بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-064-0
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢١

ومنها : صحيحة أخرى لزرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أنه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر عليه ، فلما صليت وجدته ، قال عليه‌السلام : تغسله وتعيد ، قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا فصليت ، فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال : لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا ، قلت : فإني قد علمت أنه قد أصابه ، ولم أدر أين هو ، فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها ، حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت : فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك ، قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعيد ، إذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على الصلاة ، لانك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (١).

______________________________________________________

(١) ان هذه الصحيحة رويت مضمرة كما هي في المتن ، وقد عرفت ان إضمارها لا يضرّ كما تقدّم بيانه في الصحيحة الاولى ، ورويت ايضا مسندة كما عن محكي العلل (قال : قلت له : اصاب ثوبي دم رعاف او غيره او شيء من المني فعلّمت اثره الى ان اصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك ، قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله ، قلت : فان لم اكن رأيت موضعه وعلمت انه قد اصابه فطلبته ولم اقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال عليه‌السلام :

١

.................................................................................................

______________________________________________________

تغسله وتعيد ، قلت : فان ظننت انه قد اصاب ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه ، قال عليه‌السلام : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك؟ قال عليه‌السلام : لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ، قلت : فاني قد علمت انه قد اصابه ولم ادر اين هو فاغسله؟ قال عليه‌السلام : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت فهل علي ان شككت في انه اصابه شيء ان انظر فيه؟ قال عليه‌السلام : لا ولكنك تريد ان تذهب بالشك الذي وقع في نفسك ، قلت : ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة ، قال عليه‌السلام : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رأيته ، وان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، لانك لا تدري لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك) (١).

ثم لا يخفى ان فيها موارد من الدلالة : المورد الاول : قوله فعلّمت أثره ... الى قوله ثم اني ذكرت بعد ذلك قال عليه‌السلام : تعيد الصلاة وتغسله. وهذا المورد يدل على ان الصلاة مع النجاسة نسيانا توجب الإعادة ، وهو يوافق فتوى المشهور بالفرق بين الجهل حال الصلاة لعدم العلم فانهم افتوا فيه بصحة الصلاة وعدم لزوم الاعادة ، وبين الجهل حال الصلاة للنسيان وفيه افتوا بلزوم الاعادة.

المورد الثاني : من قوله عليه‌السلام قلت فان لم اكن ... الى قوله تغسله وتعيد. ويدل هذا المورد انه قد علم باصابة النجاسة للثوب اجمالا. وفي قوله ولم اقدر عليه اشعار ببقاء العلم الاجمالي وانه لم يقدر على تحصيله ، لا انه لم يكن له وجود ، ولما كان العلم الاجمالي منجزا امره عليه‌السلام بالغسل والاعادة.

المورد الثالث : من قوله قلت : فان ظننت ... الى آخر قوله عليه‌السلام فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ، وسيأتي الكلام في وجه دلالتها على الاستصحاب.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ج ١ ، ص ٢١ (ط. النجف الاشرف).

٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المورد الرابع : قوله قلت فاني قد علمت انه اصابه ... الى قوله عليه‌السلام حتى تكون على يقين من طهارتك. وحاصل هذا المورد يتضمن السؤال عن انه مع العلم الاجمالي باصابة النجاسة للثوب هل يجب غسل الثوب كله؟ فأجابه عليه‌السلام بانه يجب غسل الناحية التي ينحصر بها العلم الاجمالي بالاصابة ، لانه بغسلها يحصل اليقين بطهارة الثوب.

المورد الخامس : من قوله فهل عليّ ان شككت ... الى آخر قوله عليه‌السلام انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. وحاصله السؤال عن وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية ، فأجابه عليه‌السلام : ان الفحص فيها لا يجب ، وانما فائدته هو حصول اليقين اما بالنجاسة او بعدمها.

المورد السادس : قوله قلت ان رأيته في ثوبي ... الى آخر قوله عليه‌السلام فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك. ولا اشكال في دلالة هذا المورد على الاستصحاب لانه عليه‌السلام قد فرض وقوع الشك في النجاسة بعد العلم السابق بالطهارة ، وبعد فرضه حكم بانه مورد الاستصحاب ، وانه مما لا ينبغي له ان ينقص اليقين بالشك. ولكنه قد دفع الاشكال في هذا المورد من ناحية اخرى.

وحاصله : ان ظاهر سؤال السائل في هذا المورد الاخير هو انه قد راى النجاسة في اثناء الصلاة ولم يكن له علم سابق بالاصابة ، ففصل الامام عليه‌السلام : بانه يلزمه الاعادة فيما اذا كان يحتمل وقوع النجاسة فصلى ثم راى النجاسة في الاثناء ، واذا كان لا يحتمل وقوعها فصلى ثم رآها يبني على صلاته بعد ان يغسل النجاسة. وقوله ثم رأيته رطبا جار مجرى الغالب ، فان النجاسة اذا كانت هي النجاسة السابقة فالغالب ان تكون يابسة ، واذا رآها رطبة فيكون مجال لاحتمال ان تكون النجاسة قد وقعت عليه في اثناء الصلاة ... وبعد ان كان هذا ظاهر السؤال والجواب يقع الاشكال في انه بعد فرض كونه مسبوقا باليقين بالطهارة قبل الصلاة فالقاعدة تقتضي صحة الاجزاء السابقة الواقعة مع النجاسة ، وليس وقوع الصلاة ببعض اجزائها مع

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

النجاسة اعظم من وقوع الصلاة كلها مع النجاسة ، وقد حكم الامام بصحة الصلاة فيها كما هو مقتضى المورد الثالث في الصحيحة وهو قوله فان ظننت انه قد اصابه ... الى آخره.

