مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

ويجب أيضاً لدخول مكة [١] ، بمعنى : حرمته بدونها [٢] ،

______________________________________________________

لعموم صحة النذر ، واليمين ، والعهد ، والشرط ، والعقد. والمراد من الإفساد ، إما إفساد نفس العمرة ، فإن من أفسد عمرته وجب عليه الاعتمار ثانياً ، على ما قطع به الأصحاب ـ كما في المستند ـ أو إفساد الحج ، فيجب الاعتمار بفعله ثانياً ، أو يجب عليه التحلل من إحرامه بعمرة ـ كما في سابقة ـ وإن كان لا يخلو من إشكال ، أو منع.

[١] فإنه لا يجوز دخولها بعد إحرام. إجماعاً ونصوصاً. قال في المدارك : « أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا إحرام عدا ما استثني .. ». وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده .. ». ويشهد به بعض النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يكون مريضاً ، أو به بطن » (١) ، وصحيح البزنطي عن عاصم بن حميد : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يدخل الحرم أحد إلا محرماً؟ قال (ع) : إلا مريض ، أو مبطون » (٢). ونحوهما غيرهما.

[٢] فيكون وجوب الاعتمار عقلياً للتخلص من الحرام ، لا شرعي كما ينسبق الى الذهن من عبارة جماعة ، حيث عبروا : بأنه تجب العمرة لدخول مكة. بل قال في المدارك : « ولا يخفى أن الإحرام إنما يوصف بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا كان شرطاً غير واجب ، كوضوء النافلة. ومتى أخل الداخل بالإحرام أثم ، ولم يجب قضاؤه .. ». وتبعه عليه غيره. وصرح في المستند بالوجوب الشرعي مع وجوب الدخول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٠ من أبواب الإحرام حديث : ١.

١٤١

فإنه لا يجوز دخولها إلا محرماً ، إلا بالنسبة الى من يتكرر دخوله وخروجه ، كالحطاب ، والحشاش [١]. وما عدا ما ذكر مندوب.

______________________________________________________

لوجوب مقدمة الواجب شرعاً.

لكن عرفت : أن الوجوب في المقام عقلي للتخلص من الحرام ، لا شرعي من باب وجوب مقدمة الواجب ، إذ لا مقدمية بين الإحرام ودخول مكة ، سواء أكان المراد به الدخول الخارجي أم الدخول بما هو موضوع للوجوب. ونظير المقام : وجوب الوضوء لمس المصحف ، ووجوب الغسل من الجنابة لدخول المسجد إذا وجب. وقد تقدم في بعض المسائل التعرض لذلك. فراجع.

[١] بلا خلاف ـ في الجملة ـ ولا إشكال. لصحيح رفاعة بن موسى ـ في حديث ـ قال : « وقال أبو عبد الله (ع) : إن الحطابة والمجتلبة أتوا النبي (ص) فسألوه ، فأذن لهم أن يدخلوا حلالاً » (١). بناء على أن المنصرف إلى الذهن منه : أن ذكر الحطابة والمجتلبة من باب المثال لكل من يتكرر منه ذلك ، كالحجارة ، والجصاصة ، وغيرهم. ولذلك جعل المستثنى ـ في كلام الأصحاب ـ من يتكرر منه الدخول. والظاهر من الحطابة والمجتلبة من كان مهنته ذلك ، فلو بني على كون ذكرهما من باب المثال يتعين التعدي إلى من كانت مهنته تقتضي التكرار ، لا مجرد بنائه على التكرار ، كما لو كان له مريض ، أو زرع يتكرر الخروج منه والدخول. كما أن الظاهر أن التكرار على النحو المتعارف من أهل تلك المهنة ، فلو كان التكرار بطيئاً أشكل التعدي اليه وإن كان في الشهر مرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥١ من أبواب الإحرام حديث : ٢.

١٤٢

______________________________________________________

ولأجل ذلك يشكل ما في كشف اللثام ، فإنه قال : « إلا المتكرر دخوله كل شهر ، بحيث يدخل في الشهر الذي خرج ، كالحطاب ، والحشاش ، والراعي ، وناقل الميرة ، ومن كان له ضيعة يتكرر لها دخوله وخروجه للحرج. وقول الصادق (ع) في صحيح رفاعة .. ». ثمَّ ذكر الروايات المتضمنة للتحديد بالشهر.

