تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

وضعفه واضح جدّا بل لم أعرف به قائلا وان حكاه شارح الطّوالع عن بعضهم.

تاسعها : انّ الّذي صدر منه عليه‌السلام كان عن نسيان بنصّ القرآن لقوله : (فَنَسِيَ) (١) فهو ليس بذنب ، والمؤاخذة إنّما كانت على ترك التّحفظ والتقصير الّذي نشأ منه النسيان ، وهو ترك أولى ، وسمّي ذنبا لأنّهم مؤاخذون به ، كما ورد أنّ الأنبياء لمؤاخذون بمثاقيل الذّر ، وسمّي معصية وغواية تحذيرا للأنبياء ، ولطفا لأممهم ، ولله تعالى من تسمية ذلك معصية وغواية ما ليس لغيره ، فليس لأحد أن يتجاسر على نسبة العصيان إليه.

وفيه انّ الالتزام بعروض النسيان ممّا ينفيه المذهب ، ثمّ التّحفظ على عدمه إن كان واجبا فتركه التزام بالعصيان مضافا إلى النسيان ، أولى فلا جدوى للالتزام بالنسيان.

عاشرها : الحمل على النسيان بمعنى أخر لا ينفيه المذهب ويساعده بعض الاخبار على ما يأتي ان شاء الله.

وأجيب عن الثّاني أوّلا بانّ الغواية هي الخيبة على ما صرّح به الجوهري والجزري يقال : غوى إذا خاب ، وأغواه اي خيّبه ، فمعنى غوي أنّه خاب عن بغيته ، لأنّا نعلم أنّه لو فعل ما أرشده إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحقّ الثّواب العظيم ، فإذا خالف الأمر الإرشادي او النّدبي ولم يصر إلى ما أرشده إليه فقد خاب لا محالة من حيث إنّه لم ينل ما طلب ولم يصر الى الثّواب الّذي كان يستحقّ

__________________

(١) طه : ١١٥.

٤٠١

بالامتناع واستعماله في هذا المعنى حقيقة على ما هو الظّاهر من أئمّة اللّغة قال الشاعر :

فمن يلق خيرا يحمد النّاس أمره

ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما

ولذا قيل : إنّ الظاهر من قوله : عصى فغوى انّ الذي دخلته الفاء جزاء على المعصية وانّه كلّ الجزاء المستحقّ بالمعصية إذ الظاهر من قول القائل : سرق فقطع وقذف فجلد ثمانين انّ ذلك جميع الجزاء لا بعضه وكذلك إذا قال القائل من دخل داري فله درهم فانّ معناه انّ الدّرهم جميع جزائه ولا يستحقّ بالدّخول سواه ومن لم يفعل الواجب استحقّ الذّم والعقاب وحرمان الثواب وامّا من لم يفعل ما أرشده إليه وندبه فلا يستحقّ إلّا حرمان الثّواب فقط ، وحيث انّ مدخول الفاء تمام الجزاء وقد سمعت انّه الخيبة وعدم نيل المطلوب فلا بدّ أن يكون العصيان بترك الأولى حسبما سمعت (١).

ثانيا : سلّمنا أن يكون المراد بالغيّ هو الضّلال كما صرّح به الجوهري بكونه من معانيه إلّا أنّ الضّلال هو البعد عن المطلوب بارتكاب ما يبعده عنه كما أنّ الرشاد هو التّوسل بشيء إلى شيء وسلوك طريقة موصلة إلى المطلوب ، وحيث انّه قد بعد بمخالفة النّهي التنزيهي او الارشادي عن نيل الثواب الّذي هو المقصود جاز اطلاق كونه ضالًّا غاويا عن نيل مقصوده (٢).

وعن الثّالث : بانّ الظّلم في أصله موضوع لوضع الشيء في غير موضعه كما

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢٠٠ عن السيّد المرتضى في جواب المسائل التي وردت عليه من الري.

(٢) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢٠٠ مع تفاوت في العبارات.

٤٠٢

نصّ عليه الجوهري والفيروزآبادي والفيّومي وغيرهم ممّن صنّف في اللّغة واستشهد عليه في الصّحاح وغيره بقوله تعالى : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (١) وقول الشّاعر : ومن يشابه أباه فما ظلم.

وبالمثل : من استرعي الذّئب فقد ظلم ، ويقال : إنّ أصله انتقاص الحقّ وبه فسّر الآية في «القاموس» وعن الجزري انّه قال في حديث ابن زمّل : لزموا الطريق فلم يظلموه ، اي لم يعدلوا عنه يقال أخذ في طريق فما ظلم يمينا وشمالا (٢).

وبالجملة فمرجع معنى الظّلم لغة وعرفا إلى شيء من الثلاثة ، ومن البيّن انّ الوصف به لا يستلزم ما ادّعاه المستدلّ على جميع الوجوه ، وذلك لأنّ مخالفة ما هو الأولى أو المندوب إليه وضع للشيء في غير موضعه ، وموجب لنقص الثّواب ، وعدول عن الطّريق المؤدّي له إلى المراد.

