بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

وانقدح بذلك أنه لا يكاد يجدي في رفعه أيضا القول بتعلق الامر به من جهة ترتب الثواب عليه (١) ، ضرورة أنه فرع إمكانه ، فكيف يكون من مبادئ جريانه؟ هذا مع أن حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم ، ولا ترتب الثواب عليه بكاشف عنه بنحو الإن ، بل يكون حاله في ذلك حال الاطاعة ، فانه نحو من الانقياد والطاعة (٢).

______________________________________________________

(١) هذا اشارة الى الجواب الثاني عن هذا الاشكال ، وتقريبه : انه لا اشكال بترتب الثواب على الاحتياط في المقام ، وترتب الثواب اما ان يكون للامر المولوي من الشارع او للانقياد ، وليس ترتبه في المقام لاجل الانقياد لان الانقياد هو الاتيان بالشيء مع فرض مخالفته للواقع ، ولا اشكال ان ثواب الاحتياط ليس له فرض مخالفة للواقع ، فلا بد وان يكون الثواب عليه للامر به ، واذا كان هناك امر ارتفع الاشكال بعدم امكان الاحتياط في محتمل الوجوب ، وقد اشار الى تقريب الجواب بقوله : ((وانقدح بذلك انه لا يكاد يجدي في رفعه)) أي في رفع الاشكال ((ايضا القول بتعلق الامر به)) أي بالاحتياط المستكشف ((من جهة ترتب الثواب عليه)) أي على الاحتياط ، وقد عرفت انه لا اشكال مع تحقق الامر لحصول العلم والجزم به ، ومع حصول العلم يتأتى من المكلف قصد القربة.

(٢) قد اشكل على هذا الجواب الثاني باشكالين ايضا ، الاول : الدور الذي تقدم ايراده على الجواب الاول ، فانه وارد على هذا الجواب ايضا ، لان ترتب الثواب على الامر متوقف على تحقق الامر توقف المعلول على علته ، والامر بالاحتياط متوقف على امكان الاحتياط توقف الحكم على موضوعه والعارض على معروضه ، وامكان الاحتياط في المقام موقوف على الامر لتتأتى بواسطته قصد القربة ، وتحقق العلم بالامر متوقف على ترتب الثواب توقف المكشوف على كاشفه ، فترتب الثواب قد انتهى الى كونه متوقفا على نفسه ، او نكتفي بلزوم الدور في علة ترتب الثواب وهو الامر ، بان نقول ان ترتب الثواب يتوقف على الامر ، والامر متوقف على

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

امكان الاحتياط ، وامكان الاحتياط في المقام متوقف على الامر به فيلزم الدور في علة الثواب وهو الامر ، واذا لزم الدور من فرض تحقق علة الشيء لا يعقل تحقق ذلك ، فالمعلول وهو الثواب لا يعقل تحققه للزوم الدور بفرض تحقق علته ، والى هذا اشار بقوله : ((ضرورة انه فرع امكانه فكيف يكون من مبادئ جريانه)).

الاشكال الثاني على هذا الجواب : انه قد انقدح ايضا مما ذكرنا في حسن الاحتياط ، بانه على فرض تسليم استلزام الحسن للامر فلا يكون الامر امرا مولويا النافع قصده في حصول القربة ، بل الامر يكون ارشاديا من الشرع الى الحسن العقلي ، كأمر الشارع بالاطاعة كما عرفت ، فلا يكون حسن الاحتياط كاشفا لميا عن الامر المولوي ، ومثله نقول في ترتب الثواب فان ترتب الثواب لا يستلزم الامر المولوي استلزام المعلول لعلته فيكون كاشفا إنيا عن الامر المولوي النافع قصده في حصول القربة ، فان ترتب الثواب لا ينحصر امره باطاعة الامر المولوي ولا بالانقياد المفروض فيه المخالفة للواقع ، بل يترتب على كل ما كان اتيانه مظهرا من مظاهر رسم العبودية ومراسم الرقية من العبد لمولاه ، والاحتياط وان لم يفرض فيه المخالفة إلّا انه من مظاهر العبودية ومراسم الرقية ، فلا يكون ترتب الثواب على الاحتياط في المقام بعد تسليم امكانه كاشفا إنيا عن الامر المولوي كشف المعلول عن علته ، كما لا يكون الحسن كاشفا عنه كشفا لميا كشف العلة عن معلولة ، والى هذا اشار بقوله : ((هذا مع ان حسن الاحتياط لا يكون بكاشف عن تعلق الامر به بنحو اللم)) لان الامر معلول لحسن الاحتياط ، فكشفه عن الامر يكون كشفا لميا لانه كشف العلة عن المعلول ((ولا)) يكون ((ترتب الثواب عليه)) أي على الاحتياط ((بكاشف عنه)) أي عن الامر به ((بنحو الإن)) لان الثواب معلول للامر ، فكشفه عنه يكون كشفا إنيا وهو كشف المعلول عن علته ((بل يكون حاله في ذلك)) أي يكون حال ترتب الثواب على الاحتياط ((حال)) ترتبه على ((الاطاعة فانه نحو من)) انحاء ((الانقياد والطاعة)).

٢٢

وما قيل في دفعه : من كون المراد بالاحتياط في العبادات هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة (١).

______________________________________________________

(١) هذا الجواب الثالث الذي ذكره الشيخ الاعظم في رسائله عن هذا الاشكال.

