بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا وان كان الزائد جزءا واقعا من العبادة ، لان الامر الذي قامت عليه الحجة في هذه العبادة هو الامر بما عدا الزائد فلم يات المكلف بقصد الامر الذي قامت عليه الحجة.

واما اذا قلنا بانه لا يشترط في صحة العبادة قصد الامر الذي قامت عليه ، بل تصح العبادة بقصد الامر سواء كان الامر المقصود امتثاله هو الذي قامت عليه الحجة او كان هو الامر الواقعي ، فاذا فرضنا كون هذا الجزء المقصود اتيانه بقصد الجزئية كان جزءا واقعا وان قامت الحجة على عدم جزئيته فالامر المقصود امتثاله في المقام كان هو الامر الواقعي ولذلك تقع العبادة بقصده صحيحة.

لا يقال : انه بعد ان قامت الحجة على عدم دخله فقصد الاتيان بالزائد بنحو الجزئية لازمه قصد التشريع برأي المكلّف ، وقصد التشريع في العبادة مبطل لها.

فانه يقال : انه قصد تشريع تخيّلي لا حقيقي ، والمضرّ في العبادية هو التشريع الحقيقي دون التخيّلي ، فلا يكون مضرا في عبادية العبادة بعد ان كان الامر المقصود تشريعا تخيّلا هو الامر الواقعي حقيقة. هذا اذا كان الجزء المأتي به بقصد الجزئية جزءا واقعا وان قامت الحجة على عدمه.

واما اذا لم يكن الجزء المقصود اتيانه ـ بما هو جزء ـ من العبادة وليس جزءا منها واقعا فالعبادة المأتي بها ـ بنحو اذا لم يكن هذا الجزء منها لا يكون مقصودا امتثالها ـ تقع باطلة ، لوضوح ان الامر الذي قصد امتثاله لم يكن هو الامر الذي قامت عليه الحجة ولا الامر الواقعي ، لان فرض كون الجزء المقصود إتيانه ليس من العبادة واقعا هو فرض كون الامر الذي قامت عليه الحجة هو الامر الواقعي ، وقد فرض كون الامر الذي قصد امتثاله هو المقيد بكون هذا الجزء جزءا من المأمور به فيه ، بحيث لو لم يكن جزءا من المأمور به لا يكون المكلف قاصدا لامتثال الامر ، ولازم ذلك وقوع العبادة المأمور بها غير مقصود بها امتثال امرها ، وحيث انها عبادة لا تقع صحيحة إلّا بقصد امتثال امرها ، فلا بد من وقوعها غير صحيحة لعدم اتيانها بقصد القربة ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لكان المأتي به باطلا مطلقا)) أي وان كان الزائد جزءا

٢٠١

مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال (١).

______________________________________________________

من العبادة واقعا بناء على اشتراط صحة العبادة بقصد الامر الذي قامت عليه الحجة. واما بناء على عدم هذا الشرط فان العبادة تقع صحيحة كما عرفت ((او)) يقع المأتي به باطلا ((في صورة عدم دخله فيه)) أي بناء على عدم هذا الشرط فبطلان العبادة يكون في خصوص ما اذا لم يكن الجزء المقصود جزئيته من العبادة واقعا ، وكان قصد الامتثال من المكلف مقيدا بكون هذا الزائد جزءا ، بحيث لو لم يكن جزءا لما كان للمكلف قصد الامتثال ، فان المأتي به حينئذ يكون باطلا ((لعدم قصور الامتثال في هذه الصورة)) لما عرفت من ان صحة الامتثال في العبادة لا بد فيه من قصد امتثال الامر ، ولم يقصد امتثال الامر في هذه الصورة ، لان المفروض ان الامر الواقعي المتعلق بما عدا الزائد لم يقصد امتثاله ، والامر المقيد بكون هذا الزائد جزءا من العبادة ليس هو الامر الواقعي ، فما قصد امتثاله ليس هو الامر الواقعي ، والامر الواقعي المنوط بقصده صحة العبادة لم يقصد امتثاله.

(١) توضيحه : ان فرض المسألة فرض الشك في دخل الزائد وعدمه ، وبواسطة جريان البراءة في نفي الزائد يكون المطلوب فعلا بحسب الظاهر هو ما عدا الزائد ، واما البراءة العقلية فغير جارية في الاقل والاكثر ، والقاعدة فيه بحسب العقل هو الاشتغال ، فاذا قصد امتثال الامر المقيد بكونه ـ الجزء الزائد ـ جزءا من العبادة تشريعا ، ففي مقام الشك في دخله واقعا وعدم دخله نحتمل عدم دخله واذا لم يكن داخلا كانت العبادة باطلة كما عرفت ، فالعبادة في مقام الشك لا بد من الالتزام باعادتها لعدم احراز وقوعها قربيّة لا بالبراءة النقلية ، لوضوح انه عليها لا بد من قصد امتثال الامر بما عدا الزائد ، ولا بالبراءة العقلية لعدم جريانها ، بل القاعدة بحسب العقل هو الاشتغال وتحصيل ما به يقطع بالبراءة للذمة ، فالعقل في حال التشريع المذكور يلزم باعادتها مقصودا بها امتثال الامر بما عدا الزائد. والى هذا

٢٠٢

وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أي حال كان صحيحا ، ولو كان مشرعا في دخله الزائد فيه بنحو ، مع عدم علمه بدخله ، فإن تشريعه في تطبيق المأتى مع المأمور به ، وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال (١).

______________________________________________________

اشار بقوله : ((مع استقلال العقل بلزوم الاعادة)) على النحو المذكور ((مع)) فرض ((اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال)).

