بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول : ان يكون المراد به هو الضرر ، وجيء به تأكيدا كما هو مختاره.

الثاني : ان يكون المراد به هو الضرر الذي يكون في قبال الضرر ، لانه مصدر باب المفاعلة ، فهو من ضار يضار ضرارا ، كقاتل يقاتل قتالا ، وباب المفاعلة هو فعل الاثنين. فالمراد منه هو فعل الشخص ضرر الغير في قبال الضرر الذي هو فعل الغير ايضا ، كما ان القتال هو فعل القتل لمن يفعل القتل ، والمعانقة هو فعل العناق لمن يفعل العناق ايضا.

والحاصل : ان باب المفاعلة يدلّ على المشاركة ، فالضرار هو فعل ضرر لمن يفعل الضرر ، لانه مصدر باب المفاعلة الدالة على المشاركة ، وعليه فلا بد وان يكون الضرر فعل الاثنين في باب الضرار.

الثالث : ان يكون المراد من الضرار هو الجزاء على الضرر ، ولازم كونه الجزاء على الضرر هو تضرر المجازى للمجازى ، فهو اخص من باب المفاعلة ، فانه لا يشترط فيها ذلك ، فان المقاتلة هي ارادة قتل من يريد القتل لا مجازاة من فعل القتل ، لصدق المقاتلة على الاثنين ولم يصل قتل احدهما الى الآخر.

اذا عرفت هذا ... فنقول : انه يظهر من المصنف ان المراد من الضرار في القاعدة هو الضرر وقد جيء به تأكيدا ، بعد تسليمه ان الاصل فيه هو فعل الاثنين لانه مصدر باب المفاعلة الدالة على المشاركة ، الّا انه حيث اطلق في المقام المضار على سمرة فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له ـ بعد إبائه عن كل ما عرضه عليه ـ انك رجل مضار ، والمضار هو المتلبس بالضرار. وحيث لم يكن فعل سمرة للضرر في قبال ضرر من الانصاري ، بالنسبة اليه ، بل لم يكن هناك الا ضرر واحد وهو من سمرة بالنسبة الى الانصاري ، فقرينة المقام تدل على ان المراد من الضرر بعد تلبس سمرة به هو الضرر منه وحده وهو فعل الواحد لا فعل الاثنين ، فيتعيّن الوجه الأول في الضرر دون الوجه الثاني.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

واما الوجه الثالث فيرده : اولا : انه لا تدل باب المفاعلة عليه ، وليس المفهوم منها هو الجزاء على الفعل كما عرفت في قاتل واشباهها. وثانيا : اطلاق المضار على سمرة ولم يكن فعله للضرر جزاء منه ، حيث لم يكن للانصاري ضرر بالنسبة اليه.

ثم لا يخفى ان ما ذكره المصنف من كون المراد من الضرر في المقام هو الضرر وجيء به للتأكيد قد حكي عن بعض اللغويين ، كما يدلّ عليه ما في نهاية ابن الاثير فانه بعد ان ذكر حديث لا ضرر ولا ضرار ـ بزيادة في الاسلام كما انها موجودة في بعض روايات هذه القاعدة من طرقنا ايضا ـ وبعد ان فسر الضرر بانه ضد النفع وان الضرر فعل الواحد ، والضرار فعل الاثنين ... قال في آخر كلامه : قيل هما بمعنى وتكرارهما للتأكيد ، ومراده من قوله هما بمعنى : أي بمعنى واحد ، ولازم كون الضرار تأكيدا هو كون المعنى الواحد هو الضرر الذي هو فعل الواحد.

وقد اشار المصنف الى جميع ما ذكرنا ، فاشار الى ان الاظهر هو الوجه الأول ، وان المراد من الضرار هو الضرر الذي هو فعل الواحد بقوله : ((ان الاظهر ان يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيدا)) واشار الى الاستدلال عليه باطلاق المضارّ الذي فاعل الضرار على سمرة وفعله كان فعل الواحد بقوله : ((كما يشهد به اطلاق المضارّ على سمرة)) واشار الى انه هو محكى عن بعض اللغويين في النهاية بقوله : ((وحكى عن النهاية)) واشار الى تسليم كون الاصل في باب المفاعلة هو فعل الاثنين لدلالتها على المشاركة بقوله : ((لا فعل الاثنين)) أي ان المراد من الضرار في المقام هو فعل الواحد لا فعل الاثنين للقرينة ((وان كان)) أي فعل الاثنين ((هو الاصل في باب المفاعلة)) لدلالتها على المشاركة بحسب الاصل. واشار الى الوجه الثالث بقوله : ((ولا الجزاء على الضرر)) أي كما انه ليس المراد من الضرار في المقام فعل الاثنين ، كذلك ليس المراد منه في المقام الجزاء على الضرر. واشار الى وجه ردّه بقوله : ((لعدم تعاهده من باب المفاعلة)) أي لم يعهد في باب المفاعلة ان يراد بها الجزاء على فعل الغير.

٣٠٢

وبالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر (١).

______________________________________________________

(١) حاصله : انه بعد ان اطلق المضارّ على سمرة ، فهو ان لم يكن قرينة على ان المراد من الضرار في المقام هو الضرر الذي هو فعل الواحد ، فلا اقل من ان يكون لا دلالة له على فعل الاثنين ، فلم يثبت للضرار في المقام معنى آخر غير معنى الضرر.

والحاصل : انه لو تنزلنا عن ظهوره في كونه للتأكيد ، فلا اقل من اجماله وانه لا ظهور له في غير معنى الضرر كما لا يخفى. ولا يخفى انه لازم تسليم كون الاصل في باب المفاعلة هو المشاركة وفعل الاثنين هو استعمال الضرار في المقام في الضرر الذي هو فعل الواحد من المجاز ، وقد دلّت عليه القرينة وهي اطلاق المضار على سمرة. الّا انه لا ينبغي تسليم ذلك ، وليس الاصل في باب المفاعلة هو المشاركة وفعل الاثنين ، والثابت من الاستعمالات في القرآن وفي الاستعمالات المتعارفة عدم دلالة باب المفاعلة على المشاركة وفعل الاثنين. اما في القرآن فكقوله تعالى : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ)(١) وكقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ)(٢) وكقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ)(٣) فان المهاجرة والمناداة في الآية والمراءاة ليس من فعل الاثنين والمشاركة ، وغير ذلك مما هو في الذكر الكريم كنافقوا وشاقوا. واما الاستعمالات المتعارفة كقولهم : سافر ، وباشر الامر ، وساعده الحظ وناجى ربه وصادق على الامر ، وجازف فيه ، وشاهد الشيء وغير ذلك ، فان باب المفاعلة في هذه الموارد كلها لا يدل على المشاركة وفعل الاثنين ، وليس استعمالها من المجاز لعدم لحاظ العلاقة فيها. والفرق بين باب المفاعلة التي هي من المزيد والفعل المجرد كجلس وجالس وضرب وضارب هو ان باب المفاعلة يدل على التصدي لايصال

__________________

(١) النساء : الآية ١٠٠.