وأمّا ما استدلّ به على أنّ الظالم ملعون ، ففيه انّ الحكم معلّق على الموضوع المقيّد بالصّدّ عن سبيل الله والكفر بالاخرة ، ولذا قال في الأعراف وفي هود (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣) ، وأين هذا من دلالته على لعن مطلق الظّالمين او خصوص صاحب الكبيرة من المسلمين ، بل قيل : إن اللّعن ايضا لا يدلّ على كون المعصية كبيرة ، لورود الأخبار بلعن صاحب الصغيرة ، بل من ارتكب النّهي التنزيهي ايضا ، لأنّ معنى اللّعن هو الطّرد والابعاد عن الرّحمة ، ويحصل البعد عنها بفعل المكروه

__________________

(١) الكهف : ٣٣.

(٢) النهاية لابن الأثير الجزري المتوفى (٦٠٦) ه ج ٣ ص ١٦١ في «ظلم».

(٣) هود : ١٨ ـ ١٩.

٤٠٣

وترك المندوب ايضا.

نعم قد يقال : إنّه لما غلب استعماله في المشركين والكفّار لا يجوز استعماله في صلحاء المؤمنين قطعا وفي فسّاقهم اشكال والأولى التّرك.

وعن الّرابع : واضح بعد ما مرّ من كون النّهي ارشاديّا او تنزيهيّا ودعوى كون مخالفة المنهيّ عنه مطلقا معصية واضح الفساد فضلا عن كونها كبيرة.

وعن الخامس : أنّ التوبة أعمّ من فعل الذّنب بالمعنى الأخصّ ، فلا توجب إسقاط العقاب المترتّب على استحقاقه ويشهد له كثير من الأدعية المأثورة عن النّبي والأئمّة المتضمّنة لاجتهادهم في التوبة والانابة والاستغفار.

وعن السادس : أنّ الإخراج من الجنّة لعلّه كان على وجه المصلحة المقتضية لإخراجه منها إذا تناول من الشجرة ، على ما أشرنا إليه في الجواب الثّاني عن الوجه الأوّل.

وعن السّابع : انّ المراد بالخسران قلّة الثّواب او الخيبة عن النفع العاجل وان ترتّب عليه الثواب الجزيل الآجل.

وعن الثّامن : واضح ممّا مرّ.

وعن التاسع : انّ المراد بالنسيان هو الترك كما يشهد به اللغة ويعضده الاخبار وصحيح الاعتبار ولو بمعونة ما دلّ على العصمة وفيه وجه آخر سنشير إليه في تفسير الآية المتضمّنة للنسيان إنشاء الله كما أنّه قد ظهر من جمع ذلك الجواب عن العاشر أيضا.

٤٠٤

مستطرف من الكلام في طرف من احوال آدم (عليه‌السلام)

روى العيّاشي في تفسيره عن جابر عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : كان إبليس اوّل من ناح ، وأوّل من تغنّى ، واوّل من حدا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أكل آدم من الشجرة تغنّى فلما أهبط حدا به ، فلما استقرّ على الأرض ناح فأذكره ما في الجنة ، فقال آدم : ربّ هذا الّذي جعلت بيني وبينه العداوة لم أقو عليه وانا في الجنة وإن لم تعنّي عليه لم أقو عليه ، فقال الله تعالى : السّيئة بالسّيئة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ، قال : ربّ زدني ، قال : لا يولد لك ولد إلا جعلت معه ملكا او ملكين يحفظانه ، قال : ربّ زدني قال : التوبة مفروضة في الجسد ما دام فيها الروح ، قال : زدني قال : أغفر الذّنوب ولا أبالي ، قال : حسبي.

قال : فقال إبليس : ربّ هذا الّذي كرّمت عليّ وفضّلته وان لم تفضّل عليّ لم أقو عليه ، قال : لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولدان ، قال : ربّ زدني قال : تجري منه مجرى الدّم في العروق ، قال : ربّ زدني قال : تتّخذ أنت وذرّيتك في صدورهم مساكن ، قال : ربّ زدني قال تعدهم وتمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلّا غرورا (١).

وفيه عن الصّادق عليه‌السلام قال : ما بكى أحد بكاء ثلاثة : آدم ، ويوسف ، وداود فقلت : ما بلغ من بكائهم؟ فقال : أمّا آدم عليه‌السلام فبكى حين أخرج من الجنة ، وكان رأسه في باب من أبواب السّماء ، فبكى حتّى تأذّى به اهل السّماء فشكوا ذلك إلى الله فحطّ من قامته. الخبر (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢١٢ ح ٢٠ عن العياشي.

(٢) البحار ج ١١ ص ٢١٣ ح ٢١ عن العياشي.

٤٠٥

وفي «العلل» عن الصادق عليه‌السلام قال : البكّاؤن خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمّد ، وعليّ بن الحسين عليهما‌السلام فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّى صار في خديه أمثال الأودية (١).

