مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

بدعوى : أن المراد من القابل فيه : العام القابل [١] ، فيدل على جواز إيقاع العمرة في سنة والحج في أخرى ، لمنع ذلك بل المراد منه الشهر القابل [٢]. على أنه لمعارضة الأدلة السابقة غير قابل. وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في عام وأخر الحج الى العام الآخر لم يصح تمتعاً. سواء أقام في مكة إلى العام القابل ، أو رجع الى أهله ثمَّ عاد إليها. وسواء أحل من إحرام عمرته ، أو بقي عليه إلى السنة الأخرى. ولا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه الصورة [٣]. ثمَّ المراد من كونهما في سنة واحدة : أن يكونا معاً في أشهر الحج من سنة واحدة ، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني عشر‌

______________________________________________________

وإن وردت عليها المناقشات ، لكن يستفاد من المجموع ـ ومن ظهور الإجماع ـ الحكم المذكور.

[١] يعني يكون المراد من قوله (ع) : « فعليه شاة » أن حجه تمتع ، والمراد من الشاة الهدي.

[٢] وحينئذ يكون المقصود أن حجة تمتع ، لأن إقامته بعد العمرة شهراً لا يخرجه عن كونه من أهل الأمصار ، بخلاف ما إذا أقام أكثر من ذلك ـ كما في الصورة الثانية ـ فإنه لا يكون من أهل الأمصار. وهذا أيضاً مخالف للنصوص والفتاوى ـ كما تقدم ـ فالإشكال على الخبر ـ من جهة المخالفة للنصوص والفتوى ـ وارد على كل حال. والحمل على الشهر لا قرينة عليه توجب الخروج عن الظاهر.

[٣] قال في الدروس : « لو أتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع.

٢٠١

شهراً. وحينئذ فلا يصح ـ أيضاً ـ لو أتى بعمرة التمتع في أواخر ذي الحجة من العام القابل.

الرابع : أن يكون إحرام حجه من بطن مكة ، مع الاختيار [١]. للإجماع ، والاخبار [٢].

______________________________________________________

نعم لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء ». هذا ولا يخفى أنه لا يظهر الفرق بين هذه الصورة وغيرها. إلا أن في هذه الصورة تكون العمرة والحج في سنة واحدة ، وإن لم يكن الشروع فيها في سنة الحج. لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بينها في مقتضى الأدلة المذكورة ، ولا في المخالفة للارتكازيات الشرعية.

[١] نسبه في المدارك إلى إجماع العلماء ، وكذا حكي عن المفاتيح وشرحها وغيرها. لكن يظهر من قول المحقق في الشرائع : « ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجز ـ ولو دخل مكة ـ على الأشبه ـ وقوع الخلاف فيه. لكن لم يعرف المخالف ، ولم يعرف ذلك لغيره.

[٢] استدل له بصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي الآتية (١). ودلالتها على خصوص مكة لا تخلو من خفاء. وبصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا كان يوم التروية ـ إن شاء الله تعالى ـ فاغتسل ، ثمَّ البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ثمَّ صل ركعتين عند مقام إبراهيم (ع) أو في الحجر ، ثمَّ اقعد حتى تزول الشمس ، فصل المكتوبة ، ثمَّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج » (٢). ونحوها غيرها. لكن لاشتمالها على‌

__________________

(١) سيأتي ذكر الرواية من المصنف ( قده ) قريباً.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الإحرام حديث : ١.

٢٠٢

وما‌ في خبر إسحاق [١] عن أبي الحسن (ع) ، من قوله (ع) : « كان أبي مجاوراً هاهنا ، فخرج يتلقى بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ، ودخل وهو محرم بالحج » حيث أنه ربما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة ، محمول على محامل [٢] ، أحسنها : أن

______________________________________________________

المستحبات لا مجال لدلالتها على الوجوب. وصحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال (ع) : لا. قلت : فالقاطنين بها؟ قال (ع) : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة. فإذا أقاموا شهراً فان لهم أن يتمتعوا. قلت : من أين؟ قال (ع) : يخرجون من الحرم. قلت : من أين يهلون بالحج؟ فقال (ع) : من مكة نحواً مما يقول الناس » (١). ونحوها خبر حماد (٢). وقد تقدما في حكم المقيم بمكة سنتين. لكن ذيلها ربما يوجب الإشكال في دلالتها.

