مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١١

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٦

بل إنما ملك بالشرط الحج عنه ، وهذا ليس مالاً تملكه الورثة [١] ،

______________________________________________________

وليس المقام كذلك ، فان المملوك هو الحج عن نفسه ، وهذا المملوك لم يؤخذ موضوعاً لتصرف آخر زائد عليه ، فلا يدخل في باب الوصية بالمال ولا تجري عليه أحكامها.

[١] كيف لا يكون مالاً وقد جعل عوضاً عن مال؟ كما لو استأجره للحج عنه بعد وفاته ، أو في حياته ، أو يحج عن ميت له ، كما تقدم في كلام المحقق القمي. مع أن الانتقال إلى الوارث لا يتوقف على المال ، مثل حبة الحنطة ، فإنها تنتقل الى الوارث إذا كانت مملوكة للمورث ، لعموم ما دل على انتقال ما ترك الميت الى وارثه. ومن ذلك يظهر لك الإشكال. في قوله (ره) : « لا ينتقل إلى الورثة ».

والمتحصل مما ذكرناه : أن الوصية ـ التي لا تنفذ فيما زاد على الثلث ـ تختص بالوصية الواردة على الملك ، بحيث يكون الملك موضوعاً لها ، فلا تشمل المقام مما كان التصرف موضوعاً للملكية ، فلا مجال لإجراء حكم الوصية عليه ، ومقتضى كونه مما ترك الميت أن يكون ملكاً لوارثه. ومثله : ما لو ملكه بالعقد لا بالشرط ، كما لو استأجره على أن يحج عنه في حياته أو بعد مماته فمات المستأجر ، فإن الحج لما كان مملوكاً للميت بعقد الإجارة في حياته كان لوارثه بعد مماته ، ومقتضى الانتقال إليهم أن للورثة المعاوضة وإبراء ذمة الأجير عنه ، ونحو ذلك من أحكام الملك. اللهم إلا أن يدعى انصراف دليل عموم الانتقال إلى الوارث إلى ما لم يكن له تعين في التصرف ويكون التصرف فيه مردداً بين الوارث وغيره ، مثل الأعيان والحقوق التي لا تعين لها في الصرف واعمال السلطنة ، فدليل الانتقال يوجب انتقالها الى الوارث ، فلا يشمل المقام ، فان الحج المشروط أو المملوك بالإجارة يتعين‌

١٠١

فليس تمليكاً ووصية ، وإنما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة. وكذا الحال إذا ملكه داره بمائة تومان ـ مثلاً ـ بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره [١] ، أو ملكه‌

______________________________________________________

صرفه للميت بمقتضى العقد والشرط ، فلا يدخل في عموم الانتقال. والسبب في هذا الانصراف قصور : « ما ترك الميت .. » عن شمول مثل ذلك ، لاختصاصه بالسائب الذي لا تعين له. ولعل هذا هو المراد مما في حاشية المقام لبعض الأعاظم ، من الاشكال على المحقق القمي. بأن الظاهر أن شرط الحج أو الصرف في مصرف آخر بعد موته استيفاء منه بهذا الوجه ، ويخرج عن الوصية وملك الورثة. انتهى. إذ لو لم يرد ما ذكرناه من الانصراف فلا يظهر للاستيفاء المذكور وجه. إذ ليس مفاد الشرط إلا ملك المشروط له معنى الشرط كسائر موارد جعل الملكية ، فمن أين جاء هذا الاستيفاء؟!. نعم لو كان مفاد الشرط مجرد التكليف بالفعل ـ كالحج ، أو الصرف ـ كان لما ذكره وجه ، لأن الوجوب الشرعي بمنزلة الوجوب العقلي ، فيكون استيفاء ، لكنه خلاف التحقيق. وقد اتفق لهذه المسألة في حياة المصنف (ره) من الاختلاف فيها بينه وبين معاصريه ومزيد النقضي والإبرام مما لم يتفق لأكثر المسائل العلمية. والله سبحانه ولى السداد والتوفيق.

[١] في إجراء الحكم السابق هنا إشكال ظاهر ، لأن الشرط هنا تصرف في ماله وملكه بعد الموت ، فيكون الملك موضوعاً للتصرف ، فيشمله ما دل على عدم نفوذ الوصية فيما زاد على الثلث ، ويتوجه فيه ما ذكره المحقق القمي.

١٠٢

إياها بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحج أو نحوه [١]. فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل [٢] وان كان العمل المشروط عليه ندبياً. نعم له الخيار عند تخلف الشرط. وهذا ينتقل الى الوارث [٣] ، بمعنى : أن حق الشرط ينتقل الى الوارث ، فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.

