بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

اشتماله على ما ليس من أجزائه ليس بضائر ، إذا قصد وجوب المأتي على إجماله ، بلا تمييز ما له دخل في الواجب من أجزائه ، لا سيما إذا دار الزائد (١) بين كونه جزءا لماهيته وجزءا لفرده ، حيث ينطبق

______________________________________________________

(١) توضيحه يتوقف على بيان امرين : الاول : ان قصد الوجه ـ بناء عليه ـ يمكن ان يكون بنحو الغاية ويمكن ان يكون بنحو التوصيف. ومعنى كونه بنحو الغاية هو ان يكون الداعي لاتيان العبادة قصد الامر بما هو واجب.

وبعبارة اخرى : انه يأتي بالعبادة المطلوبة بداعي الوجوب المتعلق بها فيكون قصد وجوبها هو الغاية الداعية لاتيانها. ومعنى كونه بنحو التوصيف هو ان يأتي بالعبادة الموصوفة بكونها هي الواجب واقعا.

الثاني : انه لما كان الداعي للاتيان بالاكثر هو احتمال كونه هو الواجب واقعا فيتأتى من المكلف اتيان الاكثر بداعي الوجوب الواقعي المحتمل ، او بداعي كون الواجب الواقعي هو المتصف بالوجوب ، فان كان الواجب الواقعي هو الاكثر فقد انطبق الواجب الواقعي المقصود وجهه على المأتي به تماما ، وان كان الواجب الواقعي هو الاقل فقد انطبق ايضا على الاقل المأتي به في ضمن الاكثر انطباقا تاما. ولا يضر في انطباق الواجب الواقعي على الاقل تماما وجود اشياء أخر معه وهي الزائد المحتمل وجوبه ، لان المقصود للمكلف هو امتثال الواجب الواقعي بنحو الاجمال بما هو عليه بداعي وجوبه او بوصف كونه واجبا. ومن الواضح ان اشتمال الواجب الواقعي ـ حيث يكون هو الاقل واقعا ـ على اشياء زائدة على ما هو الواجب الواقعي فيما اذا اتى بالاكثر لا يمنع من انطباق ما هو الواجب الواقعي على المأتي به.

والحاصل : ان ضم ما ليس بواجب من المأتي به وهو الزائد الى ما هو الواجب واقعا فيما اذا كان الواجب الواقعي هو الاقل لا يضر بانطباق الواجب الواقعي تماما على المأتي به ، لان قصد الوجه الدخيل في الغرض العبادي هو قصد الوجه للواجب

١٦١

الواجب على المأتي حينئذ بتمامه وكماله ، لان الطبيعي يصدق على الفرد بمشخصاته (١). نعم ، لو دار بين كونه جزءا أو مقارنا لما كان منطبقا

______________________________________________________

النفسي ، والمفروض في المقام ان الداعي الى الاتيان هو امتثال الامر الواقعي بما هو واجب واقعا بنحو الاجمال اما بنحو الغاية او بنحو التوصيف ، وهو ينطبق على المأتي به الاكثر على كل حال ، سواء كان الواجب الواقعي هو الاكثر او كان هو الاقل. نعم ، لو كان الدخيل في الغرض هو قصد التمييز لأخل في تحقق الامتثال لتوقفه على معرفة الاجزاء تفصيلا ، إلّا أنّك قد عرفت عدم احتمال دخالة قصد التمييز في ما هو لازم قصده عند العقل بناء على اعتباره ، وانما اللازم هو قصد اتيان ما هو الحسن بداعي حسنه ، وحيث كان الحسن في المركب هو اشتماله على المصلحة الحسنة ، وهي مصلحة واحدة ولها وجوب ، فقصد الاتيان بداعي ذلك الوجوب الواحد هو قصد الوجه المعتبر عند العقل وهو الوجوب النفسي للمركب دون الوجوب الغيري او العرضي لنفس الاجزاء. وقد اشار الى ان لازم الاتيان بالاكثر هو انطباق الواجب الواقعي عليه المأتي به بقصد وجهه بنحو الغاية او التوصيف على كل حال سواء كان الواجب واقعا هو الاكثر او الاقل بقوله : ((واتيان الواجب مقترنا بوجهه غاية او وصفا باتيان الاكثر بمكان من الامكان .. الى آخر الجملة)) واشار الى ان ضم ما ليس بواجب الى ما هو الواجب لا يضر في انطباقه وان قلنا بلزوم قصد الوجه بقوله : ((واحتمال اشتماله .. الى آخر الجملة)) واشار الى ان المضر هو قصد التمييز لو كان دخيلا ولكنه غير محتمل دخالته عند العقل بقوله : ((بلا تمييز ما له دخل في الواجب من اجزائه)).

(١) الظاهر ان المراد من هذا الترقي بقوله : ((لا سيما اذا دار الزائد بين كونه جزءا لماهيته وجزءا لفرده)) هو ان الدوران بين الاقل والاكثر اذا كان لاجل احتمال كون الزائد جزءا للماهية او جزءا للفرد مما يمكن فيه قصد الوجه تفصيلا ، بمعنى انه يمكن ان يؤتى باجزاء المركب بقصد الوجه فيها بما هي مصداق للواجب الواقعي ، لانه اذا

١٦٢

عليه بتمامه لو لم يكن جزءا ، لكنه غير ضائر لانطباقه عليه أيضا فيما لم يكن ذاك الزائد جزء غايته ، لا بتمامه بل بسائر أجزائه (١).

______________________________________________________

دار الامر في الاكثر بين كونه جزءا لماهية الواجب او كونه جزءا لفرد الواجب فان الزائد على كل حال يكون مصداق الواجب الواقعي ، لانه اذا كان جزءا لماهيته فمن الواضح ان ما هو جزء لماهية الواجب فهو جزء من الواجب ، واذا كان جزءا لفرده فهو وان لم يكن جزءا لماهية الواجب إلّا انه كان جزءا لفرده ، وكان الطبيعي مما يصدق على الفرد بمشخصاته الفردية ، كان مما يصح ان يؤتى بجزء الفرد بما هو مصداق الطبيعي الواجب. وينبغي ان لا يخفى ان الفرق بين الطبيعي والفرد هو ان الفرد حصة متشخصة من الطبيعي ، ومن الواضح صدق الطبيعي على الحصة المتشخصة منه اذ لا تزيد عليه الا بمحض التشخص. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((حيث ينطبق الواجب)) المردد بين الاقل والاكثر المردد ذلك الزائد في الاكثر بين كونه جزءا للماهية أو للفرد ((على المأتي)) به ((حينئذ بتمامه وكماله)) لبداهة انطباق الواجب على الزائد تماما وكمالا فيما كان جزءا للماهية واذا كان الزائد جزءا للفرد فهو ايضا مما ينطبق عليه الواجب واقعا ((لان الطبيعي يصدق على الفرد بمشخصاته)).

