بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ان يدل عليه العقل كالقدرة وعدم الخروج عن محل الابتلاء ، او الشرع كعدم العسر وعدم الضرر. وحيث فرض ان التكليف في الاطراف غير المحصورة مقدور وليس بخارج عن محل الابتلاء ، ولا يرى العقل ان نفس عدم الحصر من الموانع عن فعلية التكليف ـ فلا يكون عدم الحصر من الشرائط العقلية ، ولم يدل دليل شرعي على شرطية عدم الحصر كما دلّ على شرطية عدم العسر وعدم الضرر فلا يكون شرطا شرعيا ..

نعم قد ادعى الاجماع على عدم فعلية التكليف مع عدم الحصر .. وفيه : اولا : انه لا حجية للاجماع المنقول.

وثانيا : ان دعوى الاجماع على كون نفس عنوان عدم الحصر مانعا عن الفعلية دعوى بلا بيّنة ، ولعل سبب التوهّم فيه هو ملازمة عدم الحصر غالبا لاحد الامور السابقة المانعة عن الفعلية فتوهّم ان المانع هو نفس عنوان عدم الحصر.

فاتضح مما ذكرنا : انه لا تفاوت بين كون الاطراف في المعلوم بالاجمال محصورة او غير محصورة في تنجز العلم الاجمالي في كليهما ، وانه لا مجال فيها للبراءة العقلية ، لوضوح العلم بالتكليف وهو البيان ومع البيان لا مجرى للبراءة العقلية ، ولا مجرى للبراءة النقلية لما عرفت من لزوم المضادة القطعيّة في الترخيص في جميع الاطراف ، واحتمال المضادة في الترخيص في بعض الاطراف ، ولا فرق في ذلك بين كون الاطراف محصورة او غير محصورة ، فانه مع فعلية التكليف لا مجرى للبراءة اصلا ويحكم العقل بلزوم الاجتناب عن جميع الاطراف سواء كانت الاطراف محصورة او غير محصورة ولذا قال : ((انه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت ... الى آخر الجملة)).

١٢١

نعم ربما تكون كثرة الاطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه ، أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا (١) ، وليس بموجبة لذلك في

______________________________________________________

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت ان ليس عنوان عدم الحصر بنفسه من موانع فعلية التكليف ، ولكن حيث انه ربما يقارنه احد الموانع عن فعلية التكليف كلزوم العسر من اجتناب الاطراف الكثيرة فيما اذا كان التكليف هو الحرمة ، او لزوم العسر في ارتكاب جميع الاطراف فيها فيما كان التكليف هو الوجوب ، او لزوم الضرر من الاجتناب عنها كلها ، او لزوم الضرر من الارتكاب لجميعها ، او يكون المقارن للشبهة غير المحصورة التحريمية الخروج عن محل الابتلاء ، فانه حينئذ يجوز الارتكاب في اطرافها ، او لا يجب الاتيان باطرافها جميعا ، ولكنه ليس لعنوان عدم الحصر بل لاحد الموانع المفروض مقارنتها لها ، ولا يخفى ان هذه الموانع تمنع عن فعلية التكليف وان كانت الشبهة محصورة. فلا فرق بين الحصر في الاطراف وعدم الحصر فيها كما تقدم بيانه ، إلّا انها غالبا تكون مع عدم الحصر ، وعليه فلا بد في الشبهة غير المحصورة من ملاحظة مقارنتها لاحد الموانع وعدم مقارنتها لها ، فان قارنها احد الموانع ارتفعت فيها فعلية التكليف ، وان لم يقارنها احد الموانع فلا مناص عن فعلية التكليف فيها ، والى هذا اشار بقوله : ((نعم ربما يكون كثرة الاطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية)) أي موجبة لعسر موافقة التكليف القطعية ((باجتناب كلها)) أي باجتناب كل الاطراف في الشبهة غير المحصورة التحريمية ((او ارتكابه)) وذلك في مورد الشبهة غير المحصورة الوجوبية بان كان ارتكاب جميع الاطراف موجبا للعسر فيها ((او)) كان موجبا ل ((لضرر فيها)) أي في الاجتناب او الارتكاب ((او غيرهما)) أي في غير العسر والضرر بان كان المانع المقارن هو الخروج عن محل الابتلاء فانه ((مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا او زجرا فعلا)) والاول هو الوجوب والثاني هو الحرمة.

١٢٢

غيره (١) ، كما أن نفسها ربما تكون موجبة لذلك ، ولو كانت قليلة في مورد آخر ، فلا بد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال (٢) أنه يكون أو لا يكون في هذا المورد ، أو يكون مع كثرة أطرافه (٣) وملاحظة أنه مع أية مرتبة من كثرتها ، كما لا يخفى (٤).

ولو شك في عروض الموجب ، فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان ، وإلا فالبراءة لاجل الشك في التكليف الفعلي ، هذا هو حق القول في المقام (٥) ، وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو

______________________________________________________

(١) هذا معطوف على قوله : ((موجبة)) ... في صدر العبارة ، والتقدير : انه ربما يكون كثرة الاطراف في مورد موجبة للعسر وليس بموجبة للعسر في غير ذلك المورد.

(٢) قوله (قدس‌سره) : ((كما ان نفسها .. الخ)) : أي ربما تكون نفس الاطراف موجبة للعسر ايضا ولو كانت تلك الاطراف قليلة في مورد آخر ، وعلى كل حال فلا بد من ملاحظة المانع عن الفعلية للتكليف المعلوم بالاجمال فقد يكون مع قلة الاطراف كما يكون مع كثرة الاطراف ، والى هذا اشار بقوله : ((فلا بد من ملاحظة ذاك الموجب .. الى آخر الجملة)).

