؟ قال (ع) : صلاة الظهر. فسألته متى ترى أن نحرم؟ قال (ع) : سواء عليكم. إنما أحرم رسول الله (ص) بعد صلاة الظهر ، لأن الماء كان قليلاً ، كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد ولا يكاد يقدرون على الماء ، وإنما حدثت هذه المياه حديثاً » (٢) ، وصحيح معاوية بن عمار ـ المتقدم في الغسل ـ قال أبو عبد الله (ع) فيه : « وليكن فراغك من ذلك عند زوال الشمس. وإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك ذلك ، غير اني أحب أن يكون ذلك عند زوال الشمس » (٣) ، ومرسل المفيد في المقنعة : « قال (ع) : الإحرام في كل وقت ـ من ليل أو نهار ـ جائز. وأفضله عند زوال الشمس » (٤). ولا يخفى أن النصوص إنما تدل على استحباب كونه عند الزوال ، ولو قبل صلاة الظهر أو بعد صلاة العصر إذا لم يكن منافياً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الإحرام حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الإحرام حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الإحرام حديث : ٧.

٣٤٩

التمتع ، فإن الأفضل فيه أن يصلي الظهر بمنى [١].

______________________________________________________

لصدق : ( عند الزوال ). مع أن الثاني منها كالصريح في نفي أفضلية كونه عند الزوال أو كونه بعد صلاة الظهر. فكأنه لم يبق دليل على الاستحباب إلا قاعدة التسامح ، بناء عليها. وكأنه لذلك عبر المصنف (ره) بالأولوية.

[١] حكي عن المفيد ، والسيد. لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا كان يوم التروية فأهلّ بالحج .. ( الى أن قال ) : وصل الظهر إن قدرت بمنى » (١) ، وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : ثمَّ تلبي من المسجد الحرام .. ( إلى أن قال ) : وإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس ، وإلا متى ما تيسر لك من يوم التروية » (٢) ، وصحيح معاوية : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى .. ( الى أن قال ) (ع) : ثمَّ تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والامام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك. وموسع عليك أن تصلي بغيرها إن لم تقدر » (٣).

لكن في الشرائع : استحباب خروج التمتع إلى منى يوم التروية بعد أن يصلي الظهرين ، وحكي عن المواهب والوسيلة والتذكرة والمنتهى والمختلف والدروس وغيرها. ودليله غير ظاهر. نعم عن المختلف الاستدلال له : بأن مسجد الحرام أفضل من غيره ، والمستحب إيقاع الإحرام بعد فريضة فاستحب إيقاع الفريضتين فيه. لكنه ـ كما ترى ـ لا يعارض النصوص السابقة ولا غيرها. وعن التذكرة والمنتهى : الاستدلال بصحيح معاوية : « إذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الحرام الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الحرام الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب الحرام الحج حديث : ٥.

٣٥٠

وإن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة أخرى حاضرة [١]

______________________________________________________

كان يوم التروية ـ ان شاء الله ـ فاغتسل ، ثمَّ البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا .. ( إلى أن قال ) : ثمَّ اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثمَّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة .. » (١) لكن الظاهر من المكتوبة الظهر لا غير. ولذلك حكي عن جماعة : الاقتصار على الظهر ، كالهداية ، والمقنع ، والمقنعة ، والمصباح ، ومختصره ، والسرائر ، والجامع ، وغيرها.

وعن الشيخ في التهذيب : التفصيل بين الإمام فيصلي الظهر بمنى. للنصوص الكثيرة ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى ، ويبيت بها الى طلوع الشمس » (٢) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : على الامام أن يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ، ويصلي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام » (٣) ونحوهما غيرهما. وبذلك جمع بين الطائفتين السابقتين. لكنه بعيد. ولعل الأولى الجمع بينهما ، بحمل ما دل على استحباب إيقاع الإحرام بمكة بعد الظهر على ما إذا لم يقدر على الخروج قبل ذلك ، وإلا فالأفضل إيقاع الظهر بمنى مطلقاً ، كما في المتن. وان كان بعد لا يخلو من تأمل.