______________________________________________________

[١] هذا المثال أشبه بالمثال الأول ، لعدم كون الشرط تصرفاً في ماله وملكه بل تصرف في مال غيره. بل لو بني على أن صرف المال ـ الذي هو الشرط ـ ليس بمال كان الحكم فيه أوضح. إذ حينئذ لا يكون الشرط مالاً وإن كان ملكاً له بالاشتراط ، فأولى أن لا يدخل تحت ما دل على عدم نفوذ الوصية بما زاد على الثلث ، لاحتمال اختصاص ذلك بالمال.

[٢] قد عرفت أن ذلك في المثال الأول والأخير ، لا في الثاني ، فإنه من الوصية ، فيكون حينئذ من الثلث.

[٣] إذا كان الشرط على الوارث امتنع أن ينتقل الشرط اليه ، وحينئذ يبقى على ملك الميت. ومن ذلك يظهر أنه لا يكون الخيار للوارث ، لأنه إنما يكون لمن يملك الشرط الفائت لتدارك ما فات منه ، ولا يكون لغيره مضافاً الى أنه لا معنى لثبوت الخيار له على عقد نفسه. وحينئذ لا بد من البناء على أنه يكون للحاكم الشرعي ، لولايته على الميت ، فاذا فسخ الحاكم رجع العوض الى ملك الميت ، فيكون لوارثه. ولا يجب عليه صرفه فيما شرط على المفسوخ عليه ، لعدم الدليل على ذلك ، لأن المفروض بطلان المعاملة المقتضية لذلك ، ولا تصرف سواها يقتضي ذلك.

١٠٣

( مسألة ١١ ) : لو أوصى بأن يحج عنه ماشياً أو حافياً صح ، واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً ، وخروج الزائد عن أجرة الميقاتية منه [١] إن كان واجباً. ولو نذر في حال حياته أن يحج ماشياً أو حافياً ، ولم يأت به حتى مات ، وأوصى به أو لم يوص ، وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك [٢]. نعم لو كان نذره مقيداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال : بعدم وجوب الاستئجار عنه ، لأن المنذور هو مشيه ببدنه ، فيسقط بموته [٣] ، لأن مشي الأجير ليس ببدنه ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً [٤].

______________________________________________________

نعم قد يقال : بأن الشرط لما كان راجعاً إلى الوصية جرى عليه حكمها ، من وجوب العمل بها إذا لم تزد على الثلث. ويشكل : بأن الوصية المذكورة كانت مبنية على المعاوضة ، فإذا بطلت بطلت. اللهم إلا أن يفهم أن ذلك على نحو تعدد المطلوب ـ كما هو غير بعيد ـ فاذا بطلت المعاملة بالفسخ بقيت الوصية بحالها ، فيجب تنفيذها من الثلث.

[١] وكذلك الزيادة من جهة المشي أو الحفاء. وكذلك الحكم في الخصوصيات التي يوصي بها الميت حينما يوصي بالحج الواجب ، فان الجميع ـ لما كان زائداً على الحج الواجب إخراجه من الأصل ـ لم يجب إخراجه من الأصل ، ووجب إخراجه من الثلث ، عملاً بعموم أدلة أحكام الوصية.

[٢] لما تقدم من وجوب قضاء الحج النذري.

[٣] لتعذر القضاء.

[٤] قد تقدم أن المستفاد من أدلة التشريع أن المباشرة قيد للمأمور به‌

١٠٤

( مسألة ١٢ ) : إذا أوصى بحجتين أو أزيد ، وقال :

______________________________________________________

وأن نسبة الفاعلية في الواجبات نسبة قيام الفعل بفاعله ، فلا تشمل النيابة وإن كانت بنحو التسبيب ، فالحج المنذور هو الحج المباشر القائم بالناذر وكذا نسبة المشي أو الحفاء القائمين بالحاج حينما يقول الناذر : « لله علي أن أحج ماشياً أو حافياً » فالمنذور هو الحج القائم بالناذر ، المقيد بالحفاء والمشي القائمين به أيضاً ، فالمباشرة ملحوظة في المشي أو الحفاء كما هي ملحوظة قيداً في الحج. نعم يختلفان من حيث أن المباشرة ـ الملحوظة قيداً في الحج ـ لوحظت بما هي كذلك. أما الملحوظة قيداً في المشي أو الحفاء فقد تكون ملحوظة كذلك. وقد تكون ملحوظة بما هي مباشرة في الحج.

وبعبارة أخرى : المشي أو الحفاء المأخوذان قيداً ، تارة : يؤخذان قيداً بما هما منسوبان الى الناذر من حيث هو ، وأخرى : من حيث كونه حاجاً. فان أخذا على النحو الأول وجب القضاء ، لأن المباشرة في الحج وإن كانت مفقودة في فعل النائب ، لكن دليل وجوب القضاء يقتضي ثبوتها تنزيلاً. والمباشرة في الحفاء والمشي غير مفقودة ، لأن المفروض أنهما أخذا قيداً من حيث كونهما قائمين بالحاج ، وهو حاصل. أما إذا أخذا على النحو الثاني فلا يمكن القضاء ، لانتفاء نسبتهما إلى الناذر من حيث هو ، إذ الناذر غير النائب.

