بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حتى يكون وجود الواجب النفسي مما يتوقف على وجودهما ليكون مجال لاحتمال طلبها بطلب غيري ، لما عرفت من ان العام موجود في الخارج بنفس وجود الخاص ، وليس لهما وجودان في الخارج مستقلان حتى يكون الخاص كالمركب من اجزاء مستقلة في الوجود ، ومثله ذات وجود المطلق مع المشروط فانه ليس لذات المشروط الذي هو المطلق ولتقيّده وجودان في الخارج حتى يجري فيه ما يجري في المركب من اجزاء مستقلة في الوجود ، فلو قلنا بالانحلال في الاقل والاكثر المركب من اجزاء مستقلة لمناط الوجوب الغيري ، لا نقول به في ما لو دار الامر بين العام والخاص والمطلق والمشروط لعدم مناط الوجوب الغيري فيه.

وبعبارة اخرى : انه لا نريد ان ننكر اصل مناط المقدميّة فيهما ، فان مناط المقدميّة موجود في كل مركب سواء كانت اجزاؤه موجودة بوجود مستقل او كانت موجودة بوجود واحد لسبق اجزاء المركب على المركب بنحو التجوهر ، ولكن ليس مطلق السبق والتقدم مناطا للوجوب الغيري المقدمي ، بل المناط فيه توقف وجود الواجب النفسي على وجوده ، وهذا المناط مفقود في المقام. هذا كله اذا قلنا بالانحلال في المركب من اجزاء مستقلة. واما اذا لم نقل بالانحلال فيه فبطريق اولى ان لا نقول به هنا لما عرفت من الفارق بين المركب من اجزاء مستقلة في الوجود وبين العام والخاص والمطلق والمشروط.

والحاصل : انه اذا قلنا بان العلم الاجمالي في الاقل والاكثر الارتباطي لا ينحل الى معلوم تفصيلي ومشكوك بدوي ، فلا ينحل تنجزه بما هو علم اجمالي ، ويكون الاكثر منجزا واقعا لو كان هو الواجب الواقعي ، ويكون العلم الاجمالي موجبا للاحتياط عقلا بلزوم اتيان الاكثر ، فلا فرق في ذلك بين كونه مرددا بين اجزاء مستقلة في الوجود او كان مرددا بين اجزاء موجودة بوجود واحد او كان مرددا بين ذات المقيد وتقيّده ، ولا جريان للبراءة العقلية لتمامية البيان بالعلم الاجمالي المنجز ، ولا للبراءة الشرعية في نفس الوجوب ايضا لاحتمال اجتماع المتناقضين ، لاحتمال

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

كون الواجب الواقعي المنجز هو الاكثر ، بل لو قلنا بجريان البراءة العقلية في المركب من اجزاء مستقلة في الوجود لا نقول به في المردد بين العام والخاص وفي المطلق والمشروط ، لما عرفت من الفارق بينهما. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((انه ظهر مما مر)) من عدم الانحلال في المركب من اجزاء مستقلة في الوجود ((حال)) المركب من اجزاء غير مستقلة في الوجود كما في مقام ((دوران الامر بين المشروط بشيء ومطلقه)) كما لو دار الامر بين الواجب عتق مطلق الرقبة او الرقبة المؤمنة ((و)) كما لو دار الامر ((بين)) كون الواجب هو ((الخاص كالانسان و)) كون الواجب هو ((عامه كالحيوان و)) قد اتضح ((انه لا مجال هاهنا للبراءة عقلا بل كان الامر فيهما اظهر)) في عدم الانحلال بحيث لو قلنا في المركب من اجزاء مستقلة الوجود بالانحلال لا نقول به هاهنا ((فان الانحلال المتوهم في الاقل والاكثر)) في المركب من اجزاء مستقلة الوجود ((لا يكاد يتوهم هاهنا)) ثم اشار الى الفارق بينهما بقوله : ((بداهة ان الاجزاء)) في المطلق والمشروط والعام والخاص من الاجزاء ((التحليلية)) وهي الموجودة بوجود واحد وهي ((لا تكاد تتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا)) وانما سميت اجزاء المركب الموجودة بوجود واحد تحليلية لانها بعد ان كانت موجودة بوجود واحد فلا تكون هذه الاجزاء موجودات مستقلة خارجية ، بل العقل يحلل هذا الموجود الواحد الى اجزاء عنده ، فان الانسان منحل عقلا الى حيوان وناطق ، لا ان الحيوان والناطق موجود كل منهما بوجود مستقل في الخارج يخصه ، بل هما موجودان في الخارج بوجود واحد. وقد اشار الى مثال ذلك بقوله : ((فالصلاة مثلا)) المطلقة ((في ضمن الصلاة المشروطة)) بالاستقبال مثلا موجودة بوجود واحد ، لان حيثية تقيد الصلاة بالاستقبال ليس موجودا خارجيا ((او)) الصلاة العامة الموجودة في ضمن الصلاة ((الخاصة)) كمثل طبيعي الصلاة في ضمن صلاة الجمعة مثلا ((موجودة بعين وجودها)) أي الصلاة العامة التي هي طبيعي الصلاة

١٨٢

لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

متحدة الوجود في الخارج مع وجود الصلاة الخاصة ، لان وجود الفرد هو بعينه وجود الطبيعي وليس للطبيعي وجود مستقل في الخارج عن وجود فرده وهو واضح.