(٣) قوله (قدس‌سره) : ((انه يكون .. الخ)) : أي لا بد من ملاحظة ذلك الموجب لرفع الفعلية انه يكون في مورد الشبهة او لا يكون في موردها وان كانت افراد الشبهة قليلة ، وفي مورد كثرة الاطراف ايضا لا بد من ملاحظته هل هو موجود فيها؟

(٤) قوله (قدس‌سره) : ((وملاحظة انه .. الخ)) حاصله : انه بعد ما عرفت من ان العسر او احد الموانع الاخرى تكون غالبا مع كثرة الاطراف ، فلا بد من ملاحظة انه أي مقدار من كثرة الاطراف يقارنه العسر او غيره؟

(٥) توضيحه : الظاهر منه (قدس‌سره) عدم الفرق بين الشك في عروض العسر والضرر ، وبين الشك في الخروج عن محل الابتلاء في انه اذا شك في عروضهما بعد تنجز التكليف قبل عروضها فالمرجع هو الاطلاق ، وما مرّ منه من ان الشك في

١٢٣

من الجزاف (١).

الرابع : إنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف ، مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك

______________________________________________________

الخروج عن محل الابتلاء يرجع الى الشك في الصحة والامكان لازمه عدم الرجوع الى الاطلاق ، فيما اذا كان المشكوك عروضه هو الخروج عن محل الابتلاء ، لكنه حيث ان مبناه هو التمسك بالاطلاق في الشبهة الموضوعية فيما اذا كان المخصص لبيا ، ومن الواضح ان الخروج عن محل الابتلاء من المخصص اللبي ، فلا مانع من التمسك بالاطلاق في الخروج عن محل الابتلاء ، واما العسر والضرر فان كان الشك فيهما من ناحية الشبهة الحكمية فالمرجع هو الاطلاق ، وان كان فيهما من ناحية الشبهة الموضوعية فلا يكون المرجع فيهما هو الاطلاق بل لا بد من الرجوع الى الاصول ، والى هذا اشار بقوله : ((فالمتبع هو اطلاق الدليل لو كان)) واما الاصل الذي يرجع اليه حيث لا اطلاق فهو البراءة للشك في التكليف الفعلي ، فان الشك في عروض ما يرفع التكليف الفعلي لازمه الشك في فعلية التكليف ، ومتى كان الشك كذلك فالمرجع البراءة ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((وإلّا فالبراءة لاجل الشك في التكليف الفعلي)).

(١) الظاهر ان مراده انه بعد ما عرفت من ان عنوان عدم الحصر ليس بمانع بنفسه عن فعلية التكليف فمن الجزاف ذكر الضابط للشبهة المحصورة وغير المحصورة.

ويحتمل ان يكون مراده ان نفس ما ذكر من الضوابط لها غير خال عن الاشكال ، ولذا قال الشيخ الاعظم في رسائله بعد ذكر ضوابط متعددة لها : ((وهذا غاية ما ذكروا او يمكن ان يذكر في ضابط المحصور وغيره ، ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشيء منها)) (١) انتهى.

__________________

(١) فرائد الاصول ج ٢ ، ص ٤٣٨ (تحقيق عبد الله النوراني).

١٢٤

الحرام المعلومين في البين دون غيرها ، وإن كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكمه واقعا (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه لو لاقى اناء احد الإناءين احد الإناءين المعلوم بالاجمال نجاسة احدهما. وقد اشار في المتن الى فروض ثلاثة تختلف نتائجها فانه : تارة يكون حكم الملاقي بالكسر لاحد الإناءين المعلوم بالاجمال نجاسة احدهما مما لا يجب الاجتناب عنه. واخرى : يكون حكم الملاقي بالكسر لاحدهما مما يجب الاجتناب عنه دون الملاقى بالفتح. وثالثة : يكون حكم الملاقي بالكسر لاحدهما هو وجوب الاجتناب لانه يكون احد الاطراف ، فيكون الملاقى والملاقي كلاهما مما يجب اجتنابهما.

وتوضيح الحال في الفرع الاول وهو اختصاص وجوب الاجتناب بالملاقى بالفتح ، دون الملاقي بالكسر فانه لا يجب الاجتناب عنه ، وذلك فيما لو تقدم العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين ثم بعده حدثت ملاقاة اناء ثالث لاحد الإناءين فان القاعدة تقتضي عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر.

وغاية ما يمكن ان يدعى في لزوم الاجتناب عنه كما يلزم الاجتناب عن الملاقى بالفتح هو صيرورة الملاقي بالكسر بسبب الملاقاة من اطراف العلم الاجمالي المنجز ، غايته انه كانت اطرافه قبل الملاقاة اثنين وبعد الملاقاة ثلاثة ، وهذا لا يعد فارقا فانه بعد تنجز العلم الاجمالي بوجوب الاجتناب عما هو النجس الواقعي ، ومن الواضح انه بعد الملاقاة صار حكم هذا الملاقي بالكسر واقعا حكم الاناء الملاقى بالفتح ، لوضوح انه لو كان الملاقى بالفتح نجسا لكان حكم الملاقي بالكسر هو النجاسة ايضا ، فيكون العلم الاجمالي بالنجس بعد الملاقاة دائرا بين ان يكون في الطرف غير الملاقى او يكون في الطرف الملاقى بالفتح وملاقيه ، وكون الامر دائرا قبل الملاقاة بين طرفين لا يضر ، لوضوح ان الحال فيه كما لو قسمنا الاناء الملاقى بالفتح الى اناءين فان الاطراف تكون ثلاثة ، ولا شبهة في لزوم الاجتناب عنها ثلاثتها ، وبعد ان كان حكم الملاقي بالكسر واقعا حكم الملاقى بالفتح فيكون حاله حال ما اذا قسمنا الملاقى

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالفتح الى اناءين هذا غاية ما يمكن ان يقال في تقريب كون حكم الملاقي بالكسر حكم الملاقى بالفتح.

والجواب عنه : ان وجوب الاجتناب عن الملاقى بالفتح لا لانه نجس واقعا ، اذ من الواضح انه مما يحتمل كونه نجسا لا انه معلوم النجاسة ، والّا لكان معلوما بالتفصيل لا انه طرف للمعلوم بالاجمال ، وانما يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح لتنجز المعلوم بالاجمال وتوقف امتثال التكليف المنجز على اجتناب جميع اطرافه.