والمتحصل : أن المشي والحفاء المأخوذين قيداً ، تارة : يؤخذان قيداً بما هما منسوبان الى الناذر من حيث هو هو ، وأخرى : يؤخذان قيداً بما هما منسوبان اليه من حيث كونه حاجاً. فعلى الأول يتعذر القضاء ، وعلى الثاني لا يتعذر فيجب.

١٠٥

إنها واجبة عليه ، صدق ، وتخرج من أصل التركة [١]. نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت ، وكان متهماً في إقراره ، فالظاهر أنه كالإقرار بالدين فيه [٢] ، في خروجه من الثلث إذا كان متهماً ، على ما هو الأقوى [٣].

( مسألة ١٣ ) : لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار ، وشك في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا فان مضت مدة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحة مع كون الوجوب فورياً منه [٤] ، ومع كونه موسعاً إشكال [٥].

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه ، وكأنه لما دل على حجية إخبار المرء عن نفسه ، كاخبار ذي اليد عما في يده ، لاستقرار سيرة العقلاء والمتشرعة عليه. وأما ما دل على حجية الإقرار فيختص بنفوذه على نفسه ، فلا يشمل المقام ، بعد أن كان النفوذ موجباً لضياع حق الوارث.

[٢] فان مفهوم الدين ـ المذكور في نصوص نفوذ إقراره من الأصل إذا لم يكن متهماً ومن الثلث إذا كان متهماً ـ شامل لما نحن فيه ، إذ لا فرق في الدين بين العين والعمل ، وما كان للناس وما كان لله تعالى ، كما عرفت ذلك في أول مبحث نذر الحج.

[٣] تحقيق ذلك يطلب من محله من كتاب الوصية.

[٤] في عموم قاعدة : « حمل فعل المسلم على الصحة .. » لما نحن فيه إشكال ظاهر. ومثله ما إذا مات المدين وشك في وفاء دينه ، إذا كان الدائن مطالباً.

[٥] ضعف الاشكال ظاهر ، إذ ليس ما يقتضي وجوب البناء على‌

١٠٦

وإن لم تمض مدة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقية التركة إذا كان الحج واجباً ، ومن بقية الثلث إذا كان مندوباً. وفي ضمانه لما قبض وعدمه ـ لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان ـ وجهان [١]. نعم لو كان المال المقبوض موجوداً أخذ حتى في الصورة الأولى [٢] ، وإن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان مما يحتاج الى بيعه وصرفه في الأجرة ، وتملك ذلك المال بدلاً عما جعله أجرة ، لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت.

______________________________________________________

وقوع الفعل عدا قاعدة : « حمل المسلم على الصحة » ، التي عرفت الاشكال فيها.

[١] مقتضى أصالة البراءة الثاني. وليس ما يقتضي الأول عدا عموم : « على اليد .. » الذي يجب الخروج عنه في يد الأمين. وسيأتي منه في المسألة الآتية : استظهار عدم الضمان مع الشك في الضمان. ولا يظهر الفرق بين المقام وما يأتي ، إلا أنه في المقام لم يعلم التلف وفي المسألة الآتية يعلم بالتلف. ولكن عدم الضمان مع الشك في التلف أولى منه مع العلم به.

[٢] لكن حينئذ يعلم إجمالاً بالمخالفة للتكليف ـ المعلوم في الصورة المذكورة ـ إذا علم بعدم التبرع ، لأنه إن عمل بالوصية فقد خرج المال عن ملك الميت ، وإن بقي على ملك الميت لم يعمل بالوصية ، فالبناء على العمل بالوصية وبقاء المال على ملك الميت يعلم بمخالفته للواقع ، فيتعين الرجوع إلى أصالة عدم الإتيان بالموصى به ، وأصالة حرمة التصرف في المال‌

١٠٧

( مسألة ١٤ ) : إذا قبض الوصي الأجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامناً [١] ، ووجب الاستئجار من بقية التركة أو بقية الثلث [٢] ، وإن اقتسمت على الورثة استرجع منهم [٣]. وإن شك في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان أيضاً [٤]. وكذا الحال إن استأجر ومات الأجير ولم يكن له تركة ، أو لم يمكن الأخذ من ورثته.