وحاصله : ان الاحتياط في العبادة وان توقف على الامر المولوي لتتأتى فيه نية القربة ولكن الامر المولوي موجود فيه ، وقد دلت الاخبار الآمرة بالاحتياط عليه ، فالامر المولوي في المقام متعلق بنفس الفعل الذي يؤتى به ، وتسميته احتياطا باعتبار انه كالاحتياط الحقيقي من كل جهة ، الا في كون الاحتياط الحقيقي في المقام هو الاتيان بالفعل المحتمل الوجوب بداعي القربة ، وفي هذا المقام الاحتياط هو الاتيان بالفعل المحتمل الوجوب لتعلق الامر به بذاته من دون داعي القربة باتيانه بما هو محتمل الوجوب ، ويكون اطلاق الاحتياط عليه من المجاز لكمال المشابهة بينه وبين الاحتياط الحقيقي ، فمتعلق الامر في هذا الاحتياط المجازي هو مجرد الفعل بذاته المطابق للعبادة الواقعية لو كانت من جميع الجهات عدا نية القربة فيه ، وهي الاتيان به بما هو محتمل الوجوب ، وبهذا يرتفع اشكال الدور لانه انما يلزم فيما لو كان الامر بالاحتياط بما هو احتياط حقيقي يكون الاتيان بالفعل فيه بداعي كونه محتمل الوجوب ، لا فيما كان الامر فيه متعلقا بذات الفعل ، والى هذا اشار بقوله : ((المراد بالاحتياط في العبادات)) ليس هو الاحتياط الحقيقي بل ((هو مجرد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة)) والمراد بنية القربة في الاحتياط الحقيقي هو الاتيان بداعي احتمال الوجوب.

اما نية القربة في هذا الاحتياط المجازي هو الاتيان بالفعل بداعي نفس الامر الاحتياطي المتعلق بذات الفعل ، ولما كان الامر الاحتياطي مولويا وانه احتياط في العبادة فلا بد وان يكون قد اخذ فيه قصد القربة على ساير الاوامر المتعلقة بالعبادات.

٢٣

فيه : مضافا إلى عدم مساعدة دليل حينئذ على حسنه بهذا المعنى فيها ، بداهة أنه ليس باحتياط حقيقة ، بل هو أمر لو دل عليه دليل كان مطلوبا مولويا نفسيا عباديا ، والعقل لا يستقل إلا بحسن الاحتياط ، والنقل لا يكاد يرشد إلا إليه (١).

______________________________________________________

(١) اورد عليه المصنف ايرادين ايضا ، الاول : ان الكلام في عنوان هذه المسألة هو حكم العقل بحسن الاحتياط مطلقا ، واشكل المستشكل فيه بعدم امكانه في خصوص العبادات ، فالكلام دعوى واشكالا انما هو في الاحتياط الذي يحكم العقل بحسنه ، ومن الواضح ان الاحتياط الذي يحكم العقل بحسنه هو الاتيان بالفعل بما هو محتمل الوجوب ، لان معنى الاحتياط في الشيء هو الاتيان به للتحفظ على الواقع ، ولاحراز الاتيان بالواقع بما هو واقع لو كان ، فلا مناص من كون الاحتياط في المقام الذي يحكم العقل بحسنه هو الاتيان بالفعل بما هو محتمل الوجوب ، واما الاتيان بالفعل لتعلق الامر به بذات الفعل فليس هو من الاحتياط اصلا ولا حكم للعقل بحسنه ، لوضوح انه لو دل دليل على تعلق الامر بذات الفعل كان ذات الفعل بما هو ذات الفعل لا بما هو محتمل الوجوب مطلوبا ، ولازم طلبه كذلك كونه مطلوبا نفسيا ، فان كان الامر فيه قريبا كان عباديا ايضا ، وإلّا كان مطلوبا نفسيا فقط ، ولما كان المفروض كونه عبادة فيكون مطلوبا نفسيا عباديا ، والامر بالاحتياط ـ بما هو احتياط ـ لا محالة يكون الامر فيه طريقيا لا نفسيا ، لانه بداعي التوصل به الى الواقع لا بداعي نفس الفعل بذاته.

فاتضح مما ذكرنا : ان متعلق الحسن العقلي هو الاحتياط بما هو احتياط ، وهو اتيان الفعل بما هو محتمل الوجوب لا بما هو واجب نفسي ، وكذلك المستفاد من الادلة النقلية التي كان الامر فيها متعلقا بمادة الاحتياط ، كقوله عليه‌السلام : (فاحتط لدينك) (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ ، ص ١٢٣ باب من أبواب صفات القاضي ح ٤١.

٢٤

نعم ، لو كان هناك دليل على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة ، لما كان محيص عن دلالته اقتضاء على أن المراد به ذاك المعنى ، بناء على عدم إمكانه فيها بمعناه حقيقة ، كما لا يخفى (١) أنه التزام

______________________________________________________

فان الظاهر منها كون المتعلق فيه هو الاحتياط بما هو احتياط ، واتيان للفعل بما هو محتمل التكليف ، لا الاتيان به لانه واجب نفسي بذاته ، فظاهر الادلة النقلية ايضا كون الامر فيها طريقيا لا نفسيا.

فالجواب عن الاشكال بالتزام كون الاتيان به بداعي الامر المتعلق بذات الفعل وان ارتفع به اشكال الدور ، إلّا انه ليس بجواب عن الاشكال على الاحتياط في العبادة في محتمل الوجوب ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((فيه مضافا الى عدم مساعدة دليل حينئذ)) أي عدم مساعدة دليل من الادلة العقلية والنقلية على حسن الاحتياط في العبادة المحتملة بنحو ان يكون بنفسه مطلوبا ، بل الظاهر فيها كونه مطلوبا طريقيا ، وذلك باتيانه بداعي كونه محتمل الوجوب ، بل ((بهذا المعنى فيها)) وهو الوجه المذكور من التزام كون الامر فيه متعلقا بذات الفعل المطابق للعبادة المحتملة من دون قصد القربة خروج عما هو المفروض ، لوضوح ((انه)) بهذا المعنى ((ليس باحتياط حقيقة)) لما عرفت من الاحتياط الحقيقي هو الاتيان بالفعل بداعي كونه محتمل الوجوب ((بل هو امر لو دل عليه دليل)) كانت دلالته ان المطلوب هو ذات الفعل بعنوانه الخاص به لا بعنوان انه محتمل الوجوب ((كان)) حينئذ ((مطلوبا مولويا نفسيا عباديا والعقل لا يستقل)) في حكمه ((إلّا بحسن الاحتياط و)) كذلك الدليل الدال على الاحتياط من ((النقل)) فانه ((لا يكاد يرشد الا اليه)) أي لا يرشد إلّا الى الاحتياط الحقيقي كمثل كقوله عليه‌السلام : (فاحتط لدينك) لان متعلقه هو نفس مادة الاحتياط الظاهرة في الاحتياط الحقيقي وان الامر فيه للارشاد الى حسنه عقلا.

