بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 946-497-063-2
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى يكون التكليف مشروطا او موقتا وهو على ثلاثة انحاء :

ـ الأول : ان يكون بعد حلول الشرط والوقت يسع الزمان للفحص وللتعلم والامتثال ، ويكون المكلف في ذلك الوقت محتملا للتكليف ، ولا اشكال ان الحال في هذا هو الحال في الواجب المطلق والموسع من حيث وجوب الفحص ووجوب التعلم ، وعدم الاشكال في تبعة ترك الفحص وترك التعلم من العقاب فيهما على مخالفة التكليف.

ـ الثاني : ان يكون المشروط والموقت بعد حلول الشرط والوقت لا يتسع المجال فيهما للفحص والتعلم وللامتثال.

ـ الثالث : ان يكون المجال بعد حلول الشرط والوقت متسعا للفحص والتعلم ، ولكن المكلف يكون غافلا في ذلك الوقت ... والثاني والثالث هما محل الاشكال.

ووجه الاشكال في الثاني : انه لا وجه لوجوب الفحص ووجوب التعلم قبل زمان الشرط وقبل حلول الوقت في المشروط والموقت لان وجوبهما مقدمي ، وقبل حلول الشرط والوقت لا وجوب للواجب نفسه حتى تجب مقدمته.

وبعد حلول الشرط والوقت ـ ايضا ـ لا وجه لوجوب الفحص والتعلم ، لان المفروض ان الزمان لا يسع للفحص وللامتثال ، ولا للتعلم وللامتثال ، وحيث لا يمكن ان يترتب على المقدمة التمكن من اتيان ذي المقدمة فلا يعقل ان تجب بالوجوب المقدمي ، فالفحص لا يجب لا قبل زمان الشرط ولا بعده ، ولا قبل حلول الوقت ولا بعده ، وكذلك التعلم. وحيث لا يجب الفحص ولا التعلم فلا تبعة في مخالفة التكليف من جهتهما ، لوضوح انه اذا كان التكليف متوقفا على الفحص او التعلم وهما لا يجبان قبل الشرط وقبل الوقت ، وبعد حلول الشرط والوقت لا يسع المجال فلا قدرة على الامتثال حتى يكون هناك مخالفة للتكليف يصح العقاب عليها.

وبعبارة اخرى : لا تكليف قبل الوقت فلا مخالفة وهو واضح. وبعد الوقت وان كانت مخالفة إلّا انه لا يصح العقاب عليها ، لان القدرة والتمكن من الامتثال شرط في

٢٦١

حيث لا يكون حينئذ تكليف فعلي أصلا ، لا قبلهما وهو واضح ، ولا بعدهما وهو كذلك ، لعدم التمكن منه بسبب الغفلة (١) ، ولذا التجأ

______________________________________________________

صحة العقاب على مخالفة التكليف ، وحيث ان المفروض عدم سعة الوقت لذلك فلا يكون التكليف بعد الوقت مما يصح العقاب على مخالفته ايضا ، وحيث لا يكون هناك مخالفة للتكليف يصح العقاب عليها فلا تبعة في ترك الفحص وترك التعلم من جهة أدائها الى مخالفة التكليف. وقد اشار الى الثاني بقوله : ((نعم يشكل)) تحقق تبعة ترك الفحص وترك التعلم ((في الواجب المشروط والموقت)) اللذين لا يسع الزمان فيهما للفحص والتعلم والامتثال ، فلا تبعة في هذا القسم من الواجب المشروط والموقت في ترك الفحص والتعلم ((ولو ادى تركهما قبل)) زمان ((الشرط و)) قبل حلول ((الوقت الى المخالفة)) وعدم الامتثال ((بعدهما)) أي بعد زمان الشرط وبعد حلول الوقت كما عرفت.

(١) يشير بهذا الى الفرض الثالث في الواجب المؤقت والمشروط ، وهو ما اذا ترك الفحص والتعلم ، وكان الوقت بعد حلول زمان الشرط والوقت متسعا للفحص والتعلم ولكن المكلف كان غافلا.

ووجه الاشكال فيه هو انه قبل الوقت والشرط لا يجب الفحص والتعلم لعدم وجوب نفس الواجب المشروط والمؤقت المتوقفين عليهما ، وقد عرفت ان وجوب الفحص والتعلم مقدمي ، ولا يعقل وجوب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة ، وبعد حلول الوقت والشرط لا فعلية للتكليف لفرض غفلة المكلف عن كل شيء ، ومع الغفلة لا فعلية للتكليف اصلا حتى يكون له مخالفة ، لان فعلية التكليف انما هي حيث يمكن الانبعاث عنه ، ومع فرض الغفلة لا يعقل الانبعاث فلا تكون له فعلية ومع عدم الفعلية لا مخالفة له.

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين الغفلة هنا وبين الغفلة في الموسع ، لتنجز التكليف في الموسع بالالتفات وانما الغفلة في حال العمل ، بخلافه في المشروط فانه في حال

٢٦٢

المحقق الاردبيلي وصاحب المدارك (قدس‌سرهما) إلى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم نفسيا تهيئيا ، فتكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما أدى اليه من المخالفة (١).

______________________________________________________

الالتفات لا تكليف ، وفي حال التكليف في وقت حصول الشرط فالمفروض تحقق الغفلة ، فلا يقاس المشروط بالموسع لوضوح الفرق بينهما.