وفي «البصائر» عن الصادق عليه‌السلام قال : كان مع عيسى بن مريم عليهما‌السلام حرفان يعمل بهما. وكان مع موسى عليه‌السلام أربعة أحرف ، وكان مع ابراهيم ستّة أحرف ، وكان مع آدم خمسة وعشرون حرفا ، وكان مع نوح ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إن اسم الله ثلاثة وسبعون حرفا (٢).

وفي معناه أخبار أخر ، وروى الصّدوق في خبر طويل يتضمن سؤال ملك الروم عن الحسن بن علي عليهما‌السلام وفيه انّه دعى الملك بالأصنام فأوّل صنم عرض عليه في صفة القمر فقال الحسن عليه‌السلام فهذه صفة آدم عليه‌السلام أبو البشر ثمّ عرض عليه أخر في صفة الشمس فقال الحسن عليه‌السلام : هذه صفة حوّاء امّ البشر ثم عرض عليه أخر في صفة حسنة فقال : هذه صفة شيث بن آدم وكان أوّل من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين يوما (٣). الخبر.

قوله : وكان أوّل من بعث اي من أولاد آدم ، او بعد تناسل الذّريّة ، او مقيّدا ببلوغ عمره ألف سنة ، وان كان والأوّل اظهر.

وفي «العلل» عن زرّ بن حبيش ، قال : سألت ابن مسعود ، عن أيّام البيض ما سببها ، وكيف سمعت؟ قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ آدم لمّا عصى ربّه

__________________

(١) البحار ج ١١ ص ٢٠٤ عن العلل.

(٢) بصائر الدرجات ص ٦٥ وعنه البحار ج ١١ ص ٦٨.

(٣) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢٦١ عن تفسير القمي ص ٥٩٧.

٤٠٦

عزوجل ناداه مناد من لدن العرش : يا آدم أخرج من جواري فإنّه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة ، فبعث الله عزوجل اليه جبرئيل فأهبطه الى الأرض مسوّدا ، فلمّا رأته الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت وقالت : يا ربّ خلقا خلقته ، ونفخت فيه من روحك ، وأسجدت له ملائكتك بذنب واحد حوّلت بياضه سوادا؟! فنادى مناد من السماء صم لربك اليوم ، فصام فوافق يوم الثالث عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثمّ نودي في يوم الرابع عشر بالصّيام ، فصام فذهب ثلثا السواد ثمّ نودي في يوم خمسة عشر بالصّيام فصام وقد ذهب السواد كلّه ، فسمّيت ايّام البيض الّذي ردّ الله عزوجل فيه على آدم من بياضه ، ثمّ نادى مناد من السّماء يا آدم هذه الثلاثة الأيّام جعلتها لك ولولدك من صامها في كلّ شهر فإنّما صام الدّهر.

وزاد الحميدي في الحديث : فجلس آدم عليه‌السلام جلسة القرفصاء (١) ، ورأسه بين ركبته كئيبا حزينا ، فبعث الله تبارك وتعالى إليه جبرئيل فقال : يا آدم مالي أراك كئيبا حزينا؟ فقال : لا أزال كئيبا حزينا حتّى يأتي أمر الله ، قال : فانّي رسول الله إليك وهو يقرئك السّلام ويقول : يا آدم حيّاك الله وبيّاك ، قال امّا حيّاك الله فأعرفه ، فما بيّاك؟ قال : أضحكك ، قال : فسجد آدم فرفع رأسه إلى السّماء وقال : يا ربّ زدني جمالا فأصبح وله لحية سوداء كالحمم ، فضرب بيده إليها فقال يا ربّ ما هذه؟ فقال : هذه اللّحية زيّنتك بها أنت وذكور ولدك إلى يوم القيمة (٢).

__________________

(١) قال الجوهري : القرفصاء : ضرب من القعود ، يمدّ ويقصّر وهو أن يجلس على ركبته منكبّا ويلصق بطنه فخذيه ويتأبط كفيه.

في «المنجد» : ترفصه : جمعه وشدّ يديه تحت رجليه.

(٢) بحار الأنوار ج ١١ ص ١٧١ ـ ١٧٢ عن العلل ص ١٣٣.

٤٠٧

وفي «العلل» عن الصادق عليه‌السلام قال : أوحى الله عزوجل إلى آدم عليه‌السلام إنّي سأجمع لك الخير كلّه في اربع كلمات : واحدة منهنّ لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين النّاس ، فامّا الّتي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئا ، وأمّا الّتي لك فاجازيك بعملك أحوج ، ما تكون إليه ، وأمّا الّتي بيني وبينك فعليك الدّعاء وعليّ الإجابة ، وامّا الّتي فيما بينك وبين الناس فترضى للنّاس ما ترضى لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك (١).

