لطائف الإشارات - ج ٣

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري

لطائف الإشارات - ج ٣

المؤلف:

زين الدين أبي القاسم عبدالكريم ابن هوازن بن عبدالملك ابن طلحة بن محمد النيسابوري القشيري


المحقق: الدكتور إبراهيم بسيوني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٣
الصفحات: ٧٩٤

(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)

تناهى حرّها.

(لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)

نبت ينمو بالحجاز له شوك ، وهو سمّ لا تأكله الدواب ، فإذا أكلوا ذلك في النار يغصّون ، فيسقون الزقّوم.

وإن اتصاف الأبدان ـ اليوم ـ بصورة الطاعات مع فقد الأرواح وجدان المكاشفات (وفقد) (١) الأسرار أنوار المشاهدات ، (وفقد) القلب الإخلاص والصدق في الاعتقادات لا يجدى خيرا ، ولا ينفع شيئا ـ وإنما هي كما قال : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ)

قوله جل ذكره : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ)

أي : متنعّمة ، ذات نعمة ونضارة.

(لِسَعْيِها راضِيَةٌ)

حين وجدت الثواب على سعيها ، والقبول لها.

(فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ)

عالية في درجتها ومنزلتها وشرفها. هم بأبدانهم في درجاتهم ، ولكن بأرواحهم مع الله فى عزيز مناجاتهم.

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)

لأنهم يسمعون بالله ؛ فليس فيها كلمة لغو.

قوم يسمعون بالله ، وقوم يسمعون لله ، وقوم يسمعون من الله ، وفي الخبر : «كنت له سمعا وبصرا فبى يسمع وبى يبصر (٢).

__________________

(١) ما بين القوسين إضافة من جانبنا كى يكون السياق أكثر وضوحا.

(٢) «ما يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التي يبعسر بها ، وسمعه الذي يسمع به ، ويده التي يبطش بها» أورده السراج في لمعه ص ٨٨. وهو حديث قدسى رواه البخاري عن أبى هريرة وأحمد عن عائشة ، والطبراني في الكبير عن أبى أمامة ، وابن السنى عن ميمون.

٧٢١

(فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ)

أراد عيونا ؛ لأن العين اسم جنس ، والعيون الجارية هنالك كثيرة ومختلفة.

ويقال : تلك العيون الجارية غدا لمن له ـ اليوم ـ عيون جارية بالبكاء (١) ، وغدا لهم عيون ناظرة بحكم اللقاء.

(فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦))

النمارق المصفوفة في التفسير : الطنافس المبسوطة.

الزرابي المبثوثة في التفسير : البسط المتفرقة.

وإنما خاطبهم على مقادير فهو مهم (٢).

قوله جل ذكره : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)

لمّا ذكر وصف تلك السّرر المرفوعة المشيّدة قالوا : كيف يصعدها المؤمن؟ فقال :

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ كيف إذا أرادوا الحمل عليها أو ركوبها تنزل؟

فكذلك تلك السّرر تتطامن حتى يركبها الوليّ.

وإنما أنزلت هذه الآيات على وجه التنبيه ، والاستدلال بالمخلوقات على كمال قدرته سبحانه.

فالقوم كانوا أصحاب البوادي لا يرون شيئا إلا السماء والأرض والجبال والجمال ... فأمرهم بالنظر في هذه الأشياء.

__________________

(١) منذ عهد مبكر ظهرت طائفة البكّائين في صفوف الزهاد ، وإن كان بعض الصوفية لا يتحمس البكاء إمّا لأن الدموع علامة شكوى ، وهم لا يحبون أن يشكوا ، وإمّا لأنها تنم عن ضعف الحال ، وهم يتمنون أن يكونوا راسخين كالجبال.

(٢) يتبع هذا فكرة القشيري الأساسية عن وصف الآخرة : الأسماء أسماء ، والأعيان بخلاف ذلك.