ولا يخفى ـ ايضا ـ ان الفرق بين الثاني والثالث مع انه في كل منهما لا يعقل فعلية التكليف ، غايته انه في الثاني عدم الفعلية لعدم اتساع الوقت للامتثال والفحص أو التعلم ، وفي الثالث عدم الفعلية لاجل الغفلة ، هو انه في الثاني المكلف ملتفت الى المخالفة ، وفي الثالث لا التفات له الى المخالفة لفرض الغفلة ، ولذا ترقى بقوله : ((فضلا)) في الثالث. وعلى كل فقد اشار الى الثالث بقوله : ((فضلا عما اذا لم يؤد)) ترك الفحص او التعلم ((اليها)) أي الى المخالفة الملتفت اليها ((حيث لا يكون حينئذ)) أي حين الغفلة ((تكليف فعلي اصلا لا قبلهما)) أي لا قبل الشرط ولا قبل الوقت ((وهو واضح)) لفرض كون فعلية الواجب المشروط والموقت منوطة بحصول الشرط وحلول الوقت ، فلا فعلية لهما قبل حصول الشرط وقبل حلول الوقت ((ولا)) فعلية ((بعدهما)) أي لا فعلية ايضا للواجب المشروط والموقت بعد حصول الشرط وحلول الوقت ((وهو كذلك)) أي عدم فعليتهما بعد الشرط والوقت واضح ـ ايضا ـ مثل عدم فعليتهما قبلهما ((لعدم التمكن منه)) أي لعدم التمكن من امتثال التكليف ((بسبب الغفلة)).

(١) توضيحه : انك قد عرفت ان محل الاشكال في العقاب في الواجب المشروط والمؤقت في الفرضين المتقدمين : وهما ما اذا لم يتسع المجال للفحص أو التعلم والامتثال مع الالتفات الى احتمال التكليف ومخالفته لو كان ، او ما اذا اتسع المجال لهما ولكن المكلف كان حال حصول الشرط وحلول الوقت غافلا اصلا. ولما كان من المسلم صحة عقاب تارك الفحص او التعلم في الفرضين اجيب بوجوه :

٢٦٣

فلا إشكال حينئذ في المشروط والمؤقت ، ويسهل بذلك الامر في غيرهما لو صعب على أحد ، ولم تصدق كفاية الانتهاء إلى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه وليس بالاختيار ، ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الاشكال إلا بذاك (١) ، أو الالتزام بكون

______________________________________________________

الأول : ما التزمه المحقق الاردبيلي وصاحب المدارك (قدس‌سرهما) بان العقاب على نفس ترك الفحص وترك التعلم ، لان الوجوب فيهما نفسي لا مقدمي ، غايته انه وجوب تهيئي ، فان الوجوب التهيئي من الوجوب النفسي ، وهو ما كان غرض الوجوب فيه هو التهيؤ لواجب آخر وليس من الوجوب المقدمي ، فان الوجوب المقدمي ما كان نفس وجوبه مترشحا من واجب آخر ، والواجب التهيئي ليس وجوبه مترشحا من وجوب آخر ، ولكن الغرض الداعي الى وجوبه هو ما يتعلق بواجب آخر. وفرق واضح بين كون نفس الوجوب مترشحا من وجوب آخر ، وبين كون الغرض من الوجوب يعود الى واجب آخر كما تقدم بيانه في مبحث الواجب النفسي والغيري. وعلى كل فاذا كان وجوب الفحص والتعلم نفسيا فالعقاب يكون على تركهما لا مخالفة التكليف المشروط والموقت. والى هذا اشار بقوله : ((ولذا التجأ)) في مقام الجواب عن الاشكال في العقاب على مخالفة المشروط والموقت فيما لو ترك الفحص او التعلم وادى ذلك الى المخالفة فيهما فاضطر ((المحقق الاردبيلي وصاحب المدارك (قدس‌سرهما) الى الالتزام بوجوب التفقه والتعلم)) وجوبا ((نفسيا تهيئيا)) لا وجوبا مقدميا ، ومع كون الوجوب فيهما نفسيا ((فيكون العقوبة على ترك التعلم نفسه لا على ما ادى اليه)) ترك التعلم ((من المخالفة)) للواجب المشروط والمؤقت.

(١) لا يخفى ان الالتزام بالوجوب النفسي في التفقه والتعلم كما يحل الاشكال في الواجب المشروط والمؤقت ، من جهة العقاب ، كذلك يحل الاشكال في غير الواجب المشروط والموقت ، كما لو ترك الفحص والتعلم والتفقه في الواجب المطلق والموسع

٢٦٤

المشروط أو المؤقت مطلقا معلقا ، لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم ، فيكون الايجاب حاليا ، وإن كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه ، ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته (١).

______________________________________________________

وادى الى المخالفة ولكنه كان غافلا حين المخالفة اصلا ، كما تقدمت الاشارة اليه في انه على نحوين : لانه تارة يكون محتملا للتكليف ، واخرى يكون غافلا ... فلو استشكل احد في صحة العقاب في خصوص الغافل التارك للتعلم والتفقه على مخالفته لنفس التكليف ، فالالتزام بالعقاب على نفس ترك التفقه والتعلم لوجوبه النفسي لا على مخالفة التكليف يحل الاشكال ايضا.

وينبغي ان لا يخفى ان المخالفة في الواجب المطلق والموسع انما تتحقق بالموت إلّا اذا قلنا بوجوب المبادرة فيهما ، فانه لو انكشف للمكلف وجوبهما فلا تتحقق المخالفة لو اتى بالمامور به فيهما ، وانما تتحقق المخالفة في نفس ترك المبادرة اليهما. نعم في المؤقت الذي يتسع المجال فيه للفحص أو التعلم وللامتثال ويكون هناك احتمال للتكليف عند المكلف تتحقق المخالفة في ترك نفس الواجب. والى هذا اشار بقوله : ((فلا اشكال حينئذ)) بناء على الوجوب النفسي لنفس التعلم وان العقاب يكون على تركه لا على المخالفة ((في الواجب المشروط والموقت ويسهل بذلك)) أي بهذا المبنى ((الامر في غيرهما)) أي في غير الواجب المشروط والمؤقت ((لو صعب على احد)) واستشكل في عقاب التارك الغافل ((ولم تصدق)) عنده ((كفاية الانتهاء الى الاختيار في استحقاق العقوبة على ما كان فعلا مغفولا عنه و)) انه ((ليس بالاختيار)).