(١) توضيح هذا الاستدلال مما ذكره : انه لو كان الاشكال المذكور في الاحتياط في العبادة المحتملة لا مدفع له ، ثم يدل الدليل النقلي على صحة الاحتياط في خصوص

٢٥

بالاشكال وعدم جريانه فيها ، وهو كما ترى (١).

______________________________________________________

العبادة ، بان يكون صريحا على الترغيب في خصوص العبادة لكان لما ذكره من حمل الامر بالاحتياط على تعلقه بذات الفعل ، وانه من الاحتياط مجازا لا حقيقة ، اما لو كان عاما فالاشكال المذكور يصح ان يكون مخصصا له وحاضرا له في غير العبادة المحتملة ، وعلى كل فاذا دل الدليل النقلي صريحا على صحة الاحتياط في العبادة فجمعا بين منع العقل عن الاحتياط في العبادة المحتملة ، ودلالة الدليل النقلي على صحة الاحتياط فيها ، لا محيص فيه الا عن حمل الدليل النقلي الدال على الاحتياط الذي ظاهره الاحتياط الحقيقي على الاحتياط المجازي ، وهو تعلق الامر بذات الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نية القربة ، والى هذا اشار بقوله : ((نعم لو كان هناك دليل)) نقلي يدل ((على الترغيب في الاحتياط في خصوص العبادة)) بنحو دلالته على ذلك بالخصوص لا بالعموم ، وعلى هذا الفرض ((لما كان)) لنا ((محيص عن)) حمل ((دلالته اقتضاء على ان المراد به)) على خلاف ظاهره (ذاك المعنى)) وهو الاحتياط المجازي ، لانحصار التصرف في الدليل النقلي فيما اذا خالفه الدليل العقلي ، لعدم امكان التصرف في الدليل العقلي ، لوضوح عدم امكان الاجمال في الدليل العقلي لا موضوعا ولا حكما ، بخلاف الدليل النقلي فلان دلالته انما هي بالظهور ومن الممكن ارادة خلاف الظاهر فيما له ظاهر ، فلذا ينحصر التصرف في الدليل النقلي ، فيحمل ما ظاهره الاحتياط الحقيقي على الاحتياط مجازا وان كان خلاف الظاهر.

هذا كله بناء على عدم امكان الجواب عن الاشكال المذكور المانع عن امكان الاحتياط في العبادة بمعناه الحقيقي ، والى هذا اشار بقوله : ((بناء على عدم امكانه فيها بمعناه حقيقة)).

(١) هذا هو الايراد الثاني على جواب الشيخ الاعظم ، وتقدير معنى العبارة : ان هذا الجواب الثالث فيه مضافا الى عدم مساعدة دليل ... الى آخره انه التزام بالاشكال ،

٢٦

قلت : لا يخفى أن منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها ، مما يتعلق بها الامر المتعلق بها ، فيشكل جريانه حينئذ ، لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر فيها (١) ،

______________________________________________________

فقوله : مضافا ... الى آخر الجملة هو الايراد الاول ، وقوله انه التزام بالاشكال هو الايراد الثاني.

وحاصله : ان الجواب عن الاشكال المذكور بالالتزام بامر متعلق بذات الفعل مرجعه الى الالتزام بالاشكال ، وان العقل مانع عن امكان الاحتياط في العبادة المحتملة ، ويؤول هذا التسليم الى ان هذا الجواب ليس بجواب. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((انه)) أي الجواب بما ذكره هو ((التزام)) منه (قدس‌سره) ((بالاشكال و)) ان ما ذكره المستشكل من ((عدم جريانه)) أي عدم جريان الاحتياط ((فيها)) أي في العبادة صحيح ((وهو كما ترى)) لما سيأتي الجواب عنه في قوله قلت.

او ان المراد بقوله كما ترى انه لا ينبغي ان يكون الجواب عن الاشكال بتسليم الاشكال ، فلا يصح عده جوابا عن الاشكال ثانيا.

(١) توضيحه : ان الاشكال المذكور من عدم امكان الاحتياط في العبادة المحتملة يمكن ان يكون له منشآن :

احدهما : ما يراه المصنف منشأ له ، وحاصله : ان اشكال الاحتياط في العبادة المحتملة هو من اجل ان متعلق الاحتياط لا بد وان يكون الفعل بما هو عبادة ، فانه لو كان متعلقه ذات الفعل لم يكن من الاحتياط ، فالامر بالاحتياط سواء كان من العقل او من الشرع لازمه تعلق الامر بالفعل مع قصد القربة ، وقد عرفت في مبحث التعبدي والتوصلي ان تعلق الامر بالفعل مع اخذ قصد القربة فيه محال لمحاذير مر ذكرها هناك ، وان ما لا يتأتى إلّا من قبل الامر لا يعقل اخذه في متعلق الامر ، فاشكال عدم امكان الاحتياط في المقام في العبادة المحتملة ينشأ من ان لازم كونه احتياطا في العبادة هو تعلقه بالفعل بقصد القربة ، اما بنحو الاشتراط او بنحو

٢٧

وقد عرفت أنه فاسد ، وإنما اعتبر قصد القربة فيها عقلا لاجل أن الغرض منها لا يكاد يحصل بدونه.

وعليه كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الامكان ، ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه بتمامه وكماله ، غاية الامر أنه لا بد أن يؤتى به على نحو لو كان مأمورا به لكان مقربا ، بأن يؤتى به بداعي احتمال الامر أو احتمال كونه محبوبا له تعالى ، فيقع حينئذ على تقدير الامر به امتثالا لامره تعالى ، وعلى تقدير عدمه انقيادا لجنابه تبارك وتعالى ، ويستحق الثواب على كل حال إما على الطاعة أو الانقياد (١).

