بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

التامة للبعث أو الزجر الفعلي ، مع ما هو من الاجمال والتردد والاحتمال ، فلا محيص عن تنجزه وصحة العقوبة على مخالفته ، وحينئذ لا محالة يكون ما دلّ بعمومه على الرفع أو الوضع أو السعة أو الاباحة مما يعمّ أطراف العلم مخصّصا عقلا ، لاجل مناقضتها معه (١).

______________________________________________________

المقام الاول : في الدوران بين المتباينين ، ويشمل ما اذا كان التكليف معلوما بماهيته تماما وكان الشك في مصداقه كالقسم الاول ، وما اذا لم يكن معلوما تماما ولكن كان جنسه معلوما وكان الشك في نوعه كالقسم الثاني.

والمقام الثاني : في الاقل والاكثر الارتباطيين.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان التباين ، تارة يكون من ناحية الفصليّة او النوعية وهي الوجوب والتحريم كما في القسم الثاني ، واخرى يكون التباين من ناحية الجزئية والفردية كما في القسم الاول ، ولذلك جعل المصنف التردّد أولا بين المتباينين والاقل والاكثر الارتباطيين ، ونبّه على دخول القسم الثاني في المتباينين فجعل البحث في مقامين ، ثم نبّه على دخول القسم الثاني وهو ما كان الشك في النوعية في المتباينين بقوله : ((لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما مطلقا ولو كانا فعل امر وترك آخر)).

(١) توضيحه ببيان امور : الاول : انه هل للاصول مجال في اطراف العلم الاجمالي ام لا؟ وقد مرّ الكلام في ذلك ، وان دعوى الشيخ الاعظم بلزوم المناقضة بين الصدر والذيل في دليل الاستصحاب لا وجه له ، لان المراد من اليقين في الذيل هو اليقين في الصدر ، فمع الغض عن منجّزية العلم الاجمالي لا مانع من جريان الاستصحاب في اطرافه ، لان الموضوع فيه هو اليقين السابق والشك اللاحق ، وهو متحقق في كل طرف بخصوصه من اطراف المعلوم بالاجمال.

الثاني : ان الاقوال في العلم الاجمالي خمسة :

ـ الاول : انه علّة تامة في لزوم الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ، وهو ما يظهر من المصنف هنا.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الثاني : انه مقتض بالنسبة اليهما معا ، وهو الذي ظهر من المصنف في مباحث القطع.

ـ الثالث : انه علّة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية ، واليه ذهب الشيخ الاعظم في رسائله ووافقه جماعة من المحققين.

ـ الرابع : انه علّة تامة بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ، وبالنسبة الى الموافقة القطعية لا علّة ولا مقتض ، ويحكى انه الظاهر من المحقق القمّي حيث قال بحرمة المخالفة القطعيّة وبوجود الدليل على البراءة في جميع اطراف المعلوم بالاجمال ، بحيث لو لا حرمة المخالفة القطعية لجاز ارتكاب الاطراف جميعا.

ـ الخامس : ما ينسب الى المجلسي من انه لا علة ولا مقتض بالنسبة الى كلا الامرين.

الثالث : انه قد مرّ من المصنف في المباحث المتقدّمة ان الفعلي على نحوين :

ـ الاول : هو الفعلي من جميع الجهات.

ـ الثاني : هو الفعلي لا من جميع الجهات. ومراده من الفعلي من جميع الجهات هو كون الحكم بالغا من الاهمية الى حدّ لا بد للمولى من ايصاله ولو يجعل الاحتياط ، والفعلي لا من جميع الجهات هو كونه بحيث لو علم به تفصيلا من باب الاتفاق لتنجّز ولم يكن بالغا حدّ الاهمية الى لزوم ايصاله بكل طريق.

الرابع : ان المعلوم بالتفصيل علم لا يشوبه جهل وشك ، فان العلم التفصيلي بان هذا الاناء نجس هو علم بالنجس وعلم بانه هو هذا بخصوصه فلا شك فيه ولا جهل ، والمعلوم بالاجمال هو علم يشوبه جهل وشك ، فان العلم بان النجس هو احد الإناءين هو علم بوجود النجس ، وعلم انه هو احد الإناءين ، لازمه الجهل بانه هو احدهما بالخصوص ، فبالنسبة الى كل واحد منهما بخصوصه لا علم بذلك بل هناك شك في انه هو هذا او هذا؟

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامس : ان جريان الاصول يتوقف على امرين :

ـ الاول : تحقق موضوع الاصل وهو الشك.

ـ الثاني : عدم المانع من اجتماع النقيضين او الضدين اما قطعا او احتمالا ، لما مرّ غير مرّة من ان احتمال المحال محال ، بل المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم ، فكما ان ما يستلزم القطع باجتماع النقيضين او الضدين محال وقوعه ، كذلك ما يستلزم منه احتمال اجتماع النقيضين او احتمال اجتماع الضدين محال ايضا.

ومنه ظهر : انه لا مجال للاصول في المعلوم بالتفصيل من الجهتين ، لعدم تحقق موضوع الاصول فيه ، لوضوح انه علم لا يشوبه شك ، فلا موضوع للاصول فيه المفروض تقومه بالشك ، ولوجود المانع ايضا لان حكم الاصل لو كان هو الاباحة او الطهارة للزم القطع باجتماع الضدين ، لمضادة الاباحة التي هي حكم الاصل مع الحرمة المعلومة بالتفصيل ، ومضادة الحكم بالطهارة ـ مثلا ـ للمعلوم تفصيلا نجاسته ، ولزوم اجتماع النقيضين ايضا ، لان لازم جريان الاصل هو عدم تنجّز الحكم الواقعي ، وفي المعلوم بالتفصيل لا شك في تنجّز الحكم الواقعي ، فجريان الاصل فيه لازمه كون الحكم الواقعي غير منجز ومنجز وهو اجتماع النقيضين بالقطع ، وفي مورد العلم الاجمالي الفعلي من ساير الجهات يلزم من جريان الاصل في كل طرف بخصوصه اجتماع الضدين واحتمال اجتماع النقيضين ، لوضوح انه بعد ان كان العلم الاجمالي بالغا حدّ الاهمية بحيث يكون منجزا ، فان جريان الاصل في كل طرف بخصوصه لازمه احتمال اجتماع الحكم المعلوم بالاجمال المنجّز مع الاباحة او الطهارة ، ولازمه احتمال ان لا يكون منجزا في ما يخصّ هذا الطرف وهو احتمال المناقضة ، اما المعلوم بالاجمال الذي لم يكن فعليا من كل جهة الذي قد عرفت انه هو الذي لو علم به تفصيلا لتنجّز ، ففي حال عدم العلم به تفصيلا لا يكون المعلوم بالاجمال منجزا ، وفي مثله لا مانع من جريان الاصول في اطرافه ، لعدم لزوم المضادة ولا المناقضة ، اذ المضادة والمناقضة انما هي بين الحكمين المنجّزين ، فحيث