وحاصل الاشكال : أن الظاهر من التكرار لمثل المجتلبة والحطابة الوقوع في الشهر مرات ، ولا يكفي التكرار في الشهر مرة. وأشكل منه ما في الجواهر ، من أن ظاهر الأصحاب استثناء المجتلبة والحطابة في مقابل الاستثناء في الشهر ، فلا يعتبر في الأولين التكرار في الشهر مرة. فإن الظاهر من الأصحاب وإن كان استثناء قسمين ، لكن المقابلة بينهما من جهة أنه لا يعتبر في الأولين سبق الإحرام ، بخلاف الاستثناء في الثاني فإن مورد النصوص هو صورة سبق الإحرام ، كما أشار إليه في الجواهر في آخر كلامه. فراجع. وليس وجه المقابلة : أنه لا يعتبر في الأولين التكرار في الشهر مرة ، فإن ذلك خلاف المفهوم من المجتلبة والحطابة ، كما عرفت.

ثمَّ إن المصنف (ره) لم يستثن من دخلها بعد الإحرام قبل شهر ، مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه. وفي الذخيرة : « لا أعلم خلافاً بين الأصحاب في أصل الحكم. ولكن اختلفوا في مبدأ اعتبار الشهر ، فذهب جماعة من الأصحاب إلى أن مبدأه من وقت الإحلال من الإحرام .. ». وكأن وجه إهماله اعتماده على ما سيذكره في المسألة الثانية من مسائل : ( فصل : صورة حج التمتع .. ). وقد اختار هناك ، عدم وجوب الإحرام وإن كان الدخول بعد الشهر من الإحلال ـ فضلاً عن الإحرام ـ وتوقف في وجوبه إذا كان بعد شهر من خروجه. فلاحظ كلماته هناك ، وتأمل.

١٤٣

ويستحب تكرارها كالحج. واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين ، فقيل : يعتبر شهر [١]. وقيل : عشرة أيام [٢]. والأقوى عدم اعتبار الفصل ، فيجوز إتيانها كل يوم [٣]. وتفصيل المطلب موكول إلى محله.

______________________________________________________

[١] حكاه في كشف اللثام عن النافع ، والوسيلة ، والتهذيب ، والكافي ، والغنيمة ، والمختلف ، والدروس.

[٢] حكاه عن الأحمدي ، والمهذب ، والجامع ، والشرائع ، وسائر كتب الشيخ. والإصباح. وقيل : سنة ، ونسب إلى العماني. وعبارته المحكية غير ظاهرة في ذلك.

[٣] جعله في الشرائع أشبه ، وفي كشف اللثام أقرب ، وحكى عن الجمل ، والناصريات ، والسرائر ، والمراسم ، والتلخيص ، واللمعة. بل في الجواهر والمستند : « نسب إلى كثير من المتأخرين .. ». ووجه الاختلاف ، اختلاف النصوص ، فإنها طوائف :

الأولى : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : في كتاب علي (ع) : في كل شهر عمرة » (١) ، وموثق يونس بن يعقوب قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن علياً (ع) كان يقول : في كل شهر عمرة » (٢) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « كان علي يقول : لكل شهر عمرة » (٣) ومصحح إسحاق بن عمار قال : « قال أبو عبد الله (ع) : السنة اثنا عشر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٤.

١٤٤

______________________________________________________

شهراً ، يعتمر لكل شهر عمرة » (١). ونحوها غيرها.

الثانية : خبر علي بن أبي حمزة قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل مكة في السنة ، المرة والمرتين والأربعة ، كيف يصنع؟ قال (ع) : إذا دخل فليدخل ملبياً ، وإذا خرج فليخرج محلا. قال : ولكل شهر عمرة. فقلت : يكون أقل؟ فقال : في كل عشرة أيام عمرة » (٢) ، والموثق الذي رواه في الجواهر : « قال الصادق (ع) : السنة اثنا عشر شهراً ، يعتمر لكل شهر عمرة. قال : فقلت له : أيكون أقل من ذلك؟ قال : لكل عشرة أيام عمرة » (٣). ولم أجده في غيرها ، فان المذكور في الفقيه وفي الوسائل عند رواية مصحح إسحاق .. إلى قوله (ع) : « لكل شهر عمرة » ، كما نقلنا آنفاً. واستدل في المدارك وكشف اللثام والحدائق والمستند : بخبر علي بن أبي حمزة على القول بالعشر ولم يذكروا الموثق الذي ذكره ، ومن ذكره ذكره في اخبار الشهر. بل لعل صريح المستند وغيره : انحصار رواية العشر بالخبر.

الثالثة : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : العمرة في كل سنة مرة » (٤) ، وصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « ولا يكون عمرتان في سنة » (٥). ونحوه صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ١٠.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٧.

(٦) الوسائل باب : ٦ من أبواب العمرة حديث : ٨.