وينبغي ان لا يخفى ان هذا مبنى على كون التشخص بلوازم الوجود لا بنفس الوجود ، فانه لو كان التشخص بنفس الوجود لما صح ان يدور امر الزائد بين كونه جزءا للماهية او جزءا للفرد ، لوضوح ان التشخص اذا كان بالوجود لا باللوازم فلا فرق بين الفرد والماهية في مقام الوجود اصلا ، وليس الفرد الا نفس الماهية المتشخصة بالوجود ، وحينئذ فالفرق بين الماهية والفرد هو ان الماهية غير مقيدة بالوجود والفرد هو المتقيد بكونه متشخصا بالوجود.

(١) توضيح الحال : ان المركب تارة : يكون مركبا حقيقيا وهو المركب من الصورة والمادة وفي هذا يصدق الطبيعي على فرده المتشخص صدقا حقيقيا ، وان كان ما به

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بتشخص الفرد محل الكلام في انه هل هو الوجود على التحقيق في فنه ، او العوارض اللازمة ككيفه وكمه ومكانه وزمانه وغيرها من المقولات اللازمة للوجود على المشهور.

واخرى : يكون المركب مركبا اعتباريا وهو المركب من مقولات متعددة ، فان مثل هذا المركب من المركبات الاعتبارية لعدم امكان التركيب الحقيقي من المقولات المتعددة ، وإلّا لما انحصرت المقولات الحقيقية في عشر ، ولما كانت منحصرة في عشر وهي الجوهر والاعراض التسعة استحال التركيب الحقيقي من المقولات المتعددة ، فمثل الصلاة مركب اعتباري لانها عبارة عن مقولة الكيف والوضع لانها اذكار وهيئات وهي عبارة عن موجودات متعددة لكل فرد موجود منها طبيعي يخصه وانما كانت امرا واحدا ومركبا واحدا باعتبار كونها مطلوبة بطلب واحد قد صارت باعتبار ذلك الطلب الواحد امرا واحدا ومركبا واحدا.

فاذا عرفت هذا ... نقول : ان الزائد على الاقل كالقنوت يحتمل ان يكون جزءا من ماهية الصلاة الواجبة المطلوبة بطلب واحد ، ويحتمل ان يكون جزءا من الصلاة مستحبا فيها موجبا لكمالها ومزيد فضيلتها ، ويحتمل ان يكون مطلوبا ظرفه الصلاة فلا يكون جزءا من الصلاة لا من ماهيتها ولا من كمالها.

ومن الوضح انه اذا كان مستحبا ظرفه الصلاة لا يكون من اصل طبيعتها ولا من مشخصات الفرد فيها بل يكون من مقارناتها ، واذا كان جزءا مستحبا فيها من مكملاتها وموجبا لمزيد فضيلتها فانه يكون مشخصا ، وذلك لكون كمال الشيء من شئون الشيء واطواره فبهذا الاعتبار يكون من المشخصات فيها ، فاذا كان الزائد دائرا بين كونه جزءا من الواجب او كان مستحبا موجبا لمزيد فضيلتها وكمالها فهو مما دار الامر فيه بين كونه جزءا للماهية الواجبة او للفرد الكامل ، واذا كان دائرا بين كونه جزءا من الواجب او مستحبا ظرفه الصلاة فانه يكون مقارنا لها فيكون من دوران الامر بين الجزء للماهية او المقارن لها ، ومن الواضح خروج المقارن للماهية

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الماهية تماما ، لانه ليس بجزء منها ولا جزء من فردها لخروجه عنه ايضا ، فلا يكون المركب الاعتباري منطبقا على المأتي به على كل حال فيما اذا دار الامر في الاكثر بين كونه جزءا او مقارنا لاحتمال كونه مقارنا ، والمقارن خارج عما ينطبق عليه المركب الواجب تماما ، فانه اذا كان الواجب الواقعي هو ما عدا القنوت من اجزاء الصلاة فالصلاة المأتي به مع القنوت لا يكون الواجب الواقعي منطبقا على الاجزاء مع القنوت ، بل يكون منطبقا على الاجزاء ما عدا القنوت إلّا انه لما عرفت ان ضم ما ليس بواجب الى ما هو الواجب لا يضر في انطباق الواجب على ما هو الواجب الواقعي ، وانه يمكن ان يتأتى قصد الوجه للواجب النفسي المعلوم اجمالا بنحو الاجمال على كل حال ، فلا يضر احتمال كون الزائد من المقارنات لا من الاجزاء او المشخصات للفرد في امكان قصد الوجه في الامر النفسي الدائر بين الاقل والاكثر ، وهو المعتبر عقلا دخالته في الغرض دون قصد الوجه تفصيلا. على نحو التمييز المتوقف على معرفة الاجزاء تفصيلا والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم لو دار الامر بين كونه جزءا او مقارنا)) كالقنوت المحتمل كونه جزءا من الصلاة او مقارنا لها بان يكون مندوبا ظرفه الصلاة ((لما كان منطبقا عليه بتمامه لو لم يكن جزء)) أي ان الواجب الواقعي لو كان هو الصلاة ما عدا القنوت المقارن لها لما كانت منطبقة تماما على الصلاة مع القنوت ، بل كان منطبقها هو الصلاة ما عدا القنوت ((لكنه)) قد عرفت ان ضم ما ليس بجزء من الواجب الى اجزاء الواجب ((غير ضائر لانطباقه عليه فيما لم يكن ذاك الزائد جزءا)) من الواجب ((غايته انه)) ينطبق على المأتي به الاكثر ((لا بتمامه بل)) بل ينطبق عليه ((بسائر اجزائه)) ما عدا الزائد على اجزائه ، لوضوح انطباق الصلاة على الصلاة المأتي بها ما عدا القنوت ، ولا يضر القنوت في الصلاة في انطباق الواجب على الصلاة ما عدا القنوت.