وفي «المحاسن» عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ آدم عليه‌السلام شكا إلى جبرئيل عليه‌السلام حديث النفس فقال : اكثر من قول لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

وفي «المجالس» و «الأمالي» و «الإكمال» عن الصادق عليه‌السلام قال : أنا سيّد النّبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين واوصيائي سادات الأوصياء ، إن آدم عليه‌السلام سأل الله عزوجل أن يجعل له وصيّا صالحا فأوحى الله عزوجل إليه انّي أكرمت الأنبياء بالنّبوة ثمّ اخترت خلقي وجعلت خيارهم الأوصياء ثمّ أوحى الله عزوجل إليه يا آدم أوص إلى شيث فاوصى آدم إلى شيث وهو هبة بن آدم ثمّ ذكر اتّصال الوصيّة منه عليه‌السلام إلى نبيّنا والأئمّة المعصومين صلّى الله عليهم أجمعين (٢).

وفي «تفسير العياشي» عن أبي جعفر عليه‌السلام بعد ذكر قصّة قابيل قال : فلمّا علم آدم بقتل هابيل جزع عليه جزعا شديدا ، ودخله حزن شديد ، قال فشكى إلى الله ذلك ، فأوحى الله إليه إني واهب لك ذكرا يكون خلفا لك من هابيل ، قال : فولدت

__________________

(١) الخصال ج ١ ص ١١٦ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٥٧.

(٢) البحار ج ١٧ ص ١٤٨ وج ٢٣ ص ٥٧.

٤٠٨

حوّاء غلاما زكيّا مباركا ، فلمّا كان اليوم السابع سمّاه آدم شيث فأوحى الله إلى آدم إنّما هذا الغلام هبة منّي لك فسمّه هبة الله ، قال فسمّاه هبة الله ، قال فلمّا دنى أجل آدم أوحى الله إليه ، أن يا آدم انّي متوفّيك ورافع روحك إلىّ يوم كذا وكذا ، فأوص الى خير ولدك وهو هبتي الذي وهبته لك فأوص إليه وسلّم إليه ما علّمناك من الأسماء والاسم الأعظم ، فاجعل ذلك في تابوت فانّي احبّ ان لا يخلو أرضي من عالم يعلم علمي ويقضي بحكمي ، اجعله حجّة على خلقي.

قال : فجمع آدم عليه‌السلام جميع ولده من الرّجال والنّساء ، فقال لهم : يا ولدي انّ الله اوحى إليّ انّه رافع إليه روحي ، وأمرني أن أوصي إلى خير ولدي ، وانّه هبة الله وانّه اختاره لي ولكم من بعدي ، أسمعوا له وأطيعوا أمره ، فانّه وصيّي وخليفتي عليكم فقالوا جميعا : نسمع له ونطيع أمره ولا نخالفه ، قال : فأمر بالتابوت فعمل ثمّ جعل فيه علمه والأسماء والوصيّة ، ثمّ دفعه إلى هبة الله ، وتقدّم إليه في ذلك وقال له : انظر يا هبة الله إذا أنا متّ فاغسلني وكفّني وصلّ عليّ وأدخلني في حفرتي فإذا مضى بعد وفاتي أربعون يوما فاخرج عظامي كلّها من حفرتي بأجمعها جميعا ، ثمّ اجعلها في التّابوت واحتفظ به ولا تأمننّ عليه أحدا غيرك فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فالتمس خير ولدك وألزمهم لك صحبته وأفضلهم عندك قبل ذلك فأوص اليه بمثل ما أوصيت به إليك ، ولا تدعنّ الأرض بغير عالم منّا اهل البيت ، يا بنيّ إنّ الله تبارك وتعالى أهبطني إلى الأرض وجعلني خليفته فيها حجّة له على خلقه ، فقد أوصيت لك بأمر الله وجعلتك حجّة الله على خلقه في أرضه بعدي فلا تخرج من الدّنيا حتّى تدع لله حجّة ووصيّا وتسلّم إليه التّابوت وما فيه ، كما سلّمته

٤٠٩

إليك وأعلمه انّه سيكون من ذريتي رجل اسمه نوح يكون في نبوّته الطّوفان والغرق ، فمن ركب في فلكه نجى ، ومن تخلّف عن فلكه غرق ، وأوص وصيّك أن يحفظ بالتّابوت وبما فيه فإذا حضرت وفاته أن يوصي إلى خير ولده ، وألزمهم له وأفضلهم عنده ويسلّم إليه التّابوت وما فيه ، وليضع كلّ وصيّ وصيّته في التّابوت وليوص بذلك بعضهم إلى بعض فمن أدرك نبوّة نوح فليركب معه ، وليحمل التّابوت وجميع ما فيه في فلكه ، ولا يتخلّف عنه أحد ، واحذر يا هبة الله وأنتم يا ولدي الملعون قابيل وولده ، فقد رأيتم ما فعل بأخيكم هابيل ، فاحذروه وولده ولا تناكحوهم ولا تخالطوهم ، وكن أنت يا هبة الله وإخوتك وأخواتك في أعلا الجبل واعزله وولده ودع الملعون قابيل وولده في أسفل الجبل.