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا تنجّز للعلم الاجمالي على الفرض فلا مانع من احتمال اجتماع حكم واقعي غير منجز مع حكم الاصل المنجّز ، وبمثل هذا جمع المصنف بين الحكم الظاهري والواقعي في مبحث الظن في اشكال لزوم اجتماع الحكم الواقعي والظاهري في جعل الامارة ، بناء على ان المجعول فيها هو الحكم على طبق مؤداها.

اذا عرفت هذه الامور ... فنقول : ان المفروض في المقام هو كون الاقوال الخمسة المذكورة في فرض كون العلم الاجمالي بالغا حدّ الاهمية بحيث كان منجزا على كل حال.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان المعلوم بالاجمال اذا كان فعليا من جميع الجهات كان منجزا ، ومعنى ذلك هو كونه علة تامة بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية والى حرمة المخالفة القطعية ، ولا مجرى للاصول في اطرافه للزوم احتمال اجتماع الضدين والنقيضين من جريانها ، وقد عرفت ان جريان الاصول كما لا بد من تحقق الموضوع فيها وهو الشك ، كذلك لا بد من القطع بعدم المانع ، والاصول وان كان موضوعها وهو الشك موجودا في الطرف ، إلّا ان المانع موجود وهو لزوم احتمال اجتماع النقيضين والضدين من جريانها فلا تجري لوجود المانع ، فلا بد فيما دل بعمومه ـ على جريانها في الاطراف لمعلوم بالاجمال كدليل الرفع ، وقوله عليه‌السلام : (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم) ، وقوله عليه‌السلام : (الناس في سعة ما لا يعلمون) ـ من التزام التخصيص فيه عقلا ، لما عرفت من عدم معقولية جريانها مع احتمال اجتماع الضدين والنقيضين.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((لا يخفى ان التكليف المعلوم بينهما)) أي بين المتباينين ((مطلقا ولو كانا)) أي ولو كان الحكمان المتباينان هو ((فعل امر وترك آخر)) بان كان المعلوم بالاجمال هو الحكم الالزامي الجامع بينهما ، فان المدار في جريان الاصول في اطرافه وعدم جريانها هو انه ((ان كان فعليا من جميع الجهات بان يكون)) بالغا حد الاهمية لايصاله ولو بالاحتياط ، وحينئذ يكون ((واجدا لما هو

٨٤

وإن لم يكن فعليا كذلك ، ولو كان بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله وصح العقاب على مخالفته (١) ، لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا

______________________________________________________

العلة التامة للبعث او الزجر الفعلي)) المنجز ((مع ما هو)) ما عليه ((من الاجمال والتردد والاحتمال)) بالنسبة الى انطباقه على كل طرف من اطرافه ، فان كل طرف من اطرافه يحتمل ان يكون هو المعلوم بالاجمال ، واذا فرض كون المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات ((فلا محيص عن تنجزه)) ولزوم الاحتياط فيه بلزوم موافقته ((وصحة العقوبة على مخالفته)) وكونه معلوما بالاجمال لا ينافي كونه فعليا من جميع الجهات ، فان ايصاله بعد ان كان ممكنا بالاحتياط فلا بد من تنجزه بلزوم الاحتياط ((وحينئذ لا محالة)) لا يكون مجال لجريان الاصول في اطرافه و ((يكون ما دل بعمومه على)) الجريان فيها مثل دليل ((الرفع او الوضع او السعة او الاباحة)) او الاستصحاب ((مما يعم)) بظاهره ((اطراف العلم)) الاجمالي ((مخصصا عقلا لاجل)) ما عرفت من احتمال ((مناقضتها معه)) أي احتمال مناقضة الاصول مع العلم الاجمالي ، وقد عرفت ان احتمال المحال كالقطع بالمحال لا بد وان يكون مقطوع العدم دائما.

(١) لما عرفت ان المدار في عدم جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي وجريانها فيها على كونه فعليا من جميع الجهات ، وعدم كونه فعليا من جميع الجهات ، بان يكون لو علم به من باب الاتفاق لتنجز ، فانه اذا كان فعليا من جميع الجهات كان علة تامة لوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ، ولا مجال لجريانها في اطرافه لاحتمال المناقضة والمضادة ، واذا لم يكن فعليا كذلك فلا يكون منجزا ، ولا مانع من اجتماع الواقعي غير المنجز مع الحكم الظاهري ، فلا مانع من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي ، لان اللازم في مثل هذا العلم الاجمالي المعلق تنجزه على العلم التفصيلي به ـ لو حصل من باب الاتفاق ـ هو كون وجوب امتثاله وموافقته وصحة العقاب على مخالفته منوطين بالعلم به تفصيلا ، والعلم الاجمالي به

٨٥

عن شمول أدلة البراءة الشرعية للاطراف (١).