(٢) مريم : الآية ٥٢.

(٣) الماعون : الآية ٦.

٣٠٣

كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة ، كما هو الاصل في هذا التركيب حقيقة أو ادّعاءً ، كناية عن نفي الآثار ، كما هو الظاهر من مثل : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ويا أشباه الرجال ولا رجال فإن قضية البلاغة في الكلام هي إرادة نفي الحقيقة ادّعاءً (١) ،

______________________________________________________

المبدأ والتصدي للايصال هو فعل الفاعل ، فان كان المجرد لازما فهو يدل على محض وجود المبدأ ، فان جلس تدل على ايجاد الجلوس ، وجالس تدل على فعل الفاعل له مع الغير والتصدي لايصاله له ، فان جالس تدل على ان الفاعل فعل الجلوس مع الغير. وان كان المجرد متعديا فهو يدل على وصول الفعل من الفاعل الى الغير ، فضرب زيد عمرا تدل على وصول ضرب زيد عمرا ، بخلاف ضاربه فانها تدل على التصدّي لايصال زيد الضرب الى عمرو ، ولذلك يصدق ضرب زيد عمرا وان كان الذي رفع يد زيد مثلا وضرب بها عمرا كان غير زيد. ولا يصح ذلك في ضارب زيد عمرا ، لدلالتها على ان الفاعل هو المتصدي لايصال الضرب لعمرو.

واذا كان هذا هو الفرق بين باب المفاعلة والمجرد ، فالفرق بين الضرر والضرار ان الضرر هو النقص الصادر من الفاعل سواء كان راجعا الى نفسه او الى غيره ، والضرار هو التصدّي لايصال الضرر الى الغير ، ولذلك كان سمرة مضارا لانه كان متصدّيا لايصال الضرر الى الانصاري وهو استعمال حقيقي لا مجاز فيه ، فالمنفي بقاعدة الضرر والضرار هو النقص من دون التصدّي فيه للايصال ، والنقص مع التصدّي فيه للايصال. والله العالم.

(١) لا يخفى ان المشار اليه في عبارة المتن احتمالات اربعة للفظة (لا) : الأول : كون (لا) لنفي حقيقة مدخولها ـ وهو الضرر ـ ادّعاءً. الثاني : كون المنفي بها الحكم الضرري. الثالث : كون المنفي هو نوع خاص من الضرر وهو الضرر غير المتدارك. الرابع : كون (لا) ليست بنافية ، بل هي ناهية عن فعل الضرر.

ومختار المصنف هو الأول ، وتوضيحه يحتاج الى بيان امور :

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأول : ان (لا) حيث كانت للنفي فلا بد لها من منفي يكون هو المدخول لها ، ولا بد وان يكون المستفاد من ظهور (لا) النافية لمدخولها هو نفي حقيقة مدخولها ، لدلالتها على النفي ومدخولها على الحقيقة ، فظهورها الاولي هو نفي حقيقة مدخولها. وحيث الظاهر من الاسناد هو الاسناد الحقيقي فيكون ظهورها الاولى نفي حقيقة مدخولها حقيقة ، فتدل مثل (لا رجل في الدار) على نفي حقيقة الرجل في الدار حقيقة. ومثل (لا صلاة إلّا بطهور) على نفي حقيقة الصلاة من غير طهور حقيقة.

الثاني : انه حيث يتعذر ارادة نفي الحقيقة حقيقة ، اما لقيام الدليل على عدم نفيها حقيقة كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد ، حيث قام الدليل على صحة الصلاة في المحلّ المجاور للمسجد ، او لقرينة تقوم في نفس الكلام على ذلك كقوله يا اشباه الرجال ولا رجال ، فانه لما كان المخاطبون هم رجال حقيقة فلا يكون المراد من لا رجال هو نفي الحقيقة حقيقة. وحينئذ فالمراد بلا نفي الحقيقة ادّعاءً بلحاظ أن الصلاة في غير المسجد غير الواجدة للكمال هي كما لو لم تكن بصلاة حقيقة ، فيكون المستفاد منها نفي حقيقة الصلاة ادّعاءً لا حقيقة. وكذلك الحال في لا رجال فانهم حيث كانوا ناقصين عن درجة الكمال وهي الشجاعة لتقاعسهم عن الحرب فلذلك نفى حقيقة الرجالية عنهم ادّعاءً. فالمثلان المذكوران في عبارة المتن هما لنفي الحقيقة ادّعاءً ، لا لنفي الحقيقة حقيقة ليقال بانه كان المناسب ان يمثل بقوله عليه‌السلام : (لا صلاة إلّا بطهور). وحيث كان الضرر مما يترتب على الفعل الخارجي حقيقة في الخارج فلا يعقل ان يكون المراد بلا النافية للضرر هي النفي له حقيقة ، بل المراد بها نفي حقيقة الضرر ادّعاءً لا حقيقة.