( مسألة ١٥ ) : إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندباً ، ولم يعلم أنه يخرج من الثلث أولا [٥] ، لم يجز صرف جميعه [٦]. نعم لو ادعى أن عند الورثة ضعف هذا ، أو أنه أوصى سابقاً بذلك والورثة أجازوا وصيته ، ففي سماع‌

______________________________________________________

نعم لو بني على أصالة حلية التصرف في المال إلا أن يعلم أنه مال الغير ، وجب العمل بالوصية ، وجاز أخذ المال. كما أنه لو بني على أن أصالة الصحة تثبت انتقال المال عن ملك الميت إلى ملك الوصي ، ثبت عدم جواز أخذ المال وانحل بذلك العلم الإجمالي.

[١] بلا إشكال ، لأنه أمين.

[٢] لوجوب العمل بالوصية.

[٣] لانكشاف بطلان القسمة.

[٤] لأصالة البراءة.

[٥] يعني : لم يعلم أنه تصرف في الثلث أو في الزائد عنه.

[٦] لاحتمال أنه تصرف في الزائد عن الثلث فيتوقف على إذن الوارث لكن حمل التصرف على الصحة يقتضي أنه تصرف في الثلث.

١٠٨

دعواه وعدمه وجهان [١].

( مسألة ١٦ ) : من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج [٢] ، ويجوز النيابة فيه عن الميت ، وكذا عن الحي [٣]

______________________________________________________

[١] أقواهما السماع ، لأنه إخبار عما في يده.

[٢] لا إشكال في ذلك. ويقتضيه النصوص الكثيرة ، وقد عقد في الوسائل أبواباً تتضمن ذلك. منها : باب استحباب التطوع بالطواف ، وتكراره واختياره على العتق المندوب (١) وذكر فيه أخباراً كثيرة ، ومنها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن الله تعالى جعل حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ، منها ستون للطائفين ». فراجع.

[٣] في كشف اللثام : « كأنه لا خلاف فيه حياً كان أو ميتاً ، والأخبار به متظافرة .. ». ويستفاد ذلك. من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة. منها : ما ورد في الطواف عن المعصومين أحياء وأمواتاً وقد عقد لها في الوسائل بابا (٢). ومنها : خبر يحيى الأزرق : « قلت لأبي الحسن (ع) : الرجل يحج عن الرجل ، يصلح له أن يطوف عن أقاربه؟ فقال (ع) : إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء » (٣). فتأمل. ومنها : رواية أبي بصير : « قال أبو عبد الله (ع) : من وصل أباً أو ذا قرابة له ، فطاف عنه ، كان له أجره كاملاً ، وللذي طاف عنه‌

__________________

(١) لا حظ باب : ٤ من أبواب الطواف.

(٢) لا حظ باب : ٢١ من أبواب النيابة في الحج.

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

١٠٩

إذا كان غائباً عن مكة [١] ، أو حاضراً وكان معذوراً في الطواف بنفسه [٢].

______________________________________________________

مثل أجره ، ويفضل هو ـ بصلته إياه ـ بطواف آخر » (١).

[١] كما وردت بذلك النصوص. وقد عقد في الوسائل باباً في أبواب النيابة ، تضمنت الطواف عن أهل بلد الطائف وأقاربه (٢).

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. وبدل عليه جملة من النصوص ، كصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « المريض المغلوب ، والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه » (٣) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : المبطون ، والكسير يطاف عنهما ، ويرمى عنهما » (٤) ، وصحيح حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله (ع) : « أمر رسول الله (ص) أن يطاف عن المبطون ، والكسير » (٥) ، وصحيح معاوية : « والمبطون يرمى ، ويطاف عنه ، ويصلى عنه » (٦). وقد اشتملت النصوص على ذكر المريض المغلوب ، والمغمى عليه ، والكسير ، والمبطون ، وقد تعرض الأصحاب لهم بالخصوص.

كما تعرض بعضهم للحائض ـ أيضاً ـ إذا ضاق وقتها ، أو لم يمكنها الانتظار. قال في المسالك : « ويدخل في عموم العبارة ـ يعني : قولهم :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النيابة في الحج.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الطواف حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الطواف حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الطواف حديث : ٥.

(٦) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب الطواف حديث : ٦.