______________________________________________________

الجزئية ، والامر بالاحتياط ولو من العقل اذا كان متعلقه الاحتياط المفروض تعلقه بالفعل بما هو مأخوذ فيه القربة يأتي فيه الاشكال المذكور في اخذ قصد القربة متعلقا للامر ، وقد مر محالية اخذ قصد القربة متعلقا للامر ، ولذلك لا يتأتى الاحتياط في المقام ، والى هذا اشار بقوله : ((ان منشأ الاشكال هو تخيل كون القربة المعتبرة في العبادة مثل سائر الشروط المعتبرة فيها مما يتعلق بها)) أي بقصد القربة ((الامر المتعلق بها)) أي بالعبادة ، ولما كان الامر متعلقا بالاحتياط اللازم كون متعلقه هو العبادة بما هي عبادة لفرض كونه احتياطا في العبادة ولذلك ((فيشكل جريانه)) أي جريان الاحتياط ((حينئذ)) في المقام ((لعدم التمكن من قصد القربة المعتبر فيها)) لعدم امكان تعلق الامر الاحتياطي بالعبادة المفروض قصد القربة فيها إما جزءا او شرطا.

(١) يشير الى فساده الذي مر في مبحث التعبدي : من ان قصد القربة لم يؤخذ في العبادة كسائر الشروط المأخوذة فيها كالستر والقبلة مثلا ، بل حيث كان الفرض انها عبادة والغرض من العبادة لا يتم إلّا بقصد القربة ، فالعقل يرشد الى اتيان متعلق الامر بقصد القربة ، واما الامر فلم يتعلق الا بنفس الفعل العبادي من دون اخذ قصد القربة فيه ، والاحتياط في المقام كذلك فانه حيث فرض كونه احتياطا في العبادة فمتعلق الامر الاحتياطي نفس الفعل العبادي من دون اخذ قصد القربة فيه ، ولكن

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث فرض كونه احتياطا في العبادة فالعقل يلزم ياتيانه بقصد القربة ، وهو اتيانه بداعي احتمال الامر لتتحقق عباديته لو كان واجبا عباديا في الواقع.

فاتضح ان عدم التمكن الناشئ من توهم لزوم اخذ قصد القربة في متعلق الامر الاحتياطي فاسد ، لعدم اخذ قصد القربة في متعلق الامر الاحتياطي ، بل الامر الاحتياطي متعلق بنفس الفعل في المقام من دون اخذ قصد القربة فيه ، وقصد القربة مما يرشد الى لزومه العقل بعد فرض كونه احتياطا في العبادة ، فلا وجه لعدم امكان الاحتياط في المقام لهذا التوهم ، وقد اشار الى وجه الفساد بقوله : ((وانما اعتبر قصد القربة فيها)) أي في العبادة المقطوع بها في غير المقام وفي العبادة المحتملة في المقام من جهة اعتبار ذلك فيها ((عقلا لاجل ان الغرض منها)) أي من العبادة ((لا يكاد يحصل بدونه)) أي بدون قصد القربة ((وعليه)) أي وعلى فرض كون العقل يرشد اليها من ناحية دخولها في الغرض ولا تكون متعلقة للامر الحقيقي او الاحتياطي ، ولذلك ((كان جريان الاحتياط فيه بمكان من الامكان ضرورة التمكن من الاتيان بما احتمل وجوبه)) بقصد القربة ((بتمامه وكماله غاية الامر انه)) في محتمل الوجوب ((لا بد ان يؤتى به على نحو لو كان)) الاحتياط مصادفا للواقع وكان الفعل واجبا عباديا واقعا و ((مأمورا به)) بنحو ان يؤتى به عبادة ((لكان)) الفعل المؤتى به بعنوان الاحتياط ((مقربا)) ايضا ووقوع الفعل المؤتى به بعنوان الاحتياط قربة يكون بنحوين ، اما ((بان يؤتى به بداعي احتمال الامر او)) بداعي ((احتمال كونه محبوبا له تعالى)) فان قصد المحبوبية الاحتمالية كقصد الامر الاحتمالي يوجب وقوع الفعل قربيا وعباديا ((فيقع)) الفعل المؤتى به احتياطا بداعي احتمال الامر ((حينئذ على تقدير الامر به)) واقعا ((امتثالا لامره تعالى)) الواقعي لمصادفة الاحتياط للواقع ((وعلى تقدير عدمه)) أي عدم الامر به واقعا يقع الاحتياط ((انقيادا لجانبه تبارك وتعالى و)) تحصل ان المكلف الآتي بالفعل بداعي الاحتياط ((يستحق الثواب على

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كل حال اما على الطاعة)) في صورة المصادفة ((او)) على ((الانقياد)) في صورة عدم المصادفة وعدم الامر به واقعا.

هذا ما ذكره هنا ... وقد قال في هامش الكتاب ما محصله :

انه لو اغمضنا النظر عن إرشاد العقل الى لزوم قصد القربة به لدخوله في الغرض ، نقول ان الاحتياط في المقام ممكن بتعدد الامر ، أمر يتعلق بالفعل بعنوانه ، وامر ثان يتعلق باتيانه بداعي احتمال الوجوب ، هذا هو الوجه الاول الذي يراه المصنف منشأ للإشكال في امكان الاحتياط في المقام.

ثانيهما : ان منشأ الاشكال ليس ما ذكر ، بل المنشأ هو ان قصد القربة لا يحصل بقصد الاحتمال ، بل لا بد فيه من العلم بقصد القربة سواء كان قصد القربة مأخوذا في متعلق الامر بأمر واحد أو بأمرين او بارشاد من العقل ، والوجه في اعتبار العلم به والجزم بدخوله وانه لا يتأتى بقصد احتمال ذلك ، هو ان قصد القربة هو الذي يتحرك به المكلف في مقام امتثاله للمأمور به العبادي ، ولا يعقل التحرك إلّا بما هو حاضر في افق النفس ليكون محركا للمكلف ، وحضور الشيء في افق النفس لا يكون إلّا بالعلم به ، ومع فرض عدم العلم في المقام لفرض كونه محتملا لا يكون قصد القربة حاضرا في افق النفس حضورا تاما ، ومع عدم حضوره تماما لا يعقل التحرك.

