مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

لإمكان الاستفادة من الأخبار. والأحوط الثاني [١] ، لكون الحكم على خلاف القاعدة. هذا ولا يلزم التجديد في الميقات [٢] ،

______________________________________________________

أن له عليه أن يخيط ثوبه ، فيقول : بعتك ولي عليك أن تخيط ثوبي ، فيكون مشتملاً على التمليك ، فإرجاع أحد المضمونين الى الآخر غير ظاهر.

اللهم إلا أن يقال : إن التمليك يستفاد من الشرط الوارد في مقام المعاوضات على اختلاف مضامينه ، لأن وروده في ذلك المقام يستوجب القصد الى التمليك. ولذا يكون الشرط موروثاً للوارث ، ولو كان خالياً عن التمليك لم يكن وجه للإرث. لكن لو تمَّ ذلك لم يرد في العهد ، إذ لا قرينة على هذا التمليك ، لا حالية ولا مقالية. فالبناء على دخول العهد واليمين في النصوص غير ظاهر. ولذا اقتصر الأصحاب على ذكر النذر ، ولم يتعرضوا للعهد ولا لليمين. نعم لو تمت دلالة رواية أبي بصير كانت عامة للجميع. فالتفصيل بين العهد واليمين أضعف الوجوه.

ودونه في الضعف العموم ، فإن رواية أبي بصير قد عرفت الاشكال فيها. وحملها ـ بقرينة الإجماع على عدم العمل بظاهرها ـ على غيرها يقتضي الخصوص لا العموم. فاذاً المتعين ما هو ظاهر الأصحاب ، وهو الاختصاص بالنذر ، لا غير.

[١] يشكل بأن الثاني وإن كان أحوط من جهة ، لكنه خلاف الاحتياط من جهة مخالفة النذر ، والمقام من قبيل الدوران بين محذورين.

[٢] وإن حكي عن المراسم والراوندي. فإنه لا وجه له بعد صحة الإحرام المنذور. وأشكل منه ما حكي عن بعض القيود ، من أنه إذا نذر إحراماً واجباً وجب تجديده في الميقات ، وإلا استحب. فإنه تفصيل بلا فاصل ظاهر.

٣٠١

ولا المرور عليها. وإن كان الأحوط التجديد ، خروجاً عن شبهة الخلاف. والظاهر اعتبار تعيين المكان [١] ، فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقاً ، فيكون مخيراً بين الأمكنة لأنه القدر المتيقن ، بعد عدم الإطلاق في الأخبار. نعم لا يبعد الترديد بين المكانين [٢] ، بأن يقول : « لله علي أن أحرم إما من الكوفة أو من البصرة » ، وإن كان الأحوط خلافه. ولا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب ، أو المندوب ، أو للعمرة المفردة [٣]. نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج [٤] ، لاعتبار كون الإحرام لهما فيها ، والنصوص إنما جوزت قبل الوقت المكاني فقط.

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في الحدائق والمستند.

[٢] لا يظهر الفرق بين هذه المسألة وما قبلها ، فان كلاّ منهما غير المتيقن من الإطلاق. بل مقتضى الاقتصار على المتيقن الاقتصار على خصوص الكوفة ، أو مع البصرة ، بناء على دلالة روايتها على المقام ، أو لزوم حملها عليه.

[٣] لإطلاق النص والفتوى.

[٤] كما نص على ذلك المحقق في كتبه ، ووافقه عليه من تأخر عنه. عملاً بعموم ما دل على عدم صحة عمرة التمتع وحجه في غير أشهر الحج. والنصوص المتقدمة إنما دلت على صحة النذر إذا قدمه على الميقات ، ولم تتعرض لصحته إذا نذر تقديمه على وقته ، فلا موجب للخروج عن عموم أدلة المنع.

٣٠٢

ثمَّ لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان ـ نسياناً أو عمداً ـ لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات [١]. نعم عليه الكفارة إذا خالفه متعمداً.

ثانيهما : إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضيه إن أخر الإحرام إلى الميقات ، فإنه يجوز له الإحرام قبل الميقات [٢] وتحسب له عمرة رجب ، وان أتي ببقية الأعمال في شعبان. لصحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل يجي‌ء معتمراً ينوي عمرة رجب ، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب ، أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب. فان لرجب فضلاً » [٣] ، وصحيحة معاوية بن عمار : سمعت

______________________________________________________

[١] أما في النسيان فظاهر ، لوقوع الإحرام على الوجه المشروع فيصح. وأما في العمد فمشكل ، لأن النذر يقتضي ملك الله سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلف على تفويته ، والإحرام من الميقات عمداً لما كان تفويتاً للواجب المملوك كان حراماً ، فيبطل إذا كان عبادة. وقد تقدم ذلك في مواضع من هذا الشرح. فراجع المسألة الواحدة والثلاثين من فصل نذر الحج ، ونذر الصلاة جماعة وغيرها ، وتأمل.