(١) يشير الى الوجه الثاني الذي يمكن الجواب به عن الاشكال في الفرضين في تبعة ترك التعلم والفحص من ناحية العقاب. وحاصله : ان الاشكال كان من جهة ان

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المشروط والمؤقت لا وجوب لهما قبل تحقق الشرط وقبل حلول الوقت حتى يجب التعلم والفحص من باب المقدمية ، ولا بعدهما لفرض عدم الاتساع او الغفلة المانعين عن فعلية التكليف فلا وجوب للمقدمة ايضا بعدهما ... اما مع الالتزام بالواجب المعلق في المشروط والموقت فان الموقت ايضا من الواجب المشروط إلّا ان شرطه الوقت ، فيكونان واجبين قبل حصول الشرط وقبل حلول الوقت ، ويجب على هذا الفحص والتعلم من باب المقدمية ، وعليه يرتفع اشكال العقاب على المخالفة للتكليف بتركهما ، لوضوح عدم الاشكال في العقاب على مخالفة الواجب اذا أدى ترك المقدمة الى مخالفته ، وحيث انه لا عقاب على نفس ترك المقدمة فالعقاب على مخالفة الواجب من تبعات ترك المقدمة ، وحيث كان الالتزام بالواجب المعلق لازمه وجوب ساير مقدمات الواجب المشروط والمؤقت قبل الشرط والوقت ، وهو مما لا يسعه الالتزام به ، لانه من المسلم عدم وجوب ساير المقدمات في المشروط والموقت قبل الشرط والوقت ، فلذلك لا بد من الالتزام بانه قد اخذ في ساير المقدمات في الواجب المشروط والموقت ـ عدا مقدمية الفحص والتعلم ـ شيء يقتضي عدم وجوبهما الا بعد الشرط والوقت ، بان يقال ـ انه بعد الالتزام بالواجب المعلق فيهما بارجاع القيد فيهما الى المادة لا الهيئة وهي الوجوب ـ : ان ما عدا الفحص والتعلم من المقدمات قد اخذ في الواجب المشروط والموقت القدرة الخاصة بالنسبة اليهما وهي القدرة عليه من قبل ساير مقدماتهما بعد حصول الشرط وحلول الوقت ، فلا تجب الطهارة قبل الوقت مثلا للصلاة وان كان وجوب الصلاة قبل الوقت ، لان الطهارة التي هي مقدمة للصلاة هي الطهارة التي تكون القدرة على الصلاة بالنسبة اليها حاصلة بعد حلول الوقت لا مطلق الطهارة ، وهكذا ساير المقدمات عدا وجوب التعلم والفحص. والى ما ذكرنا اشار بقوله : ((انه لا يكاد ينحل هذا الاشكال إلّا بذاك)) وهو الوجوب النفسي الذي ذهب اليه المحقق الاردبيلي وصاحب المدارك ((او)) ينحل بالالتزام ((بكون المشروط او المؤقت مطلقا)) أي كل واجب مشروط

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكل واجب مؤقت نلتزم بكون وجوبهما ((معلقا)) والسبب في الاطلاق بالتزام الوجوب المعلق في كل مشروط ومؤقت هو وجوب التعلم مطلقا لكل مشروط ومؤقت. وحيث قد عرفت انه من المسلم عدم وجوب ساير المقدمات في المشروط والمؤقت قبل الشرط والوقت اشار الى انه نحو وجوب لا تكون مقدماته الوجودية واجبة قبل تحقق الشرط وقبل حلول الوقت ، لانه قد اخذت فيها قدرة خاصة كما عرفت بقوله : ((لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط او الوقت)) لانه قد اخذ فيه القدرة عليه من قبل ساير مقدماته بعد الشرط والوقت ((غير التعلم)) فانه لو يؤخذ فيه من جهته شيء فيسري اليه الوجوب قبل حصول الشرط والوقت لتحقق الوجوب قبل ذلك ، لان الشرط والوقت بناء على المعلق يرجعان الى المادة لا الى الهيئة : أي يرجعان الى متعلق الوجوب دون نفس الوجوب ((فيكون)) نفس ((الايجاب)) في الواجب المعلق ((حاليا وان كان)) نفس ((الواجب فيه استقباليا)) ولكن ذلك الواجب ((قد اخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه)) أي مقدمته ((ولا غير التعلم من)) جميع ((مقدماته قبل)) تحقق ((شرطه او)) حلول ((وقته)) لانه قد اخذ في الواجب بالنسبة الى ساير مقدماته عدا التعلم قدرة خاصة وهي القدرة بعد الشرط وبعد حلول الوقت.

ولا يخفى انه يمكن ان يجاب عن الاشكال المذكور بوجه ثالث ، من دون الالتزام بالوجوب النفسي للتعلم ولا بالواجب المعلق ، بل نقول : انما يجب الفحص أو التعلم مع كون الواجب مشروطا او مؤقتا لا وجوب لهما قبل الشرط والوقت ، من ناحية ان تفويت التكليف في ظرفه بسبب ترك الفحص او ترك التعلم الموجب للغفلة عنه بعد حلول الوقت او الشرط ـ فيما اذا كان الوقت يسع للامتثال والفحص او التعلم ـ مما تصح المؤاخذة عليه عقلا ، وكذلك تفويت الغرض من المكلف به بسبب ترك الفحص او التعلم اذا كان لا يسع المجال لهما وللامتثال بعد الشرط او الوقت مما تصح المؤاخذة عليه ايضا عند العقل ، فالعقاب على التفويت الحاصل بسبب ترك

٢٦٧

وأما لو قبل بعدم الايجاب إلا بعد الشرط والوقت ، كما هو ظاهر الادلة وفتاوى المشهور ، فلا محيص عن الالتزام بكون وجوب التعلم نفسيا ، لتكون العقوبة ـ لو قيل بها ـ على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة ،

______________________________________________________

التعلم او الفحص. واليه المصنف اشار في الهامش ، إلّا انه انما يحكم العقل بذلك حيث يعلم ان الغرض لازم التحصيل مطلقا وان التكليف تام الاقتضاء. اما اذا احتمل كون الغرض ليس لازم التحصيل مطلقا ، بل فيما اذا عرض حصول الشرط من باب الاتفاق او ان التكليف ليس بتام الاقتضاء بل كان لحصول الشرط او الوقت دخل في تمامية اقتضائه فلا يحكم العقل بصحة العقاب من باب التفويت. والله العالم.