وقد ذكروا وجوها للتخلص عن هذا الاشكال : الاول : ما حكي عن الجواهر بما حاصله : انه لا فرق بين الشق الاول والشق الثاني في المورد الاخير من ناحية كون الحكم فيه هو الصحة ، فيما اذا لم يكن التطهير موجبا للفعل المنافي في الصلاة ، وانما حكم بالاعادة في الشق الاول لان التطهير فيه يستلزم الفعل المنافي ، وفي الشق الثاني لا يستلزم فعل المنافي.

وفيه ، اولا : ان الظاهر ان الشق الاول والشق الثاني يشتركان في جميع الجهات عدا ان الشق الاول مما يقطع فيه بوقوع النجاسة من الاول ، والشق الثاني مما يحتمل فيه وقوعها في الاثناء ، وليس فيها ولا اشعار بالفرق بينهما من ناحية الفعل المنافي وعدمه.

وثانيا : ظهور الرواية في ان الفرق بينهما هو ان الاجزاء السابقة كان اتيانها مع فرض الشك في اصابة النجاسة للثوب ، وفي الشق الثاني لم يكن يحتمل ذلك في حال اتيانه بها وقد حدث شكه بعد الرؤية.

الثاني : ما حكي عن صاحب الوافية في حمل الشق الاول على صورة العلم بالنجاسة ونسيانها ولذا حكم فيه بالاعادة ، والشق الثاني في صورة عدم العلم بالنجاسة ونسيانها ولذا كانت مجرى للاستصحاب.

وفيه : ان ظاهر الرواية فرض الشك في كلا الشقين ، الّا انه في الشق الاول قد اتى بالاجزاء مع احتمال الاصابة ، وفي الشق الثاني لم يكن له احتمال في حال الاتيان ، وانما احتماله لذلك بعد الرؤية في اثناء الصلاة .. مضافا الى انه على هذا الحمل يكون قوله : ثم رأيته رطبا ، لا فائدة فيه اصلا ، لان ما ذكرنا من كونه جاريا مجرى الغالب انما يصح حيث يكون المراد الفرق بين الشق الاول والثاني هو انه بعد

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

رؤية النجاسة يابسة يحصل اليقين غالبا او الاطمئنان بانها كانت من الاول ، وهو فرض الشق الاول الذي حكم فيه بالاعادة. ومع كونها رطبة يكون مجال لاحتمال عدم وقوعها من الاول. وعلى هذا الحمل يكون المدار على سبق العلم والنسيان فان سبق العلم والنسيان وجبت الاعادة ، وان لم يحصل العلم والنسيان فلا اعادة سواء كانت النجاسة من الاول او في الاثناء ، فلا يكون للرطوبة وعدمها فائدة اصلا.

الثالث : الالتزام بان الفرق بين الشق الاول من هذا المورد الاخير والمورد الثالث هو التعبّد ، ولازمه ان يكون للرؤية في اثناء الصلاة خصوصية توجب الاعادة ، دون رؤيتها بعد الصلاة فانها لا توجب الاعادة.

وفيه : ان الظاهر من الرواية عدم الخصوصية للرؤية ، وان الوجه في عدم الاعادة في المورد الثالث هو الاستصحاب.

الرابع : هو الالتزام باستحباب الاعادة في الشق الاول من المورد الاخير .. وفيه بعد اختصاص الاستحباب بوقوع النجاسة في بعض الاجزاء دون وقوعها كلها فيها.

الخامس : انه يحتمل ان يكون مورد السؤال مع فرض العلم الاجمالي باصابة النجاسة لسبق فرض العلم في المورد الرابع والخامس ، ولعله في قوله عليه‌السلام : اذا شككت في موضع منه اشعار بذلك ، ووجه الاشعار هو فرض الشك في موضع من الثوب ، واما الشك في اصل اصابة الثوب كأنه مفروغ عنه ، ولو كان الفرض هو الشك في اصل اصابة الثوب مع عدم العلم الاجمالي لقال اذا شككت في الاصابة او اذا شككت في نجاسة الثوب. وعلى هذا فيكون الفرق بين الشق الاول من هذا المورد الاخير والمورد الثاني : هو رؤية النجاسة هنا في الاثناء ، وفي المورد الثاني كان بعد الصلاة ، وهو الداعي لسؤال السائل ، فاجاب الامام عليه‌السلام بلزوم الاعادة ، لعدم الفرق بينهما بعد منجزية العلم الاجمالي ، ثم تفضل الامام ببيان ان الحكم ما لم يكن علم اجمالي هو عدم الاعادة. وقوله عليه‌السلام ثم رأيته رطبا لبيان صحة الصلاة للاستصحاب مع فرض واضح ، وهو فرض الشك في وقوع الاجزاء السابقة

٥

وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الاولى تقريب الاستدلال بقوله فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك في كلا الموردين ، ولا نعيد (١).

نعم دلالته في المورد الاول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام : لانك كنت على يقين من طهارتك اليقين بالطهارة قبل ظن الاصابة كما هو الظاهر ، فإنه لو كان المراد منه اليقين

______________________________________________________

مع النجاسة ، ولذا كان الاستصحاب في الشق الثاني خاليا عن الاشكال الآتي على الاستصحاب في المورد الثالث. والله العالم.