(١) توضيحه : ان الطبيعي بما هو كلي ـ لا يأبى عن الصدق على كثيرين ـ غير موجود في الخارج ، لوضوح ان ما يوجد في الخارج متعين جزئي يأبى الصدق ، وانما الموجود في الخارج هو حصص الطبيعي ، وكلما وجد في الخارج فهو حصة من الطبيعي ، والحصة هي الطبيعي المتقيد باضافته الى التشخص والفرد هو الحصة والتشخص ، ولازم ما ذكرنا من ان الموجود من الطبيعي خارجا هو حصصه هو تباين حصصه الموجودة خارجا ، وان كل حصة منه غير الحصة الاخرى ، لما عرفت من ان الطبيعي ـ بما هو غير آب عن الصدق على الكثرين ـ غير موجود في الخارج ، والموجود في الخارج هو الطبيعي المقيد بالاضافة الى التشخص ، ومن الواضح ان كل حصة منه مضافة الى تشخص خاص غير الحصة الاخرى المضافة الى تشخص خاص آخر ، فحصص الطبيعي الموجودة خارجا متباينات ولا وجود للطبيعي خارجا غير وجود حصصه ، فالصلاة الموجودة في ضمن الصلاة المشروطة بالاستقبال هي حصة من طبيعي الصلاة غير الحصة للصلاة الموجود في ضمن صلاة لا استقبال فيها ، والحصة من الصلاة الموجود في ضمن الصلاة الخاصة كالجمعة غير الحصة الموجودة في صلاة الظهر.

فاتضح مما ذكرنا : انه اذا كان المأمور به هو الصلاة المشروطة او الصلاة الخاصة فالآتي بصلاة غير مشروطة كالصلاة من غير استقبال والآتي بصلاة غير صلاة الجمعة قد اتى في الخارج بما هو المباين للمامور به ، بخلاف الاقل والاكثر المركب من اجزاء مستقلة في الوجود ، فان الاجزاء التي هي الاقل هي بعينها الاجزاء في الاكثر فيما عدا الزائد.

١٨٣

نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره ، دون دوران الامر بين الخاص وغيره ، لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته ، وليس كذلك خصوصية الخاص ، فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص ، فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين ، فتأمل جدا (١).

______________________________________________________

فاتضح : ان القول بالانحلال فيه لا يتأتى في المركب من اجزاء موجودة بوجود واحد ، لمباينة الماتي به للمامور به لو كان هو المشروط أو الخاص ، بخلاف الاجزاء المستقلة في الوجود فانه لا مباينة بين المأتي به الاقل للمامور به لو كان هو الاكثر ، وانما يكون المأتي به ناقصا لعدم انضمام الزائد اليه. واتضح مما ذكرنا ان المراد من المباينة هاهنا هو عدم وفاء الحصة من المطلق بالحصة المشروطة ، وعدم وفاء الحصة من العام بالحصة الخاصة ، لا أن الامتثال في المطلق والمشروط والعام والخاص هو كالامتثال في المتباينين من وجوب الاتيان بهما معا ، فلا يجب في مقام دوران الامر بين المطلق والمشروط والعام والخاص الاتيان بالمطلق والمشروط معا وبالعام والخاص كذلك ، كما هو الحال في المتباينين ، بل يكفي الاحتياط في المقام باتيان المشروط والخاص ، لوضوح انه لو كان المطلق هو المطلوب لكان مأتيا به في ضمن المشروط ، واذا كان العام مطلوبا لكان مأتيا به في ضمن الخاص. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((وفي ضمن صلاة اخرى)) أي الطبيعي الموجود في ضمن صلاة اخرى ((فاقدة لشرطها و)) الطبيعي الموجود في ضمن صلاة اخرى فاقدة ل ((خصوصيتها تكون)) حصة من الطبيعي اخرى ((متباينة لل)) حصة ال ((مأمور بها كما لا يخفى)).

(١) توضيحه : انه قد عرفت مما مر من المصنف في الكتاب في دوران الامر بين الاقل والاكثر المركب من اجزاء مستقلة عدم جريان البراءة العقلية فيه ، وعدم جريان البراءة النقلية في خصوص الوجوب المردد بين الاقل والاكثر ، وتجري البراءة النقلية في الجزء المشكوك بعنوان الجزئية المشكوكة ، ولازمها رفع فعلية الوجوب بالاكثر.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي المقام ايضا تجري البراءة النقلية في خصوص دوران الامر بين المطلق والمشروط دون العام والخاص بالنحو الذي مر هناك ، وهو جريان البراءة في خصوص عنوان الشرطية لا في الوجوب المردد بين المطلق والمشروط ، لان عنوان الشرطية مجعولة بالتبع ، فالشرطية المشكوكة مرفوعة بحديث الرفع ، ولازم ذلك انحصار فعلية الامر بخصوص المطلق.

والحاصل : ان هنا أمرين : الاول : ان البراءة النقلية لا تجري في الوجوب المشكوك ، لما مر من عدم انحلال الوجوب المردد بين الاقل والاكثر الى القطع بوجوب الاقل والشك في الزائد ، وما لم ينحل الوجوب المعلوم بالاجمال الى مقطوع ومشكوك لا تجري البراءة في المشكوك ، وقد عرفت عدم انحلال الوجوب المردد الى معلوم ومشكوك. واما عنوان الجزئية المنتزع من ابعاض الواجب المركب فهو منحل الى معلوم الجزئية وهو الاقل ومشكوك الجزئية وهو الزائد ، فتجري البراءة في عنوان الجزئية المشكوكة وترفع بحديث الرفع وامثاله ، ويكون لازمه انحصار فعلية الوجوب بالاقل كما مر تفصيله.

الثاني : ان البراءة النقلية في المقام انما تجري في خصوص ما لو دار الامر بين المطلق والمشروط ، لان عنوان الشرطية كعنوان الجزئية من المجعول بالتبع ، لا فيما اذا دار الامر بين العام والخاص فانه لا مجرى فيه للبراءة ، لما مر من ان العام والخاص وجود واحد في الخارج ، وليس للعام الموجود في ضمن الخاص جعل بالتبع حتى يكون مرفوعا بحديث الرفع ، فانه لو كان الواجب الواقعي هو الخاص لكان الواجب شيئا واحدا خارجا وحصة من حصص العام ، وليس هناك امران مطلوبان العام والخصوصية حتى يكون حاله حال الجزئية والشرطية مما يشمله حديث الرفع ، لما عرفت من ان الجنس والعام الذي هو الطبيعي لا يوجد في الخارج والموجود في الخارج حصصه ، وقد عرفت ايضا ان حصص الطبيعي في الخارج من المتباينات ،

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يكون العام والطبيعي مقطوعا والخصوصية مشكوكة ليكون مجال لجريان البراءة في خصوصية الخاص.