[٢] في الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه » ، وفي المعتبر : « عليه اتفاق علمائنا » ، وفي المسالك : « هو موضع نص ووفاق » ، وفي المنتهى : « على ذلك فتوى علمائنا ».

[٣] رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن إسحاق (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٣٠٣

أبا عبد الله (ع) يقول : ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقت رسول الله (ص). إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة » [١] ومقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضاً ، حيث أن لكل شهر عمرة. لكن الأصحاب خصصوا ذلك برجب [٢]. فهو الأحوط ، حيث أن الحكم على خلاف القاعدة. والاولى والأحوط ـ مع ذلك ـ التجديد في الميقات [٣] كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت. وإن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخر إلى الميقات [٤].

______________________________________________________

وطريق الشيخ الى الحسين صحيح ، وصفوان من الأعيان ، ومن أصحاب الإجماع ورواه الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان عنه. وأبو علي الأشعري ومحمد كلاهما من الأعيان ، وأما إسحاق فالمعروف عد حديثه موثقاً. لكن الذي حققه بعض المتأخرين أن حديثه صحيح ، وهو بالقبول حقيق. ولذلك عد في الجواهر هذا الحديث في الصحيح.

[١] رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن معاوية. ورواها الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عنه (١) والسند في الجميع لا مجال للمناقشة فيه.

[٢] في الجواهر : « لم أجد به عاملاً في غير رجب ». ولعله للعلة التي أشار إليها الإمام (ع) في الصحيح الآخر.

[٣] فان الحكم لم يتعرض له كثير من الأصحاب ـ كما في كشف اللثام ـ ولعل ذلك منهم خلاف فيه.

[٤] جعله في الجواهر الأقوى لما ذكر. وقال في المسالك : « ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٣٠٤

بل هو الأولى ، حيث أنه يقع باقي أعمالها أيضاً في رجب. والظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل [١] أو بالنذر ونحوه.

( مسألة ٢ ) : كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها [٢] ، فلا يجوز لمن أراد الحج‌

______________________________________________________

يشترط إيقاع الإحرام في آخر جزء منه ، بل المعتبر وقوعه فيه. عملاً بإطلاق النص ، وإن كان آخره أولى ». وأولوية آخره بملاحظة الاحتياط فلا تنافي الأولوية المذكورة في المتن ، بلحاظ أن التقدم يستوجب وقوع العمرة في مدة طويلة من الشهر ، بخلاف التأخير. ولعل مراد المصنف (ره) ذلك ، وان كانت العبارة لا تساعد عليه.

[١] عموم النص لها لا يخلو من تأمل أو منع.

[٢] إجماعاً ـ بقسميه ـ ونصوصاً. كذا في الجواهر. وللنصوص ، والإجماع. وفي المعتبر والمنتهى : إجماع العلماء كافة عليه. كذا في كشف اللثام. ونحوهما كلام غيرهما. وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « من تمام الحج والعمرة ، أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله (ص) لا تجاوزها إلا وأنت محرم » (١). وفي صحيح صفوان : « فلا تجاوز الميقات إلا من علة » (٢). وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « ولا تجاوز الجحفة إلا محرماً » (٣). وفي دلالتها على الحرمة الذاتية تأمل.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب المواقيت حديث : ٢. وباب : ١٦ منه حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب المواقيت حديث : ٣ وباب : ١٦ منه حديث : ٢.

٣٠٥

أو العمرة أو دخول مكة أن يجاوز الميقات اختياراً إلا محرماً بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضاً إلا محرماً وإن كان أمامه ميقات آخر [١]. فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان. إلا إذا كان أمامه ميقات آخر ، فإنه يجزيه الإحرام منها [٢] ،

______________________________________________________

[١] لأن قوله (ع) في صحيح ابن سنان المتقدم : « فليكن إحرامه » (١) ظاهر في الوجوب. وكذا قوله (ع) في الصحيح الآخر : « فليحرم منها .. » (٢) فيكون ترك الإحرام حراماً. ولا يتضح الفرق بين المحاذاة وبين نفس الميقات ، فان لسان الأدلة في الجميع على نحو واحد. فتوقف المصنف (ره) في المحاذاة غير ظاهر.