١١٠

______________________________________________________

« ولا تجوز النيابة في الطواف للحاضر إلا مع العذر ـ الحائض ، لأن عذرها مانع شرعي من دخول المسجد ، وإنما يتصور لحوقها ـ مع ضيق الوقت بالحج ـ بالنسبة إلى طواف العمرة ، أو خروج القافلة بالنسبة إلى طواف الحج. وفي جواز استنابتها حينئذ نظر ، لانتفاء النص الدال على ذلك. بل قد حكم الأكثر بعدولها إلى حج الافراد عند ضيق الوقت عن الطواف وإتمام عمرة التمتع ، ورواه جميل بن دراج في الصحيح (١) ، وهو يقتضي عدم جواز النيابة. ولو قيل بجواز الاستنابة مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة كان قوياً .. ». وفي المدارك ـ بعد أن حكى ذلك عن المسالك ـ قال : « وهو غير بعيد ، ويقوى الجواز في طواف النساء. بل مقتضى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز جواز تركه والحال هذه ، فإنه قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) ، فدخل عليه رجل ، فقال : أصلحك الله ، إن امرأة معنا حائضاً ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال أن يقيم عليها. قال : فأطرق ، وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ، ولا يقيم عليها جمالها. ثمَّ رفع رأسه إليه فقال (ع) : تمضي ، فقد تمَّ حجها » (٢). وفي كشف اللثام : « من أصحاب الأعذار أو الغيبة : الحائض إذا ضاق الوقت ، أو لم يمكنها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب أقسام الحج حديث : ٢.

(٢) رواه في الوسائل ـ عن الكافي ـ باب : ٥٩ من أبواب الطواف حديث : ١. وفيه أيضاً ـ عن الفقيه ـ باب : ٨٤ من أبواب الطواف حديث : ١٣. ولكنه يختلف عن نسخة الفقيه. كما أن متن الرواية المذكور هنا لا يوافق متن الرواية بالطريقين. وإن كان أقرب إلى نسخة الفقيه منه إلى الوسائل. لا حظ الكافي جزء ٤ صفحة ٤٥١ طبع إيران الحديثة ، الفقيه جزء ٢ صفحة ٢٤٥ طبع النجف الأشرف.

١١١

______________________________________________________

المقام حتى تطهر .. ». لكن في الدروس : « في استنابة الحائض عندي تردد .. ». قال في الجواهر : « قلت : لعله من ذلك ومن عدم قابليتها لوقوع الطواف ـ الذي هو كالصلاة ـ منها ، فكذا نائبها ، ومن بطلان متعتها وعدولها الى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضاً وقد تضيق وقت الوقوف ، إذ لو كانت النيابة مشروعة لصحت متعتها .. ».

والاشكال فيه ظاهر ، فان عدم صحة طوافها ـ لاعتبار الطهارة فيه ـ لا يلازمه عدم صحة النيابة عنها ، كما يظهر بملاحظة مورد النصوص المتقدمة وغيرها من موارد النيابة. نعم يعتبر في صحة النيابة كون المنوب فيه مشروعاً في حق المنوب عنه ، لا صحته من المنوب عنه. وبطلان متعتها ـ لو قدمت إلى مكة حائضاً وقد تضيق وقت الوقوفين ـ لا يدل على ما نحن فيه ، لإمكان خصوصية في الفرض المذكور دل عليها الدليل بالخصوص. مع أنه حكي القول بالاستنابة عن بعض ، كما سيأتي.

وبالجملة : إطلاق كلمات الأصحاب جواز النيابة في الطواف عن المعذور يقتضي العموم للحائض ، كما ذكر في كشف اللثام. والنصوص الواردة في الأعذار المتقدمة لا يبعد التعدي عن موردها إلى المقام. وفي الجواهر ـ بعد أن ذكر استدلال المدارك بصحيح الخزاز المتقدم على جواز تركها طواف النساء ـ قال : « قلت : وهو كذلك ، إلا أنه ـ بقرينة عدم القائل به ـ يجب حمله على الاستنابة. ولعله لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها وطهارتها ، لا أنه يطاف عنها مع حضورها حال حيضها. بل جعل المدار على ذلك في صحة الاستنابة عنها في الطواف متجه ». لكن الاعتماد على الرواية في تشريع النيابة غير ظاهر ، لأن حملها على ذلك لا يخرجه عن التأويل ، والمؤول ليس بحجة. وكان الأولى من ذلك الاعتماد على نصوص‌

١١٢

وأما مع كونه حاضراً وغير معذور فلا تصح النيابة عنه [١].

______________________________________________________

المعذور بإلغاء خصوصية موردها.

وأما اعتبار الطهارة فلما ذكره سابقاً من عدم صحة النيابة فيما لا يصح من المنوب عنه ، مما عرفت الاشكال فيه. وأما اعتبار الغيبة ، فكأنه لما يأتي من عدم صحة النيابة عن الحاضر. وفيه : أنه يختص بغير المعذور ، لما عرفت من النصوص. مضافاً الى أنها إن تركت السعي وسافرت فقد تركت واجباً من غير عذر ، وإن سعت ثمَّ سافرت فقد فوت الترتيب بينه وبين الطواف من دون عذر ، فاللازم ـ بناء على ما عرفت من عموم أدلة النيابة عن المعذور للحائض ـ أن تستنيب في الطواف ، ثمَّ تسعى ، ثمَّ تسافر.