لا يقال : انه ليس المدار في جريان البراءة تعدد الوجود خارجا ، بل المدار فيها كون المتعلق في مقام تعلق الطلب واحدا او متعددا ، ومن الواضح ان الخاص المتعلق للطلب متعدد في مقام تعلق الطلب لان متعلقه ذات العام والخصوصية ، بخلاف العام فان متعلق الطلب فيه واحد وهو نفس العام من دون الخصوصية ، فيكون حال المردد بين العام والخاص في التعدد حال المركب من اجزاء مستقلة في الوجود في مقام تعلق الطلب الذي هو المدار في جريان البراءة ، فان كلا منهما متعدد في مقام تعلق الطلب ، وكما تجري البراءة في رفع جزئية الجزء المشكوك المستقل في الوجود كذلك تجري في رفع الخصوصية المشكوكة ، ويكون نتيجة ذلك حصر الامر بالعام.

فانه يقال : انه لا تعدد في مقام تعلق الطلب في مقام دوران الامر بين العام والخاص ، وهذا هو الفارق بين الاجزاء المستقلة والعام والخاص ، بل متعلق الطلب في الخاص هو امر واحد في مقام تعلق الطلب ، وتحليله الى العام والخصوصية انما هو بتعمل من العقل ، فان المتعلق للطلب المتعلق بالخاص حصة واحدة خاصة من العام ، وليس في مقام تعلق الطلب قد لحظ امران عام وخصوصية ، بل لم يلحظ الا شيء واحد وهو الخاص ، ولكن العقل يحلله الى امرين ، فان من الواضح ان الامر المتعلق بالانسان لم يلحظ في مقام تعلق الطلب الا شيء واحد خاص وهو ذات الانسان ، ولم يلحظ في مقام تعلق الطلب الحيوان بما هو جنس والناطق بما هو فصل له ، بل الملحوظ ذات الانسان وهو شيء واحد خاص يحلله العقل الى حيوان ناطق. ولهذا الفرق الفارق بين المطلق والمشروط والعام والخاص كان لجريان البراءة النقلية مجال في مقام دوران الامر بين المطلق والمشروط ، دون دوران الامر بين العام والخاص. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره)) أي المطلق ((دون دوران الامر بين الخاص وغيره)) أي العام

١٨٦

الثاني : إنه لا يخفى أن الاصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في حال نسيانه عقلا ونقلا ، ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية ، فلولا مثل حديث الرفع مطلقا ولا تعاد في الصلاة يحكم عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا ، كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا نصا أو إجماعا (١).

______________________________________________________

فان البراءة النقلية لا تجري في الثاني وتجري في الاول ((لدلالة مثل حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته)) لان للشرطية جعلا بالتبع ((وليس كذلك خصوصية الخاص)) فانه ليس لها جعل بالتبع ((فانها)) من الواضح أن خصوصية الخاص ((انما تكون منتزعة عن نفس الخاص)) الذي هو شيء واحد ، وكون العام والخصوصية اثنين انما هو بتعمّل وتحليل من العقل لا في الخارج ، فان الانسان في الخارج شيء واحد يحلله العقل الى الجنس والفصل ، ولذلك ((فيكون الدوران بينه)) أي بين الخاص ((وغيره)) أي العام ((من قبيل الدوران بين المتباينين)) كما عرفته مفصّلا.

(١) هذا التنبيه الثاني لبيان جريان البراءة في ما لو شك في جزئيته او شرطيته في حال النسيان. وتوضيح الكلام في ذلك يتوقف على بيان امور :

الاول : ان الناسي تارة ينسى جزئية الجزء بان نسى كون السورة جزءا ـ مثلا ـ مع التفاته الى نفس السورة. واخرى ينسى الاتيان بذات الجزء بان كان عالما بان نفس السورة جزء ولكنه في مقام الاتيان بالصلاة نسى السورة وانتقل من الفاتحة الى الركوع مثلا ، ولا يخفى ان لازم نسيان الاتيان بالسورة هو عدم الالتفات الى جزئية السورة في الوقت الذي نسى فيه الاتيان بالسورة ، بخلاف نسيان نفس جزئية السورة فانه لا يلازمه لزوم نسيان السورة ايضا ، بل مع الالتفات الى نفس السورة يكون ناسيا لجزئيتها وهو واضح.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان المراد من الاصل العقلي هو البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، واما الاصل النقلي وهو البراءة الشرعية ، فهل المراد منه في المقام هو خصوص فقرة (رفع ما لا يعلمون) باعتبار ان الناسي جاهل ايضا ، أو فقرة (رفع النسيان)؟ .. وصرّح بعضهم ان المراد من الاصل الشرعي في المقام هو خصوص فقرة (ما لا يعلمون) لان الاصل وظيفة الشاك ، وهو ما يدل على رفع فعلية ما هو الواقع ، لا ما يدل على رفع واقعيته ، لوضوح انه لو دلت فقرة (ما لا يعلمون) على رفع المشكوك واقعا للزم اختصاص الاحكام الواقعية بخصوص العالم ، ولا يكون الحكم الواقعي مشتركا بين العالم والجاهل وهو واضح الفساد ، لصريح الاجماع والاخبار بان هناك حكما واقعيا اصابه من أصابه وأخطأه من أخطأه ، وهو مشترك بين العالم والجاهل ، ففقرة (ما لا يعلمون) هي الاصل الدال على رفع فعلية الجزء المشكوك لا رفع واقعيته ، واما فقرة (رفع النسيان) فان المستفاد منها هو رفع جزئية الجزء واقعا فتدخل في الادلة الاجتهادية الدالة على رفع الجزء المنسي واقعا او رفع جزئيته واقعا.