فما لم يكن الملاقي بالكسر طرفا للمعلوم بالاجمال المنجز لا يجب الاجتناب عنه ، وطرفيته للمعلوم بالاجمال باحد امور ثلاثة كلها مفقودة :

الاول : ان تكون النجاسة للسراية بمعنى الملاقي بالكسر انما يكون نجسا لسراية النجاسة من الملاقى بالفتح فيه ، فانه لو سرى الملاقى بالفتح الملاقي بالكسر لكان الملاقي بالكسر طرفا للعلم الاجمالي ، لتحقق ما هو الطرف للعمل الاجمالي وهو الملاقى بالفتح في الجسم الملاقي بالكسر ، وهذا المعنى من السراية بعيدة ارادته ، لشهادة الوجدان بان النجاسة غالبا لا تسري في الملاقي لها ، فان الماء الملاقي للعذرة اليابسة او للدم اليابس بل للدم الرطب والعذرة الرطبة اذا كان المقدار من النجس صغيرا جدا لا يسري في الماء الملاقي له.

وينبغي ان يراد من السراية اما العلية والمعلولية الحقيقية ، وليس في التأثير بنحو العلية سراية من العلة الى المعلول بحيث تكون العلة منتشرة في المعلول ، بل العلية الحقيقية معناه كون النجاسة امرا واقعيا توجب التأثير في ملاقيها باعطاء نفس الخصوصية الموجبة لنجاسة نفسها لملاقيها. او انه يراد من السراية ـ بناء على كون النجاسة من الاعتبارات الشرعية ـ ان الشارع كما اعتبر النجاسة لخصوصية اقتضت اعتبارها في نفس ذات النجس العيني كذلك لملاقيه خصوصية اقتضت ان يعتبر الشارع نجاسته ايضا ، وعلى هذا فالملاقي للنجس فرد آخر من النجاسة غير النجس الذي هو العلة ، لبداهة ان التأثير الواقعي او بمعنى اعتبار الشارع يوجب كون الملاقي

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للنجس فردا آخر من النجس ، وكل فرد من النجس له حكم غير حكم الفرد الآخر ، وان كان ذلك الفرد هو العلة المؤثرة حقيقة او موجبة لاعتبار الشارع لنجاسة ملاقيه.

الثاني : ان يكون طرفيه الملاقي بالكسر للعلم الاجمالي من جهة ان الدليل الدال على وجوب اجتناب النجس في الملاقى بالفتح هو الدليل على وجوب الاجتناب في الملاقي بالكسر ، بحيث يكون نفس اجتنب النجس في الملاقى بالفتح هو نفسه متوجها الى الملاقي بالكسر ، فاذا كان كذلك كان الملاقي بالكسر طرفا للتكليف المعلوم بالاجمال المنجز كالملاقى بالفتح. وهذا ايضا باطل لوضوح ان الملاقى بالفتح لو كان هو النجس الواقعي لاوجبت الملاقاة حدوث فرد آخر من النجس يتوجه له خطاب آخر بوجوب الاجتناب عنه كالخطاب الاول المتوجه الى الملاقى بالفتح ، فلا يكون نفس اجتنب الاول في الملاقى بالفتح هو نفسه متوجها الى الملاقي بالكسر ، بل الملاقاة تقتضي توجه خطاب آخر للملاقي بالكسر غير الخطاب في الملاقى بالفتح.

الثالث : ان يكون الملاقي بالكسر بسبب الملاقاة يكون من شئون الملاقى بالفتح ، كاكرام خادم الرئيس لاجل الرئيس ، فان اكرام خادم الرئيس ليس لاجل خطاب يخصه بل نفس وجوب اكرام الرئيس يقتضي اكرام خادمه ، لان اكرام خادمه من شئون اكرامه ، بل نفس وجوب اكرام الرئيس يكون منسوبا الى الرئيس اولا وبالذات ، والى خادمه ثانيا وبالعرض. وعلى هذا يكون ايضا الملاقي بالكسر من اطراف المعلوم بالاجمال لانه من شئون ما تنجز العلم الاجمالي فيه وهو الملاقى بالفتح.

وهذا باطل ايضا ، لما عرفت من ان الملاقي بالكسر بسبب الملاقاة لو كان الملاقى بالفتح هو النجس الواقعي يكون فردا آخر من النجس ، له حكم يخصّه وخطاب يختص به كالحكم والخطاب المختصين بالملاقى بالفتح ، لا ان الملاقي بالكسر من شئون الملاقى بالفتح ، ولو كان من شئون الملاقى بالفتح لكان خطاب الملاقى كافيا فيه ، لوضوح ان اكرام خادم العالم لا لخطاب يخصّ الخادم بل هو من شئون

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

خطاب اكرم العالم ، لان اكرام خادم العالم نحو من اكرام نفس العالم ، وليس النجس الملاقي بالكسر كذلك ، بل لو كان ملاقيا للنجس الواقعي لكان له خطاب يختصّ به كخطاب النجس الواقعي.

وحيث بطلت هذه الامور الثلاثة ، وان الملاقي بالكسر لو كان ما لاقاه نجسا واقعا لتنجّز فيه خطاب آخر غير الخطاب الاول المنجز الذي كان له طرفان ، لانه فرد آخر من النجس يحتاج الى خطاب آخر يكون منجزا فيه غير الخطاب المعلوم بالاجمال الذي كان منجزا.

فاتضح : ان العلم الاجمالي المنجز ليس له الّا طرفان الملاقى بالفتح والطرف الآخر ، واما الملاقي بالكسر فليس هو بطرف للعلم الاجمالي المنجز ، وحيث كان توجه الخطاب الآخر الى الملاقي بالكسر مشكوكا كان مجرى للبراءة.

لا يقال : ان هناك علما اجماليا يكون الملاقي بالكسر طرفا ، لانا نعلم اجمالا بان النجس الواقعي بحسب القطع الوجداني اما ان يكون هو الاناء غير الملاقى او الاناء الملاقى بالفتح وملاقيه وهو الملاقي بالكسر ، فالملاقاة توجب علما اجماليا آخر له طرفان احد طرفيه الاناء غير الملاقى ، وطرفه الآخر الاناء الملاقى بالفتح والملاقي بالكسر.

