بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها ، حيث كان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الامام عليه‌السلام لا سيما مع هذا الاهتمام (١).

______________________________________________________

وضوء قيد لينام من حيث كونه ناقضا له اذا كان نوما تاما ، وغير ناقض له اذا لم يكن نوما تاما.

والسؤال الثاني هو السؤال عما يكشف عن النوم الذي هو نوم العين والاذن ، ومرجعه الى السؤال عن شبهة موضوعيّة ، وان تحريك الشيء في جنب الرجل بحيث يكون الرجل لا يعلم بذلك التحريك في جنبه ولا يحس به ، هل يكشف عن النوم الناقض؟ ولما كان السؤال عن شبهة موضوعية اجابه الامام عليه‌السلام بما حاصله : ان نفس عدم العلم بالتحريك ليس بكاشف ، فقد لا يحس بالتحريك ولكنه لا يكون نائما النوم التام الناقض ، وان المدار على وجدانه وتحقق النوم عنده ، فلذا قال عليه‌السلام : لا حتى يستيقن انه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بين ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ، ولكنه ينقضه بيقين آخر.

(١) قد عرفت ان اثبات الأكابر لها في كتب الحديث يدل على ان مرجع الضمير في قوله قلت له هو الامام عليه‌السلام ، وان المسئول منه هو عليه‌السلام. وقد اشار المصنف في المتن الى جهتين تمنع من قدح الاضمار في هذه الصحيحة : الاولى : ان كون المضمر الذي هو السائل زرارة المعلوم جلالته علما وعملا ، وانه من جلالة مقامه ان لا يسأل الا من الامام عليه‌السلام ، يمنع قدح الاضمار ، ويعين ان المسئول منه هو الامام عليه‌السلام. والى هذه الجهة اشار بقوله : ((حيث كان مضمرها مثل زرارة ... الى آخر الجملة)).

الثانية : ان تكرير السؤال من زرارة واهتمامه بمعرفة الحكم من حيث الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية يدل على ان المسئول هو الامام عليه‌السلام. والى هذه الجهة اشار بقوله : ((لا سيما مع هذا الاهتمام)).

٣٨١

وتقريب الاستدلال بها أنه لا ريب في ظهور قوله عليه‌السلام : وإلا فإنه على يقين .. إلى آخره عرفا في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك فيه ، وأنه عليه‌السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء المستفاد من قوله عليه‌السلام : لا في جواب فإن حرك في جنبه .. إلى آخره ، وهو اندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية غير المختصة بباب دون باب (١) ، واحتمال أن يكون الجزاء هو قوله : فإنه على يقين .. إلى آخره

______________________________________________________

فاتضح من مجموع ما ذكرنا وما اشار المصنف ان الاضمار في هذه الصحيحة غير قادح.

(١) لا يخفى ان الاستدلال بهذه الصحيحة على الاستصحاب هو في الفقرة الاخيرة وهي قوله عليه‌السلام : وإلّا فانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك ابدا ، ولكنه ينقضه بيقين آخر.

وتوضيح الاستدلال بها : ان قوله عليه‌السلام (وإلّا ...) الى آخر الجملة ، هي قضية شرطية مشتملة على الشرط والجزاء ، والشرط هو المستفاد من قوله عليه‌السلام وإلّا : أي وان يستيقن انه قد نام. واما الجزاء فالمحتملات التي اشار اليها المصنف في المتن ثلاثة :

الاحتمال الاول : ان الجزاء محذوف ، وقوله فانه على يقين من وضوئه ... الى آخر قوله ولا ينقض اليقين بالشك هو العلة للجزاء المحذوف ، وقد اقيمت العلة مقام المعلول الذي هو الجزاء المحذوف ، ويكون التقدير وان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب الوضوء ، لانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك.

والمتحصل من ذلك : هو كون العلة المذكورة عبارة عن صغرى هي انه على يقين من وضوئه ، وكبرى مستفادة من قوله ولا ينقض اليقين بالشك ، ومرجع التعليل في هذا الكلام ان الرجل على يقين من وضوئه ، وكل من كان على يقين من وضوئه لا ينقضه بالشك ، لان اليقين لا ينقض بالشك ، فالرجل ان لم يستيقن انه قد نام لا يجب عليه الوضوء ، لانه من نقض اليقين بالشك. وعلى هذا الاحتمال يكون

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جملة انه على يقين من وضوئه جملة خبرية ، وهي وما بعدها العلة للجزاء المحذوف ، وهو عدم وجوب الوضوء. ولا يخفى ان الظاهر من قوله ولا ينقض اليقين بالشك انه هو العلة لعدم نقض الرجل يقينه بالوضوء بشكه في النوم ، ومن الواضح ان التعليل بهذه القضية هو التعليل بقضية ارتكازية ، ولازم ارتكازية هذه القضية كونها كلية غير مختصة بباب اليقين بالوضوء والشك فيه ، ولا بالشك فيه من حيث النوم ، لوضوح ان القضية الارتكازية هو عدم رفع اليد عن اليقين ، لانه من نقض اليقين بالشك فيه ، فلا خصوصية ليقين دون يقين ولا لشك دون شك ، فلا اختصاص لها بخصوص باب اليقين والشك في الوضوء ، ولا بخصوص الشك فيه من حيث النوم ، فانه بناء على الاختصاص بخصوص الشك من حيث النوم لا يستفاد منها الاستصحاب في باب الوضوء اذا كان الشك من غير ناحية النوم ، وبناء على اختصاصها بخصوص باب اليقين والشك في الوضوء لا يستفاد منها الاستصحاب في غير باب الوضوء ، إلّا ان كون القضية ارتكازية يمنع عن هذين التوهمين ، لما عرفت من ان الارتكاز هو لليقين بما هو يقين لوثاقته ، ولاجلها لا يرفع اليد عنه لاجل الشك ، وعليه فالمستفاد منها قضية كلية تشمل كل يقين وشك.