[١] رواه عنه صفوان بطريق صحيح قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ، ثمَّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق ، أو إلى بعض المعادن. قال (ع) : يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج. قلت : فان دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال (ع) : كان أبي مجاوراً هاهنا ، فخرج يتلقى بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ، ودخل وهو محرم بالحج » (٣).

[٢] منها : أنه (ع) أحرم مفرداً لا متمتعاً. ومنها : الحمل على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨.

٢٠٣

المراد بالحج عمرته ، حيث أنها أول أعماله [١]. نعم يكفي أي موضع منها كان ولو في سككها. للإجماع ، وخبر عمرو ابن حريث عن الصادق (ع) : « من أين أهل بالحج؟ فقال : إن شئت من رحلك ، وإن شئت من المسجد ، وإن شئت من الطريق » (١). وأفضل مواضعها المسجد [٢] ، وأفضل مواضعه المقام ، أو الحجر [٣].

______________________________________________________

التقية. ومنها : أنه يحرم ـ في مورد السؤال ـ وجوباً أو استحباباً ، ثمَّ يجدده بمكة. ولكن الحمل على التقية في فعل الصادق (ع) خلاف نقل الكاظم (ع). ولا سيما مع تعبيره عن المخالفين بـ : ( بعض هؤلاء ) الظاهر في التوهين. وأما الحمل على الافراد فلا يناسب الجواب عن السؤال عن المتمتع. وأما الحمل على التجديد فبعيد عن إطلاق الحكم في الجواب.

[١] فيه تأمل ، فإن الرواية كالصريحة في أن الإحرام كان بالحج مقابل العمرة. ولا سيما بقرينة التعليل : بأن لكل شهر عمرة. فتعيين الأسهل من هذه المحامل صعب جداً. ولو أمكن تخصيص الأدلة الأول بهذا وإخراج مورده منها كان هو المتعين.

[٢] اتفاقاً ، كما في المدارك ، وعن الحدائق وغيرها.

[٣] مخيراً بينهما. حكي عن الهداية ، والفقيه. والنافع ، والمدارك ، لصحيح معاوية بن عمار المتقدم (٢). وعن النافع والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس وموضع من القواعد : التخيير بين المقام وتحت الميزاب. وفي الشرائع : الاقتصار على المقام ، ومثله جملة من الكتب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب المواقيت حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب الإحرام حديث : ١. وقد تقدم ذكر الرواية قريباً.

٢٠٤

وقد يقال : أو تحت الميزاب [١]. ولو تعذر الإحرام من مكة أحرم مما يتمكن [٢]. ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجه. ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد ، بل يجب أن يجدده ، لأن إحرامه من غيرها كالعدم. ولو أحرم من غيرها ـ جهلاً ، أو نسياناً ـ وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدده في مكانه [٣].

______________________________________________________

وفي الإرشاد : الاقتصار على ما تحت الميزاب.

[١] لا يخفى أن ما تحت الميزاب بعض من الحجر ، فلا معنى للتخيير بينه وبينه. فالمراد التخيير بين المقام وما تحت الميزاب ـ كما تقدم عن الجماعة ـ فهو عدل للمقام بدلاً عن الحجر.

[٢] لصحيحة علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك ، فقد تمَّ إحرامه. فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تمَّ حجه » (١). وموردها وإن كان خصوص الناسي ، لكن المفهوم منه مطلق العذر. مضافاً إلى الإجماع.

[٣] اختاره في الشرائع وغيرها. وعن الشيخ في الخلاف : الاجتزاء بإحرامه الأول. قال في كشف اللثام : « للأصل. ومساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة ، وفي العذر ، لأن النسيان عذر. وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المواقيت حديث : ٨.

٢٠٥

الخامس : ربما يقال : إنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته وحجه من واحد ، وعن واحد [١]. فلو استؤجر اثنان‌

______________________________________________________

الأقوى ، وخيرة التذكرة ». وأشكل عليه في الجواهر : بأن الأصل يقتضي الفساد ، لا الصحة. وأما دعوى المساواة فلا ريب أنها قياس ، والمصحح للإحرام المستأنف إنما هو الإجماع على الصحة معه ، وليس النسيان مصححاً له حتى يتعدى به إلى غيره ، وإنما هو عذر في عدم وجوب العود وهو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيث ما وقع ، بل إنما يوجب الرجوع إلى الدليل ، وليس هو سوى الاتفاق ، ولم ينعقد إلا على الإحرام المستأنف ..