وقد يجاب في المقام بوجه رابع : وهو ان نفس احتمال التكليف مع فرض امكان معرفته بالتفقه او الظفر به بالفحص منجز له ومصحح للعقاب على مخالفته.

ولا يخفى ما فيه ، فان احتمال التكليف انما يكون منجزا او مصححا للعقاب على مخالفة التكليف فيما اذا كان التكليف المحتمل مطلقا او موسعا او مشروطا او موقتا ، ولكنه كان بعد تحقق الشرط وحلول الوقت مما يسع التعلم او الفحص والامتثال ، وكان المكلف ملتفتا الى الاحتمال بعد الشرط او الوقت. اما في الواجب المشروط والموقت في الغرضين مما كان المجال بعد الشرط او الوقت لا يسع للفحص أو التعلم وللامتثال ، او كان يسع لذلك ولكنه كان المكلف غافلا فلا يكون الاحتمال منجزا ، لما مر من الاشكال من عدم وجوب الفحص والتعلم قبل الوقت والشرط ولا بعدهما ، اذ بعد حكم العقل بعدم فعلية مثل ذلك التكليف بعد تحقق الشرط وحلول الوقت لا وجه لان يكون احتماله منجزا. ولعله لذلك ايضا لم يشر اليه المصنف ، وحصر الجواب في الامرين المذكورين من الالتزام بالوجوب النفسي والواجب المعلق.

٢٦٨

ولا بأس به كما لا يخفى (١) ، ولا ينافيه ، ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التعلم إنما هو لغيره لا لنفسه ، حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا (٢) ،

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه بعد ما عرفت من انحصار الجواب عن الاشكال في الامرين ، ولما كان الالتزام بالواجب المعلق خلاف ظاهر الادلة في الواجب المشروط والمؤقت ، فان الظاهر من ادلتها كون الشرط والوقت قيدا للوجوب وانه لا وجوب قبل الشرط وقبل الوقت ، فان الظاهر من قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)(١) هو كونه لا وجوب قبل الدلوك ، وكذلك مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ)(٢) انه لا وجوب قبل الاستطاعة ، وكما ان الواجب المعلق خلاف ظاهر ادلة الموقت والمشروط ، كذلك هو خلاف المشهور ايضا ، فان المستفاد من فتاوى المشهور انه لا وجوب في المشروط والموقت قبل الشرط والوقت. فعلى هذا ينحصر الجواب عن الاشكال المذكور فيهما بالتزام كون التعلم واجبا نفسيا ، ويكون العقاب على تركه لا على مخالفة التكليف الذي ادى اليه ترك التعلم فيما كان مشروطا او مؤقتا ، وعبارة المتن واضحة ، والضمير في تركه واليه يعودان الى التعلم ، والمراد من المخالفة هي مخالفة التكليف الذي ادى اليه ترك التعلم.

(٢) حاصله : ان الالتزام بالوجوب النفسي في اخبار التعلم قد يقال بمنافاته لما يظهر من اخبار التعلم ، فان الظاهر منها كون وجوب التعلم لغيره لا لنفسه كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام من انه يقال للعبد يوم القيامة : هل علمت ، فان قال : نعم ، قيل : فهلا عملت ، وان قال : لا ، قيل له : هلا تعلمت ، فان الظاهر منها ان الامر بالتعلم لان يعمل ، فان سؤاله عن العلم وحضه على التعلم بقوله هلا تعلمت انما هو لكونه

__________________

(١) الاسراء : الآية ٧٨.

(٢) آل عمران : الآية ٩٧.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

طريقا لان يعمل ، فان قوله فهلا عملت ظاهر في ذلك. واذا كان مدلول اخبار التعلم هو الوجوب لغيره فكيف يمكن الالتزام بالوجوب النفسي في التعلم؟

والجواب في رفع هذه المنافاة هو ما تقدم في مبحث الواجب النفسي والغيري : من ان الفرق بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري هو كون الوجوب الغيري وجوبا مترشحا من وجوب آخر ، فالواجب الغيري هو الواجب المترشح وجوبه من واجب آخر ، والوجوب النفسي هو ما لا يكون وجوبه مترشحا من وجوب آخر سواء كان وجوبه لغرض في نفسه او لغرض في غيره ، فالواجب النفسي الذي لا يكون مترشحا وجوبه من واجب آخر ، بل كان الغرض من وجوبه ليس في نفسه بل في غيره سواء كان غيره واجبا او ليس بواجب هو واجب نفسي كالواجب النفسي الذي كان وجوبه لغرض في نفس الواجب.

فاتضح : ان الالتزام بالوجوب النفسي في التعلم لا ينافيه ما يظهر من اخبار التعلم ، فان الظاهر منها كون الغرض من الامر بالتعلم هو في غيره ، لا ان وجوب التعلم وجوب غيري مترشح من غيره ، ولذا قال (قدس‌سره) : ((لا ينافيه)) أي لا ينافي الالتزام بالوجوب النفسي في التعلم ((ما يظهر من الاخبار)). ثم اشار الى وجه توهم المنافاة بقوله : ((من كون وجوب التعلم)) المستفاد من ظاهر الاخبار ((انما هو)) وجوب ((لغيره لا)) وجوب ((لنفسه)) فيكون على هذا التوهم ان المستفاد من الاخبار هو الوجوب الغيري في التعلم وهو ينافي الالتزام بالوجوب النفسي فيه. ثم اشار الى رفع المنافاة بقوله : ((حيث ان وجوبه ل)) غرض في ((غيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا)) أي ان الواجب الغيري المقدمي هو الذي يكون وجوبه مترشحا من غيره ، لا الذي يكون الغرض من وجوبه في غيره ، فان الواجبات النفسية ما كان الغرض لوجوبها في غيرها لا في نفسها.

٢٧٠

بل للتهيؤ لايجابه ، فافهم (١).