٧٢٢

وفي الإبل خصائص تدل على كمال قدرته وإنعامه جل شأنه ؛ منها : ما في إمكانهم من الانتفاع بظهورها للحمل والركوب ، ثم بنسلها ، ثم بلحمها ولبنها ووبرها ... ثم من سهولة تسخيرها لهم ، حتى ليستطيع الصبيّ أن يأخذ بزمامها ، فتنجرّ وراءه. والإبل تصبر على مقاساة العطش في الأسفار الطويلة ، وهي تقوى على أن تحمل فوق ظهورها الكثير من الحمولات .. ثم حرانها إذا حقدت ، واسترواحها إلى صوت من يحدوها عند الإعياء والتعب ، ثم ما يعلّل المرء بما يناط بها من برّها (١).

(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (٢٢))

(٢) لست عليهم بمسلّط ؛ فذكّر ـ يا محمد ـ بما أمرناك به ، فبذلك أمرناك (٣).

(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ)

إلا من تولّى عن الإيمان وكفر فيعذبه الله بالخلود في النار.

(إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)

إن إلينا رجوعهم ، ثم نجازيهم على الخير والشرّ.

__________________

(١) إشارة القشيري الخاصة بالإبل استوفت المراد ، فمن المعلوم أن ضروب الحيوان المختلفة لا تخرج عن أربعة : حدوبة ، وركوبة ، وأكولة ، وحمولة. وقد استطاع القشيري أن يقنع أن الإبل جمعت كل هذه المنافع.

(٢) بمصيطر ومسيطر ، أي بالصاد والسين (الصحاح).

(٣) لم يقع القشيري فيما وقع فيه بعض المفسرين حين قالوا : «إن في الآية نسخا بآيات القتال والجهاد» ... فالعذاب الأكبر في الآخرة لا ينفى تعذيب الكفار بشتى ألوان التعذيب في الدنيا ، ومنها القتل والأسر.

٧٢٣

سورة الفجر

قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

بسم الله كلمة ما استولت على قلب فقير فأقلقته ، وما تمكّنت من سرّ متيّم فشتّته ، وما استولت على روح محبّ فرحمته (١). كلمة قهّارة للقلوب .. ولكن لا لكلّ قلب ، كلمة لا سبيل لها لكلّ عقل ، كلمة تكتفى من العابدين بقراءتهم لها ، ولكنها لا ترضى من المحبين إلا ببذل أرواحهم فيها.

قوله جل ذكره : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢))

الفجر انفجار الصّبح وهو اثنان : مستطيل وقصير (٢) ؛ ففى التفسير : إنه فجر المحرّم لأنه ابتداء السنة كلها ، وقيل : فجر ذى الحجة.

ويقال : هو الصخور ينفجر منها الماء.

ويقال : أقسم به لأنّه وقت عبادة الأولياء عند افتتاحهم النهار.

(وَلَيالٍ عَشْرٍ) قيل : هى عشر ذى الحجة ، ويقال : عشر المحرم ؛ لأن آخرها عاشوراء. ويقال : العشر الأخيرة من رمضان.

ويقال : هى العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه‌السلام تمّ به ميعاده بقوله : (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ)».

__________________

(١) هكذا في النسختين ، ولا نستبعد أنها في الأصل : (فأراحته) ذلك لأن رحمة الله عامة ، للخاصة والكافة ، أما محبته ـ التي هي رحمة خاصة بالخواص ـ فهى المقصودة هنا (الرسالة ص ١٥٨) وهذه المحبة إذا استولت على روح محب أزعجته وما (أراحته) لأنها تتطلب بذل الروح ، واسترخاص المهجة.

(٢) فى النسختين (مستطيل ومستطير) ولم نفهم المقصود ، فوضعنا (قصير) محل مستطير كى يكون هناك بين فجر لعام كامل. وفجر ليوم واحد ـ والله سبحانه وتعالى أعلم.

٧٢٤

ويقال : هو «فجر» قلوب العارفين إذا ارتقوا عن حدّ العلم ، وأسفر صبح معارفهم ، فاستغنوا عن ظلمة طلب البرهان (١) بما تجلّى في قلوبهم من البيان.

