بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتضح ان قوله : ((في الجملة)) لبيان ان الاخبار الثلاثة لو تمت دلالتها لكانت دالة على الاتيان بالباقي عند العجز في الجملة لا مطلقا ..

الأول : من الاخبار قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم) وكيفية الاستدلال به ان قوله اذا امرتكم يدل على الامر الوجوبي اما لان مادة الامر تدل على الوجوب ، او في خصوص المقام بقرينة قوله ذلك بعد ان خطب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان الله كتب عليكم الحج ، ثم بعد ان سأله عكاشة او سراقة عن انه مرة او متكرر في كل عام؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا امرتكم .. الخ ، فقرينة المقام تدلّ على ان المراد من الامر هو الامر الوجوبي ، ثم ان المراد من الشيء هو الواحد اما واحدا جنسيا او نوعيا او صنفيا ، ويكون المراد منه هو المركب ، ولا بد وان يكون المراد منه هو المركب بقرينة قوله منه ، لان (من) اما ان تكون بمعنى الباء وهو بعيد لندرة استعمال (من) بمعنى الباء ، فانه لم يرد في القرآن الكريم استعمالها بمعنى الباء ، نعم في قوله تعالى : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ)(١) ادعى يونس انها بمعنى الباء : أي ينظرون اليك بطرف خفي ، وانكر عليه القوم غيره ، وقالوا : انها في الآية بمعنى الابتداء ، والمعنى انهم ينظرون اليك مبتدءين من الخفاء في مقام النظر ، واذا لم تكن (من) بمعنى الباء فلا بد اما ان تكون بيانيّة كما وردت في قوله تعالى : (أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)(٢) فان المراد أن الاساور هي الذهب لا ان الاساور من بعض الذهب. او تكون تبعيضيّة كما في قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ)(٣) وفي قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)(٤).

__________________

(١) الشورى : الآية ٤٥.

(٢) الكهف : الآية ٣١.

(٣) البقرة : الآية ٢٥٣.

(٤) الاحزاب : الآية ٢٣.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحيث كان حملها على البيانية بعيدا ايضا ، لان مورد السؤال والجواب من حيث توهّم لزوم التكرار والجواب بقوله فاتوا منه ما استطعتم لعدم التكرار مما يأبى حملها على البيانية ، مضافا الى ان البيان ينبغي ان يكون بالاوضح والضمير مبهم لا يصح ان يكون بيانا ، فيتعين ان تكون (من) للتبعيض ، واذا كانت (من) للتبعيض تعيّن ان يكون المراد من الشيء هو المركب دون العام والكلي ، لان مصداق العام ومصداق الكلي ليس بعضا منهما ، بل مصداقهما هو عينهما ، فان فرد العام هو العام لا بعضه ومصداق الكلي هو الكلي لا بعضه ، لوضوح انه اذا كان المأمور به العام على نحو البدل فحيث انه يحصل امتثاله بمحض وجود الطبيعة فلا يتصور فيه العجز عن فرد والقدرة على فرد آخر ، بل العجز عنه هو العجز عن الطبيعة باسرها ، ولا يتأتى فيه العجز عن بعض فرد المطلوب والقدرة على الفرد الآخر ، هذا مضافا الى ان العام البدلي كلّ فرد من افراده الخاصة وان كان هو العام مع الخصوصية ، الّا ان المطلوب هو العام ، والامتثال بالفرد انما هو لاجل ما في ضمنه من العام ، واما خصوصيات الافراد فهي غير مطلوبة قطعا.

واما العام الاستغراقي فانه حيث ينحلّ الى مطلوبات متعددة فكل فرد هو مطلوب غير المطلوب الآخر ، فلا يكون المأتى به بعضا من مطلوب واحد.

مضافا الى ان المراد بالجواب في مورد الرواية ليس العام الاستغراقي ، فينحصر التبعيض في كون المراد من الشيء هو المركب ، وحينئذ يتم المطلوب ، لان المراد من الرواية على هذا هو انه اذا امرتكم بمركب فاتوا منه ما تستطيعونه.

ثم لا يخفى ان (ما) وان كانت تأتي بمعنى الذي ، وموصوفة ، ومصدرية ، الّا انه اذا تعيّن ارادة التبعيض من (منه) وان المطلوب هو المركب ينتفي احتمال كونها مصدرية ، لان المناسب للتبعيض هو اما كونها بمعنى الذي : أي فاتوا منه الذي تستطيعونه ، او موصوفة : أي فاتوا منه ما هو المستطاع.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب عنه اولا : ان كلمة (من) وان كانت للتبعيض إلّا انها ليست موضوعة للتبعيض بعنوانه : أي ليست موضوعة لمفهوم التبعيض بحيث يكون لفظ التبعيض ولفظ (من) من المترادفات ، بل هي موضوعة لمجرد اقتطاع مدخولها عن متعلقه ، وهذا المعنى يلائم كون المتعلق كليا ومن لاقتطاع بعض افراده عنه : أي ان (من) تدل على اقتطاع مدخولها الذي هو الفرد غير المستطاع من الكلي الشامل للمستطاع وغير المستطاع ، فيكون المراد من الرواية انه اذا امرتكم بشيء الذي هو الكلي الشامل للمستطاع وغير المستطاع فاتوا منه الفرد المستطاع.

والحاصل : ان لفظ (من) موضوعة للاقتطاع من المتعلق الشامل لاقتطاع الاجزاء والافراد ، وهي وان كان يصح ان يراد منها التبعيض في المركب ، ويصح ان يراد منها الاقتطاع من الكلي ، ولكن بملاحظة المورد يكون المراد منها الاقتطاع من حيث الافراد لا الاجزاء.