وأما الاحكام ، فلا إشكال في وجوب الاعادة في صورة المخالفة ، بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة ، فيما لا يتأتى منه قصد القربة (٢) وذلك

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان الواجب التهيئي هو ما كان واجبا لأن يتهيأ المكلف لخطاب آخر ، كالامر بالوضوء ـ مثلا ـ قربيا من وقت الصلاة ، فان الامر به لان يتهيأ المكلف لخطاب الصلاة اول وقتها. ولا يخفى ان الواجب النفسي الذي يكون الغرض من وجوبه في غيره قد يكون وجوبه تهيئيا وقد لا يكون تهيئيا ، وقد مر من المصنف ان الوجوب النفسي الذي التزم به في التعلم هو وجوب تهيئي للواجب المشروط والمؤقت ، فيجب على المكلف قبل تحقق وجوب الواجب المشروط والمؤقت التعلم ليتهيأ الى الخطاب بالمشروط والمؤقت بعد الشرط والوقت ، وهذا هو مراده من قوله : ((بل للتهيؤ لا يجابه)) أي ان وجوب التعلم ليس وجوبا مقدميا غيريا بل وجوبا نفسيا لاجل التهيؤ لايجاب غيره في وقته.

واما قوله : ((فافهم)) فيمكن ان يكون اشارة الى ان الالتزام بالوجوب النفسي تهيؤا في المشروط والموقت للفرار عن الاشكال في الفرضين ، واحد الفرضين ليس فيه خطاب فعلى بعد زمان الشرط والوقت ، فلا وجه لكون الوجوب النفسي في المقام للتهيؤ مطلقا ، اذ لا خطاب هناك للمشروط والموقت على ما هو المفروض في الاشكال.

(٢) لما فرغ من الكلام في المقام الأول ، وهو تبعة ترك الفحص ... شرع في المقام الثاني : وهو احكام ترك الفحص. وتوضيحه : انه لو ترك الفحص ولم يأت بشيء فانكشفت المخالفة وانه هناك امر بشيء ، فلا اشكال في لزوم الاتيان سواء كان المامور به عبادة أم معاملة بالمعنى الاعم. واذا احتمل دخالة شيء في المأمور به وترك الفحص عنه وحينئذ : فاما ان يكون ما قد اتى به موافقا للواقع ، واما ان لا يكون موافقا ، وفي الثاني لا اشكال في ان القاعدة تقتضي البطلان فيه ، لعدم الاتيان بما هو

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

المامور به سواء كان معاملة او عبادة. نعم فيما اذا كانت العبادة صلاة وقلنا بشمول حديث لا تعاد الصلاة الا في الخمس للجهل ولو عن تقصير ، وكان المتروك غير احد الخمسة كانت الصلاة صحيحة ، وإلّا فباطلة. واما في الأول فلا اشكال في الصحة فيما كان المامور به معاملة بالمعنى الاعم للاتيان بتمام المامور به على الفرض. وما سيأتي من عدم الصحة في بعض الفروض فيما اذا كان المامور به عبادة لا مجال له في المعاملة بالمعنى الاعم ، لما سيتضح من ان عدم الصحة في العبادة انما هي لعدم تأتي قصد القربة ، ولا تشرط القربة في المعاملة بالمعنى الاعم.

واما اذا كان عبادة : فتارة يكون المكلف في حال العمل غافلا تماما عن احتمال دخالة شيء في المامور به عدا ما يأتي به ، ولا شبهة في تأتي قصد القربة منه. واخرى يكون المكلف في حال العمل ملتفتا الى احتمال الدخالة وترك الفحص ولكن عمله كان موافقا للمأمور به واقعا ، ولكنه حيث لا يتأتى منه قصد القربى مع احتمال الدخالة فلا يقع عمله عباديا فلا يكون صحيحا ، مثلا اذا قلنا بعدم امكان اجتماع الغصب والصلاة ولكن قلنا بتقديم جانب الامر على النهي ، فلو صلى في المغصوب غافلا فلا اشكال في صحة الصلاة لتأتي قصد القربة منه ، وان صلى في المغصوب مع احتمال دخالة عدم المغصوبية في الصلاة وترك الفحص فلا تقع صلاته صحيحة ، وان بنينا على تقديم جانب الامر على النهي ، لعدم تأتي قصد القربة من المكلف مع احتماله دخالة عدم الغصب في الصلاة. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((واما الاحكام)) المترتبة على ترك الفحص ((فلا اشكال في وجوب الاعادة)) في العبادة والمعاملة بالمعنى الاعم ((في صورة المخالفة بل في صورة الموافقة ايضا)) ولكنه ((في)) خصوص ((العبادة فيما لا يتأتي منه قصد القربة)) اما في صورة الموافقة وتأتي قصد القربة فلا اشكال في الصحة للاتيان بتمام المامور به مع عدم خلل في قصد القربة.

٢٧٢

لعدم الاتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء (١) ، إلا في الاتمام في موضع القصر أو الاجهار أو الاخفات في موضع الآخر ، فورد في الصحيح ـ وقد أفتى به المشهور ـ صحة الصلاة وتماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا ، ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة المأمور بها ، لان ما أتى بها وإن صحت وتمت إلا أنها ليست بمأمور بها (٢).

______________________________________________________

(١) هذا تعليل للحكم بوجوب الاعادة في صورة المخالفة ، وهو ما عرفت من ان مقتضي القاعدة هي الاعادة ، لعدم الاتيان بالمأمور به على الفرض ، ووقوع المامور به صحيحا منوط باحد امرين : احدهما : عقلي وهو الاتيان بتمام المامور به ، فانه مع الاتيان بتمام المامور به فالعقل يحكم بالصحة. ثانيهما : وهو ان يقوم دليل شرعي على الصحة وان كان المأتي به ناقصا عن تمام ما امر به والمفروض عدم الاتيان بتمام المامور به في صورة المخالفة ، وعدم قيام دليل شرعي على الصحة مطلقا في مقام ترك الفحص. وقد اشار الى الأول بقوله : ((وذلك لعدم الاتيان بالمأمور به)) واشار الى الثاني بقوله : ((مع عدم دليل على الصحة والاجزاء)).