١٤٥

______________________________________________________

وعلى الطائفة الأولى عول القائلون بالشهر ، ولم يعولوا على خبر علي بن أبي حمزة لضعفه ، لاشتمال سنده على جملة من الضعفاء ، ولا على الطائفة الثالثة وإن صحت أسانيدها ، لمعارضتها بالطائفة الأولى ـ التي لا يبعد أن تكون متواترة إجمالاً ـ الموجب لطرحها ، أو حملها على عمرة التمتع ، كما عن الشيخ. وأما القائلون بالعشر فعولوا على خبر علي بن أبي حمزة ، لرواية الصدوق له في الفقيه بسنده اليه ، وسنده صحيح. وهو إن كان الثمالي فهو ثقة ، وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثه ، لرواية جمع كثير من الأعاظم عنه ، وفيهم جمع من أصحاب الإجماع ، وجماعة ممن نصوا على أنهم لا يروون إلا عن ثقة ، ولغير ذلك من القرائن المذكورة في كتب الرجال. وأما القائل بالسنة ـ إن ثبت ـ فمستنده الطائفة الثالثة ، التي عرفت لزوم طرحها أو التصرف فيها. وأما القول الأخير فوجهه حمل الطائفتين الأولتين على الفضل ـ على اختلاف مراتبه ـ لعدم ظهورهما في المنع من التوالي.

بل ظاهر قولهم (ع) : « لكل شهر عمرة » ـ كما في جملة منها ـ : أن ذلك من وظائف الشهر ، فهي تتأكد من حيث الزمان ، ففي الشهر آكد منها في العشرة. ويقتضيه الارتكاز العرفي في باب الطاعات والخيرات فإنها كلما طال العهد بها اشتد تأكدها. والجمع بين الشهر والعشر ـ في خبر ابن أبي حمزة ـ لا بد أن يحمل على ذلك. ولأجله يمكن الجمع بينها وبين صحيح الحلبي المتقدم في أخبار السنة بذلك ، فيحمل أيضاً على التأكد في السنة ، على نحو يكون أشد تأكداً فيها من الشهر.

وبالجملة : الجمع العرفي بين النصوص المذكورة يقتضي ذلك ، فلا يدل على المنع من التوالي ، فلا مانع من الأخذ بإطلاقات الحث عليها والترغيب إليها الظاهرة في استحبابها مطلقاً. ومقتضاها الاستحباب في كل يوم‌

١٤٦

فصل في أقسام الحج

وهي : ثلاثة ـ بالإجماع [١] ، والاخبار ـ ، تمتع ، وقران ، وإفراد [٢].

______________________________________________________

وفي اليوم أكثر من مرة أيضاً. فلاحظ. وأما ما تضمن أن المتمتع إن خرج من مكة ورجع في شهره دخل محلا ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً ، معللاً : بأن لكل شهر عمرة (١). وما ورد ـ في من أفسد عمرته ـ من أنه يقضيها في الشهر الآتي (٢). فهما حكمان دل عليهما الدليل في خصوص المورد. مع أن ظاهر الفتاوى أن الحكم في المقامين رخصة لا عزيمة. وحينئذ يكون منافياً للشهر لا دليلاً عليه ، وبالنسبة إلى العشرة من قبيل اللامقتضي نفياً وإثباتاً. والله سبحانه الهادي.

فصل في أقسام الحج‌

[١] في الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام ، بل إجماعهم بقسميه عليه .. ».

[٢] في مصحح معاوية بن عمار قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة إلى الحج. وبها أمر رسول الله (ص) ، ولا نأمر الناس إلا بها » (٣) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كفارات الاستمتاع.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

١٤٧

والأول فرض من كان بعيداً عن مكة [١]. والآخران فرض‌

______________________________________________________

وخبر منصور الصيقل : « قال أبو عبد الله (ع) : الحج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتع ، وحاج مفرد سائق للهدي ، وحاج مفرد للحج » (١) ونحوهما غيرهما. والذي يظهر من النصوص : أن المشروع في صدر الإسلام القران والافراد ، وأن التمتع شرع في حجة الوداع. ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن رسول الله (ص) حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها ، ثمَّ قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهلّ بالحج وساق مائة بدنة ، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة. حتى إذا قدم رسول الله (ص) مكة .. ( إلى أن قال ) : فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيباً فأمرهم : أن يحلو ويجعلوها عمرة ، وهو شي‌ء أمر الله عز وجل به .. ( إلى أن قال ) : وإن رجلاً قام فقال : يا رسول الله (ص) نخرج حجاجاً ورءوسنا تقطر؟! فقال رسول الله (ص) : إنك لن تؤمن بهذا أبداً .. » (٢).

[١] قال في كشف اللثام : « لا يجزيه غيره اختياراً. للأخبار ، وهي كثيرة. والإجماع ، كما في الانتصار والخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر. وحكى القاضي ـ في شرح الجمل ـ : خلافه عن نفر من الأصحاب .. ». وفي المستند : حكى الإجماع عن غيرها أيضاً. ويشهد به ـ مضافاً إلى ذلك ـ الكتاب والسنة.

أما الأول فقوله تعالى : ( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٤.