الثالث : ان المراد من هذا النفي الادعائي لحقيقة الضرر هي نفي الآثار الشرعية الجعلية المترتبة على الموضوعات الضررية والاحكام الضررية ، فالمنفي في الوضوء الضرري هو الحكم المتعلق به لو لا هذه القاعدة ، وكذلك المنفي في المعاملة الضررية

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هو صحتها المترتبة منها لو لا هذه القاعدة. والمنفي في قصة سمرة الحكم الضرري وهو سلطنته على نخلته وحرمة التصرّف فيها بالقلع ، فانه بعد ان كان مضارا فلا سلطنة له على نخلته ولا يحرم قلعها ، لان سلطنته عليها ضررية وحرمة التصرّف فيها بالقلع ضررية ايضا ، فالسلطنة وحرمة التصرف حكمان ضرريان ، وانما كان المنفي هو الآثار الشرعية الجعلية لان الضرر له اثر تكويني وهو غير مرفوع عن الضرر قطعا ويترتب عليه كلما تحقق الضرر ، بخلاف اثره الشرعي الجعلي ، فحيث انه بيد الشارع جعله فبيد الشارع رفعه ، مع ان المناسب لمقام الشارع بما هو شارع رفع الآثار الشرعية دون التكوينية لانها هي المرتبطة به بما هو الشارع ، واما التكوينية فمرتبطة به بما هو مكوّن لا شارع. فقضية لا ضرر ان كانت خبرية بلسان الحكاية عن رفع الضرر خارجا ادّعاءً فهي باعتبار رفع ما يترقب تعلقه به وترتبه عليه. وان كانت انشائية فهي رفع للضرر في مقام الانشاء ادّعاءً ـ ايضا ـ باعتبار رفع ما يترتب تعلقه به وترتبه عليه.

الرابع : ان الحقيقة الادعائية هي مجاز في الاسناد وليس فيها تصرف في امر لفظي لا باستعمال له في غير ما وضع له ، ولا بتقدير كلام فيه ، فحيث يدور الامر بينها وبين المجاز في الكلمة او التقدير فهي اولى ، لان نفي الحقيقة ادّعاءً اقرب الامور الى نفي الحقيقة حقيقة ، فيتعين نفيها ادّعاءً بعد تعذر نفيها حقيقة. وقد اشار المصنف الى ان الاصل الاولي في (لا) رفع حقيقة مدخولها حقيقة ، فان تعذر فالاصل الثاني فيها هو رفع الحقيقة ادّعاءً بقوله : ((ان الظاهر ان يكون لا لنفي الحقيقة كما هو الاصل في هذا التركيب)) اولا ان يكون لنفي الحقيقة ((حقيقة)). واشار الى انه مع تعذّر الحقيقة حقيقة فالاصل ثانيا في هذا التركيب هو رفع الحقيقة ادّعاءً بقوله : ((او ادّعاءً)) واشار الى ان رفع الحقيقة ادّعاءً هو يكون كناية عن رفع الآثار الشرعية بقوله : ((كناية عن رفع الآثار)). ثم مثّل لرفع الحقيقة ادّعاءً بقوله : ((كما هو الظاهر ... الى آخر الجملة)). واشار الى ان الرفع الادعائي هو المناسب للرفع

٣٠٦

لا نفي الحكم (١)

______________________________________________________

الحقيقي بعد تعذره بقوله : ((فان قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادّعاءً)) وانما كانت قضية البلاغة هي الرفع الادعائي بعد تعذّر الرفع الحقيقي ، لان الحقيقة المرفوعة آثارها هي بحكم العدم ، فناسب ان يدعى رفعها كناية عن رفع آثارها ، والمراد من الآثار هي الاعم مما يترتب عليها كالصحة في المعاملة الضررية ، او ما يتعلق بها كالحكم الشرعي المتعلق بالموضوع الضرري ، او الحكم الذي يترتب عليه الضرر كالملكية او السلطنة الموجبين للضرر.

(١) قد عرفت ان الاحتمالات المشار اليها في المقام الرابع اربعة ، وقد مضى الكلام في الأول ، وهو كون (لا) لنفي الحقيقة ادّعاءً ... فاشار الى الاحتمال الثاني بقوله : ((لا نفي الحكم)) وحاصله : ان المنفي بلا هو الحكم الذي ينشأ منه الضرر ، فيكون النفي على هذا نفيا حقيقيا لا ادعائيا ، لان الحكم الذي ينشأ منه الضرر منفي حقيقة لا ادّعاءً ، ويكون النفي لنوع خاص من انواع الضرر ، وهو الحكم الذي يكون سببا للضرر لو لا هذه القاعدة. وهذا هو ظاهر الشيخ الاعظم في رسائله ... وملخص المتحصّل من استدلاله عليه : ان هذه القضية اما ان تكون انشائية ويكون الشارع قد انشأ بقوله لا ضرر النفي في المقام ، فلا بد وان يختصّ بالضرر الآتي من قبل الشارع ، وهو الضرر الآتي من قبل حكمه ، لان حكمه هو الذي بيده رفعه ووضعه بما هو شارع .. وان كانت القضية خبرية فالامر كذلك ايضا ، لان المناسب لاخبار الشارع بما هو شارع ان المنفي المخبر عنه في المقام مما يعود اليه بما هو شارع وهو الحكم فانه هو الذي يعود اليه رفعه ووضعه بما هو شارع. هذا كلّه مع قيام القرينة على ان المنفي مما يرجع الى الشارع ، كقوله في الاسلام ، وقيام قرينة المقام على ذلك ايضا وهو انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قوله لا ضرر قال للانصاري اقلعها ولازم جواز القلع ان يكون المرفوع سلطنة سمرة وهو حكم وضعي ، وحرمة التصرّف في مال الغير وهو حكم تكليفي.

فتحصّل ان المنفي والمرفوع بهذه القاعدة هو الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

٣٠٧

أو الصفة (١) ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

ولا يخفى ان لازم هذا هو اختصاص القاعدة برفع الاحكام التي ينشأ منها الضرر ولا تشمل الموضوعات الضررية.

وفيه اولا : انه لا وجه لحملها على ما يوجب الاختصاص بالحكم الضرري دون الموضوع الضرري ، بعد امكان حملها على ما يشمل الموضوع ايضا ، وهو رفع الضرر ادّعاءً كناية عن رفع ما يترقب منه وما يتعلق به.

وثانيا : ان ما ذكره من المناسبة للشارع بما هو شارع ، والقرينة اللفظية وهي في الاسلام ، والقرينة المقامية وهي قضية سمرة ، لا توجب تعيين كون المرفوع هو الحكم ، بل ما ذكر يناسب ايضا الحمل على الادعاء لرفع ما يعود الى الشارع بما هو شارع.

وثالثا : ما اشار اليه من ان كون المنفي هو الحكم الضرري يستلزم اما المجاز في الكلمة ، بان يستعمل لفظة الضرر في الحكم الضرري مجازا ، او الاضمار للفظة الحكم بان يكون التقدير لا حكم يوجب الضرر. والمجاز في الكلمة والاضمار كلاهما لا ينبغي ان يصار اليهما بعد امكان عدم التصرّف في اللفظ بالحمل على النفي الادعائي ، فانه من المجاز في الاسناد والتصرّف فيه في امر عقلي ، مضافا الى مناسبته للرفع الحقيقي لان الحقيقة التي لا أثر لها بحكم العدم.