(١) حاصله : ان هذه الصحيحة في المورد الثالث منها والشق الثاني من موردها الاخير تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك ، فان في المورد الثالث حيث كان على يقين من طهارة الثوب قبل ظن الاصابة ، وصلى مع احتمال الاصابة ، حكم الامام فيه بصحة الصلاة ، لان رفع اليد عن اليقين السابق بالشك من نقض اليقين بالشك ، وفي الشق الثاني من المورد الاخير حيث انه كان على يقين من طهارة الثوب ، وبعد رؤية النجاسة الرطبة يحتمل كون الاجزاء السابقة لم تكن مع النجاسة فهو شاك في وقوعها مع النجاسة ، فرفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين بالشك ، وهو مراده (قدس‌سره) من الموردين بقوله : ((في كلا الموردين)). وظهور هذه الصحيحة في كون قضية الاستصحاب قضية ارتكازية اقوى من ظهورها بذلك في الصحيحة الاولى ، لظهور قوله عليه‌السلام هنا ـ فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ـ في ان نقض اليقين بالشك مما لا ينبغي ، وهو ظاهر في ان الاخذ باليقين السابق مع الشك مما ينبغي ، لانه اخذ باليقين وانه من الامور التي ينبغي الاخذ بها بما هي ، لا بملاحظة حكم الشارع على طبقها. ولا وجه لكون قضية الاستصحاب من سنخ هذه الامور التي هي بطبعها مما ينبغي الاخذ بها الا لانها قضية ارتكازية.

٦

الحاصل بالنظر والفحص بعده الزائل بالرؤية بعد الصلاة ، كان مفاد قاعدة اليقين ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) مراده من المورد الاول هو المورد الاول من الصحيحة المشتمل على قضية لا تنقض ، لا بحسب الموارد في الصحيحة فانه المورد الثالث كما عرفت. وعلى كل فالمورد المشار اليه هو قوله : ((قلت فان ظننت انه قد اصابة ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه ، قال عليه‌السلام : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت لم ذلك؟ قال عليه‌السلام لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا)).

وتمهيدا للمراد نقول : ان هنا قاعدتين : قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين ، وكلاهما متقوّمان باليقين والشك ، الّا ان الشك في قاعدة الاستصحاب لا يسري الى اليقين ، كما لو شك في وقوع الحدث بعد اليقين بالطهارة ، فان الشك في وقوع الحدث بعد العلم بالطهارة موجب للشك في بقاء الطهارة لا في حدوثها ، بخلاف قاعدة اليقين فانه لا بد من سراية الشك فيها الى حدوث اليقين ، كما لو تيقّن بنجاسة شيء اليوم ثم شك بعد ذلك في طهارته ، على وجه سرى شكه الى يقينه الذي كان ، فيكون الشك اللاحق موجبا لانقلاب اليقين الذي كان بالحدوث الى الشك ، ففي قاعدة اليقين لا اجتماع فيها لليقين والشك لسراية الشك فيها الى اليقين ، وفي قاعدة الاستصحاب مما يجتمع اليقين فيها والشك ، لعدم المنافاة بين اليقين بالحدوث مع الشك في البقاء ، وفي قاعدة اليقين حيث يسري الشك فيها الى اليقين بالحدوث فلا يعقل اجتماع اليقين والشك فيها.

اذا عرفت هذا ... فنقول : ان المراد من جملة فنظرت فلم أر شيئا انه قد حصل له اليقين بطهارة الثوب لما نظر فلم ير شيئا ، ويكون له يقينان : يقين قبل ظن الاصابة ، ثم ظن بالاصابة ، ثم لما نظر ولم ير شيئا حصل له اليقين ثانيا بالطهارة ، وبعد ان صلى رأى. ومن الواضح انه بعد ان رأى يسري شكه الى يقينه الذي حدث

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

له بعد ان نظر فلم ير شيئا ، فتكون لا تنقض دالة على النهي عن نقض اليقين الذي سرى الشك اليه .. ولا يخفى انه انما يكون له الشك الساري بعد الرؤية فيما اذا كان المراد من قوله فرأيت فيه هو رؤيته لنجاسة ما محتملة لان تكون هي النجاسة التي ظن باصابتها ، ويحتمل ان تكون نجاسة اخرى غيرها. اما اذا كان المراد من قوله فرأيت فيه هو رؤية تلك النجاسة التي ظن باصابتها فليس له على هذا شك سار الى اليقين بعد الرؤية ، بل الذي كان له هو اليقين بعد الرؤية.

والحاصل : انه اذا نظر فلم ير شيئا فحصل له اليقين بعدم الاصابة بعد الظن بها ، ثم بعد الصلاة رأى النجاسة التي كان يظن باصابتها ، فالذي يحصل له عند ذلك هو اليقين بالاصابة ، وليس له شك سار الى اليقين ، بخلاف ما اذا رأى نجاسة ما يحتمل ان تكون هي النجاسة الاولى وغيرها فانه له ـ حينئذ ـ شك سار الى اليقين ، لانه مع احتماله فعلا انها هي النجاسة الاولى يكون يقينه بانه لم يصب الثوب بالنجاسة عند نظره في الثوب قد انقلب الى الشك ، لفرض احتمال ان تكون هذه النجاسة هي النجاسة الاولى ، واحتمال ان تكون غيرها ، ولازم ذلك انقلاب يقينه الى الشك.

وحيث كان الظاهر من قوله فرأيت هو رؤية تلك النجاسة التي ظن باصابتها فلا مجال لقاعدة اليقين ، لتقومها بالشك ، ولا شك فيما اذا كان قد راى النجاسة التي ظن باصابتها. ولما فرض الامام عليه‌السلام في كلامه اليقين والشك ، فلا بد وان يكون المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا هو عدم رؤية النجاسة ، لا حصول اليقين بالعدم لاجل عدم الرؤية ، ويتعين ان يكون الذي قد حصل له بعد النظر هو الشك في الاصابة ، وقد دخل الصلاة في فرض هذا الشك ، ويتم بهذا ركنا الاستصحاب ، وهما اليقين السابق قبل ظن الاصابة ، ثم الشك في النجاسة بعد ان نظر فلم ير شيئا ، ويكون الحكم بعدم الاعادة ، لان الاعادة بعد الرؤية من نقض اليقين بالشك.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم دلالته في المورد الاول)) وهو مورد قوله قلت فان ظننت انه قد اصابة ((على الاستصحاب مبني على ان يكون المراد من اليقين في