١٤٨

من كان حاضراً ، أي : غير بعيد [١]. وحدّ البعد ـ الموجب‌

______________________________________________________

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١). فان الظاهر رجوع اسم الإشارة إلى التمتع بالعمرة ، لأنه للبعيد لا رجوعه إلى ما بعده ، لأنه قريب. ويشكل الاستدلال المذكور : بأن ظاهر الآية الشريفة حصر التمتع بالنائي ، لا حصر النائي به ، كما هو المدعى.

وأما السنة فمستفيضة أو متواترة. منها : مصحح الحلبي السابق. ونحوه صحيح معاوية بن عمار (٢) ، وصحيح صفوان (٣). وفي صحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لأن الله تعالى يقول : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... ). فليس لأحد إلا أن يتمتع ، لأن الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله (ص) » (٤) إلى غير ذلك.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن الشيخ ـ في أحد قوليه ـ ويحيى بن سعيد. ويشهد له الكتاب الشريف ـ على ما عرفت ـ والنصوص ـ ففي صحيح الفضلاء ، عبد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير ، كلهم عن أبي عبد الله (ع) : « ليس لأهل مكة ، ولا لأهل مرّ ، ولا لأهل سرف متعة. وذلك : لقول الله عز وجل :

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

(٣) لم نعثر على الرواية في مظانها.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

١٤٩

للأول ـ ثمانية وأربعون ميلاً من كل جانب [١] ، على المشهور [٢] الأقوى. لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قلت له : قول الله عز وجل في كتابه : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... ) فقال (ع) : يعني : أهل مكة ليس عليهم متعة. كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان ـ كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في

______________________________________________________

( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .. ) » (١) ، وخبر سعيد الأعرج : « قال أبو عبد الله (ع) : ليس لأهل سرف ، ولا لأهل مرّ ، ولا لأهل مكة متعة. يقول الله تعالى : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... ) » (٢). ونحوهما غيرهما مما هو كثير ، وسيأتي بعضه في المتن.

ولم يعرف للشيخ وابن سعيد دليل ، إلا صحيح عبد الرحمن بن الحجاج وصحيحه الآخر مع عبد الرحمن بن أعين ، الآتيان في المسألة الثانية. وموردهما خاص ، فلا مجال للتعدي عنه إلى غيره بعد ما عرفت. مع أن ظهورهما في حج الإسلام غير ثابت.

[١] حكاه في الشرائع قولاً ، واختاره في النافع والمعتبر ، وحكي عن القمي في تفسيره ، والصدوقين ، والعلامة في جملة من كتبه ، وعن الشهيدين ، والمحقق الكركي. وعن المدارك : نسبته إلى أكثر الأصحاب.

[٢] كما عن شرح المفاتيح. لكن في الجواهر : « وإن كنا لم نتحققه ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٦.

١٥٠

هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة » [١]. وخبره [٢] عنه (ع) : « سألته عن قول الله عز وجل : ( ذلِكَ ... ). قال : لأهل مكة ليس لهم متعة ، ولا عليهم عمرة. قلت : فما حد ذلك؟ قال : ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكة ، دون عسفان وذات عرق » [٣]. ويستفاد أيضاً من جملة من أخبار أخر [٤].

______________________________________________________

[١] رواها الشيخ في التهذيب ، بإسناده عن موسى بن القاسم : عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت لأبي جعفر : قول الله عز وجل في كتابه .. » إلى آخر ما في المتن (١). واسناد الشيخ إلى موسى صحيح وموسى وعبد الرحمن وبقية السند كلهم ثقاة أعيان.

[٢] رواه الشيخ أيضاً في أواخر كتاب الحج ، عن علي بن السندي عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن قول الله تعالى : ( ذلِكَ ... ) ... » إلى آخر ما في المتن (٢). وسنده إلى علي بن السندي غير ثابت الصحة. وأما علي فالظاهر صحة حديثه ، وإن كان لا يخلو من إشكال.

[٣] في النسخة الصحيحة من التهذيب : « ودون ذات عرق ».

[٤] كصحيح الفضلاء المتقدم (٣). ونحوه خبر سعيد الأعرج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٧. ولكن متن الرواية هنا يختلف يسيراً عن الموجود منه في الوسائل ، وكذلك الأصل. راجع التهذيب جزء : ٥ صفحة ٣٣ ، ٤٩٢ طبع النجف الأشرف.

(٣) تقدم ذكر الروايتين في أوائل الفصل تقريباً. فلاحظ.