وثانيا : لو سلّمنا انها موضوعة لخصوص التبعيض في الاجزاء ، إلّا ان المراد منها هنا هو التبعيض في الافراد ، بملاحظة مورد الرواية وذلك لما خطب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال كتب عليكم الحج سأله السائل ان الحج قد كتب علينا في كل عام ، فأجابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ان اعرض عن جوابه ثلاث مرات والسائل يكرر السؤال ، فأنّبه ـ اولا ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما حاصله : انه لو قلت في كل عام لكان يجب عليكم في كل عام وانتم لا تستطيعون ذلك ، والمراد من عدم استطاعتهم انهم يصعب عليهم الاتيان بالحج في كل عام ، فيلزمه عادة ان لا يمتثلوا ، واذا لم يمتثلوا للحج يكفرون .. الى آخر ما اشتملت عليه الرواية من التأنيب ، ثم قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذا امرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ، ومن الواضح ان مورد الرواية ـ سؤالا وجوابا ـ هو الكلي ذو الافراد ، لان السائل قد سأل عن لزوم تكرير الحج وعدمه ، وجواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه اذا امرتكم بشيء بذلك الكلي فاتوا منه : أي فاتوا من افراده ما استطعتم.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد اشار المصنف (قدس‌سره) الى ان الاستدلال بهذه الرواية متوقف على ان يكون المراد من (من) التبعيض ، فانها لو كانت بمعنى الباء فلا دلالة لها لما عرفت من ان المتحصّل منها حينئذ انه اذا امرتكم بشيء فاتوا به ما استطعتم ، فانها تكون مساوقة للقدرة على المركب كلّه : أي يكون المراد منها اذا كانت بمعنى الباء انه ان استطعتم اتيانه فاتوا به ، وان لم تستطيعوا اتيانه فلا يجب عليكم الاتيان ، وحيث ان المفروض العجز عن بعض اجزاء المركب والمركب ينتفي بانتفاء بعضه ، فتكون دالة على عدم وجوب الاتيان بالمركب الذي يعجز عن بعض اجزائه ، فتكون على خلاف المطلوب ادلّ. ولو كانت بيانيّة لكان المراد منها ـ ايضا ـ انه اذا امرتكم بشيء فأتوه ما استطعتم ولا وجه لهذين المضمونين في الدلالة على التبعيض في الاجزاء ، فان المتحصّل منه كالمتحصّل منها بمعنى الباء ، فاذا كانت (من) بمعنى الباء او بيانيّة فلا دلالة لها على التبعيض في الاجزاء ان لم تكن على خلافه ادل بقوله : ((ودلالة الأول)) أي دلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا امرتكم .. الخ على الاتيان بالباقي عند العجز ((مبنية على كون كلمة من تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء)) لما عرفت من عدم وجه لدلالتها على ذلك حيث تكون (من) بمعنى الباء او بيانيه. وقد اشار الى الجواب الأول بقوله : ((وظهورها)) أي وظهور (من) ((في التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى)) لما عرفت من ندرة ورودها بمعنى الباء ، بل انكره غير يونس ، ولا وجه لكونها بيانية لان مدخولها الضمير وهو مبهم ، ولا وجه لان يكون المبهم بيانا إلّا ان كونها للتبعيض لا يقتضي دلالتها على المطلوب ، لان التبعيض كما يكون في الاجزاء يكون في الافراد ايضا ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((إلّا ان كونه)) أي التبعيض ((بحسب الاجزاء غير واضح)) لعدم اختصاصها بالتبعيض في الاجزاء ، بل هناك مجال ((لاحتمال ان يكون)) التبعيض ((بلحاظ الافراد)). واشار الى الجواب الثاني بقوله : ((ولو سلّم)) أي لو سلّمنا ان (من) موضوعة للتبعيض في الاجزاء ((فلا محيص عن انه)) يراد بها ((هاهنا)) التبعيض ((بهذا اللحاظ يراد)) أي بلحاظ الافراد لا الاجزاء

٢٢٤

انه خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان الله كتب عليكم الحج فقام عكاشة ويروى سراقة بن مالك فقال : في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى أعاد مرتين او ثلاثا ، فقال : ويحك وما يؤمنك ان اقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم ، وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم الى انبيائهم ، فاذا امرتكم بشيء

______________________________________________________

للقرينة القائمة في المقام على ارادة التبعيض من حيث الافراد ، وذلك ((حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج .. الى آخر كلامه)) ومن الواضح دلالة مساق الرواية على التبعيض في الافراد دون الاجزاء.

وما تقدم في استدلال المدعي بانه لا معنى للتبعيض في الافراد لان كل فرد مطلوب غير المطلوب الآخر فلا تبعيض .. فالجواب عنه : ان المراد من الوحدة التي بلحاظها التبعيض هو الوحدة في مقام الطلب ، ولا اشكال ان الطلب المتعلق بالكلي متعلق بواحد في مقام الطلب وان انحلّ عقلا الى اوامر متعددة ، وبلحاظ هذه الوحدة في مقام الطلب يصح الاقتطاع والتبعيض. هذان الجوابان بناء على كون (من) في المقام للتبعيض. إلّا انه يمكن ان يقال ان قرينة المقام تقتضي كون (من) بيانية وكون مدخولها الضمير وهو مبهم لا يصلح للبيان .. مدفوع بانه انما لا يصلح للبيانية حيث يكون المبيّن امرا مبهما ، واما اذا كان امرا معلوما كمتعلق الامر وان الامر باتيان المستطاع دون غيره من باب المنّة ، اما بان يكون المراد من غير المستطاع ما فيه شدة وحرج ، او يكون من باب المنّة وعدم وجوب رفع عدم القدرة والاستطاعة ، او يكون ارشادا الى حكم العقل. وعلى كل فقرينة المقام تقتضي عدم التكرار ، واذا كان المراد هو التبعيض فاللازم التكرار في الفرد المستطاع وهو خلاف الظاهر من مساق كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيتعيّن ان تكون (من) بيانية ويكون المتحصّل من الرواية : انه اذا امرتكم بشيء فاتوا ذلك الشيء حيث تستطيعون ، وحيث لا تستطيعون فلا يجب عليكم الاتيان. والله العالم.