[٢] كما هو ظاهر المسالك. قال : وفي بعض الأخبار أنه يرجع الى ميقاته في جميع الصور ـ يعني : صور تجاوز الميقات بلا إحرام ـ والظاهر أنه غير متعين بل يجزي رجوعه الى أي ميقات شاء ، لأنها مواقيت لمن مر بها ، وهو عند وصوله كذلك ». وفي المدارك : « لا يخفى أنه إنما يجب العود إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر ، وإلا لم يجب ـ كما مر ـ بل يؤخر إلى الميقات. وفي الجواهر : « هذا كله إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر ، وإلا لم يجب عليه الرجوع أيضاً على كل حال ، بناء على ما تقدم ، من الاجتزاء بالإحرام منه مع الاختيار ، فضلاً عن العذر ».

والمراد ببعض الأخبار ـ في صدر كلام المسالك ـ : صحيح الحلبي « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٣٠٦

______________________________________________________

قال (ع) : قال أبي (ع) : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم » (١) ، وصحيحه الآخر : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم. فقال (ع) : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم. فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم » (٢). ونحوهما خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) (٣) ، وصحيح معاوية ابن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة كانت مع قوم ، فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال (ع) : إن كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، فان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها » (٤). وفي رواية الشيخ : « بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم » (٥). وأما ما ذكره من أن المواقيت مواقيت لمن مر بها ، فهو وإن كان صحيحاً ، لكن لا مجال للأخذ بإطلاق توقيتها بعد ورود الدليل الخاص الآمر بالرجوع الى ميقاته. نعم قد يظهر من صحيح معاوية الرجوع الى مطلق الميقات. لكن لو تمَّ فهو مقيد أيضاً على أنه من القريب أن يكون المراد به الميقات الذي عبروا عليه حين سألتهم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت ملحق حديث : ٤.

٣٠٧

وإن أثم بترك الإحرام من الميقات الأول [١]. والأحوط العود إليها مع الإمكان مطلقاً ، وإن كان أمامه ميقات آخر.

______________________________________________________

المرأة ، بقرينة التعبير بالرجوع. نعم ظاهر الصحيحين الأولين خصوص ميقات بلده وإن لم يكن قد عبر عليه. لكن يتعين حملهما على ما عبر عليه بقرينة التعبير بالرجوع في ثانيهما. أو بقرينة الإجماع على خلافهما.

نعم قد يظهر من موثق ابن بكير عن زرارة : « عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم ، فقدموا الى الميقات وهي لا تصلي ، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم ، فمضوا بها ـ كما هي ـ حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس ، فقالوا : تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه. فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج ، فسألوا أبا جعفر (ع) ، فقال (ع) : تحرم من مكانها ، قد علم الله تعالى بنيتها » (١). أنه يجري الخروج إلى بعض المواقيت ، أيها كان. لكن المسؤول فيه ليس هو الامام (ع) ولا يظهر من أبي جعفر (ع) تقرير للجواب المذكور ، إذ لم يعرض عليه الجواب الصادر من الناس وأما ما ذكره في المسالك ، من أن المواقيت مواقيت لمن مر بها وهو عند وصوله كذلك ، فهو مسلم ، لكن لا يصلح للخروج به عن ظاهر النصوص المذكورة ، لأن نسبتها الى دليل التوقيت نسبة الخاصة إلى العام. فاذاً المتعين الرجوع الى الميقات الذي عبر عليه ولا يجزي غيره.

[١] قد اشتهر ذلك في كلماتهم. وقد أشرنا إلى أن الأمر بالإحرام من الميقات ليس مولوياً بل إرشادي الى الشرطية ، كما في جميع الأوامر الواردة في مقام بيان الماهيات العرفية ، فضلا عن المخترعات الشرعية ، وعليه عمل الفقهاء في جميع أبواب العبادات والمعاملات. فإذا أمر الشارع بالاطمئنان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٦.

٣٠٨

وأما إذا لم يرد النسك ، ولا دخول مكة ـ بأن كان له شغل خارج مكة ولو كان في الحرم ـ فلا يجب الإحرام : نعم في بعض الأخبار [١] : وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم وان لم يرد دخول مكة. لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه [٢]. وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات [٣].