١٦٥

هذا مضافا إلى أن اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه (١) ، مع أن الكلام في هذه المسألة لا يختص بما لا بد أن يؤتى به على وجه

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثالث من وجوه الاشكال على التفصي الثالث ، وحاصله : انه قد مر في مبحث التعبدي والتوصلي عدم اعتبار قصد الوجه لا عقلا ولا نقلا.

اما عقلا فلان العقل انما يحكم في العبادة بكفاية قصد التقرب فيها ، وليس قصد الوجه مما يحتمل دخالته عقلا في تحقق الغرض المترتب على العبادة المأمور بها ، لان غاية ما يمكن ان يقال في اعتبار قصد الوجه عقلا هو انه لا يحكم العقل بصدور الفعل حسنا إلّا اذا قصد اتيان الفعل بداعي حسنه ، ومن الواضح ان حكم العقل بذلك انما هو في الواجبات العقلية التي ملاكها التحسين والتقبيح العقلي ، كضرب اليتيم فانه لا يكون الضرب معنونا بعنوان الحسن عقلا إلّا اذا صدر بداعي التأديب ، وليس الملاك في الواجبات الشرعية المولوية هو التحسين والتقبيح العقلي ، بل الملاك فيه انه لا بد وان يكون ذا مصلحة لو اطلع عليها العقل لرآها لازمة التحصيل ، فالمدار في الدخالة في الغرض في الواجبات الشرعية يدور مدار بيان الشارع ، وسيأتي ان احتمال دخالة قصد الوجه في الغرض منفي بالاطلاق.

وبعبارة اخرى : ان المصلحة التي هي الغاية للوجوب بالنسبة الى الواجبات العقلية من الحيثيات التقييدية للفعل المأتي به ، فلا يكون محكوما عند العقل بصدوره حسنا إلّا اذا اتى به بداعي تلك الغاية ، وفي الواجبات الشرعية المولوية من الحيثيات التعليلية ، فان كانت المصلحة عبادية لزم اتيان الفعل بقصد القربة ، ويكفي في كون الفعل قريبا اتيانه بداعي الامر من دون قيد الوجه وهو جهة وجوبه او ندبه ، وان كانت المصلحة غير عبادية فطاعته المنوطة بترتب الثواب منوطة بقصد القربة فيه ايضا وطاعته المؤمنة من العقاب يكفي فيها صدور الفعل باي داع كان .. فاتضح عدم حكم العقل بدخالة قصد الوجه في عبادية العبادة.

١٦٦

الامتثال من العبادات (١) ، مع أنه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال ، فلا وجه معه للزوم مراعاة الامر المعلوم أصلا ، ولو بإتيان الاقل لو لم يحصل الغرض ، وللزم الاحتياط بإتيان الاكثر مع حصوله ، ليحصل القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال ، لاحتمال بقائه مع الاقل بسبب بقاء غرضه (٢) ،

______________________________________________________

واما النقل فان قلنا بامكان اخذ ما يتأتى من قبل الامر في الامر ، فالاطلاق اللفظي يكفي في عدم لزوم قصد الوجه ، وان قلنا بعدم امكان اخذه في متعلق الامر ، فالاطلاق المقامي يكفي في عدمه لان قصد الوجه مما يغفل عنه العامة ، فلو كان دخيلا في تحقق الغرض العبادي لكان على الشارع بيانه ، وتفصيل الكلام موكول الى مبحث التعبدي والتوصلي ، وإلى هذا اشار بقوله : ((هذا مضافا الى ان اعتبار قصد الوجه من رأس مما يقطع بخلافه)) عقلا ونقلا.

(١) هذا هو الوجه الرابع من وجوه الاشكال على التفصي الثالث ، وحاصله : ان الكلام في هذه المسألة هي في الواجب المردد بين الاقل والاكثر الارتباطي ، سواء كان ذلك الواجب عباديا كالصلاة او توصليا كالغسلات المتعددة في تطهير بعض النجاسات. وما ذكر من احتمال دخالة قصد الوجه في الاجزاء المتوقف على معرفة الاجزاء تفصيلا في مقام تحقق الغرض انما هو في الواجبات العبادية دون الواجبات التوصلية ، وهو واضح وعبارة المتن واضحة.

(٢) هذا هو الوجه الخامس من وجوه الاشكال على التفصي الثالث ، وتوضيحه : ان قصد الوجه في الاجزاء المتوقف على معرفة الاجزاء تفصيلا ـ المعبر عنه في لسان القوم بقصد التمييز ـ اذا كان دخيلا في العبادة بحيث كان صدور الفعل عباديا يتوقف على ذلك لانحصرت العباديات الواجبة في المعلومة اجزائها تفصيلا ـ ولخرج العبادات المرددة بين الاقل والاكثر عن كونها واجبة ، لان دخل قصد الوجه تفصيلا في الغرض وعدم التمكن منه لفرض التردد لو كان هذا مانعا عن ايجاب الاحتياط بفعل

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الاكثر لكان ذلك مانعا ايضا عن وجوب الاقل لفرض دخل قصد الوجه تفصيلا ، وانما يتأتى هذا فيما علم به تفصيلا ، والمفروض ان الاقل لم يعلم وجوبه تفصيلا ، فلازم دخالة قصد الوجه عدم وجوب الاقل كما لا يجب الاحتياط بالاكثر ، ولازم عدم وجوب الاقل جواز المخالفة التفصيلية وعدم الاتيان لا بالاقل ولا بالاكثر وهذا لا يقول به احد ، بل من المسلم عند الكل ان الواجب العبادي بما هو عبادي يكون مرددا بين الاقل والاكثر ، فذهب البعض الى لزوم الاحتياط فيه باتيان الاكثر ، وذهب آخرون الى كفاية الاقتصار على اتيان الاقل واجراء البراءة في الزائد.