[١] كما يقتضيه صحيح معاوية المتقدم عن أبي عبد الله (ع) : « صل المكتوبة ، ثمَّ أحرم بالحج أو بالمتعة » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب إحرام الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب إحرام الحج حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب إحرام الحج حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٨ من أبواب إحرام الحج حديث : ١.

٣٥١

وإن لم يكن فمقضية [١] ، وإلا فعقيب صلاة النافلة.

الخامس : صلاة ست ركعات [٢] ، أو أربع ركعات [٣] أو ركعتين [٤] للإحرام. والأولى الإتيان بها مقدماً على الفريضة [٥]. ويجوز إتيانها في أي وقت كان بلا كراهة ،

______________________________________________________

[١] ففي الدروس : « ولو لم يكن وقت فالظاهر أن الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل ». ولا يخلو من إشكال ، بل هو خلاف ظاهر النصوص المتقدمة. فلاحظ صحاح معاوية بن عمار المتقدمة في صدر المسألة ومن الثالثة منها يظهر الوجه في قوله (ره) : « فعقيب النافلة ».

[٢] كذا ذكر الأصحاب. لرواية أبي بصير المتقدمة (١) ونحوها موثقته الأخرى : « ثمَّ ائت المسجد الحرام ، وصل فيه ست ركعات قبل أن تحرم .. » (٢) ، وصحيح معاوية : « إذا أردت أن تحرم يوم التروية .. ( إلى أن قال ) : واغتسل ، والبس ثوبيك ، ثمَّ ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل أن تحرم » (٣).

[٣] كما في خبر إدريس المتقدم (٤).

[٤] كما في صحيحي معاوية المتقدمين (٥).

[٥] قال الشرائع ، في مبحث مقدمات الإحرام المستحبة : « وأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب إحرام الحج حديث : ٤. وقد تقدم ذلك في الأمر الرابع.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) لم نعثر على هذه الرواية في الأبواب المناسبة من الوسائل ، كأبواب الطهارة ، والصلاة ، والحج. كما لم نجدها في الكتب الفقهية ، أمثال : الجواهر ، والمستند ، والحدائق.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ٣. وقد تقدم ذلك في الأمر الرابع.

(٥) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الإحرام حديث : ٥ ، وباب : ١٦ من أبواب الإحرام حديث : ١. وقد تقدم ذكرهما في الأمر الرابع.

٣٥٢

حتى في الأوقات المكروهة ، وفي وقت الفريضة ، حتى على‌

______________________________________________________

يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها. وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ». قال في المسالك : « ظاهر العبارة يقتضي أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى ستة الإحرام ، وإنما يكون عند عدم فعل ظهر أو فريضة. وليس كذلك ، وإنما السنة أن يصلي ستة الإحرام أولاً ، ثمَّ يصلي الظهر أو غيرها من الفرائض ، ثمَّ يحرم. فان لم يتفق ثمة فريضة اقتصر على ستة الإحرام .. ( إلى أن قال ) : وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا ». وفي الجواهر : « سبقه إلى ذلك الكركي في حاشيته على الكتاب ». وفي المدارك : أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى ستة الإحرام ، وأنها إنما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو فريضة. وعلى ذلك دلت الأخبار. ثمَّ ذكر صحيحي معاوية ، الثاني ، والثالث. ثمَّ قال : « ومن هنا يظهر : أن ما ذكر الشارح ، من أن المراد .. ( إلى آخر كلام المسالك ) غير جيد. ومن العجب قوله : « وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا ». إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره ، فإن الأخبار ناطقة بخلافه ، كما بينا ». وفي الجواهر ـ تبعاً لما في الذخيرة والحدائق ـ استظهر من كلمات جماعة من الأصحاب ـ كالمفيد في المقنعة ، والشيخ في المبسوط والنهاية ، والعلامة في القواعد والتذكرة والمنتهى وغيرها ـ ما ذكره في المسالك. قال في المقنعة : « وإن كان وقت فريضة وكان متسعاً قدم نوافل الإحرام ـ وهي ست ركعات. ويجزي منها ركعتان ـ ثمَّ صلى الفريضة ، وأحرم في دبرها ، فهو أفضل. وإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات ». وقريب منها غيرها.