٢٢٥

فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.

ومن ذلك ظهر الاشكال في دلالة الثاني أيضا ، حيث لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الاجزاء بمعسورها ، لاحتمال إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها.

هذا مضافا إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما ، لعدم اختصاصه بالواجب ، ولا مجال معه لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم (١) ، إلا أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان

______________________________________________________

(١) الثاني هو الخبر المروي عن علي امير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) (١) وتوضيحه : ان دلالته على لزوم الاتيان بالباقي من اجزاء المركب بعد العجز عن بعض اجزائه الأخر متوقفة على امرين : الأول : ان يكون المراد من الميسور هو الميسور من اجزاء المركب لا خصوص الميسور من افراد العام : بمعنى ان يكون الميسور اما شاملا لكلا الامرين فيكون دالا على وجوب الاتيان بالباقي من اجزاء المركب وبالباقي من افراد العام ، او يكون ظاهرا في خصوص الميسور من اجزاء المركب. اما لو كان ظاهرا في خصوص الميسور من افراد العام او يكون مجملا لا ظهور له في خصوص ميسور اجزاء المركب ولا في ما يعمها لما صحّ الاستدلال به على المطلوب في المقام من عدم سقوط الحكم في الباقي من اجزاء المركب الواجب عند العجز عن بعض اجزائه. ومن هذا يتبيّن المراد من قوله (قدس‌سره) ومن ذلك ظهر الاشكال : أي انه من الاشكال على الرواية السابقة في انها انما تدل على المطلوب حيث تكون (من) ظاهرة في التبعيض من الاجزاء او في التبعيض الشامل لها وللافراد من العام ، اما لو كانت مختصّة بخصوص التبعيض في

__________________

(١) عوالي اللآلي : ج ٤ ، ص ٥٨.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

افراد العام فلا تدل على ما هو المطلوب في المقام ، وكذا لو كانت بمعنى الباء او بيانية ظهر الاشكال في هذه الرواية في ان دلالتها منوطة بظهور الميسور اما في خصوص الميسور من الاجزاء او فيما يعمها والميسور من الافراد.

والظاهر من المصنف دعوى الاجمال في ظهور هذه الرواية وانها لا ظهور لها في الميسور من الاجزاء للمركب ولو بنحو الشمول لها وللميسور من الافراد للعام ، لاحتمال ان يكون المراد بها خصوص الميسور من افراد العام ، لان قوله : ((لاحتمال ارادة عدم سقوط الميسور من افراد العام بالمعسور منها)) معناه انه يحتمل ان يراد بالرواية خصوص عدم سقوط افراد العام الميسورة بالمعسور منها ، لوضوح أن ظهورها في الشمول لها ولا جزاء المركب لا يمنع من دلالتها على المطلوب في المقام ، وانما المانع اجمالها وعدم ظهورها لا في خصوص ميسور اجزاء المركب ولا فيما يعمها وميسور افراد العام.

الامر الثاني : دلالة الرواية على وجوب الاتيان بالباقي من الاجزاء عند تعذّر البعض ، ودلالته على اللزوم باحد نحوين : الأول : ان اسناد عدم السقوط الى الباقي من الاجزاء انما يصح باعتبار ما له من الحكم ، لوضوح انه لا معنى لسقوط نفس الباقي من الاجزاء ، فاسناد عدم السقوط الى الباقي اسناد الى غير ما هو له باعتبار كون الباقي باقيا على عهدة المكلف باعتبار بقاء حكمه من الوجوب على حاله بعد التعذّر ، فيكون المتحصّل من قوله الميسور لا يسقط هو الاخبار عن عدم سقوطه وبقائه على العهدة ، ولازم ذلك بقاء حكمه الواجب ، لان المناسب للكون على العهدة هو الحكم الوجوبي دون غيره من الاحكام.

لا يقال : ان الحكم الوجوبي المتعلق بالمجموع لا اشكال في سقوطه بتعذر بعض الاجزاء ، وعلى فرض كون الباقي واجبا بعد التعذّر فلا بد ان يكون هذا الوجوب للباقي وجوبا آخر غير الوجوب الأول المتعلق بالمجموع من الباقي والاجزاء المتعذرة فلا يكون الباقي باقيا على العهدة التي كانت قبل التعذر.

٢٢٧

أو ندبا ، بسبب سقوطه عن المعسور ، بأن يكون قضية الميسور كناية

______________________________________________________

فانا نقول : هذا مبني على المسامحة فانه لما كان الباقي واجبا بعد التعذّر فهو كأنه لم يسقط حكمه الوجوبي الأول.

النحو الثاني : ان تكون الجملة جملة خبرية بداعي البعث الوجوبي ، كقوله : يعيد ويغتسل .. ، وقد تقدم في مباحث الالفاظ ان دلالة الجملة الخبرية المسوقة بداعي البعث على الوجوب اقوى من دلالة صيغة افعل على الوجوب. وبعد تمامية هذين الامرين من دلالة الميسور على الميسور من الاجزاء ، ودلالة لا يسقط على الوجوب تتم دلالة الرواية على وجوب الاتيان بالباقي عند التعذر. وقد عرفت اشكال المصنف على دلالة الميسور من الاجزاء بعدم الظهور والاجمال من هذه الناحية. واما على دلالتها على الوجوب لو سلّمنا دلالتها على الميسور من الاجزاء فحاصله انه لا اشكال في شمول الرواية للمندوب المركب المتعذر بعض اجزائه وشمولها للمندوب يستلزم ان يكون المراد منها هو مطلق الرجحان دون الوجوب ، لوضوح عدم معقولية وجوب الاتيان بالباقي من المركب المندوب المتعذر بعض اجزائه.