والوجه في ذلك انه من الواضح ان لازم التردد بين الاقل والاكثر هو عدم معرفة الاجزاء الواجبة على التفصيل ، واذا لم تكن معروفة على التفصيل فلا يمكن ان يتأتى قصد الوجه فيها على التفصيل والتمييز لها ، وكما لا يتأتى ذلك في مقام الاحتياط والاتيان بالاكثر لعدم معرفة اجزائه تفصيلا ، كذلك ال يمكن ان يتأتى قصد التمييز في الاجزاء في مقام الاقتصار على اتيان الاقل لفرض عدم معرفة اجزاء الواجب تفصيلا ايضا.

وبعبارة اخرى : ان لازم الترديد في الواجب بين كونه هو الاكثر أو الاقل عدم معرفة اجزاء الواجب تفصيلا وحيث يحتمل دخالة قصد التمييز في تحقق الغرض العبادي فلازم ذلك سقوط الواجب من رأس ، وعدم لزوم اتيانه لا الاقل منه ولا الاكثر ، وهذا مما لا يلتزم به احد لما عرفت من تسالم الفقهاء على عدم سقوط الواجب العبادي المردد بين الاقل والاكثر ، ولزوم امتثاله اما باتيان الاقل بناء على الانحلال وجريان البراءة في الاكثر ، واما باتيان الاكثر بناء على عدم الانحلال.

لا يقال : انه يمكن اتيان اجزاء الواجب الاقل بقصد التمييز للقطع بانها اجزاء الواجب ، سواء كان الاقل هو الواجب بتمامه او كان هو الاكثر ، واحتمال لزوم اتيان الاجزاء بوصف كونها تمام الواجب مقطوع لعدمه.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فانه يقال : لما كان المطلوب عباديا ارتباطيا وكان قصد التمييز على الفرض لازما في تحقق العبادة ، فلا بد من لزوم اتيان جميع اجزاء الواجب بقصد التمييز ، وحيث لا يتأتى قصد التمييز في الاجزاء الزائدة على الاقل فلا ينفع قصد التمييز في بعض اجزاء الواجب العبادي الارتباطي.

فاذا عرفت هذا ... نقول : انه لما كان من الواضح ـ كما عرفت سابقا ـ تبعية الاحكام على رأي مشهور العدلية للمصالح التي هي الاغراض المترتبة على الواجب ، فحيث كان الوجوب مفروغا عنه ، فلا بد ان يكون الغرض الذي هو الملاك له مفروغا عنه ايضا ، وقد عرفت انه لما كان الغرض مرددا بين ترتبه على الاقل او على الاكثر ، فبعد العلم الاجمالي به لا بد من لزوم تحصيله وهو يتوقف على اتيان الاكثر. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((مع انه لو قيل باعتبار قصد الوجه في الامتثال فيها على وجه ينافيه التردد والاحتمال)) وذلك بان يكون الدخيل في تحقق العبادة هو قصد الوجه في الاجزاء المتوقف على التمييز لها ومعرفتها تفصيلا ، فلازم ذلك انه في مقام تردد الواجب بين الاقل والاكثر سقوط الوجوب من رأس ، لما عرفت من عدم معرفة اجزاء الواجب تفصيلا لا في الاقل ولا في الاكثر ((فلا وجه معه)) أي فلا وجه مع دخالة قصد التمييز في تحقق عبادية العبادة مع كون الواجب مرددا بين الاقل والاكثر ((لل)) قول ب ((لزوم مراعاة الامر المعلوم)) اجمالا ((اصلا)) ولكان اللازم سقوطه من رأس وان لا يلزم امتثاله ((ولو باتيان الاقل لو لم يحصل الغرض ول)) ما فرض عدم سقوط الواجب المعلوم بالاجمال المفروض تبعيته للغرض ((لزم الاحتياط باتيان الاكثر مع حصوله)) به قطعا ((ليحصل القطع بالفراغ)) من لزوم امتثال الواجب التابع للغرض ((بعد القطع باشتغال)) الذمة به ((ل)) وضوح ((احتمال بقائه)) أي احتمال بقاء الواجب التابع للغرض ((مع)) الاقتصار على ((الاقل بسبب)) احتمال ((بقاء غرضه)) المفروض تبعيته له.

١٦٩

فافهم (١).

هذا بحسب حكم العقل.

وأما النقل فالظاهر أن عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته ، فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما تردد أمره بين الاقل والاكثر ، ويعينه في الاول (٢).

______________________________________________________

(١) لعله يشير الى عدم ورود هذا الوجه الخامس على التفصي المذكور ، لان مدعى الشيخ (قدس‌سره) انه مع تردد الواجب بين الاقل والاكثر ودخالة قصد التمييز في تحقق الغرض غير المتأتى من المكلف يسقط لزوم تحصيل الغرض على وجه لزوم الفراغ اليقيني عنه ، لان عدم سقوط الوجوب مما لا إشكال فيه في المقام ، فلا بد وان لا يقول الذاهبون الى تبعية الاحكام للاغراض المستلزم لوجوب تحصيل الاغراض بوجوب تحصيل الغرض في المقام ، فلا يبقى الا الوجوب من ناحية الامر وقد فرض انحلاله الى معلوم تفصيلا ومشكوك بدوا ، والله العالم.

(٢) كان الكلام المتقدم في البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، وقد عرفت ان القاعدة تقتضي الاشتغال ولزوم الاتيان بالاكثر عقلا ، لان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، واما الانحلال المذكور فقد عرفت بطلانه.

واما البراءة النقلية مثل حديث الرفع فتوضيح الحال فيها يتوقف على بيان امور :

الاول : انه حيث لا يجري الاصل في السبب لمانع فلا مانع من جريانه في المسبب ، لان السبب والمسبب اثنان وليسا شيئا واحدا حتى يكون عدم جريان الاصل في السبب معناه عدم جريان الاصل في المسبب ، وكذلك في الامر الانتزاعي والمنتزع منه فانهما اثنان ، واذا لم يجر الاصل في منشأ الانتزاع لمانع من الموانع فلا مانع من جريانه في الامر الانتزاعي.

الثاني : ان الجزئية للجزء تنتزع من مقامين : احدهما : دخالة الجزء في تحقق المصلحة المترتبة على المركب وهذه دخالة واقعية تكوينية ، فان منشأ انتزاع الجزئية من

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ابعاض المركب في هذا المقام هو دخالة الابعاض واقعا في تحقق المصلحة المترتبة على الكل واقعا ، ومنشأ انتزاع هذه الجزئية امر تكويني واقعي لا جعلي شرعي.