والحاصل : ان حضوره احتمالا لا يعقل التحرك به ، والذي يمكن التحرك به هو الحضور التام العلمي الجزمي ، فعلى هذا لا يكون منشأ الاشكال في امكان الاحتياط هو عدم امكان اخذ قصد القربة في متعلق الامر الاحتياطي ، بل عدم امكان الاحتياط لعدم العلم بقصد القربة ، وانه اذا كان محتملا لا يعقل وقوع التحرك عنه ، واذا لم يقع التحرك عن الاحتمال لا يتحقق الاحتياط ، واذا كان التحرك عن نفس الامر بالاحتياط لا يكون احتياطا ، بل يكون عبادة حقيقة عن امر معلوم حقيقة لا عن داعي الاحتمال.

٣٠

وقد انقدح بذلك أنه لا حاجة في جريانه في العبادات إلى تعلق أمر بها (١) بل لو فرض تعلقه بها لما كان من الاحتياط بشيء ، بل كسائر ما علم وجوبه أو استحبابه منها ، كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

فتحصل مما ذكرنا : ان التحرك عن الاحتمال مستحيل لعدم الحضور في افق النفس ، مع ان الاحتياط لا يكون احتياطا في المقام إلّا بالاتيان بداعي الاحتمال ... ولا بد ان يكون الجواب عنه : هو ان النفس كما تتحرك عن الامر المعلوم كذلك تتحرك النفس عن الامر المظنون والمحتمل ، لان صورة الامر بما هو مظنون او محتمل حاضرة في افق النفس كحضور صورة الامر المعلوم فيها.

فاتضح انه كما يكون العلم بالامر محركا كذلك يكون ظن الامر واحتماله ايضا محركا ، فان صادف الواقع كان الفعل طاعة ، وان لم يصادف الواقع كان الفعل انقيادا.

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت من امكان الاحتياط في المقام بالاتيان بالفعل بداعي احتمال وجوبه ... يتضح انه لا حاجة الى تصحيح الاحتياط في المقام بالالتزام بتعلق الامر الاحتياطي بنفس الفعل بذاته ، ليتأتى قصده ويقع عبادة بواسطة قصد هذا الامر المتعلق بذات الفعل كما مر في الجواب الثالث عن الشيخ الاعظم في رسائله ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وقد انقدح بذلك)) أي بما مر من امكان الاحتياط في العبادة ، وان المأتي به بداعي احتمال وجوبه يقع قريبا يتضح ((انه لا حاجة في جريانه)) أي في جريان الاحتياط ((في العبادات الى تعلق امر بها)) أي بذات ما هو عبادة.

(٢) حاصله : ان ما ذكر من تصحيح الاحتياط في المقام ـ بالتزام تعلق امر بنفس الفعل بذاته ، ولا بد من كونه امرا مولويا عباديا ، لوضوح ان الامر الارشادي والمولوي التوصلي لا يلزم قصدهما ، ولا بد في وقوع العبادة عبادة من قصد الامر ، فلذلك كان الامر في العبادة لا بد وان يكون مولويا عباديا ـ يستلزم الخلف وان لا يكون الامر الاحتياطي امرا احتياطيا ، لما مرت الاشارة اليه من ان معنى الاحتياط

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

في العبادة هو الاتيان بداعي كونه محتمل الوجوب ، والاتيان بداعي الامر المتعلق بذات العبادة اتيان له بداعي الامر المعلوم ، فاذا كان امرا مولويا عباديا يقع هذا الفعل عبادة كسائر العبادات الواصل امرها والمأتي بها بداعي امرها المعلوم المحقق ، وهو خلف لفرض كون الامر احتياطيا للتحفظ على الواقع ، لا لان متعلقه امر عبادي بذاته وبعنوانه.

وبعبارة اخرى : الاتيان بالشيء بداعي التحفظ على الواقع المحتمل غير اتيانه لذاته ولعنوانه الخاص به ، فتصحيح الاحتياط بتعلق الامر الاحتياطي بذات محتمل الوجوب لا بداعي انه محتمل الوجوب لا يكون من الاحتياط في شيء ، بل ظهر مما ذكرنا ان الاحتياط في محتمل الوجوب لا داعي له الى امر اصلا لا مولوي توصلي ولا عبادي ، لانه بعد حكم العقل بحسن الاحتياط الذي لا يقع احتياطا الا ملازما لقصد القربة ، وهو اتيانه بداعي احتمال وجوبه فلا داعي للامر التوصلي به لحكم العقل بحسنه ، ولا داعي للامر العبادي لفرض كون الاحتياط ملازما لقصد القربة فلا داعي ايضا للامر العبادي.

وعلى كل ، فقد بان انه لا وجه لتصحيح الاحتياط في المقام بتعلق امر بذات ما هو محتمل الوجوب ، بل تعلق الامر به كذلك يوجب كونه عبادة مستقلة بذاته لا عبادة احتياطية للتحفظ ، ويكون كسائر الواجبات والمستحبات العبادية وهو خلف ، لفرض كونه احتياطا في العبادة لا انه عبادة مستقلة ، ولذلك ترقى المصنف فقال : ((بل لو فرض تعلقه بها)) أي لو فرض في المقام تعلق الامر بذات العبادة المحتملة بعنوان ذاتها لا بعنوان انها عبادة محتملة ((لما كان)) ذلك ((من الاحتياط بشيء بل)) يكون عبادة مستقلة ((كسائر ما علم وجوبه او استحبابه منها)) أي من العبادات.

والحاصل : ان الفرق بين ما ذكره المصنف وما ذكره الشيخ هو تعلق الامر بالمحتمل الوجوب بما هو محتمل الوجوب ، غايته ان العقل يرشد الى قصد اتيانه بداعي القربة ، وعند الشيخ تعلق الامر بذات محتمل الوجوب لا بما هو محتمل الوجوب.