[١] وفي كشف اللثام : كأنه اتفاقي. واستدل له ـ فيه ، وفي الجواهر وغيرهما ـ : بمرسل عبد الرحمن بن أبى نجران ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة. قال (ع) : لا ، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب عن مكة قال : قلت : وكم مقدار الغيبة؟ قال (ع) : عشرة أميال » (١) ، وخبر إسماعيل بن عبد الخالق قال : « كنت الى جنب أبي عبد الله (ع) وعنده ابنه عبد الله ، أو ابنه الذي يليه ، فقال له رجل : أصلحك الله تعالى يطوف الرجل عن الرجل وهو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال : لا ، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عني. سمى الأصغر وهما يسمعان » (٢). ولأجل ذلك يخرج عن إطلاق ما دل على جواز النيابة في الطواف ، الشامل للحاضر والغائب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٥١ من أبواب الطواف حديث : ١.

١١٣

وأما سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم [١] ، حتى مثل السعي بين الصفا والمروة [٢].

( مسألة ١٧ ) : لو كان عند شخص وديعة ، ومات صاحبها [٣] وكان عليه حجة الإسلام ، وعلم أو ظن أن الورثة لا يؤدون عنه إن ردها إليهم [٤] ، جاز ـ بل وجب‌

______________________________________________________

[١] إذ لا دليل على مشروعيته في نفسه في غير حال الانضمام إلى بقية الأفعال.

[٢] الذي يظهر من جملة من النصوص استحبابه لنفسه. ففي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال رسول الله (ص) لرجل من الأنصار : إذا سعيت بين الصفا والمروة كان لك عند الله تعالى أجر من حج من بلاده ، ومثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة » (١). وخبر أبي بصير قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ما من بقعة أحب الى الله تعالى من المسعى ، لأنه يذل فيه كل جبار » (٢). ونحوهما غيرهما. ودلالتهما على استحبابه لنفسه ظاهر.

[٣] هذا الحكم ـ في الجملة ـ ذكره الأصحاب ، كما في الحدائق. وفي المستند : « بلا خلاف فيه في الجملة .. ».

[٤] اقتصر في الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ، والإرشاد ، وغيرها على خصوص صورة العلم ، وعن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر : إلحاق الظن الغالب به.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب السعي حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب السعي حديث : ١٤.

١١٤

عليه ـ أن يحج بها عنه [١] ، وإن زادت عن أجرة الحج رد الزيادة إليهم. لصحيحة بريد : « عن رجل استودعني مالاً فهلك ، وليس لوارثه شي‌ء ، ولم يحج حجة الإسلام. قال (ع) حج عنه ، وما فضل فأعطهم » [٢]. وهي وإن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظن بعدم تأديتهم لو دفعها إليهم [٣].

______________________________________________________

[١] كما في المسالك وغيرها. لظاهر الأمر. وحمله على مجرد الرخصة ـ لأنه في مقام الحظر ـ بعيد.

[٢] رواه الصدوق بإسناده عن سويد القلاء ، عن أيوب بن الحر ، عن بريد ، عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل .. » (١) وإسناده إلى سويد صحيح ، وسويد وأيوب ثقتان ، وبريد من الأعيان. ورواه ـ في الكافي ـ عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي ابن النعمان ، عن سويد القلاء ، عن أيوب ، عن بريد. ورجال السند كلهم ثقات أو أعيان. نعم أيوب مشترك ، لكن ـ بقرينة رواية الصدوق ـ يظهر أنه ابن الحر الثقة. ورواها الشيخ ـ بهذا الاسناد ـ عن حريث ، عن بريد. ورجال السند كلهم أعيان ، وأيوب قد عرفت المراد منه.

[٣] هذا مما لا إشكال فيه عندهم ، وقد حكى ذلك جماعة من دون حكاية شبهة أو إشكال. فيحتمل أن يكون الوجه فيه الاقتصار ـ في الأخذ بالرواية ـ على مورد لا يخالف القواعد ، كما يظهر من الشرائع ، حيث علل الحكم المذكور : بأن المال خارج عن ملك الورثة. وفيه : أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب النيابة في الحج حديث : ١.

١١٥

ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي [١]

______________________________________________________

لا يجوز رفع اليد عن إطلاق الرواية للقاعدة ، فإن إطلاق الرواية مقيد للقاعدة ، كما هو ظاهر. ويحتمل أن يكون الإجماع. وهذا هو الأظهر. وعليه إذا شك في التقييد ـ سعة وضيقاً ـ تعين الاقتصار على الأول ، لأنه المتيقن من معقد الإجماع. ومن ذلك يظهر : أنه لا وجه لتقييد الرواية بصورة العلم بالامتناع ـ بعد ما عرفت من اكتفاء جماعة بالظن ـ لأن التقييد بالعلم تقييد زائد.