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)

جاء في التفاسير : الشفع يوم النّحر ، والوتر يوم عرفة (٢).

ويقال : آدم كان وترا فشفع بزوجته حواء.

وفي خبر : إنها الصلوات منها وتر (كصلاة المغرب) ومنها شفع كصلاة الصّبح.

ويقال : الشفع الزوج من العدد ، والوتر الفرد من العدد.

ويقال : الشفع تضادّ أوصاف الخلق : كالعلم والجهل ، والقدرة والعجز ، والحياة والموت. والوتر انفراد صفات الله سبحانه عمّا يضادّها ؛ علم بلا جهل ، وقدرة بلا عجز ، وحياة بلا موت.

ويقال : الشفع الإرادة والنية ، والوتر الهمّة ؛ لا تكتفى بالمخلوق ولا سبيل لها إلى الله ـ لتقدّسه عن الوصل والفصل. فبقيت الهمّة غريبة.

ويقال : الشفع الزاهد والعابد ، لأن لكل منهما شكلا وقرينا ، والوتر المريد فهو كما قيل :

فريد من الخلّان في كل بلدة

إذا عظم المطلوب قلّ المساعد

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)

«يسرى» يمضى.

قوله جل ذكره : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)

(حجر) لبّ. وجواب القسم : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).

__________________

(١) أي عن النطاق العقلي .. والعقل ـ فى نظر الصوفية ـ مصاب بآفات التجويز والتحير والارتباط بالمحسات.

(٢) يوم عرفة وتر ، لأنه تاسع الأيام العشرة ، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها .. وقد روى حديث بهذا المعنى عن جابر بن عبد الله.

٧٢٥

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ ...)

ذكر قصص هؤلاء المتقدمين .. إلى قوله : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي : شدة العذاب.

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤))

لا يفوته شىء.

قوله جل ذكره : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ)

(فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي : شكره.

(فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ). أي : ضيّق ، (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ). أي : أذلّنى. كلا .. ليس الإذلال بالفقر إنما الإذلال بالخذلان للعصيان (١).

قوله جل ذكره : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)

أي : أنتم تستحقون الإهانة على هذه الخصال المذمومة ؛ فلا تكرمون اليتيم.

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠))

لمّا. أي شديدا.

(وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا)

جمّا أي كثيرا.

__________________

(١) كما نعرف من مذهب القشيري ، أقصى درجات الغضب : الخذلان للعصيان وأقصى درجات الرضا :

التوفيق الطاعة .. وكلاهما من الله.

٧٢٦

قوله جل ذكره : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)

أي : قامت القيامة.

(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)

(وَجاءَ رَبُّكَ) أي الملائكة بأمره (١).

ويقال : يفعل فعلا فيسميه مجيئا.

(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى)

يقال : تقاد جهنم بسبعين ألف زمام (٢)

وفي ذلك اليوم يتذكر الإنسان .. ولا ينفعه التذكّر ، ولا يقبل منه العذر.

(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي)

أي : أطعت ربّى ونظرت لنفسى.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ)

أي : لا يعذّب في الدنيا أحد مثلما يعذّبه الله في ذلك اليوم .. إذا قرئت الذال بالكسر.

أما إذا قرئت بالفتح (٣) (لا يُعَذِّبُ) فالمعنى : لا يعذّب أحد مثلما يعذّب هذا الكافر (٤).

قوله جل ذكره : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧))

__________________

(١) أي : جاءهم ربّك. أي : ظهرت آياته ، وأزيل الشك ، وصارت المعارف ضرورية ، وظهرت القدرة الإلهية. والمقصود نفى التحول من مكان إلى مكان عن الله ، فقد جلّت الصمدية عن الارتباط بالتحول الحركى والتقيد الزمانى والمكاني.