قال : فلما كان اليوم الّذي اخبر الله تعالى انّه متوفيه فيه تهيّأ آدم للموت وأذعن به ، قال : وهبط عليه ملك الموت فقال آدم : دعني يا ملك الموت حتّى أتشهّد وأثني على ربّي بما صنع عندي من قبل أن تقبض روحي ، فقال آدم : اشهد أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له وأشهد أني عبد الله وخليفته في ارضه ، ابتداني بإحسانه وخلقني بيده ، لم يخلق خلقا بيده سواي ، ونفخ فيّ من روحه ، ثمّ أجمل صورتي ولم يخلق على خلقي أحدا قبلي ثمّ أسجد لي ملائكته ، وعلّمني الأسماء كلّها ، ولم يعلّمها ملائكته ، ثمّ أسكنني جنّته ، ولم يكن جعلها دار قرار ، ولا منزل استيطان ، وانّما خلقني ليسكنني الأرض للذي أراد من التّقدير والتّدبير ، وقدّر ذلك كلّه قبل أن يخلقني ، فمضيت في قدرته وقضائه ونافذ أمره ، ثمّ نهاني أن آكل من الشّجرة فعصيته وأكلت منها ، فاقالني عثرتي وصفح لي عن جرمي ، فله الحمد على

٤١٠

جميع نعمه عندي حمدا يكمل به رضاه عنّي.

قال : فقبض ملك الموت روحه صلوات الله عليه فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ جبرئيل نزل بكفن آدم وبحنوطه وبالمسحاة معه ، قال : ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك ليحضروا جنازة آدم عليه‌السلام قال : فغسّله هبة الله وجبرئيل وكفّنه وحنّطه ثم قال : يا هبة الله تقدّم فصلّ على أبيك وكبّر عليه خمسا وعشرين تكبيرة ، فوضع سرير آدم ، ثمّ قدم هبة الله وقام جبرئيل عليه‌السلام عن يمينه والملائكة خلفهما ، فصلّى عليه وكبّر عليه خمسا وعشرين تكبيرة ، وانصرف جبرئيل والملائكة فحفروا له بالمسحاة ثمّ أدخلوه في حفرته ، ثمّ قال جبرئيل يا هبة الله هكذا فافعلوا بموتاكم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله وبما أوصى أبوه فاعتزل ولد الملعون قابيل ، فلما حضرت وفاة هبة الله أوصى إلى ابنة قينان ، وسلّم إليه التّابوت وما فيه وعظام آدم ، وقال له : ان أنت أدركت نبوّة نوح فاتّبعه واحمل التّابوت معك في فلكه ، ولا تخلفنّ عنه فانّ في نبوّته يكون الطوفان والغرق ، فمن ركب في فلكه نجى ، ومن تخلّف عنه غرق.

قال : فقام قينان بوصيّة هبة الله في اخوته وولد أبيه وأمرهم بطاعة الله قال : فلمّا حضرت قينان الوفاة أوصى إلى مهلائيل وسلّم إليه التّابوت وما فيه ، والوصيّة ، فقام مهلائيل بوصيّة قينان وسار بسيرته فلمّا حضرت مهلائيل الوفاة أوصى إلى

٤١١

ابنه (١) برد ، فسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه والوصيّة ، فتقدّم إليه في نبوّة نوح فلمّا حضرت وفاة برد اوصى به إلى ابنه أخنوخ وهو إدريس ، فسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه والوصيّة ، فقام أخنوخ بوصيّة برد ، فلمّا قرب اجله أوحى الله تعالى إليه إنّي رافعك إلى السّماء وقابض روحك في السّماء فأوص إلى ابنك حرقاسيل بوصيّة أخنوخ ، فلمّا حضرته الوفاة اوصى إلى ابنه نوح وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه والوصيّة ، قال : فلم يزل التّابوت عند نوح حتّى حمله معه في فلكه فلمّا حضرت نوح الوفاة اوصى إلى ابنه سام وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه والوصيّة.

قال حبيب السجستاني : ثمّ انقطع حديث ابي جعفر عليه‌السلام عندها (٢).

وفي «القصص» عن الصادق عليه‌السلام في خبر طويل إلى أن قال : فلم يلبث آدم عليه‌السلام بعد ذلك إلّا يسيرا حتّى مرض ودعا شيئا وقال : يا بني انّ اجلي قد حضر وانا مريض وانّ ربّي قد انزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي ، وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي ، وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فإذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها احد ، وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه وفيها جميع ما تحتاج إليه في امور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله عليه نزل بالصحيفة التي فيها الوصية من الجنة.

ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ انّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار

__________________

(١) في المصدر وقصص الأنبياء : يرد بالياء.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٠٦ ـ ٣٠٩.