ثانيهما : انتزاع الجزئية للجزء من مقام تعلق الطلب بالكل ، ومنشأ الانتزاع لعنوان الجزئية في هذا المقام هو كون الامر المتعلق بمركب ينتزع من تعلق الامر بالمجموع عنوان الكلية للمجموع ، ومن ابعاض هذا المركب ينتزع عنوان الجزئية للابعاض ، ومن الواضح ان هذه الجزئية باعتبار كونها تنتزع من مقام الطلب فهي امر جعلي شرعي للشارع رفعه ووضعه.

الثالث : انه قد عرفت ان الوجوب كما لا مجرى للبراءة العقلية فيه كذلك لا مجرى للبراءة الشرعية فيه ايضا ، لعدم انحلال الوجوب المعلوم بالاجمال المردد بين الاقل والاكثر الى معلوم تفصيلي ومشكوك بدوي ، وكل من الاقل والاكثر وان كان مشكوكا إلّا ان الاصل في كل واحد منهما معارض بالاصل في الآخر ، فالبراءة اما لا تجري في اطراف المعلوم بالاجمال ، او تجري وتتساقط بالمعارضة.

ثم لا يخفى ان الوجوب بالنسبة الى عنوان الكلية المنتزعة من مجموع الاجزاء المتعلق بها الطلب ، والى عنوان الجزئية المنتزعة من ابعاض المركب المتعلق للطلب له ، نسبة السبب الى المسبب او الامر الانتزاعي والمنتزع منه ، فهما اثنان. واذا لم يجر الاصل بالنسبة الى السبب او في منشأ الانتزاع فلا مانع من جريانه بالنسبة الى المسبب والامر الانتزاعي وهو عنوان الجزئية ، ومن الواضح ان جزئية الزائد مشكوكة وجزئية الابعاض ما عدا الزائد معلومة تفصيلا ، فتكون جزئية الزائد مجرى لحديث الرفع ، واذا جرى حديث الرفع بالنسبة الى الزائد فيكون محددا للاجزاء في هذا المركب ، ومن الواضح ايضا ان تحديد هذا المركب بجريان حديث الرفع في الجزء المشكوك مرجعه الى كون الاجزاء المطلوبة في هذا المركب وهي الاجزاء ما عدا الاكثر وهو الاقل.

١٧١

لا يقال : إن جزئية السورة المجهولة ـ مثلا ـ ليست بمجعولة وليس لها أثر مجعول ، والمرفوع بحديث الرفع إنما هو المجعول بنفسه أو أثره ، ووجوب الاعادة إنما هو أثر بقاء الامر بعد العلم مع أنه عقلي ، وليس إلا من باب وجوب الاطاعة عقلا (١).

______________________________________________________

فاتضح : ان لازم جريان البراءة النقلية في نفي الجزء المشكوك هي انحلال المعلوم بالاجمال الى كون المطلوب الفعلي هو الاقل دون الاكثر ، وبهذه الواسطة يرتفع الاجمال المردد بين كونه هو الاقل او الاكثر ، بل يكون الاقل هو الواجب الفعلي دون الاكثر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((واما النقل فالظاهر ان عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته)) وهو الزائد المشكوك جزئيته ، ولا مانع من جريان حديث الرفع في الجزئية وان كان لا مجرى لها بالنسبة الى نفس الوجوب ، وقد عرفت ان لازم جريان حديث الرفع في رفع الجزئية المشكوكة هو انحصار الوجوب الفعلي بالاقل وبه يرتفع اجمال الوجوب المردد بين الاقل والاكثر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما تردد امره بين الاقل والاكثر ويعينه في الاول)) وهو الاقل كما عرفت.

(١) لا يخفى ان في النسخة المصححة المجهولة دون المنسية ، لوضوح ان الكلام في الدوران بين الاقل والاكثر ، ففرض هذا فرض كون الزائد مجهولا وكونه جزءا في الواقع ام لا ، وليس فرض الكلام في الجزء المعلوم ولكن يدور امره بين كونه جزءا ذكريا او جزءا مطلقا سواء في حال الذكر او النسيان ، وسيأتي الكلام فيه.

وعلى كل فحاصل لا يقال : ان حديث الرفع وسائر الاصول يشترط في مجراها ان يكون اما بنفسه مجعولا شرعيا كالاحكام التكليفية او الوضعية ، او يكون له اثر مجعول كالخمر المشكوكة فانها وان لم تكن بنفسها مجعولا شرعيا إلّا انها لها اثر مجعول شرعي وهو الحرمة.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والوجه في هذا الاشتراط واضح ، لان ما ليس بمجعول شرعي ليس له رفع شرعي ، لان رفع الشارع بما هو شارع انما هو لما بيده جعله بما هو شارع ، فما كان بنفسه مجعولا شرعيا للشارع رفعه بما هو شارع ايضا ، وما كان له اثر مجعول فرفعه انما هو رفع اثره المجعول. ولما كان فرض الكلام هو الرفع لجزئية الجزء المشكوك لا لوجوبه لما عرفت من ان الوجوب المعلوم بالاجمال غير منحل والقاعدة فيه تقتضي الاحتياط دون البراءة ، ونفس جزئية الجزء غير مجعولة بنفسها ككلية الكل ، وانما المجعول شرعا هو الوجوب ، وقد عرفت انه لا مجرى فيه للبراءة وليس لها اثر مجعول ، لان الاثر المتوهم جعله مترتبا على الجزء هو وجوب الاعادة بعد العلم وانكشاف كون الاكثر هو الواجب ، بتوهم انه انما وجبت الاعادة لعدم الاتيان بالجزء لو اقتصر في مقام الاتيان على الاقل وهو توهم باطل لأمرين :

ـ الاول : ان وجوب الاعادة انما هو اثر بقاء الامر لفرض كونه متعلقا بالاكثر الارتباطي ، وهو لا يسقط إلّا باتيان المركب المتعلق به بتمامه ، واذا لم يأت متعلقه بتمامه فلا يسقط ، واثر بقائه وعدم سقوطه هو وجوب الاعادة بعد العلم وانكشاف الواقع ، وليس وجوب الاعادة اثرا مجعولا لنفس جزئية الجزء.