(٢) «... كل زمام بيد سبعين ألف ملك ، لها تغيظ وزفير ، حتى تنصب عن يسار العرش» (ابن مسعود) وفي صحيح مسلم حديث يرويه ابن مسعود بهذا المعنى.

(٣) بالفتح قراءة الكسائي «لا يُعَذِّبُ» «وَلا يُوثِقُ».

(٤) قيل : هو إبليس لأنه أشد المخلوقات عذابا ، وقيل «هو أمية بن خلف لتناهيه في كفره وعناده.

٧٢٧

الروح المطمئنة إلى النفس.

ويقال : المطمئنة بالمعرفة : ويقال : المطمئنة بذكر الله.

ويقال : بالبشارة بالجنة. ويقال : النفس المطمئنة : الروح الساكنة (١)

(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)

راضية (٢) عن الله ، مرضية من قبل الله.

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)

أي : فى عبادى الصالحين.

__________________

(١) تأخرت هذه العبارة الأخيرة إلى نهاية السورة في النسختين فنقلناها إلى موضعها.

(٢) وردت (من) ولكننا وجدنا أن المعنى حينئذ لن يتغير فيما بين اسم الفاعل واسم المفعول ، فوضعنا (عن) بدلا من (من) مسترشدين بقوله تعالى : «رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ». وإن كنا لا نستبعد أن (من) تؤدى معنى صوفيا : هو أنه حتى رضاهم عن الله (من) الله ، فليس للعبد حول ولا طول حتى يرضى أو يسخط ... إلا إذا كان ثمة فضل إلهى (من) الله.

٧٢٨

سورة البلد

قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

(بِسْمِ اللهِ) كلمة تخبر عن جلال أزليّ ، وجمال سرمديّ ، جلال ليس له زوال ، وجمال ليس له انتقال ، جلال لا بأغيار (٢) وأمثال ، جمال لا بصورة ومثال ، وجلال هو استحقاقه لجبروته وجمال هو استيجابه لملكوته ، جلال من كاشفه به فأوصافه فناء في فناء ، وجمال من لاطفه به فأحواله بقاء في بقاء.

قوله جل ذكره : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١))

أي : أقسم بهذا البلد ، وهو مكة.

(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)

وإنما أحلّت له ساعة واحدة (٣).

(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ)

كلّ والد وكلّ مولود. وقيل : آدم وأولاده

وجواب القسم : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ).

ويقال : أقسم بهذا البلد لأنك حلّ به .. وبلد الحبيب حبيب.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ)

__________________

(١) مرة أخرى حدث اضطراب .. فتفسير البسملة هنا كما جاء في م موضوع في ص في أول السورة القادمة : سورة الشمس .. والعكس في م.

(٢) هكذا في م وهي في ص (باعتبار) والصحيح ما أثبتنا.

(٣) عن ابن عباس قال : «أحلّت له ساعة من نهار ثم أطبقت وحرّمت إلى القيامة وذلك يوم فتح مكة. وثبت أن النبي (ص) قال : «إن الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهى حرام إلى أن تقوم الساعة ، فلم تحل لأحد قبلى ، ولا تحل لأحد بعدى ، ولم تحل لى إلا ساعة من نهار».

٧٢٩

أي : فى مشقة ؛ فهو يقاسى شدائد الدنيا والآخرة.

ويقال : خلقه في بطن أمه (منتصبا رأسه) فإذا أذن الله أن يخرج من بطن أمّه تنكّس رأسه عند خروجه ، ثم في القماط وشدّ الرّباط ... ثم إلى الصّراط هو في الهياط والمياط (١).

قوله جل ذكره : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)

أي : لقوّته وشجاعته عند نفسه يقول :

(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)

(لُبَداً) كثيرا ، فى عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (٢)

(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)

أليس يعلم أنّ الله يراه ، وأنه مطّلع عليه؟

قوله جل ذكره : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ)

أي : ألم نخلقه سميعا بصيرا متكلّما.

(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)

ألهمناه طريق الخير والشّر.

(فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥))

أي : فهلّا اقتحم العقبة. (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ؟) استفهام على التفخيم لشأنها.

ويقال : هى عقبة بين الجنة والنار يجاوزها من فعل ما قاله : وهو فكّ رقبة : أي : إعتاق مملوك ، والفكّ الإزالة. وأطعم في يوم ذى مجاعة وقحط وشدّة يتيما ذا قرابة ، أو (مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) : لا شىء له حتى كأنه قد التصق بالتراب من الجوع.

__________________

(١) يقال : هم في هياط ومياط أي في شر وجلبة ، وقيل : فى دنو وتباعد (الوسيط).

(٢) يقال : نزلت في رجل من بنى جمح كان يقال له : أبو الأشدين ، وكان من أشد أعداء النبي (ص).

(قاله الكلبي).

٧٣٠

قوله جل ذكره : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)

أي : من الذين يرحم بعضهم بعضا.

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)

أي : أصحاب اليمن والبركة.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ)

هم المشائيم على أنفسهم ، عليهم نار مطبقة ؛ يعنى أبواب النيران (عليهم مغلقة).

والعقبة التي يجب على الإنسان اقتحامها : نفسه وهواه ، وما لم يجز تلك العقبة لا يفلح و (فَكُّ رَقَبَةٍ) هو إعتاق نفسه من رقّ الأغراض والأشخاص.

ويكون فك الرقبة بأن يهدى من يفكّه ـ من رق هواه ونفسه ـ إلى سلامته من شحّ نفسه ، ويرجعه إليه ، ويخرجه من ذلّه.

ويكون فكّ الرقبة بالتّحرّز من التدبير ، والخروج من ظلمات الاختيار إلى سعة الرضاء.

ويقال : يطعم من كان في متربة ويكون هو في مسغبة.

(ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ...) أي تكون خاتمته على ذلك (١).

__________________

(١) أي يبقى على ذلك حتى الوفاة.

٧٣١

سورة الشمس

قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

(بِسْمِ اللهِ) إخبار عن وجود الحقّ بنعت القدم. (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : إخبار عن بقائه بوصف العلاء والكرم.

كاشف الأرواح بقوله : (بِسْمِ اللهِ) فهيّمها ، وكاشف النفوس بقوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فتيمّها ؛ فالأرواح دهشى في كشف جلاله ، والنفوس عطشى إلى لطف جماله (١).

قوله جل ذكره : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١))

ضحا الشمس صدر وقت طلوعها.

(وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)

أي : تبعها ؛ وذل في النصف الأول من الشهر.

(وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها)

إذا جلّى الشمس وكشفها.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)

أي : يغشى الشمس (فيذهب بضوئها).

(وَالسَّماءِ وَما بَناها)

أي وبنائها. ويقال : ومن بناها (٢)

__________________

(١) نذكر بما قلناه آنفا عن تعاكس وضع تفسيرى البسملة فيما بين «البلد» و «الشمس» فى النسختين م ، وص.

(٢) هذا القول الأخير اختاره الطبري ، وقاله الحسن ومجاهد. وأهل الحجاز يقولون : سبحان (ما) سبّحت له. أي سبحان من سبحت له.

٧٣٢

(وَالْأَرْضِ وَما طَحاها)

أي : وطحوها. ويقال : ومن طحاها (أي بسطها أو قسمها أو خلقها).

(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها)

ومن سوّى أجزاءها وأعضاءها.

(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)

أي : بأن خذلها ووفّقها.

ويقال : فجورها : حركتها في طلب الرزق ، وتقواها : سكونها بحكم القدير.

وقيل : طريق الخير والشر.

قوله جل ذكره : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩))

هذا جواب القسم. أي : «لقد أفلح من زكّاها».

ويقال : من زكّاها الله عزوجل.

(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)

أي : دسّاها الله. وقيل : دسّها (١) فى جملة الصالحين وليس منهم.