(١) يشير الى الاحتمال الثالث ، وهو ان المنفي هو الضرر غير المتدارك. وينبغي ان لا يخفى ان هذا الاحتمال ليس في قبال الاحتمالين الاولين ، بل المراد منه ان الضرر المنفي سواء كان الحقيقة بنحو الادعاء ، او كان الحكم الذي ينشأ منه الضرر ، فالمنفي فيه ليس هو المطلق ، بل خصوص غير المتدارك منه. ولعل وجهه ان المتدارك منه ليس من الضرر فلا تكون القاعدة شاملة له ، ففي مثل موارد الضرر الذي حكم الشارع بالتضمين فيه لا يكون الضرر منفيا لتداركه بحكم الشارع في مورده بالتضمين :

وفيه اولا : انه ان كان المنفي خصوص الضرر غير المتدارك ، والضرر المتدارك لا يكون منفيا بهذه القاعدة ... فالمراد من التدارك ان كان هو التدارك الاخروي

٣٠٨

ونفي الحقيقة ادّعاءً بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة (١) ، مما لا يخفى على من له

______________________________________________________

فلا يبقى للقاعدة من الموارد الا القليل ، لان جميع الاحكام الضررية كالوضوء المضرّ بالنفس او الطرف لا يكون منفيا لتداركه بالاجر والثواب ، بل يكون من افضل الاعمال لانه اشقها. وكذلك بذل المال الكثير المضر بذله بالشخص ازاء ماء الوضوء لا يكون منفيا بالقاعدة ايضا لانه ايضا متدارك بالاجر الاخروي ، مع ان الفقهاء على النفي في هذين الموردين واشباههما بهذه القاعدة ، هذا مضافا الى انه لو كان المراد هو الضرر غير المتدارك بالثواب يكون منافيا لقضية سمرة التي طبق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها قاعدة الضرر ، لوضوح ان الضرر العائد من سمرة الى الانصاري لا ريب في انه للانصاري الاجر والثواب في قباله. وان كان المراد من التدارك هو التدارك المالي فيكون المتحصّل منها ان الضرر المنفي هو الضرر غير المتدارك بالمال ، والضرر غير المنفي هو الضرر المتدارك بالمال ، فيكون المراد بالقاعدة نفيا واثباتا هي الاضرار المالية. فهو ايضا ينافي استدلال العلماء بها في الاضرار غير المالية ، وينافي تطبيق القاعدة على سمرة ، لان ضرره للانصاري لم يكن ضررا ماليّا.

وثانيا : ان كون المراد من الضرر المطلق المنفي في القاعدة هو خصوص غير المتدارك منه ، اما باستعمال المطلق في الخاص ابتداء مجازا او باضمار الصفة وتقديرها ، وكلاهما خلاف الظاهر لا يصار اليه الّا بدالّ يدلّ على ذلك ، وليس في الكلام ما يدلّ عليه ، واما نفس تعذّر الحمل على الرفع الحقيقي فلا يكون قرينة عليه بعد ما عرفت من ان حمله على الرفع الادعائي اقرب الاحتمالات اليه.

(١) حاصله : ان نفي الحقيقة ادّعاءً لازمه استعمال كل من (لا) ومدخولها فيما وضعا له من غير تصرّف فيهما. ومرجع الفرق بين الادعائي والحقيقي ان الاصل الاولي هو كون الداعي لنفي الحقيقة هو كون الواقع كذلك حقيقة ، وفي الادعائي هو كون الداعي لنفي الحقيقة ليس هو الواقع ، بل ادعاء ذلك ، وحيث انه لا يكون

٣٠٩

معرفة بالبلاغة (١).

وقد انقدح بذلك بعد إرادة نفي الحكم الضرري ، أو الضرر غير المتدارك ، أو إرادة النهي من النفي جدا (٢) ، ضرورة بشاعة

______________________________________________________

النفي الادعائي جزافا بل لا بد وان يكون بلحاظ شيء ، فيمكن ان يكون الداعي لنفي الحقيقة ادّعاءً هو نفي الحكم الذي يوجب تحققه تحقق هذه الحقيقة ، او نفي الصفة التي يمكن ان تلحق هذه الحقيقة ، ومآله الى نفي خصوص الحقيقة المتصفة بهذه الصفة. ومن الواضح ان دواعي الاستعمال لا تستلزم التصرّف في مقام الاستعمال.

فاتضح ان النفي الادعائي للحقيقة لا يستلزم مجازا او اضمارا ، بخلاف ما اذا اريد ابتداء من هذا التركيب هو نفي الحكم او نفي الصفة ، فانه يستلزم اما المجاز في الكلمة باستعمال لفظ الحقيقة في خصوص سبب من اسبابها وهو الحكم ، او استعمال العام في احد انواعه بالخصوص وهو الخاص ، لان الضرر المتصف بكونه غير متدارك نوع خاص من حقيقة الضرر العام ، او يستلزم الاضمار ، بتقدير الحكم في الأول ، وغير المتدارك في الثاني ، بخلاف ما اذا كان الداعي لنفي الحقيقة ادّعاءً احدهما ، فانه لا يستلزم شيئا من ذلك اصلا لا مجازا في الكلمة ولا اضمارا. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((ونفي الحقيقة ادّعاءً بلحاظ)) كون الداعي له هو نفي ((الحكم او الصفة غير نفي احدهما)) من الحكم او الصفة ((ابتداء)) فانه لا يستلزم شيئا لا مجازا في الكلمة ولا اضمارا واما نفي احدهما بهذا التركيب ابتداء فانه يستلزم اما ((مجازا في التقدير)) وهو الاضمار ((او)) مجازا ((في الكلمة)).

(١) يشير بهذا الى وجه ترجيح النفي الادعائي ـ مضافا الى عدم استلزامه خلاف الظاهر لا إضمارا ولا مجازا في الكلمة ـ ان نفي الحقيقة ادّعاءً بلحاظ امر من الامور من انواع الكناية التي هي ابلغ الاساليب في مقام النفي او الاثبات.