والحاصل : ان هنا ظهورين : ظهور في الوجوب ، وظهور في الشمول للمندوب ، وظهورها في الشمول اقوى من ظهورها في الوجوب ، لان سوقها آب عن تخصيصها بخصوص المركب الوجوبي ، لانها في مقام بيان أن المعسور من اجزاء المركب لا يقتضي سقوط الميسور من اجزائه. والى هذا اشار بقوله : ((هذا مضافا الى عدم دلالته)) أي مضافا الى المناقشة الاولى من اجمال الميسور ان لا دلالة للخبر ((على)) الوجوب و ((عدم السقوط لزوما ل)) ظهور الخبر في ((عدم اختصاصه بالواجب)) المركب المتعذر بعض اجزائه بل هو شامل للمركب المندوب المتعذر بعض اجزائه ((ولا مجال معه)) أي لا مجال مع شمول الخبر للمندوب ((لتوهم دلالته على انه بنحو اللزوم)) وقد عرفت ان المطلوب اثبات وجوب الاتيان بالباقي من اجزاء المركب الواجب بعد تعذر بعض اجزائه.

٢٢٨

عن عدم سقوطه بحكمه ، حيث إن الظاهر من مثله هو ذلك ، كما أن الظاهر من مثل (لا ضرر ولا ضرار) هو نفي ما له من تكليف أو وضع ، لا أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون له دلالة على جريان القاعدة في المستحبات على وجه ، أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر (١) ،

______________________________________________________

(١) حاصل هذا الاستدراك هو الاشكال على جوابه الثاني الذي عرفت انه منع دلالة الخبر على لزوم الاتيان بالباقي ، وانه انما يدل على رجحان الاتيان بالباقي الشامل للباقي المندوب. وتوضيحه : ان عدم السقوط منسوب الى الباقي بما هو له ولا مجاز في المقام ، فان المراد من بقاء الباقي بقاؤه على ما هو عليه من الموضوعية الثابتة له في مقام التشريع وجعله موضوعا للحكم ، فالمراد من عدم سقوطه بقاؤه على موضوعيته للحكم الذي له ، فان كان حكمه الوجوب فهو باق له وان كان هو الندب فهو باق له.

والحاصل : ان الظاهر منه ان الميسور لا يسقط عما له من موضوعيته للحكم الذي له بعد تعذر المعسور ، فتكون هذه القضية شاملة للواجب والمندوب ، ودالة على وجوب الباقي في المركب الواجب ، وعلى استحباب الباقي في المركب المندوب ، لان الظاهر من هذه القضية هو بقاء هذا الموضوع على موضوعيته بما له من الحكم ، كما ان الظاهر من لا ضرر رفع الموضوع بما له من الحكم سواء كان وضعيا او تكليفيا ، وليس الظاهر من هذه القضية عدم سقوط الباقي وبقاءه على العهدة حتى يكون المتحصل منها هو الوجوب لمناسبة بقائه على العهدة للوجوب ، وليس الظاهر منها هو مطلق الطلب الرجحاني حتى لا يكون دالا على وجوب الباقي في المركب الواجب. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((إلّا ان يكون المراد عدم سقوطه)) أي الباقي عن موضوعيته ((بما له من الحكم وجوبا كان او ندبا بسبب سقوطه)) أي بسبب سقوط الحكم ((عن المعسور)) لا يسقط الحكم عن الميسور وهو باق على

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

موضوعيته لحكمه الذي هو له ((بان يكون قضية الميسور)) قضية خبرية ((كناية عن عدم سقوطه)) عما هو فيه وهو باق على حاله ((بحكمه)) الذي كان له ((حيث ان الظاهر من مثله ذلك)) لوضوح ان مساق هذه القضية لبيان رفع توهم ان تعذر بعض اجزاء المركب يوجب ارتفاع الباقي عما له من الحكم ، بل لا يوجب تعذر بعض الاجزاء ارتفاع الباقي عما هو فيه ، بل هو باق على حاله وموضوعيته لحكمه ، وهذا المساق يشمل الواجب والمندوب ، والقضية باقية على خبريتها ولازمها بقاء الحكم ببقاء موضوعه.

والحاصل : ان مساق هذه القضية بقاء الحكم ببقاء موضوعه ، كما ((ان الظاهر من مثل لا ضرر)) عكس ذلك و ((هو نفي)) الحكم بنفي موضوعه وهو شامل ل ((ما له من)) حكم مطلقا من ((تكليف او وضع)) ثم اشار الى انه ليس الظاهر منها هو الحكم الوجوبي حتى يختص بالباقي من المركب الواجب دون المندوب ، بدعوى ان عدم السقوط كناية عن بقاء العهدة المناسب للوجوب بقوله : ((لا انها عبارة عن عدم سقوطه)) أي الباقي ((بنفسه)) باسناد عدم السقوط اليه ، وحيث لا معنى لسقوط ذات الباقي بنفسه ((و)) وعليه فلا بد من ان يكون كناية عن ((بقائه على عهدة المكلف كي لا يكون)) على هذا ((له دلالة على جريان القاعدة في المستحبات على وجه)) وهو كونه كناية عن العهدة ، لما عرفت من ان العهدة لا تناسب المستحب اذ لا عهدة للمستحب ، ثم اشار ايضا الى انه ليس الظاهر منها هو الرجحان المطلق وان الباقي راجح الاتيان فقط ، فلا يكون نافعا في ما هو المهم في المقام من اثبات لزوم الاتيان بالباقي بعد التعذر بقوله : ((او لا يكون له دلالة على الوجوب الميسور في الواجبات على آخر)) مما ذكره وهو ما ذكر اولا بقوله : ((مضافا ... الخ)) موردا به على من استدل بهذا الخبر على لزوم الاتيان بالباقي بعد التعذر.

٢٣٠

فافهم (١).