٣٥٣

______________________________________________________

بل في الشرائع ـ قال بعد ما سبق ـ : « ويوقع نافلة الإحرام تبعاً له ولو كان وقت فريضة ، مقدماً للنافلة ، ما لم تتضيق الحاضرة ». ومقتضاه الإتيان بنافلة الإحرام في وقت الفريضة ، فيكون الجمع بينه وبين ما قبله يقتضي حمل ما قبله على استحباب الإحرام عقيب الفريضة في وقت الفريضة مع سبق النافلة عليها ، لا الاقتصار عليها ، كما يظهر في بادي النظر. وفي كشف اللثام : نسبه إلى المشهور ، ثمَّ حكى عن جملة من كتب الجماعة تقديم الفريضة ، ثمَّ قال : « وهو أظهر ، لأن الفرائض تقدم على النوافل. إلا الراتبة ، إذ لا نافلة في وقت فريضة. ولم أظفر بما يدل على استحباب نافلة الإحرام مع إيقاعه بعد الفريضة ، إلا الذي سمعته الآن عن الرضا (ع). ولذا قال في التذكرة : وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام؟ يحتمل ذلك ، وهو قول الشافعي ». وفي محكي الوسيلة لابن حمزة : « وإن كان بعد فريضة صلى ركعتين له وأحرم بعدهما. وان صلى ستاً كان أفضل ». وظاهره الجمع بين النافلة والفريضة ، مع تقديم الفريضة وقد تقدم في كشف اللثام : حكاية ذلك عن جملة من الكتب ، واختياره.

والمتحصل من جميع ذلك : أن كلمات الجماعة مختلفة ، فبعضها ظاهر في الجمع بين الفريضة والنافلة ، مع تأخير الفريضة والإحرام عقيبها ، وهو المنسوب إلى المشهور في كشف اللثام. وبعضها ظاهر في الجمع بينهما مع تقديم الفريضة على النافلة ، واختاره في كشف اللثام. وبعضها ظاهر في عدم الجمع ، كالإرشاد. قال فيه : « والإحرام عقيب فريضة الظهر أو غيرها ، أو ست ركعات ، وأقله ركعتان ». وعليه حمل في المدارك عبارة الأصحاب.

وأما النصوص فالظاهر منها الأخير. بل تقدم في المدارك : أن‌

٣٥٤

القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة. لخصوص الأخبار الواردة في المقام [١].

______________________________________________________

الأخبار ناطقة به. وفي الذخيرة : أنه مقتضى الأخبار ، كما لا يخفى على المتأمل. انتهى. نعم في الفقه الرضوي : « فإن كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثمَّ صل الفريضة. وروي : أن أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ، ثمَّ أحرم في دبرها فيكون أفضل » (١). ودلالته على المشهور ظاهرة. إلا أن سنده غير ظاهر. وفي الجواهر : استدل بصحيح معاوية بن عمار قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم .. » (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « خمس صلوات تصليها في كل وقت ، منها : صلاة الإحرام » (٣).

ويشكل : بأنه ـ لو تمت دلالة الروايتين على مشروعية صلاة الإحرام في وقت الفريضة ، فغايتها مشروعية الإحرام في دبرها حينئذ ، لا الجمع بينها وبين الفريضة والإحرام بعد الفريضة. ومنه يظهر الاشكال فيما تمسك به ـ في المستند والجواهر ـ من إطلاق مشروعية نافلة الإحرام. إذ الإطلاق لا يقتضي الجمع الذي عرفت أنه خلاف ظاهر النصوص السابقة.

[١] يشير بذلك إلى صحيح معاوية وخبر أبي بصير المتقدمين. وأما إطلاقات التنفل بالركعتين ، أو الأربع ، أو الست فليس لها تعرض لهذه الجهة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٣ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

٣٥٥

والأولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد [١] ، وفي الثانية الجحد ، لا العكس كما قيل [٢].