(٢) حاصله : انه بعد ما عرفت من ترجيح الحمل على النفي الادعائي بعد تعذّر النفي الحقيقي .. يتضح صحة الاحتمال الأول ، وهو كون المراد بلا ضرر نفي الآثار

٣١٠

استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه ، أو خصوص غير المتدارك منه (١) ، ومثله لو أريد ذاك بنحو التقييد ، فإنه وإن لم يكن

______________________________________________________

الشرعية المترقبة من الضرر سواء كانت حكما ضرريا او موضوعا ضرريا ، دون الاحتمال الثاني ، وهو كون المراد بلا ضرر نفي خصوص الحكم الضرري. واليه اشار بقوله : ((بعد ارادة نفي الحكم الضرري)) ، ودون الاحتمال الثالث وهو كون المنفي خصوص الضرر غير المتدارك ، واليه اشار بقوله : ((او الضرر غير المتدارك)).

قوله (قدس‌سره) : ((او ارادة النهي ... الخ)) يشير الى الاحتمال الرابع ، وهو كون المراد من النفي في المقام هو النهي ، فمرجع لا ضرر الى النهي عن ايجاد الضرر ، فانه بعد ما اتضح ترجيح الاحتمال الأول لا وجه لهذا الاحتمال ايضا ، وسيأتي الاشارة الى ان حمل النفي في المقام على النهي لا وجه له ايضا.

(١) ظاهر عبارة المتن ان لا ضرر نفي للضرر مطلقا ، فلا وجه لتخصيصه بخصوص احد اسبابه وهو الضرر الناشئ من الحكم ، مع ان الضرر ينشأ من الحكم الضرري ومن الموضوع الضرري. ويمكن ان يكون مراده من البشاعة ان ظاهر لا ضرر هو نفي الشيء الضرري بلحاظ ذاته من دون لحاظ تعلق الحكم به ، كشراء الماء للوضوء بالثمن الغالي جدا ، وكالمعاملة الغبنيّة ، وكالوضوء الذي يعود بضرر على البدن ، وكسلطنة سمرة المستلزمة للضرر على الانصاري ، فان هذه الامثلة واشباهها مما يترتب عليها الضرر بذاتها ، فالمنفي بلا ضرر امثال هذه الامور التي تستلزم الضرر بذاتها لا بملاحظة تعلق الحكم ، ويكون رفع الضرر في هذه الامور من باب رفع الاثر بلسان رفع موضوعه وهو الضرر ، ولازم ذلك رفع الحكم المتعلق بهذه الامور. اما الشيء الذي لا يكون ضررا بذاته بل ينشأ من الحكم بالجمع بينه وبين غيره الضرر فليس مشمولا للقاعدة ، فاذا كانت الاحكام متعلقة بامور غير ضررية ولكن لزم من الحكم بالجمع بينها ضرر فلا يكون منفيا بهذه القاعدة. وقد رتب على هذا ثمرة ، وهو ما تقدّم منه (قدس‌سره) في الانسداد من ان دليل لا ضرر ولا حرج لا يشمل

٣١١

ببعيد ، إلا أنه بلا دلالة عليه غير سديد (١) ، وإرادة النهي من النفي وإن

______________________________________________________

الاحتياط في الجمع بين الاطراف للاحكام المعلومة بالاجمال ، لان المنفي بلا ضرر ما هو ضرر بذاته من دون تعلق الحكم به ، لان متعلقات الاحكام ليست بذاتها ضررية ، وانما لزم الضرر من الحكم بالجمع بينها ، فالضرر ناشئ من الحكم لا مما هو ضرر بذاته من دون تعلق الحكم.

ولا يخفى انه انما كان ظاهر العبارة هو الاحتمال الأول وهو انه لا وجه لحمل ما ظاهره الاطلاق والشمول للحكم الضرري والموضوع الضرري على خصوص الحكم الذي يتسبب منه الضرر ، بعد ان كان الضرر مسببا عن الحكم وعن الموضوع ، لاجل العطف بقوله : ((او خصوص غير المتدارك)) عليه فان الظاهر من هذا العطف هو انه كما لا وجه لحمل الضرر على خصوص سبب من اسبابه وهو الحكم الضرري بالخصوص ، كذلك لا وجه لان يراد منه خصوص غير المتدارك منه بعد ان كان المنفي هو الضرر المطلق الشامل للمتدارك وغير المتدارك. والله العالم.

(١) توضيحه : ان هذا راجع لخصوص غير المتدارك ، وقد تقدّم منه في صدر العبارة : ان ارادة خصوص الضرر غير المتدارك بنحو المجاز في الكلمة لا وجه له. اما اذا اريد خصوص الضرر غير المتدارك بنحو تعدد الدال والمدلول فلا يستلزم مجازا في الكلمة ، الّا انه بعيد لا ينبغي ان يصار اليه لانه رفع يد عن الاطلاق من دون دلالة دليل على التقييد.

وحاصل العبارة : ان مثل اطلاق الضرر وارادة خصوص غير المتدارك منه مجازا ما اذا اريد خصوص غير المتدارك بنحو تعدّد الدال والمدلول ، فان ارادته بنحو تعدّد الدالّ والمدلول وان لم يكن بعيدا الّا انه يحتاج الى دليل يدل على التقييد ، ومع عدم وجود الدليل على التقييد لا يرفع اليد عن الاطلاق ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((ومثله)) أي ومثل ارادة خصوص غير المتدارك مجازا ((لو اريد ذاك)) أي خصوص غير المتدارك ولكنه ((بنحو التقييد)) وتعدّد الدال والمدلول ((فانه وان لم

٣١٢

كان ليس بعزيز ، إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب (١) ، وعدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد

______________________________________________________

يكن ببعيد)) لعدم بشاعة التقييد بنحو تعدّد الدال والمدلول ((الّا انه بلا دلالة عليه غير سديد)) لانه رفع يد عن الاطلاق من دون دلالة على التقييد ، لانه رفع يد عن حجة من غير حجة.

(١) قد عرفت مما مر ان ظاهر هذا التركيب نفي الحقيقة حقيقة ، واذا كان متعذرا فاقرب الامور اليه هو نفي الحقيقة ادّعاءً ، لانه يحافظ على ظهور (لا) في النفي وظهور المدخول في ان المراد به معناه الحقيقي ، وانما التصرّف في امر عقلي وهو ادعاء كون هذا النفي نفيا حقيقيا ، فلا وجه لرفع اليد عن النفي بعد امكان بقائه على حاله.