وقيل : خاب من دسّ نفسه بمعصية الله. وقيل دسّاها : جعلها خسيسة حقيرة. وأصل الكلمة دسسها (٢)

قوله جل ذكره : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها)

(بِطَغْواها) لطغيانها ، وقيل : إن صالحا قد مات ، فكفر قومه ، فأحياه الله ، فدعاهم إلى الإيمان ، فكذّبوه ، وسألوه علامة وهي الناقة ، فأتاهم صالح بما سألوا.

(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها).

__________________

(١) أي دسها صاحبها.

(٢) من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء في الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصّيت أظفارى والأصل قصصت ، ومثله قولهم في تضّض : تقضّى.

٧٣٣

(أَشْقاها) عاقرها.

(فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها)

أي : احذروا ناقة الله ، واحذروا سقياها : أي : لا تتعرّضوا لها.

(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها ...)

أي كذّبوا صالحا ، فعقروا الناقة.

(... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها).

أي : أهلكهم بجرمهم ، (فَسَوَّاها) : أي أطبق عليهم العذاب (١).

ويقال : سوّى بينهم ربّهم في العذاب لأنهم كلهم رضوا بعقر الناقة.

قوله جل ذكره : (وَلا يَخافُ عُقْباها)

أي : أن الله لا يخاف عاقبة ما فعل بهم من العقوبة.

ويقال : قد أفلح (٢) من داوم على العبادة ، وخاب من قصّر فيها.

وفائدة السورة : أنه أفلح من طهّر نفسه عن الذنوب والعيوب ، ثم عن الأطماع في الأعواض والأغراض ، ثم أبعد نفسه عن الاعتراض على الأقسام ، وعن ارتكاب الحرام. وقد خاب من خان نفسه ، وأهملها عن المراعاة ، ودنّسها بالمخالفات ؛ فلم يرض بعدم المعاني حتى ضمّ إلى فقرها منها الدعاوى المظلمة ... فغرقت في بحر الشقاء سفينته.

__________________

(١) بأن سوى عليهم الأرض.

(٢) هكذا في ص وهي في م (أصلح) وقد رجّحنا ما أثبتنا ، فهكذا الآية ، ثم ما تلا هذه العبارة.

٧٣٤

سورة اللّيل

قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

بسم الله كلمة تخبر عن إلهية الله ؛ وهي استحقاقه لنعوت المجد والتوحّد ، وصفات العزّ والتفرّد ؛ فمن تجرّد في طلبه عن الكسل ، ولم يستوطن مركب العجز والفشل ، ووضع النظر موضعه وصل بدليل العقل إلى عرفانه ، ومن بذل روحه ونفسه وودّع في الطلب راحته وأنسه ، ولم يعرّج في أوطان الوقفة ظفر بحكم الوصل إلى شهود سلطانه ، والناس فيه بين موفّق ومخذول ، أو مؤيّد ومردود.

قوله جل ذكره : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١))

يغشى الأفق ، وما بين السماء والأرض فيستره بظلمته.

والليل لأصحاب التحيّر يستغرق جميع أقطار أفكارهم فلا يهتدون الرشد.

(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)

أنار وظهر ، ووضح وأسفر.

ونهار أهل العرفان بضياء قلوبهم وأسرارهم ، حتى لا يخفى عليهم شىء ، فسكنوا بطلوع الشمس (١) عن تكلّف إيقاد السراج (٢)

(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)

أي : «من» خلق الذكر والأنثى ؛ وهو الله سبحانه :

(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)

هذا جواب القسم ، والمعنى : إنّ عملكم لمختلف ؛ فمنكم : من سعيه في طلب دنياه ، ومنكم من سعيه في شهوات نفسه واتباع هواه ، ومنكم من في طلب جاهه ومناه ، وآخر في طلب عقباه ،

__________________

(١) يقصد شمس التوحيد.

(٢) إذا طلعت شمس التوحيد لم تغن محاولات العقل ، لأن نورها يطغى على كل الأنوار.