(٢) قد استثني من القاعدة المقتضية للبطلان في مقام ترك الفحص مع المخالفة موردان : احدهما : الاتيان بالاتمام في موضع القصر. ثانيهما : الاتيان بالجهر في موضع الاخفات ، او الاخفات في موضع الجهر. اما الاتيان بالقصر في موضع الاتمام فليس داخلا في الاستثناء ، لعدم ورود دليل على الاكتفاء بالقصر في مورد التمام. نعم قد ورد الدليل على الاكتفاء بالاتمام في موضع القصر دون العكس ، وورود الدليل ايضا على الاكتفاء بالجهر والاخفات مطلقا كل في مورد الآخر.

اما الدليل على الأول فهو الصحيح الوارد عن زرارة ومحمد بن مسلم (قالا قلنا لابي جعفر عليه‌السلام رجل صلى في السفر اربعا أيعيد ام لا؟ قال عليه‌السلام ان كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى اربعا اعاد ، وان لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا اعادة عليه) (١) وهو ظاهر في عدم الاعادة في مقام الاتيان بالتمام في مقام القصر عند ترك الفحص.

واما الدليل على الثاني فهو ما ورد في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه ، واخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال عليه‌السلام : أي ذلك فعل متعمدا فقد تقض صلاته وعليه الاعادة ، فان فعل ذلك ناسيا او ساهيا او لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته) (٢) وقوله عليه‌السلام : أو لا يدري ظاهر في عدم الاعادة مع المخالفة بالجهر والاخفات في حال جهله وعدم درايته الشامل باطلاقه لصورة ترك الفحص. ولما كان الدليل في نفسه صحيحا في كلا المقامين افتى المشهور على طبقه في المقامين ، فقالوا بصحة الصلاة في الموضعين فأفتوا بصحة خصوص صلاة من صلى الاتمام في موضع القصر دون العكس ، وصحة صلاة من جهر في مقام الاخفات ، وبالعكس فيما اذا كان عن جهل مطلقا ولو كان الجهل عن تقصير ، ومن الواضح ان الجهل عن تقصير انما هو لترك الفحص. نعم فيما اذا كان عن تقصير مع التزامهم بصحة الصلاة في الموضعين التزموا فيهما باستحقاق العقاب على ترك المامور به التام لانه ترك للمامور به التام عن تقصير. وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : ((الا في الاتمام في موضع القصر)) دون القصر في موضع الاتمام ((و)) في ((الاجهار أو الاخفات)) مطلقا بصحة كل منهما ((في موضع الآخر)). واشار الى ورود ذلك في الخبر الصحيح بقوله : ((فورد في الصحيح)) وهما صحيح زرارة ومحمد بن مسلم وصحيح زرارة المتقدمين. واشار الى افتاء المشهور على طبقهما بقوله : ((وقد افتى به المشهور)) فان فتواهم على ((صحة الصلاة وتماميتها في الموضعين مع الجهل مطلقا)) سواء كان عن قصور او عن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ج ٥ ، باب ١٧ من أبواب صلاة المسافر حديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٢ ، باب ٢٦ من أبواب القراءة حديث ١.

٢٧٤

إن قلت : كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها؟ وكيف يصح الحكم باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي أمر بها ، حتى فيما إذا تمكن مما أمر بها؟ كما هو ظاهر إطلاقاتهم ، بأن علم بوجوب القصر أو الجهر بعد الاتمام والاخفات وقد بقي من الوقت مقدار إعادتها قصرا أو جهرا ، ضرورة أنه لا تقصير هاهنا يوجب استحقاق العقوبة ، وبالجملة كيف يحكم بالصحة بدون الامر؟ وكيف يحكم باستحقاق العقوبة مع التمكن من الاعادة (١)؟

______________________________________________________

تقصير. واشار الى التزامهم باستحقاق العقوبة فيما كان عن تقصير بقوله : ((ولو كان عن تقصير موجب لاستحقاق العقوبة على ترك الصلاة)) التامة ((المامور بها)). ثم اشار الى الوجه في استحقاق العقوبة بقوله : ((لان ما أتى بها)) من الصلاة الناقصة ((وان صحت وتمت)) لعدم لزوم الاعادة وان انكشف الخلاف في الوقت ((إلّا انها ليست بمأمور بها)) أي لان الصلاة الناقصة التي اتى بها الجاهل المقصر ليست بمأمور بها ، وقد ترك الصلاة التامة المامور بها عن تقصير ، ولذا حكموا باستحقاق العقاب على ترك الصلاة التامة ، مع حكمهم بصحة الصلاة الناقصة الماتي بها وبعدم الاعادة مع الاتيان بها وان كانت غير مامور بها.

(١) قد عرفت ان الموردين المذكورين وهما الاتمام في موضع القصر والجهر والاخفات كل منهما في موضع الآخر قد استثنيا من القاعدة في المخالفة عند ترك الفحص التي تقتضي الاعادة في الوقت عند انكشاف الخلاف ، وقد عرفت ان المشهور قد استثناهما من القاعدة ، ولازم الاستثناء هو عدم الاعادة ولو كان الوقت متسعا بعد تبين الخلاف. والتزم المشهور ـ ايضا ـ باستحقاق العقوبة على ترك المامور به التام وان وسع الوقت له بعد تبين الخلاف ، والتزم المشهور ـ ايضا ـ بصحة ما اتى به من العبادة الناقصة مع انها ليست بمأمور بها ... ولذلك استشكل على المشهور باشكالين اشار اليهما في المتن ، وهناك اشكال ثالث لم يشر اليه المصنف.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والاشكال الأول هو ان العبادة الناقصة التي التزم المشهور بصحتها لا تخلو : اما ان لا يكون فيها امر فكيف حكموا بصحتها مع ان العبادة لا تصح من دون قصد الامر؟ وان كان فيها امر فلا بد وان يكون تعيينيا ، لوضوح كون امر الفريضة تعيينيا لا تخييريا ، مع ان القول بالتخيير لا يجتمع مع القول بالعقوبة على ترك بعض افراد ما وقع فيها التخيير. وكون الامر بالناقص تعيينيا ينافي كون الامر التعييني في المقام هو المتعلق بالصلاة التامة دون هذه الصلاة الناقصة ولذا يقولون باستحقاق العقوبة على مخالفته. وقد اشار الى هذا الاشكال اجمالا بقوله : ((كيف يحكم بصحتها مع عدم الامر بها)).