ـ الثاني : انه لو سلمنا كونه اثرا لجزئية الجزء إلّا انه اثر عقلي لا شرعي ، لوضوح ان الجزء بعد انكشاف كونه جزءا من المركب والمركب الارتباطي ينتفي عقلا بانتفاء جزئه ، فيحكم العقل بلزوم اتيان المركب مرة اخرى مع الجزء تحصيلا للاطاعة والحاكم بوجوبها هو العقل ، فوجوب الاعادة اثر عقلي يحكم العقل به تحصيلا للاطاعة اللازمة عقلا. وقد عرفت ان المرفوع لا بد وان يكون مجعولا شرعيا ، والآثار العقلية ليست من المجعولات الشرعية ، وقد اشار (قدس‌سره) الى ان جزئية السورة ليست بمجعولة وليس لها اثر مجعول ، والى انه يشترط في المرفوع ان يكون مجعولا شرعيا اما بنفسه او انه اثر له مجعول شرعي بقوله : ((ان جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة وليس لها اثر مجعول ، والمرفوع بحديث الرفع انما هو المجعول بنفسه

١٧٣

لانه يقال : إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها ، إلا أنها مجعولة بمنشإ انتزاعها ، وهذا كاف في صحة رفعها (١).

______________________________________________________

او)) بان يكون المجعول ((اثره)) واشار الى الجواب الاول عن توهم كون وجوب الاعادة هو الاثر المجعول لجزئية الجزء كمثل السورة بقوله : ((ووجوب الاعادة)) ليس باثر لجزئية السورة و ((انما هو اثر لبقاء الامر بعد العلم)) واشار الى الجواب الثاني بقوله : ((مع انه عقلي)) أي ان وجوب الاعادة لو سلمنا انها اثر لجزئية الجزء فهو اثر عقلي لا شرعي ((و)) ذلك لما عرفت من ان وجوب الاعادة ((ليس إلّا من باب وجوب الاطاعة عقلا)).

(١) توضيحه : ان الامر المجعول ، تارة يكون مجعولا بنفسه لاقتضاء ما يدعو الى جعله بنفسه مستقلا كجعل الوجوب لذي المقدمة. واخرى يكون مجعولا لاقتضاء المصلحة في غيره كجعل وجوب المقدمة ، فان وجوبها كان عارضا عليها للمصلحة في ذي المقدمة ، ووجوبها وجوب مترشح من وجوب ذي المقدمة ، وهو جعل كالجعل الاول لذي المقدمة من جهة كونه وجوبا مثل وجوبه إلّا انه مترشح منه. وثالثة يكون جعلا واحدا ينسب الى شيء اولا وبالذات والى غيره ثانيا وبالعرض ، وهو مثل الجعل المنسوب الى اجزاء المركب بتبع جعلها متعلقا للوجوب ، فانه بعد جعل المركب متعلقا للوجوب يتحقق منشأ الانتزاع لانتزاع الكلية للكل والجزئية للجزء ، فهنا جعل واحد ينسب الى منشأ الانتزاع اولا وبالذات ، والى العنوان المنتزع منه وهو جزئية الجزء وكلية الكل ثانيا وبالعرض ، وهذا هو المسمى بالجعل بالتبع.

فاتضح : ان الجزئية مجعولة بنفسها لكنه بالجعل التبعي لا بالجعل الاستقلالي.

ومنه يظهر ان نفس عنوان الجزئية للسورة ـ مثلا ـ مجعول بالجعل الشرعي ، إلّا انه جعل تبعي لا استقلالي ، وهذا المقدار من الجعل كاف لجريان حديث الرفع وساير الاصول ، لرجوع الحال فيه الى الشارع لانه بيد الشارع وضعه بتبع وضع منشأ انتزاعه ، وما كان بيد الشارع وضعه كان بيده رفعه ، فنفس جزئية الجزء مجعول

١٧٤

لا يقال : إنما يكون ارتفاع الامر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه ، وهو الامر الاول ، ولا دليل آخر على أمر آخر بالخالي عنه (١).

______________________________________________________

شرعي قابل للرفع والوضع ، وإلى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ان الجزئية وان كانت غير مجعولة بنفسها إلّا انها مجعولة ب)) جعل ((منشأ انتزاعها وهذا)) المقدار من الجعل التبعي ((كاف في صحة رفعها)).

(١) توضيحه : انه قد مر ان متعلق العلم الاجمالي هو الوجوب المردد بين الاقل والاكثر ، ولا مجرى فيه للبراءة مطلقا ، ومجرى البراءة النقلية بالخصوص هو جزئية الجزء ، ولازم ذلك انحصار فعلية الوجوب المعلوم بالاجمال في الاقل ، وبها ينحل العلم الاجمالي الى معلوم الوجوب فعلا وهو الاقل ، والى مشكوك بدوا وهو الزائد عليه.

فاذا عرفت هذا .. نقول : ان هذا الانحلال بواسطة جريان البراءة في عنوان الجزئية من الاصل المثبت المسلم عدم حجية الاصول فيه.

وتوضيح ذلك : ان البراءة بجريانها في الجزء المشكوك غايته انها تدل على رفعه ، ولا تدل على كون الواجب هو الاقل قطعا حتى يستلزم ذلك الانحلال للعلم الاجمالي إلّا اذا قلنا بان مثبتات الاصول حجة ، لان كون الواجب هو بقية الاجزاء ما عدا الجزء المشكوك ملازم لرفع جزئية الجزء المشكوك ، وهو لا يثبت بالبراءة الجارية في رفع الجزء المشكوك إلّا بناء على حجية الاصل المثبت ، فما تدل عليه البراءة وهو رفع جزئية الجزء المشكوك لا يحل العلم الاجمالي ، وما يحل العلم الاجمالي لا يثبت بدليل البراءة الذي هو ليس بحجة في اثبات ملازمه. بل يمكن ان يقال : ان كون الاقل هو الواجب من مقارنات رفع دليل الرفع لجزئية الجزء المشكوك لا من ملازماته ، لان عدم جزئية الزائد ليس ملزوما للوجوب المتعلق بما عداه وهو واضح. نعم رفع الجزئية المشكوكة بدليل الرفع كاشف إنا عن عدم كون الامر بالاكثر فعليا ، ورفع الامر الانتزاعي لا يكون إلّا برفع منشأ انتزاعه ، فما دل على