______________________________________________________

حال الصلاة كان المراد به الإرشاد إلى شرطية الاطمئنان في الصلاة ، لا وجوب الاطمئنان وجوباً مولوياً ، بحيث يكون تركه موجباً للإثم مع صحة الصلاة. وكذلك في المقام ، فان الظاهر أن الأمر بالإحرام من الميقات إرشادي إلى شرطية الإحرام من الميقات في صحة النسك ـ حجاً أو عمرة ـ فلا تكون مخالفته مستوجبة للإثم. اللهم إلا أن يكون مراده الإثم من جهة الحرمة التشريعية ، لكون المفروض كونه عامداً. لكن الظاهر إرادة الحرمة الذاتية ، كما يفهم مما يأتي في المسألة الآتية.

[١] وهو صحيح عاصم بن حميد قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يدخل الحرم أحد إلا محرماً؟ قال : لا. إلا مريض ، أو مبطون » (١) وصحيح محمد بن مسلم : « سألت أبا جعفر (ع) ، هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال (ع) : لا. إلا أن يكون مريضاً ، أو به بطن » (٢).

[٢] قال في المدارك : « قد أجمع العلماء على أن من مر على الميقات وهو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الإحرام ».

[٣] في الوسائل : التصريح به. قال (ره) : « باب : أنه لا يجوز دخول مكة ولا الحرم بغير إحرام » (٣) وفي كشف اللثام : عن الجامع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الإحرام حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الإحرام.

٣٠٩

( مسألة ٣ ) : لو أخر الإحرام من الميقات عالماً عامداً ولم يتمكن من العود إليها ـ لضيق الوقت أو لعذر آخر ـ ولم يكن أمامه ميقات آخر ، بطل إحرامه [١] ، وحجه [٢] ، على المشهور [٣] الأقوى ، ووجب عليه قضاؤه إذا كان مستطيعاً [٤] واما إذا لم يكن مستطيعاً فلا يجب ، وأن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات [٥].

______________________________________________________

والتذكرة ذلك أيضاً. وظاهره : الميل إليه ، لأنه استدل له برواية عاصم ولم يتعرض للمناقشة فيها. وفي المستند : « ومقتضى بعض هذه الأخبار عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام ، كما حكي الفتوى به عن جمع. وهو الأحوط ، بل الأظهر ». ولأجله تشكل دعوى لزوم رفع اليد عن ظاهر الصحيحين ، بدعوى الإجماع في المدارك ، فيحملان على خصوص صورة إرادة مكة من دخول الحرم ، كما في مجمع البرهان.

[١] كما في الشرائع وغيرها من كتب المحقق. وفي القواعد وعن النهاية والاقتصاد والسرائر وغيرها. لأنه مقتضى إطلاق دليل التوقيت ، الموجب لبطلان الإحرام من غير الوقت.

[٢] كما حكي التصريح به عن جماعة منهم. لفوات الكل بانتفاء جزئه أو المشروط بانتفاء شرطه. نعم في الشرائع والقواعد وغيرهما اقتصر على ذكر بطلان الإحرام ، ولم يتعرض فيها للنسك. ولكن الظاهر منهم ذلك لما عرفت.

[٣] وفي الجواهر : « وفاقاً للأكثر المشهور ، بل ربما يفهم من غير واحد : عدم الخلاف فيه بيننا ».

[٤] يعني : أداؤه في السنة اللاحقة.

[٥] الموجب لترك الحج إذا كان واجباً عليه ، أو الموجب للدخول‌

٣١٠

خصوصاً إذا لم يدخل مكة. والقول بوجوبه عليه ولو لم يكن مستطيعاً [١] ، بدعوى : وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة ، فمع تركه يجب قضاؤه. لا دليل عليه. خصوصاً إذا لم يدخل مكة [٢].

______________________________________________________

في الحرم محلا. لكن الإثم حينئذ بالدخول في الحرم محلا لا يترك الإحرام ولا مقدمية بينهما.