فانه يقال : ان هذا العلم الاجمالي الثاني لا اثر له ، لوضوح ان الملاقى بالفتح وطرفه غير الملاقى قد تنجز فيهما العلم الاجمالي الاول ، فلا يكون لهذا العلم الاجمالي اثر في التنجيز بالنسبة اليهما ، لان المنجز اولا لا ينجز ثانيا ، والعلم الاجمالي المنجز لا بد وان يكون تنجيزه مؤثرا في جميع اطرافه ، فحيث لا اثر لهذا العلم الاجمالي الثاني في جميع الاطراف فلا يكون منجزا ومؤثرا في وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر.

ولا يخفى ايضا ان ما ذكروه من كون الملاقي بالكسر والملاقي بالفتح بحكم انقسام الاناء الملاقى بالفتح الى إناءين فانه قياس مع الفارق ، لان لزوم الاجتناب في مقام

١٢٨

ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شيء مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال ، وأنه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه ،

______________________________________________________

انقسام الملاقى بالفتح لانه انقسام لما تنجز فيه الخطاب ، بخلاف الملاقي بالكسر فانه لو وجب اجتنابه لكان لتنجز خطاب آخر فيه ، لا انه انقسام لما تنجز فيه الخطاب الاول ، فلا وجه لهذا القياس.

نعم ، نجاسة الملاقي بالكسر فرع لنجاسة الاناء الملاقى بالفتح ، ولا ضرر في هذا بعد ان كان تنجّز الخطاب في الملاقي بالكسر لخطاب آخر يتنجز فيه. وسيأتي التنبيه في الفرع الثاني ان كون الملاقى بالفتح هو الاصل في نجاسة الملاقي بالكسر لا يضر ايضا في تنجز الخطاب في الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ، لان الاصالة والفرعية في التنجيس واقعا لا تستلزم المتابعة في التنجز.

وعلى كل ، فقد اشار الى ان المدار في الاحتياط عقلا بوجوب اجتناب طرفي العلم الاجمالي ـ في الحرمة او وجوب ارتكابهما فيما كان متعلق العلم الاجمالي هو الوجوب المردد بينهما ـ انما هو على تنجّز الخطاب لا على اتحاد حكم الملاقى بالفتح وحكم الملاقي بالكسر واقعا بقوله : ((انما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف)) لانه ((مما يتوقف على اجتنابه)) أي على اجتناب خصوص الاطراف فيما اذا كان المعلوم اجمالا الحرام ((وارتكابه)) أي او كان مما يتوقف على ارتكاب خصوص الاطراف فيما كان المعلوم اجمالا الوجوب ((حصول العلم)) هذا فاعل يتوقف : أي انما يجب الاحتياط عقلا فيما اذا كان يتوقف حصول امتثال العلم المنجّز على ذلك ، اما بلزوم ((اتيان الواجب او)) لزوم ((ترك الحرام المعلومين)) المنجّزين ((في البين)) ، حاصله : ان الخطاب المنجز يختصّ بخصوص اطراف العلم الاجمالي ((دون غيرها)) كالملاقي بالكسر لاحدها ((وان كان حاله)) أي حال ذلك الغير ((حال بعضها)) أي حال بعض الاطراف واقعا ((في كونه)) أي في كون ذلك الغير ((محكوما بحكم)) مثل حكم ذلك البعض ((واقعا)).

١٢٩

فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها ، فإنه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ، ولو لم يجتنب عما يلاقيه ، فإنه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس ، قد شك في وجوده ، كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر (١).

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت ان المدار على كون الشيء طرفا للعلم الاجمالي المنجّز ، يختلف الحال في الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح ، فربما يجب الاجتناب في خصوص الملاقى بالفتح دون الملاقي بالكسر ، وربما يجب الاجتناب في خصوص الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ، وربما يجب الاجتناب عنهما معا.

وقد اشار الى الفرع الاول ـ وهو وجوب الاجتناب عن خصوص الملاقى بالفتح دون الملاقي بالكسر ـ بقوله : ((وانه تارة يجب الاجتناب عن الملاقى)) بالفتح ((دون ملاقيه)) أي دون الملاقي بالكسر وذلك ((فيما)) اذا ((كانت الملاقاة بعد العلم اجمالا بالنجس بينها)) أي بعد حصول العلم الاجمالي بالنجس بين الاطراف وتنجزه فيهما فنفرض ان له طرفين بان كان هناك اناءان علمنا أولا بنجاسة احدهما ثم لاقى احدهما إناء ثالثا ، فان الملاقي بالكسر لا يجب الاجتناب عنه ولذا قال : ((فانه اذا اجتنب عنه)) أي عن الملاقى بالفتح ((و)) اجتنب ((طرفه)) غير الملاقى فقد ((اجتنب عن النجس)) المنجز ((في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه)) أي ولو لم يجتنب عن الملاقي بالكسر ((فانه على تقدير نجاسته)) أي على تقدير نجاسة الملاقي بالكسر ((لنجاسته)) أي لنجاسة الملاقى بالفتح واقعا ((كان)) الملاقي بالكسر ((فردا آخر من النجس)) غير النجس الذي هو الملاقى بالفتح ، واذا كان الملاقي بالكسر فردا آخر ليس من اطراف ما تنجز فيه العلم الاجمالي اولا ، وحيث ان الملاقي بالكسر مشكوك النجاسة لاحتمال ان لا يكون الملاقى بالفتح هو النجس الواقعي المعلوم بالاجمال بان كان النجس الواقعي المعلوم بالاجمال هو الطرف للملاقى بالفتح ، فلا ريب في انه يكون ((قد شك في وجوده)) أي في وجود الفرد

١٣٠

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم أن قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا ، ضرورة أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه ، لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل (١).