إلا أن يقال : الإجماع إنما هو على تقييد الرواية بصورة امتناع الوارث واقعاً ، والعلم أو الظن طريق اليه لا موضوع للحكم. ولما لم يكن دليل على اعتبار الظن بالامتناع يتعين الاقتصار على صورة العلم بالامتناع لا غير. وهذا هو الأقرب. وسيأتي ـ في كلام المصنف ـ تقريب كون التقييد بالامتناع مقتضى القاعدة ـ فانتظر.

[١] هذا مما لا ينبغي التأمل فيه. وعن التذكرة : أنه اعتبر ـ في صحة تصرف الودعي ـ عدم التمكن من الحاكم ، أو إثبات الحق عنده ، وإلا وجب الاستيذان منه .. وفي الروضة : « وهل يتوقف تصرفهم على إذن الحاكم؟ الأقوى ذلك ، مع القدرة على إثبات الحق عنده ، لأن ولاية إخراج ذلك قهراً على الوارث اليه. ولو لم يمكن فالعدم أقوى ، حذراً من تعطيل الحق الذي يعلم من بيده المال ثبوته. وإطلاق النص إذن له .. ». والاشكال فيه ظاهر ، لأنه خلاف الإطلاق ، كما اعترف به في الروضة في آخر كلامه. وحكى الشهيد ـ في اللمعة ـ قولاً بالافتقار إلى إذن الحاكم مطلقاً ، حتى مع عدم إمكانه ، وعليه لو لم يمكن يبقى الحق معطلاً. وفي اللمعة : إنه بعيد. وعلله في الروضة : بإطلاق النص.

١١٦

ودعوى : أن ذلك للاذن من الامام (ع) [١] كما ترى ، لأن الظاهر من كلام الامام (ع) بيان الحكم الشرعي ، ففي مورد الصحيحة لا حاجة الى الاذن من الحاكم. والظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي‌ء [٢]. وكذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه [٣] ، لانفهام الأعم من ذلك منها. وهل يلحق بحجة الإسلام غيرها من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل : الخمس ، والزكاة ، والمظالم ، والكفارات ، والدين ، أو لا؟ ، وكذا هل يلحق‌

______________________________________________________

وهو في محله.

[١] هذه الدعوى ذكرها في المدارك ، قال ـ في الاشكال على ما ذكره في الروضة في تعليل البعد الذي ذكره في اللمعة ـ : « وهو غير جيد ، فإن الرواية إنما تضمنت أمر الصادق (ع) لبريد في الحج عمن له الوديعة ، وهو إذن وزيادة .. ». وفي الجواهر : احتمال أن الأمر منه لبريد إذن له فيه ، فلا إطلاق فيه حينئذ يدل على خلافها. انتهى. والاشكال فيه بما ذكره المصنف (ره) في محله.

[٢] يظهر من الأصحاب التسالم على ذلك ، حيث لم يذكروه في قيود المسألة. ومقتضى الاقتصار على مورد النص الاختصاص بذلك ، لذكره في السؤال. لكن الظاهر أن الوجه في ذكره في السؤال : احتماله أنه إذا لم يكن لهم شي‌ء لا يجب الحج عنه ، لأنه يؤدي إلى حرمانهم من الميراث ، لا احتمال أن له دخلاً في الوجوب ، كما لعله ظاهر بالتأمل.

[٣] الظاهر أنه لا إشكال فيه عندهم ، ولم يتعرض أحد للخلاف‌

١١٧

بالوديعة غيرها مثل : العارية ، والعين المستأجرة ، والمغصوبة والدين في ذمته ، أو لا؟ وجهان. قد يقال بالثاني ، لأن الحكم على خلاف القاعدة [١] إذا قلنا أن التركة مع الدين تنتقل الى الوراث ، وإن كانوا مكلفين بأداء الدين ومحجورين عن التصرف قبله [٢]. بل وكذا على القول ببقائها معه على‌

______________________________________________________

فيه. ولذلك اقتصر بعضهم على الاستيجار ، كما في الشرائع وغيرها ، وفي القواعد : « يحج أو يستأجر .. ». نعم في المسالك : « والظاهر جواز استنابته فيه ، كما يجوز مباشرته .. ». وظاهره أنه محل نوع تأمل. وكأن ذلك منهم لفهمهم من الأمر بالحج ما هو أعم من التسبيب والمباشرة ، ولذا قال في المستند ـ بعد ما ذكر أن مقتضى النص حج الودعي بنفسه ـ : « لكن الأصحاب جوزوا له الاستيجار ، بل ربما جعلوه أولى. مع أن ارادة الحج بنفسه من اللفظ في هذا المقام محل تأمل ظاهر ». وأشار بقوله : « ربما جعلوه أولى » إلى ما ذكره في المدارك ، قال : « مقتضى الرواية أن المستودع يحج. لكن جواز الاستيجار ربما كان أولى. خصوصاً إذا كان الأجير أنسب بذلك .. ».