والظاهر من آخرين كون المراد بالاصل هو فقرة (رفع النسيان) ولعله لقيام الاجماع ايضا على اشتراك الحكم الواقعي بين الذاكر والناسي ، وعلى هذا فيكون دليل رفع النسيان مما يدل على رفع فعلية الحكم الواقعي من رأس ، فلا تكون الفقرة مخصصة للحكم الواقعي ودالة على اختصاصه بما عدا الناسي ، بل تكون دالة على اختصاص فعلية الحكم الواقعي بغير الناسي ، لكون النسيان مانعا عن الفعلية لا رافعا واقعا لجزئية الجزء ليلزم تخصيص الحكم الواقعي بغير الناسي ، فلا يكون داخلا في الاشكال الآتي على الدليل الاجتهادي الدال على رفع الجزء واقعا في حال النسيان ، المستلزم لتنويع الحكم واقعا الى نوعين حكم يختص بالملتفت وحكم يختص بالناسي ، لصحة الالتزام ـ بناء على كون رفع النسيان اصلا رافعا للفعلية ـ بكون الموضوع للحكم الواقعي هو المكلف ، غايته ان فعلية الحكم الواقعي في المكلّف

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مختصّة بالذاكر دون الناسي ، لان النسيان مانع عن فعليته فلا يكون الاصل مبتليا بالاشكال الآتي.

الثالث : ان الدليل الدّال على جزئية الجزء ، تارة يكون دالا على جزئيته مطلقا ولو في حال النسيان ، وليس هذا هو محل الكلام في جريان البراءة ، لوضوح انه مع قيام الدليل على الجزئية في حال النسيان لا يكون شك في جزئيته في حال النسيان حتى يقال بجريان البراءة في نفي الجزئية في حال النسيان. واخرى لا يكون للدليل الدال على الجزئية دلالة على الجزئية في حال النسيان ، بل كان مجملا ، وحينئذ يشك في كون الجزء هل هو جزء مطلقا او جزء لخصوص الذاكر دون الناسي ، وهذا هو محل الكلام في جريان البراءة فيه وعدم جريانها.

الرابع : ان الظاهر من الشيخ (قدس‌سره) عدم جريان الاصل في رفع الجزء المنسي او جزئيته مطلقا أي عدم جريان البراءة العقلية والشرعية معا.

وصريح المصنف هو التفصيل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية بعدم جريان الاول وجريان الثانية ، لعين ما مرّ في الشك في جزئية شيء او شرطيته. والى مختارة اشار بقوله : ((انه لا يخفى ان الاصل فيما اذا شك في جزئية شيء او شرطيته)) كما لو صلى المكلف ناسيا للسورة او صلى ناسيا للغصبية في مكان مغصوب ، ثم تذكر انه صلى من دون سورة أو تذكر انه صلى في مكان مغصوب ، وحينئذ يشك في كون السورة هل هي جزء مطلقا او انها جزء لغير الناسي؟ ومثله الحال في اباحة المكان هل هي شرط مطلقا او انها شرط لغير الناسي؟ والمختار هو ان الاصل ((في حال نسيانه عقلا)) أي في البراءة العقلية ((ونقلا)) أي في البراءة النقلية هو ((ما ذكر في الشك في اصل الجزئية او الشرطية)) وهو عدم جريان البراءة العقلية وجريان البراءة النقلية ((فلولا مثل حديث الرفع مطلقا)) الجاري في الصلاة وغيرها ((و)) حديث ((لا تعاد)) الصلاة الا من خمس.

ـ تنبيه : انه بين اصل البراءة في المقام وبين حديث لا تعاد فرق من جهتين :

١٨٩

ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع ، كذلك يمكن تخصيصهما بهذا الحال بحسب الادلة الاجتهادية ، كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا ، وقد دلّ دليل آخر على دخله في حق الذاكر ، أو وجه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص ، لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة إيجاب ذلك عليه

______________________________________________________

الاولى : ان الاصل لا يجري فيما كان لدليل الاجزاء اطلاق يشمل حال النسيان ، اذ لا مجرى للاصل مع وجود الدليل اللفظي ، بخلاف حديث لا تعاد فانه له مجال حتى لو كان لدليل الاجزاء اطلاق شامل لحال النسيان.

الثانية : ما عرفت من ان الاصل رافع للفعليّة وليس برافع لجزئية الجزء المنسي واقعا ، بخلاف حديث لا تعاد فانه رافع لجزئية الجزء المنسي واقعا ، وهو مبتل باشكال الشيخ الاعظم الآتي في امكان رفع جزئية الجزء المنسي واقعا ورفع شرطية الشرط المنسي واقعا ، كما سيأتي الاشارة اليه وإلى دفعه ان شاء الله تعالى ، الّا ان يقال انه بضم رفع الجزء المنسي الى ادلة الاجزاء المجملة لازمه ارتفاع الاعادة بعد التذكر ولازمه تنويع التكليف ، وحينئذ يبتلى بالاشكال الآتي. وظاهر المصنف ذلك لانه فرع على جريان دليل الرفع في المقام عدم لزوم الاعادة بعد التذكر الجاري ((في)) خصوص ((الصلاة)) وإلّا لكان اللازم الاعادة عقلا حال التذكر لعدم جريان البراءة العقلية كما مر بيانه هناك مفصلا ، فلولا جريان البراءة النقلية وهو حديث الرفع لكان ((يحكم عقلا بلزوم اعادة ما اخل بجزئه او شرطه نسيانا)) ولكان الحال في مقام اجمال الدليل ((كما هو الحال فيما ثبت شرعا)) بالدليل المبين الدال على ((جزئيته او شرطيته مطلقا)) ولو في حال النسيان سواء كان الدليل ((نصا)) كحديث لا تعاد الدال على لزوم الاعادة في الخمسة وهي الركوع والسجود والطهارة والقبلة والوقت ((او اجماعا)) كالاجماع القائم على ركنية تكبيرة الاحرام او القيام المتصل بالركوع.