[١] قال في المسالك : « وحيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ويجب عليه قضاؤه ، وإن لم يكن مستطيعاً للنسك بل كان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم ، فان ذلك موجب للإحرام ، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور. نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولما يدخل الحرم فلا قضاء عليه ، وإن أثم بتأخير الإحرام. وادعى العلامة (١) في التذكرة الإجماع عليه ». وفي المدارك : « هو غير جيد ، لأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على دليل ، وهو منتف هنا. والأصح سقوط القضاء ، كما اختاره في المنتهى. واستدل عليه بأصالة البراءة من القضاء. وبأن الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط ، كتحية المسجد ، وهو حسن ». ووجه في الجواهر كلام الشهيد في المسالك : بأن مراده وجوب القضاء على من دخل مكة حاجاً ولو بإحرام من دونه ، وعليه يكون القضاء للحج لا للإحرام. ولكنه أيضاً يشكل : بأنه لا دليل على وجوب القضاء في هذه الصورة أيضاً ، والأصل البراءة. على أنه خلاف ظاهر قوله : « موجب للإحرام فإذا .. ».

[٢] فإن هذه الصورة داخلة في كلام المسالك. ووجه الخصوصية :

__________________

(١) قال في التذكرة : « ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه. بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده » منه قدس‌سره.

٣١١

وذلك لأن الواجب عليه إنما كان الإحرام لشرف البقعة ـ كصلاة التحية في دخول المسجد ـ فلا قضاء مع تركه. مع أن وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه [١] ، وأيضاً إذا بدا له ولم يدخل مكة كشف عن عدم الوجوب من الأول [٢]. وذهب بعضهم إلى أنه لو تعذر عليه العود الى الميقات أحرم من مكانه [٣] ، كما في الناسي والجاهل. نظير ما إذا ترك التوضي الى أن ضاق الوقت ، فإنه يتيمم وتصح صلاته ، وإن أثم بترك الوضوء متعمداً. وفيه : أن البدلية في المقام لم تثبت ، بخلاف مسألة التيمم ، والمفروض أنه ترك ما وجب عليه متعمداً.

______________________________________________________

ما عرفت من المشهور ، من أن الإحرام إنما يجب لدخول مكة ، فإذا لم يدخل لم يكن ما يوجبه ، فلا وجه للقضاء مع عدم وجوب الأداء. إلا أن يقال : يجب عند الشهيد الإحرام لدخول الحرم عند إرادة دخول مكة وإن لم يدخلها ، بحيث يكون الوجوب واقعياً.

[١] لأن قضاء الإحرام يكون بالإحرام ثانياً ولو العمرة المفردة. إلا أن يكون مقصود الشهيد ما ذكر في الجواهر ، وهو ما لو دخل حاجاً. فالمقضي يكون هو الحج لا الإحرام. لكن عرفت : أنه لا دليل عليه أيضاً.

[٢] فلا أداء ، فلا وجه للقضاء حينئذ. لكن عرفت إمكان التأمل في ذلك عند الشهيد.

[٣] في الجواهر : أنه محكي عن جماعة من المتأخرين. وفي كشف اللثام : أنه محتمل إطلاق المبسوط والمصباح ومختصره. وهو قوي. وفي‌

٣١٢

( مسألة ٤ ) : لو كان قاصداً من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام لها متعمداً ، يجوز له أن يحرم من أدنى الحل وإن كان متمكناً من العود الى الميقات [١]. فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه ، وإن كان الأحوط ـ مع ذلك ـ

______________________________________________________

المستند اختياره ، ونسبته إلى المحكي عن الكتب الثلاثة ، وجماعة من متأخري المتأخرين. لإطلاق صحيح الحلبي الثاني المتقدم (١) ، الموجب لتنزيل إطلاق دليل التوقيت على غير صورة التعذر. لكن في الجواهر : ليس ذلك بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض ـ يعني : غير العامد ـ وهو أولى من وجوه ». وكأن المراد من الوجوه : الشهرة والحمل على الصحة. فإن التنزيل الثاني أوفق بالشهرة في الفتوى والشهرة في الرواية فإن روايات التوقيت أكثر عدداً. وكذا الحمل على الصحة ، فإن حمل الترك على الأعم من العمد خلاف حمل المسلم على الصحة.

أقول : الصحيح من قبيل الخاص بالنسبة إلى دليل التوقيت ، والخاص مقدم على العام. ولأجل ذلك لا مجال للرجوع إلى المرجحات المذكورة ، لو كانت في نفسها من المرجحات. نعم الحمل على الصحة ربما يقتضي انصراف الصحيح عن العامد. لكنه بدوي لا يعتد به. فالبناء على إلحاق العامد بغيره أقرب إلى العمل بالأدلة.

[١] قال في الجواهر : « ثمَّ إن ظاهر المتن والقواعد وغيرهما ـ يعني مما تضمن عدم صحة الإحرام لو تجاوز الميقات عمداً ـ بطلان الإحرام منه ولو للعمرة المفردة ، وحينئذ لا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٧. وقد تقدم ذلك في المسألة : ٢ من هذا الفصل.