(١) لا يخفى ان هذه الصورة الثانية وهي ان يكون الامر الواقعي هو الداعي اليه الى الامتثال ، ولكن المكلف بنى على ان الامر الواقعي مشتمل على الجزء الزائد ، فالمكلف وان قصد الجزئية في الجزء الزائد إلّا انه لاجل انه بنى على ان الامر الواقعي مشتمل عليه ، بحيث لو علم ان الامر الواقعي لم يشتمل عليه لما كان آتيا بهذا الزائد ، فهو وان كان قد شرّع (١) في جعل الزائد جزءا إلّا ان الداعي له الى الامتثال هو الامر الواقعي ، وقد شرّع لاجل اعتقاده في تطبيق الامر الواقعي على ما يشمل هذا الزائد ، ولما كان الداعي له الى الامتثال هو الامر الواقعي والزيادة انما قصد جزئيتها بناء منه على ان الامر الواقعي يشملها ولم يقيد امتثاله بها ، لان المفروض انه لو علم بعدم الاشتمال لكان غير آت بهذه الزيادة ، لان المفروض ان الداعي له هو الامر الواقعي بما هو عليه ، لا مقيدا بانه لو لم يشتمل عليه لما كان قاصدا امتثاله كما في الصورة الاولى. فالعبادة تقع صحيحة على كل حال لانها قد اتى بها بقصد امرها ، لان الداعي للاجزاء ما عدا الزائد هو الامر الواقعي ، واما الزائد فهو وان اتى به بداعي الامر الا

__________________

(١) تنبيه : ان التشريع : تارة يكون مع العلم بالعدم ، واخرى يكون مع عدم العلم بالعدم. وفي المقام من قبيل الثاني لان المفروض ان الداعي له هو الامر الواقعي ، ولكنه بنى على ان الزيادة دخيلة في الامر الواقعي ، فهو تشريع في مقام تطبيق الامر الواقعي ، لانه لو كان مع العلم بعدم الدخل وبنى على الدخل تشريعا لكان خلاف الفرض من كونه بداعي الامر الواقعي ، والله العالم. (منه قدس‌سره)

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

انه امر تخيّلي ليس ماخوذا بنحو القيد ، والمكلف وان شرع في تطبيق الامر الواقعي على ما يشمل الزائد إلّا ان المفروض ان الداعي له هو الامر الواقعي ، فالاجزاء ما عدا الزائد قد وقعت بداعي الامر الواقعي وهذا كل ما تحتاج اليه العبادة في وقوعها قربيّة ، وتشريعه في التطبيق لا يضر بوقوعها قربية بداعي امرها الواقعي ، ولم يعمل التشريع في التطبيق الا في قصد اتيان الزائد بنحو القربة وهو قصد يختص بالزائد ولا يضر في الاجزاء الأخر ، فتقع العبادة صحيحة متقربا بها مشتملة على تمام المقصود في وقوعها قربيّة. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((واما لو اتى به)) أي بالمأتي به العبادي المشتمل على الزائد لا بنحو التقيد كما في الصورة الاولى ، بل كان ((على نحو يدعوه)) الامر ((اليه على أي حال)) من دون تقييد ، ولازم هذا كون الداعي اليه هو الامر الواقعي ، ولذلك ((كان)) المأتى به من العبادة ((صحيحا ولو كان)) المكلف ((مشرعا في دخله الزائد فيه)) أي في ما هو عبادة واقعا ((بنحو)) من انحاء التشريع ، لان المفروض قد قصد جزئية الزائد ((مع عدم علمه)) واقعا ((بدخله)).

واشار الى ان هذا التشريع منه لا يضر في وقوع ما عدا الزائد عبادة لانه تشريع في التطبيق ، ولازم ذلك كون الامر الواقعي هو الداعي الى الامتثال بقوله : ((فان تشريعه)) انما هو ((في تطبيق المأتى)) به ((مع المأمور به)) الواقعي ((وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به)) أي بالماتى به ((على كل حال)) لان الاجزاء ما عدا الزائد قد وقعت بداعي الامر الواقعي على كل حال في هذه الصورة ، والمفروض فيها كون الداعي له هو الامر الواقعي وان شرع لاجل اعتقاده بكون الامر الواقعي مشتملا على الزائد.

ثم لا يخفى ان القدح في الاتيان بالزائد بقصد الجزئية كما في الصورة الاولى وعدم القدح كما في الصورة الثانية انما هو من ناحية وقوع العبادة قربية وعدم وقوعها قريبة ، لا من ناحية المانعية وكون الزيادة مانعا كما هو المفروض في صدر هذا التنبيه.

٢٠٤

ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة ، وهو لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام ، ويأتي تحقيقه في مبحث الاستصحاب ، إن شاء الله تعالى (١).

______________________________________________________

وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا : انه بعد جريان البراءة الشرعية في عدم المانعية لا يكون قصد الجزئية في الزائد مبطلا من ناحية المانعية ، لانه في مقام قدحه في العبادة من ناحية نفسه وكونه مانعا ، لا من جهة كون العبادة فاقدة لقصد الامر فانه قدح من جهة فقد القربة. هذا فيما اذا كان المكلف بحيث اذا لم يكن الزائد جزءا لا يكون له قصد الامتثال ، وهذه هي الصورة الاولى الموجبة لفساد العبادة من ناحية فقد قصد القربة لا من ناحية المانعية. وفي مقام عدم القدح وهي الصورة الثانية بان لا يكون المكلف على نحو اذا لم يكن هذا الجزء جزءا واقعا لا يكون له قصد الامتثال ، بل كان بحيث اذا لم يكن هذا الجزء جزءا واقعا يكون قصد الامتثال وانما شرع في تطبيق ما يراه انه جزء منه على ما ليس بجزء منه ، فالعبادة صحيحة من ناحية قصد القربة ومن ناحية احتمال المانعية ، فالبراءة النقلية رافعة لاحتمال القدح من ناحية المانعيّة.

(١) وحيث انه لم يتعرض له في مبحث الاستصحاب فلا بد من التعرّض له هنا.

وتوضيحه : انه قد مرّ ان عدم الزيادة المشكوك اعتبارها شرطا للمركب الجاري في رفعه هو البراءة النقليّة كما مرّ بيانه. وقد تمسك بعضهم لعدم تأثير الزيادة باستصحاب الصحة في الاجزاء المأتى بها السابقة في الوجود على وجود الزائد ، كما انه قد تمسكوا بهذا الاستصحاب وهو استصحاب صحة الاجزاء المأتي بها في ما لو شك في حدوث الناقض كالحدث مثلا.