١٩٠

بهذا العنوان ، لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة ، كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الشيخ الاعظم في رسائله ذكر اشكالا في امكان رفع الجزئية او الشرطية واقعا في خصوص الناسي ، بان يرد دليل اجتهادي على تخصيص الناسي بالتكليف بما عدا المنسي ويكون مخصصا لما دل باطلاقه على ثبوت الجزئية والشرطية مطلقا حتى في الناسي ومحصل الاشكال ان ورود التخصيص في المقام لازمه تنويع التكليف الى نوعين ، لان بقاء التكليف الموجه الى المكلف بعنوان يشمل الناسي وغيره على حاله بعد ورود التخصص الدال على توجه التكليف لخصوص الناسي بما عدا المنسي لازمه توجه بعثين فعليين الى الناسي : احدهما بالعنوان الشامل للناسي وغيره ، وثانيهما التكليف الموجه اليه بعنوان الناسي ، وحيث لا يعقل ذلك لان لازمه توجه التكليف بالجزء المنسي وعدم توجه التكليف به ، فلا بد من الالتزام بان التكليف الشامل للناسي وغيره ـ بعد ورود التخصيص عليه بتكليف يختص بالناسي ـ لازمه تنويعه الى نوعين عنوان : الملتفت ، وعنوان الناسي. وتوجيه التكليف الى الناسي بعنوان الناسي محال ، لوضوح ان الغرض من التكليف هو جعل الداعي الى المخاطب ، ومن الواضح ايضا ان التكليف المتعلق بموضوع لا يكون فعليا الا بفعلية موضوعه والتفات المكلف الى ذلك الموضوع الذي هو موضوع التكليف ، فالتكليف المتوجه الى المكلف بعنوان الناسي اما ان لا يكون فعليا اصلا وهو محال من الحكيم ان ينشأ تكليفا لا يكون فعليا ابدا ، واما ان يكون فعليا ومعنى فعليته هو التفات المكلف الى كونه ناسيا ومع التفاته الى كونه ناسيا ينقلب نسيانه الى التذكر ، فيلزم من فعليته بعنوان كونه ناسيا عدم فعليته ، لفرض انقلاب النسيان بمجرد الالتفات الى كونه ناسيا الى التذكر الموجب لفعلية التكليف بعنوان الذاكر دون الناسي.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح : ان الناسي في حال نسيانه اما ان يكون تكليفه الواقعي هو الاتيان بتمام الاجزاء ، غايته انه يكون معذورا في حال نسيانه ، ولكنه بعد تذكره يلزمه الاتيان بتمام الاجزاء ، ولازمه عدم كونه مكلفا بما عدا الجزء المنسي ، واما ان يكون مكلفا في حال نسيانه بما عدا الجزء المنسي ولازمه المحال ، وهو ان تكليفه اما ان لا يكون فعليا ابدا ، ويلزم من فعليته عدم فعليته.

واما كون الناسي لا تكليف له اصلا لا بالتمام ولا بما عدا الجزء المنسي فهو مما قام الاجماع والضرورة على عدمه ، لبداهة كون الناسي في حال نسيانه مكلفا اما بالتمام ولازمه الاعادة بعد التذكر ، او بما عدا الجزء المنسي ـ لو امكن ـ ولازمه عدم الاعادة بعد التذكر .. وقد اجاب المصنف عن هذا الاشكال في المتن بوجهين :

الاول : ان يتوجه التكليف الذي يعم الذاكر والناسي بالاجزاء الثابتة مطلقا في حال الذكر وفي حال النسيان كالاجزاء الركنية ، وفي خصوص الاجزاء التي يشك في كونها جزءا مطلقا او جزءا في حال التذكر بالخصوص يرد الدليل فيها بعنوان الذاكر ، فالناسي في حال نسيانه لها يتوجه له التكليف بغير الاجزاء المنسية وهو الخطاب بالاجزاء الثابتة مطلقا وبالاجزاء الملتفت اليها ، واما الجزء الناسي له فلم يتوجه له خطاب به حتى يلزم المحال المذكور.

وبعبارة اخرى : ان الاشكال المذكور انما يرد حيث يكون الخطاب بتمام الاجزاء متوجها الى الناسي والذاكر ثم يرد التخصيص لخصوص الناسي بخطاب يخصه ، واما اذا كان الخطاب الشامل للذاكر والناسي قد اختص بخصوص الاجزاء الثابتة مطلقا ، وفي خصوص الملتفت قد ورد الخطاب بالاجزاء التي هي تكون اجزاء في حال التذكر فلا يرد الاشكال المذكور. والى هذا اشار بقوله : ((انه كما يمكن رفع الجزئية او الشرطية في هذا الحال)) وهو حال النسيان ((بمثل حديث الرفع)) الرافع لفعلية الحكم بالنسبة الى الجزئية المنسية او الشرطية المنسية ، ولا يرد الاشكال لعدم لزوم خطاب يخص الناسي ، بل الخطاب يعم الذاكر والناسي ولكن النسيان كان

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مانعا عن الفعلية بالنسبة الى الجزئية المنسية او الشرطية المنسية مع ثبوتهما واقعا ((كذلك يمكن)) الالتزام بالتخصيص وانه في حال النسيان لا جزئية ولا شرطية واقعا ولا مانع من ((تخصيصها بهذا الحال)) وهو حال النسيان ((بحسب دلالة الادلة الاجتهادية)) ولكنه لا بنحو ان يكون الخطاب الشامل للذاكر والناسي مشتملا على تمام الاجزاء ثم يرد التخصيص عليه بخطاب يخص الناسي بما عدا الجزء المنسي ، بل بنحو آخر وذلك ((كما اذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي)) ولكنه كان ((بالخالي عما شك في دخله مطلقا)) في حال النسيان والتذكر ، بأن كان الخطاب الشامل للذاكر والناسي هو في خصوص الاجزاء الثابتة مطلقا في حال الذكر والنسيان ، وبالنسبة الى الاجزاء المشكوكة في دخلها مطلقا يرد الدليل الآخر الدال على جزئيتها او شرطيتها في خصوص حال التذكر. والى هذا اشار بقوله : ((وقد دل دليل آخر على دخله في حق الذاكر)).