[١] هذا القول حكاه في المستند عن جماعة. كما حكى التعدي إلى سائر الحقوق المالية إلى آخرين ، وحكاه في كشف اللثام عن الدروس.

[٢] قد تقدم في بعض المباحث السابقة : أن التركة ـ مع الدين المستغرق ـ هل تنتقل إلى الورثة ويتعلق بها حق الديان ـ كما في العين المرهونة ـ أو أنها باقية على ملك الميت؟ وكذا مع الدين غير المستغرق بالنسبة إلى ما يقابله من التركة. وقد اختار المصنف (ره) ـ تبعاً لجماعة ـ الأول. وذهب آخرون الى الثاني. وهو الأظهر. وقد تعرضنا لتحرير‌

١١٨

حكم مال الميت ، لأن أمر الوفاء إليهم ، فلعلهم أرادوا الوفاء‌

______________________________________________________

المسألة ـ على الإجمال ـ في مكان المصلي من كتاب الصلاة.

فعلى الأول يكون تصرف غير الوارث تصرفاً في ملك الوارث ، فلا يجوز إلا بإذنه ، لعموم قاعدة : « الناس مسلطون على أموالهم ». وعلى الثاني المال وإن كان ملكاً للميت ، لكن ولاية التصرف فيه إما للوارث ، لعموم : « أولى الناس بالميت أولاهم بميراثه » ، فالتصرف من غير الوارث تصرف من غير السلطان ، فلا يجوز إلا بإذن من له السلطنة عليه أو للحاكم الشرعي ، لأن العموم المذكور لا دليل عليه إلا الإجماع والنصوص الواردة في تغسيل الميت والصلاة عليه ، والأخيرة لا عموم فيها لما نحن فيه ، والإجماع غير محقق على وجه يشمل ما نحن فيه ، والقدر المتقن منه شؤون تجهيز الميت ـ مثل تغسيله ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودينه ، ونحوها ـ وحينئذ يكون تصرف الأجنبي بغير إذن الحاكم تصرفاً بغير إذن الولي. وكأنه لذلك قال في الجواهر : « بل قد يشكل الدفع ـ مع العلم بالأداء ـ من دون استيذان الحاكم ، لتعلق دين الحج به ، كما في تركة المديون المتوقف دفعها للوارث على الاذن ، والتخيير في جهات القضاء لا يسقط الحق المزبور. وان كان قد يدفع : بأن حق الدين وإن تعلق بالعين لكن المخاطب به الوارث ، فمع فرض العلم بتأديته لم يجز منعه عنه. بل لعله كذلك مع عدم العلم بحاله ، فضلاً عن حال العلم ». لكن كلامه الأخير ينبغي أن يبتني على انتقال التركة إلى الوارث حتى ما يقابل الدين. كما أن كلامه الأول ينبغي أن يبتني على بقاء ما يقابل الدين على ملك الميت ، ليكون التصرف فيه من وظائف الحاكم ، كما ذكرنا سابقاً.

اللهم إلا أن يقال : إن السيرة القطعية على عدم مداخلة الحاكم‌

١١٩

من غير هذا المال [١] ، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميت بأنفسهم. والأقوى مع العلم بأن الورثة لا يؤدون ـ بل مع الظن القوي أيضاً ـ جواز الصرف فيما عليه. لا لما ذكره في المستند : من أن وفاء ما على الميت ـ من الدين أو‌

______________________________________________________

الشرعي في وفاء الديون عن الميت إذا لم يوص به الميت اليه ، فتكون الولاية فيه للوارث ولو على القول بالبقاء على ملك الميت. ويشهد بذلك النصوص أيضاً ، ففي صحيح عباد بن صهيب ـ أو موثقه ـ عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته ، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة ، ثمَّ أوصى أن يحرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال : فقال (ع) : جائز ، يخرج ذلك من جميع المال. إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس لوارثه شي‌ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة .. » (١) ، ورواية يحيى الأزرق : « عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالاً ، فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال (ع) : نعم. قلت : وهو لم يترك شيئاً. قال (ع) : إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه » (٢).

[١] هذا ذكره في المدارك ، قال (ره) : « لأن مقدار أجرة الحج وان كان خارجاً عن ملك الورثة ، إلا أن الوارث مخير في جهات القضاء وله الحج بنفسه والاستقلال بالتركة ، والاستيجار بدون أجرة المثل ، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق .. ». وظاهره المفروغية عن ولاية الوارث إذا كان مقدماً على إخراج الدين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب الوصايا حديث : ١.

١٢٠