٨

ثم إنه أشكل على الرواية ، بأن الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها ، بل باليقين بارتفاعها ، فكيف يصح أن يعلّل عدم الاعادة بأنها نقض اليقين بالشك؟ نعم إنما يصح أن يعلّل به جواز الدخول في الصلاة ، كما لا يخفى (١) ، ولا يكاد يمكن

______________________________________________________

قوله عليه‌السلام لانك كنت على يقين من طهارتك)) هو ((اليقين بالطهارة)) الذي كان ((قبل ظن الاصابة)) ولازم هذا ان لا يكون المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا لبيان حصول اليقين له بعدم الاصابة بعد النظر ، بل الفرض انه فحص فلم يجد من دون ان يكون قد حصل له اليقين بعدم الاصابة. ثم اشار الى ان الظاهر من الرواية هو هذا ، دون اليقين بعدم الاصابة عند النظر بقوله : ((كما هو الظاهر)) والوجه في كونه هو الظاهر هو ظهور الرؤية بعد ان صلى في رؤية النجاسة التي ظن باصابتها دون رؤية نجاسة ما. ثم اشار الى انه لو كان المراد من قوله فنظرت فلم أر شيئا هو حصول اليقين له بعدم الاصابة عند النظر ، لكان مفاد الرواية قاعدة اليقين بقوله : ((فانه لو كان المراد منه)) أي لو كان المراد من اليقين في قوله عليه‌السلام لانك كنت على يقين من طهارتك هو ((اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده)) أي يكون قول السائل فنظرت فلم أر شيئا دالا على حصول اليقين بعد النظر والفحص ، وعلى هذا يكون ((الزائل بالرؤية)) للنجاسة ((بعد الصلاة)) في قول السائل فصليت فرأيت فيه هو اليقين بعدم النجاسة الحاصل له بعد النظر والفحص ، وعلى هذا الفرض ((كان مفاد)) أي كان مفاد المورد الاول هو ((قاعدة اليقين كما لا يخفى)) الّا انك قد عرفت ان لازم كون مفاد المورد قاعدة اليقين هو كون الرؤية للنجاسة بعد الصلاة هي رؤية نجاسة ما ، لا رؤية النجاسة التي ظن باصابتها ، وقد عرفت انه خلاف الظاهر.

(١) لا يخفى انه بناء على كون مفاد الرواية قاعدة اليقين لا يرد هذا الاشكال كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى ، وانما يرد الاشكال بناء على كون مفادها هو الاستصحاب.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح الاشكال على الرواية ـ بناء على دلالتها على الاستصحاب ـ يتوقف على امور : الاول : ان الاشكال فيها يختص بالمورد الاول الدال على الاستصحاب ، دون المورد الثاني الذي هو المورد الاخير ، لانه في المورد الثاني لا يقين له بوقوع الصلاة مع النجاسة بعد رؤيتها في اثناء الصلاة وهو واضح.

الثاني : ان النهي عن النقض في المورد الاول وقع علّة لعدم الاعادة بعد رؤية النجاسة بعد الصلاة ، لا للدخول في الصلاة.

الثالث : ان الشرط لصحة الصلاة : اما ان يكون هو عدم العلم بالنجاسة حال الصلاة ، فلا بد من التعليل به لعدم الاعادة لا بالاستصحاب ، لان العلة لعدم الاعادة هو عدم العلم بالنجاسة حال الصلاة ، سواء كان هناك استصحاب او لم يكن ، كما لو لم يكن له حالة سابقة وصلى جاهلا بالنجاسة ، ثم انكشف وقوعها في النجاسة ، فان صلاته تقع صحيحة. واما ان يكون الشرط لصحة الصلاة هو الطهارة الواقعيّة ، فالصلاة ان وقعت مع الطهارة واقعا كانت صحيحة ، وان وقعت مع النجاسة واقعا كانت باطلة ، وعلى هذا فالاستصحاب يكون مجوزا للدخول في الصلاة ولصحة الصلاة ما لم ينكشف وقوعها في النجاسة ، أما اذا انكشف وقوعها في النجاسة فلا بد من الاعادة ، لليقين الحاصل بوقوعها مع النجاسة ، وعلى هذا فالاعادة بعد انكشاف وقوعها في النجاسة يكون من نقض اليقين باليقين ، لا من نقض اليقين بالشك.

اذا عرفت هذه الامور ... فنقول : ان ظاهر المتن وقوع الاشكال في الصحيحة بناء على كون الشرط هو الطهارة الواقعيّة ، وعلى هذا فالصحيحة في المورد الاول حيث دلّت على ان العلة لعدم الاعادة ـ بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ـ هو كون الاعادة من نقض اليقين بالشك ، يقع الايراد عليها بان الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة هو من نقض اليقين باليقين ، لا من نقض اليقين بالشك.

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : ان الاشكال في الصحيحة لا من ناحية دلالتها على الاستصحاب ، بل من ناحية كون الاستصحاب المتقوم بالشك وقع علة فيها لعدم الاعادة ، مع انه بعد رؤية النجاسة يتيقن بوقوع الصلاة مع النجاسة ، ولا شك في ذلك حتى تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك ، بل الاعادة بعد رؤية النجاسة من نقض اليقين باليقين.