وتوضيح هذا الاستصحاب يتوقف على بيان الفرق بين المانع والقاطع ، ليعرف ان المراد من استصحاب صحة الاجزاء السابقة هل هو استصحاب عدم المانع عن صحة الاجزاء ، او استصحاب الجزء الصوري للمركب وهو الهيئة الاتصالية التي ترتفع بوجود القاطع لهذه الهيئة الاتصاليّة؟ .. فنقول : ان كون الحادث مانعا عن

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

صحة الجزء السابق يتصور : اما بتصور كون الجزء له استعداد في ان يؤثر مع بقية الاجزاء بعد تمامها في ترتب الغرض عليها فيكون الحادث ناقضا ورافعا لهذا الاستعداد في الاجزاء السابقة. وامّا بتصور كون لكل جزء تحقق اثر ناقص ثم يستكمل بما يتلاحق من الاجزاء حتى يحصل الاثر التام من مجموع هذه الآثار عند تمام كل الاجزاء ، فيكون الحادث ناقضا ورافعا للاثر الناقص المتحقق للجزء السابق.

ومما ذكرنا يتضح الجواب عمّا يقال من انه لا وجه لاستصحاب الصحة في الاجزاء السابقة ، لان الصحة اما بمعنى موافقة الامر وهي متيقنة لا يلحقها الشك بحدوث الحادث لوضوح كونها قد اتى بها موافقا لامرها الغيري او النفسي المنبسط عليها ، واما بمعنى ان الصحة هي كون الاجزاء السابقة بحيث لو انضمت اليها الاجزاء لحصل الاثر ، وهذا المعنى من الصحة ايضا متيقن لا يلحقه الشك في حدوث الحادث ، فان هذه الشرطية صادقة على الاجزاء السابقة مع حدوث الحادث ، وعدم امكان الاتيان بالاجزاء اللاحقة لان صدق القضية الشرطية لا يقتضي صدق طرفيها. فاتضح صدق هذه القضية الشرطية وهي قولنا ان الاجزاء السابقة لو انضمت اليها الاجزاء اللاحقة لحصل الاثر.

وقد ظهر الجواب عنه بما ذكرنا ، فان الصحة المستصحبة في الاجزاء ليس بمعنى موافقة الامر ولا بمعنى كون الاجزاء لو انضم اليها الاجزاء اللاحقة لحصل الاثر والغرض ، بل المراد من استصحاب الصحة في الاجزاء هو استصحاب الاستعداد فيها ، او استصحاب اثرها الناقص المحتمل ارتفاعهما بوجود هذا الحادث الزائد كالمذي ، أو المحتمل ارتفاعهما لاحتمال وجود ما هو الرافع لهما كمثل الحدث الاصغر او الاكبر.

واما القاطع فهو ما يرفع الجزء الصوري للمركب. وتوضيحه : ان المراد من الجزء الصوري هو الوحدة الاتصالية التدريجية ، والوحدة الاتصالية التدريجية في المركبات الحقيقية كالمركب من الصورة والمادة هو وحدة الاتصال بين المادة والصور

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعاقبة عليها ، ككون المادة علقة ثم مضغة الى ان تكون انسانا ، وكون الكلب لحما ودما ثم ملحا ، وكون الماء ماء ثم بخارا وامثال هذه الصورة المتعاقبة على المواد هذه هي الوحدة الاتصالية التدريجية في المركب الجوهري.

واما العرض فحيث ان الاعراض غير مركبة من الصورة والمادة ، بل هي بسائط خارجيّة ، فالوحدة الاتصالية الحقيقية التدريجية انما تكون في بعض الاعراض ، وهي التي يكون فيها الحركة والاشتداد كالكيف ـ مثلا ـ وذلك كحركة البياض من مرتبته الضعيفة الى المراتب الشديدة ، فان هناك وحدة اتصالية في هذا الكيف المتحرك في هذه المراتب ، وحيث ان المركب في المقام مركب اعتباري كالصلاة ـ مثلا ـ فانها عبادة عن مجموعة من الاعراض من الوضع الخاص والكيف المسموع ، فليس لها وحدة اتصالية حقيقيّة تدريجيّة ، فلم يبق الّا الوحدة الاتصالية الاعتبارية ، ولا نرى للصلاة وحدة اتصالية قد اعتبرها الشارع فيها غير المولاة في الاجزاء بان لا يفصل بينها بالفصل الطويل ، ومن الواضح انه ليس المراد من القاطع هو عدم المولاة بين الاجزاء ، بل المراد منه شيء يرفعه الحادث في الصلاة كزيادة الجزء أو الحدث الاصغر مثلا ، فلا نتعقل معنى للقاطع يكون غير المانع ، ولا بد من رجوع القاطع الى المانع باعتبار ان المانع ان وقع بعد المركب يكون رافعا له وناقضا كوقوع الحدث بعد تمام الوضوء ، وان وقع في الاثناء يكون رافعا للاستعداد أو لاثر الاجزاء السابقة فيكون قاطعا بينها وبين اجزاء المركب اللاحقة ، وان وقع قبل الاجزاء فانه يكون دافعا لها عن الاثر أو الاستعداد لا رافعا لاستعدادها أو اثرها ، فيرجع القاطع الى تسمية المانع الواقع في اثناء المركب باسم القاطع. فاذا عرفت عدم الفرق بين المانع والقاطع وانه لا فرق بينهما وانه ليس هناك جزء صوري ووحدة اتصالية للمركب ، فالمراد من استصحاب الصحة في الاجزاء بمعنى استصحاب بقاء الاجزاء السابقة على ما هي عليه من الاستعداد أو الاثر الناقص وان كان صحيحا ، الّا ان الاثر المترتب

٢٠٧

الرابع : إنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ، ودار الامر بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه ، وبين أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ، فيسقط الامر بالعجز عنه

______________________________________________________

امران : الاول : عدم وجوب استيناف الاجزاء السابقة. والثاني : حصول المركب بانضمام الاجزاء اللاحقة للاجزاء السابقة.