١٥١

______________________________________________________

المتقدم ، الذي رواه في التهذيب في آخر كتاب الحج (١) ، بناء على ما في المعتبر من أنه معلوم أن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلاً. وعن القاموس : أن بطن مر : موضع من مكة على مرحلة. وفي تاريخ البلدان لليعقوبي (٢) : أنه واقع في طريق مكة إلى المدينة ، فمن مكة إليه ثمَّ إلى عسفان ، ثمَّ إلى قديد ، ثمَّ إلى الجحفة ، ثمَّ إلى الأبواء ، ثمَّ إلى سقيا بني غفار ، ثمَّ إلى العرج ، ثمَّ إلى الرويثة ، ثمَّ إلى الروحاء ، ثمَّ إلى السيالة ، ثمَّ إلى ملل ، ثمَّ إلى الحفيرة ، ثمَّ إلى ذي الحليفة. وعن الواقدي : بين مكة ومر خمسة أميال. وسَرِف ـ ككتف ـ : موضع قريب للتنعيم. وعن النهاية ـ في حديث تزويج ميمونة بسرف ـ : هو ـ بكسر الراء ـ موضع من مكة على عشرة أميال. وقيل : أقل ، وأكثر. وعن المجلسي الأول (ره) أن سرف ـ ككتف ـ موضع قرب التنعيم ، على عشرة أميال ـ تقريباً ـ من مكة ..

وكصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال (ع) : ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وليس لهم متعة » (٣). وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) : « في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال (ع) : ما دون الأوقات إلى مكة » (٤). بناء على أن المراد ما دون جميعها ، فإنها على هذا الحد أو أكثر. فإن يلملم جبل على مرحلتين من مكة ، واقعة في طريق أهل مكة إلى اليمن ، المرحلة الأولى ـ على ما ذكره اليعقوبي في تاريخ البلدان (٥) ـ : الملكان‌

__________________

(١) تقدم ذكر الروايتين في أوائل الفصل تقريباً. فلاحظ.

(٢) صفحة : ٧٨ طبعة النجف الأشرف وصفحة : ٣١٣ طبعة ليدن.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٥.

(٥) صفحة : ٨٠ طبعة النجف الأشرف وصفحة : ٣١٧ طبعة ليدن‌

١٥٢

______________________________________________________

والمرحلة الثانية : يلملم ، ثمَّ الليث ، ثمَّ عليب ، ثمَّ قربا ، ثمَّ قنونا ، ثمَّ يبة ، ثمَّ المعقر ، ثمَّ ضنكان ، ثمَّ زنيف ، ثمَّ ريم ، ثمَّ يبش ، ثمَّ العرش ، ثمَّ الشرجة ، ثمَّ السلعاء ، ثمَّ بلحة ، ثمَّ المهجم ، ثمَّ العارة ، ثمَّ المروة ، ثمَّ سودان ، ثمَّ صنعاء.

وكذا ذات عرق ، فإنها أيضاً واقعة في طريق أهل العراق إلى مكة على مرحلتين من مكة ، المرحلة الأولى ـ على ما ذكره اليعقوبي في تاريخ البلدان (١) ـ : بستان ابن عامر ، ثمَّ ذات عرق ، ثمَّ غمرة ، ثمَّ المسلح ثمَّ أفيعية ، ثمَّ معدن بني سليم ، ثمَّ العمق ، ثمَّ السليلة ، ثمَّ الربذة ، ثمَّ مغيثة الماوان ، ثمَّ معدن النقرة ـ وتسمى النقرة أيضاً ـ ثمَّ سميراء ـ وتسمى الحاجر أيضاً ـ ثمَّ توز ، ثمَّ فيد ، ثمَّ زرود ـ وتسمى الأجفر أيضاً ـ ثمَّ الثعلبية ، ثمَّ بطان ، ثمَّ الشقوق ، ثمَّ زبالة ، ثمَّ القاع ، ثمَّ العقبة ، ثمَّ الواقصة ، ثمَّ الفرعاء ، ثمَّ مغيثة ، ثمَّ القادسية ، ثمَّ الكوفة. وكذا قرن المنازل فإنها على مرحلتين أيضاً ، كما سيأتي.

لكن يعارضها خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قلت : لأهل مكة متعة؟ قال (ع) : لا ، ولا لأهل بستان ، ولا لأهل ذات عرق ، ولا لأهل عسفان ونحوها » (٢). بل يعارض التحديد بالمقدار المذكور صحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... ). قال (ع) : من كان منزله على ثمانية عشر ميلاً من بين يديها ، وثمانية عشر ميلاً من خلفها ، وثمانية عشر ميلاً عن يمينها ، وثمانية عشر ميلاً عن يسارها فلا متعة له‌

__________________

(١) صفحة : ٧٦ طبعة النجف الأشرف وصفحة : ٣١١ طبعة ليدن.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٢.

١٥٣

______________________________________________________

مثل مر وأشباهه » (١).