٤١٢

الجنّة فاصعد إلى جبل الحديد فانظر من لقيته من الملائكة فاقرأه منّي السّلام وقل له : إن أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتى صعد الى الجبل فإذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة ، فبدأه جبرئيل السّلام ثم قال : إلى أين يا شيث فقال له شيث : ومن أنت يا عبد الله؟ قال : انا الرّوح الأمين جبرئيل فقال إنّ ابي مريض وقد أرسلني إليكم وهو يقرئكم السّلام ويستهديكم من ثمار الجنة ، فقال له جبرئيل عليه‌السلام : وعلى أبيك السّلام يا شيث ، اما انّه قد قبض ، وانّما نزلت لشأنه فعظّم الله على مصيبتك فيه أجرك ، وأحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس منك عظيم وحشتك ، ارجع فرجع معهم ، ومعهم كلّ ما يصلح به آدم صلوات الله عليه ، قد جاءوا به من الجنّة فلمّا صاروا إلى آدم كان أوّل ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصيّة من تحت رأس آدم صلوات الله عليه فشدّها على بطنه ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : من مثلك يا شيث قد أعطاك الله سرور كرامته وألبسك لباس عافيته فلعمري لقد خصّك الله منه بأمر جليل ، ثمّ إنّ جبرئيل عليه‌السلام وشيثا أخذا في غسله ، وأراه جبرئيل كيف يغسله حتّى فرغ ، ثمّ أراه كيف يكفّنه ويحنّطه حتّى فرغ ثمّ أراه كيف يحفر له ، ثمّ إنّ جبرئيل عليه‌السلام أخذ بيد شيث فأقامه للصّلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثمّ قال كبّر على أبيك سبعين تكبيرة وعلّمه كيف يصنع ثمّ انّ جبرئيل عليه‌السلام أمر الملائكة ان يصطفّوا قياما خلف شيث كما يصطفّ اليوم خلف المصلّي على الميّت ، فقال شيث : يا جبرئيل ويستقيم هذا لي وأنت بالمكان من الله الّذي أنت ومعك عظماء الملائكة؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أنّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له فكان إمامنا ليكون ذلك سنة في ذرّيته ، وقد

٤١٣

قبضه اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه ، وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدّمك وأنت إمامنا؟ فصلّى بهم عليه كما أمره ، ثمّ أراه كيف يدفنه ، فلمّا فرغ من دفنه وذهب جبرئيل ومن معه ليصعدوا من حيث جاءوا بكى شيث ونادى : يا وحشتاه فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربّك وهو يونسك فلا تحزن وأحسن ظنّك بربّك فإنّه بك لطيف وعليك شفيق ، ثمّ صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل ، وكان على الجبل هاربا من أبيه آدم عليه‌السلام ايّام حياته لا يقدر أن ينظر إليه فلقي شيثا فقال : يا شيث إنّي إنّما قتلت هابيل أخي لأنّ قربانه قد تقبل وقد خفت أن يصير بالمكان الّذي قد صرت أنت اليوم فيه ، وقد صرت بحيث اكره ، وان تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك أبي لأقتلنّك كما قتلت هابيل.

قال زرارة : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام بيده إلى فمه فامسكه يعلمنا اي هكذا انا ساكت «فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» معشر شيعتنا فتمكنوا عدوّكم من رقابكم فتكونوا عبيدا لهم بعد إذ أنتم أربابهم وساداتهم. الخبر (١).

وفي خبر آخر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أرسل آدم ابنه إلى جبرئيل فقال : قل له : يقول لك أبي : أطعمني من زيت الزّيتون الّتي في موضع كذا وكذا من الجنّة ، فلقاه جبرئيل فقال له إرجع إلى أبيك فقد قبضه الله وأمرنا بإجهازه والصلاة عليه ، قال : فلمّا جهّزوه قال جبرئيل : تقدّم يا هبة الله فصلّ على أبيك فتقدم وكبّر عليه خمسا وسبعين تكبيرة سبعين تفضيلا لآدم وخمسا للسّنة قال : وآدم عليه‌السلام لم يزل

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١١ ص ٢٦٢ ـ ٢٦٤.

٤١٤

يعبد الله بمكّة حتّى إذا أراد أن يقبضه بعث إليه الملائكة معهم سرير وحنوط وكفن من الجنّة فلمّا رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل بينه وبينهم ، فقال لها آدم : خلّي بيني وبين رسل ربّي ، فقبض فغسّلوه بالسّدر والماء ثمّ لحدوا قبره ، وقال : هذا سنّة ولده من بعده فكان عمره منذ خلقه الله إلى أن قبضه تسعمائة وستّا وثلاثين سنة ودفن بمكّة وكان بين آدم ونوح صلوات الله عليهما ألف وخمسمائة سنة (١).

وفي «كمال الدين» عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن النّبي عليه‌السلام قال : عاش آدم ابو البشر تسعمائة وثلاثين سنة (٢).

وعن المسعودي في المروج توفّي يوم الجمعة لستّ خلون من نيسان في الساعة الّتي كان فيها خلقه وكان عمره تسعمائة وثلاثين سنة (٣).