١٧٥

لانه يقال : نعم ، وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه ، إلا أن نسبة حديث الرفع ـ الناظر إلى الادلة الدالة على بيان الاجزاء ـ إليها نسبة الاستثناء ، وهو معها يكون دالة على جزئيتها إلا مع الجهل بها ، كما لا يخفى ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

رفع الامر الانتزاعي يكون دالا على رفع منشأ انتزاعه ، فدليل البراءة الجاري في رفع الجزئية المشكوكة التي هي الامر الانتزاعي يدل على رفع منشأ انتزاعه وهو الامر بالاكثر ، إلّا ان هذا المقدار لا يجدي في الانحلال ، بل الانحلال منوط بكون الامر بالاقل مقطوع الفعلية ولا يثبت ذلك إلّا اذا كانت مثبتات الاصول حجة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لا يقال)) ان جريان دليل البراءة في الجزء المشكوك لا يكون موجبا للانحلال لانه ((انما يكون)) موجبا ل ((ارتفاع الامر الانتزاعي)) المنوط ((برفع منشأ انتزاعه و)) من الواضح ان منشأ انتزاعه ((هو الامر الاول)) وهو الامر بالاكثر ((ولا دليل)) لنا ((آخر على أمر آخر)) وهو الاقل المتعلق ((بالخالي عنه)) أي بالخالي عن الجزء المرفوع بدليل البراءة إلّا اذا قلنا بحجية الاصل المثبت.

(١) وحاصل الجواب : ان دليل البراءة الجاري في رفع الجزء المشكوك لا يستفاد منه الا رفع منشأ الانتزاع للجزء المشكوك وهو الامر بالاكثر ، إلّا ان ضم دليل الرفع الرافع للامر بالاكثر مع ادلة الاجزاء الخاصة كقوله : اركع واسجد وأقرأ .. الى آخره ، مع الدليل المجمل الدال على اصل المركب كاقيموا الصلاة ـ يدل على استثناء الجزء المشكوك في حال الجهل ، ولو لا دليل البراءة لكان العلم الاجمالي موجبا لاتيان الجزء المشكوك في حال الجهل بجزئيته الواقعية.

وبعبارة اخرى : ان ادلة الاجزاء والشرائط : منها ما هو ظاهر في كون المأمور به شرطا او جزءا واقعا من الصلاة المأمور بها ، كقوله لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة ، ولا تعاد الصلاة الا من خمس ، وامثال ذلك.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما يدل على ان المأمور به مما يؤتى به في الصلاة ، ولا ظهور له في كونه جزءا منها ، بل يحتمل ان يكون جزءا من الصلاة الواجبة ، ويحتمل ان يكون جزءا لكمالها وفضيلتها ، ويحتمل ان يكون مستحبا ظرفه الصلاة. وهو الموجب للشك في جزئيته ولكون العلم الاجمالي بالصلاة الواجبة مرددا بين الاقل والاكثر ، وجريان البراءة في رفع جزئية هذا الجزء المشكوك في جزئيته للواجب الدال ايضا على رفع الامر الفعلي بالاكثر موجب لانحلال العلم الاجمالي لما هو المعلوم قطعا ، لأن اجزاء الواجب اما هي هذه الاجزاء المعلوم جزئيتها فقط او هي مع الاجزاء المشكوك جزئيتها ، فلولا جريان البراءة في رفع الجزء المشكوك لكان العلم الاجمالي موجبا لاتيان الجزء المشكوك ، ولكنه بعد جريان البراءة فيه فالعلم الاجمالي ينحل بها ، بمعنى ان العلم الاجمالي لا يوجب الاتيان بالجزء المشكوك في حال الجهل ، وحيث لم يكن موجبا لاتيان الجزء المشكوك فلا بد وان تكون فعليته ومنجزيته منحصرة في الاجزاء الظاهرة في كونها جزءا واقعا للواجب ، ويكون دليل البراءة موجبا لاستثناء الجزء المشكوك عن اجزاء الواجب ، فمقتضى الجمع بين الدليل المجمل الدال على المركب المردد بين الاقل والاكثر ودليل البراءة وادلة الاجزاء يقتضي الانحلال واقتصار فعلية المعلوم بالاجمال في خصوص الاقل. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم وان كان ارتفاعه)) أي الجزء المشكوك ((بارتفاع منشأ انتزاعه)) وهو خصوص الامر الاول وهو الامر بالاكثر ، ولا يدل دليل الرفع بنفسه على امر آخر متعلق بالاقل ((إلّا ان)) الامر بالاقل يحصل من امور وهي ((نسبة حديث الرفع الناظر الى الادلة)) الخاصة البيانية ((الدالة على بيان الاجزاء)) كقوله اقرأ في صلاتك واركع ، ومثل قوله لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وامثالها ((اليها)) أي نسبة حديث الرفع الى هذه الادلة الخاصة مع ضم العلم الاجمالي يكون ((نسبة الاستثناء وهو معها)) أي الامر الاول وهو الامر الحاصل بالعلم الاجمالي مع ادلة الاجزاء الخاصة التي بعضها ظاهر في الجزئية وبعضها غير ظاهر ((يكون دالا على جزئيتها))

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أي على جزئية الاجزاء المشكوكة لانه يقتضي الاتيان بالاكثر ((الا مع الجهل بها)) لاقتضاء البراءة استثناء الجزء المشكوك في حال الجهل.

والمتحصل من جميع ما ذكر هو انه لا يدل دليل الرفع على الامر بالاقل بنفسه حتى يقال انه من المثبت ، بل الذي يدل على الامر بالاقل هو الجمع بين الدليل الدال على المركب المجمل المردد بين الاقل والاكثر وادلة الاجزاء ـ التي هي على نحوين ، منها ما هو ظاهر في الجزئية ، ومنها ما هو غير ظاهر في ذلك بل يكون محتملا ان يكون متعلقها جزءا من ماهية الصلاة أو انه جزء مستحب لفردها داخلا في كمالها ، او انه مقارن لها خارجا عن ماهيتها وعن فردها ـ مع ضميمة حديث الرفع الدال على رفع جزئية المشكوك.

فالمتحصل من هذه الامور الثلاثة هو الاقل بالاقتصار على اوامر الاجزاء الظاهرة في جزئية الجزء باستثناء الجزء المشكوك بواسطة حديث الرفع.