______________________________________________________

بما هو علم اجمالي لا اثر له اصلا فلا تجب موافقته ولا تحرم مخالفته ما دام باقيا على اجماله ، فلا يلزم من جريان الاصول في اطرافه احتمال مضادة او مناقضة ، وقد عرفت ان موضوع الاصول موجود في اطراف العلم الاجمالي ، وانما المانع هو احتمال المضادة والمناقضة ، ولا مجال لاحتمال المضادة والمناقضة ايضا كما عرفت ، وسيأتي بيانه ايضا فلا مانع عن شمول ادلة الاصول لأطراف العلم الاجمالي في غير الفعلي من جميع الجهات ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وان لم يكن فعليا كذلك)) أي لم يكن فعليا من جميع الجهات ، وقد اشار الى المراد من غير الفعلي من جميع الجهات بقوله : ((ولو كان)) المعلوم بالاجمال بمثابة ((بحيث لو علم تفصيلا لوجب امتثاله)) ووجبت موافقته ((وصح العقاب على مخالفته)).

(١) توضيحه : انك قد عرفت ان الفعلي من جميع الجهات هو البالغ حد الاهمية ، بحيث يلزم ايصاله اما تفصيلا او بنحو جعل الاحتياط ، وما لم يكن فعليا كذلك فهو الذي لم يكن بالغا هذا الحد ، ومرجع هذا الى ان الفعلي من جميع الجهات هو البالغ مرتبة التنجز ، وغير البالغ مرتبة التنجز لا يكون فعليا من جميع الجهات ، وقد عرفت ان المضادة والمناقضة هي في مرتبة الفعلية البالغة حد التنجز ، اما الفعلي غير البالغ هذه المرتبة وكان بحيث لو علم به لتنجز فلا بعث منجز فيه ولا زجر كذلك فيه ايضا ، لوضوح ان المضادة انما تحصل بين الداعيين بالفعل ، وما لم يكن الحكم الفعلي داعيا بالفعل لا يكون مضادا لضده الداعي بالفعل.

ومنه يتضح عدم المانع العقلي من اجراء الاصول في اطراف المعلوم بالاجمال اذا لم يكن فعليا من جميع الجهات ، لتحقق موضوع الاصول وهو الشك وعدم المانع العقلي وهو احتمال المضادة ، لبداهة انه لو كان واقعا منطبقا على الطرف الذي جرى فيه الاصل لا يضاد ما يقتضيه الاصل ، لعدم حصول الدعوة منه بالفعل الى ضد ما يدعو له الاصل الجاري حتى يكون مضادا له.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واما عدم المانع الشرعي عن جريان الاصل ، فلان المانع عن جريان الاصل في اطراف العلم الاجمالي ـ المفروض كونه ليس بفعلي من جميع الجهات بعد تحقق موضوعه وهو الشك ـ امران :

ـ الاول : ما يمكن ان يدعى ان كلا من دليلي البراءة ـ كقوله : رفع ما لا يعلمون ، او الناس في سعة ما لا يعلمون ـ والحلية ـ كقوله : كل شيء لك حلال ـ له غاية لا بد من احرازها ، فان دليل البراءة وهو رفع ما لا يعلمون مقيد بانه لا رفع مع العلم ، فان المراد هو رفع ما لا يعلمون حتى يعلموا ، فاذا علموا فلا رفع ، وكذلك قوله الناس في سعة ما لا يعلمون انه لو علموا فلا سعة للناس بل يقعون في ضيق ما علموا ، وكذلك دليل الحلية فانه مصرح فيه بان الحلية حتى تعرف انه حرام ، فلا بد من احراز ان مجرى البراءة والحلية مما لا يحتمل كونه معلوما ، ومع العلم الاجمالي المردد بين الاطراف لا يحرز كون مجرى الاصل مما احرز فيه عدم كونه معلوما ، لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال على مجرى الاصل ، ومع احتمال انطباقه عليه يكون مجرى الاصل مما يحتمل انه هو المعلوم ، فلا يكون مما احرز انه لم يكن معلوما ، فلا مجرى للاصول في اطراف المعلوم بالاجمال من ناحية عدم احراز الغاية فيها وهو عدم العلم ، لا من حيث عدم تحقق موضوعها وهو الشك ، ولا من حيث المانع العقلي ، بل من حيث ظهور ادلة الاصول في ان مجراها لا بد وان يحرز فيه مما لا يعلم ، ومع احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على مجاريها لا يكون قد احرز انه مما لا يعلم.

والجواب عنه : ان الاحراز وعدم الاحراز انما هو في غير الصفات النفسية الوجدانية للنفس كالعلم والظن والشك ، وانما يصح بالنسبة الى عنوان الفعل نفسه ككونه خلا او خمرا ، او بالنسبة الى حكمه ككونه حراما او واجبا او نجسا او طاهرا ، اما بالنسبة الى العلم والظن والشك فلا مجال للاحراز فيها وعدم الاحراز ، بل هي اما موجودة في افق النفس أولا ، واما احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على الطرف

٨٧

ومن هنا انقدح أنه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي ، إلا أنه لا مجال للحكم الظاهري مع التفصيلي ، فإذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات ، لا محالة يصير فعليا معه من جميع الجهات ، وله مجال مع الاجمالي ، فيمكن أن لا يصير فعليا معه ، لامكان جعل الظاهري في أطرافه ، وإن كان فعليا من غير هذه الجهة (١) ،

______________________________________________________

فالمراد لا بد وان يكون هو احتمال انطباق ذات المعلوم لا بما هو معلوم ، لعدم معقولية اجتماع الاحتمال مع العلم ، فالغاية موجودة لفرض الشك ، ومع كون الطرف مشكوكا فهو لا بد وان لا يكون مما علم به او مما عرف انه حرام.

ـ الثاني : ما ذكره الشيخ من المناقضة بين الصدر والذيل في دليل الاستصحاب ، وقد مر الجواب عنه مرارا ، وان المراد من اليقين في الذيل هو اليقين في الصدر ، فلا ينقض اليقين التفصيلي الا بيقين تفصيلي.

فاتضح انه بعد فرض كون المعلوم بالاجمال ليس بفعلي من جميع الجهات وهو غير منجز فلا مانع من جريان ادلة الاصول في اطرافه ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لم يكن هناك مانع عقلا ولا شرعا عن شمول ادلة البراءة الشرعية للاطراف)) في مورد العلم الاجمالي الذي لا يكون متعلقه بفعلي من جميع الجهات.