وعن السيّد في سعد السعود نقلا من صحف إدريس عليه‌السلام : إنّ مرضه عشرة ايّام بالحمّى ، ووفاته يوم الجمعة لإحدى عشر يوما خلت من المحرّم ، ودفنه في غار في جبل أبي قبيس ووجهه إلى الكعبة ، وانّ عمره في وقت نفخ فيه الروح إلى وفاته ألف سنة وثلاثين وان حوّاء ما بقيت بعده إلّا سنة ثم مرضت خمسة عشر يوما ثم توفّيت ودفنت إلى جنب آدم عليهما‌السلام ، ثمّ قال ونبأ الله شيثا ، وأنزل عليه خمسين صحيفة فيها دلائل الله وفرائضه وأحكامه وسننه وشرائعه وحدوده ، فأقام بمكّة يتلو تلك الصحف على بني آدم ويعلّمها ويعبد الله ، ويعمر الكعبة فيعتمر في

__________________

(١) قصص الأنبياء ص ٦٤ ح ٤٤ وعنه البحار ج ١١ ص ٣٦٦ ح ١٥.

(٢) كمال الدين ص ٥٢٣ ح ٣.

(٣) مروج الذهب ج ١ ص ٤٨.

٤١٥

كلّ شهر ، ويحجّ في أوان الحجّ حتّى تمّ له تسعمائة سنة واثني عشر سنة ، فمرض فدعا ابنه أيوس (١) فأوصى به اليه وأمره بتقوى الله ثمّ توفّي فغسله أيوس ابنه وقينان بن أيوس ومهلائيل بن قينان فتقدّم أيوس فصلّى عليه ودفنوه عن يمين آدم عليه‌السلام في غار أبي قبيس (٢).

ثمّ قال السيّد رضى الله عنه على ما حكى عنه المجلسي طاب ثراه : وجدت في السفر الثالث من التوراة : أنّ حياة آدم كانت تسعمائة وثلاثين سنة.

وقال محمّد بن خالد البرقي (ره) : إنّ عمر آدم كان تسعمائة وستّا وثلاثين سنة (٣).

وفي تفسير القمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : وكان عمر آدم من يوم خلقه الله تعالى إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكّة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ، ثمّ برأ زوجته من أسفل أضلاعه واسكنه جنّته من يومه ذلك فما استقرّ فيها إلّا ستّ ساعات من يومه ذلك حتّى عصى الله تعالى وأخرجهما من الجنّة بعد غروب الشمس وما بات فيها (٤).

وعن ابن الأثير في الكامل قيل : إنّ شيث كان لم يزل مقيما بمكّة يحجّ ويعتمر إلى أن مات وانّه كان قد جمع ما أنزل عليه وعلى أبيه آدم من الصحف

__________________

(١) هكذا في النسخ والصحيح : انوش كما في المصدر.

(٢) سعد السعود ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) سعد السعود ص ٤٠ وفيه تسعمائة وست وثلاثون.

(٤) تفسير القمي ج ١ ص ٤٥.

٤١٦

وعمل بما فيها وانّه بنى الكعبة بالحجارة والطّين.

وقيل : إنّه لما مرض أوصى إلى ابنه انوش ومات ودفن مع أبويه بغار أبي قبيس وكان مولده لمضي مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وقيل غير ذلك وكانت وفاته وقد أتت له تسعمائة سنة واثنتا عشر سنة (١).

وفي «المعاني» و «الخصال» في خبر أبي ذرّ عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ أربعة من الأنبياء سريانيون آدم ، وشيث ، وإدريس ، ونوح وانّ الله تعالى انزل على شيث خمسين صحيفة (٢).

وروت العامّة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّ آدم كان كتب له ألف سنة فوهب لداود ستّين سنة ثمّ رجع (٣).

ورووا عن ابن عباس انّه وهب من الألف أربعين فجحد فأكمل الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة وسيأتي في تفسير آية المداينة في أخر السورة عن الصادق عليه‌السلام : انّه وهبه من عمره ستّين سنة.

وعن أبي جعفر : انّه وهبه ثلاثين سنة وانّه لمّا هبط عليه ملك الموت لقبض روحه قال له آدم يا ملك الموت انّه قد بقي من عمري ثلاثون سنة فقال له ملك الموت : يا آدم الم تجعلها لابنك داود النّبي وطرحتها من عمرك حين عرضت عليك اسماء الأنبياء من ذرّيتك وعرضت عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الدّخياء؟

__________________

(١) الكامل ج ١ ص ٥٤ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٦٢.

(٢) معاني الاخبار ص ٣٣٣ ـ والخصال ٥٢٤.

(٣) البحار ج ١١ ص ٢٦٨.

٤١٧

قال : فقال آدم : ما اذكر هذا فقال له ملك الموت : يا آدم لا تجحد ا لم تسأل الله عزوجل أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك فأثبتها لداود في الزّبور ومحاها من عمرك في الذكر؟ قال آدم : حتّى اعلم ذلك.