والحاصل : ان دلالة الرواية على الاستصحاب الواقع علة لعدم الاعادة ينافي كون الشرط للصلاة هو الطهارة الواقعية ، لان الاستصحاب متقوم بالشك ، ولا شك في عدم الطهارة حال الصلاة ، لانه من الواضح انه بعد رؤية النجاسة تيقن بمصاحبة الصلاة لعدم الطهارة ، ولا شك له في ذلك ، فكيف يصح ان يكون الاستصحاب المتقوم بالشك علة لعدم الاعادة؟

ثم لا يخفى ان هذا الاشكال انما يرد حيث يكون المستفاد من الصحيحة هو الاستصحاب ، اما لو كان المستفاد منها قاعدة اليقين فلا يرد الاشكال ، لما عرفت من كون دلالتها على قاعدة اليقين منوطا بكون المرئي بعد الصلاة هو نجاسة ما ، لا النجاسة الاولى ، ولازم كونها نجاسة ما هو الشك في وقوع الصلاة مع النجاسة ، لاحتمال كونها نجاسة اخرى غير النجاسة الاولى ، فتكون الاعادة من نقض اليقين بالشك ، لا من نقض اليقين باليقين ، لعدم اليقين بعد رؤية نجاسة ما بوقوع الصلاة مع النجاسة ، لاحتمال كونها نجاسة اخرى وقعت على الثوب بعد تمام الصلاة. وقد اشار الى الاشكال ـ بعد البناء على كون الشرط هو الطهارة الواقعية ـ في ان الاعادة تكون من نقض اليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك بقوله : ((ثم انه اشكل على الرواية)) الظاهرة في كون العلة لعدم الاعادة هي كون الاعادة بعد رؤية النجاسة هي من نقض اليقين بالشك (بان الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة)) مع النجاسة ((ليست نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها)) لوضوح انه بعد رؤية النجاسة يتيقن بوقوع الصلاة مع النجاسة ، ولا شك له في ذلك حتى تكون الاعادة من نقض اليقين

١١

التفصي عن هذا الاشكال إلا بإن يقال : إن الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ، ولو بأصل أو قاعدة لا نفسها ، فيكون قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها ، كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب حالها ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

بالشك ((بل)) الاعادة بعد رؤية النجاسة تكون ((ب)) سبب ((اليقين بارتفاعها)) أي بسبب اليقين بارتفاع الطهارة ، لحصول اليقين بكون الصلاة كانت فاقدة لشرطها وهي الطهارة الواقعية ، ومع هذا ((فكيف يصح ان يعلل عدم الاعادة بانها نقض اليقين بالشك)) وبالجملة ان دلالة الصحيحة على الاستصحاب ينافي كون الشرط للصلاة هي الطهارة الواقعية ، لان الاستصحاب فيها وقع علة لعدم الاعادة ، مع ان الاعادة بعد رؤية النجاسة تكون من نقض اليقين باليقين لا من نقضه بالشك.

نعم لو كان الاستصحاب في الصحيحة علة للدخول في الصلاة لما ورد الاشكال ، لوضوح انه عند الدخول في الصلاة كان متيقنا بالطهارة السابقة على الظن بالاصابة ، وشاكا فيها بعد النظر والفحص ، فيكون عدم دخوله في الصلاة لاجل الشك في النجاسة من نقض اليقين بالشك ، ومن آثار حجية الاستصحاب جواز الدخول معه في الصلاة ، لان معنى البناء على اليقين السابق هو ترتيب آثاره التي منها جواز الدخول في الصلاة في المقام ، والى هذا اشار بقوله : ((نعم انما يصح ان يعلل به ... الى آخر الجملة)).

(١) الظاهر من المصنف انحصار دفع الاشكال بهذا الجواب الذي يذكره ، وسيشير في قوله ثم انه لا يكاد يصح التعليل الى جواب آخر لم يرتضه أولا ثم صححه ، وهناك اجوبة اخرى لم يشر اليها اكثرها غير خال عن الاشكال.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح الجواب المعتمد عنده (قدس‌سره) في المتن يتوقف على بيان امرين :

الأمر الاول : انه يحتمل في مرحلة الثبوت في الشرطية والمانعية من حيث الطهارة والنجاسة وجوه ، ولكن المصنف اشار الى وجهين منها : الاول : ما بنى عليه الاشكال وهو كون الطهارة الواقعية شرطا يدور الامر في صحة الصلاة وعدمها عليها ، والاستصحاب انما يكفي عنها في حال عدم انكشاف الخلاف ، واما مع انكشاف الخلاف فلا يكفي. الثاني : ما اختاره في المتن من كون الشرط لصحة الصلاة في حال التفات المكلف الى حاله ـ من كونه واجدا للشرط ام لا ـ هو احراز الطهارة ، اما احراز بالعلم او بالعلمي كالاستصحاب او قاعدة الطهارة. واما في حال عدم التفاته وغفلته عن حاله فالشرط عدم العلم بالنجاسة فيما اذا لم يكن قد علم بالنجاسة ونسيها لانه قد دلت الاخبار على صحة صلاة من صلى في النجاسة جاهلا مع عدم سبق علمه بها وبه افتى المشهور. وعلى كل فالشرط في حال الالتفات هو احراز الطهارة اما بالعلم او بالعلمي ، وعلى هذا فلا تكون الطهارة الواقعية شرطا واقعيا ، ولا خصوص العلم بها شرطا ، بل الشرط هو الاحراز لها اعم من كونه بالعلم او بالعلمي.

الامر الثاني : ان قوله عليه‌السلام لا صلاة إلّا بطهور ـ بناء على شمول الطهور للطهارة عن الخبث وعدم اختصاصه بالطهارة عن الحدث ـ وان اقتضى كون الطهارة الواقعية شرطا ، إلّا انه لا بد من تقديم دلالة مثل الصحيحة عليه المستفاد منها هو كون احراز الطهارة مع الالتفات شرطا ، كما يتقدم عليه ايضا الاخبار الدالة على صحة صلاة الجاهل بالنجاسة مع عدم سبق العلم بها ونسيانها ، لانهما اخص من لا صلاة إلّا بطهور ، لاستلزامها عدم صحة صلاة الملتفت اذا كانت مع النجاسة ، وعدم صحة صلاة الجاهل غير الناسي اذا كانت صلاته مع النجاسة ، فالدليل الدال على صحة صلاة الملتفت المحرز للطهارة ولو بالاصل وان كانت مع النجاسة واقعا

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اخص منه ، وكذلك الدليل الدال على صحة صلاة الجاهل غير الناسي وان كانت صلاته مع النجاسة واقعا اخص منه ايضا ، ولا بد من تقديم الخاص على العام.