ومنه يتضح : ان الالف واللام في اليقين والشك هما للجنس لا للعهد ، فانها لو كانت عهدية لكان المراد منهما خصوص اليقين بالوضوء والشك فيه ، وهو ينافي كون القضية ارتكازية.

بل يمكن ان يقال : انه على فرض كون اللام عهدية فلا بد من رفع اليد عن احتمال الخصوصية ، وهي كون المتعلق لليقين هو الوضوء ، لان كون التعليل بقضية ارتكازية مفروغا عنها عند العقلاء ـ وهو الاخذ باليقين لوثاقته ـ يوجب الغاء الخصوصية ، وعدم دخل المتعلق بما هو متعلق في القضية الارتكازية ، بل هي مربوطة باليقين بما هو يقين لوثاقته ، وحيث كانت ارتكازية القضية مما لا ريب فيها

٣٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وظهور التعليل في كونه تعليلا بهذه القضية الارتكازية يكون قرينة على رفع الخصوصية ، لانه اقوى من ظهور الخصوصية لو كان للخصوصية ظهور.

ومما ذكرنا يظهر ايضا الجواب عما يقال : بان احتمال دخل الخصوصية وان لم يكن لها ظهور في الدخالة لكنه يجعل الكلام من المحفوف بمحتمل القرينية ، ولا بد فيه من الاقتصار على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن ان لم يكن هو الاستصحاب في خصوص مورد الشك في الوضوء للنوم ، فلا اقل من كونه مختصا بباب الوضوء .. ووجه ظهور الجواب عنه ما مر من ظهور التعليل بالقضية الارتكازية ، فانه يوجب عدم كون الكلام من المحفوف بمحتمل القرينية ، بل الكلام يكون ظاهرا في ان التعليل للمضي على الوضوء وعدم نقضه بالشك لاجل اليقين ووثاقته بذاته وهو الامر الارتكازي المفروغ عنه. وقد اشار (قدس‌سره) الى ان مدخول الفاء هو علة للجزاء المحذوف اقيمت مقامه بقوله : ((وانه عليه‌السلام بصدد بيان ما هو علة الجزاء)) المحذوف ((المستفاد من قوله عليه‌السلام لا)) الواقعة ((في جواب)) سؤال زرارة بقوله : ((فان حرك في جنبه)) شيء وهو لا يعلم.

والحاصل : ان زرارة سأل عما يكشف عن تحقق النوم ، بان التحريك في جنب الرجل وهو لا يعلم به هل يكشف عن نومه فيجب عليه الوضوء؟ فاجابه الامام عليه‌السلام بقوله لا : أي انه لا يجب عليه الوضوء وان كان لا يعلم بما حرك في جنبه.

والمستفاد من قول الامام عليه‌السلام لا الجزاء المحذوف وهو لا يجب الوضوء ، والعلة فيه كون الرجل على يقين من الوضوء ولا ينقض اليقين بالشك. وقد اشار الى ان المستفاد من هذا التعليل هو حجية الاستصحاب مطلقا ولا يرفع اليد عن أي يقين بالشك فيه ، من دون خصوصية لليقين بالوضوء او لخصوصية الشك فيه من جهة النوم لكون التعليل بالقضية الارتكازية بقوله : ((وهو اندراج اليقين والشك ... الى آخر الجملة)).

٣٨٤

غير سديد ، فإنه لا يصح إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه ، وهو إلى الغاية بعيد (١) ، وأبعد منه كون الجزاء قوله : لا ينقض .. إلى آخره

______________________________________________________

(١) هذا هو المحتمل الثاني الذي اشار اليه في المتن ، وهو كون الجزاء ليس بمحذوف ، وانه هو نفس قوله : فانه على يقين من وضوئه ، بان يراد من هذه الجملة هو الانشاء باطلاق الجملة الخبرية ، وارادة الانشاء بها اما من باب الكناية او من باب المجاز كقوله عليه‌السلام : يعيد ويغتسل المراد بهما اعد واغتسل.

والحاصل : انه يراد من قوله ك فانه على يقين وضوئه هو انشاء ايجاب العمل حال الشك على طبق يقينه السابق.

ولا يخفى بعد هذا الاحتمال ، لان حمل الجملة الخبرية على الانشاء خلاف الظاهر ، انما يصار اليه حيث لا يمكن ابقاؤها على ظاهرها من كونها خبرية ، وقد عرفت عدم المانع من ابقاء ظهورها على الخبرية وكونها من باب اقامة العلة للجزاء مقام الجزاء المعلول لها.

والحاصل : ان قوله : (فانه على يقين من وضوئه) اما ان يكون من باب اقامة العلة للجزاء مقام الجزاء كما في المحتمل الاول. واما ان يكون تمهيدا للجزاء ، ويكون الجزاء قوله (ولا ينقض) كما هو مبنى المحتمل الثالث الذي سيأتي الاشارة اليه ، وانه أبعد الاحتمالات. واما ان يكون هو بنفسه الجزاء ، ولا يصح كونه بنفسه جزاء الا بالتأويل لها بالانشاء كما هو مبنى هذا المحتمل الثاني. واما كونه بنفسه جزاء من دون تأويل كما ذكره احتمالا آخر في الحاشية فهو غير صحيح كما بينه هناك ، لان الجزاء مما له ترتب على الشرط ، والشرط هو المستفاد من قوله وإلّا وهو ان لم يستقن انه قد نام ، ومن الواضح انه لا يترتب على عدم الاستيقان بالنوم كونه على يقين من وضوئه سابقا ، لجواز ان لا يكون مستيقنا بالنوم ، ولا يكون ايضا على يقين من وضوئه السابق لتبدل يقينه فيما بعد باليقين بعدم الوضوء ، فلا يكون الجزاء مما يترتب على الشرط ، فينحصر كون قوله (فانه على يقين من وضوئه) جزاء بالتأويل

٣٨٥

وقد ذكر فإنه على يقين للتمهيد (١).