______________________________________________________

الآخر من النجس ، ويكون الملاقي بالكسر ((كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر)) في كونه محكوما بالطهارة ولا يجب الاجتناب عنه.

(١) بعد ما عرفت من ان الملاقي بالكسر لا تسري النجاسة فيه من الملاقى بالفتح ، وان توهّم السّراية باطل ، كما كون الملاقي بالكسر من شئون الملاقى بالفتح باطل ايضا لان الملاقي بالكسر فرد آخر من النجس ، وكون نجاسة الملاقي بالكسر واقعا فرعا لنجاسة الملاقى بالفتح لا تقتضي الفرعيّة في مقام التنجز ، فالاصالة والفرعية في مقام الواقع لا تقتضي الفرعية في مقام التنجز .. يتضح انه لا مجال لتوهّم نجاسة الملاقي بالكسر المذكور ، وهو فيما اذا تقدّم تنجز العلم الاجمالي فاوجب اجتناب الملاقى بالفتح اولا ، ثم حدثت الملاقاة وان تنجز العلم الاجمالي في وجوب الاجتناب عن اطرافه المخصوصة لا يقتضي ان يكون منجزا ايضا في اجتناب الملاقي لاحد اطرافه ، فيما اذا حدثت الملاقاة بعد تنجز العلم الاجمالي في اطرافه ، لان الملاقي بالكسر ليس طرفا للعلم الاجمالي في حال تنجزه ، وهو فرد آخر من النجس يحتاج الى تنجز آخر ولذا قال : (قدس‌سره) : انه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم)) اجمالا في الملاقى بالفتح ((هو الاجتناب عنه)) أي عن الملاقي بالكسر ((ضرورة ان العلم به)) أي العلم بالنجس الذي كان مرددا بين الملاقى بالفتح وطرفه ((انما يوجب تنجز الاجتناب عنه)) أي عن الملاقى بالفتح لانه طرف له في حال تنجزه ((لا)) يقتضي ((تنجز الاجتناب عن فرد آخر)) وهو الملاقي بالكسر مع انه ((لم يعلم حدوثه وان احتمل)) أي لم يعلم حدوث الفرد الآخر من النجس بواسطة الملاقاة ، لاحتمال كون الملاقى بالفتح هو النجس واقعا ، وصرف الاحتمال يقتضي كونه مجرى للاصل ، لا انه طرف للعلم الاجمالي المنجّز.

١٣١

وأخرى يجب الاجتناب عما لاقاه دونه ، فيما لو علم إجمالا نجاسته أو نجاسة شيء آخر ، ثم حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشيء أيضا ، فإن حال الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي ، وأنه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا ، لا إجمالا ولا تفصيلا (١) ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذا الفرع هو وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ... وقد ذكر له مثالين :

الاول : ان يعلم أولا اجمالا بنجاسة اما الملاقي ـ بالكسر ـ لا بعنوان انه ملاقي بالكسر او نجاسة اناء آخر ، من دون علم له بان نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ المردّدة بينه وبين طرفه هي سبب الملاقاة ، ثم بعد تنجّز هذا العلم الاجمالي يحدث له علمان : العلم بالملاقاة وان الملاقي بالكسر اذا كان نجسا فنجاسته بواسطة ملاقاته ، والعلم الآخر هو العلم الاجمالي بانه اما الملاقى بالفتح نجس او الطرف الآخر الذي كان هو الطرف للملاقى بالكسر في العلم الاجمالي الاوّلي. والقاعدة تقتضي في هذا الفرض نجاسة الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ، لانه بعد ان علم اجمالا أولا بنجس مردّد بين الملاقي بالكسر وبين الطرف الآخر ، وقد فرضنا ان هذا العلم الاجمالي كان من دون علم بان نجاسة الملاقى بالكسر على فرضها فهي بسبب ملاقاته للملاقى بالفتح. ومن الواضح : ان هذا العلم الاجمالي يوجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر والطرف الآخر ، لانه علم اجمالي بالنجاسة يقتضي تنجّزه وجوب الاجتناب عن اطرافه وهي الملاقى بالكسر وطرفه ، وبع تنجّز هذا العلم الاجمالي حصل العلم بملاقاة هذا الملاقى بالكسر للملاقي بالفتح ، وان نجاسته لو كانت فهي بسبب الملاقاة والعلم الاجمالي الآخر بنجاسة اما الملاقي بالفتح او الطرف الاول للملاقي بالكسر ، وبعد تنجز العلم الاجمالي الاول في الملاقي بالكسر وطرفه لا مجال لتنجز العلم الاجمالي الثاني ، لما عرفت من ان العلم الاجمالي انما يتنجّز حيث يكون تنجزه ممكنا في جميع

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

اطرافه ، وليس بممكن هنا تنجّز العلم الاجمالي الثاني في جميع اطرافه ، لكون طرفه هو الطرف للعلم الاجمالي الاول الذي كان بينه وبين الملاقي بالكسر ، والمنجّز لا يقبل تنجز آخر ، واذا لم يكن العلم الاجمالي الثاني منجزا في احد اطرافه لا يكون منجزا ايضا في الطرف الثاني ، فالملاقى بالفتح لا يوجب هذا العلم الاجمالي الثاني تنجّزا فيه لعدم امكان ان يكون منجزا في الطرف الملاقى بالفتح لتنجز العلم الاجمالي الاول فيه ، وحيث لا يكون العلم الاجمالي منجزا في الملاقى بالفتح فهو مجرى للاصل لانه مشكوك النجاسة ، وكون نجاسة الملاقي بالكسر فرعا عنه لو كان هو النجس الواقعي لا تضر ، لما عرفت من ان المدار ليس على الفرعية والاصالة في التنجيس ، بل المدار على الاصالة والفرعية في التنجز. وحيث ان كلا من الملاقي بالكسر والملاقى بالفتح بعد تقدم التنجيز في احدهما يكون الآخر فردا آخر من النجس يحتاج الى تنجيز آخر ، والمفروض في هذا الفرع تقدّم التنجز في الملاقي بالكسر ، فلا وجه لنجاسة الملاقى بالفتح وكونه هو الاصل في النجاسة لو كانت لا توجب كونه اصلا في مقام التنجز ، كما ان فرعيّة الملاقي بالكسر في الفرع السابق لا توجب الفرعية في مقام التنجّز.