( مسألة ) : يكره للمرأة ـ إذا أرادت الإحرام ـ أن‌

______________________________________________________

[١] كما عن النهاية والسرائر والتذكرة والمنتهى. وفي الجواهر : « أما كيفية القراءة فيهما فلم أقف فيها إلا على خبر معاذ بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا تدع أن تقرأ بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال والركعتين بعد المغرب ، وركعتين من أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت ، وركعتي الطواف » (١). لكن في التهذيب ـ بعد أن أورد ذلك ـ قال : « وفي رواية أخرى : إنه يبدأ في هذا كله بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، وفي الركعة الثانية بقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. إلا في الركعتين قبل الفجر ، فإنه يبدأ بقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، ثمَّ يقرأ في الركعة الثانية بقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » (٢).

وظاهره اختصاص الرواية الثانية بالتهذيب ، مع أن الكليني (ره) رواها أيضاً بعد الأولى كما في التهذيب (٣).

[٢] اختاره في الدروس ، وحكي عن المبسوط. وظاهر الشرائع : الميل إليه ، فإنه قال : « يقرأ في الأولى : وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ، وفي الثانية : الحمد ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. وفيه رواية أخرى بالعكس ». ولعلهم عثروا على غير ذلك. وإلا فخبر معاذ إما مطلق يقتضي التخيير ، أو ظاهر في تعين قل هو الله أحد للأولى ، والجحد للثانية. وهو صحيح في كلام بعض ، وحسن في كلام آخر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٢.

٣٥٦

تستعمل الحناء إذا كان يبقى أثره الى ما بعده [١] ، مع قصد الزينة [٢] ، بل لا معه أيضاً إذا كان يحصل به الزينة وإن لم تقصدها. بل قيل بحرمته [٣]. فالأحوط تركه ، وإن كان الأقوى عدمها [٤]. والرواية مختصة بالمرأة. لكنهم ألحقوا بها الرجل أيضاً ، لقاعدة الاشتراك ، ولا بأس به. واما استعماله مع عدم إرادة الإحرام فلا بأس به وإن بقي أثره [٥] ولا بأس بعدم إزالته وإن كانت ممكنة.

______________________________________________________

[١] نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأكثر ، وحكي عن جماعة. لخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم ، هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال (ع) : ما يعجبني أن تفعل » (١). ودلالته على الكراهة ظاهرة ، بعد حمل مورده على غير حال الضرورة ، بقرينة الجواب.

[٢] الرواية غير متعرضة لهذه الصورة. لكن يستفاد الجواز مما دل على جوازها للمحرم ولو مع قصد الزينة ، كما هو المشهور. والكراهية للأولوية مما قبله.

[٣] حكي ذلك عن الروضة. للزينة.

[٤] لمنع تحريم كل زينة. ولذا كان المشهور كراهة ذلك للمحرم في حال الإحرام. لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن الحناء. فقال (ع) : إن المحرم ليمسه ، ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، ولا به بأس » (٢).

[٥] لخروجه عن مورد الرواية. لكن في المسالك : « لا فرق بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

٣٥٧

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل في كيفية الإحرام

وواجباته ثلاثة :

______________________________________________________

الواقع بعد نية الإحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده ». وهو ـ كما ترى ـ غير مورد الرواية. اللهم إلا أن يستفاد منها كراهة أثره عند الإحرام ، لا كراهة استعماله عند إرادة الإحرام. وهو غير بعيد. ولأجله يشكل قوله (ره) : « ولا بأس بعدم ازالته .. ».

فصل في كيفية الإحرام

اختلفت عبارات الأصحاب في حقيقة الإحرام ، ففي المختلف ، في مسألة تأخير الإحرام عن الميقات : أن الإحرام ماهية مركبة من النية ، والتلبية ، ولبس الثوبين. وفي المدارك : أنه حكى الشهيد في الشرح ، عن ابن إدريس : أنه جعل الإحرام عبارة عن النية ، والتلبية. ولا مدخلية للتجرد ، ولبس الثوبين فيه. وعن ظاهر المبسوط والجمل : أنه جعله أمراً واحداً بسيطاً ، وهو النية. وفي المسالك : إن هذا هو الظاهر .. ( إلى أن قال ) : وللشهيد تحقيق رابع ، وهو أن الإحرام توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمحلل .. ( إلى أن قال ) :

٣٥٨

______________________________________________________

وهذا التفسير راجع إلى النية ، لأن التوطين أمر نفساني ، ولا يجب تحصيله في مجموع زمان الأفعال .. ( إلى أن قال ) : بل هو قد فسر النية في قوله : « أحرم » : بأن معناه : أوطن نفسي ..