______________________________________________________

بالانشاء ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واحتمال ان يكون الجزاء هو)) نفس ((قوله فانه على يقين ... الخ)) ولا يكون الجزاء محذوفا فهو احتمال ((غير سديد)) لما عرفت من انحصار كون نفس قوله (فانه على يقين من وضوئه) جزاء بتأويله بالانشاء ، والى هذا اشار بقوله : ((فانه لا يصح إلّا بارادة لزوم العمل على طبق يقينه)) بتأويل كون المراد من قوله (فانه على يقين من وضوئه) الى انشاء الامر ببقاء الوضوء الذي مرجعه الى عدم وجوب الوضوء ، وقد عرفت ايضا بعد هذا الاحتمال ، واليه اشار بقوله : ((وهو الى الغاية بعيد)).

(١) هذا هو المحتمل الثالث المشار اليه في المتن ، وهو ان يكون قوله : (فانه على يقين من وضوئه) ليس جزاء ولا علة للجزاء ، بل تمهيدا للجزاء ، والجزاء هو قوله (ولا ينقض اليقين بالشك) ، ويكون تقدير الكلام على هذا انه ان لم يستقن انه قد نام حيث انه على يقين من وضوئه فلا ينقض اليقين بالشك. ولا يخفى ان هذا بعيد جدا مخالف لما عليه استعمالات اهل اللسان ، فان مدخول الفاء اما ان يكون جزاء بنفسه او قائما مقام الجزاء ، واما ان يكون تمهيدا لجزاء مذكور بعده فلا يساعد عليه مبنى الاستعمالات في مقام الجزاء والشرط ، فانه اذا كان الغرض منه التمهيد لا يكون مدخولا للفاء ، وينبغي ان يقول هكذا : وإلّا حيث انه على يقين من وضوئه فلا ينقض اليقين.

مضافا الى مناف آخر وهو عدم صحة عطف ما هو الجزاء بالواو على مدخول الفاء مع فرض كونه ليس بجزاء ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وابعد منه)) أي ابعد من المحتمل الثاني هذا الثالث وهو ((كون الجزاء قوله لا ينقض ... الخ وقد ذكر فانه على يقين للتمهيد)) لبعد كون مدخول الفاء ليس بجزاء ولا قائما مقامه ، وبعد عطف الجزاء بالواو على ما هو غير جزاء بل هو تمهيد للجزاء.

٣٨٦

وقد انقدح بما ذكرنا ضعف احتمال اختصاص قضية : لا تنقض .. إلى آخره باليقين والشك في باب الوضوء جدا ، فإنه ينافيه ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعا (١) ، ويؤيده تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها ، فتأمل جيدا (٢).

______________________________________________________

(١) الظاهر ان وجه انقداح ضعف احتمال اختصاص الاستصحاب المستفاد من هذه الصحيحة بباب الوضوء ، او بخصوص ما اذا كان الشك فيه ناشئا من النوم ، من جهة كون قضية لا ينقض ارتكازية ، وكل قضية ارتكازية كلية ، وهناك ملازمة بينهما .. ومنه يظهر انه لو بنينا على المحتمل الثاني والمحتمل الثالث لما كان ذلك موجبا للاختصاص المذكور ايضا ، لان ظهور هذه القضية في كونها ارتكازية يمنع عن الاختصاص ، سواء كان الجزاء محذوفا او كان الجزاء هو نفس قوله (فانه على يقين من وضوئه) بتأويله بالانشاء ، او كان الجزاء نفس قضية (لا ينقض) وقوله (فانه على يقين من وضوئه) للتمهيد ، لوضوح عدم منافاة جميع المحتملات لكون القضية ارتكازية ، ومع كونها ارتكازية فلا بد من تعميم الاستصحاب المستفاد من هذه الصحيحة ، ولا بد من كون اللام في اليقين والشك للجنس ، لا للعهد ليدعي كونه قرينة على الاختصاص ، ولا تكون مجملة ليكون الكلام من المحفوف بمحتمل القرينية. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فانه ينافيه)) أي فان الاختصاص ((ينافيه ظهور التعليل)) في القضية ((في انه)) تعليل ((بامر ارتكازي لا)) بأمر ((تعبدي)) فانه بناء على الاختصاص يكون بلا تنقض تعليل بأمر تعبدي لا ارتكازي.

قوله : ((قطعا)) هذا من متعلقات قوله ينافيه ، وتقدير الكلام ان الاختصاص ينافيه قطعا ظهور التعليل في انه بأمر ارتكازي.

(٢) حاصل هذا التأييد ان هذه القضية وردت بلفظها كما في صحيحة زرارة الثانية والثالثة الآتيتين ، وليس موردهما مورد تعلق اليقين والشك بالوضوء ، ووردت هذه

٣٨٧

هذا مع أنه لا موجب لاحتماله إلا احتمال كون اللام في اليقين للعهد ، إشارة إلى اليقين في فإنه على يقين من وضوئه (١) مع أن الظاهر أنه

______________________________________________________

القضية بمضمونها كما في خبر الصفار وغيره ، وهذا مما يقضي بان الوضوء في المقام من مصاديق هذه القضية وانها قضية كلية ارتكازية تشمل الوضوء وغيره. ولعل الوجه في ذكر هذا تأييدا هو ان الكلام فيما يستفاد من هذه الصحيحة ، فاذا كان في هذه الصحيحة ما يكون قرينة على الاختصاص ، او ما يجعل الكلام من المحفوف بمحتمل القرينية ، فلا تكون هذه الصحيحة دالة على التعميم ، ويكون التعميم من هذا اللفظ الوارد في غيرها لعدم قرينة هناك توجب التخصيص.

وبعبارة اخرى : ان كون هذا الكلام دالا على التعميم في غير هذه الرواية لا يستلزم دلالتها على التعميم في هذه الرواية ، مع فرض وجود ما يقضي بالاختصاص ، او الاجمال في هذه الرواية ، وعبارة المتن واضحة.

(١) حاصله : ان مبنى دعوى الاختصاص بباب الوضوء ، وان الاستصحاب المستفاد من هذه الصحيحة هو عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ، فلا يكون المستفاد منها الاستصحاب في غير باب الوضوء ـ هو كون اللام في اليقين في قوله ولا ينقض اليقين بالشك عهدية لا للجنس.