هذا مضافا الى ما اشار اليه في المتن بقوله : ((وارادة النهي من النفي وان كان ليس بعزيز إلّا انه لم يعهد من مثل هذا التركيب)). وحاصله : ان اطلاق الجمل المنفية وارادة النهي منها موجود ومستعمل كثيرا ، كمثل لا يكفي ولا يجزي ولا يصح ، فان المراد بها النهي عن فعل ما لا يكفي وما لا يجزي وما لا يصح ، الّا ان ارادة النهي من مثل هذا التركيب وهو النفي المسلط على الحقيقة غير معهود في الاستعمال ، بل ربما يكون ارادة النهي من النفي فيها في بعضها غير معقول ، كمثل لا شك لكثير الشك ، ولا سهو في النافلة ، ولا سهو في سهو ، اذ لا يعقل ان يكون المراد منها نهي كثير الشك عن شكه ، ولا النهي عن فعل السهو في النافلة ، ولا النهي عن فعل السهو في السهو.

ثم لا يخفى انه ينبغي ان يكون مراده من عدم المعهودية لإرادة النهي من هذا التركيب هو عدم معهودية ارادة ذلك في مقام يمكن حمله على نفي الحقيقة ادّعاءً ، والّا فربما يكون حمله على النهي متعينا كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا

٣١٣

منها ، بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء ، بل كان هو الغالب في موارد استعماله (١).

______________________________________________________

جِدالَ)(١) فانه من الواضح انه لم يرد منها رفع آثار الرفث والفسوق والجدال ، بل المراد منها النهي عنها في الحج.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : ان هذا التركيب ربما يكون المتعيّن فيه النفي كمثل لا شك ولا سهو ، وربما يكون المتعيّن فيه النهي كمثل لا رفث ولا جدال ، وربما يكون الظاهر منه النفي كمثل لا ضرر ولا ضرار.

(١) حاصله : دفع دخل ، وهو انه لا يقال : ان الداعي لحمل لا ضرر في المقام على احد الاحتمالات المذكورة هو عدم امكان ارادة نفي الضرر حقيقة على وجه الحقيقة.

فانه يقال : ان عدم امكان ارادة النفي الحقيقي منها لا يوجب ان يكون المراد منها احد الاحتمالات الثلاثة ، بل لا بد من ملاحظة الاقرب منها الى النفي الحقيقي ، وقد عرفت ان اقرب الاحتمالات اليه هو النفي الادعائي ، مضافا الى ان الغالب في الاستعمالات التي يتعذّر فيها النفي الحقيقي ارادة النفي الادعائي منها ، فالغالبية هي بنفسها تقتضي ترجيح ما هو الغالب حيث لا يكون بنفسه اقرب الى الامر الحقيقي؟ فكيف به اذا كان النفي الادعائي في نفسه اقرب الاحتمالات الى النفي الحقيقي؟ وقد اشار الى الدخل المذكور بقوله : ((وعدم امكان ارادة نفي الحقيقة حقيقة)). واشار الى الجواب عنه بان محض عدم امكان ارادة النفي الحقيقي لا يقتضي احد الاحتمالات على وجه التعيين ، بل لا بد من الحمل على اقرب الامور اليه وهي النفي الادعائي بقوله : ((لا يكاد يكون قرينة)) أي لا يكاد يكون عدم امكان النفي الحقيقي قرينة ((على ارادة واحد منها)) أي واحد من الاحتمالات الثلاثة المذكورة بالخصوص ((بعد امكان حمله)) على ما هو اقرب منها وهو النفي الادعائي فيترجّح

__________________

(١) البقرة : الآية ١٩٧.

٣١٤

ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها (١) ،

______________________________________________________

حمل التركيب المذكور ((على نفيها)) أي على نفي الحقيقة ((ادّعاءً)) ، ثم اشار الى الترقي بقوله : ((بل كان هو الغالب في موارد استعماله)) بان الغلبة في مقام الاستعمال في معنى يقتضي الحمل عليه ، وان لم يكن هو بذاته اقرب المعاني الى المعنى الحقيقي فكيف ما اذا كان هو بنفسه اقرب ايضا؟

(١) هذه هي الجهة الثالثة من الجهات التي اشار للبحث عنها في هذه القاعدة في اول المسألة ، وهي نسبة هذه القاعدة مع ادلة الاحكام الاولية الثابتة للموضوعات بما لها من العناوين ، كالحرمة الثابتة للخمر او الغصب ، ومثل الوجوب الثابت للصلاة او الوضوء.

وتوضيح ذلك : ان الحكم الاولي الثابت للشيء بعنوانه ، تارة : يكون موضوعه نفس عنوان الضرر ، كمثل من اضرّ بطريق المسلمين فهو له ضامن.

واخرى : يكون موضوع الحكم ما كان الضرر ذاتيا له كمثل الجهاد والزكاة ، فان وجوب مثل الجهاد والزكاة وان لم يكن موضوعه هو عنوان الضرر كالسابق ، الّا ان الجهاد حيث ان لازمه تعريض النفس للتلف فالضرر ذاتي له ، ومثله الزكاة فان لازمها نقص المال فالضرر ذاتي لها.

وثالثة : يكون موضوع الحكم ما ليس الضرر ذاتيا له ، بل كان مما قد يعرضه الضرر كالوضوء والغسل ، فانه قد يعرضهما الضرر وليس الضرر ذاتيا لهما.

اما نسبة القاعدة مع الصورة الاولى ، وهي الحكم الاولي الذي كان موضوعه نفس الضرر ، كمثل من اضرّ بطريق المسلمين فهو له ضامن ، فلا اشكال في عدم معارضة لا ضرر له ، ولا دلالة لها على نفي الحكم الثابت لنفس عنوان الضرر ، لان كل موضوع لحكم له نحو من الدخالة في ثبوته وتحققه ، فالضرر لما كان موضوعا للضمان فيكون له نحو من الدخالة في ثبوت الحكم بالضمان. وحيث ان المستفاد من دليل لا ضرر هو كون الضرر رافعا للحكم ، فلازم ذلك ان يكون موضوع ذلك

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكم الذي يرفع بلا ضرر هو غير الضرر نفسه ، فانه لو كان رافعا حتى للحكم الذي موضوعه نفس الضرر للزم ان يكون الضرر بنفسه دخيلا في ثبوت الحكم ورافعا للحكم وهو محال ، لوضوح عدم امكان كون ما يثبت الشيء رافعا لذلك الشيء ، فالضرر لما كان موضوعا للضمان ودخيلا في ثبوته فلا يكون مرفوعا بقاعدة لا ضرر ، لانها انما ترفع الحكم الذي يكون موضوعه غير الضرر بنفسه ، فلا تعارض بين قاعدة لا ضرر وبين الدليل الدال على ثبوت الحكم لنفس عنوان الضرر.