______________________________________________________

(١) يمكن ان يكون اشارة الى انه بعد ان تمت دلالة (الميسور لا يسقط بالمعسور) على لزوم الاتيان بالباقي في المركب الواجب عند تعذر بعضه ، فالمناقشة الاولى من احتمال الاجمال فيها من ناحية شمولها للمركب لا وجه لها ، لدعوى ظهورها في الاطلاق الشامل للمركب ، لان المفرد المحلى باللام له ظهور في الشمول والميسور مفرد محلى باللام فله ظهور يشمل كل ميسور سواء كان ميسورا للمركب او للعام. هذا اذا لم نقل باختصاصها بالمركب بدعوى ان العام اما بدلي او استغراقي ، ولا وجه للعام البدلي لان العجز فيه لا يكون إلّا بالعجز عن الطبيعة بجميع افرادها ، واما العام الاستغراقي فلوضوح انه لا مجال لان يتوهم احد ان العجز عن بعض افراده موجب لسقوط الافراد الأخر المتيسرة بعد ان كان ينحل الى مطلوبات متعددة بمقدار ما له من الافراد ، فيتعين ان التوهم انما يكون له مجال معقول في خصوص المركب المتعذر بعض اجزائه.

لا يقال : انه اذا كان لا مجال لتوهم كون العجز عن بعض افراد العام الاستغراقي موجبا لسقوط الافراد الأخر المتيسرة ، فكذلك ايضا لا مجال للتبعيض في افراد العام الاستغراقي لانحلاله الى اوامر متعددة فليس هناك شيء واحد يصح التبعيض فيه.

فانه يقال : فرق بين الدلالة على التبعيض كما في النبوي المتقدم وبين هذا الخبر ، ووجه الفرق ان هذا الخبر انما يدل على التبعيض باعتبار كون الباقي ميسورا لذلك المعسور ، والعام الاستغراقي المنحل الى اوامر لا يتوهم فيه ان الافراد غير المتعذرة فيه هي ميسور الافراد المتعذرة ، بخلاف التبعيض المستفاد من لفظ (من) فانه باعتبار الوحدة في مقام الطلب يصح التبعيض فيه وان كان عمومه استغراقيا ، ولا سيما حيث يكون الاستغراق فيه بتكرير نفس الفعل ... فاتضح الفرق بينهما وان التبعيض في النبوي له مجال ، بخلاف التبعيض في هذا الخبر.

٢٣١

واما الثالث : فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي لا الافرادي ، لا دلالة له إلا على رجحان الاتيان بباقي الفعل المأمور به ـ واجبا كان أو مستحبا ـ عند تعذر بعض أجزائه ، لظهور الموصول فيما يعمهما ، وليس ظهور (لا يترك) في الوجوب ـ لو سلم ـ موجبا لتخصيصه بالواجب ، لو لم يكن ظهوره في الاعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي ، وكيف كان فليس ظاهرا في اللزوم هاهنا ، ولو قيل بظهوره فيه في غير المقام (١).

______________________________________________________

فتحصل من جميع ما ذكرنا : انه لا مانع من دلالة هذا الخبر على لزوم الاتيان بالباقي من المركب ، وضعف سنده منجبر بعمل المشهور به في استنادهم اليه واستدلالهم به.

(١) هذا الخبر الثالث مروي ايضا عن امير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله عليه‌السلام : (ما لا يدرك كله لا يترك كله) (١) ودلالته على وجوب الاتيان بالباقي من المركب الواجب بعد تعذر بعض اجزائه تتوقف على ان يكون المراد من (كل) في قوله ما لا يدرك كله لا يترك كله هو الكل المجموعي ولو بنحو الشمول له وللكل الافرادي ، لوضوح انه لو كان المراد منه هو خصوص الكل الافرادي لما صح ان يكون دليلا للاتيان بالباقي من الكل المجموعي ، وتتوقف ايضا على ان يكون قوله (لا يترك) دالا على الوجوب ، اذ لو دل على الرجحان لما نقع في المقام .. واذا تم الامران بان كان (كل) كلا مجموعيا ، وكان (لا يترك) دالا على الوجوب يتم الاستدلال بهذا الخبر على وجوب الاتيان بالباقي من المركب الواجب عند التعذر ، لان المتحصل من الخبر هو ان الكل المجموعي حيث لا يدرك مجموعه لتعذر بعض اجزائه لا يجوز ترك ما يدرك منه وهو الباقي من اجزائه.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ج ٤ ، ص ٥٨.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويظهر من المصنف المناقشة في كلا الامرين فقد اشار الى عدم ظهور لفظة (كل) في الكل المجموعي بقوله : ((بعد تسليم ظهور كون الكل في)) الخبر هو الكل ((المجموعي لا الافرادي)) ومن الواضح ان لفظة كل كما تصدق على الكل المجموعي تصدق على الكل الافرادي ايضا ، فلا مانع من دعوى الاطلاق فيها وشمولها للكل المجموعي اذا لم نقل بظهورها في المجموعي ، لان هذا الخبر مثل ما تقدمه من الخبرين انما هو لرفع احتمال ارتفاع الحكم عما يدرك بواسطة ما لا يدرك ، وانما يصح هذا الاحتمال حيث يكون الكل مجموعيا ، فانه اذا كان افراديا فلا وجه لهذا الاحتمال بعد ان كان لكل فرد من الافراد حكم يخصه غير الحكم في الفرد الآخر ، فلا ينبغي ان يحتمل احد سقوط حكم فرد بتعذر فرد آخر.

اما اذا كان الكل مجموعيا فلهذا الاحتمال مجال واضح ، لبداهة ان مجموع الافراد اذا كان لها طلب واحد فعند تعذر بعضها يحتمل كل احد سقوط الطلب المتعلق بالمجموع عن الباقي فهذا التسليم مما لا بد منه.

واما المناقشة في الامر الثاني فحاصلها : ان قوله لا يترك لو لا وجود ما يعارضها لكانت دالة على عدم جواز ترك الباقي الراجع الى وجوب الاتيان به ، إلّا ان (ما) الموصولة في قوله ما لا يدرك لها ظهور في شمولها للباقي من المندوب ايضا ، وهذا الظهور ان لم يكن اقوى من ظهور لا يترك في الوجوب ، فيكون قرينة على ان المراد منه الطلب الراجح دون الطلب الواجب ، فلا اقل من كونه مساويا له ، وعلى فرض التساوي لا يكون لا يترك ظاهرا في اللزوم بل يكون مجملا.