وبعبارة اخرى : ان تقدم قوله : ((فانه على يقين من وضوئه)) على قوله : ((ولا ينقض اليقين بالشك)) يقتضي كون اللام للاشارة الى خصوص هذا اليقين المتقدم ، وهو اليقين بالوضوء ، كاللام في قوله تعالى : (أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) فاليقين بالوضوء لما كان معهودا بالذكر فاللام في قوله لا ينقض اليقين تكون اشارة الى هذا المعهود ، واذا كانت اللام عهدية كان المستفاد منها هو الاستصحاب في خصوص باب الوضوء ، بخلاف ما اذا كانت اللام في لا ينقض

__________________

(١) المزمل : الآية ١٥ ـ ١٦.

٣٨٨

للجنس ، كما هو الاصل فيه ، وسبق : فإنه على يقين .. إلى آخره لا يكون قرينة عليه ، مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا (١) ،

______________________________________________________

اليقين للجنس فان اليقين بالوضوء يكون احد مصاديقها ، فيكون المستفاد من الصحيحة الاستصحاب مطلقا في باب الوضوء وغيره. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((مع انه لا موجب لاحتماله)) أي لا موجب لاحتمال الاختصاص بباب الوضوء ((إلّا احتمال كون اللام في اليقين)) في لا تنقض ((للعهد)) لا للجنس لانها تكون ((اشارة الى اليقين)) المتقدم ((في)) قوله ((فانه على يقين من وضوئه)) واذا كانت اللام عهدية مشارا بها الى خصوص اليقين بالوضوء تكون دالة على الاستصحاب في خصوص باب الوضوء.

(١) حاصله : انه لا وجه لهذا الاحتمال وهو احتمال العهدية في اللام مع كونها للجنس.

وتوضيح ذلك : ان الاصل في اللام الداخلة على اسم الجنس كونها للجنس لا للعهد ، وحملها على العهد خلاف الظاهر ، ولا يرفع اليد عن هذا الاصل بحملها على العهد الا حيث لا يمكن ارادة الجنس منها ، ومتى امكن ارادة الجنس منها لا بد من التحفظ عليه لانه الاصل في هذه اللام ، وتقدم قوله فانه على يقين من وضوئه لا يقتضي رفع اليد عن هذا الاصل ، لانه يلائم كون اللام جنسية وان اليقين بالوضوء المتقدم هو من باب احد مصاديق اليقين ، وليس لتعلقه بالوضوء خصوصية ، لما عرفت من كون الظاهر هو التعليل بالقضية الارتكازية المقتضية لذلك ، فلا يكون تقدم اليقين موجبا لاحتمال كون اللام عهدية. نعم لو كان قوله فانه على يقين ينافي كون اللام في قوله لا ينقض اليقين للجنس لكان ذلك قرينة موجبة لحمل اللام على ان تكون عهدية وسببا للخروج عما هو الاصل في هذه اللام ، ولكنك قد عرفت ملاءمة كون اللام للجنس ، فلا موجب لرفع اليد عما هو الاصل في هذه اللام ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((مع ان الظاهر انه للجنس)) أي لا وجه

٣٨٩

فافهم (١).

مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء ، لقوة احتمال أن يكون من وضوئه متعلقا بالظرف لا ب (يقين) ، وكان المعنى : فإنه كان من طرف وضوئه على يقين ، وعليه لا يكون الاصغر إلا اليقين ، لا اليقين بالوضوء ، كما لا يخفى على المتأمل (٢).

______________________________________________________

لاحتمال كون اللام في اليقين في لا تنقض للعهد مع ان الظاهر انه للجنس ((كما هو الاصل فيه)) اي كما هو الاصل في اللام الداخلة على اسم الجنس ((وسبق)) قوله ((فانه على يقين ... الخ لا يكون قرينة عليه)) أي لا يكون تقدم قوله انه على يقين قرينة على حمل اللام على العهد إلّا اذا كان ذلك منافيا لبقائها على ما هو الاصل وهو كونها للجنس ، وقد عرفت عدم المنافاة ((مع)) هذا الاصل في اللام ، بل لقوله فانه على يقين ((كمال الملاءمة مع الجنس ايضا)).

(١) لعله اشارة الى ما يمكن ان يقال ان ملاءمتها مع الجنس مع ملاءمتها للعهد لا يقتضي ظهورها في الجنس ـ الذي هو المطلوب فان عليه يتوقف ظهور الصحيحة في حجية الاستصحاب مطلقا ـ لان الكلام يكون من المحفوف بمحتمل القرينية فيكون مجملا من ناحية افادة الاطلاق.

فانه يقال : ان ظهور القضية في كونها ارتكازية يجعلها ظاهرة في الاطلاق ، وعدم كون الكلام من المحفوف بمحتمل القرينية.

(٢) توضيحه : كون اللام عهدية لا يوجب الاختصاص إلّا اذا كان (من وضوئه) متعلقا باليقين في قوله : (فانه على يقين من وضوئه) ، لان المشار اليه باللام في قوله لا ينقض اليقين يكون هو اليقين المتقدم المتعلق للوضوء ، اما اذا كان من وضوئه ليس متعلقا باليقين بل متعلقا بالظرف فاللام وان كانت عهدية إلّا انها لا تفيد الاختصاص ، لان المشار اليه يكون هو اليقين المطلق غير المتعلق للوضوء ، فلا موجب للاختصاص.