اذا عرفت ... هذا فنقول : انه اذا كان احراز الطهارة شرطا للملتفت فالمستصحب للطهارة واجد للشرط ، ولازم كونه واجدا للشرط انه لا اعادة عليه بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ، وان اعادة الصلاة بعد انكشاف وقوعها مع النجاسة من نقض اليقين بالشك ، لان لازمها عدم الاخذ بالاستصحاب وعدم البناء على ما كان على يقين منه ، ولازم الاخذ باليقين السابق هو كونه واجدا لما هو الشرط الذي هو الاحراز ، لانه قد احرز الطهارة بالعلمي وهو الاستصحاب. وقد اشار الى ما ذكرنا من كون الشرط للملتفت هو احراز الطهارة ولو بالعلمي كمثل الاصل الاستصحابي او قاعدة الطهارة بقوله : ((إلّا بان يقال ان الشرط في الصلاة فعلا حين الالتفات الى الطهارة)). وقد عرفت ان قيد الالتفات هو للتنبيه على انه ليس الشرط مطلقا هو الاحراز لصحة صلاة الجاهل غير الناسي مع النجاسة مع انه لا احراز له لا علما ولا عمليا لفرض غفلته ، وعلى كل فالشرط مع الالتفات ((هو احرازها)) أي احراز الطهارة ((ولو ب)) العلمي ك ((أصل)) مثل الاستصحاب ((او قاعدة)) كقاعدة الطهارة ((لا نفسها)) أي ليس نفس الطهارة الواقعية شرطا لصحة الصلاة فعلا بالنسبة الى الملتفت ، بل احرازها هو الشرط. وقد اشار الى انه اذا كان الشرط فعلا هو احراز الطهارة لا نفسها صح التعليل لعدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة بالاستصحاب ، لكون الاستصحاب احرازا بالعلمي ، فتقع الصلاة واجدة لشرطها وهو الاحراز الحاصل بواسطة الاستصحاب بقوله : ((فيكون قضية استصحاب الطهارة ... الى آخر الجملة)). وقد اشار الى انه اذا كان عدم الاعادة مما يقتضيه جريان الاستصحاب وهو عدم نقض اليقين بالشك ، فلا بد وان تكون الاعادة من نقض اليقين بالشك بقوله : ((كما ان إعادتها بعد الكشف ... الى آخر الجملة)).

١٤

لا يقال : لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة فإنه إذا لم يكن شرطا لم يكن موضوعا لحكم مع أنه ليس بحكم ، ولا محيص في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم (١).

فإنه يقال : إن الطهارة وإن لم تكن شرطا فعلا ، إلا أنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا ، بل هي شرط واقعي اقتضائي ، كما هو قضية

______________________________________________________

(١) حاصله : انه لا بد في المستصحب من ان يكون اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعي ، والطهارة والنجاسة ليستا حكما مجعولا شرعيا ، بل هما امران واقعيان كشف عنهما الشارع ، وليست الطهارة في المقام موضوعا لحكم شرعي ، لان الحكم الشرعي في المقام هو الشرطية ، وليست الطهارة على الفرض هي الشرط ، بل الشرط احراز الطهارة وان لم يكن طهارة في الواقع ، فلا وجه لاستصحاب الطهارة لاجل صحة الصلاة وكونها واجدة للشرط ، لان الطهارة ليست مجعولة بنفسها حتى يصح استصحابها لترتيب آثارها ، وليست موضوعا لحكم شرعي لان الحكم الشرعي هنا هو الشرطية وموضوعها هو الاحراز دون نفس الطهارة ، فلا يجري استصحاب الطهارة لانها ليست بنفسها مجعولة ولا موضوعا للحكم المجعول ، ولا بد في جريان الاستصحاب من احد الامرين كما عرفت ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا مجال حينئذ)) أي انه اذا كان الشرط هو الاحراز لم يكن مجال ((لاستصحاب الطهارة فانه اذا)) كان المفروض كون الاحراز هو الشرط و ((لم يكن)) الطهارة ((شرطا لم يكن)) الطهارة ((موضوعا لحكم)) شرعي في المقام. واشار الى انها ليست بنفسها من المجعولات الشرعية بقوله : ((مع انه ليس)) الطهارة ((بحكم)) مجعول. واشار الى انه لا بد في الاستصحاب من احد الامرين بقوله : ((ولا محيص في)) جريان ((الاستصحاب عن كون المستصحب حكما)) بنفسه مجعولا ((او موضوعا لحكم)) مجعول ، فلا مجال لجريان استصحاب الطهارة في المقام.

١٥

التوفيق بين بعض الاطلاقات ومثل هذا الخطاب ، هذا مع كفاية كونها من قيود الشرط ، حيث أنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا (١).