وقد اشار الى هذا المثال الاول في كون القاعدة فيه تقتضي الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح بقوله : ((واخرى يجب الاجتناب عما لاقاه)) وهو الملاقى بالكسر ((دونه)) أي دون الملاقى بالفتح وذلك ((فيما لو علم)) اولا ((اجمالا نجاسته)) أي نجاسة الملاقى بالكسر من دون التفات الى ان سبب النجاسة فيه لو كانت ملاقاته للملاقى بالفتح ((او نجاسة شيء آخر)) وهو الطرف الثالث الذي هو الطرف فعلا للملاقى بالكسر في هذا العلم الاجمالي الاول وهو الطرف ايضا للملاقى بالفتح في العلم الاجمالي الثاني ((ثم حدث)) بعد هذا العلم الاجمالي الاول ((العلم بالملاقاة)) أي العلم بملاقاة الملاقي بالكسر للملاقى بالفتح والعلم الاجمالي الثاني ((و)) هو ((العلم)) الاجمالي اما ((بنجاسة الملاقى)) بالفتح ((او ذاك الشيء

١٣٣

وكذا لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الاجمالي ، ولكن كان الملاقى خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده (١).

______________________________________________________

ايضا)) وهو الذي كان طرفا للملاقي بالكسر في العلم الاجمالي الاول ((فان حال الملاقى)) بالفتح ((في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه)) أي حال الملاقي بالكسر ((في الصورة السابقة في عدم كونه)) أي الملاقى بالفتح في هذه الصورة ليس ((طرفا للعلم الاجمالي)) الاول المنجز ، لان طرفيه هو الملاقي بالكسر والطرف الآخر ((وانه)) أي وان الملاقى بالفتح في هذه الصورة ((فرد آخر)) من النجس ((على تقدير نجاسته واقعا)) وهو ((غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا)) لانه لم يكن طرفا للعلم الاجمالي الاول ، والعلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة الطرف الآخر ليس بمؤثر لما عرفت من لزوم كون العلم الاجمالي منجزا في كلا طرفيه ، والمفروض تنجز التكليف في الطرف الآخر بسبب العلم الاجمالي الاول ، والمنجز لا يقبل تنجزا آخر ((ولا تفصيلا)) وهو واضح لعدم العلم التفصيلي بنجاسة الملاقى بالفتح.

فاتضح : ان الملاقى بالفتح في هذه الصورة بعد ان كان ليس بطرف للعلم الاجمالي الاول المنجز ، والعلم الاجمالي الثاني ليس بمنجز فيه ، فلا اثر له في وجوب الاحتياط بالاجتناب عنه ، فيكون مجرى للاصل وهو اصالة الطهارة كما كان الملاقي بالكسر في الصورة السابقة مجرى لاصالة الطهارة.

(١) هذا هو المثال الثاني لنجاسة الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ، وذلك فيما لو علم بملاقاة الملاقي بالكسر للملاقى بالفتح ، وبعد العلم بالملاقاة حدث العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف الآخر ، ولكنه كان حين حدوث هذا العلم الاجمالي قد خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء وبقى في محل الابتلاء الطرف الآخر والملاقي بالكسر ، ومن الواضح ان في هذا الفرض يحصل علم اجمالي بنجاسة اما الملاقي بالكسر او الطرف الآخر ، ولما لم يكن العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح وطرفه منجزا بالفعل لفرض خروج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء

١٣٤

وثالثة يجب الاجتناب عنهما ، فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ، ضرورة أنه حينئذ نعلم إجمالا : إما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى ، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين ، وهو الواحد أو الاثنان (١).

______________________________________________________

حين حدوث العلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح او طرفه فلا يكون منجزا ، ويكون المؤثر فعلا هو العلم الاجمالي بوجود النجس المردد بين الملاقي بالكسر والطرف الآخر ولا مانع عن تنجيزه فيتنجّز ، وبعد تنجّزه يدخل الملاقى بالفتح في محل الابتلاء ، والقاعدة تقتضي ايضا كونه مجرى لاصالة الطهارة كما كان الملاقي بالكسر مجرى لها في الصورة الاولى. والى هذا اشار بقوله : ((وكذا)) أي ومثل المثال الاول في الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ما ((لو علم بالملاقاة ثم حدث العلم الاجمالي)) بنجاسة اما الملاقى بالفتح او الطرف الآخر ((ولكن كان الملاقى)) بالفتح ((خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه)) أي في حال حدوث هذا العلم الاجمالي ((و)) لكنه ((صار)) الملاقى بالفتح ((مبتلى به بعده)) أي بعد تنجز العلم الاجمالي المؤثر في وجوب اجتناب الملاقي بالكسر والطرف الآخر ، وقد عرفت انه لا اثر لدخوله في محل الابتلاء بعد تنجز العلم الاجمالي الموجب للاجتناب عن الملاقي بالكسر والطرف الآخر.

(١) هذا هو الفرع الثالث الموجب للاجتناب عن الملاقى بالفتح والملاقي بالكسر معا ، وهو فيما اذا حصلت الملاقاة اولا ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة اما الملاقى بالفتح او الطرف الآخر ، فان هذا العلم الاجمالي يكون له طرفان الطرف الآخر وهو غير الملاقى بالفتح الذي هو الطرف للملاقى بالفتح ، وطرفه الآخر الملاقى بالفتح والملاقي بالكسر ، والملاقي بالكسر وان كان فردا آخر من النجس الّا انه حيث لم يكن العلم الاجمالي قد سبق تنجزه في الملاقى بالفتح وكان الملاقي بالكسر مما يحتمل نجاسته ايضا

١٣٥

المقام الثاني : في دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين (١) والحق أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ـ أيضا ـ يوجب الاحتياط عقلا

______________________________________________________

وقد تنجز وجوب الاجتناب عن النجس ، وكما ان ترك الملاقى بالفتح من مقدمات امتثاله كذلك ترك الملاقي بالكسر من مقدمات امتثاله ايضا.