الوجه الثاني في الجواب عن الاشكال هو : انه انما يلزم الانقلاب فيما اذا توجه الخطاب بما عدا المنسي الى الناسي بعنوان الناسي ، لانه حينئذ يرد ان الخطاب لا يكون فعليا الا بالالتفات الى موضوعه ، وحيث كان موضوعه هو الناسي فالالتفات اليه موجب لئلا يكون ناسيا ، فيلزم من فعليته عدم فعليته ، فالخطاب بعنوان الناسي إما ان لا يكون فعليا او يلزم من فعليته عدم فعليته. هذا كله اذا كان الخطاب متوجها بعنوان الناسي ، واما اذا كان الخطاب متوجها الى الناسي بما عدا المنسي بعنوان يلازم كونه ناسيا فلا يكون الالتفات اليه موجبا للانقلاب ، كما لو وجه الخطاب بالخالي عن المنسي بعنوان كثرة رطوبة رأسه ، فان هذا عنوان عام يلازم الناسي ، لملازمة كثرة رطوبة الرأس للنسيان ، او ان المولى حال نسيان العبد يوجه اليه الخطاب باسمه بما عدا المنسي ، فيقول له يا فلان افعل كذا ويذكر الاجزاء ما عدا المنسي ، وعلى هذا ايضا لا يلزم الاشكال المذكور وهو واضح. والى هذا اشار بقوله : ((او وجه الى الناسي خطاب يخصه)) دون الملتفت ((بوجوب الخالي)) عن

١٩٣

الثالث : إنه ظهر ـ مما مر ـ حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب ـ مع عدم اعتباره في جزئيته ، وإلا لم يكن من زيادته بل من نقصانه (١) ـ وذلك لاندراجه في

______________________________________________________

الجزء المنسي ولم يكن ذلك بعنوان الناسي بل كان ((بعنوان آخر عام)) كمثل مر كثرت رطوبة رأسه ((او)) كان بعنوان ((خاص لا بعنوان الناسي)) كمثل ان يقول له يا فلان افعل كذا كما مر بيانه ولا يرد الاشكال المذكور لا بعنوان الناسي ((كي يلزم استحالة ايجاب ذلك عليه بهذا العنوان)) وهو عنوان الناسي لان فعلية هذا العنوان بالتفات المكلف الى كونه ناسيا وهي مستلزمة ((لخروجه عنه)) أي عن عنوان الناسي ((بتوجيه الخطاب اليه لا محالة كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وايجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي)) أي ان المتوهم توهم ان التخصيص مستلزم للتنويع في الخطاب : الى خطاب يكون بعنوان الذاكر وخطاب آخر يكون بعنوان الناسي ـ فيرد الاشكال المذكور ، وقد عرفت انه لا موجب للالتزام بان الخطاب الذي يخص الناسي لا بد ان يكون بعنوان الناسي ليرد الاشكال ، بل يمكن ان يكون بعنوان ملازم له اما عام او خاص ، إلّا انه لا بد وان يكون المخاطب الناسي غير ملتفت الى ملازمة العنوان العام او الخاص لعنوان الناسي ، وإلّا يعود المحذور.

(١) توضيحه : بحيث يتضح صحة كون الزيادة زيادة في الواجب المركب دون كونه زيادة في جزء الواجب المركب يتوقف على بيان اعتبارات الجزء.

فنقول : ان للجزء اعتبارات : الاول : ان يعتبر الجزء لا بشرط من حيث الوحدة والتعدد ، ومرجعه الى التخيير بين الاقل والاكثر كما في التسبيحات بناء على التخيير فيها بين الواحدة والثلاث ، ومثل هذا الاعتبار في الجزء لا يتحقق فيه الزيادة لا في نفس الجزء ولا في المركب.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان يعتبر الجزء لا بشرط لا من ناحية الوحدة والتعدّد ، بل من ناحية انه يلحظ الجزء لا مقترنا بلحوق مثله ولا مقترنا بعدم لحوق مثله ، فاذا لحق الجزء مثله لا يكون ذلك اللاحق دخيلا في جزئية السابق ولا يكون لحوقه مانعا عن تحقق جزئيته ، وعلى هذا فالجزء السابق به تتمّ الجزئية للمركب ، ولا يكون لهذا اللاحق دخالة في تحقق جزئية السابق اصلا ، فلا يكون لحوقه زيادة في جزئيته ولا نقصانا فيها.

واما بالنسبة الى نفس المركب فيمكن ان يكون عدم المثل للجزء جزءا من المركب او شرطا في المركب ، بمعنى كون وجوده مانعا عن ترتب الاثر على المركب وان كان في كون العدم جزءا اشكال من ناحية عدم معقولية كون العدم مما له التأثير في شيء ، وان المعقول هو كونه شرطا بمعنى عدم المانع ، لصحة كون الوجود مانعا عن التأثير ، فيكون عدمه بهذا اللحاظ شرطا في تأثير المركب اثره.

الثالث : لحاظ الجزء بشرط لا ، بمعنى اعتبار الجزء بما هو ملحوظ فيه عدم لحوقه بمثله ، فهو جزء من المركب بما هو ملحوظ بشرط عدم لحوق مثله به ، ومن الواضح ان لازم لحاظ الجزء كذلك هو انه اذا التحق به مثله يخرج عن كونه جزءا من المركب ، ولحوق الجزء بمثله في الملحوظ بشرط لا وان كان زيادة عرفا ـ لان الزيادة عند العرف هي تكرار الشيء ـ الّا انه مع فرض كون الجزء جزءا بما هو بشرط لا لا يكون لهذه الزيادة العرفية حكم بما هي زيادة ، بل الحكم فيها يكون من حيث كونها موجبة لخروج الجزء عن كونه جزءا ، وهو من النقصان بحسب ما له من الحكم الشرعي الذي هو عنوان الجزئية لا من الزيادة.

فاتضح مما ذكرنا : ان الزيادة في الجزء بما هي زيادة في الجزء لا مجال لها ، لان الجزء الملحوظ بالنحو الاول لا مجال فيه لتحقق الزيادة في نفس الجزء. والجزء الملحوظ باللحاظ الثاني لا يعقل تحقق الزيادة فيه بما هو جزء لتمامية جزئيته بالوجود الاول السابق ، وبعد تمامية جزئيته لا يعقل اعتبار عدم الزيادة الّا في المركب لا في

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس الجزء. والجزء الملحوظ بالنحو الثالث تكون من النقصان في الجزء لا من الزيادة في نفس الجزء.