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وبيان ذلك : ان اليقين مما يتعدى بطبعه بالباء فيقال تيقنت بكذا ، والذي يتعدى بمن هو الظرف أي متعلق الظرف وهو متعلق (على) ، فان الظرف ظرف مستقر وهو الذي يكون متعلقه محذوفا ، فان (على) التي هي الظرف الجار متعلقها الاستقرار المحذوف ، والتقدير فانه استقر على يقين ، وهو الذي يتعدى بطبعه بمن ، ويكون التقدير فانه استقر من وضوئه على يقين ، وعلى هذا فلا يكون اليقين مقيدا بالوضوء ليلزم من كون اللام عهدية الاختصاص ، فانه اذا كان اليقين غير مقيد بالوضوء ويكون (من وضوئه) متعلقا بالاستقرار لا باليقين لا يكون اليقين المشار اليه مقيدا ، فلا وجه لاحتمال الاختصاص. ولما كان حرف الجر (من) المناسب لكون متعلقه الاستقرار الذي يتعدى بطبعه بمن دون اليقين الذي يتعدى بطبعه بالباء ، كان الظاهر ان (من وضوئه) ليس متعلقا بيقين ، فيكون المشار اليه ـ بناء على العهد ـ هو اليقين المجرد لا المقيد بالوضوء ، وهو الصغرى للكلية في قوله ولا ينقض اليقين بالشك.

والمتحصل من ذلك : انه ان لم يستيقن بانه قد نام فلا يجب عليه الوضوء ، لانه استقر من جهة وضوئه على يقين ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ويكون المستفاد منها ـ بناء على العهد ـ ايضا حجية الاستصحاب مطلقا وعمومه لكل يقين سابق لحقه الشك. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((مع انه غير ظاهر في اليقين بالوضوء)) أي ليس الظاهر كون (من وضوئه) متعلقا باليقين حتى يوجب الاختصاص ((لقوة احتمال ان يكون من وضوئه متعلقا بالظرف)) أي بمتعلق الظرف وهو الاستقرار المتعلق به على ((لا)) ان يكون (من وضوئه) متعلقا ((بيقين وكان المعنى)) بناء على هذا ((فانه كان من طرف وضوئه على يقين وعليه لا يكون الاصغر الا اليقين)) المجرد ((لا اليقين بالوضوء)) واذا كان الاصغر لقوله (ولا ينقض اليقين بالشك) هو اليقين المجرد من التقييد بالوضوء ، فيكون المستفاد من هذه الكبرى الكلية المنطبقة على الصغرى التي كان اليقين فيها مجردا غير مقيد هو حجية الاستصحاب لكل يقين سابق تعقبه الشك.

٣٩١

وبالجملة : لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين والشك ، خصوصا بعد ملاحظة تطبيقها في الاخبار على غير الوضوء أيضا (١).

ثم لا يخفى حسن اسناد النقض ـ وهو ضد الابرام ـ إلى اليقين ، ولو كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، لما يتخيل فيه من الاستحكام بخلاف الظن ، فإنه يظن أنه ليس فيه إبرام واستحكام وإن كان متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك ، وإلا لصح أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له ، مع ركاكة مثل (نقضت الحجر من مكانه) ولما صح أن يقال : (انتقض اليقين باشتعال السراج) فيما إذا شك في بقائه للشك في استعداده ، مع بداهة صحته وحسنه (٢).

______________________________________________________

(١) حاصله : ان التأمل في هذه الصحيحة بعد الاحاطة بما مر لا يكاد معه يشك في ظهور قوله (ولا ينقض اليقين بالشك) في عمومه لكل يقين وشك ، ولا اختصاص له باليقين بالوضوء خصوصا بعد ورود هذه القضية بلفظها مطبقة على غير اليقين بالوضوء كما في الصحيحة الثانية والثالثة كما مر بيان ذلك في التأييد المتقدم.

(٢) هذا شروع في الاستدلال على مختارة من كون الاستصحاب مطلقا حجة ، من دون اختصاص له فيما اذا كان الشك في الرافع دون ما اذا كان الشك في المقتضي ـ على ما سيأتي الاشارة اليه ـ كما هو مختار الشيخ الاعظم وفاقا للمحقق الخونساري حيث خصا حجية الاستصحاب بخصوص الشك من جهة الرافع دون المقتضي.

وحاصل ما اشار اليه المصنف من كون المستفاد من القضية في الصحيحة من قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك هو حجية الاستصحاب مطلقا سواء كان الشك من جهة الرافع او من جهة المقتضى ، وذلك لان المدار فيها على كون رفع اليد عن اليقين السابق بالشك اللاحق مما يصدق عليه انه نقض لليقين بالشك. وحيث لا فرق في صدق هذه القضية بين كون الشك من جهة الرافع او من جهة المقتضى فلا مناص من الالتزام بعموم حجية الاستصحاب لها ولا وجه لاختصاصه بخصوص الرافع.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح ذلك : ان النقض يقابل الابرام ، والابرام في اللغة هو من البرم والفتل ، وهو جعل الحبل ذا هيئة تماسكية تكون في اجزائه من اندماج بعضها ببعض بسبب فعل المبرم والفاتل للحبل ، فان كان النقض هو الفتور الذي يكون في الحبل بعد ذهاب البرم والفتل عنه كان التقابل بينهما تقابل التضاد ، وان كان النقض هو اعدام البرم والفتل كان التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة ، ولا يكون من تقابل التضاد لان التضاد تقابل الامرين الوجوديين ، ولا يكون من تقابل السلب والايجاب ، لوضوح عدم ارتفاع تقابل السلب والايجاب عن أي شيء ، والنقض والابرام يرتفعان عما لا نقض له ولا ابرام. وعلى كل فالنقض والابرام الحقيقي هو ما يكون في مثل الحبل والغزل ، كما في قوله تعالى : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(١) والنقض والابرام بالنسبة الى اليقين والمتيقن لا يصح اسنادهما بنحو الحقيقة ، وانما يصح بنحو المجاز ، وحيث ان الابرام ذاتية الإحكام فالاستعمال مجازا لا بد ان يكون بملاحظة الإحكام الملحوظ في اليقين باعتبار وثاقته وإحكامه بالذات ، لا في المتيقن وان كان فيه إحكام إلّا ان إحكامه من جهة اليقين ، ولذا اسند النقض في القضية في قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك. ووثاقة اليقين بما هو يقين لا يختلف الحال من جهة الشك فيه سواء كان من ناحية الرافع أو المقتضي.