٣٢

فظهر أنه لو قيل بدلالة أخبار من بلغه ثواب على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف ، لما كان يجدي في جريانه في خصوص ما دلّ على وجوبه أو استحبابه خبر ضعيف ، بل كان عليه مستحبا كسائر ما دلّ الدليل على استحبابه (١).

______________________________________________________

ولكن يمكن ان يقال : انه بعد ان كان يرشد العقل الى اتيانه بداعي القربة ، وداعي القربة لا يكون إلّا بقصد امتثال الامر ، فان كان الامر المقصود اتيانه بداعيه هو الامر المتعلق بداعي محتمل الوجوب وهو الامر الاحتياطي عاد المحذور ، وان كان الامر هو المتعلق بذات الفعل ، ففيه أولا : انه ليس هناك امر متعلق بذات الفعل على رأيه ، وثانيا : يرجع الى ما ذكره الشيخ.

(١) هذا خامس الاجوبة عن الاشكال المتقدم في امكان الاحتياط في محتمل الوجوب او الاستحباب ، ولا يخفى انه يختص بالوجوب والاستحباب الذي قام عليهما خبر ضعيف ، ولا يعمّ مطلق محتمل الوجوب والاستحباب ، وان لم يقم عليه دليل اصلا لوضوح انه مع فرض عدم قيام دليل عليه اصلا لا يكون مشمولا لأخبار من بلغ المختصّة بالمحتمل الذي قام عليه خبر ضعيف غير تام الحجيّة.

وحاصل هذا الجواب : ان سيأتي دلالة اخبار من بلغ على امر استحبابي متعلق بمؤدّى ما قام عليه الخبر الضعيف ، ولكونه عباديا لظهور بعضها في من عمل ذلك العمل رجاء ذلك الثواب ، فاذا تمّ هذا ... نقول انه لو دلّ خبر ضعيف على وجوب شيء فيمكن جريان الاحتياط فيه بقصد الامر الاستحبابي العبادي المتحصّل من اخبار من بلغ ، وهذا امر قربي معلوم ، فلا اشكال في جريان الاحتياط لا من ناحية قصد القربة لفرض كونه قربيّا ولا من ناحية عدم العلم لفرض كونه معلوما.

وحاصل ما اشكل عليه : هو انه قد ظهر مما ذكرنا : ان الاتيان بالفعل المحتمل الوجوب لا بداعي انه محتمل الوجوب ، بل بداعي الامر المتعلق به بذاته لا يكون من الاحتياط في شيء ، فالاتيان بمحتمل الوجوب بقصد الامر الاستحبابي المتعلق بذاته

٣٣

لا يقال : هذا لو قيل بدلالتها على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه ، وأما لو دل على استحبابه لا بهذا العنوان ، بل بعنوان أنه محتمل الثواب ، لكانت دالة على استحباب الاتيان به بعنوان الاحتياط ، كأوامر الاحتياط ، لو قيل بأنها للطلب المولوي لا الارشادي (١).

______________________________________________________

بواسطة اخبار من بلغ لا يكون اتيانا له بعنوان الاحتياط ، بل يكون فعلا مستحبا كسائر المستحبات بعناوينها الذاتية ، والى هذا اشار بقوله : ((فظهر انه لو قيل بدلالة اخبار من بلغه ثواب على استحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب ولو بخبر ضعيف لما كان يجدي في جريانه)) أي في جريان الاحتياط لتوقف كونه احتياطا على اتيانه بعنوان انه محتمل الوجوب لا للامر المتعلق به بعنوانه ، واشار الى اختصاصه بخصوص ما قام عليه الخبر الضعيف بقوله : ((في خصوص ما دل على وجوبه او استحبابه خبر ضعيف بل كان عليه)) أي بل كان بناء على استحبابه باخبار من بلغ يكون ((مستحبا كسائر ما دل الدليل على استحبابه)) بعنوانه ولا يكون من الاحتياط في شيء.

(١) حاصله : ان اخبار من بلغ اذا قيل انها تدل على جعل الحكم الاستحبابي على طبق مؤدى الخبر الضعيف البالغ للمكلفين ، كان الامر الاستحبابي متعلقا بذات الفعل المحتمل لا بالاحتياط فيه واتيانه بداعي الاحتمال كما ذكرت ، ولا يكون من الاحتياط في شيء ، واما اذا كان المستفاد من اخبار من بلغ هو الامر الاستحبابي باتيان الشيء بداعي احتمال انه قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون المتحصّل منها هو الامر بالاحتياط ، ولا اشكال انه أمر مولوي عبادي فيتأتى الاحتياط بواسطة هذا الامر الاستحبابي المستفاد من اخبار من بلغ ، ويترفع الاشكال المذكور من عدم امكان الاحتياط في العبادة المحتملة ، والى هذا اشار بقوله : ((لا يقال هذا لو قيل بدلالتها)) أي لو قيل بدلالة اخبار من بلغ على جعل الحكم الاستحبابي و ((على استحباب نفس العمل الذي بلغ عليه الثواب بعنوانه)) فانه لا يكون من الاحتياط في شيء كما

٣٤

فإنه يقال : إن الامر بعنوان الاحتياط ولو كان مولويا لكان توصليا ، مع أنه لو كان عباديا لما كان مصححا للاحتياط ، ومجديا في جريانه في العبادات كما أشرنا إليه آنفا (١).

______________________________________________________

مر بيانه ((واما لو دل)) دليل من بلغ ((على استحبابه)) أي استحباب الفعل المأتي به ((لا بهذا العنوان)) وهو عنوانه بذاته ((بل)) يدل على استحبابه ((بعنوان انه محتمل الثواب لكانت)) اخبار من بلغ ((دالة على استحباب الاتيان به)) أي بالفعل ((بعنوان الاحتياط)) ويكون الامر المستفاد من اخبار من بلغ ((كأوامر الاحتياط)) مثل قوله عليه‌السلام : احتط لدينك ، واخوك دينك ، في الدلالة على اتيان الشيء لاجل الاحتياط ، بان يؤتى به بداعي الاحتمال فيما ((لو قيل بانها)) أي لو قيل ان أوامر الاحتياط كانت ((للطلب المولوي لا الارشادي)) وعلى هذا فيرتفع الاشكال في عدم امكان الاحتياط ، لعدم العلم بقصد القربة لا تفصيلا ولا اجمالا ، فان هذا الامر الاستحبابي معلوم تفصيلا.