______________________________________________________

(١) أجاب عنه بجوابين : الاول : ان الطهارة وان لم تكن في المقام شرطا فعليا ، إلّا انها فيها اقتضاء الشرطية ، لان التوفيق بين قوله لا صلاة إلّا بطهور المقتضي لكون الطهارة هي الشرط ، وبين مثل الصحيحة المقتضية لكون الاحراز هو الشرط ، وبعد تقديم الصحيحة فالشرط الفعلي يكون هو الاحراز ، ويحمل حديث لا صلاة إلّا بطهور على كون الطهارة شرطا واقعيا اقتضائيا لا فعليا ، وهذا المقدار من الشرطية الاقتضائية الواقعية للطهارة كاف في صحة استصحابها. والى هذا الجواب الاول أشار بقوله : ((ان الطهارة وان لم تكن شرطا فعلا)) لان الشرط الفعلي في المقام هو الاحراز ((إلّا انها غير منعزلة عن الشرطية رأسا بل هي شرط واقعي اقتضائي)). واشار الى ان السبب في حملها على الشرطية الاقتضائية ، هو التوفيق بين ما يدل على كونها شرطا واقعيا وباطلاقه على كونه فعليا وهي الاطلاقات مثل قوله لا صلاة إلّا بطهور ، وبين ما يدل صريحا على كون الاحراز هو الشرط كمثل الصحيحة بقوله : ((كما هو قضية التوفيق بين بعض الاطلاقات)) كلا صلاة إلّا بطهور ((ومثل هذا الخطاب)) وهو الصحيحة الآمرة بعدم الاعادة ، لان الاعادة من نقض اليقين بالشك كما عرفت بيانها.

ولا يخفى ان الاستصحاب حيث انه هو البناء العملي فلا بد فيه من كون المستصحب اما حكما فعليا او موضوعا لحكم فعلي ، والشرطية الاقتضائية حكم اقتضائي لا فعلي ، ولذا كان المعتمد هو الجواب الثاني. وحاصله : انه يكفي في الاستصحاب ان يكون للمستصحب دخالة في أثر من الآثار الشرعية ، ولو بنحو بان يكون متعلقا لما هو الموضوع للحكم ، والموضوع للحكم في المقام هو الاحراز المتعلق بالطهارة ، فالشرط الفعلي في المقام هو احراز الطهارة لا غيرها ، فيجري الاستصحاب في الطهارة لكونها متعلقا للاحراز ، فان احرازها هو الشرط دون

١٦

لا يقال : سلمنا ذلك ، لكن قضية أن يكون علة عدم الاعادة حينئذ ، بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ، هو إحراز الطهارة حالها باستصحابها ، لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب ، مع أن قضية التعليل أن تكون العلة له هي نفسها لا إحرازها ، ضرورة أن نتيجة قوله : لانك كنت على يقين .. إلى آخره ، أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

احراز غيرها ، والى هذا اشار بقوله : ((مع كفاية كونها من قيود الشرط)) والطهارة في المقام من قيود الشرط ((حيث انه كان)) الشرط ((احرازها)) أي احراز الطهارة ((بخصوصها لا)) احراز ((غيرها)) ... والحاصل : انه لما كان احرازها لا احراز غيرها ((شرطا)) كانت من قيود الشرط فيصح استصحابها لذلك.

(١) حاصله : انه لو سلمنا جريان الاستصحاب ، وسلمنا كون الاحراز هو الشرط دون الطهارة الواقعية ، إلّا انه على هذا يكون العلة لعدم الاعادة هو وجود الشرط الفعلي في حال الصلاة وهو الاحراز ، فهو العلة لعدم الاعادة ، والاستصحاب الجاري هو استصحاب الطهارة التي كانت متيقنة ، وان اليقين السابق بها لا ينقض بالشك ، ومرجعه الى البناء على الطهارة ، ويكون الاستصحاب موجبا لكون الطهارة محرزة تعبدا به ، وان هذه الطهارة التي اقتضاها الاستصحاب هي العلة لعدم الاعادة ، ولازم هذا كون الطهارة المستصحبة هو الشرط لا الاحراز. والحاصل انه لو كان العلة لعدم الاعادة هو الاحراز لكان نفس الاستصحاب هو العلة لعدم الاعادة لا الطهارة المستصحبة ، والذي تدل عليه الصحيحة هو كون العلة لعدم الاعادة نفس الطهارة المستصحبة دون الاستصحاب ، لان قوله عليه‌السلام في مقام بيان العلة لعدم الاعادة : لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ، معناه ان عدم جواز نقض اليقين السابق بالطهارة في مقام الشك يقتضي البناء على الطهارة ، وان العلة لعدم الاعادة حيثية انه متطهر في حال

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، ولازم هذا كون نفس الطهارة المستصحبة هي الشرط ، ولو كان الشرط هو الاحراز لكان يقول مثلا : لانك كنت على استصحاب للطهارة ، وبه يحصل الاحراز الذي تصح به الصلاة فلا اعادة ، او امثال ما يؤدي ذلك.

فاتضح مما ذكرنا : انه بناء على كون الشرط هو الاحراز يكون نفس الاستصحاب هو الشرط لانه احراز تعبدي ، ولا دخل للطهارة في ما هو الشرط الا كونها متعلقة للاحراز ، وبه يقتضي ان يكون التعليل لعدم الاعادة ، مع ان ظاهر الصحيحة كون نفس الطهارة المستصحبة هي الشرط ، وبين الامرين فرق واضح ... فظهر : ان كون الاحراز هو الشرط وان اندفع به الاشكال ، إلّا ان ظاهر الصحيحة يأباه.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لا يقال سلمنا ذلك)) أي سلمنا انه اذا كان الشرط هو الاحراز يندفع الاشكال ((لكن قضية)) أي لكن قضية كون الشرط هو الاحراز يقتضي ((ان يكون علة عدم الاعادة حينئذ بعد انكشاف)) الخلاف و ((وقوع الصلاة في النجاسة هو احراز الطهارة حالها)) أي حال الصلاة ((باستصحابها)) أي باستصحاب الطهارة ، لان نفس الاستصحاب احراز تعبدي وهو الشرط ((لا)) ان الشرط هو ((الطهارة المحرزة بالاستصحاب)). واشار الى ان هذا وان صح ثبوتا إلّا ان دليل الاثبات لا يساعد عليه ، بل المستفاد من دليل الاثبات وهو الصحيحة كون العلة لعدم الاعادة هي الطهارة المستصحبة لا استصحابها بقوله : ((مع ان قضية التعليل ان تكون العلة له)) لعدم الاعادة ((هي نفسها)) أي هي نفس الطهارة المحرزة بالاستصحاب ((لا)) ان العلة لعدم الاعادة هو ((احرازها ضرورة ان)) المستفاد من ((نتيجة قوله)) عليه‌السلام ((لانك كنت على يقين)) من طهارتك ((... الى آخره)) انه بعد سبق يقينه بالطهارة ، والشك فيها يبنى على الطهارة وانه متطهر حال الصلاة ، وكونه متطهرا حال الصلاة هو العلة لعدم الاعادة ((لا انه مستصحبها)) أي لا ان العلة لعدم الاعادة هو كونه مستصحبا للطهارة ، حتى يكون لازم ذلك كون الشرط هو نفس الاستصحاب لانه احراز تعبدي.