واستصحاب الصحة في الاجزاء لترتيب الاثر الاول انما يصح حيث يكون ذلك الاثر من آثار صحة نفس الاجزاء ، واما اذا كان ذلك الاثر من آثار بقاء الامر وتأثيره في الدعوة الى الاتيان بالاجزاء ، فان الامر حيث انه متعلق بمركب من اجزاء تدريجيّة فهو يدعو الى اتيان تلك الاجزاء تدريجا الى ان تتمّ اجزاؤه ، فاذا عرض ما يوجب سقوطه عن الدعوة في الاثناء فاستيناف الاجزاء السابقة من آثار سقوط الامر عن الدعوة ، وعدم استينافها من آثار بقاء الامر على ما هو عليه من اقتضائه للدعوة ، فالاستئناف وعدم الاستيناف من آثار عدم بقاء الامر وبقائه لا من آثار صحة الاجزاء السابقة وعدم صحتها. هذا اذا لم تقل بان الاستيناف وعدمه ليس من الآثار الشرعية ، بل هو من الآثار العقلية ، وان عدم استيناف الاجزاء السابقة لازم عقلي لبقاء الامر على تأثيره التدريجي ، واستينافها لازم عقلي لسقوطه عن الدعوة التدريجيّة ، وحيث لم يحصل المركب المأمور به فلا بد من استيناف الامر في مقام الدعوة من رأس.

واما الاثر الثاني وهو حصول المركب بانضمام الاجزاء اللاحقة الى السابقة فهو اثر عقلي لصحة الاجزاء السابقة ، وليس اثرا شرعيا لصحة الاجزاء السابقة ، وهو واضح لبداهة انه لم يترتب شرعا على الاجزاء السابقة حصول المركب بانضمام الاجزاء اللاحقة ، وانما العقل حيث كان المركب له اجزاء ارتباطية سابقة ولا حقة فهو يدرك ان الاثر لوقوع الاجزاء السابقة صحيحة هو حصول المركب بانضمام الاجزاء اللاحقة وهو اثر عقلي لا شرعي.

٢٠٨

على الاول ، لعدم القدرة حينئذ على المأمور به ، لا على الثاني فيبقى متعلقا بالباقي ، ولم يكن هناك ما يعيّن أحد الامرين ، من إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا ، أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله ، لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي ، فإن العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان (١).

______________________________________________________

(١) هذا التنبيه الرابع لبيان ما اذا كان الشك في جزئية شيء او شرطيته من ناحية انه هل هو جزء او شرط مطلقا للمركب ولو في حال العجز عن اتيانه ، او انه كان جزءا او شرطا في خصوص حال التمكن منه والقدرة عليه؟ ولازم كونه جزءا او شرطا مطلقا ولو في حال العجز هو سقوط الامر بالمركب في حال العجز عن بعض اجزائه او بعض شرائطه ، لانتفاء المركب بانتفاء بعضه ، ولازم كونه جزءا او شرطا في حال التمكن منه هو عدم سقوط الامر وبقاؤه متعلقا بالباقي من الاجزاء والشرائط المقدورة ، لوضوح كون المركب انما يكون مركبا منهما في حال القدرة عليهما ، واما في حال العجز عنهما فهو مركب من غيرهما.

وتوضيح الحال يقتضي بيان امور : الاول : انه تارة يكون للامر المتعلّق بالمركب اطلاق اما بناء على وضع الفاظ العبادات ـ مثلا ـ للأعمّي ، او بناء على انها موضوعة للصحيح وكان هناك اطلاق مقامي ، بان علمنا ان المولى في مقام بيان كل ما له دخل في صحة متعلق الامر ، وشككنا في ان بعض الاجزاء دخالتها في المركب هل هي مطلقة في حالتي التمكن والعجز او كانت دخالتها مختصّة بصورة التمكن؟ .. وعلى كل انه اذا كان لدليل الامر المتعلق بالمركب اطلاق فالاطلاق يقتضي نفي الجزء عن كونه جزءا في حال عدم القدرة عليه ، لان الامر حيث انه لداعي جعل الداعي ولا يعقل جعل الداعي في حال عدم القدرة ، وقد فرض ان للامر اطلاقا يقتضي كونه داعيا مطلقا ، فلا بد وان يكون الجزء غير المقدور عليه ليس بجزء في هذه

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحالة ليكون للامر اطلاق الدعوة على كل حال. فاتضح : ان اطلاق الامر يقتضي نفي الجزء عن كونه جزءا للمركب في حال العجز عنه.

واخرى لا يكون للامر المتعلق بالمركب اطلاق فيما اذا لم يحرز كون المولى في مقام البيان ولو بالاصل بان كان المولى في مقام الاجمال ، بان كان له غرض قد تعلق بان يجمل ، او كان في مقام الاهمال من ناحية كون الجزء جزءا في حال العجز والقدرة ، بل كان في مقام بيان ان متعلق الامر هذه الامور فقط ، ولا يكون في مقام البيان من ناحية كونها دخيلة في المركب مطلقا او في خصوص حالة القدرة عليها.

الثاني : ان الأوامر المتعلقة بذوات الاجزاء والشرائط ، تارة تكون في مقام بيان دخالتها في المركب الذي هو متعلق للامر ، وحال هذه الاوامر حال الامر المتعلق بالمركب ، فان الاطلاق فيها ينفي الدخالة في حال العجز ، لوضوح انها على الفرض لبيان الدخالة في حال تعلق الامر الذي هو بداعي جعل الداعي المختص بصورة القدرة دون صورة العجز.

واخرى تكون اوامر الاجزاء أو الشرائط لبيان دخالتهما في الغرض المترتّب على المركب ، فتكون للارشاد الى كونها دخيلة في الغرض ، والاطلاق فيها يقتضي كونها دخيلة مطلقا في حالتي العجز والقدرة ، فالاطلاق فيها يقتضي كونها جزءا او شرطا مطلقا ولو في حالة العجز.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان اطلاق ادلة الاجزاء والشرائط ـ بناء على كونها في مقام بيان الدخالة في الغرض ـ يدل على خلاف ما دل عليه الاطلاق في الامر المتعلّق بالمركب. فقد عرفت ان اطلاق الامر المتعلق بالمركب يدلّ باطلاقه على نفي الدخالة في حال العجز ، ودليل اطلاق الجزء أو الشرط الدخيل في الغرض يدل على ثبوت الجزئية والشرطية في حال العجز.