٣١٣

العود الى الميقات. ولو لم يتمكن من العود ، ولا الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته.

( مسألة ٥ ) : لو كان مريضاً لم يتمكن من النزع ولبس الثوبين يجزيه النية والتلبية [١] ، فإذا زال عندها نزع‌

______________________________________________________

بل عن بعض الأصحاب : التصريح بذلك. لكن قد يقال : إن المراد بطلان الإحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري ، وإن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات ، بل قيل : إن الأصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقاً. ويمكن صرف ظاهر المتن وغيره اليه ولعله الأقوى ».

أقول : قد عرفت أن الأقوى وجوب الرجوع إلى الميقات الذي عبر عليه وان كان أمامه ميقات آخر. ولو بني على جواز الإحرام من الميقات الآخر الذي إمامه لا مجال لجعل المفروض منه ، إذ لا إطلاق يدل على أن ميقات العمرة المفردة أدنى الحل يشمل الفرض ، كي يرجع اليه فيه ، بل الأدلة فيه مختصة بغيره ، كما تقدم في الميقات العاشر. وحينئذ يتعين الأخذ بإطلاق التوقيت ، الشامل للعمرة المفردة. بل قد يشكل فيها في جواز الإحرام من موضعه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات ، لاختصاص النصوص المتقدمة بالحج ، أو به وبالعمرة المتمتع بها. اللهم إلا أن تلحق بها للأولوية.

[١] المحكي عن الشيخ في النهاية : أنه قال : « من عرض له مانع من الإحرام جاز له أن يؤخره عن الميقات ، فاذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه ». وعن ابن إدريس : أن مقصوده تأخير كيفية الإحرام الظاهرة ، من نزع الثياب ، وكشف الرأس ، والارتداء ، والتوشيح والائتزار. فأما النية والتلبية ـ مع القدرة عليهما ـ فلا يجوز له ذلك ، إذ‌

٣١٤

______________________________________________________

لا مانع له يمنع ذلك ، ولا ضرورة ، ولا تقية. وإن أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمداً من موضعه ، فيؤدي إلى إبطال حجه بلا خلاف ». وتبعه على ذلك العلامة في المختلف والتحرير والمنتهى ، على ما حكي. وقال في المسالك : « وإنما يجوز تأخيره عن الميقات لعذر إذا لم يتمكن من نيته أصلاً ـ وإن كان الفرض بعيداً ـ فلو تمكن منها وإنما تعذر عليه توابعه ـ من نزع المخيط ، ونحوه ـ وجب عليه الإحرام ، وأخر ما يتعذر خاصة ، إذ لا دخل له في حقيقة الإحرام ولا يسقط الممكن بالمتعذر ». والذي ذكره في الشرائع : أنه لو أخره عن الميقات لمانع ثمَّ زال المانع عاد إلى الميقات ، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال. وفي القواعد : « ولا يجوز تأخيره عنها إلا لعذر ، فيجب الرجوع مع المكنة ، ولا معها يحرم حيث زال المانع ». وفي الجواهر : « ذكر ذلك غير واحد ، مرسلين له إرسال المسلمات. وهو لا ينطبق على ما ذكره الشيخ ، ولا على ما ذكر ابن إدريس ، لظهوره في جواز تأخير نفس الإحرام ـ كما ذكره الشيخ ، خلافاً لابن إدريس ـ وفي وجوب الرجوع مع المكنة ، وهو خلاف ما ذكره الشيخ وابن إدريس.

والذي تقتضيه القواعد : هو ما ذكره ابن إدريس ومن تبعه ، بناء على أن لبس الثوبين ونزع المخيط ليس من شرائط الإحرام ـ كما سيأتي ـ لإمكان الإحرام للمعذور مع إمكان النية والتلبية ، فيجب ولا يجوز التأخير : والموجب للخروج عن القواعد هو مرسل أبي شعيب المحاملي ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (ع) قال : « إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم » (١). وما في صحيح صفوان المتقدم ، من قوله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

٣١٥

ولبسهما ، ولا يجب حينئذ عليه العود الى الميقات. نعم لو‌

______________________________________________________

« فلا تجاوز الميقات إلا من علة » (١). وفي الرياض : نفي البأس عما ذكر ابن إدريس ، لقوة دليله ، مع قصور الخبرين ـ بعد إرسال أحدهما ـ عن التصريح بخلافه. انتهى. لكن عدم التصريح بخلافه لا يمنع من الحجية مع الظهور. وأما خبر الاحتجاج ـ المتقدم في ميقات أهل العراق ـ فإنما تضمن إيقاع الإحرام بواجباته ـ من لبس الثوبين ، ونزع المخيط. ثمَّ يلبس الثياب ـ فهو غير ما نحن فيه ، فلا مجال للاستشهاد به على المقام. فالعمل بالصحيح متعين ، وحمله على العلة المانعة من النية بعيد جداً.