أقول : إذا كان الواجب هو الإحرام بمعنى المسبب ـ أعني : الأثر الخاص ـ فالشك في الشرط شك في الفراغ ، والمرجع : أصالة الفساد. وإن كان الواجب هو السبب فالشك في الشرط شك في الوجوب ، والمرجع أصالة البراءة. هذا إذا لم يكن إطلاق يدل على الشرطية في حال النسيان وإلا كان هو المرجع ، ولا مجال للرجوع إلى الأصل. وقد عرفت الإشكال في دلالة النصوص على شرط الإحرام من مكة ، وأن العمدة هو الإجماع. وعلى تقدير تمامية الإطلاق فما دل على عذر الناسي إنما دل على مجرد العذر في الترك ، لا صحة الإحرام ، فالبناء على الصحة يحتاج إلى الدليل ، وهو مفقود كما ذكر في الجواهر.

[١] حكاه في الجواهر عن بعض الشافعية ، وذكر : أن ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة المتقدمة ، وهو كون الحج والعمرة عن شخص واحد ، فلو كان الحج عن شخص والعمرة عن آخر لم يصح. فيمكن أن يكون ذلك منهم اتكالاً على معلومية كون‌

٢٠٦

لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته والآخر لحجة لم يجزئ عنه. وكذا لو حج شخص ، وجعل عمرته عن شخص ، وحجه عن آخر لم يصح. ولكنه محل تأمل ، بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) صحة الثاني [١] ، حيث‌ قال : « سألته عن رجل يحج عن أبيه ، أيتمتع؟ قال :

______________________________________________________

التمتع عملاً واحداً عندهم ، ولا وجه لتبعيض العمل الواحد. ويمكن أن لا يكون شرطاً عندهم ، لعدم الدليل على الوحدة المزبورة ..

أقول : لا ريب في ظهور النصوص في كون عمرة التمتع وحجه من قبيل العمل الواحد ، فلا بد من وقوعهما عن شخص واحد ، فالاحتمال الأخير ضعيف. وأما نيابة شخصين عن واحد ، أحدهما في العمرة والآخر في الحج ، فيتوقف على دليل على صحة مثل هذه النيابة ، وهو مفقود ، إذ الأصل عدم صحة النيابة. وأما الارتباطية فلا تمنع عن ذلك.

[١] لا يخفى أن قول السائل في الخبر : « أيتمتع » يحتمل أن يكون المراد منه : أن يحج حج التمتع عن أبيه. ويحتمل أن يكون المراد منه : أنه يتمتع لنفسه ، زائداً على حج التمتع مع عمرته عن أبيه. وأن يكون المراد : أنه يحج عن أبيه بلا عمرة ، ويتمتع لنفسه بلا حج. والأول أنسب بعبارة السؤال ، والأخيران أنسب بالجواب. بل قوله (ع) في الجواب : « المتعة له ، والحج عن أبيه » كالصريح في غيره ، وحمله على المعنى الأخير غير واضح. وكأنه لذلك لم يجزم المصنف (ره) بظهور الخبر. والانصاف : أنه على تقدير الظهور لا مجال للأخذ به في مقابل النصوص الدالة على الارتباط.

٢٠٧

نعم المتعة له ، والحج عن أبيه » (١).

( مسألة ٢ ) : المشهور أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج [١] ، وأنه إذا أراد ذلك ، عليه أن يحرم بالحج فيخرج محرماً به ، وإن خرج محلا ورجع بعد شهر فعليه أن يحرم بالعمرة. وذلك لجملة‌

______________________________________________________

[١] في المدارك : أن المشهور ذلك إذا كان الخروج محتاجاً الى تجديد العمرة ، بأن كان الرجوع بعد شهر. وعن الشيخ ـ في النهاية ـ وجماعة : أنهم أطلقوا المنع ، كما في المتن. ويدل عليه النصوص الكثيرة. منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت له : كيف أتمتع؟ قال (ع) : تأتي الوقت فتلبي .. ( إلى أن قال ) : وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج » (٢) ، ومصحح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) : « من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة إلى عسفان ، أو إلى الطائف ، أو إلى ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبياً بالحج. فلا يزال على إحرامه فإن رجع إلى مكة رجع محرماً ، ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى. قلت : فان جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ، ثمَّ رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال (ع) : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً. قلت : فأي الإحرامين والمتعتين متعته ، الأولى أو الأخيرة؟؟