أقول : أخذ النية في مفهوم الإحرام غير معقول ، لأنه فعل اختياري يقع عن نية تارة ، ولا عنها أخرى. ولذلك اعتبروا في صحته النية ، ومن المعلوم أن النية لا تكون موضوعاً للنية ، فالأقوال الثلاثة الأول على ظاهرها غير معقولة ، ولعلها مبنية على المسامحة. وأما التوطين فان كان راجعاً إلى النية فهو ـ كغيره ـ غير معقول. وإن كان راجعاً إلى البناء النفساني على ترك المحرمات والالتزام بذلك فهو معقول ، لأنه فعل اختياري يمكن أن يكون موضوعاً للنية كغيره من الأفعال الاختيارية النفسانية. بل قد تحقق في محله : أن العقود والإيقاعات النفسانية كلها التزامات نفسانية وهذه الالتزامات اختيارية للموقع. بل ذكروا الخلاف في وجوب الموافقة الالتزامية للتكليف زائداً على الموافقة العملية. وإن كان التحقيق عدم الوجوب بل المحقق في محله : أن الإسلام هو الالتزام بصحة ما جاء به النبي (ص) وعليه تترتب الأحكام ، من حرمة الدم ، والمال ، وجواز المناكحة ، وثبوت التوارث ، وغيرها من أحكام الإسلام. وذلك كله دليل على كون الالتزام من الأفعال الاختيارية وموضوعاً للإرادة والنية.

لكن الإشكال في أن الإحرام هو نفس الالتزام ، أو أنه الحاصل من التزام ترك المحرمات؟ الظاهر هو الثاني ، فيكون الالتزام سبباً لإنشاء الإحرام وحصوله ، نظير سائر المفاهيم الإيقاعية التي يكون إيقاعها بالالتزام لا أنه نفس الإحرام ، كما قد يظهر من الشهيد ( قده ). ويحتمل أن يكون السبب في حصوله مجرد نية ترك المحرمات وإن لم يكن التزام نفساني.

٣٥٩

الأول : النية [١] ، بمعنى القصد اليه ، فلو أحرم من غير قصد أصلاً بطل ، سواء كان عن عمد ، أو سهو ، أو جهل. ويبطل نسكه أيضاً إذا كان الترك عمداً [٢] ، وأما مع السهو والجهل فلا يبطل. ويجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن ، وإلا فمن حيث أمكن ، على التفصيل الذي مر سابقاً في ترك أصل الإحرام.

( مسألة ١ ) : يعتبر فيها القربة والخلوص ، كما في سائر العبادات ، فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه.

( مسألة ٢ ) : يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه ،

______________________________________________________

به. لكن الأظهر الأول. وعلى كل من التقديرين فهو صفة اعتبارية تحصل بأحد السببين ، إما الالتزام بترك المحرمات ، أو نية ترك المحرمات لا أنه نفس ترك المحرمات ، ولا أنه نفس نية ترك المحرمات ، فإن الأول خلاف الإجماع ، والثاني غير معقول.

[١] بلا خلاف محقق فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه مستفيض. كذا في الجواهر. وفي كشف اللثام : « بلا خلاف عندنا في وجوبها .. ». ويقتضيه ارتكاز المتشرعة ، فان الإحرام عندهم من سنخ العبادة التي لا تصح بدون نية. مضافاً إلى بعض النصوص الآتية في كيفية النية والتلفظ.

[٢] إذا لم يتمكن من تجديده من الميقات ، وإلا جدده وصح إحرامه وحجه ، على ما تقدم في المسألة الثالثة من فصل أحكام المواقيت. فراجع في جميع شقوق هذه المسألة.

٣٦٠