ثم لا يخفى ان المتحصل مما في الكتاب هو عدم جريان البراءة العقلية وجريان البراءة النقلية في رفع الجزء المشكوك ولكنه ذكر في هامش الكتاب ما يدل على عدم جريان البراءة النقلية ايضا. والظاهر انه (قدس‌سره) عدل عما في الكتاب (١) في الدورة الاخيرة. وتوضيح ما في الهامش : انه لا يعقل جريان البراءة النقلية في الجزء المشكوك بعد كون العلم الاجمالي بالحكم الفعلي المردد بين الاقل والاكثر منجزا ، فان لازم منجزيته فعلية وجوب الاكثر لو كان هو الواجب واقعا ، ومن الواضح انه مع جريان البراءة النقلية في الجزء المشكوك المقتضية لرفع وجوب الاكثر يلزم اجتماع المتناقضين ، لاقتضاء العلم الاجمالي المنجز فعلية وجوب الاكثر لو كان هو الواجب واقعا ، واقتضاء جريان البراءة رفع جزئية الجزء المشكوك المستلزم لعدم وجوب الاكثر وعدم فعليته ، واحتمال اجتماع المتناقضين كالعلم بهما. وحيث عرفت فيما مر انه يشترط

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني (قدس‌سره) ج ٢ ، ص ٢٣٨ (حجري).

١٧٨

وينبغي التنبيه على أمور :

الاول : إنه ظهر مما مر حال دوران الامر بين المشروط بشيء ومطلقه ، وبين الخاص كالانسان وعامه كالحيوان ، وأنه لا مجال هاهنا للبراءة عقلا ، بل كان الامر فيهما أظهر ، فإن الانحلال المتوهم في الاقل والاكثر لا يكاد يتوهم هاهنا ، بداهة أن الاجزاء التحليلية لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا ، فالصلاة ـ مثلا ـ في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها (١) ، وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة

______________________________________________________

في جريان الاصول ان لا يستلزم جريانها محالا ، فلا بد من الالتزام بعدم جريان البراءة النقلية ، لان جريانها يستلزم احتمال المحال وهو كالمحال المعلوم.

(١) توضيح هذا التنبيه انه لو قلنا بجريان البراءة العقلية في المركب من اجزاء خارجية لكل جزء منها وجود مستقل ، وقد دار امر ذلك المركب بين ان يكون الواجب منه هو الاقل أو الاكثر ، كالصلاة المركبة من اجزاء موجودة مستقلة كالتكبير والقراءة والركوع والسجود ، وشككنا في كون الاستعاذة جزءا منها اولا ، لكننا لا نقول بالبراءة العقلية فيما اذا كان الاقل والاكثر من قبيل المشروط وشرطه ، كما لو شككنا في كون الاقامة هل هي شرط لصحة الصلاة او انها مستحب او واجب آخر مع الصلاة؟ او كان من قبيل الخاص والعام كما لو شككنا في كون الواجب في ذكر الركوع هو خصوص التسبيحة الخاصة او مطلق الذكر.

وتمهيدا لبيان الحال في المقام نذكر ما اشار اليه المصنف في حاشيته على الرسائل في الفرق بين هذه الصور ، ومحصله : ان مشكوك الجزئية اما ان يكون له وجود مستقل في الخارج في قبال وجود الاجزاء الأخر كالسورة المشكوكة او كالاستعاذة المشكوك كونهما جزءا من الواجب.

واما ان يكون له وجود في الخارج ولكنه غير مستقل ، وذلك كالفصل بالنسبة الى الجنس ، فانهما موجودان بوجود واحد ينحل عقلا الى جزءين وهما الجنس

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والفصل ، فالفصل وان كان موجودا في الخارج لكنه لا يوجد مستقل في قبال وجود الجنس ، بل هو والفصل لهما وجود واحد ، ومثله النوع وفرده فان النوع وفرده موجودان بوجود واحد خارجا ، ومثال ذلك ما لو كان المطلوب دائرا بين كونه مطلق طبيعي الصلاة او صلاة خاصة كالجمعة ، ويسمى هذا بدوران الامر بين العام والخاص وهو من الاقل والاكثر ، لان المطلوب لو كان هو النوع كان التشخص الفردي خارجا عن المطلوب ، وان كان هو الفرد كان داخلا في المطلوب.

واما ان يكون المشكوك امرا انتزاعيا لا وجود له في الخارج الّا لمنشا انتزاعه كالرقية والزوجية ، ومثله ما يسمى بالشك في الشرطية كعنوان المؤمن فيما لو دار الامر بين كون المطلوب عتق مطلق الرقبة أو خصوص الرقبة المؤمنة ، فان المشكوك هو عنوان المؤمن ولا وجود له في الخارج ، وانما الموجود منشأ انتزاعه وهو اتصاف العبد بالايمان ، والايمان بنفسه وان كان موجودا خارجيا من عوارض النفس إلّا ان المطلوب ليس نفس ايمان العبد ، بل كون العبد ذا ايمان الراجع الى تقييد العبد بالايمان المنتزع منه عنوان المؤمن ، ومن الواضح ان عنوان المؤمن لا وجود له في الخارج بل الموجود منشأ انتزاعه.

اذا عرفت هذا ... فنقول : ان الانحلال المذكور فيما كان المشكوك جزءا له وجود مستقل انما هو لكون الجزء له وجوب غيري هو الموجب لكون وجوب الاقل مقطوعا به اما لنفسيته او لغيريته ، وليس لهذا مجال فيما كان الجزء المشكوك من قبيل العام والخاص او من قبيل الامر الانتزاعي الموجود بوجود منشأ انتزاعه خارجا لا بوجوده بنفسه خارجا ، ولا مجال فيما اذا كان المطلوب هو الخاص او المشروط بشرط لاحتمال ان يكون للعام ولذات المشروط طلب غيري غير الطلب النفسي المتعلق به ، لوضوح ان المناط في المطلوب الغيري هو توقف وجود المطلوب النفسي على وجوده ، وبعد ان كان وجود العام في الخارج ووجود المشروط في الخارج بعين وجود الخاص وبعين وجود المشروط بما هو مشروط ، ولا تعدد لهما في الوجود خارجا

١٨٠