١٨

فإنه يقال : نعم ، ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ، لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب ، وأنه كان هناك استصحاب مع وضوح استلزام ذلك لان يكون المجدي بعد الانكشاف ، هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة ، وإلا لما كانت الاعادة نقضا ، كما عرفت في الاشكال (١).

______________________________________________________

(١) ينبغي ان لا يخفى ان المصنف اجاب عنه بجوابين ، واشار ايضا الى جواب ثالث في طي ايراده عليه ، ثم اجاب عما اورده على الجواب الثالث.

وعلى كل فحاصل ما ذكره اولا يتضمن جوابين عما ذكر في لا يقال.

توضيح الجواب الاول بأمرين :

الاول : ان الشرط اذا كان هو الطهارة المستصحبة فبعد انكشاف الخلاف يتبين انه لم تكن صلاته مع الطهارة ، ولازم كونها هو الشرط هو جواز الدخول وكفاية استصحابها حيث لا ينكشف الخلاف ، وعلى هذا فلا يصح تعليل عدم الاعادة بلحاظ حال الانكشاف. واما اذا كان الشرط هو الاحراز فحيث انه لا انكشاف فيه للخلاف بعد انكشاف وقوع الصلاة مع النجاسة ، لان الشرط هو الاحراز حال الاتيان بالصلاة ، وقد حصل وتمت الصلاة بواسطته مستوفية لشرطها ، ولازم هذا كون الاحراز مما يصح ان يكون علة للدخول ولعدم الاعادة ، ويصح التعليل به لعدم الاعادة بلحاظ حال الصلاة ، وبلحاظ حال ما بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة.

الامر الثاني : ان الظاهر من الصحيحة هو التعليل لعدم الاعادة بلحاظ حال ما قبل الانكشاف ، ومن الواضح انه في حال ما قبل الانكشاف سواء كان الشرط هو الطهارة المحرزة ، او كان هو الاحراز بالاستصحاب فلا تجب الاعادة ، ولما كان بهذا اللحاظ لا ينحصر التعليل لعدم الاعادة بالاحراز ، بل يصح التعليل لها بالطهارة

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المحرزة بالاستصحاب ايضا ، وانما علل بها مع انها ليست هي الشرط للتنبيه على ان الاحراز الذي هو الشرط كان باستصحابها ، لا بقاعدة اخرى كقاعدة الطهارة.

والحاصل : ان التعليل لعدم الاعادة لما كان بلحاظ حال الصلاة وهو حال ما قبل الانكشاف ، وكان التعليل لعدم الاعادة يصح بكل منهما ، علل بالطهارة المستصحبة للتنبيه على ان الشرط الذي هو الاحراز كان لاستصحاب الطهارة لا غيرها. وقد اشار المصنف الى انه اذا كان التعليل لعدم الاعادة بلحاظ حال ما قبل الانكشاف يصح بكل منهما بقوله : ((نعم)) لو كان التعليل بلحاظ حال الانكشاف لا نحصر التعليل بالاحراز الحاصل بنفس الاستصحاب لا بالطهارة المستصحبة ((ولكن)) حيث كان ((التعليل انما هو بلحاظ حال قبل الانكشاف)) وقد عرفت انه اذا كان كذلك صح التعليل بكل منهما ، وانما عبر بالطهارة المستصحبة ((لنكتة التنبيه على حجية الاستصحاب وانه كان هناك استصحاب)) يحصل به الاحراز الذي هو الشرط ، ولم يكن الاحراز لاجل قاعدة اخرى غير الاستصحاب.

الجواب الثاني : لا يخفى ان هذا الجواب الثاني هو بلحاظ ما بعد الانكشاف.

ومجمله : ان التعليل بلحاظ ما بعد الانكشاف ينحصر في كون الشرط هو احراز الطهارة بالاستصحاب لا نفس الطهارة المستصحبة.

وتوضيحه : ان المستفاد من الصحيحة هو استصحاب الطهارة في مقام الشك ، واستصحاب الطهارة هو عبارة عن نفس الاستصحاب ـ بما هو احراز ـ وعن الطهارة المستصحبة ، ويمكن ان يكون كل منهما هو الشرط ، ولكن حيث وقع التعليل لعدم الاعادة بعد انكشاف الخلاف باستصحاب الطهارة في حال الشك وهو حال ما قبل الانكشاف ، فلا بد وان يكون العلة هو ما يكون أثره بعد الانكشاف هو عدم الاعادة ، فتكون الاعادة على نحو انه بعد الانكشاف من نقض اليقين بالشك ، ومن الواضح ان الذي يكون اثره في حال الانكشاف هو عدم الاعادة ـ لانها من نقض اليقين بالشك ـ هو كون الشرط نفس الاستصحاب الذي هو الاحراز التعبدي. واما لو كان الشرط

٢٠