والذي يتحصل : أن الاشكال في المقام في جهات : الأولى : الأخبار الدالة على التحديد ، فإنها طوائف ثلاث ، الأولى : ما دل على أنه ثمانية وأربعون ميلاً ، وهي صحيح زرارة ، وخبره. الثانية : ما دل على أنه ثمانية عشر ميلاً ، وهي صحيحة حريز. الثالثة : ما دل على أنه دون الميقات ، وهي صحيحا الحلبي وحماد ، فان الظاهر منها أن الحدّ يختلف باختلاف الجهات المسكونة ، فكل موضع يكون بين الميقات ومكة يكون حكم أهله أن لا متعة لهم ، وكل موضع يكون وراء الميقات يكون حكم أهله التمتع. وحمله على أن يكون المراد من المواقيت أقرب المواقيت إلى مكة ـ يعني : ما تكون المساحة بين الشخص ومكة أقل من المساحة التي تكون بين أقرب المواقيت إلى مكة وبينها ـ بعيد جداً ، فإنه يتوقف على معرفة الأقرب منها إلى مكة ، ومعرفة المساحة بينهما ، والعبارة المذكورة في الصحيحين لا تساعد على ذلك.

الجهة الثانية : اختلاف الأخبار في ذات عرق وعسفان ، فان ظاهر خبر زرارة : خروجهما عن الحد ، ويجب على أهلهما التمتع. وظاهر صحيحة ـ وصريح خبر أبي بصير ـ : أنه ليس لأهلهما متعة.

الجهة الثالثة : التشويش الواقع في عبارة الصحيح ، لقوله (ع) فيه : « ذات عرق وعسفان » ، فإنه إن جعل تمثيلاً للثمانية والأربعين فهو تفسير بالأخفى ، ولا يناسب موضوع الشرطية. وإن جعل تمثيلاً لما دونها كان مخالفاً لما ذكروه ، من أن ذات عرق وعسفان على مرحلتين من مكة. مضافاً إلى أن قوله (ع) : « كما يدور حول الكعبة » لم يتضح ارتباطه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ١٠.

١٥٤

والقول : بأن حده اثنا عشر ميلاً من كل جانب ـ كما عليه جماعة [١] ـ ضعيف لا دليل عليه إلا الأصل ، فإن مقتضى جملة من الاخبار : وجوب التمتع على كل أحد ، والقدر المتيقن الخارج منها من كان دون الحد المذكور [٢].

______________________________________________________

بما قبله. وكذا التشويش الواقع في متن خبر زرارة ، فإن قوله (ع) فيه : « دون عسفان وذات عرق » ظاهر في أن الثمانية والأربعين دون عسفان وذات عرق ، مع أن المذكور في كلماتهم أنهما على مرحلتين ، فلا تكون الثمانية والأربعون دونهما بل تكون نفسهما.

هذا ، ولا يخفى أن الإشكالات المذكورة لا تصلح لرفع اليد عن مفاد الصحيح المعول عليه ، فان الطائفتين الأخريين لا عامل بهما ، فلا يصلحان لمعارضته. واختلاف الأخبار في ذات عرق وعسفان لا يهم ، لأنه ـ بعد ما تحقق خروجهما عن الحد ـ لا بد من تأويل الصحيح ، وطرح خبر أبي بصير لمخالفته للإجماع. ولو فرض عدم تحقق خروجهما عن الحد واحتمال دخولهما فيه فالاختلاف يكون اختلافاً في الموضع ، لا في الحد والحكم الذي هو محل الكلام. وأما التشويش فلا يقدح في دلالة الصحيح على التحديد على وجه ظاهر. واشتمال الرواية على بعض أمور مشكلة إذا لم يقدح في دلالتها على الحكم لا يقدح في حجيتها.

[١] اختاره في الشرائع والقواعد ، ونسبه في كشف اللثام : إلى المبسوط ، والاقتصاد ، والتبيان ، ومجمع البيان ، وفقه القرآن ، والروض والجمل ، والعقود ، والغنية ، والكافي ، والوسيلة ، والسرائر ، والجامع والإصباح ، والإشارة. وفي الجواهر : أنه أقوى.

[٢] هذا الوجه ذكره في المستند دليلاً على القول المذكور. قال (ره) :

١٥٥

وهو مقطوع بما مر [١]. أو دعوى : أن الحاضر مقابل للمسافر ، والسفر أربعة فراسخ [٢]. وهو كما ترى. أو دعوى : أن الحاضر ـ المعلق عليه وجوب غير التمتع ـ أمر عرفي ، والعرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلاً. وهذا ـ أيضاً ـ كما ترى [٣]. كما أن دعوى : أن المراد من ثمانية وأربعين‌

______________________________________________________

« بل قد أشرنا إلى تواتر الأخبار بفرضية التمتع مطلقاً ، خرج ما دون اثني عشر ميلاً بالإجماع ، فيبقى الباقي .. ». وذكره في الجواهر وجهاً لما اختاره. وقد تقدم بعض هذه النصوص في أول المبحث. وعليه فالمراد من الأصل أصالة العموم ، لا الأصل العملي. وإلا فمقتضى الأصل الاحتياط بالجمع ، للعلم الإجمالي.