(١) توضيحه : انه قد ظهر مما ذكرنا من انقسام العلم الاجمالي الى فعلي من جميع الجهات وغير فعلي من جميع الجهات ـ ان الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي المقسم لهذين القسمين ، هو ان العلم التفصيلي منحصر في امر واحد وهو كونه دائما يكون هو الفعلي من جميع الجهات المنجز بالفعل ، لبداهة ان المراد من غير الفعلي من جميع الجهات في قسمة العلم الاجمالي هو كونه بحيث لو علم به لتنجز ... فالعلم الاجمالي يكون منجزا اما بخروجه من الاجمالية الى التفصيلية ، او يجعل الاحتياط في مورده لبلوغ المصلحة في متعلقه حدا من الاهمية ، بحيث يلزم ايصالها ولو بالاحتياط ، فهو مما يمكن ان يكون فعليا من جميع الجهات وان لا يكون

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فعليا كذلك ، ولازم هذا الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي هو انه لا مجال للاصول مع العلم التفصيلي ، لانه مضافا الى عدم تحقق موضوعه فيه انه قد صار حتميا ومنجزا بالفعل ، فيلزم من جريان الاصل فيه القطع بالمضادة ، بخلاف العلم الاجمالي حيث كان موضوع الاصل متحققا في اطرافه ، وكان هو مما يمكن ان لا يكون بينه وبين الحكم الظاهري احتمال المضادة ، فكان العلم الاجمالي مما يمكن ان لا يكون فعليا منجزا ، فلا مانع من جعل الحكم الظاهري في اطرافه.

وقد عرفت ـ مما مر ايضا ـ ان الاهمية في العلم الاجمالي اذا احرزت كان ادلة الاصول مخصصة للمانع العقلي وهو احتمال المضادة ، واما اذا لم تحرز فلا مانع من شمول ادلة الاصول لاطرافه.

ومنه يظهر انه لأدلة الاصول اطلاق يشمل اطراف العلم الاجمالي ، فيستكشف من جريانها في الاطراف حيث لم تحرز الاهمية للمعلوم بالاجمال ان العلم الاجمالي لم يكن فعليا من جميع الجهات ، وإلّا لجعل الشارع الاحتياط في مورده ، فيكون جريانها كاشفا عن كونه ليس بفعلي من جميع الجهات ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((ومن هنا انقدح)) أي مما ذكرنا من كون العلم الاجمالي الذي ليس بفعلي من جميع الجهات الذي لا مانع عقلا ولا شرعا من جريان الاصول في اطرافه انقدح ((انه لا فرق بين العلم التفصيلي والاجمالي إلّا انه لا مجال للحكم الظاهري مع)) العلم ((التفصيلي فاذا كان الحكم الواقعي فعليا من سائر الجهات)) بالقدرة على امتثاله مثلا وعدم الحرجية فيه مثلا فانه ((لا محالة يصير فعليا معه)) أي مع العلم التفصيلي به ((من جميع الجهات)) لتمامية جميع شروط تنجزه ((و)) اتضح انه ((له مجال مع)) العلم ((الاجمالي)) لما عرفت من انه يمكن ان يكون فعليا من جميع الجهات ، ويمكن ان لا يكون فعليا من جميع الجهات ، وقد عرفت ايضا انه مع كونه ليس بفعلي من جميع الجهات فلا مانع من جريان الاصول في اطرافه وجعل الحكم الظاهري في مورده ، ويستكشف بجعل الحكم الظاهري في اطرافه انه ليس بفعلي من

٨٩

فافهم (١).

ثم إن الظاهر أنه لو فرض أن المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات لوجب عقلا موافقته مطلقا ولو كانت أطرافه غير محصورة ، وإنما التفاوت بين المحصورة وغيرها هو أن عدم الحصر ربما يلازم ما يمنع عن فعلية المعلوم ، مع كونه فعليا لولاه من سائر الجهات.

وبالجملة لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين المحصورة وغيرها ، في التنجز وعدمه ، فيما كان المعلوم إجمالا فعليا ، يبعث المولى نحوه فعلا أو يزجر عنه كذلك مع ما هو عليه من كثرة أطرافه.

والحاصل أن اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم ، ولو أوجب تفاوتا فإنما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر ، وعدمها مع عدمه ، فلا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم في الفعلية وعدمها بذلك ، وقد عرفت آنفا أنه لا تفاوت بين

______________________________________________________

جميع الجهات ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((فيمكن ان لا يصير)) العلم الاجمالي ((فعليا معه)) أي مع جعل الحكم الظاهري في اطرافه ، وجعل الحكم الظاهري في اطرافه ـ حيث لا يكون فعليا من جميع الجهات ـ ممكن ، واليه اشار بقوله : ((لامكان جعل الحكم الظاهري في اطرافه)) وحينئذ لا يكون فعليا من جميع الجهات ((وان كان فعليا من غير هذه الجهة)) أي جهة جعل الحكم الظاهري.

(١) يمكن ان يكون اشارة الى انه لا مانع بين كون العلم الاجمالي فعليا من جهة وغير فعلي من جهة اخرى ، لان الفعلية لا تساوق التنجز ، ومن الواضح ان بلوغ الحكم مرتبة التنجز يتوقف على جهات : كالقدرة ، وعدم الحرج وعدم الاضطرار الى الارتكاب ، وكونه واصلا اما تفصيلا او يجعل الاحتياط في مورده ، فكونه فعليا من جهة لا ينافي كونه غير فعلي من جهة اخرى.