واما نسبة القاعدة مع الصورة الثانية ، وهي ما كان موضوع الحكم ذاتية الضرر كالجهاد والزكاة ، فانه ايضا لما ذكرنا لا تعارض بينه وبين قاعدة الضرر ، لان الموضوع للحكم اذا كان ضرريا بذاته فمعناه ان الموضوع بما هو ضرري له دخالة في ثبوت الحكم ، وقد عرفت انه لا يعقل ان يكون الضرر بما انه له دخالة في تحقق الحكم رافعا لنفس ذلك الحكم ، فلا بد وان يكون موضوع الحكم المرفوع بلا ضرر هو ما كان الضرر عارضا غير لازم لذاته ، لا ما كان لازما ذاتيا له ، فلا تعارض بينهما ايضا.

واما نسبة القاعدة مع الصورة الثالثة ، وهي ما كان موضوع الحكم مما قد يعرضه الضرر ، وليس لازما ذاتيا له كسائر موضوعات الاحكام الاوليّة كالبيع والوضوء ، فانها قد يعرضها الضرر كالبيع الغبني وقد لا يعرضه كالبيع الذي لا غبن فيه ، ومثله الوضوء فانه قد يكون ضرريا وقد لا يكون. فان هذه الصورة هي الصورة هي التي يكون الحكم فيها منتفيا بقاعدة لا ضرر. وسيأتي التعرّض لبيان وجه النسبة بين القاعدة وبينها وان نفي القاعدة للحكم فيها من باب تقديم القاعدة عليها للتوفيق العرفي او للحكومة. وقد اشار المصنف الى هذه الصورة الاخيرة ، وان الحكم فيها هو المنفي بلا ضرر دون غيرها بقوله : ((ثم الحكم الذي اريد نفيه بنفي الضرر)) من باب رفع الشيء بلسان رفع موضوعه ((هو الحكم الثابت للافعال بعناوينها)) التي يكون الضرر عارضا غير لازم لذاتها.

٣١٦

أو المتوهم ثبوته لها كذلك في حال الضرر (١) لا الثابت له بعنوانه ، لوضوح أنه العلة للنفي ، ولا يكاد يكون الموضوع يمنع عن حكمه وينفيه بل يثبته ويقتضيه (٢).

______________________________________________________

(١) ظاهر هذه الجملة انه لا يشترط في النفي المستفاد من لا ضرر ان يكون نافيا لحكم ثابت لموضوعه ، بل قد يكون نافيا للحكم المتوهّم ثبوته للموضوع.

وحاصله : ان قاعدة لا ضرر كما تكون رافعة للحكم الثابت تكون رافعة ايضا للحكم المحتمل الثبوت ، كمقدمة الواجب فانه لو قلنا بوجوبها شرعا ثم عرضها الضرر فالضرر يكون رافعا لهذا الحكم الثابت لموضوعه لو لا هذه القاعدة وان توقفنا في وجوبها شرعا لاحتمال كون وجوبها عقليا لا شرعيا ، فاذا عرضها الضرر فلا نحتمل وجوبها شرعا حينئذ. وبالجملة ان ما يعرضه الضرر من الموضوعات لا حكم شرعي له عند عروض الضرر عليه ، سواء كان حكمه ثابتا له لو لا هذه القاعدة او كان حكمه متوهّم الثبوت ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((او المتوهّم ثبوته لها كذلك)) أي ان الافعال المتوهّم ثبوت الحكم لها بعناوينها هي مثل الافعال التي يكون الحكم ثابتا لها بعناوينها ف ((في حال الضرر)) لا حكم شرعي لهذه الافعال ، سواء كان الحكم ثابتا لها او متوهّما.

فاتضح ان غرض المصنف بيان انه لا حكم شرعي لهذه الافعال عند عروض الضرر عليها ... فلا يرد عليه ان مفاد لا ضرر رفع الحكم بلسان رفع الموضوع ، فان كان للموضوع حكم شرعي فهو من العناوين الثابت لها الحكم لو لا القاعدة ، وان لم يكن للموضوع حكم شرعي فلا معنى لرفع القاعدة له ، لما عرفت من ان الغرض بيان ان ما يعرضه الضرر لا حكم شرعي له عند عروض الضرر عليه سواء كان حكمه ثابتا او متوهّما.

(٢) يشير بهذا الى الصورة الاولى ، وهي عدم رفع قاعدة الضرر للحكم الثابت لنفس عنوان الضرر ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا الثابت له بعنوانه)) أي ان الحكم

٣١٧

ومن هنا لا يلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الاحكام ، وتقدم أدلته على أدلتها ـ مع أنها عموم من وجه ـ حيث أنه يوفق بينهما عرفا ، بأن الثابت للعناوين الاولية اقتضائي ، يمنع عنه فعلا ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلته (١) ، كما هو الحال في التوفيق بين سائر الادلة المثبتة

______________________________________________________

المنفي بلا ضرر هو الحكم الذي موضوعه غير نفس الضرر ((لا)) ان المنفي بها هو الحكم ((الثابت له)) أي لنفس الضرر ((بعنوانه)). واشار الى وجه ذلك بقوله : ((لوضوح انه)) أي لوضوح ان المستفاد من قاعدة لا ضرر هو كون ((العلة للنفي)) نفس الضرر ، وما كان نافيا لا يعقل ان يكون مثبتا لما ينفيه ، ولازم شمول القاعدة حتى لعنوان الضرر نفسه هو كون الضرر نافيا ومثبتا ((و)) من الوضح انه ((لا يكاد يكون الموضوع)) هو بنفسه ((يمنع عن حكمه)) أي يمنع عن حكم نفسه ((وينفيه بل)) الموضوع ((يثبته)) أي يثبت حكم نفسه ((ويقتضيه)). فلا تعارض قاعدة الضرر مثل من اضرّ بطريق المسلمين فهو له ضامن ، وليس لها دلالة على نفي الضمان عمّن اضر بطريق المسلمين. ولا يخفى انه لم يشر المصنف هنا الى حكم الصورة الثانية ، ولكنه قد عرفت ان الحال فيها كحال الصورة الاولى التي اشار اليها.