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

٢٠٨

من الأخبار الناهية عن الخروج ، والدالة على أنه مرتهن ومحتبس بالحج [١] ، والدالة على أنه لو أراد الخروج خرج ملبياً بالحج ، والدالة على أنه لو خرج محلا ، فان رجع في شهره دخل محلا ، وان رجع في غير شهره دخل محرماً. والأقوى عدم حرمة الخروج وجوازه محلا. حملاً للأخبار‌

______________________________________________________

قال (ع) : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته » (١) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال (ع) : « تمتع ، فهو والله أفضل. ثمَّ قال : إن أهل مكة يقولون : إن عمرته عراقية وحجته مكية. كذبوا ، أليس هو مرتبطاً بالحج لا يخرج حتى يقضيه؟! » (٢) ، ولصحيح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج ، يريد الخروج إلى الطائف قال (ع) : يهل بالحج من مكة. وما أحب أن يخرج منها إلا محرماً ، ولا يتجاوز الطائف. إنها قريبة من مكة » (٣) ، وخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل قدم متمتعاً ثمَّ أحل قبل يوم التروية ، أله الخروج؟ قال : لا يخرج حتى يحرم بالحج ، ولا يجاوز الطائف وشبهها » (٤). ونحوها غيرها.

[١] في مرسل موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا. « أنه سأل أبا جعفر (ع) في عشر من شوال ، فقال : إني أريد أن أفرد عمرة هذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١١.

٢٠٩

على الكراهة ـ كما عن ابن إدريس رحمه‌الله وجماعة أخرى [١] ـ بقرينة التعبير بـ : ( لا أحب ) في بعض تلك الاخبار [٢]. وقوله (ع) في مرسلة الصدوق ( قده ) [٣] : « إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك ، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه. الا أن يعلم أنه لا يفوته الحج ».

______________________________________________________

الشهر. فقال : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : إن المدينة منزلي ومكة منزلي ، ولي بينهما أهل وبينهما أموال. فقال أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : فإن لي ضياعاً حول مكة ، واحتاج إلى الخروج إليها. فقال (ع) : تخرج حلالاً ، وترجع حلالاً الى الحج » (١). وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : كيف أتمتع فقال (ع) : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فاذا أتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء. وهو محتبس ، وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج » (٢).

[١] حكى في كشف اللثام ذلك عن السرائر ، والنافع ، والمنتهى ، والتذكرة ، وموضع من التحرير ، وظاهر التهذيب ، وموضع من النهاية والمبسوط.

[٢] تقدم في صحيح الحلبي.

[٣] قال (ره) في الفقيه : « قال الصادق (ع) : إذا أراد .. » إلى آخر ما ذكر في المتن. ثمَّ قال : « وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا ، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً .. » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٠.

٢١٠

ونحوه الرضوي‌ (١) ، بل وقوله (ع) في مرسل أبان [١] : « ولا يتجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة ». إذ هو وإن كان بعد قوله : « فيخرج محرماً ». إلا أنه يمكن أن يستفاد منه : أن المدار فوت الحج وعدمه [٢]. بل يمكن أن يقال :

______________________________________________________

[١] يريد به أبان بن عثمان ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج. إلا أن يأبق غلامه ، أو تضل راحلته فيخرج محرماً ، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة » (٢).