الاشكال الثاني : هو ان المشهور كما عرفت افتوا بعدم الاعادة مع اتساع الوقت وتبين الخلاف ، مع التزامهم باستحقاق العقوبة على المخالفة والمفروض اتساع الوقت ، فمن صلى تماما في موضع القصر ـ مثلا ـ ثم انكشف الخلاف له وان فرضه كان القصر لا اعادة عليه وان اتسع الوقت للاعادة ، وحيث ان الاتمام لا امر به ، والامر متعلق بالقصر وهو الطبيعة بين الحدين من الزوال ـ مثلا ـ الى المغرب ، فكيف يحكم المشهور بعدم الاعادة مع التمكن باتيان ما امر به في وقته والتمام الذي اتى به ينبغي ان يكون بحكم عدم الاتيان بشيء لفرض عدم الامر به اذ لا فرق بين عدم الاتيان اصلا وبين الاتيان بغير المامور به. وكيف يحكمون باستحقاق العقوبة على مخالفة المامور به مع ان الوقت متسع لاتيانه؟

وبعبارة اخرى : ان استحقاق العقاب على المخالفة انما يكون بعد انتهاء الوقت في المؤقت ، ومع فرض بقاء الوقت وعدم الاتيان بالمامور به لا تصدق المخالفة الموجبة لاستحقاق العقاب.

والحاصل : ان حكم المشهور بصحة الصلاة في الموردين ينافي كونها لا امر بها كما في الاشكال الأول ، وينافي استحقاق العقاب على مخالفة المامور به مع امكان الاتيان به كما في الاشكال الثاني. وقوله عليه‌السلام ـ في الخبر ـ قد تمت صلاته ، يقتضي

٢٧٦

لو لا الحكم شرعا بسقوطها وصحة ما أتى بها (١).

______________________________________________________

ان هناك امرا بها وانه لا عقوبة على مخالفة القصر ولا على الجهر والاخفات كل في موضع الآخر.

ثم لا يخفى ان هذا الاشكال الثاني وان انحل الى اشكالين : احدهما الحكم بعدم الاعادة مع اتساع الوقت لاتيان المامور به. وثانيهما : الحكم باستحقاق العقاب المستلزم لتحقق المخالفة والمفروض سعة الوقت للاعادة فلا مخالفة ، إلّا ان المهم هو الحكم منهم باستحقاق العقاب مع سعة الوقت ، حيث انه لا يصدق التقصير مع امكان الاعادة ، ولذلك اشار اليه بقوله : ((وكيف يصح الحكم)) من المشهور ((باستحقاق العقوبة على ترك الصلاة التي امر بها)) وهي القصر مثلا بعد الاتيان بالاتمام ((حتى فيما اذا كان مما امر بها)) بان كان الوقت متسعا لصلاة القصر ((كما هو ظاهر اطلاقاتهم)) فان الظاهر منهم هو الاطلاق في الالتزام باستحقاق العقاب ولو ((بان علم)) المكلف ((بوجوب القصر او الجهر)) مثلا ((بعد)) اتيانه ((ب)) الاتمام والاخفات و)) الحال ((قد بقى من الوقت مقدار اعادتها قصرا او جهرا)).

ثم اشار الى وجه الاشكال وان استحقاق العقوبة انما هو لصدق التقصير ، ومع فرض امكان الاعادة بسعة الوقت لها لا تقصير بقوله : ((ضرورة انه لا تقصير هاهنا)) أي مع فرض سعة الوقت للاعادة ولم يفت المامور به بين الحدين فلا تقصير مع هذا الفرض ((يوجب)) الحكم ب ((استحقاق العقوبة)).

ولا يخفى ان قوله (قدس‌سره) : ((وبالجملة ... ـ الى قوله ـ من الاعادة)) هو من الاجمال بعد التفصيل ، فقد اشار فيه الى الاشكالين : من عدم الوجه لحكم المشهور بالصحة مع عدم الامر بالاتمام مثلا ، ومن عدم الوجه لحكمهم باستحقاق العقوبة على القصر مع سعة الوقت للاعادة قصرا.

(١) أي ان ظاهر ما يستفاد من الخبر هو عدم استحقاق العقوبة على القصر لقوله قد تمت صلاته ، فانه ظاهر في ان ما اتى به من الاتمام واف بتمام ما للصلاة من الأثر ،

٢٧٧

قلت : إنما حكم بالصحة لاجل اشتمالها على مصحلة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها ، وإن كانت دون مصلحة الجهر والقصر ، وإنما لم يؤمر به لاجل أنه أمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الاكمل والاتم (١).

______________________________________________________

ومع الوفاء بتمام الاثر لا وجه لاستحقاق العقوبة على القصر. ومنه يظهر ان ما اتى به من الاتمام مامور به ايضا ، لوضوح ان ما كان وافيا بتمام ما للصلاة من الاثر لا بد وان يكون مامورا به. فالظاهر من الشارع كما يدل عليه الصحيح هو حكمه بسقوط العقوبة وصحة الصلاة ، والى هذا اشار بقوله : ((لو لا الحكم شرعا بسقوطها)) أي بسقوط العقوبة ((وصحة ما اتى بها)) من الصلاة.

واما الاشكال الثالث فحاصله : ان الاتمام ان كان مشتملا على تمام المصلحة فلا وجه للعقاب على القصر بعد الاتيان بما يفي بتمام مصلحته ، وان لم يكن وافيا بتمام مصلحته فلا وجه للحكم بعدم الاعادة ، لفرض كون المصلحة ملزمة ولم تستوف وقد بقى من الوقت ما يسع لاستيفائها.

(١) لا يخفى ان ما اجاب به (قدس‌سره) واف بدفع الاشكالات الثلاثة كلها.