نعم لو كان ظهور لا يترك في اللزوم اقوى من ظهور (ما) الموصولة في الشمول للمندوب لوجب رفع اليه عن ظهورها في الشمول للمندوب وتخصيصها بخصوص الواجب ، ولكن هذه الدعوى غير صحيحة لان لا يترك حكم موضوعه ما لا يدرك ، ولا وجه لترجيح ظهور حكم الموضوع على ظهور الموضوع. هذا اولا.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا : ان هذا الخبر لبيان رفع احتمال سقوط الباقي فسوقه لبيان عدم سقوطه ، ومن الواضح انه كما يكون المركب الواجب له باق ، كذلك للمركب المندوب باق ايضا ، والاحتمال فيهما على حد سواء ، فعدم السقوط فيهما على حد سواء.

ولا يتأتى هنا ما سبق في قضية الميسور لا يسقط بالمعسور ، فان لا يسقط هناك قضية خبرية تدل على عدم سقوط الباقي وبقائه على موضوعيته فيلحقه حكمه وجوبيا كان او ندبيا ، اما لا يترك فهي وان كانت قضية خبرية ايضا إلّا انها بداعي البعث والطلب ، فلا بد وان يكون المراد منها اما الطلب الوجوبي او مطلق الطلب ، وحيث انه لا مجال لدلالته على الطلب الوجوبي لشموله للمندوب فيتعين ان يراد به مطلق الطلب وهو مساوق للرجحان. وقد اشار الى هذا المناقشة الثانية بقوله : ((لا دلالة له)) أي لا دلالة للخبر في قوله لا يترك ((إلّا على رجحان الاتيان بباقي الفعل المأمور به واجبا كان او مستحبا عند تعذر بعض اجزائه ل)) اجل ((ظهور الموصول)) فيما لا يدرك ((فيما يعمهما)) معا ((وليس ظهور لا يترك في الوجوب لو سلم)) ظهور الجملة الخبرية في الوجوب ((موجبا لتخصيصه بالواجب)) أي ظهورها في الوجوب لا يكون موجبا لتخصيص الموصول بالواجب لانه ليس باقوى من ظهور الموصول في الشمول ، وحيث لا يكون ظهور لا يترك في الوجوب اقوى من ظهور الموصول في الشمول فيتعارضان ويتساقطان ويعود الحال مجملا هذا ((لو لم يكن)) الترجيح لظهور الموصول على ظهور لا يترك لما عرفت فيكون ((ظهوره)) أي يكون ظهور الموصول ((في الاعم)) الشامل للمندوب ((قرينة على ارادة خصوص الكراهة)) من قوله لا يترك ، فلا يكون المراد من قوله لا يترك لا يجوز ترك الباقي بعد التعذر ، بل يكون المراد منه يكره ترك الباقي بعد التعذر ((او)) يكون المراد ((مطلق المرجوحية من النفي)) التي هي اعم من الكراهة الاصطلاحية ، لوضوح ان العبادة تكون مرجوحة بالنسبة الى غيرها ولا تكون مكروهة بالكراهة الاصطلاحية كما تقدم بيان ذلك في مباحث اجتماع الامر والنهي من الجزء الأول

٢٣٤

ثم إنه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا ، كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا ، لصدقه حقيقة عليه مع تعذره عرفا ، كصدقه عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة ، وإن كان فاقد الشرط مباينا للواجد عقلا (١) ، ولاجل ذلك ربما لا يكون

______________________________________________________

((وكيف كان فليس)) لا يترك ((ظاهرا في اللزوم هاهنا)) أي في هذا الخبر ((ولو قيل بظهوره فيه)) أي في اللزوم ((في غير المقام)).

(١) توضيحه : انه قد عرفت فيما تقدم ان الخبر الأول وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فاتوا منه ما استطعتم) والخبر الثالث وهو قوله عليه‌السلام : (ما لا يدرك كله لا يترك كله) لا يشملان المشروط المتعذر شرطه .. اما في الأول فلظهور لفظة (من) في التبعيض ولازم التبعيض هو التركيب ، وليس المشروط وشرطه من قبيل المركب وان انحلّ عقلا الى ذات المشروط وتقيّده بالشرط ، إلّا ان الواجب المشروط في الحقيقة هو الواجب الخاص.

واما الثاني فلظهور لفظة (كلّ) في ذلك ايضا ، فان الكلّ المجموعي هو المركب من الاجزاء ، لوضوح ان الكلّ مجموع الاجزاء والجزء بعضها بلحاظ نسبته الى المجموع ، فمعنى الكلّ هو المركب من اجزاء ، وقد عرفت ان المشروط وشرطه ليس من المركب. واما الخبر الثاني وهو قوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) فهو شامل للمشروط عند تعذر شرطه لوضوح كون ذات المشروط من الميسور عرفا للمشروط بما هو مشروط.

ثم لا يخفى ان الغرض من هذا الكلام امران : الأول : كون المشروط المتعذر شرطه مما يشمله خبر قاعدة الميسور بالخصوص.