٩٠

التفصيلي والاجمالي في ذلك ، ما لم يكن تفاوت في طرف المعلوم أيضا ، فتأمل تعرف (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه بعد ما عرفت من كون العلم الاجمالي ـ بما هو علم الاجمالي ـ لا يفترق عن التفصيلي في قابلية ان يكون منجزا وبالغا مرتبة العلم التفصيلي من حيث المنجزية والفعلية الحتمية ، فهو من حيث كونه علما اجماليا لا قصور فيه عن قابلية المنجزية المتحققة في العلم التفصيلي والفعلية الحتمية اصلا ... يظهر لك ان عدم تنجز العلم الاجمالي في بعض الموارد لا يكون من ناحية كونه علما اجماليا ، بل من ناحية المعلوم ، فان المعلوم ربما لا يكون بالغا حد الاهمية بحيث يجب ايصاله بالاحتياط ، ولذا جاز جعل الحكم الظاهري في مورده ، وربما يكون خارجا عن محل الابتلاء ، وربما يكون مضطرا الى ارتكاب اطرافه ، وربما يكون وجوب موافقته مستلزما للحرج ، وهذه الامور كلها ترجع الى ناحية المعلوم لا الى ناحية كونه علما اجماليا ، فان عدم كون العلم الاجمالي منجزا في هذه الموارد لا لانه علم اجمالي ، بل لان المعلوم تارة غير بالغ حد الاهمية ، واخرى لان المعلوم كان خارجا عن محل الابتلاء ، وثالثة لانه كان حرجيا ، ورابعة للاضطرار الى ارتكابه.

فاتضح مما ذكرنا : ان المعلوم بالاجمال اذا كان بالغا حد الاهمية ، ولم يكن خارجا عن محل الابتلاء ، ولم يكن مضطرا الى ارتكابه ، ولم يكن حرجيا ـ فلا بد وان يكون منجزا ، واذا كان منجزا فتجب موافقته القطعية وان كانت اطرافه كثيرة وغير محصورة ، لما عرفت من أن كونه علما اجماليا لا يفترق في قابليته للمنجزية عن العلم التفصيلي ، وكون اطرافه كثيرة وغير محصورة ليس بمانع من حيث كونه معلوما ، فلو كانت اطرافه كثيرة ، وكان بالغا حد الاهمية ، وكان غير خارج عن محل الابتلاء ، ولا حرج ولا اضطرار في لزوم الارتكاب ، فلا مانع من كونه منجزا وتجب موافقته وان كان اطرافه غير محصورة.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم الغالب في الاطراف غير المحصورة يكون بعضها خارجا عن محل الابتلاء ، او يلزم الحرج من تجنبها جميعا ، او يكون اضطرار الى ارتكاب بعضها ، فيكون عدم التنجز في هذه الموارد لا لكونها كثيرة وغير محصورة ، بل لاجل احد الامور المذكورة ، ولذا لو لم يكن احد الامور متحققا لما كان هناك مانع عن تنجز العلم الاجمالي وان كانت اطرافه كثيرة وغير محصورة.

فما اشتهر من ان العلم الاجمالي ان كانت اطرافه محصورة يجب الاحتياط في اطرافه ، وان كانت اطرافه غير محصورة فلا يجب الاحتياط فيه ، لا وجه له لما عرفت من ان كون الاطراف محصورة او غير محصورة ليس بمانع عن تنجزه ، ولعل السبب في هذه الشهرة هو ملازمة الاطراف غير المحصورة لاحد الموانع المذكورة ، لا لان عنوان حصر الاطراف وعدمه من جملة الموانع عن تنجز العلم الاجمالي.

وينبغي ان لا يخفى ان الموانع المذكورة عدا جعل الحكم الظاهري ، كما انها تكون في العلم الاجمالي تكون ايضا في العلم التفصيلي ، فان المعلوم بالتفصيل قد يكون خارجا عن محل الابتلاء فلا يكون الخطاب فيه منجزا ، وقد يكون حرجيا ، وقد يكون مضطرا الى ارتكابه فلا يمنع كونه معلوما بالتفصيل عن الترخيص فيه.

وعلى كل فقد ظهر مما ذكرنا امران :

الاول : ان نفس كثرة الاطراف وعدم حصرها ليس بمانع عن منجزية العلم.

الثاني : ان العلم الاجمالي بما هو علم اجمالي لا يفترق عن العلم التفصيلي في قابليته للتنجيز ، واذا كان غير منجز فلا بد ان يكون ذلك من ناحية المعلوم بالاجمال لا العلم الاجمالي.

وقد اشار الى الاول بقوله : ((ان الظاهر انه لو فرض ان المعلوم بالاجمال كان فعليا من جميع الجهات)) بان كان بالغا حد الاهمية بحيث يجب الاحتياط فيه ((لوجب عقلا موافقته)) بترك جميع اطرافه ((ولو كانت اطرافه غير محصورة)) وما اشتهر من ان الشبهة غير المحصورة الاطراف لا يجب الاحتياط فيها لا وجه له ((وانما

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التفاوت بين المحصورة وغيرها هو ان عدم الحصر ربما يلازم)) غالبا ((ما يمنع عن فعلية المعلوم)) ككونه خارجا عن محل الابتلاء ، ولذلك لا يكون العلم الاجمالي منجزا ((مع كونه فعليا لولاه)) أي لو لا ما يمنع في المعلوم من التنجز كخروجه عن محل الابتلاء مثلا لكان العلم الاجمالي منجزا لفرض كونه فعليا ((من سائر الجهات)) عدا هذه الجهة وهي خروجه عن محل الابتلاء.

والحاصل : ان عدم الحصر لا خصوصية فيه بعنوان كونه عدم الحصر في المنع عن تنجز العلم الاجمالي ولذا قال (قدس‌سره) : ((وبالجملة لا يكاد يرى العقل تفاوتا بين)) الشبهة ((المحصورة وغيرها)) وهي الشبهة غير المحصورة من حيث عنوان الحصر وعدمه في دخله ((في التنجز وعدمه فيما)) اذا ((كان المعلوم اجمالا)) بالغا حد الاهمية بحيث كان ((فعليا)) من جميع الجهات ((يبعث المولى نحوه فعلا او يزجر عنه كذلك)) أي فعلا ((مع ما هو عليه من كثرة اطرافه)).