وثالثة : لا يكون لادلة الاجزاء والشرائط اطلاق بان كانت في مقام بيان ان المركب يتالف منها فقط من دون ان تكون في مقام بيان كونها جزءا في حالة القدرة او

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جزءا مطلقا ومن دون ان تكون لبيان كونها دخيلة في الغرض والمصلحة المترتبة على المركب مطلقا في حالتي العجز والقدرة.

ثم لا يخفى انه اذا كان لدليل الاجزاء اطلاق يثبت دخالتها مطلقا حتى في حال العجز يكون مقدما على اطلاق دليل الامر المتعلق بالمركب ، لان كون الامر في المركب لا يكون داعيا في حال العجز لا ينافي كون الجزء جزءا مطلقا ، فيكون اطلاق دليل الجزء مفسرا لما يتألف منه هذا المركب وانه متألف من اجزاء دخيلة في ترتب الغرض سواء كانت مقدورة او غير مقدورة.

الثالث : انه اذا كان لدليل الامر بالمركب اطلاق ولم يكن لادلة الاجزاء والشرائط اطلاق فالمرجع اطلاق دليل الامر بالمركب ، وقد عرفت انه ينفي جزئية الجزء غير المقدور ويقتضي الاتيان بالباقي في حال العجز عن ما له دخالة فيه في حال القدرة ، واذا كان لدليل الاجزاء اطلاق يثبت الدخالة مطلقا ففي حالة العجز لازمه سقوط الامر بالمركب لانتفاء المركب بانتفاء ما له الدخالة فيه.

واذا لم يكن هناك اطلاق اصلا لا لدليل الامر بالمركب ولا لادلة الاجزاء والشرائط ، والمفروض انه شككنا في كون دخالة الجزء أو الشرط هل هي مطلقة او في حالة القدرة بالخصوص؟ فلا بد وان يكون المرجع هو الاصل في انه يقتضي اتيان الباقي من الاجزاء والشرائط المقدورة او يقتضي سقوط الامر بالمركب في حال العجز عن بعض اجزائه او شرائطه. وحيث نحتمل كون الاجزاء او الشرائط دخيلة مطلقا حتى في حال العجز الذي لازمه سقوط الامر بالمركب مطلقا في حال العجز عن بعض اجزائه او شرائطه ، فلازم ذلك هو الشك في الامر بباقي الاجزاء والشرائط في حال العجز عن بعضها ، وعلى هذا فهو مجرى للبراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان لفرض الشك في الامر مع عدم البيان.

وقد اشار الى سقوط الامر في ما اذا كان الجزء أو الشرط دخيلا مطلقا في حالتي العجز والقدرة بقوله : ((فيسقط الامر)) بالمركب ((بالعجز عنه)) أي بالعجز

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الجزء أو الشرط ((على الاول)) وهو فيما اذا كان الجزء او الشرط جزءا مطلقا وشرطا مطلقا ولو في حالة العجز عنهما. واشار الى السبب في ذلك بقوله : ((لعدم القدرة حينئذ)) أي حين العجز عن بعض ما له دخالة في المركب لا يقدر المكلف ((على)) الاتيان ب ((المامور به)) ، وحيث دخالة الجزء او الشرط مطلقة فالمركب المامور به ينتفي بانتفاء بعض ما له دخالة فيه. واشار الى عدم سقوط الامر بالباقي فيما اذا كان الجزء أو الشرط دخيلا في حال القدرة لا مطلقا بقوله : ((لا على الثاني)) وهو ان يكون الجزء أو الشرط دخيلا في خصوص حال التمكن منه لا مطلقا ، فان لازمه ان لا يكون الجزء او الشرط غير المقدور عليها جزءا او شرطا من المركب في حال عدم القدرة عليها ، ويكون الامر بالمركب متعلقا بالمقدور ، ولذا قال : ((فيبقى متعلقا بالباقي)) أي في حال العجز عن الجزء او الشرط يكون الامر المتعلق بالمركب متعلقا بالباقي من الاجزاء والشرائط المقدورة. وقد اشار الى انه حيث لا اطلاق للامر المتعلق بالمركب ولا لدليل الاجزاء فالمرجع هي البراءة العقلية ، وان اطلاق ادلة الاجزاء يقتضي سقوط الامر بالمركب في حال العجز عن الجزء والشرط ، لانها تدل على كون الجزء والشرط دخيلا مطلقا حتى في حال العجز ، وان اطلاق دليل الامر المتعلق بالمركب المأمور يقتضي نفي الجزئية أو الشرطية في حال العجز وتعلق الامر بالباقي من الاجزاء والشرائط بقوله : ((ولم يكن هناك ما يعيّن احد الامرين)) لا يخفى ان هذا معطوف على قوله في صدر الكلام ودار الامر ، والتقدير انه ((لو علم بجزئية شيء او شرطيته في الجملة ودار الامر بين ان يكون جزءا او شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين ان يكون جزءا او شرطا في خصوص حال التمكن منه ولم يكن هناك ما يعيّن احد الامرين)) وجواب هذه الشرطية هو قوله الآتي لاستقل العقل.

ولا يخفى ان الامر الاول هو السقوط في حال العجز ((من)) اجل ((اطلاق دليل اعتباره جزءا او شرطا)) مطلقا بواسطة اطلاق ادلة الاجزاء. والامر الثاني هو

٢١٢

لا يقال : نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه (١).