٧٣٥

وآخر في تصحيح تقواه ، وآخر في تصفية ذكراه ، وآخر في القيام بحسن رضاه ، وآخر في طلب مولاه.

ومنكم : من يجمع بين سعى النّفس بالطاعة ، وسعى القلب بالإخلاص ، وسعى البدن بالقرب ، وسعى اللسان بذكر الله ، والقول الحسن للناس ، ودعاء الخلق إلى الله والنصيحة لهم.

ومنهم من سعيه في هلاك نفسه وما فيه هلاك دنياه ... ومنهم .. ومنهم.

قوله جل ذكره : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى فَأَمَّا مَنْ أَعْطى)

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) من ماله ، (وَاتَّقى) مخالفة ربّه ...

ويقال : (أَعْطى) الإنصاف من نفسه ، (وَاتَّقى) طلب الإنصاف لنفسه (١) ...

ويقال : (اتَّقى) مساخط الله. (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) : بالجنة ، أو بالكرّة الآخرة ، وبالمغفرة لأهل الكبائر ، وبالشفاعة من جهة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبالخلف (٢) من قبل الله ... فسنيسّره لليسرى : أي نسهّل عليه الطاعات ، ونكرّه إليه المخالفات ، ونشهّى إليه القرب ، ونحبّب إليه الإيمان ، ونزيّن في قلبه الإحسان.

ويقال : الإقامة على طاعته والعود إلى ما عمله من عبادته.

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)

أما من منع الواجب ، واستغنى في اعتقاده ، وكذّب بالحسنى : أي بما ذكرنا ، فسنيسره للعسرى ؛ فيقع في المعصية ولم يدبّرها ، ونوقف (٣) له أسباب المخالفة.

ويقال (أَعْطى) أعرض عن الدارين ، (وَاتَّقى) أن يجعل لهما في نفسه مقدارا. (٤)

__________________

(١) من الفتوة أن تتحلّى بالإنصاف وأن تتخلّى عن الانتصاف .. هكذا قال الشيوخ.

(٢) (الخلف) بالمعنى العام : إن الله يرث الأرض ومن عليها ، وبالمعنى الصوفي : «فالذين يهبهم ـ فى حال لفناء والحق ـ فهو عنهم خلف (انظر بسملة الأحقاف من هذا المجلد).

(٣) هكذا في ص وهي في م (ونوفّق) وهي مقبولة أيضا (فالتوفيق) العسرى هو التيسير لها كما في الآية .. بل لعلّها أقرب إلى السياق مما في ص.

(٤) حتى يبتعد عن الأعواض والأغراض ، وينقى قلبه لله وحده.

٧٣٦

قوله جل ذكره : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١))

يعنى : إذا مات .. فما الذي يغنى عنه ماله بعد موته؟

قوله جل ذكره : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)

لأوليائنا ، الذين أرشدناهم. ويقال : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) بنصيب الدلائل.

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى)

ملكا ، نعطيه من نشاء.

(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى)

أي : تتلظّى.

(لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى)

أي : لا يعذّب بها إلّا الأشقى ، وهو :

(الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)

يعنى : كفر.

(وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى)

يعطى الزكاة المفروضة.

ويقال يتطهّر من الذنوب.

ونزلت الآية فى (أبى بكر) (١) رضى الله عنه. والآية عامة.

__________________

(١) ما بين القوسين غير موجود في م ، ويوجد فقط «رضى الله عنه» وفي م : يوجد فقط (والآية عامة) فأكملنا السياق.

ويروى : أن النبي (ص) مر ببلال وهو يعذب في الله ويقول :

أحد أحد ، فلما نقل ذلك إلى أبى بكر ، عرف أبوبكر ما يريده النبي ، فذهب إلى أمية بن خلف ، واشترى بلالا وأعتقه ، فلما قال المشركون : ما أعتقه أبوبكر إلا ليد كانت له عنده ، نزل قوله تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).