نعم ليس فيه تعرض لموقع الإحرام إذا زالت العلة وقد تجاوز الميقات محلا لأجلها. والمنصرف منه أنه يحرم عند زوال العلة ، لأن الواجب قطع تمام المسافة التي بين الميقات ومكة محرماً ، فاذا رخص للعلة ترك الإحرام في بعضها وجب الباقي ، فيتم حينئذ ما ذكره الشيخ (ره). ولو لم يتم الانصراف المذكور كان اللازم البناء على ما ذكر الجماعة ، من الرجوع إلى الميقات مع الإمكان ، ومع عدمه يحرم من مكانه. إلا أن يقال : إن ظاهر الصحيح : أن العلة مسقطة للإحرام من الميقات إلى آخره على نحو لا يرجع ، لا ما دامت. وحينئذ يتعين الرجوع إلى الأصل ، المقتضي للإحرام من أدنى الحل. نعم إذا كان قد تجاوز الحرم لم يبعد الرجوع إلى أدنى الحل ، كما يستفاد من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة ، الآتي بعضها في المسألة السادسة. وأما مرسل المحاملي فالاعتماد عليه ـ لإرساله ـ غير ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المواقيت حديث : ١. وقد تقدم في المسألة : ٢ هذا الفصل.

٣١٦

كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام ـ لمرض أو إغماء ـ ثمَّ زال وجب عليه العود الى الميقات إذا تمكن ، وإلا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن الا منه. وإن تمكن العود في الجملة وجب. وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره [١]. لمرسل جميل عن أحدهما (ع) : « في مريض أغمي عليه ، فلم يفق حتى أتى الموقف [٢]. قال (ع) : يحرم عنه رجل ». والظاهر أن المراد أنه يحرمه رجل ، ويجنبه عن محرمات الإحرام ، لا أنه ينوب عنه في الإحرام [٣]. ومقتضى هذا القول عدم وجوب‌

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو لم يتمكن من نية الإحرام ـ لمرض وغيره ـ أحرم عنه وليه ، وجنبه ما يتجنبه المحرم ». وحكي في كشف اللثام ذلك عن الأحمدي ، والنهاية ، والمبسوط ، والتهذيب ، والمهذب ، والجامع ، والمعتبر. وفي الدروس : « ولو جن في الميقات ، أو أغمي عليه أحرم عنه وليه ، وجنبه ما يتجنبه المحرم ».

[٢] في نسخة الكافي (١). وفي الوسائل رواه عن الكليني : « أغمي عليه حتى أتى الوقت » (٢) ، ورواه عن الشيخ : « أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت » (٣).

[٣] كما هو مذكور في القواعد وغيرها مما سبق ، أي : يحرم به‌

__________________

(١) في بعض نسخ الكافي : ( الوقت ) لا حظ الكافي الجزء ٤ الصفحة ٣٢٥ طبع إيران الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المواقيت حديث : ١ ، طبع إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المواقيت حديث : ٤. طبع إيران الحديثة ، باب : ٥٥ من أبواب الإحرام حديث : ٢ من الطبعة المذكورة. إلا أنه في الثاني جاء في الأصل : ( الموقف ) وكتب ( الوقت ) بعنوان : نسخة. وفي التهذيب ـ أيضاً ـ : ( الموقف ) لاحظ التهذيب الجزء ٥ الصفحة ٦٠ طبع النجف الأشرف‌

٣١٧

العود إلى الميقات بعد إفاقته وإن كان ممكناً. ولكن العمل به مشكل ، لإرسال الخبر ، وعدم الجابر [١]. فالأقوى العود مع الإمكان ، وعدم الاكتفاء به مع عدمه.