______________________________________________________

عدم سقوط الامر في حال العجز وتعلقه بالباقي من الاجزاء والشرائط بسبب اطلاق دليل الامر المتعلق بالمركب ، واليه اشار بقوله : ((او اطلاق دليل المأمور به)). ثم اشار الى ان سبب عدم الاطلاق هو اما الاجمال او الاهمال بقوله : ((مع اجمال دليل اعتباره او اهماله)) ثم اشار الى ان المرجع حيث لا اطلاق للامر ولا لاوامر الاجزاء والشرط هو البراءة العقلية عن الامر بالباقي في تلك الحال بقوله : ((لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي)) لانه حيث يحتمل الدخالة مطلقا وعدم الدخالة كذلك ولازمه الشك في الخطاب بالباقي في تلك الحالة ولا بيان له حيث لا بيان ((فان العقاب)) حينئذ ((على تركه)) أي على ترك امتثال الامر بالباقي من العقاب ((بلا بيان والمؤاخذة عليه)) من المؤاخذة ((بلا برهان)).

(١) حاصله : انه لما كان المشكوك هو كون الجزء او الشرط في حالة العجز جزءا وشرطا فالبراءة العقلية وان جرت في الامر بالباقي ، الّا ان البراءة الشرعية وهي فقرة (ما لا يعلمون) نقتضي نفيه في حال العجز ، لان المفروض الشك في كون الجزء او الشرط هل هما جزء مطلقا وشرط مطلقا او في خصوص حال التمكن؟ وحيث لم يعلم الحال فالجاري فيه رفع ما لا يعلمون ، فدليل الرفع يقتضي رفع جزئية الجزء ورفع شرطية الشرط في حال العجز ، ولازم ذلك ثبوت الامر بالباقي ، كما ان دليل الرفع في مقام الشك في الاقل والاكثر يقتضي رفع الزائد وثبوت الامر بالاقل.

والحاصل : ان فقرة (ما لا يعلمون) تقتضي كون الجزء والشرط جزءا وشرطا في حال التمكن لا مطلقا ، ولازمه ثبوت الامر في تلك الحال بالباقي من الاجزاء والشرائط. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم)) ان البراءة العقلية وان كانت تقتضي سقوط الامر بالباقي ((ولكن قضية مثل حديث الرفع)) تقتضي ((عدم الجزئية

٢١٣

فإنه يقال : إنه لا مجال هاهنا لمثله ، بداهة أنه ورد في مقام الامتنان ، فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته (١).

نعم ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا. ولكنه لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي (٢) ، أو على المسامحة في تعيين الموضوع في

______________________________________________________

والشرطية الا في حال التمكن منه)) أي من الجزء او الشرط ، ولازم ذلك ثبوت الامر بالباقي.

(١) حاصله : انه لا مجال لحديث الرفع هنا ، لان حديث الرفع وارد مورد المنّة ، ولازم كونه في مورد المنّة هو عدم ثبوت تكليف بواسطته ، وثبوت التكليف خلاف المنّة ، وانما كان جاريا في الاقل والاكثر لان ثبوت اصل التكليف في مقام الدوران بين الاقل والاكثر كان بواسطة العلم الاجمالي ، وبواسطة حديث الرفع يرتفع التكليف بالزائد وهو من المنّة وليس ثبوت التكليف بالاقل بواسطة دليل الرفع. وكذلك جريان حديث الرفع في رفع الجزء المنسي ، فان الاتيان بما عدا المنسي متحقق على كل حال ، لفرض كون الناسي غير ملتفت الى نسيانه ويرى نفسه ذاكرا ، وبعد التذكّر يجري حديث الرفع في رفع جزئية المنسي ، ولازمه عدم الاعادة ، فيكون في جريانه منّة ، بخلاف المقام فان المفروض انه لا دليل على ثبوت الامر بالباقي في حال العجز ، فثبوت التكليف به في حال العجز يكون بواسطة جريان حديث الرفع وهو خلاف الامتنان كما عرفت ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا مجال هاهنا لمثله ، بداهة انه ورد في مقام الامتنان .. الى آخر الجملة)).

(٢) لا يخفى ان المصنف يشير في عبارته الى وجهين من وجوه الاستصحاب ، وسيأتي ان الوجه الأول لا يجري فيما اذا كان العجز عن الشرط عند المصنف ، والوجه الثاني لا يجري فيما كان العجز عن معظم الاجزاء ، ولذلك قيد الاستصحاب ببعض الصور.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اما الوجهان اللذان اشار اليهما : فالاول : وقبل الشروع في بيان الاستصحاب لا بد من تقديم مقدمة ، وهو ان الاستصحاب متقوم بامرين : اليقين السابق بالحدوث والشك في ارتفاع ذلك الحادث الذي كان هو متعلق اليقين السابق. فالاستصحاب المدعى ان كان هو استصحاب الوجوب الغيري للباقي او الوجوب التبعي فهما غير مشكوكي البقاء ، لوضوح ان الوجوب النفسي الذي منه يترشح الوجوب الغيري ويتبعه الوجوب التبعي لا شك في بقائهما بعد ارتفاع الوجوب النفسي المتعلق بالكلّ ، ومن الواضح ارتفاع الوجوب النفسي المتعلق بالكل بالعجز عن بعض اجزائه ، ومع القطع بارتفاع هذا الوجوب النفسي فالوجوب الغيري والتبعي مقطوعا الارتفاع وغير مشكوكين حتى يجري الاستصحاب فيهما ، فالاستصحاب فاقد للركن الثاني وهو الشك في الارتفاع للقطع بالارتفاع ، وواجد للركن الأول وهو اليقين بالحدوث ، لما عرفت من كون الوجوب الغيري والتبعي مقطوعي الحدوث بحدوث الوجوب النفسي المتعلق بالكلّ ، ولكنهما مقطوعا الارتفاع بارتفاعه لا مشكوكا الارتفاع. واذا كان المراد هو استصحاب الوجوب النفسي بالباقي من الاجزاء فهو غير متيقن الحدوث ، فالركن الأول للاستصحاب مفقود ، بل يمكن ان يقال : انه ان كان هذا الوجوب النفسي للباقي من الاجزاء هو الوجوب النفسي الذي كان قبل العجز فقد ارتفع لارتفاع الوجوب المتعلق بالكل فهو مقطوع الارتفاع ، وان كان هو الوجوب لها بعد ارتفاع الوجوب المتعلق بالكل فهو مشكوك الحدوث ، لوضوح ان الوجوب النفسي المتعلق بالكلّ قد ارتفع قطعا بالعجز عن بعض الاجزاء ولا يقين بحدوث وجوب نفسي آخر متعلق بالباقي ، ولذلك كانت دعوى الاستصحاب في المقام مما تحتاج الى تأويل.