[٢] هذه الاستفادة بعيدة جداً ، كيف ولو كان المقصود ذلك لم تكن حاجة الى الجمل المتتابعة السابقة ، المتضمنة للمنع من الخروج إلا للضرورة ، وأنه على تقدير الضرورة إلى الخروج فلا يخرج محلا؟ وكان اللازم الاقتصار على قوله (ع) : « المتمتع محتبس لا يجوز له تفويت الحج » وأما مرسل الصدوق فلم تقم حجة على حجيته ، كي لأجله ترفع اليد عن ظاهر النصوص المتقدمة المتأكدة الدلالة. وهذا النوع من مرسلات الصدوق (ره) وإن كان أقوى من النوع الآخر. المعبر فيه بمثل : « عن الصادق (ع) » ، أو « عن الكاظم (ع) » لكنه ما دام الخبر مستنداً إلى مقدمات حدسية اجتهادية لا مجال للاعتماد عليه. لا سيما مع احتمال كونها نظرية خفية جداً ، كما لا يخفى. وأما الرضوي‌ فأوضح إشكالاً من المرسل. وأما قوله (ع) في صحيح الحلبي : « لا أحب » فدلالته على الجواز خفية ، وصلاحيته لمعارضة ما دل على وجوب الخروج محرماً ـ كما‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٩.

٢١١

أن المنساق من جميع الأخبار المانعة أن ذلك للتحفظ عن عدم إدراك الحج وفوته [١] ، لكون الخروج في معرض ذلك. وعلى هذا فيمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحج منه [٢]. نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود ، أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج. ثمَّ الظاهر أن الأمر بالإحرام ـ إذا كان رجوعه بعد شهر ـ إنما هو من جهة أن لكل شهر عمرة [٣] ، لا أن يكون ذلك تعبداً ، أو لفساد عمرته السابقة ، أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكة. بل هو صريح‌ خبر إسحاق بن عمار قال : « سألت أبا

______________________________________________________

ذكره المصنف (ره) ـ غير ظاهرة.

نعم مرسل موسى بن القاسم دلالته على جواز الخروج محلا واضحة. لكن الإشكال في سنده. ومن ذلك يشكل البناء على ذلك ، كما اختاره المصنف. ولذلك ذكر في كشف اللثام : أن الأحوط القصر على حال الضرورة ـ يعني : في الخروج ـ وأن لا يخرج معها إلا محرماً بالحج. إلا أن يتضرر بالبقاء على الإحرام ، لطول الزمان. خروجاً عن مخالفة الأخبار المطلقة ..

[١] الإشكال فيه كالإشكال فيما سبق في مرسل أبان. فلاحظ.

[٢] إذ الكراهة ـ بناء على التقريب الأول ـ كانت من جهة الجمع بين نصوص المنع ونصوص الجواز ، فاذا كانت النصوص في نفسها قاصرة الدلالة لا منشأ للحكم بالكراهة.

[٣] هذا شروع في مسألة أخرى ، وهي : أنه لو خرج المعتمر من‌

٢١٢

الحسن (ع) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ، ثمَّ تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة ، أو الى ذات عرق ، أو الى بعض المنازل قال (ع) : يرجع الى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج .. » (١) وحينئذ فيكون الحكم بالإحرام ـ إذا رجع بعد شهر ـ على وجه الاستحباب لا الوجوب ، لأن العمرة ـ التي هي وظيفة كل شهر ـ ليست واجبة. لكن في جملة من الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده [١] ، كصحيحتي حماد‌ وحفص بن البختري‌

[٢] ، ومرسلة الصدوق والرضوي

______________________________________________________

مكة محلا ـ إما للبناء على جواز ذلك ، كما يراه المصنف. أو للضرورة. أو جهلاً ، بناء على المنع ـ فهل يجب عليه الإحرام للدخول إلى مكية بعمرة أخرى أو لا يجب؟ اختار المصنف (ره) الثاني. اعتماداً على ظاهر تعليل الأمر بالعمرة بأن لكل شهر عمرة ، فإن الحكم المذكور لما كان استحبابياً تعين صرف ظاهر الأمر إلى الاستحباب.

[١] ومقتضاه أن الأمر بالاعتمار ليس للتعليل المتقدم. لأن شهر الخروج قد لا يكون شهر الاعتمار ، بل يكون بعده بشهر.

[٢] صحيح حماد تقدم (٢). أما صحيح حفص فلا تعرض فيه لذلك ، فقد روى عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل قضنى متعته وعرضت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢. وقد تقدم ذلك قريباً في أوائل المسألة فلاحظ.

٢١٣

وظاهرها الوجوب [١]. إلا أن تحمل على الغالب ، من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل [٢]. لكنه بعيد [٣] ، فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج.

______________________________________________________

له حاجة أراد أن يمضي إليها. فقال (ع) : فليغتسل ، وليهل بالحج ، وليمض في حاجته. فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى إلى عرفات » (١) نعم في مرسل حفص وأبان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم. قال (ع) : إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام » (٢).