واشار الى الامر الثاني وهو ان الاختلاف بين المعلوم بالاجمال والمعلوم بالتفصيل ليس من ناحية العلم ، بل من ناحية المعلوم ، فربما يكون المعلوم بالاجمال لغير المحصورة ليس بفعلي من ناحية ملازمته للخروج عن محل الابتلاء مثلا فلا يكون فعليا ، لا من جهة الفرق فيه من ناحية العلم بل هو من ناحية المعلوم بقوله : ((والحاصل ان اختلاف الاطراف في الحصر وعدمه لا يوجب تفاوتا في ناحية العلم)) لما عرفت من عدم الفرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي من ناحية كون الاول تفصيليا والثاني اجماليا في قابلية التنجز وعدمه ، فلا تفاوت بينهما من ناحية العلم ((ولو أوجب تفاوتا)) بينهما ((فانما هو في ناحية المعلوم في فعلية البعث أو الزجر مع الحصر وعدمها)) أي وعدم فعلية البعث والزجر ((مع عدمه)) أي مع عدم الحصر من ناحية كون غير المحصور كان ملازما لما يمنع عن الفعلية كالخروج عن محل الابتلاء ((ف)) اتضح انه ((لا يكاد يختلف العلم الاجمالي باختلاف الاطراف قلة وكثرة)) في كون القليل محصورا والكثير غير المحصور ((في التنجيز وعدمه ما لم يختلف المعلوم))

٩٣

وقد انقدح أنه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة مخالفتها ، ضرورة أن التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليا لوجب موافقته قطعا ، وإلا لم يحرم مخالفته كذلك أيضا (١).

______________________________________________________

من ناحية عدم مقارنته لما يمنع عن التنجز ومقارنته لذلك ((في الفعلية)) في غير المقارن لما يمنع ((وعدمها)) أي وعدم الفعلية في المقارن لما يمنع و ((بذلك)) يختلف العلم الاجمالي عن العلم التفصيلي ((و)) اما من ناحية العلم بما هو علم فانه ((قد عرفت آنفا انه لا تفاوت بين التفصيلي والاجمالي في ذلك)) أي في التنجز وعدمه ((ما لم يكن تفاوتا في طرف المعلوم ايضا)).

(١) يشير بهذا الى ما عن جماعة من ان العلم الاجمالي يختلف عن العلم التفصيلي في ناحية كونه علما اجماليا وتفصيليا ، وان العلم التفصيلي علة تامة في وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ، بخلاف العلم الاجمالي فانه علة تامة في حرمة المخالفة القطعية ، واما بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية فليس بعلة تامة ، بل هو مقتض بالنسبة اليها.

وحاصله : التفكيك بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية في العلم الاجمالي ، ولازمه عدم المانع من الترخيص في اطراف المعلوم بالاجمال بمقدار لا يلزم منه مخالفة قطعية.

وقد انقدح مما ذكرنا سابقا : انه لا وجه للتفكيك بينهما ، ووجه الانقداح ما عرفت من ان المعلوم بالاجمال اذا كان فعليا من جميع الجهات كان منجزا بالفعل ، ومع كونه منجزا بالفعل لا يعقل عدم تأثيره في وجوب الموافقة القطعية ، للزوم احتمال المضادة في الترخيص في احد اطراف المعلوم بالاجمال مع العلم الاجمالي المنجز فيما اذا كان منطبقا على ما رخص فيه ، واحتمال اجتماع الضدين كالقطع باجتماعهما محال فلا بد من القطع بعدمه ، لان المحال لا بد وان يكون مقطوع العدم ، واذا لم يكن المعلوم بالاجمال فعليا من جميع الجهات ، فكما لا تجب موافقته

٩٤

ومنه ظهر أنه لو لم يعلم فعلية التكليف مع العلم به إجمالا ، إما من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه ، أو من جهة الاضطرار إلى بعضها معينا أو مرددا ، أو من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه إجمالا في هذا

______________________________________________________

القطعية كذلك لا تحرم مخالفته القطعية كما مر بيانه مفصلا ، فالتفكيك بينهما من ناحية العلم نفسه لا وجه له بل هما متلازمان ، وانه كلما حرمت مخالفة العلم الاجمالي قطعا وجبت موافقته قطعا ، وكلما لم تجب موافقته قطعا لم تحرم مخالفته قطعا ، فلا وجه لهذا التفكيك ، فانه متى كان علة تامة في حرمة المخالفة كان علة تامة في وجوب الموافقة ايضا ، والى هذا اشار بقوله : ((وقد انقدح)) مما مر من كون المدار في العلم الاجمالي على كونه فعليا من جميع الجهات وعدم ذلك في التنجز وعدمه ومع تنجزه لا فرق في حرمة المخالفة ووجوب الموافقة القطعيتين وكذلك الحال في عدم الفرق بينهما في حال عدم تنجزه فظهر من هذا ((انه لا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية)) للعلم مع فرض كونه فعليا من جميع الجهات ((مع)) القول ب ((حرمة مخالفتها)) ولا يخفى ان ضمير مخالفتها يرجع الى القطعية : أي مع القول بحرمة المخالفة القطعية ، إلّا انه لا يخلو هذا التعبير من سماجة ومسامحة.

ثم اشار الى الوجه في كون هذا الاحتمال الذي هو التفكيك بينهما لا وجه له بقوله : ((ضرورة ان التكليف المعلوم اجمالا لو كان فعليا)) من جميع الجهات ((لوجب موافقته قطعا)) كما تحرم مخالفته قطعا ((وإلّا)) أي وان لم يكن فعليا من جميع الجهات ((لم يحرم مخالفته كذلك)) أي قطعا ، فلا وجه لهذا التفكيك لان فرض التفكيك في مقام فرض كونه فعليا من جميع الجهات.

وقد تبين انه اذا كان فعليا من جميع الجهات تجب موافقته القطعية كما تحرم مخالفته القطعية ، لما بينا من ان احتمال اجتماع المتضادين كالقطع باجتماعهما ، فلا فرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي بعد ان كان العلم الاجمالي فعليا من جميع الجهات.