وظهر مما ذكرنا : ان الزيادة الملحوظ عدمها بما هي زيادة تكون في المركب حيث يكون الجزء ملحوظا بالنحو الثاني ، وهو لحاظه بنحو اللابشرط القسمي بان يلحظ الجزء جزء من المركب لا مقترنا بلحوق مثله ولا مقترنا بعدم لحوق مثله ، وعلى هذا فتتمّ جزئية الجزء للمركب بأول وجود منه ، ولا يكون لحوق مثله به له دخل في عدم تمامية جزئية الجزء بالوجود الاول ، لوضوح انه بوجوده الاول يتمّ كل ما هو معتبر في جزئيته للمركب ، ولا مانع ان يكون عدم لحوقه بمثله معتبرا في المركب اما جزء بان يكون المركب مركبا من اجزاء وجودية واجزاء عدميّة ، فيما اذا تعقلنا امكان ان يكون العدم مؤثرا ، واذا لم يمكن كون العدم جزءا له الاثر فلا مانع من ان يكون العدم لحاظه في المركب بنحو الشرطية لتأثير المركب ، لكون الوجود الناقص لذلك العدم مانعا عن التأثير ، ومن الواضح كون عدم المانع من الشروط.

لا يقال : انه كما لا يمكن الزيادة بما هي زيادة في الجزء كذلك لا يمكن تعقّل الزيادة ـ بما هي زيادة ـ في المركب ايضا ، لان ذلك العدم المعتبر في المركب ان كان جزءا منه فهو وان كان زيادة عرفا إلّا انه لا حكم له بما هو زيادة ، بل الحكم فيه من حيث النقصان في المركب ، لعدم تمامية المركب بفقدانه لاحد اجزائه وهو العدم المفروض جزء منه.

وان كان العدم شرطا في المركب فهو ايضا من النقصان لا من الزيادة ، لان المركب التام هو مجموع المقتضي للتأثير والشرط للتأثير ، ووجود المانع يكون موجبا لنقصان المركب من حيث فقد شرطه ، والحال في الشرط كالحال في الجزء ، فلا يعقل تحقق الزيادة بما هي زيادة في المركب ايضا.

فانه يقال : ان الصحيح من اخذ العدم في المركب هو اخذه بنحو الشرطية ، لمعقولية كون عدم المانع من الشروط ، واما اعتباره بنحو الجزئية فغير معقول لعدم

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

امكان تأثير العدم اثرا وجوديا ، ولا يؤثر في الوجود الا الوجود ، واذا كان اخذ العدم في المركب بنحو الشرط وانه عدم المانع ، فوجود المانع هو الذي له التأثير في المانعية والمزاحمة ، فيكون للزيادة اثر شرعي وهي المانعية ، فلذلك صحّ ان يكون للجزء الزائد بما هو زيادة اثر شرعي لان المانع هو وجوده. وقد عرفت انه زيادة عرفا ولهذا الزائد اثر شرعي وهو المانعية ، فصحّ لذلك ان يكون الجزء اللاحق زيادة في المركب.

والحاصل : انه بوجود المانع يتحقق امران : عدم تحقق الشرط في المركب وهو عدم المانع ، وحصول المزاحمة المانعة عن التأثير. وبلحاظ عدم تحقق الشرط وان كان مرجعه الى النقصان إلّا انه بلحاظ تأثير وجود المانع في المزاحمة والمانعية كان هذا المانع وجودا زائدا في المركب.

لا يقال : انه بالنسبة الى الجزء حيث يكون ملحوظا بشرط لا ـ ايضا ـ في المركب الخالي كذلك.

فانه يقال : ان تأثير المانع بالنسبة الى الجزء الملحوظ بشرط لا هو انتفاء الجزئية وعدم صحة انتزاعها منه ، وليس هناك اثر للجزء غير هذا ، وانتفاء الجزئية من النقصان لا الزيادة.

فاذا عرفت هذا وهو صحة ان يكون الجزء زيادة في المركب دون الجزء .. نقول : اذا شككنا في كون زيادة الجزء هل اعتبر في المركب عدمها ام لا؟ فالمتعيّن فيه جريان البراءة لفرض الشك في اعتبار هذا العدم في المركب وعدم اعتباره ، فيكون من موارد الشك في الاقل والاكثر ، وقد عرفت جريان البراءة الشرعية فيه ولذا قال (قدس‌سره) : ((انه)) قد ((ظهر مما مرّ)) في الاقل والاكثر ((حال زيادة الجزء اذا شك في اعتبار عدمها)) أي في اعتبار عدم الزيادة في المركب الواجب ((شرطا او شطرا)) ولكنه قد عرفت ان الصحيح اعتبار عدم الزيادة بنحو ان يكون شرطا لا شطرا ((في الواجب)) واشار الى عدم معقولية الزيادة في الجزء نفسه بقوله : ((مع عدم اعتباره

١٩٧

الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا (١) ، فيصح لو أتى به مع

______________________________________________________

في جزئيته)) أي ان الجزء الملحوظ لا بشرط من حيث الزيادة لا تتحقق فيه الزيادة ، وكذلك الملحوظ لا بشرط من حيث اقترانه بالزيادة وعدم اقترانه بها ، فانه ايضا تتمّ جزئيته بالوجود الاول ولا تتحقق الزيادة فيه ، والملحوظ بشرط لا تكون الزيادة موجبة لنقصانه وعدم كونه جزءا من المركب. واليه اشار بقوله ((والّا)) أي وان لحظ اعتبار عدم الزيادة في الجزء : أي كان الجزء ملحوظا بشرط لا ((لم يكن)) لحوقه بمثله ((من زيادته بل)) يكون ((من نقصانه)) كما مرّ بيان ذلك مفصّلا.