[١] فإن الدليل الخاص مخصص للعام. على أن ثبوت هذا العموم محل إشكال ، فإن الظاهر أن الخطابات إنما هي للنائي. ضرورة انقسام الحج إلى الأقسام الثلاثة ، ومشروعية القران والافراد في الجملة ، فكيف يصح مثل هذا العموم؟!.

[٢] هذا الاستدلال مذكور في كشف اللثام وغيره ، وحكاه في المستند والجواهر عنهم. وتوجيهه في غاية الصعوبة ، لأن المراد من الحاضر في الآية إذا كان بمعنى مقابل المسافر ، كان مرجع الآية الشريفة إلى أن من كان أهله مسافرين عن المسجد الحرام فعليه التمتع ، وإذا لم يكن أهله مسافرين بل حاضرين فعليه القران أو الافراد ، وهذا المعنى أجنبي عن المراد بها بالمرة ، ضرورة أن المراد التوطن في الموضع القريب والبعيد ، لا المسافرة والحضور. وبالجملة : الاستدلال على النحو المذكور غريب.

[٣] فان العرف كما لا يساعد على الأزيد من الاثني عشر ميلاً‌

١٥٦

التوزيع على الجهات الأربع ، فيكون من كل جهة اثنا عشر ميلاً [١]. منافية لظاهر تلك الأخبار [٢]. وأما صحيحة حريز ـ الدالة على أن حد البعد ثمانية عشر ميلاً ـ فلا عامل بها. كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان‌ والحلبي ، الدالتين على أن الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة [٣]. وهل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان [٤] ،

______________________________________________________

لا يساعد على الأقل منها. بل الظاهر اختصاصه بأهل مكة لا غير ، فان مواضعهم هي التي حاضرة مع المسجد الحرام لاجتماعها معه ، وأما الخارج عن مكة من المواضع فهي غير حاضرة مع المسجد ، لعدم اجتماعها معه. مع أنه لو سلم ذلك فرواية التحديد بالثمانية والأربعين تكون مفسرة للمراد وشارحة له ، على وجه يجب الخروج عن ظاهر الكلام لأجلها.

[١] هذه دعوى ادعاها ابن إدريس (ره). وفي كشف اللثام والجواهر : حاول في ذلك رفع الخلاف بين الأصحاب.

[٢] من دون ملجئ إلى ذلك.

[٣] على ما عرفت الإشارة إليه. يظهر ذلك لمن لا حظ كتب الأصحاب.

[٤] بل يظهر من كلماتهم أن فيه قولين ، فعن المبسوط ، أنه قال : « كل من كان بينه وبين المسجد اثنا عشر ميلاً من جوانب البيت .. ». ونحوه كلامه في الاقتصاد والجمل ، ومثله ما في التحرير : « من كان بين منزله وبين المسجد اثنا عشر ميلاً .. ». لكن في القواعد قال : « من نأى عن مكة باثني عشر ميلاً من كل جانب .. ». ونحوه غيره. وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون اختلافاً بمحض العبارة ، ومراد الجميع‌

١٥٧

أقربهما الأول. ومن كان على نفسه الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع [١] لتعليق حكم الافراد والقران على ما دون الحد [٢].

______________________________________________________

المسجد أو مكة ، كما يشهد به نسبة كون المبدإ مكة إلى الشيخ في المبسوط مع أن المذكور في عبارته المسجد. ويحتمل أن يكون اختلافاً في المراد ، وهو الأقرب. ففي المسالك : « والتقدير ـ على التقديرين ـ من منتهى عمارة مكة إلى منزله ». ونحوه ما في الروضة. وفي الكفاية ـ بعد ما اختار التقدير بالثمانية والأربعين من مكة ، وحكى القول باثني عشر ميلاً من مكة ـ قال : « ومن أصحاب هذا القول من اعتبر البعد بالنسبة إلى المسجد الحرام .. ». وكيف كان فالنصوص خالية عن التعرض لذلك.

نعم صحيح زرارة وخبره ـ لما كان السؤال فيهما عن الآية الكريمة ، وتفسير المراد من حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ـ فالمنسبق من التقدير أن يكون المبدأ نفس المسجد (١). ولا ينافي ذلك ما في خبر زرارة ، من قوله (ع) : « من جميع نواحي مكة » ، فإن مكة أخذت موضوعاً للنواحي ، لا مبدأ للتقدير. فلاحظ.

[١] يظهر ذلك منهم. وفي المدارك : « لكن مقتضى كلام الشيخ أن البعد إنما يتحقق بالزيادة عن الثمانية والأربعين .. ».