فالتأويل الأول : هو ان يكون المراد من استصحاب وجوب الباقي هو استصحاب الوجوب الكلي ، بان نقول ـ قبل عروض العجز عن بعض اجزاء المركب ـ كان لنا وجوبان : وجوب نفسي متعلق بالكل ، ووجوب غيري متعلق

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاجزاء ، فالباقي قبل عروض العجز كان له وجوب غيري ، وبعد عروض العجز يحتمل ان يكون واجبا بالوجوب النفسي لاحتمال كون ما عرض له العجز ليس جزءا مطلقا ، بل هو جزء في حال التمكن ، فالوجوب الكلي المعنون بعنوان خاص من كونه غيريا او نفسيا بالنسبة الى الباقي مقطوع الحدوث قبل عروض العجز ومشكوك الارتفاع بعد عروض العجز ، لاحتمال بقائه في ضمن فرده وهو الوجوب النفسي المحتمل الحدوث للباقي بعد عروض العجز ، فالوجوب الكلي للباقي بما هو وجوب كلي مقطوع الحدوث مشكوك الارتفاع ، فاركان الاستصحاب في الباقي تامة فيستصحب الوجوب فيها بعد عروض العجز.

والجواب عنه اولا : ان هذا الاستصحاب للكلي لا يتأتى فيما كان العجز عن الشرط ، فان المشروط بشرط وان انحل الى ذات المشروط وتقيّده بالشرط إلّا انهما جزءان تحليليان ، والواجب هو الشيء الخاص ، فليس لذات المشروط قبل عروض العجز وجوب غيري حتى يتأتى استصحاب الوجوب الكلي المردد بين الوجوب الغيري والنفسي في ذات المشروط بعد عروض العجز عن الشرط.

وثانيا : ان هذا الاستصحاب انما يجري بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من استصحاب الكلي ، فان استصحاب الكلي كما سيأتي بيانه في مبحث الاستصحاب على اقسام ثلاثة :

ـ الأول : استصحاب الكلي الموجود في ضمن الفرد كما لو كان للانسان الموجود في ضمن زيد اثر فعند الشك في موت زيد ـ مثلا ـ يستصحب وجود الحصة من الانسان الكلي الموجود في ضمن زيد.

ـ الثاني : استصحاب الكلي المردّد بين فردين احدهما مقطوع الارتفاع والثاني مقطوع البقاء ، ككلي الحيوان المردّد بين البق والفيل بعد مرور زمان يقطع بموت البق فيه ، فانّا لو علمنا بوجود الحيوان ولم نعلم انه بق او فيل فان كان بقا فقد ارتفع

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قطعا ، وان كان فيلا فهو باق قطعا ، فيكون المستصحب كلي الحيوان من دون تعنونه بعنوان البقيّة او الفيليّة وهو مقطوع الحدوث مشكوك الارتفاع.

ـ الثالث : استصحاب الكلي المردّد بين فرد مقطوع الارتفاع وبين فرد مشكوك الحدوث وهذا على قسمين :

الأول : ان يكون الفرد المقطوع الارتفاع والفرد المشكوك الحدوث هما فردان متباينان عند العرف ، واستصحاب الكلي في هذا القسم غير صحيح للقطع بارتفاع الكلي الموجود في ضمن فرده المقطوع الارتفاع ، والشك في حدوثه في ضمن فرده الآخر ، كما لو كان المحلّ متنجسا بالبول ـ مثلا ـ وغسلنا المحلّ مرتين وشككنا في تنجس المحل بعد ارتفاع نجاسة البول بنجاسة اخرى كالدم ـ مثلا ـ فان النجاسة البولية والنجاسة الدموية فردان من النجاسة متباينان عند العرف ، وفي هذا القسم لا يصح استصحاب كلي النجاسة المردّدة بين هذين الفردين.

الثاني : ان يكون الفردان عند العرف ليسا فردين متباينين ، بل هما عند العرف شيء واحد ، كما في مراتب البياض المتفاوتة بالشدة والضعف ، فانه لو قطعنا بارتفاع المرتبة الشديدة من البياض وشككنا في بقاء البياض في ضمن المرتبة الضعيفة منه او ارتفاعه مطلقا فانه لا مانع من الاستصحاب الكلي فيه ، وان تردّد بين مقطوع الارتفاع ومشكوك الحدوث عند الدقة ، لكنه عند العرف حيث كان الفرد اللاحق هو عين الفرد السابق فلذلك يصح استصحاب كلي البياض المردّد بين المرتبة الشديدة المقطوعة الارتفاع والمرتبة الضعيفة اللاحقة. ومن هذا القسم الوجوب المردّد بين الغيري والنفسي ، فان نفس الوجوب شيء واحد عند العرف وان اختلف في صنفيّة الغيري والنفسي دقة وعقلا ، ولما كان كلي الوجوب في الباقي متيقن الحدوث مشكوك الارتفاع لاحتمال بقائه بالوجوب النفسي المتعلق بالباقي كان لاستصحابه مجال. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم ربما يقال بان قضية الاستصحاب في بعض الصور)) وهي ما اذا كان العجز ليس عن معظم الاجزاء ولم يكن العجز عن

٢١٧

الاستصحاب ، وكان ما تعذر مما يسامح به عرفا ، بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي ، وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه ، ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام (١) كما أن وجوب الباقي في

______________________________________________________

الشرط ، وذلك فيما كان العجز عن بعض اجزاء المركب لا عن معظمه ولا عن الشرط كما عرفت تقتضي ((وجوب الباقي في حال التعذر)) عن الكلّ فيكون الباقي واجبا ((ايضا)) في حال التعذر ((ولكنه لا يكاد يصح)) هذا الاستصحاب ((الّا بناء على صحة القسم)) الثاني من القسم ((الثالث من استصحاب الكلي)) كما عرفت مفصّلا. ولا يخفى ايضا ان صحة هذا الاستصحاب مبني على ان تكون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري ، اما اذا لم نقل بان للاجزاء وجوبا غيريا وان كان فيها ملاك المقدمية فلا يتم هذا الاستصحاب.