[١] ولا مجال لحكومة التعليل المتقدم على ظاهرها ، لاختلاف مورد التعليل مع موردها.

[٢] وحينئذ تتحد مورداً مع مورد التعليل ، فتحمل ـ لأجله ـ على الاستحباب ، كمصحح إسحاق. لكن في كون ذلك هو الغالب منعاً واضحاً.

[٣] لو سلم أنه قريب فلا مجال له ، إذ لا شاهد عليه. مع أن الخروج إذا كان بلا فصل عن الإحلال لم يجد ذلك في صدق شهر الخروج على شهر التمتع بل يتوقف ذلك على الاقتران ، كما لا يخفى. ومنه يظهر : أنه لا يصدق شهر التمتع إلا إذا كان التمتع فيه ولو بعضه ، فلا يصح أن يكون مبدؤه من حين الإحلال.

ثمَّ إن العمدة في النصوص الأخيرة هو مصحح حماد بن عيسى ، إذ الباقي مراسيل لا يعتد بها. ويمكن الجمع بينه وبين مصحح إسحاق باختلاف الجهة ، فإن التنافي إنما يكون في الرجوع بعد شهر التمتع ، وبعد شهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب الإحرام حديث : ٤.

٢١٤

______________________________________________________

الخروج. إذ مقتضى المصحح الأول الوجوب ، ومقتضى المصحح الثاني الاستحباب. لكن لا مانع من كونه مستحباً من جهة وواجباً من جهة. وهذا الجمع أولى من الجمع بتقييد إطلاق الثاني بالأول.

والمصنف (ره) لم يعتقد بذلك كله ، وتوقف عن الحكم بالوجوب والاستحباب في صورة ما لو كان الرجوع بعد أشهر الخروج. وكأنه لظهور كلام الأصحاب في أن الشهر ـ الذي أخذ شرطاً لوجوب الإحرام ـ واحد عندهم ، وإنما الخلاف في مبدئه. ولذا قال في الذخيرة ـ في شرح قول ماتنه : « يجب الإحرام على كل من دخل مكة ، إلا من دخلها بعد الإحرام قبل شهر » ـ : « لا أعلم خلافاً بين الأصحاب في أصل الحكم ، ولكن اختلفوا في مبدأ اعتبار الشهر ، فذهب جماعة من الأصحاب إلى أن مبدأه من وقت الإحلال من الإحرام المتقدم. واستشكل المصنف في القواعد اعتباره من حين الإحلال أو الإحرام. وقال المحقق في النافع. « ولو خرج بعد إحرامه ثمَّ عاد في شهر خروجه أجزأه ، وإن عاد في غيره أحرم ثانياً ». وقريب منه المفيد في المقنعة ، والشيخ في النهاية .. » ثمَّ ذكر اختلاف الأخبار المشار إليها في المتن.

وفي الجواهر أطال في بيان أن الشهر ـ الذي يجب الإحرام بعده ـ هو شهر الخروج ، لا شهر المتعة الأولى. واستدل بالنصوص المشار إليها ، وأيدها بما تقدم في الذخيرة عن النافع والمقنعة وغيرهما ، وطعن في مصحح إسحاق بالإجمال والاشكال ، لما في ذيله من الإحرام من الميقات في حج التمتع. فراجع كلامه في آخر مباحث الإحرام ، في حكم دخول مكة. والانصاف يقتضي ما عرفت ، من أن العمدة المصححان ، والجمع بينهما ممكن عرفاً بما عرفت. فلاحظ ، وتأمل.

٢١٥

بل القدر المتيقن من جواز الدخول محلا صورة كونه قبل مضي شهر من حين الإهلال ، أي الشروع في إحرام العمرة والإحلال منها ، ومن حين الخروج. إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة : ثلاثون يوماً من حين الإهلال ، وثلاثون من حين الإحلال ـ بمقتضى خبر إسحاق بن عمار‌ ـ وثلاثون من حين الخروج ، بمقتضى هذه الأخبار. بل من حيث احتمال كون المراد من الشهر ـ في الأخبار هنا ، والاخبار الدالة على أن لكل شهر عمرة ـ الأشهر الاثني عشر المعروفة ، لا بمعنى ثلاثين يوماً [١]. ولازم ذلك : أنه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور ، فخرج ودخل في شهر آخر ، أن يكون عليه عمرة. والأولى مراعاة الاحتياط من هذه الجهة أيضاً.