(١) توضيحه : ان اخبار من بلغ ، اما ان يكون المستفاد منها جعل الحكم الاستحبابي على طبق مؤدى الخبر الضعيف الذي بلغ ، فلا يكون من الاحتياط في شيء كما مر بيانه.

واما ان يكون المستفاد منها هو اعطاء الثواب على الاتيان بقصد ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله ، فلا تكون لها دلالة على الامر الاستحبابي بالاتيان بالفعل بداعي الاحتمال ، بل لا يكون لها دلالة على امر اصلا ، وانما المتحصل منها هو اعطاء الثواب على هذا الانقياد والاتيان برجاء الواقع ، والمستشكل لا يستشكل في امكان الانقياد ، ولكنه يستشكل في امكان الاحتياط في العبادة ووقوع الفعل عباديا بواسطة الاحتياط ، بحيث لو اصاب الاحتياط الواقع لنجزه ، ولوقع الفعل عبادة كالفعل المأتي به بداعي الامر العبادي المعلوم. هذا كله في الاحتياط بالنسبة الى اخبار من بلغ.

٣٥

ثم إنه لا يبعد دلالة بعض تلك الاخبار على استحباب ما بلغ عليه الثواب ، فإن صحيحة هشام بن سالم المحكية عن المحاسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء من الثواب فعمله ، كان

______________________________________________________

واما توضيح الحال في كلية الامر الاحتياطي فنقول : الاحتياط ان كان في غير العبادة فلا مانع من كون الامر فيه مولويا توصليا ، اذا لم نقل بان مطلق الاوامر الاحتياطية لا تكون الا ارشادية ، لكفاية جعل الداعي فيها من ارشاد العقل الى حسنها ، واما الاحتياط في العبادة المحتملة فلا يعقل ان يكون فيه امر أصلا لا توصلي ولا عبادي ، لوضوح انه لو كان توصليا لما كان مصححا لقصد القربة ، وان كان عباديا فاما ان يتعلق بعنوان ذات الفعل المحتمل الوجوب فلا يكون من الاحتياط في شيء كما عرفت ، واما ان يتعلق باتيانه بداعي الوجوب فلا يكون امرا عباديا ، لان عبادية العبادة باتيانها بداعي احتمال الوجوب لا بداعي الامر الاحتياطي المتعلق باتيانها بداعي احتمال الوجوب ، فلو كان امر لكان توصليا لا عباديا ، مع انه لا داعي الى الامر التوصلي ايضا لفرض ارشاد العقل الى اتيانه بداعي الاحتمال ، فلا فائدة في هذا الامر الاحتياطي التوصلي ، والى هذا اشار بقوله : ((فانه يقال ان الامر بعنوان الاحتياط ولو كان مولويا)) أي لو قلنا بان الامر الاحتياطي ليس منحصرا في الارشاد بل يكون مولويا لكنه اذا كان مولويا ((لكان توصليا)) وذلك في غير الفعل العبادي ، اما في العبادة المحتملة فلا يكون مجديا لو كان توصليا ، وكونه عباديا لا معنى له مع فرض كون العبادية فيه انما هي باتيانه بداعي الاحتمال لا بداعي الامر الاحتياطي وعباديته ، لكونه متعلقا بذات الفعل لا مانع منه ، إلّا انه لا يكون من الاحتياط في العبادة اصلا ، وإلى هذا اشار بقوله : ((مع انه لو كان عباديا كان مصححا للاحتياط ومجديا في جريانه)) أي ومجديا في جريان الاحتياط بما هو احتياط ((في العبادات)) بل يكون عبادة مستقلة لا عبادة احتياطية.

٣٦

أجر ذلك له ، وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ظاهرة في أن الاجر كان مترتبا على نفس العمل الذي بلغه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ذو ثواب (١) ، وكون

______________________________________________________

(١) لما انجر الكلام الى اخبار من بلغ ... شرع المصنف في ما يستفاد منها ، وانه هل هو جعل الحكم الاستحبابي على طبق مؤدى الخبر البالغ ، أو ان المستفاد منها هو اعطاء الثواب على الانقياد والاتيان برجاء الواقع والتماسه ، او ان المتحصل منها جعل الحجية للخبر الضعيف؟

الذي يظهر من المشهور هو الاول لافتائهم باستحباب العمل الذي ادى اليه الخبر الضعيف ، وهو مختار المصنف ايضا ، واستظهر الشيخ الاعظم في رسالة التسامح الثاني.

واما الثالث فواضح الضعف لانه لو كان الغرض فيها للشارع جعل الحجية للخبر الضعيف ، لقال : ان الراوي للثواب على عمل قد جعلت روايته حجة او امثال هذه العبارة ، لا قوله : ان من عمل على طبق ما بلغه كان ذلك الثواب له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله ، فان ديدن الشارع في مقام جعل الحجية ان يقول ان ما دلت عليه الحجة هو الواقع ، كما في مثل قوله عليه‌السلام : (العمري وابنه ثقتان فما أديا اليك عني فعني يؤديان) (١).

ويبقى الامر دائرا بين ما استظهره المصنف تبعا للمشهور من جعل الحكم الاستحبابي النفسي على طبق مؤدى الخبر الضعيف بعنوان من بلغ ، وبين ما استفاده الشيخ الاعظم وهو اعطاء ثواب العمل البالغ لاجل الانقياد ، ولازم مختاره (قدس‌سره) هو عدم الحكم وعدم الامر الاستحبابي المولوي ، واذا كان هناك امر فهو ارشادي محض.

__________________

(١) الكافي ج ١ ، ص ٣٣٠.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى انه هناك احتمالات اخرى واهنة جدا اعرضنا عن ذكرها.