والذي يدلك على ان الإحكام في المتيقن ليس هو الملحوظ في القضية ، هو انه لو كان الظن هو المتعلق لا يصح اسناد النقض ، وان كان متعلق الظن فيه إحكام ... ويدل على ذلك ايضا انه من الاستعمال المناسب قولك نقضت البناء لما فيه من الإحكام ، ومن الاستعمال الركيك غير المناسب قولك نقضت الحجر من مكانه حيث يراد رفعه عن مكانه ، لان رفع الحجر انما يكون للهيئة المكانية التي هي من مقولة

__________________

(١) النحل : الآية ٩٢.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأين ، وليس في نفس هذه المقولة بما هي وثاقة وإحكام ، وان كان نفس الحجر فيه وثاقة واحكام يقتضي البقاء في مكانه لو لم يرفع ، ولذلك من الاستعمال المناسب قولك نقضت الحجر حيث يراد بنقضه كسره وتقطيعه.

فظهر مما ذكرنا : ان المدار على ما هو الملحوظ من المناسبة ، فحيث كان الملحوظ في قولك نقضت الحجر من مكانه هو المقولة التي لا وثاقة فيها بنفسها كان الاستعمال ركيكا ، وان كان الحجر بنفسه له وثاقة وإحكام من ناحية انه لو لم يرفع لكان له اقتضاء البقاء ، بخلاف قولك نقضت الحجر بمعنى كسرته فانه من الاستعمال المناسب لان الملحوظ فيه جهة وثاقة الحجر لا جهة المقولة ، فالمدار على ما هو الملحوظ سببا مصححا للاستعمال ، وهو في المقام وثاقة اليقين دون المتيقن.

ويدل على ذلك ـ ثالثا ـ انه لو كان الملحوظ المتيقن لما حسن اسناد النقض الى اليقين ، فيما اذا كان المتيقن ليس فيه وثاقة كما فيما اذا كان الشك من جهة المقتضي. والحاصل : ان الظاهر من قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشك كون المصحح لهذا الاستعمال هو لحاظ وثاقة اليقين وإحكامه لا وثاقة المتيقن وإحكامه .. حتى يقال ان المتيقن ، تارة يكون له وثاقة وإحكام فيما اذا كان الشك في بقائه من جهة عروض الرافع ، فانه لو لا الرافع لكان باقيا فيكون جهة بقائه لها وثاقة وإحكام. واخرى لا يكون للمتيقن له وثاقة إحكام كما اذا كان الشك فيه من جهة المقتضي ، كما في بقاء السراج الذي يشك فيه لعدم استعداده للبقاء ، فان مثل هذا المتيقن لا وثاقة فيه ولا إحكام ، لما عرفت من عدم كون الملحوظ في مناسبة هذا الاستعمال هو وثاقة المتيقن ، حتى يفرق فيه بين الشك من جهة الرافع والمقتضي ، بل الملحوظ وثاقة اليقين الذي لا يفرق فيه من هاتين الجهتين. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((لا يخفى حسن اسناد النقض وهو ضد الابرام)) بحسب الاصطلاح فيما اذا كان النقض بمعنى هيئة الفتور في الحبل بعد ارتفاع ابرامه ، وبمعنى ما يشمل العدم والملكة فيما اذا كان النقض عدم الابرام. وعلى كل فحسن اسناد النقض ((الى اليقين)) لوثاقة اليقين

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإحكامه ((ولو كان)) اليقين ((متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار)) كما فيما اذا كان الشك من جهة المقتضي ، فالمدار في حسن اسناد النقض الى اليقين انما هو ((لما يتخيل (١) فيه من الاستحكام)). في مقام الشك المتعقب له. وقد اشار الى ان الدليل على ان الملحوظ في القضية هو استحكام اليقين لا المتيقن بقوله : ((بخلاف الظن فانه يظن انه ليس فيه ابرام واستحكام)) فيما اذا تعقبه الشك ولا يتخيل فيه الوثاقة والاستحكام ((وان كان)) الظن ((متعلقا بما فيه اقتضاء ذلك)) فظهر ان الملحوظ هو وثاقة اليقين دون المتيقن ، وقد اشار الى الدليل الثاني بقوله : ((وإلّا لصح ان يسند الى نفس ما فيه المقتضي له)) أي للاستحكام كالحجر فانه في نفسه له الاستحكام ((مع)) وضوح ((ركاكة مثل نقضت الحجر من مكانه)) أي رفعته ، لا فيما اذا اريد من نقض الحجر كسره فانه لا ركاكة فيه .. ويدل على ان الملحوظ في حسن اسناد النقض هو وثاقة اليقين واستحكامه دون المتيقن انه يصح اسناد النقض ويحسن الى اليقين ، فيقال انتقض اليقين فيما اذا كان الشك من جهة المقتضي ، ولو كان المدار على المتيقن لما حسن اسناد النقض فيما اذا كان الشك من هذه الجهة ، لعدم الاستحكام في المتيقن فيما اذا كان الشك في المقتضي. والى هذا اشار بقوله : ((ولما صح ان يقال انتقض اليقين باشتعال السراج فيما اذا شك في بقائه)) أي في بقاء السراج لا من جهة عروض مثل الهواء الرافع له ، بل كان الشك في بقاء السراج ((للشك في استعداده)) بنفسه للبقاء ((مع بداهة صحته وحسنه)) كما عرفت فانه

__________________

(١) ولا يخفى ان وجه تعبيره بالتخيل انما هو لان استحكام اليقين حيث يكون موجودا ، اما مع تبدله بالشك فلا استحكام حقيقة لعدم اليقين حقيقة ، وسيأتي مزيد ايضاح لذلك في قوله ان قلت.

(منه قدس‌سره).

٣٩٥

وبالجملة : لا يكاد يشك في أن اليقين كالبيعة والعهد إنما يكون حسن إسناد النقض إليه بملاحظته لا بملاحظة متعلقه (١) ، فلا موجب لارادة ما هو أقرب إلى الامر المبرم ، أو أشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء لقاعدة (إذا تعذرت الحقيقة فأقرب المجازات أولى) بعد تعذر إرادة مثل ذاك الامر مما يصح إسناد النقض إليه حقيقة (٢).