(١) لا يخفى ان الاقل والاكثر : تارة يكونان استقلاليين كما لو دار الامر بين وجوب قضاء صوم ثلاثة ايام من رمضان قد فاتته او اربعة.

واخرى يكونان ارتباطيين كما لو دار الامر بين كون اجزاء الصلاة الواجبة تسعة او عشرة ، لاحتمال كون السورة ـ مثلا ـ جزءا مستحبا او واجبا.

والفرق بين الاستقلاليين والارتباطيين : هو انه في الاستقلاليين يكون الاقل له وجوب يخصّه على أي تقدير : اي سواء كان الاكثر واجبا او لم يكن واجبا ، فان وجوب قضاء ثلاثة ايام من رمضان واجب فان لكل يوم منها وجوبا يختص به يترتب على الاتيان به الثواب وعلى تركه العقاب ، فالثلاثة ايام لها وجوب يختص بها سواء كان الواجب هي لا غير ، او كان الواجب عليه واقعا صوم اربعة ايام منه ، وليس الثواب والعقاب في الثلاثة ايام منوطا بوجوب صوم اليوم الرابع ..

بخلاف الاقل والاكثر الارتباطيين فانه على فرض كون الواجب واقعا هو العشرة اجزاء وهو الاكثر لا يكون للتسعة اجزاء وجوب يختص بها سواء وجب الجزء العاشر او لم يجب ، بل وجوب التسعة على فرض كون الواجب هو الاكثر يكون في ضمن وجوب الاكثر وهو الكل ، فلا يكون للبعض بما هو بعض وجوب على أي تقدير.

والحاصل : ان الاقل ان كان الواجب كان له وجوب يخصّه وان كان الاكثر هو الواجب لم يكن للاقل وجوب يخصه بل كان وجوبه في ضمن وجوب الكل ، ولا يترتب الثواب ولا الصحة على اتيان الاقل على كل تقدير ، لوضوح انه لو كان الاكثر هو الواجب فالثواب والصحة انما يترتبان على اتيان الاكثر ، والاقتصار على

١٣٦

بإتيان الاكثر (١) ، لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (٢).

______________________________________________________

اتيان الاقل لا يترتب عليه الصحة ولا الثواب ، لانه لا يكون هو المامور به واقعا الذي يترتب عليه الاثر ، لان معنى الارتباطية هو عدم حصول المامور به ولو بفقد بعض جزء واحد من اجزائه فضلا عن فقد الجزء الواحد.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان العلم الاجمالي في الاقل والاكثر الاستقلاليين منحلّ الى علم تفصيلي بالاقل وشك بدوي في الزائد عليه ، فيكون الزائد الذي هو منشأ انتزاع عنوان الاكثر مجرى للبراءة ولا خلاف فيه وليس هو محل الكلام بين الاعلام ، ولذلك خصّ البحث في المقام الثاني بالاقل والاكثر الارتباطيين لانه هو محل الكلام بين الاعلام في جريان البراءة في الزائد وعدم جريانها فيه.

(١) توضيحه : ان الاقوال في دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين ثلاثة :

ـ جريان البراءة العقلية والنقلية في الزائد.

ـ وعدم جريانهما لا عقلا ولا نقلا.

ـ والتفصيل بعدم جريان البراءة العقلية وجريان البراءة النقلية فيه ، وهو مختار المصنف في الكتاب .. ولذا جعل الكلام في موردين :

الاول البراءة العقلية ، ومختاره عدم جريانها فيه ، بل يجب الاحتياط عقلا بلزوم الاتيان بالاكثر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((الحق ان العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما)) أي بين الاقل والاكثر الارتباطيين ((ايضا)) أي كما في العلم الاجمالي بالمتباينين ((يوجب الاحتياط عقلا باتيان الاكثر)).

(٢) أي انما وجب الاحتياط عقلا باتيان الاكثر لانه علم اجمالي بثبوت تكليف فعلي منجز مردد بين كونه هو الاقل او انه هو الاكثر مع كونه من الارتباطي ، ولم يكن هذا العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي المنجز منحلا الى علم تفصيلي وشك بدوي ، فلا بد من الاحتياط ، لانه حيث لا ينحل العلم اجمالي وقد كان فعليا منجزا فاشتغال الذمة به يقينا يستلزم الفراغ اليقيني عنه ، ولا يكون ذلك إلّا باتيان الاكثر فيجب

١٣٧

وتوهم انحلاله إلى العلم بوجوب الاقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ـ ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا ، أو لغيره كذلك أو عقلا ، ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (١) ـ فاسد قطعا ،

______________________________________________________

عقلا اتيان الاكثر ، وقد اشار الى ذلك بقوله : ((لتنجزه به)) أي لتنجز التكليف بالعلم الاجمالي ((حيث)) ان المفروض ان العلم الاجمالي قد ((تعلق بثبوته فعلا)) أي بثبوت التكليف الفعلي المنجز ولم ينحل الى علم تفصيلي بالاقل وشك بدوي في الزائد عليه ، فلا بد من اليقين بالفراغ عنه ، وانما يكون ذلك باتيان الاكثر ، ولا مجرى للبراءة العقلية بعد تمامية البيان بالتكليف لفرض العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي المنجز.