وقبل التعرض للأخبار ومفادها ينبغي ان لا يخفى : ان اخبار من بلغ لا تشمل الحرمة والكراهة المدلولة للخبر الضعيف ، لظهور قوله من بلغه ثواب على عمل في خصوص الخبر الدال على الاستحباب او الوجوب ، فان الظاهر من الثواب على العمل هو الثواب على الفعل لا على الترك ، وليس الترك مستحبا شرعيا ، لعدم انحلال الحكم الى حكمين.

ولا يخفى ايضا ان المراد بالخبر الضعيف هو الضعيف من ناحية السند لا من ناحية الدلالة ، لظهور قوله وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله في ذلك.

ومن الواضح ايضا ظهور اخبار من بلغ في كون الواسطة المبلغة للثواب هو الخبر الحسي الضعيف ، دون المبلغ للثواب حدسا كالفتوى بالاستحباب من المفتي ، فانه وان بلغ الثواب على العمل إلّا انه بواسطة الحدس دون الحس ، وذلك ايضا لظهور قوله عليه‌السلام وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله في ان المبلغ للثواب كان منه التبليغ بواسطة نقله لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا لحدسه ان الحكم المترتب عليه الثواب هو حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولكن جماعة من الاكابر شملوه للاجماع المنقول والفتوى ، بان يراد من بلغه وصول الثواب سواء كان بالتبليغ اللفظي او بغيره من انحاء الوصول وهو غير بعيد.

ومما ينبغي ان لا يخفى ايضا ان اخبار من بلغ موردها الخبر الضعيف دون الخبر المعتبر ، لان المستفاد منها اما جعل الحكم ، ولا معنى لجعل الحكم على طبق مؤدى الحكم المعتبر فانه من اجتماع المثلين ، واما اعطاء الثواب ولا معنى له ايضا بعد ان دل عليه الخبر المعتبر ، مع ان الظاهر منها تكفلها لما لم يتكفله الخبر البالغ بذاته ، ومع كون الخبر معتبرا فانه يكون متكفلا بذاته لما تكفلته اخبار من بلغ ، مضافا الى ما مر من ان المناسب لقوله وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقله هو كون الخبر البالغ ضعيفا ، واذا كان معتبرا يكون مؤداه مما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا انه لم يقله.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واما اخبار من بلغ فهي كثيرة :

منها : الصحيحة المشار اليها في المتن.

ومنها : ما عن البحار فقد روى الصحيحة المذكورة ، وقال بعد ذكرها ان الخبر من المشهورات رواه العامة والخاصة.

ومنها : ما في الوسائل عن عدة الداعي لابن فهد ، قال روى الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه عن الائمة عليهم‌السلام : (من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وان لم يكن الامر كما نقل اليه) (١).

ومنها : ما عن الكليني في الكافي بسنده الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام : (قال عليه‌السلام : من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه) (٢).

ومنها : ما عن الكافي ايضا عن محمد بن مروان (قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه وان لم يكن الحديث كما بلغه) (٣).

ومنها : ما عن طرق العامة عن جابر بن عبد الله الانصاري قال (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بلغه من الله فضيلة فاخذ بها وعمل بها ايمانا بالله ورجاء ثوابه اعطاه الله ذلك وان لم يكن كذلك).

وقال ابن فهد (ره) له بعد نقله لهذه الروايات فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين.

ولا يخفى انها اخبار مستفيضة وقد ادعى تواترها معنى وقد عمل بها الاصحاب فسندها مما لا ريب في حجيته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ١ ، ٦١ / ٨ ، باب ١٨ من أبواب مقدمة العبادة.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٨٧.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٨٧.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واما المستفاد من هذه الاخبار فهل هو جعل الحكم الاستحبابي لما قام عليه الخبر الضعيف كما هو ظاهر المشهور ، او ان المستفاد منها هو اعطاء الثواب على العمل لاتيانه بداعي الانقياد ورجاء ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله ، فيكون المحصل منها هو ترتب الثواب لاجل الانقياد ، ولا يكون لها دلالة على كون العمل بنفسه مستحبا بعنوان انه قد بلغ الثواب عليه.

والمختار للمصنف هو ما استفاده المشهور من دلالتها على جعل الحكم الاستحبابي ، لظهور صحيحة هشام بن سالم المشار اليها في ترتب الثواب على نفس العمل بقوله عليه‌السلام : (من بلغه شيء من الثواب فعمله ـ أي فعمل الذي قد بلغه انه له ثواب ـ كان اجر ذلك له) (١) فان الظاهر منها كون الاجر والثواب على نفس العمل لا على الانقياد والرجاء ، ولازم كون الثواب على نفس العمل ان نفس العمل هو الموضوع وهو الملزوم لهذا الثواب ، ولا يكون كذلك الا حيث يكون هو مستحب بنفسه ، فتدل هذه الصحيحة على ان المستحب الذي هو الملزوم لهذا الثواب هو نفس العمل ، فالمتحصل منها ذكر اللازم وهو الثواب دليلا على جعل ملزومه وهو استحباب نفس العمل كما هو احد طرق بيان جعل المستحبات في لسان الاخبار ، كدلالة قوله عليه‌السلام : من سرح لحيته فله كذا من الثواب والاجر ، ومن صلى النافلة او صام اليوم الفلاني فله كذا مقدار من الثواب ... على ان تسريح اللحية هو المستحب بعنوانه ، وان صوم اليوم الفلاني والنافلة الكذائية مستحبان بعنوان ذاتهما ، فلازم هذا الظاهر ان البلوغ حيثية تعليلية لجعل العمل الذي هو البالغ بالخبر مستحبا بعنوانه ، ولذا ترتب الثواب والاجر على نفس العمل ، وإلى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ظاهرة)) أي ان الصحيحة المذكورة ظاهرة ((في ان الاجر كان مترتبا على نفس الذي بلغه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه ذو ثواب)) لقوله عليه‌السلام من بلغه فعمله كان اجر ذلك له ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١ ، ٦٠ / ٣ باب ١٨ من أبواب مقدمة العبادة.

٤٠