______________________________________________________

يصح اسناد النقض ويحسن في مثل هذا الشك الى اليقين ، ولو كان الملحوظ هو المتيقن لما حسن اسناد النقض اليه ، لكون المفروض ان المتيقن لا وثاقة فيه ولا استحكام.

(١) حاصله : ان اليقين لما كان بنفسه فيه وثاقة واستحكام بذاته ، مثل البيعة فان مبناها على الاستحكام ، ولذا ناسب ان يكون محلها العنق ، وانها كالعنق في المخالفة عليها ، ولذا يقال لفلان بيعة في عنقي ، ومثل وثاقة العهد فيما لو عاهد شخص شخصا على شيء. وظاهر القضية في قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشك) هو اسناد النقض اليه ، فلا موجب لمخالفة هذا الظاهر بعد ان كان في نفس اليقين من الوثاقة والاستحكام ما يناسب اسناد النقض اليه بذاته لا من حيث متعلقه الذي هو المتيقن. وإلى هذا اشار بقوله : ((انما يكون حسن اسناد النقض اليه)) أي الى اليقين ((بملاحظته)) أي بملاحظة نفس ما في اليقين من الاستحكام ((لا بملاحظة متعلقه)) الذي هو المتيقن ولا يخفى ان قول المصنف ـ وبالجملة ـ كتقديم لضعف مختار الشيخ الاعظم في اختصاص الاستصحاب بالشك من جهة الرافع دون ما اذا كان الشك من جهة المقتضي وانه غير مشمول لقضية لا تنقض.

(٢) لا يخفى ان قوله : لإرادة ... الى آخر قوله حقيقة ، هو نقل مضمون ما ذكره الشيخ مستدلا به على اختصاص حجية الاستصحاب بخصوص الشك في الرافع دون الشك في المقتضي. وتوضيحه يتوقف على بيان امرين مرت الاشارة اليهما في طي الاستدلال لمختار المصنف :

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ان الشك في بقاء ما كان ثابتا اذا كان من جهة احتمال عروض الرافع له فلا محالة يكون الشيء الثابت سابقا مما له استعداد البقاء بنفسه لو لا عروض الرافع ، كمثل مورد الصحيحة فان الوضوء له استعداد البقاء بنفسه لو لم يعرض النوم ، واذا كان الشك في بقاء الثابت من جهة المقتضي فلا بد وان يكون ذلك فيما لم يحرز استعداد ما كان متحققا للبقاء ، كالمثال الذي اشار اليه في المتن ، وذلك كما لو شك في بقاء السراج من جهة احتمال انتهاء مادة الشعال فيه ، لا لعروض ما يطفئه كالهواء ، ومن الواضح في هذا المثال ان ما كان ثابتا سابقا لم يحرز استعداد بقائه في مقام الشك.

الثاني : ان النقض كما عرفت ضد البرم وهو حقيقة مما يختص بمثل الحبل والغزل لا بمثل اليقين والمتيقن ، فالنقض في الصحيحة ليس على وجه الحقيقة قطعا وهو جار على نحو المجاز ، ولا بد في المجاز من كونه بملاحظة ما يناسب الحقيقة ، وحيث ان المتيقن الذي له استعداد بذاته للبقاء له وثاقة واستحكام ، بخلاف ما ليس له بذاته استعداد البقاء فانه ليس له وثاقة واستحكام ، فالمناسب ان يكون ملاحظة استعمال النقض في المقام باعتبار ما كان الشك في الرافع لوثاقة ما كان ثابتا واستحكامه. اما ما ليس له استعداد البقاء فلا استحكام فيه حتى يناسب تعميم النقض له ، وقد عرفت ان الشك اذا كان من جهة المقتضي لا يكون للمتيقن استعداد البقاء ، فلا يكون له استحكام حتى يكون النقض في المقام شاملا له.

وبعبارة اخرى : ان ما ليس له استعداد البقاء هو مما ينتقض بذاته عند العرف فلا نقض له من ناقض ، بخلاف ما كان له الاستعداد فانه مما لا ينتقض بذاته ولا يكون منقوضا الا لناقض ينقضه ، فهو المناسب لان يكون رفع اليد عنه عند الشك نقضا له.

فاتضح : انه بعد تعذر الحقيقة في المقام لما عرفت من ان الحقيقة في النقض موردها مثل الحبل والغزل لا اليقين والمتيقن ، فلا بد من حمل الكلام المتعذر فيه

٣٩٧

فإن قلت : نعم ، ولكنه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة ، فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن لما صح إسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا ، بخلاف ما إذا كان هناك ، فإنه وإن لم

______________________________________________________

المعنى الحقيقي على اقرب المجازات الى المعنى الحقيقي ، وقد عرفت ان أقرب الامور الى المعنى الحقيقي الذي يصح بمناسبته واعتباره اسناد النقض هو المتيقن الذي له استعداد البقاء ، لان الشك في بقائه انما يكون لاحتمال الرافع ، فلذلك لا يكون المستفاد من الصحيحة الا حجية الاستصحاب في خصوص ما اذا كان الشك في الرافع.

وقد ظهر مما مر بيانه : ان ما ذكره الشيخ انما يتم حيث لا يمكن اسناد النقض في المقام باعتبار نفس اليقين كما هو ظاهر الصحيحة ، فان ظاهرها انه باعتبار ما في نفس اليقين من الوثاقة والاستحكام ، ومعه لا وجه لان يكون الاسناد بملاحظة المتيقن حتى يتم ما افاده الشيخ (قدس‌سره) وقد عرفت ان الاسناد اذا كان بملاحظة نفس اليقين فلا مانع من شموله للشك من جهة المقتضى كما مر بيانه مفصلا ولذا قال (قدس‌سره) : ((فلا موجب)) لاختصاص حجية الاستصحاب بالشك في الرافع ((ل)) ما ذكره الشيخ من لزوم ((ارادة ما هو اقرب الى الامر المبرم او اشبه بالمتين المستحكم مما فيه اقتضاء البقاء)) فانه هو الذي يكون اقرب الى الامر المبرم وبملاحظته يكون اسناد النقض ((لقاعدة اذا تعذرت الحقيقة فاقرب المجازات اولى)) وحيث ليس اليقين والمتيقن من قبيل الحبل والغزل فهو مما تعذرت الحقيقة فيه و ((بعد تعذر ارادة مثل ذلك الامر)) الحقيقي ((مما يصح اسناد النقض اليه حقيقة)) فيتعين ما هو الاقرب اليه وهو اسناد النقض باعتبار ما له اقتضاء البقاء الموجب للاختصاص بالشك في الرافع. ولكنه قد عرفت انه لا موجب لهذا بعد ان كان اليقين بنفسه مما فيه الاستحكام والمتانة ، فلا وجه للعدول عما هو ظاهر الصحيحة من اسناد النقض اليه الى إسناده بملاحظة المتيقن حتى يتم ما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