( مسألة ٦ ) : إذا ترك الإحرام من الميقات ـ ناسياً ، أو جاهلاً بالحكم ، أو الموضوع ـ [٢] وجب العود إليه مع الإمكان [٣]

______________________________________________________

رجل فيتولى النائب النية لا غير ، ويجنبه محرمات الإحرام ـ كما في الإحرام بالصبي ـ لا أن المراد : أن الإحرام يكون من النائب والأفعال تكون من المنوب عنه. إذ هو نظير قيام الطهارة بالنائب والصلاة بالمنوب عنه ، فان ذلك مما لا يقبل النيابة. ولذلك قال في المدارك : « وقد بينا فيما سبق : أن المراد بالإحرام عن غير المميز والمجنون الإحرام بهما ، لا كون الولي نائباً عنهما ».

[١] يظهر من الجماعة المتقدم ذكرهم الاعتماد عليه ، بل ظاهر المدارك : العمل به. وفي مرآة العقول للمجلسي ـ في شرح الحديث ـ : أنه مرسل كالحسن. وسيأتي ـ في المسألة الرابعة عشرة من فصل كيفية الإحرام ـ ما له نفع في المقام.

[٢] ليس في النصوص تعرض لحكم الفرض. لكن يمكن استفادته من النصوص الواردة في غيره. ولا سيما وكون الحكم إجماعياً.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ، نصاً وفتوى. كذا في الجواهر ، وعن المنتهى : « بلا خلاف فيه بين العلماء ». ويشهد له في الناسي : أحد صحيحي الحلبي (١) ، وفي الجاهل صحيح معاوية بن عمار (٢) ، وفيهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

٣١٨

______________________________________________________

صحيح الحلبي الآخر (١) ، المتقدمة كلها في المسألة الثانية. نعم في خبر أبي الصباح الكناني قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يخرج من الحرم ، ثمَّ يهل بالحج » (٢). وفي خبر سورة بن كليب قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام ، فلم تحرم حتى دخلها مكة ، ونسينا أن نأمرها بذلك. قال (ع) : فمروها فلتحرم من مكانها من مكة ، أو من المسجد » (٣). وفي صحيح ابن جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال (ع) : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك (ص) ، فقد تمَّ إحرامه. فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده ، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تمَّ حجه » (٤).

لكن يتعين حمله على صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات ، حملاً لها على ما سبق ، حملاً للمطلق على المقيد. بل صحيح ابن جعفر (ع) كالصريح في أن مورده صورة عدم التمكن من الرجوع إلى الميقات. نعم في خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال : « سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى إلى الحرم ، فأحرم قبل أن يدخله. قال (ع) : إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن [ فليلبي. خ ل ـ فليلب خ ل ] مكانه ليقضي ، فإن ذلك يجزيه إن شاء الله. وإن رجع إلى الميقات الذي يحرم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

٣١٩

ومع عدمه فإلى ما أمكن [١]. إلا إذا كان أمامه ميقات آخر.

______________________________________________________

منه أهل بلده فإنه أفضل » (١). فإنه صريح في عدم وجوب الرجوع إلى الميقات. ويتعين حينئذ طرحه ، لعدم القائل به ـ كما في الجواهر ـ ولا سيما مع ضعفه في نفسه.

[١] في المسالك : « في وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجه » ونسب إلى بعض. ويشهد له ما في صحيح معاوية بن عمار ـ المتقدم في المسألة الثانية ـ من قوله (ع) : « فلترجع إلى ما قدرت عليه ، بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها » (٢). واستدل له في المسالك : بقاعدة الميسور. وقد يشكل : بأنه خلاف ظاهر إطلاق النصوص ، المتضمنة : أنه يحرم من مكانه ، أو بعد ما يخرج من الحرم. فان الحمل على صورة عدم إمكان الرجوع ـ في الجملة ـ بعيد ـ ولأجل ذلك قال في المدارك : « في وجوب العود الى ما أمكن من الطريق وجهان ، أظهرهما العدم للأصل. ولظاهر الروايات المتضمنة لحكم الناسي ». لكن الأصل لا مجال له مع الدليل. وظهور روايات الناسي مقيد بالصحيحة لو تمَّ عدم الفصل ، ولو لم يتم لا يدل على حكم الجاهل. فالعمدة ما ذكرنا ، من صعوبة التقييد جداً. فلاحظ صحيح عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي ـ أو جهل ـ فلم يحرم حتى أتى مكة ، فخاف إن رجع الى الوقت أن يفوته الحج. فقال (ع) : يخرج من الحرم ويحرم ، ويجزيه ذلك » (٣) ونحوه غيره ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

٣٢٠