الثاني : انه لا بد في صدق قاعدة الميسور من كون الباقي مما يعدّ عرفا انه ميسور بالنسبة الى الكلّ ، فانه لو كان المركب مشتملا على عشرة اجزاء وتعذرت تسعة منها وبقى واحد لا يكون الواحد من مصاديق قاعدة الميسور ، لان الواحد عرفا ليس

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ميسور العشرة ، بخلاف ما اذا كان المتعذر واحدا من العشرة فان التسعة لا ريب في كونها ميسور العشرة .. والوجه في الامر الأول هو ان المتعذر سواء كان جزءا من الكلّ او شرطا للمشروط فالباقي من الاجزاء وذات المشروط هو امر مباين عقلا للكلّ وللمشروط بما هو مشروط ، لوضوح كون الاجزاء الباقية غير المركب منها ومن المتعذر من الاجزاء وذات المشروط غير المشروط بما هو مشروط ، ولازم ذلك كونهما واجبين آخرين غير الكلّ الواجب وغير المشروط الواجب ، الّا انهما لما كان وجوبهما بشرط التعذر اما وافيا بالواجب غير المتعذر بجميع مصلحته وغرضه ، او وافيا بالمهم من مصلحته وغرضه كان هذا الوجوب بنظر العرف هو ميسور ذلك الوجوب ، فلا فرق بين الشرط المتعذر والجزء المتعذر في كون الباقي من الاجزاء وذات المشروط ميسورا لذلك الوجوب المتعلق بالكل وبالمشروط بما هو مشروط ، فلا فرق في صدق قاعدة الميسور على الباقي من الاجزاء وعلى ذات المشروط.

وينبغي ان لا يخفى ان مباينة الباقي للمامور به المتعذر عند العقل من ناحية كون الباقي غير المأمور به بحدّه ، واما من ناحية الغرض والمصلحة فانه اذا كان الباقي وافيا بتمام المصلحة في حال التعذر لا يكون مباينا للمأمور به عقلا لفرض كونه واجدا لتمام مصلحته وغرضه. هذا كله بالنسبة الى مرحلة الثبوت ، وانه لما ذا امر باتيان الميسور عند تعذر المعسور.

واما في مرحلة الاثبات والدلالة ، فالرواية تدل على ان الميسور للمركب الذي تعذر بعض اجزائه او شرطه الامر فيه باق ، ولا بد من اتيانه ان كان واجبا ويستحب اتيانه ان كان مستحبا.

الامر الثاني : ان المتحصّل من القاعدة هو انه لا يسقط ميسور المامور به بتعذر المعسور منه ، وعليه فلا بد وان يكون الباقي مما هو ميسور عند العرف لذلك المأمور به ، لوضوح انه لا بد من تحقق ما هو موضوع الحكم ، ولما كان عنوان الميسور هو الموضوع فلا محالة يلزم ان يكون الباقي مما يعد ميسورا للمركب في حال التعذر. وقد

٢٣٦

الباقي ـ الفاقد لمعظم الاجزاء أو لركنها ـ موردا لها فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا ، وإن ، وإن كان غير مباين للواجد عقلا (١).

______________________________________________________

اشار الى هذا الامر الثاني بقوله : ((ثم انه حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا)) لتقوّم موضوعها بعنوان كون الباقي ميسورا للمأمور به عند العرف. واشار الى الامر الأول وهو صدق قاعدة الميسور على المشروط الفاقد لشرطه : أي صدقه على ذات المشروط بقوله : ((كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط ايضا لصدقه)) أي لصدق عنوان الميسور ((حقيقة عليه)) أي على ذات المشروط ((مع تعذره)) أي مع تعذر الشرط فانه يصدق عليه حقيقة ((عرفا)) أي عند العرف يصدق صدق حقيقيا على ذات المشروط انه ميسور للمشروط بما هو مشروط ((كصدقه عليه كذلك)) أي كما يصدق عند العرف حقيقة عنوان الميسور على الباقي من الاجزاء ((مع تعذر الجزء في الجملة)) من دون فرق في الجملة لما سيأتي من ان صدق الميسور على الباقي من الاجزاء منوط بكون الباقي معظم الاجزاء. ثم اشار الى المباينة العقلية بين ذات المشروط والمشروط بما هو مشروط بقوله : ((وان كان فاقد الشرط)) أي ذات المشروط ((مباينا للواجد عقلا)) وهو المشروط بما هو مشروط ، وانما نبّه على خصوص المشروط لوضوح المباينة بين باقي الاجزاء وبين الكلّ فهو في غنى عن التنبيه.

(١) هذا تفريع على الامر الثاني ، وحاصله : انه لما كان حكم عدم السقوط في القاعدة موضوعه كون الباقي ميسورا عند العرف للمامور به المتعذر بعضه ، كان اللازم كون الباقي مما يعدّ ميسورا عندهم ، فلا بد وان يكون الباقي في معظم الاجزاء ، واذا كان الباقي فاقدا لمعظم الاجزاء فلا يكون عند العرف من الميسور للمأمور به المتعذر ، ومثله ما اذا قام الدليل على ان في المركب اركانا يفوت المركب بفوتها عمدا وسهوا ، فان الفاقد لها بعد قيام الدليل على ذلك لا يكون ميسورا للمأمور به ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ولاجل ذلك)) أي ولاجل كون المدار على

٢٣٧

نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا بتخطئته للعرف ، وإن عدم العد كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد ، من قيامه في هذا الحال بتمام ما قام عليه الواجد ، أو بمعظمه في غير الحال ، وإلا عد أنه ميسوره ، كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي لذلك ـ أي للتخطئة ـ وأنه لا يقوم بشيء من ذلك.

وبالجملة : ما لم يكن دليل على الاخراج أو الالحاق كان المرجع هو الاطلاق ، ويستكشف منه أن الباقي قائم بما يكون المأمور به قائما بتمامه ، أو بمقدار يوجب إيجابه في الواجب واستحبابه في المستحب (١) ،

______________________________________________________

صدق عنوان الميسور على الباقي ((ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الاجزاء او لركنها موردا لها)) أي لقاعدة الميسور لعدم صدق الميسور عند العرف على الباقي اذا كان فاقدا لمعظم الاجزاء أو لأركان المركب. ثم اشار الى الوجه في ذلك بقوله : ((فيما اذا لم يصدق عليه)) أي فيما اذا لم يصدق على الباقي انه ((الميسور عرفا)) لما هو المامور به ((وان كان)) ذلك الباقي الفاقد للمعظم او للاركان ((غير مباين للواجد عقلا)) من ناحية المصلحة والغرض.