(١) أي مما ذكره من كون المستفاد من لا ضرر كون العلة لنفي الحكم الثابت لموضوعه هو الضرر العارض عليه .. يتضح تقديم دليل الضرر على ادلة الاحكام الدالة على ثبوت الحكم لموضوعاتها.

وتوضيح ذلك : انه لا خلاف في تقديم دليل نفي الضرر على ادلة الاحكام الاولية الثابتة للافعال بما لها من العناوين ، وانما الخلاف في ان التقديم هل هو للتوفيق العرفي بينهما كما يراه المصنف ، او للحكومة كما هو رأي الشيخ الاعظم؟ ومن الواضح ايضا ان النسبة بين قاعدة الضرر وكل واحد من موضوعات الاحكام هو العموم من وجه ، لصدق دليل البيع ـ مثلا ـ في البيع الذي لا ضرر فيه كغير البيع الغبني ، وصدق الضرر في غير البيع كالوضوء الضرري وتصادقهما على البيع

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الغبني ... ولا ينبغي ان يتوهم ان النسبة هي العموم والخصوص بجعل ادلة الاحكام كلها طرفا واحدا في قبال دليل نفي الضرر ، فان النسبة على هذا وان كانت هي العموم والخصوص لأخصيّة دليل الضرر من ادلة الاحكام فيما اذا جعلت طرفا واحدا ، الّا انه لا وجه لجعل ادلة الاحكام كلها طرفا واحدا ، لوضوح ان المتعارضين هما الحجتان المتنافيتان ، وليست ادلة الاحكام كلها حجة واحدة بل كل واحد منها حجة في قبال دليل نفي الضرر ، واذا كان كل واحد منهما حجة بنفسه كانت النسبة بينهما هي العموم من وجه كما عرفت.

ثم لا يخفى ان القاعدة الاولى في تعارض العامين من وجه لا تقتضي تقديم احدهما بالخصوص ، بل هي اما التساقط والرجوع الى غيرهما ، او التخيير بناء على شمول ادلة التخيير للعامين من وجه.

إلّا انه فيما اذا كان دليل احدهما بالنسبة الى حكمه من باب الاقتضاء ودليل الآخر بالنسبة الى نفي ذلك الحكم عن موضوعه من باب المانع ، او فيما كان احدهما بالنسبة الى الآخر له لسان الحكومة عليه ، فلا بد من تقديم ما كان لسانه لسان المانع على ما كان من باب الاقتضاء ، او ما كان له لسان الحكومة على المحكوم. ولما كانت الحكومة عند المصنف مختصة بما اذا اشتمل دليلها على التفسير والشرح اللفظي كلفظة اعني ـ مثلا ـ دون ما كان ما له بنظر العرف عند الجمع بينهما هو الشرح والتفسير ، فلذلك لم يذهب الى حكومة دليل نفي الضرر لانه ليس فيه شرح لفظي ، وذهب الى ان الوجه في التقديم للاضرر هو كونه علة لنفي الحكم ومانعا عن ثبوت ادلة الاحكام بالنسبة الى احكامها ، لانها لها حيثية الاقتضاء. وليس المراد من انها لها حيثية الاقتضاء بالنسبة الى احكامها ان المستفاد منها حكم اقتضائي ، بل مع كون المستفاد منها هو الحكم الفعلي بمعنى انها تؤثر لو لا المانع ، فانها لها بالنسبة الى الاحكام هذه الحيثية لان ادلة الاحكام هي بداعي جعل الداعي ، وكما يصح البعث بداعي جعل الداعي فعلا حيث لا يكون هناك مانع ، كذلك يصح البعث بداعي

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

جعل الداعي بنحو الاقتضاء بمعنى كون البعث داعيا حيث لا يوجد المانع ، فيكون مع عدم المانع فعليا ومع وجود المانع يكون اقتضائيا.

وبعبارة اخرى : ان ادلة الاحكام لا يستفاد منها العلية التامة لتحقق الحكم بحيث تنفي الدليل الدال على المانع ، ودليل المانع يستفاد منه فعلية المنع والنفي ، فمع الجمع بينهما يوفق عرفا بحمل ادلة الاحكام على الاقتضاء بالمعنى الثاني ، ولازم ذلك هو تقديم ادلة المنع والنفي عليها. وقد اشار الى ان النسبة بينهما هي العموم من وجه ، ومع ذلك يقدم دليل الضرر عليها ، لان المستفاد منه كونه علة لنفي الحكم ، ومن الواضح ان علة النفي مانعة عن الثبوت ، فلدليل الضرر دلالة على فعلية المنع بقوله : ((ومن هنا لا يلاحظ النسبة)) أي وممّا ذكرنا من انه العلة للنفي لا تكون القاعدة ـ في تعارض هذين العامين من وجه ـ هي القاعدة الاولى في ذلك فلا يلاحظ ما تقتضيه النسبة ((بين ادلة نفيه)) أي ادلة نفي الحكم المستفاد من روايات لا ضرر (وادلة الاحكام و)) ان الوجه في المقام يقتضي ان ((تقدّم ادلته)) أي ادلة لا ضرر ((على ادلتها)) أي على ادلة الاحكام ((مع انها عموم من وجه)) وقد عرفت ان القاعدة الاولى في العامين لا تقتضي تقديم احدهما. واشار الى بيان الوجه في هذا التقديم وانه هو التوفيق العرفي بقوله : ((حيث انه يوفق بينهما)) أي يوفق بين ادلة الاحكام ودليل لا ضرر ((عرفا)) بعد تعارضهما في المورد الذي تصادقا فيه ((بان الثابت للعناوين الاولية)) حكم ((اقتضائي)) بالمعنى الذي ذكرناه من انه يكون فعليا مع عدم المانع لا فعليا مطلقا ، ولا بد حينئذ من ان يقدم عليها ما ((يمنع عنه)) أي عن الحكم ((فعلا)) وهو ((ما عرض عليها من عنوان الضرر ب)) سبب ((ادلته)) المستفاد منها كون الضرر علة لنفي الحكم فعلا.

٣٢٠