وظهر مما ذكرنا أن الاحتمالات ستة : كون المدار على الإهلال ، أو الإحلال ، أو الخروج. وعلى التقادير فالشهر إما بمعنى ثلاثين يوماً ، أو أحد الأشهر المعروفة. وعلى أي‌

______________________________________________________

[١] قد يشهد به الموثق ـ الذي رواه في الجواهر ـ المتقدم في مبحث العمرة (١). لكن عرفت أنه لم نقف على روايته لغيره. وقد يستفاد من إطلاق الشهر ، فان حمله على المقدار في كثير من المقامات ـ مثل شهر العدة ، وشهر صوم التتابع ، وغير ذلك ـ لا يقتضي حمله في المقام عليه ، لأنه خلاف الأصل. وفيه : أنه متين ، لو لا اشتمال رواية الشهر على العشرة أيام ، فإن الظاهر منها : أن ذكر الشهر من باب التقدير ، لا بالمعنى الأصلي له ،

__________________

(١) راجع صفحة : ١٤٥ من هذا الجزء.

٢١٦

حال ، إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر ـ ولو قلنا بحرمته ـ لا يكون موجباً لبطلان عمرته السابقة [١] ، فيصح حجه بعدها. ثمَّ إن عدم جواز الخروج ـ على القول به ـ إنما هو في غير حال الضرورة ، بل مطلق الحاجة. وأما مع الضرورة أو الحاجة ، مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجاً عليه ، فلا اشكال فيه [٢]. وأيضاً الظاهر اختصاص‌

______________________________________________________

وهو ما بين الهلالين. فلاحظ.

[١] قال في الجواهر : « ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالاً بعد شهر ولو آثماً ، فهل له الإحرام بالحج ثانياً على عمرته الأولى ، أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهراً؟ ولكن الذي يقوى في النظر : الأول ، لعدم الدليل على فسادها ». ويشكل : بأنه يتوقف على كون الأمر بالإحرام تكليفياً ، فلو حمل على الوضعي وأن شرط الحج أن يعتمر ، كان دالاً على بطلان العمرة الأولى والاحتياج إلى الثانية.

وهذا المعنى ليس بعيداً فهمه من النصوص المذكورة ، بملاحظة أن الأمر والنهي ـ في أمثال هذه الموارد ـ إرشادي الى الشرطية والمانعية. ولا ينافيه ما دل على أنه إذا رجع قبل شهر جاز له الدخول محلا ـ كمصحح حماد بن عيسى المتقدم ـ (١) ، لإمكان اختصاص البطلان بخصوص صورة وجوب الإحرام للعمرة. ولا سيما بملاحظة ما دل على أن عمرته الثانية ، فيدل على أن الأولى ليس عمرة تمتعه. وبالجملة : مقتضى النصوص ينبغي أن يكون عدم الاجتزاء بعمرته الأولى. فلاحظ ، وتأمل.

[٢] كما نص على ذلك في كشف اللثام وغيره. لعموم دليل نفسي‌

__________________

(١) تقدم ذكره في أول المسألة.

٢١٧

المنع ـ على القول به ـ بالخروج إلى المواضع البعيدة ، فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين [١]. بل يمكن أن يقال : باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم. وان كان الأحوط خلافه. ثمَّ الظاهر أنه لا فرق ـ في المسألة ـ بين الحج الواجب‌

______________________________________________________

الحرج والضرر. ولكنه كأنما يقتضي الجواز ، ولا يقتضي الصحة. نعم في مصحح إسحاق المتقدم في المتن ـ الذي مورده مطلق الحاجة ـ أنه يخرج محلا ، وكفى به دليلاً على الجواز. ويؤيده مرسل موسى بن القاسم (١).