(١) توضيحه : انه بعد ما عرفت في ان الموضوع لقاعدة الميسور ما هو الميسور عند العرف ، ففيما اذا ألحق الشارع ما ليس بميسور عند العرف من حيث الحكم ، كما حكم بكفاية التسبيحات الاربع في مقام العجز عن ساير اجزاء الصلاة ، ومن الواضح ان التسبيحات الاربع ليس ميسور الصلاة عند العرف ، او فيما اذا اخرج الشارع بعض افراد ما هو الميسور عند العرف عن حكم الميسور ، كما حكم للارمد بالانتقال من الغسل او من الوضوء الى التيمم ، ومن الواضح ايضا ان غسل الوجه ما عدا العينين وغسل اليدين ومسح الرأس والرجلين من ميسور الوضوء عند العرف ... فهل ان ادراج ما ليس بميسور عند العرف في حكم الميسور واخراج ما هو الميسور عند العرف عن حكم الميسور هو من باب التخطئة ، او ان ادراج ما ليس في

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الميسور من باب التشريك في الحكم تعبدا واخراج ما هو الميسور عند العرف عن حكم الميسور من باب التخصيص شرعا؟ ... ذهب المصنف الى انه من باب التخطئة. وذهب جملة من المحققين الى التشريك والتخصيص.

والوجه في كون الادراج والاخراج من باب التخطئة ، وليس الادراج من باب التشريك في الحكم تعبدا والاخراج من باب التخصيص شرعا كما اشار اليه في طي كلامه ، هو ان حكم الشارع بعدم سقوط الميسور عند تعذر المعسور لا يعقل ان يكون جزافا ، وانما هو لان الباقي بشرط حال التعذر واف بتمام الغرض المترتب على الواجد لجميع الاجزاء في غير حال التعذر ، أو لان الباقي واف بمعظم الاثر ، ولكن كونه بحد الالزام يكون مشروطا بحال التعذر ، وإلّا لوقع التخيير بينه وبين الواجد لجميع الاجزاء في حال التيسر. وعلى كل فلما كان الباقي الميسور انما كان محكوما شرعا بعدم السقوط من حيث وفائه بالغرض كان المراد من الميسور هو الميسور في مقام الغرض واقعا ، وعلى هذا لا يكون الميسور لما هو المامور به هو المحكوم بعدم السقوط ، لامكان ان لا يكون الميسور للمامور به هو الميسور المترتب عليه الغرض.

وبعبارة اخرى : ان الميسور في القاعدة هو الميسور الواقعي لا ميسور المامور به.

لا يقال : انه اذا كان المراد من الميسور في القاعدة هو الميسور الواقعي لا وجه لما سبق من ان الميسور في القاعدة هو الميسور عند العرف ، لعدم امكان معرفة العرف ما هو الميسور في مقام الغرض ، فلا وجه لان يكون الميسور في القاعدة هو الميسور عند العرف.

فانه يقال : لما كان ما هو الميسور عند العرف لمتعلق الامر في الغالب هو الميسور واقعا في مقام ترتب الغرض صح ان يجعل ما هو الميسور عند العرف موضوعا للحكم من باب الطريقية ، وعلى هذا فلا منافاة بين القول بالتخطئة وبين كون الميسور عند العرف هو الموضوع في القاعدة ، ولذلك فيما لم يقم الدليل على

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الادراج او الاخراج فالمرجع في الميسور ما هو الميسور عند العرف ، ويتمسك بالاطلاق في القاعدة في اثبات الحكم له وفي نفيه عن غير ما هو الميسور عند العرف كما سيشير اليه (قدس‌سره) .. وعلى كل فقد اتضح ان الحاق الشارع ما يراه العرف ليس من الميسور بالميسور في الحكم انما هو لكونه ميسورا واقعا ، وليس هو من باب تشريك غير الميسور للميسور في الحكم تعبدا ، وكذلك اخراج ما يراه العرف من الميسور عن حكم الميسور انما هو لانه ليس من الميسور واقعا لا من باب التخصيص شرعا وانه مع كونه ميسورا خارج عن حكم الميسور ، بل هو لانه ليس من الميسور واقعا. وقد أشار الى ان الإلحاق من باب التخطئة بقوله : ((نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا)) بحكم الميسور لانه من الميسور واقعا فيكون الالحاق ((ب)) سبب ((تخطئته)) أي تخطئة الشرع ((للعرف وان عدم العد)) من العرف ((كان لعدم الاطلاع)) منهم ((على ما هو عليه)) من الوفاء بالغرض ، فان هذا الملحق ((الفاقد)) لبعض الاجزاء هو من الميسور واقعا وهو كالميسور في نظرهم ((من)) حيث ((قيامه في هذا الحال)) وهو حال التعذر ((بتمام ما قام عليه الواجد)) في حال غير التعذر ، فظهر ان المدار على الوفاء بالغرض اما بتمامه بشرط حال التعذر ((او بمعظمه في غير الحال)) أي في غير حال التعذر ، فالجار والمجرور متعلق بمعظمه وليس متعلقا بقيامه ، والمراد قيام هذا الميسور في حال التعذر بما للمعظم من الاثر في حال القدرة وعدم التعذر ، وكان لزوم عدم سقوطه والاتيان به مشروطا بحال التعذر كما عرفت ((وإلّا عد انه ميسوره)) أي ان عدم العد كان لعدم الاطلاع من العرف على انه من الميسور ، وإلّا فلو علموا بوفائه بالغرض لكان قد عد عندهم انه من الميسور. ثم اشار الى ان اخراج ما هو الميسور عند العرف عن حكم الميسور ايضا من التخطئة وليس من التخصيص بقوله : ((كما ربما يقوم الدليل على سقوط ميسور عرفي)) عن حكم الميسور ((لذلك أي للتخطئة)) لا للتخصيص ((و)) ان السبب في اخراجه عن الميسور ل ((انه لا يقوم بشيء من ذلك)) أي من الغرض ، وايضا لو اطلع العرف

٢٤٠