٩٥

الشهر ، كأيام حيض المستحاضة مثلا ، لما وجب موافقته بل جاز مخالفته (١) ، وأنه لو علم فعليته ولو كان بين أطراف تدريجية ، لكان منجزا ووجب موافقته.

______________________________________________________

(١) الموارد الثلاثة التي ذكرها ، وهي خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء ، والاضطرار الى ارتكاب بعض الاطراف معينا او مرددا ، او تعلق العلم الاجمالي بموضوع مردد يقطع بتحققه اما في ما مضى او في الحال او فيما يأتي في ضمن شهر واحد مثلا ، كما في الزوجة المستمرة الدم في شهر واحد او اكثر ، فانه يعلم ان بعض الدم حيض ، ولكنه مردد بين ان يكون في ايام الشهر المتقدمة او في هذه الايام الحاضرة او في الايام المستقبلة ، مثلا اذا كانت المرأة في العشرة الثانية من الشهر فيعلم اجمالا أن حيضها اما العشرة السابقة او هذه العشرة او العشرة الاخيرة من الشهر ، ولا يخفى ان هذه الثلاثة تشترك في امر واحد وهو فقدان الشرط لتنجز العلم الاجمالي ، فانه يشترط فيه ان يكون منجزا على كل تقدير من اطرافه ، وفي الخروج عن محل الابتلاء لا يكون منجزا في الطرف الخارج عن محل الابتلاء ، في الاضطرار الى ارتكاب الطرف المعين أو المردد لا يكون ايضا منجزا في الطرف الذي يضطر الى ارتكابه ، وفي المردد بين ايام الشهر ايضا لا يكون منجزا فعلا في الطرف الماضي او المستقبل ، وحيث انه سيبحث في الشبهات الآتية عن الاولين وهما الخروج عن الابتلاء ومورد الاضطرار ، فينبغي التكلم فعلا في المردد بين الماضي والحال والمستقبل.

وقد ظهر مما مر ايضا : ان العلم الاجمالي اذا لم يكن فعليا من جميع الجهات كما في هذه الموارد الثلاثة ، فكما لا تجب موافقته القطعية لا تحرم مخالفته القطعية ، والى هذا اشار بقوله : ((ومنه ظهر انه لو لم يعلم فعلية التكليف)) من جميع الجهات فيما علم ((اجمالا)) من حيث الموارد الثلاثة المشار اليها بقوله : ((اما من جهة عدم الابتلاء ببعض اطرافه)) أي اطراف المعلوم بالاجمال ((او من جهة الاضطرار الى

٩٦

فإن التدرج لا يمنع عن الفعلية ، ضرورة أنه كما يصح التكليف بأمر حالي كذلك يصح بأمر استقبالي ، كالحج في الموسم للمستطيع (١) ، فافهم.

______________________________________________________

بعضها)) أي بعض الاطراف اما ((معينا او مرددا او من جهة تعلقه بموضوع يقطع بتحققه اجمالا في هذا الشهر كايام حيض المستحاضة مثلا)) المستمرة الدم وهو مردد بين ما مضى من ايام الشهر وبين الايام الحالية وبين الايام المستقبلة ، فانه في هذه الموارد الثلاثة لما لم يكن منجزا وفعليا من جميع الجهات فلا تجب موافقته ولا تحرم مخالفته ، ولذا قال : ((لما وجب موافقته بل جاز مخالفته)) القطعية.

(١) توضيحه يتوقف على بيان امرين :

الاول : ان المراد من التدريجي وغير التدريجي ليس ما لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد وما يمكن اجتماعهما في زمان واحد ، فان من علم بان احدى زوجتيه حائض يجب موافقة هذا العلم الاجمالي بترك وطيهما معا وان كان وطؤهما معا في آن واحد محالا ، وكذلك من علم بنجاسة احد الإناءين فانه يحرم عليه شربهما معا وان كان شربهما معا في آن واحد لا يمكن غالبا ، بل المراد من التدريجية هو ان احدهما بخصوصه لا يمكن ان يقع الا في المستقبل ، والمراد من غير التدريجي هو ما يمكن ان يقع كل منهما في حد ذاته في الحال ، فان شرب كل واحد من الإناءين يمكن ان يقع في الحال في حد ذاته ، وكذلك وطء كل من الزوجتين فانه ايضا يمكن ان يقع كل واحد من وطء كل منهما في الحال ، فهما من غير التدريجي وان لم يمكن اجتماعهما في زمان واحد معا ، وهذا بخلاف وطء الحائض التي يكون حيضها في آخر الشهر فانه لا يمكن ان يكون وطؤها محرما الا في آخر الشهر.

الثاني : عدم فعلية الخطاب المتعلق بالمستقبل : تارة يكون لعدم فعلية موضوعه ، وهو الحيض مثلا ، فان الموضوع لحرمة وطء الزوجة هو الحيض ، فحيث لا تكون حائضا لا تكون حرمة الوطء فعلية ، واما نفس الزمان فلا مدخلية له في الحرمة وهو واضح ، فعدم فعلية الخطاب المتعلق بالحيض الذي يكون في آخر الشهر لعدم

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الحيض ، لا لان زمانه مستقبل وليس بفعلي ، ولذا لو حلف على ترك وطء زوجته غدا بناء على صحة المعلق ، فان الخطاب بحرمة وطء الزوجة المحلوف على ترك وطيها غدا فعلي ، وان كان ظرف الوطء مستقبلا.

واخرى يكون الزمان شرطا للوجوب كما في الوقت بالنسبة الى الصلاة ، فان عدم الفعلية فيه لانتفاء الشرط فعلا وهو الزمان ، واما اذا كان الزمان شرطا للواجب كالحج بناء على الواجب المعلق فالتكليف فعلي فيه.