[٢] لقوله (ع) في الصحيح : « كل من كان أهله دون ثمانية » (٢) وأما قوله (ع) بعد ذلك : « وكل من كان أهله وراء ذلك » ، فالمراد من اسم الإشارة فيه المقدار السابق ذكره موضوعاً للقران والافراد ، لا الثمانية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب أقسام الحج حديث : ٣ ، ٧ وقد تقدمت الإشارة إلى الروايتين في أوائل الفصل‌

(٢) المراد : هو صحيح زرارة آنف الذكر‌

١٥٨

ولو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص [١] ومع عدم تمكنه يراعي الاحتياط. وإن كان لا يبعد القول بأنه يجري عليه حكم الخارج ، فيجب عليه التمتع ، لأن غيره معلق على عنوان الحاضر ، وهو مشكوك [٢]. فيكون كما لو شك في أن المسافة ثمانية فراسخ أولا ، فإنه يصلي تماماً ، لأن القصر معلق على السفر ، وهو مشكوك.

______________________________________________________

والأربعين ، وإلا كان الصحيح قد أهمل فيه ذكر من كان على رأس الحد وهو بعيد. فإنه إذا تردد التصرف في الكلامين بين التصرف في الأول والتصرف في الثاني يتعين الثاني ، لأن الأول ـ بعد استقراره في الذهن ـ يكون الكلام اللاحق جارياً عليه. فلاحظ.

[١] وجوب الفحص في هذه الشبهة الموضوعية ـ على خلاف القاعدة المشهورة : من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ـ لأمور ادعيت في هذا المورد ـ وفي جملة من الموارد من الشبهات الموضوعية ـ كالشك في الاستطاعة ، والشك في مسافة التقصير ، والشك في بلوغ النصاب. وقد تقدم الكلام في ذلك في المباحث المذكورة. نعم يمتاز المقام عنها بعدم إمكان الاحتياط ، لأن الوجوب فوري ، ولا يمكن الجمع بين المحتملين في سنة واحدة.

[٢] كأنه يريد الإشارة إلى قاعدة ، وهي : أنه إذا كان الخاص معلقاً على عنوان وقد شك في ذلك العنوان وجب الرجوع إلى العام. ومثله الشك في المسافر ، لأن الحكم العام هو التمام ، والقصر معلق على السفر فمع الشك فيه يرجع إلى عموم التمام. ولكنه راجع إلى التمسك بالعام في‌

١٥٩

______________________________________________________

الشبهة المصداقية والمحقق في محله عدم جوازه. على أن كون المقام من ذلك القبيل غير ظاهر ، فإنه لا عموم يقتضي وجوب التمتع وقد خرج عنه الحاضر ، بل الأمر بالعكس. فان دليل التشريع ـ وهو الآية الشريفة ـ إنما تضمن وجوب التمتع على من لم يكن حاضراً ، فمع الشك فيه يشك في وجوب التمتع. ولعل مراده أن حكم التمتع معلق على عنوان عدمي فمع الشك فيه يرجع إلى الأصل في إثباته ، فيثبت حينئذ حكمه. وبذلك يفترق المقام عن مقام الشك في المسافر ، فان حكم التمام لم يعلق فيه على عنوان عدمي ولا وجودي ، وإنما عنوانه مطلق المكلف.

هذا ولكن حكم القصر لما كان معلقاً على المسافر كان الجمع بين العام والخاص يقتضي أن يكون حكم العام ـ وهو التمام ـ معلقاً على من لم يسافر ، فمع الشك في المسافر يرجع إلى أصالة عدم المسافر ، فيكون كما نحن فيه بعينه. وليس الفرق بينهما إلا أن حكم التمتع من أول الأمر معلق على العنوان العدمي ، وحكم التمام لم يكن كذلك من أول الأمر ، ولكن صار كذلك من جهة الجمع العرفي بين الخاص والعام.

ثمَّ إنه يشكل ما ذكره المصنف ، من وجوب التمتع : بأن أصالة عدم كونه حاضر المسجد من الأصل الجاري في العدم الأزلي ، لأن الشخص حين وجوده إما حاضر أو ليس بحاضر ، وحجية أصل العدم الأزلي محل إشكال. وفيه : أن الحضور قد يكون طارئاً بالتوطن بعد الهجرة إلى مكة فمع الشك يستصحب العدم المقارن. وكذا لو كان متوطناً في مكة ثمَّ انتقل إلى الموضع المشكوك ، فإنه يجري فيه استصحاب الحضور. مع أنه موقوف على البناء على تحقق الحضور بمجرد التولد من الحاضر ، ولا يتوقف على قصد التوطن ، وهو محل تأمل. مضافاً إلى أن التحقيق :

١٦٠