٧٣٧

(وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى)

حتى تكون هذه مكافأة له. ولا يفعل هذا ليتّخذ عند أحد يدا ، ولا يطلب منه مكافأة :

(إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى)

أي : ليتقرّب بها إلى الله.

(وَلَسَوْفَ يَرْضى)

يرضى الله عنه ، ويرضى هو بما يعطيه.

٧٣٨

سورة الضّحى

قوله جل ذكره : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(بِسْمِ اللهِ) اسم لا يشبهه كفو (١) فى ذاته وصفاته ، ولا يستفزّه (٢) لهو في إثبات مصنوعاته ، ولا يعتريه سهو في علمه وحكمته ، ولا يعترضه لغو في قوله وكلمته.

فهو حكيم لا يلهو ، وعليم لا يسهو ، وحليم يثبت ويمحو ؛ فالصدق قوله ، والحقّ حكمه ، والخلق خلقه والملك ملكه.

قوله جل ذكره : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢))

(وَالضُّحى) : ساعة من النهار. أو النهار كلّه يسمّى ضحى. ويقال : أقسم بصلاة الضّحى.

ويقال : الضحى الساعة التي كلّم فيها موسى عليه‌السلام.

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) أي : ليلة المعراج ، و (سَجى) : أي سكن ، ويقال : هو عامّ فى جنس الليل.

ويقال : (الضُّحى) وقت الشهود. (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) الذي قال : إنه ليغانّ على قلبى (٣) ...»

__________________

(١) أصلها «كفؤ» أي مماثل ، أو قوى قادر على تصريف العمل.

ويقرأ بضم الفاء وسكونها ، فإن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) (آية ١٥ سورة الزخرف).

(٢) استفزه الشيء ـ استخفه ، واستفزه فلان ـ أثاره وأزعجه.

(٣) عن أغر مزينة قال : قال رسول الله (ص) : إنه ليغان على قلبى حتى أستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة» أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية لمسلم : «توبوا إلى ربكم ، فو الله إنى لأتوب إلى ربى تبارك وتعالى في اليوم مائة مرة».

٧٣٩

ويقال : (اللَّيْلِ إِذا سَجى) حين ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا ـ على التأويل الذي يصحّ في وصفه (١).

(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)

ما قطع عنك الوحى وما أبغضك (٢).

وكان ذلك حين تأخّر جبريل ـ عليه‌السلام ـ عنه أياما (٣) ، فقال أهل مكة : إن محمدا قد قلاه ربّه. ثم أنزل الله هذه السورة.

وقيل : احتبس عنه جبريل أربعين يوما ، وقيل : اثنى عشر يوما ، وقيل : خمسة وعشرين يوما.

ويقال : سبب احتباسه أن يهوديا سأله عن قصة ذى القرنين وأصحاب الكهف ، فوعد الجواب ولم يقل : إن شاء الله (٤).

(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)

أي : ما يعطيك في الآخرة خير لك مما يعطيك في الدنيا.

ويقال : ما أعطاك من الشفاعة والحوض ، وما يلبسك من لباس التوحيد ـ غدا ـ خير مما أعطاك اليوم.

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)

قيل : أفترضى بالعطاء عن المعطى؟ قال : لا.

قوله جل ذكره : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى)

__________________

(١) تقدّم التعليق على هذا الخبر في هامش سبق.

(٢) هكذا في ص وهي في م (يغضبك).

(٣) فى البخاري عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله (ص) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة (هى العوراء بنت حرب أخت أبى سفيان ، وهي حمالة الحطب ، زوج أبى لهب) فقالت : يا محمد ، إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ، فأنزل الله عزوجل «والضحى».

(٤) يقال : إن جروا دخل تحت السرير في حجرته ومات ، فلما تغيب الوحى سأل خادمه خولة : يا خولة ما حدث في بيتي؟ ما لجبريل لا يأتينى؟ فلما قامت إلى البيت فكنسته وأخبرته بما وجدت ... فلما عاده الوحى سأله عن سرّ تأخره فقال جبريل : أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة؟

٧٤٠