[١] لم أقف على من تعرض لذلك صريحاً ، بل مقتضى إطلاق الخروج ـ في النصوص والفتاوى ـ المنع عن الخروج عن مكة وحدودها. نعم مقتضى تقييد جماعة المنع من الخروج بما إذا احتاج إلى تجديد العمرة ، الاختصاص بصورة الخروج عن الحرم ، فإنه المحتاج إلى تجديد العمرة. ولذلك ذكر في كشف اللثام ـ في تفسير عبارة القواعد : « فلا يجوز له الخروج من مكة إلى حيث يفتقر الى تجديد عمرة قبله .. » ـ فقال : « بأن يخرج من الحرم محلا غير محرم بالحج ، ولا يعود إلا بعد شهر ». لكن ذلك لا يجري في كلام من أطلق المنع ، تبعاً لإطلاق النصوص. مع أن تخصيص حرمة دخول مكة بغير إحرام بمن كان خارج الحرم غير ظاهر ، وإن كان ظاهر المدارك والجواهر المفروغية منه. ولعله يأتي ـ إن شاء الله ـ التعرض له.

وأشكل من ذلك : ما في بعض الحواشي ، من التحديد بالمسافة ، فيجوز الخروج إلى ما دونها. إذ لا مأخذ له ، لا في النصوص ، ولا في الفتاوى. نعم في صحيحة أبي ولاد ـ الواردة في المقيم عشرة أيام إذا عدل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣.

٢١٨

والمستحب [١] ، فلو نوى التمتع مستحباً ثمَّ أتى بعمرته يكون مرتهناً بالحج ، ويكون حاله في الخروج محرماً أو محلا والدخول كذلك كالحج الواجب. ثمَّ إن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلا ودخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع [٢] ، وأما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام ، إلا مثل الحطاب والحشاش ونحوهما. وأيضاً سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر إنما هو على وجه الرخصة ـ بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين [٣] ـ فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضاً. ثمَّ إذا دخل بإحرام ، فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة؟ مقتضى حسنة حماد‌ : أنها الأخيرة ، المتصلة بالحج [٤]. وعليه لا يجب فيها طواف

______________________________________________________

عن الإقامة بعد الصلاة تماماً ـ : أنه يتم إلى أن يخرج (١) ، والمراد من الخروج فيه السفر. لكن مقايسة المقام به غير ظاهرة.

[١] كما يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوى.

[٢] إذا كانت وظيفته التمتع. وإلا يكفي مطلق العمرة ولو كانت مفردة ، يستفاد ذلك من مصحح إسحاق المتقدم (٢).

[٣] على ما تقدم في مبحث العمرة.

[٤] قد صرح فيها بأن متعته الأخيرة. فراجع متنها ، المتقدم في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب صلاة المسافر حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨. وقد تقدم ذلك في أوائل المسألة.

٢١٩

النساء. وهل يجب حينئذ في الأولى أو لا؟ وجهان أقواهما نعم [١]. والأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية. ثمَّ الظاهر أنه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع ، قبل الإحلال منها [٢].

( مسألة ٣ ) : لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل الى غيره من القسمين الآخرين اختياراً. نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج جاز له نقل النية الى الافراد ، وأن يأتي بالعمرة بعد الحج. بلا خلاف ولا إشكال [٣]. وإنما‌

______________________________________________________

أول المسألة. ولأجله صرح بذلك جماعة ، منهم : الفاضلان في الشرائع والقواعد. وفي كشف اللثام : « ولعله اتفاقي .. ».

[١] قال في كشف اللثام : « وهل عليه طواف النساء للأولى؟احتمال ـ كما في الدروس ـ من انقلابها مفردة. ومن إحلاله منها بالتقصير وربما أتى النساء قبل الخروج ، ومن البعيد جداً حرمتهن عليه بعده من غير موجب. وهو أقوى .. ». ووجه القوة : ليس إلا مجرد استبعاد الحرمة بعد التحليل. وهو كما ترى ، إذ لا مانع من هذا الانقلاب. ولا سيما وكونه انقلاباً في الحكم الظاهري ، فإن الأولى كانت محكومة بأنها عمرة تمتع في الظاهر ، وبعد انفصالها عن الحج انكشف أنها مفردة من أول الأمر.

[٢] لاختصاص النصوص المانعة بمن أتم عمرة التمتع ، والمرجع في غيره الأصل المقتضي للجواز ، وربما يوجد في بعض النصوص أن موضوع المنع من دخل مكة. لكن القرائن فيه وفي غيره تقتضي الاختصاص بمن فرغ من العمرة.

[٣] وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ».

٢٢٠