(١) حاصل هذا التوهّم : ان العلم الاجمالي بالوجوب المردد بين الاقل والاكثر الارتباطي منحل الى علم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي في الزائد عليه وهو مجرى البراءة ، وذلك لان الاقل واجب على أي تقدير لانه اما ان يكون هو الكل المطلوب بالوجوب النفسي فيما اذا كان الاقل هو تمام المطلوب ، او ان الاقل هو المطلوب بالطلب الغيري المقدمي فيما اذا كان المطلوب والواجب النفسي هو الاكثر ، لوضوح مقدمية الاجزاء للكل كما مرّ بيانه في بحث مقدمة الواجب ، فالاقل مقطوع الوجوب إمّا نفسيا او غيريا ، والزائد عليه مشكوك بدوا فهو مجرى البراءة العقلية ، لفرض عدم وصول البيان فيه بخصوصه ، ومع الانحلال الى العلم التفصيلي بالاقل والشك في الاكثر لا يكون العلم الاجمالي منجزا ، لأوله الى علم تفصيلي منجز وشك بدوي لا تنجز له ، وما لم يكن العلم الاجمالي على حد سواء في التنجز بالنسبة الى اطرافه لا يكون له اثر ، فلا يجب الاحتياط في اطرافه ، بل يجب اتيان المقطوع به من اطرافه فقط والباقي ينفى بالبراءة.

ولا يخفى ان وجوب الاقل على كل تقدير اما لنفسيّته او غيريّته ومقدميّته لا يختلف الحال فيه ، سواء قلنا بوجوب مقدمة الواجب شرعا لان من يريد شيئا

١٣٨

لاستلزام الانحلال المحال ، بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ، ولو كان متعلقا بالاكثر ، فلو كان

______________________________________________________

يريد مقدمته ، او قلنا بوجوب مقدمة الواجب عقلا فقط لارشاد العقل الى لزوم الاتيان بالمقدمة لتوقف الواجب النفسي عليها ، ومع حكم العقل بلزوم اتيانها لا داعي الى طلبها شرعا ، فانه على كل حال يلزم الاتيان بالمقدمة لمقدميتها اما شرعا او عقلا ، فللأقل وجوب على كل حال اما نفسي او غيري بحكم الشرع او بحكم العقل ، ومع تنجّز الحكم الفعلي في الاقل قطعا ينحل العلم الاجمالي به فلا يكون منجزا في الزائد ، وعلى هذا لا يجب الاحتياط عقلا باتيان الاكثر ، لشغل الذمة اليقيني بالاقل والشك البدوي في الاكثر ، فليس لنا شغل ذمة يقيني مردد بين الاقل والاكثر يستدعي الفراغ اليقيني باتيان الاكثر. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((وتوهم انحلاله)) أي انحلال العلم الاجمالي ((الى العلم)) التفصيلي ((بوجوب الاقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا)) والوجه في دعوى هذا الانحلال ما اشار بقوله : ((ضرورة لزوم الاتيان بالاقل)) اما ((لنفسه شرعا)) فيما اذا كان في الواقع هو تمام المطلوب ((او)) يلزم الاتيان به ((لغيره كذلك)) أي شرعا فيما اذا قلنا بوجوب المقدمة شرعا فيما اذا كان المطلوب في الواقع هو الاكثر ، فان الاقل يكون مقدمة له فيجب شرعا بالوجوب الغيري ((او)) كان الاقل واجبا ((عقلا)) فقط فيما اذا قلنا بالوجوب العقلي في مقدمة الواجب دون الوجوب الشرعي ((ومعه)) أي ومع وجوب الاقل تفصيلا ولزوم الاتيان به اما لنفسه او لغيره ينحل العلم الاجمالي و ((لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر)) أي لا يكون لنا علم اجمالي منجزا في الاكثر لو كان الاكثر هو تمام المطلوب ، لما عرفت من ان العلم الاجمالي المنجز في جميع اطرافه لا بد وان يكون نسبته الى جميع اطرافه على حد سواء ، ومع رجوعه الى علم تفصيلي بالاقل وشك بدوي في الاكثر لا يكون لنا علم متساوي النسبة الى جميع اطرافه.

١٣٩

لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه إلا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا (١) ، مع أنه يلزم من وجوده عدمه ، لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان قوله : ((فاسد)) هو خبر المبتدأ المتقدم وهو ((توهم انحلاله)). وحاصله : ان توهم انحلال العلم الاجمالي المردد بين الاقل والاكثر بالوجه الذي ذكروه لانحلاله فاسد قطعا.

وتوضيح فساد هذا الانحلال ـ مضافا الى انه مستلزم للمحال المشار اليه في الكتاب ـ : ان المقدمة الداخلية وهي اجزاء الكل وان كانت واجدة لملاك المقدمية إلّا انها غير واجبة لا شرعا ولا عقلا ، لما مر في مقدمة الواجب من استلزام وجوبها شرعا لاجتماع المثلين الوجوب الغيري والوجوب النفسي المنبسط عليها وهو وجوب الكل ، ولان الغرض من وجوب المقدمة شرعا او عقلا هو جعل الداعي الى اتيانها اما من الشرع او العقل لتوقف الواجب عليها ، ومع وجود الداعي الى اتيان الاجزاء من نفس الوجوب النفسي المتعلق بالكل لا وجه لجعل الداعي اليها لا من الشرع ولا من العقل ، وعليه فلا يكون الاقل مما قطع بوجوبه اما نفسيا او غيريا ، بل ليس لنا إلّا وجوب واحد نفسي مردد بين الاقل والاكثر ، وحيث لا قطع بوجوب الاقل على كل تقدير فلا يكون العلم الاجمالي منحلا الى علم تفصيلي وشك بدوي.

واما ما اشار اليه في الكتاب من استلزام هذا الانحلال للمحال ... فتوضيحه : ان الانحلال بالوجه المذكور مستلزم للخلف اولا ، وانه يلزم من وجوده عدمه ثانيا.

اما الخلف فلأن الانحلال انما هو لكون الاقل مقطوع الوجوب فعلا اما لوجوبه النفسي او لوجوبه الغيري ، ومن الواضح ان الوجوب المقدمي الغيري تابع في فعليته فعلية وجوب ذي المقدمة ، ففرض كون الاقل واجبا بالوجوب الفعلي اما لنفسه او لغيره لا يكون إلّا بفرض كون الاكثر واجبا فعليا ، ولازم الانحلال المذكور عدم فعلية الاكثر ، فيلزم من هذا الانحلال فرض فعلية الاكثر وعدم فعليته ، وهو الخلف.

١٤٠