(١) هذا تعليل لقوله انه ظهر مما مرّ ، وبيان ذلك : انه بعد ما عرفت ان اعتبار عدم الزيادة انما يكون في المركب لا في الجزء يظهر انه اذا شك في كون شيء من الاجزاء اعتبر عدم زيادته في المركب ، ام لم تعتبر زيادته فيه بان احتملنا كون الزيادة قادحة وقد اعتبر عدمها في المركب ، او انها غير قادحة ولم يعتبر عدمها في المركب ، وهو معنى الشك في اعتبار عدمها وعدم اعتباره ، ومرجع هذا الشك الى كون المركب هل هو مركب من الاجزاء الوجودية ومن اعتبار عدم لحوق احدها فيه ، او انه مركب من نفس الاجزاء من دون اعتبار عدم الزيادة فيكون من مصاديق الشك في الاقل والاكثر؟ وقد عرفت انه مجرى للبراءة الشرعية ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وذلك)) أي انه ظهر حكم الزيادة المشكوك اعتبار عدمها وعدم اعتباره في المركب مما ذكرناه في الاقل والاكثر ((لاندراجه)) انما ظهر حكمه لاندراجه ((في الشك في دخل شيء فيه)) أي في المركب اما ((جزءا او شرطا)) ولكن قد عرفت ان الصحيح احتمال اعتبار دخله شرطا لا شطرا او جزءا. وعلى كل فاذا رجع الى الشك في احتمال دخل شيء في المركب وعدم دخله فهو مجرى للبراءة الشرعية ، فلا مانع من اتيان هذا المشكوك باي نحو كان اتيانه بعد ان جرت البراءة ودلت على عدم فعليته لو كان عدمه معتبرا واقعا ولا مؤاخذة على اتيانه.

١٩٨

الزيادة (١) عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا ، وإن استقل العقل لو لا النقل بلزوم الاحتياط ، لقاعدة الاشتغال (٢).

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه بعد ما عرفت من قيام الاصل على عدم دخل الزيادة المشكوكة في المأمور به ، وان المامور به ببركة الاصل لم يؤخذ فيه عدم الزيادة فلا مانع من اتيان الزائد باي نحو كان اتيانه. اما اذا كان المأمور به توصليا فهو واضح ، لقيام فراغ الذمة في التوصلي باتيان ذات المأمور به باي نحو اتفق ، سواء لم يقصد به الامتثال او قصد الامتثال بنحو التشريع ، لان سقوط الامر في التوصلي يحصل باتيان ذات المأمور به والمفروض انه قد اتى به ، ولا دخل للقصد في سقوط الامر التوصلي.

واما اذا كان المأمور به عباديا فالاتيان بالزائد لا يضر بالعبادة من حيث كونه زيادة ، لتمامية العبادة بقصد اتيانها بداعي الامتثال ، وقصد اتيان الزائد فيها لا يضر بعد ان كانت واجدة لتمام ما اعتبر في امتثالها من الاتيان باجزائها وشرائطها كاملا وانضمام شيء زائد اليها. نعم في بعض الصور التي يأتي بيانها تكون باطلة من ناحية قصد الامر لا من ناحية ذات الزيادة.

(٢) ان صور الاتيان بالزيادة اذا كانت عن جهل ثلاث : الاتيان بالزيادة عن جهل قصورا ، كما اذا كان معتقدا للزوم الاتيان بها لاعتقاد كونها من العبادة وكان معذورا في اعتقاده. او عن جهل تقصيرا ، كما اذا كان معتقدا كذلك ولكنه لم يكن معذورا في اعتقاده لعدم فحصه مثلا. او كان عن نسيان وهو من الجهل ، لبداهة كون الناسي في حال نسيانه جاهلا. واما العمد فصورتان : العمد لا بقصد الامر ، والعمد بقصد الامر وهو العمد عن تشريع.

ولا يخفى انه اذا كان الامر توصليا لا يضر الاتيان بالزيادة في هذه الاقسام كلها كما عرفت لفرض كون المأمور به هو ما عدا الزيادة بواسطة الاصل النقلي وقد اتى به ، ولا نحتاج في سقوط الامر التوصلي الا الى اتيان المأمور به باي نحو كان ، وكذلك في الامر العبادي في غير الصورة التي يأتي الاشارة اليها بقوله : ((نعم)) وقد

١٩٩

نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك ، على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه ، لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه ، لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة (١) ، مع استقلال العقل بلزوم الاعادة

______________________________________________________

اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((فيصح لو اتى به)) أي بالمأمور به ((مع الزيادة عمدا)) من غير تشريع او عمدا ((تشريعا او جهلا قصورا او تقصيرا او سهوا)) كما عرفت واشار الى ان ذلك لجريان البراءة النقلية دون العقلية بقوله : ((وان استقل العقل لو لا النقل بلزوم الاحتياط)) بترك الزيادة ((لقاعدة الاشتغال)) لاحتمال تقيد المركب بعدم هذه الزيادة.

(١) لا يخفى ان فرض هذا التنبيه الثالث هو فرض الشك في اشتراط عدم الزيادة في الواجب المركب وعدم اشتراط عدم الزيادة فيه ، وفرض الكلام في قوله نعم لازمه احتمال كون وجود الزيادة دخيلا في المركب ، وهو غير مفروض الكلام في هذا التنبيه. وعلى كل فانّ الصورة المفروضة في كلامه (قدس‌سره) هو ما اذا كان المأمور به عباديا وكان المكلف قد اتى بالزائد بقصد كونه جزءا وكان بنحو لو لم يكن هذا الزائد جزءا لم يكن للمكلف قصد امتثاله. والى هذا اشار بقوله : ((نعم لو كان)) الماتي به ((عبادة واتى به كذلك)) أي قاصدا بالزائد الجزئية و ((على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو اليه وجوبه)) بان كان المكلف قاصدا امتثال هذه العبادة بما ان الزائد داخل فيها ، بحيث لو لم يكن هذا الزائد داخلا فيها لا يكون للمكلف قصد امتثالها.

والحاصل : ان المفروض في هذه الصورة امران : الاول : قصد كون الزائد جزءا من العبادة. الثاني : انه على نحو لو لم يكن هذا الزائد جزءا لما قصد المكلف الامتثال لهذه العبادة. وعلى هذا الفرض ان قلنا بانه يشترط في صحة العبادة قصد امتثال الامر الذي قامت عليه الحجة شرعا فلا بد من الالتزام ببطلان العبادة المأتي بها كذلك

٢٠٠