(١) يشير بهذا الى الوجه الثاني لتأويل هذا الاستصحاب المدعى في المقام. وحاصله ان نقول : ان المستصحب هو الوجوب النفسي للباقي بدعوى ان المتعذر من الاجزاء فيما اذا كان قليلا بالنسبة الى الباقي من الاجزاء يعدّ بنظر العرف انه من حالات المتعلق للوجوب النفسي.

وبعبارة اخرى : انه اذا تعلّق الحكم بموضوع مركب من اجزاء كثيرة وكان المتعذّر قليلا منها فوجوب الباقي من الاجزاء ما عدا المتعذر وان كان دقة وعقلا هو وجوب آخر غير الوجوب المتعلق بها وبالجزء المتعذر ، الّا انه عند العرف ليس هو وجوبا آخر حتى يكون مشكوك الحدوث ، بل هو عندهم نفس الوجوب النفسي الأول ، حيث انهم لا يرون وجوب التالف من اجزاء كثيرة لو تعذر جزء واحد منها وبقى الوجوب متعلقا بالباقي انه وجوب آخر هو غير الوجوب الأول ، بل هو عندهم عين الوجوب الأول كما في استصحاب كريّة الماء فيما اذا نقص منه جزء قليل فانه بنظر العرف كون الباقي متحدا مع الأول ، والنقصان الجزئي وان اوجب الشك

٢١٨

الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وقوله : الميسور لا يسقط بالمعسور ، وقوله : ما لا يدرك كله لا يترك كله ودلالة الاول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية ، لا بيانية ، ولا بمعنى الباء ، ظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى ، إلا أن كونه بحسب الاجزاء غير واضح ، لاحتمال أن يكون بلحاظ الافراد ، ولو سلم فلا محيص عن أنه ـ هاهنا ـ بهذا اللحاظ يراد ، حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به (١) ، فقد روى

______________________________________________________

في بقاء الحكم الأول إلّا ان الموضوع للحكم الأول بنظر العرف هو الباقي وانه بالاستصحاب يثبت بقاء الحكم الأول.

ولا يخفى ان هذا الاستصحاب من الاستصحاب الشخصي وهو استصحاب الحكم النفسي الأول لا من استصحاب الكلي كما في الوجه السابق ، واليه اشار بقوله : ((او على المسامحة)) أي ان قضية الاستصحاب لوجوب الباقي اما ان يكون لاستصحاب الكلي كما في الوجه السابق ، او تكون لاجل المسامحة عند العرف ((في تعيين)) ما هو ((الموضوع في الاستصحاب)) فان نظر العرف حيث انه مبني على المسامحة ، ولما كان الباقي في معظم الاجزاء ((وكان ما تعذر)) من الاجزاء لا يضر العرف في بقاء الموضوع للحكم لانه ((مما يسامح به عرفا بحيث يصدق مع تعذره)) أي بحيث يصدق مع تعذر هذا القليل ((بقاء الوجوب)) الأول لموضوعه ((لو قيل بوجوب الباقي وارتفاعه)) أي وارتفاع الوجوب الأول عن موضوعه ((لو قيل بعدم وجوبه)) أي بعدم وجوب الباقي ، ففي مثل هذه الصورة يصح الاستصحاب ، وقد ظهر انه من الاستصحاب الشخصي دون الكلي.

(١) لما تعرّض لحكم الباقي بعد العجز عن بعض الاجزاء وتعذره من حيث الاطلاق في الامر في ادلة الاجزاء ومن حيث اصل البراءة والاستصحاب .. تعرض لحكم

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الباقي من ناحية الدليل الخارجي ، وهو الاخبار التي ادعى دلالتها على وجوب الباقي بعد التعذر ، وقد اشار الى اخبار ثلاثة :

الأول : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اذ امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم) (١) وقبل الشروع في بيان كيفية الاستدلال به ينبغي ان لا يخفى ان قوله في الجملة اشارة الى ان الاخبار الثلاثة لا تدل على الاتيان بالباقي مطلقا ، بل هذا الأول لا يدل على الاتيان بالمشروط عند العجز عن الشرط ، لان دلالته على الاتيان بالباقي ـ كما سيأتي ـ متوقفة على ان يكون المراد من (من) في قوله : (فاتوا منه) هو التبعيض في المركب ، وقد تقدم ان المشروط وشرطه ليسا اثنين حتى يكون المشروط بعضا من المركب ، بل الواجب هو الشيء الخاص المنحلّ عقلا الى ذات المشروط وتقيده بالشرط ، وليس المشروط ـ بما هو مشروط ـ كلّا له ابعاض حتى يكون مما يدل على الاتيان بالبعض منه ما دلّ على الاتيان ببعض المركب عند العجز عن كلّ المركب.

الثاني : وهو دليل الميسور انما يدل على فرض دلالته على الاتيان بما يصدق عليه ان الميسور للمركب ، ففيما اذا كان المركب ـ مثلا ـ مركبا من عشرة اجزاء فوقع العجز عن تسعة منها لا يكون الواحد من الميسور للعشرة.

واما الثالث وهو قوله عليه‌السلام : (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه) (٢) فهو انما يدل على لزوم الاتيان بالباقي ـ بناء على دلالته على لزوم ذلك في خصوص الكل واجزائه ـ لظهور قوله : (كلّه) في ذلك ، فلا يدلّ على الاتيان بالمشروط عند تعذّر شرطه ، لانه ليس المشروط ـ بما هو مشروط ـ كلّا مركبا من ذات المشروط وتقيّده ، بل هو كما عرفت ان الواجب فيه امر واحد وهو الخاص ، وان انحلّ عقلا ودقة الى ذات المشروط وتقيّده بالشرط إلّا ان الواجب خارجا واحد وهو الخاص.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ج ٤ ، ص ٥٨.

(٢) عوالي اللآلي : ج ٤ ، ص ٥٨.

٢٢٠