قال أبو جعفر عليه‌السلام وكان آدم عليه‌السلام صادقا لم يذكر ولم يجحد فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمّى لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه (١).

أقول : لكنّه كما ترى بظاهره مخالف لما أجمعت عليه الطّائفة المحقّة على ما مرّت إليه الإشارة من نفي السهو والإسهاء عن الأنبياء عليهم‌السلام ولو في غير ما يتعلّق بالتبليغ ولذا كان الاولى حمله على التقيّة ، والّا فليحمل على ضرب من التّأويل ولعلّ الأوّل أقرب سيّما مع اشتهار القصّة بين العامّة وروايتهم لها بطرق متعدّدة.

تبصرة : روى الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات بالإسناد عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح وهو في السّفينة أن يطوف بالبيت اسبوعا فطاف بالبيت اسبوعا كما أوحى الله تعالى إليه ثمّ نزل في الماء والماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه‌السلام فحمل التابوت في جوف السفينة حتّى طاف بالبيت ما شاء الله أن يطوف ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله تعالى (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) فبلعت مائها من مسجد

__________________

(١) علل الشرائع ص ٥٥٣ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٥٩.

٤١٨

الكوفة كما بدأ الماء من مسجدها وتفرّق الجمع الّذين كانوا مع نوح في السفينة فأخذ نوح التّابوت فدفنه في الغري (١).

وفي القصص بالإسناد إلى الصدوق باسناده إلى وهب قال : لمّا حضر آدم الوفاة أوصى إلى شيث وحفر لآدم في غار في أبي قبيس يقال له غار الكنز فلم يزل آدم في ذلك الغار حتّى كان زمن الغرق استخرجه نوح في تابوت وجعله معه في السفينة (٢).

وقد مرّ في خبر العيّاشي الطويل المتقدّم انّ آدم عليه‌السلام أوصى إلى هبة الله عليه‌السلام وقال له : أنظر يا هبة الله إذا أنا متّ فاغسلني وكفّني وصلّ عليّ وأدخلني في حفرتي فإذا مضى بعد وفاتي أربعون يوما فاخرج عظامي كلّها من حفرتي بأجمعها جميعا ثم اجعلها في التّابوت احتفظ به ولا تأمننّ عليه أحدا غيرك (٣). الخبر على ما مرّ.

ثمّ انّه قد يستشكل في هذه الأخبار فيما ورد عن الصادق عليه‌السلام من أنّ الله تبارك وتعالى أوصى إلى موسى بن عمران أن اخرج عظام يوسف من مصر ووعده طلوع القمر إلى أن قال عليه‌السلام : فاستخرجه من شاطئ النّيل في صندوق مرمر ، فلمّا أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشّام (٤).

من وجوه : أحدها : انّها بظاهرها تدلّ على جواز نقل الموتى بعد الدفن إلى

__________________

(١) كامل الزيارات ص ٣٨ ـ ٣٩ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٦٨.

(٢) قصص الأنبياء ص ٧٢ ح ٥٥.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٠٦ ـ ٣٠٩.

(٤) البحار ج ١٣ ص ١٢٧.

٤١٩

المواضع الشريفة أو مطلقا وظاهر الأصحاب تحريم ذلك حتى قال ابن إدريس : انّه بدعة في شريعة الإسلام سواء كان النقل إلى مشهد او غيره مضافا إلى ظهور اتّفاقهم على حرمة النبش بعد الدفن.

وثانيها : انّه قد ورد في جملة من الأخبار أن الأنبياء والأوصياء صلى‌الله‌عليه‌وآله يرفعون بعد الدفن بأبدانهم من الأرض.

ففي «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» وغيرها عن زياد بن أبي الحلال عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما من نبيّ او وصيّ (١) نبيّ يبقى في الأرض اكثر من ثلاثة ايّام حتّى يرفع بروحه ولحمه وعظامه (٢) إلى السّماء وإنّما يؤتى موضع آثارهم ويبلّغونهم عن بعيد السّلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم عن قريب (٣).

وفي «التهذيب» عن عطيّة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تمكث جثّة نبيّ ولا وصيّ نبيّ في الأرض أكثر من أربعين يوما (٤).

الى غير ذلك ممّا يدلّ على انّهم يرفعون بأبدانهم العنصريّة من الأرض إلى السّماء بعد ثلاثة ايّام أو أربعين يوما او غيرها مع أنّ الظّاهر من الأخبار المتقدّمة بقاؤهم فيها إلى أن نقلوا من مدفنهم إلى غيره بعد سنين عديدة.

ثالثها : انّ ظاهر الاخبار المتقدّمة أنّ الأرض تأكل من أبدانهم وتفرّق بين

__________________

(١) في نسخة : ولا وصى نبيّ.

(٢) في البحار : وعظمه.

(٣) بصائر الدرجات ص ٤٤٥ ح ٩.

(٤) بحار الأنوار ج ١٠٠ ص ١٣٠.

٤٢٠