اذا عرفت هذا ... فنقول : ان حرمة وطء الزوجة المستمرة الدم المعلوم اجمالا تحقق الحيض في ضمن الشهر الواحد انما لا يكون بفعلي لعدم احراز موضوعه وهو الحيض ، اما ناحية كون ظرفه مستقبلا فلا يمنع عن الخطاب الفعلي ، لما مر في الواجب المعلق من صحة تعلق الخطاب بامر استقبالي كما يصح تعلقه بامر حالي ، وان الخطاب بالحج للمستطيع هو فعلي في وقت تحقق الاستطاعة وان كان ظرف اداء مناسك الحج في المستقبل ، فالمسوغ لوطء الحائض المذكورة المردد امر حيضها بين الحال والاستقبال او بين الماضي والحال والاستقبال هو عدم فعلية الموضوع لحرمة الوطء وهو الحيض ، لا لان ظرف الحيض امر استقبالي ، ويشهد لعدم مدخلية الاستقبال نفسه هو انه لو علم اجمالا بحلفه على ترك وطء زوجته ، وتردد بين كونه قد حلف على ترك وطيها اليوم او غدا ، فانه لا اشكال في لزوم موافقته القطعية بترك وطيها اليوم وغدا ، فكون زمان الخطاب مرددا بين كونه حالا أو استقبالا لا يمنع عن فعلية الخطاب وانما المانع في مسألة الحائض هو عدم تحقق الموضوع ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((وانه لو علم فعليته)) أي لو علم فعلية الخطاب ((ولو كان بين اطراف تدريجية)) كما في المثال المذكور ، فان من علم بالحلف على ترك وطء زوجته وتردد بين كونه قد حلف على ترك وطيها اليوم او غدا ((لكان)) الخطاب بترك وطيها ((منجزا)) وان تردد بين زمان حالي وزمان استقبالي ((ووجب)) عليه ((موافقته فان)) نفس ((التدرج)) في الزمان ((لا يمنع عن الفعلية ضرورة انه كما يصح

٩٨

تنبيهات

الاول : إن الاضطرار كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معيّن ، كذلك يكون مانعا لو كان إلى غير معيّن (١) ،

______________________________________________________

التكليف بامر حالي كذلك يصح)) التكليف المتعلق ((بامر استقبالي كالحج في الموسم للمستطيع)) فان الخطاب بالحج يكون فعليا وان كان متعلقه امرا استقباليا كما مرّ تحقيق ذلك في الواجب المعلّق.

(١) توضيحه : ان الاضطرار اما ان يكون الى معين او الى غير معين.

والاول : كما اذا علم بغصبيّة احد الإناءين كان احدهما ماء والآخر خلا فاضطر الى شرب الماء.

والثاني : كما اذا كان الاناءان ـ المعلوم غصبية احدهما او نجاسته ـ ماء بان علم ان احد هذين الماءين في الإناءين نجس او مغصوب ، فاضطر الى شرب احدهما ، وعلى كلّ من الفرضين فاما ان يكون الاضطرار سابقا على العلم الاجمالي ، أو يكون مقارنا له ، او متأخرا عنه ، وحيث لا فرق بين المقارنة والسبق فالتقسيم يكون باعتبار تأخر الاضطرار عن العلم تارة ، وعدم تأخره عنه اخرى ... فالاقسام اربعة :

ـ الاول : الاضطرار الى المعيّن قبل العلم.

ـ الثاني الاضطرار الى المعيّن بعد العلم.

ـ الثالث : الاضطرار الى غير المعيّن قبل العلم.

ـ الرابع : الاضطرار الى غير المعيّن بعد العلم.

ثم لا يخفى ان الاقوال في المسألة ثلاثة :

الاول : مختار المصنف في المتن وهو عدم تنجز العلم الاجمالي في الاقسام الاربعة كلها بواسطة الاضطرار ، فلا فرق بين ان يكون الاضطرار قبل العلم او بعده وسواء كان الى معيّن او غير معيّن.

٩٩

ضرورة أنه مطلقا موجب لجواز ارتكاب أحد الاطراف أو تركه ، تعيينا أو تخييرا ، وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلا ، وكذلك لا فرق بين أن يكون الاضطرار كذلك سابقا على حدوث العلم أو لاحقا (١) ، وذلك لان التكليف المعلوم بينها من أول الامر كان محدودا

______________________________________________________

الثاني : ما يظهر من حاشيته في المقام في هامش الكتاب (١) : وهو ان الاضطرار الى غير المعين سواء كان قبل العلم او بعده يمنع عن التنجز ، واما الاضطرار الى المعيّن فان كان قبل العلم منع عن التنجز وان كان بعد العلم لا يمنع عن التنجز.

الثالث : ما يظهر من الشيخ الاعظم وهو ان الاضطرار انما يمنع عن تنجز التكليف المعلوم بالاجمال في خصوص ما اذا كان الى معين وكان سابقا على العلم ، اما الاضطرار الى المعيّن المتأخر عن العلم فلا يكون مانعا عن التنجز ، ومثله ما اذا كان الاضطرار الى غير المعين سواء كان سابقا على العلم او متأخرا عنه فانه لا يمنع عن التنجز.

وقد اشار الى مختاره في المتن بقوله : ((كما يكون مانعا عن العلم بفعلية التكليف لو كان الى واحد معين كذلك يكون مانعا لو كان الى غير معيّن)) وفي ذيل هذه العبارة اشار الى عدم الفرق بين سبق الاضطرار على العلم وبين تأخره عن العلم بقوله : ((وكذلك لا فرق بين ان يكون الاضطرار كذلك)) أي الى المعيّن او غير المعيّن ((سابقا على حدوث العلم)) الاجمالي ((او لاحقا له)).

(١) يشير بهذا الى السبب في عدم الفرق بين الاضطرار الى المعيّن والى غير المعيّن ، وسيأتي الاشارة الى السبب في عدم الفرق بين سبق الاضطرار عن العلم وتأخره بقوله : ((وذلك)).

وتوضيح الحال في عدم الفرق بين الاضطرار الى المعيّن والى غير المعيّن : هو ان الترخيص في المعيّن تعييني وفي غير المعين تخييري ، ولازم الترخيص سواء كان تعيينا او تخييرا هو عدم العقاب على الحرام لو صادف كونه هو الطرف المعيّن في المعين

١٠٠