وحاصله : ان ما اتى به وهو الاتمام ـ مثلا ـ لم يشتمل على تمام المصلحة بل كان مشتملا على مقدار منها هو بحد الالزام ايضا ، وان ما فات منها هو ايضا ملزم لا يمكن استيفاؤه ، فالحكم بالصحة انما هو لكونه مشتملا على هذا المقدار من المصلحة ، ولا امر بها لان الامر بالفريضة واحد تعييني. وحيث ان هناك ما يشتمل على حد الالزام ـ ايضا ـ فلا وجه للامر التعييني بالاتمام المشتمل على بعض المصلحة وان كان بحد الالزام ايضا ، فلا بد وان يكون الاتمام في موضع القصر لا امر به ، ويصح لاشتماله على مقدار من المصلحة هو بحد الالزام ، وبهذا يندفع الاشكال الأول وهو الحكم بالصحة مع عدم الامر به.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبه يندفع الاشكال الثاني ايضا بكلا نحويه ، فان استحقاق العقوبة انما هو لتفويت مقدار من المصلحة الملزمة ايضا تقصيرا ، وعدم صحة الاعادة في الوقت انما هو لعدم امكان استيفاء تلك المصلحة الفائتة.

ويندفع به الاشكال الثالث ايضا ، لان ما اتى به لما لم يكن وافيا بتمام المصلحة وكان الفائت مقدار مصلحة ملزمة لذا صحت العقوبة ، ولما كان المأتي به مشتملا على مقدار من المصلحة لا يمكن مع استيفائها استيفاء ما فات من المصلحة لذلك كان لا مجال للاعادة وان بقى الوقت.

وقد اشار الى اندفاع الاشكال الأول بما ذكره بقوله : ((قلت انما حكم بالصحة)) في الاتمام مع عدم الامر بها ((لاجل اشتمالها)) أي لاجل اشتمال الصلاة في فرض الاتمام مثلا ((على مصلحة تامة لازمه الاستيفاء في نفسها مهمة في حد ذاتها وان كانت دون مصلحة الجهر والقصر)) ولا بد من كونها دون مصلحة الجهر والقصر ، اذ لو كانت مثلهما لوقع التخيير بينهما فيما اذا لم تكن مصلحتها مشترطة بظرف الجهل ، واذا كان مشترطة بظرف الجهل فلا عقاب على ترك الجهر والقصر ، لفرض كونها في ظرف الجهل تامة مثل الجهر والقصر ، فلم يفت من المطلوب شيء ، ومع الاتيان بمثل الفائت تماما لا وجه للعقاب على الفائت. واشار الى انها مع اشتمالها على المصلحة اللازمة الاستيفاء لا امر بها ، لان الصلاة القصرية والمشتملة على الجهر ـ مثلا ـ اتم منها واكمل وهي المشتملة على المصلحة التامة الكاملة ، ومع الامر بها لا يعقل الامر بهذه الناقصة وان اشتملت على المصلحة المهمة اللازمة بقوله : ((وانما لم يؤمر بها)) أي وانما لم يؤمر بهذه الناقصة مع كونها لازمة ومهمة ((لاجل انه امر بما كانت واجدة لتلك المصلحة)) مع زيادة كونها ((على النحو الاكمل والاتم)) وانما لا يجتمع مع الامر بالاكمل الاتم الامر بالناقص لان الامر بالناقص اما ان يكون : تعيينيا ، او تخييرا ، او بنحو تعدد المطلوب ، او بنحو الترتب. ولا وجه لواحد من هذه الاربعة ، وليس هناك صورة معقولة للامر غير هذه الانحاء الاربعة.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح انه لا وجه للامر التعييني بالناقص لقيام الاجماع والضرورة على ان الامر التعييني في المقام واحد وهو المتعلق بالاكمل ، مضافا الى انه لو كان الامر بالناقص تعيينيا لصح العقاب على تركه ، إلّا ان يقال انه مع وجدان الاكمل لمصلحة الناقص لا وجه للعقاب على الناقص مع الاستيفاء لمصلحته.

ومن الواضح ـ ايضا ـ انه لا وجه للامر بالناقص على نحو التخيير ، لانه لا وجه للتخيير ـ اولا ـ مع كون الاتم الاكمل مشتملا على مصلحة ملزمة زائدة على الناقص. وثانيا : ان لازم التخيير عدم العقاب على ترك بعض افراد ما فيه التخيير.

ولا وجه للامر بالناقص بنحو تعدد المطلوب ، لوضوح ان المراد من تعدد المطلوب هو اشتمال طبيعي الصلاة الشاملة للاتمام وللقصر على المصلحة الناقصة الملزمة ، واشتمال الصلاة مع القصر على مصلحة ملزمة اخرى. ولو كان لنفس الاتمام خصوصية لما كان من تعدد المطلوب ، بل كان من تباين المطلوب وحيث ان الالتزام بتعدد المطلوب لتصحيح الامر فلا بد وان يكون هناك امران : امر منبعث عن مصلحة طبيعي الصلاة ، وامر بالصلاة مع خصوصية القصر. ولا وجه للتأكد في نفس الامر وانما التأكد في ما يوجب الامر ، فيجوز ان يكون في الشيء مصلحة ملزمة واحدة فينبعث اليه امر ، ويجوز ان يكون فيه مصلحتان ملزمتان فينبعث منهما امر به آكد من الأول ، فالالتزام بكون طبيعي الصلاة لها امر لازمه اجتماع المثلين ، وهو البعثان على متعلق واحد ، لان الامر بطبيعي الصلاة الشامل للقصر لازمه الامر بطبيعي الصلاة الجامع للقصر والاتمام ، وحيث فرض ان في نفس القصر مصلحة ملزمة اخرى ولها امر آخر كما هو المفروض من تعلق الامر بالقصر ، فيلزم من ذلك اجتماع الامرين في صلاة القصر ، مضافا الى ان لازم ذلك ان لنا امرين تعيينيين لا امرا واحدا تعيينيا.

واما الامر بالناقص على نحو الترتب فستجيء الاشارة اليه ، وانه غير معقول ايضا.

٢٨٠