٣٩٨

يكن معه أيضا انتقاض حقيقة إلا أنه صح إسناده إليه مجازا ، فإن اليقين معه كأنه تعلق بأمر مستمر مستحكم قد انحل وانفصم بسبب الشك فيه ، من جهة الشك في رافعه (١).

______________________________________________________

(١) هذا وجه ثان لكون الاستصحاب مختصا بالشك بالرافع. وتوضيحه يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي : انه لا ريب في ان لليقين وثاقة واستحكاما يناسب اسناد النقض اليه ، إلّا انه في المقام لا نقض لليقين حقيقة ، وانما يصدق النقض لليقين حقيقة حيث يسري الشك الى اليقين ، بان يشك في الزمان اللاحق شكا يسري الى اليقين السابق ، كما لو تيقن بوجود زيد اليوم ثم شك في وجوده في غد على نحو يكون شاكا في وجوده امس كما هو مبنى قاعدة اليقين ، واما اليقين بالحدوث والشك في البقاء فلا نقض فيه لليقين ، لصحة اجتماع اليقين بالحدوث والشك في البقاء حقيقة. وحيث لا نقض لليقين حقيقة في المقام ، ولا يعقل ان يكون المراد بالنقض في الصحيحة قاعدة اليقين ، لانها قد طبقت على اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، ولم يسر فيها الشك الى اليقين ـ فلا وجه لإرادة قاعدة اليقين بها في مورد اليقين بحدوث الوضوء والشك في بقائه من جهة عروض بعض مراتب النوم.

اذا عرفت هذا ... فنقول : انه يتعين ان يكون المراد بها الاستصحاب ، ولكنه حيث لا نقض هنا لليقين حقيقة فلا بد وان يكون النقض للمتيقن حيث يكون الشك فيه من جهة الرافع ، والوجه في ذلك كما اشار اليه في المتن وفصله في حاشيته على الرسائل : ان المتيقن اذا كان له استعداد البقاء فاليقين بحدوثه يستلزم وجود اليقين ببقائه بنحو وجود المقبول في القابل ، كوجود الانسان في النطفة فان للانسان وجودا في حال كونه نطفة من باب وجود المقبول بوجود القابل ، فان النطفة حيث كان لها استعداد ان تكون انسانا فللإنسانية وجود فيها بهذا النحو من الوجود. ومثل ذلك اليقين بالمتيقن الذي له استعداد البقاء ، فان اليقين بحدوثه يقين بحدوثه بالذات وببقائه بالعرض بنحو نسبة المقبول الى القابل ، لان وجود القابل وجود للقابل بالذات

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجود للمقبول بالعرض ، فاليقين السابق المتعلق بما له استعداد البقاء له نسبة الى الحدوث بالذات والى البقاء بالعرض ، لان ما له استعداد البقاء فله استعداد استمرار اليقين به بقاء ، فاسناد النقض الى اليقين فيه انما هو بهذا اللحاظ.

فظهر مما ذكرنا : ان اسناد النقض الى اليقين انما هو بلحاظ المتيقن حيث يكون اليقين متعلقا بما له استعداد البقاء. اما ما ليس له استعداد البقاء فليس لليقين بالبقاء فيه نسبة تحقق المقبول في القابل .. وقد عرفت ان الشك من جهة المقتضي لازمه عدم تعلق اليقين حدوثا بما فيه استعداد البقاء ، بخلاف الشك من جهة الرافع فان لازمه تعلق اليقين فيه حدوثا بما فيه استعداد البقاء.

والحاصل : ان اسناد النقض الى ما ليس له استعداد البقاء ليس فيه ما يناسب النقض الحقيقي حتى يصح اسناد النقض باعتباره مجازا ، والمجاز المصحح لاسناد النقض انما هو فيما اذا كان المتعلق لليقين حدوثا له استعداد البقاء .. ونتيجة ذلك انحصار حجية الاستصحاب بالشك في الرافع دون الشك في المقتضي. وقد اشار الى التمهيد المذكور وان اليقين في باب الاستصحاب غير منتقض حقيقة فلا وجه لاسناد النقض اليه وان له وثاقة واستحكاما ويتعين ان يكون اسناد النقض اليه باعتبار المتيقن بقوله : ((نعم ولكنه حيث لا انتقاض ... الى آخر الجملة)) واشار الى ان المتيقن الذي يناسب اسناد النقض فيه الى اليقين مجازا هو خصوص المتيقن الذي يكون الشك فيه من جهة الرافع وهو ما له استعداد البقاء بقوله : ((فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقن)) الذي لازمه ان يكون الشك فيه من جهة الرافع ((لما صح اسناد الانتقاض اليه بوجه)) اصلا ((ولو مجازا)) لان اليقين بالحدوث فيه ليس له نسبة الى البقاء بالعرض كما عرفت ، ((بخلاف ما اذا كان هناك)) اقتضاء البقاء في المتيقن ((فانه وان لم يكن معه أيضا انتقاض)) لليقين بالحدوث ((حقيقة إلّا انه صح اسناده اليه مجازا)) لان اليقين بالحدوث فيه بالذات له نسبة بالعرض الى البقاء ، واليه

٤٠٠