تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

الآخرة أو من جنان الدنيا؟

وعلى الأوّل هل هي جنّة الخلد او جنّة المأوى أو شيء من الجنان الثمانية المعدّة لثواب الآخرة؟

وعلى الثاني هل هي في السماء أو في الأرض عند صخرة بيت المقدس ، او بأرض فلسطين ، او على ظهر الكوفة او بين فارس وكرمان؟ على اقوال.

واحتجّ الأوّلون بأنّ ظاهر الالف واللام للعهد والمعهود المعلوم بين المسلمين هي جنّات الآخرة المعدّة للثواب وبأنّها هي المتبادر منها حتّى صار الإسم كالعلم لها فوجب الحمل عليها.

والآخرون بأنّ دار الخلد لا يفنى نعيمها ولا يدخلها الشيطان بعد طرده ولعنه ، وبانّها لو كانت دار الخلد لما خرج آدم منها كما يقتضيه التّسمية ولقوله : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (١) ، وبانّ الشيطان وسوس لآدم عليه‌السلام بقوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (٢) ، ومعلوم انّها لو كانت جنّة الخلد لما تمكّن من وسوسة بذلك.

ثمّ منهم من حمل الإهباط على كونه من السماء إلى الأرض كانّه الظاهر ، ولقوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) (٣) ، الظّاهر في كون الهبوط من غيرها ، ولما روي عن أمير المؤمنين حيث سئل عن أكرم واد على وجه الأرض؟ فقال عليه‌السلام : واد

__________________

(١) الحجر : ٤٨.

(٢) طه : ١٢٠.

(٣) البقرة : ٣٦.

٢٨١

يقال له سرانديب سقط فيه آدم من السماء (١).

ومنهم من حمله على مجرّد الانتقال من أرض إلى أرض سيّما مع انحطاط الرتبة كما في قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) (٢).

على أنّ ذكر الهبوط لا يدلّ على كون النّزول من السماء قال الله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ) (٣) وانّما كان في السفينة حين استقرّت على الجودي وقال : (إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٤) ، قالوا ولا مانع بل هو الواقع انّ الجنّة الّتي أسكنها آدم كانت مرتفعة على سائر بقاع الأرض ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور كما قال الله سبحانه : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) (٥) اي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (٦) اي لا يمس باطنك حرّ الظمأ ولا ظاهرك حرّ الشمس ، هذا مع أنّ آدم خلق من الأرض ، ولم ينقل انّه رفع إلى السّماء ، بل خلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الله سبحانه الملائكة حيث قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٧).

والّذي يستفاد من اخبار أهل البيت عليهم‌السلام انّها لم تكن جنّة الخلد ولا من جنان الآخرة ولا كانت في السّماء بل كانت من جنان الدّنيا.

__________________

(١) عيون الأخبار : ج ١ ص ٢٤٤.

(٢) البقرة : ٦١.

(٣) هود : ٤٨.

(٤) البقرة : ٧٤.

(٥) طه : ١١٨.

(٦) طه : ١١٩.

(٧) البقرة : ٣٠.

٢٨٢

ففي العلل في الموثّق عن الحسن بن بشار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن جنّة آدم؟ فقال : جنّة من جنان الدّنيا يطلع عليها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها ابدا (١) ، وفي بعض النسخ : يطلع فيها الشمس والقمر ورواه في «الكافي» بالإسناد عنه عليه‌السلام.

وفي «تفسير القمي» مرفوعا قال سئل الصّادق عليه‌السلام عن جنّة آدم أمن جنان الدّنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال : كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها ابدا (٢). الخبر.

نعم ربما يستظهر من بعض الأخبار ما يخالف ذلك كما رواه العياشي عن عبد الله بن سنان قال : سئل ابو عبد الله عليه‌السلام وانا حاضركم لبث آدم وزوجه في الجنّة حتّى أخرجهما منها خطيئتهما؟ فقال : إنّ الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثمّ برأ زوجته من أسفل أضلاعه ، ثمّ أسجد له ملائكة واسكنه جنّته من يومه ذلك فو الله ما استقرّ فيها إلّا ستّ ساعات في يومه ذلك حتّى عصى الله فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس ، وما باتا فيها وصيّرا بفناء الجنّة حتّى أصبحا فبدت لهما سوءاتهما وناداهما ربّهما الم أنهكما عن تلكما الشجرة فاستحيا آدم من ربّه وخضع وقال ربّنا ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال الله لهما : اهبطا من سماواتي إلى الأرض فانّه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سماواتي (٣).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٦٠٠ ح ٥٥.

(٢) تفسير القمي : ص ٣٥ وعنه البحار ج ١١ ص ١٦١ ح ٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٨٨ ـ ١٨٩ عن تفسير العياشي.

٢٨٣

وفي «العلل» عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انّ آدم لمّا عصى ربّه عزوجل ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فانّه لا يجاورني احد عصاني فبكى وبكت الملائكة فبعث الله عزوجل اليه جبرئيل فاهبطه إلى الأرض مسودّا (١) آه.

وفي «المعاني» و «العيون» و «القصص» عن الرّضا عليه‌السلام في الخبر الآتي في شجر الجنّة انّها تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ، وليست كشجر الدنيا ، وانّ آدم لمّا أكرمه الله تعالى باسجاد ملائكة له وبإدخاله الجنة ... إلى أن قال : فأخرجهما الله تعالى عن جنّته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض (٢).

وفي النّهج عن بعض خطب امير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ اسكن سبحانه آدم دارا ارغد فيها عيشته ، وآمن فيها محلّته ، وحذّره إبليس وعداوته ، فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة الأبرار ، فباع اليقين بشكّه والعزيمة بوهنه واستبدل بالجذل ، وجلا ، وبالاغترار ندما ، ثمّ بسط الله سبحانه له في توبته ، ولقّاه كلمة رحمته ، ووعده المردّ إلى جنّته ، فأهبطه إلى دار البليّة وتناسل الذّرية ، الخطبة (٣).

فانّ الظاهر من دار المقام انّها دار الخلد ، سيّما مع ما سبقه من الأوصاف وما لحقه من قوله : ووعده المردّ إلى جنّته.

ومثله ما في «المعاني» عن الصادق عليه‌السلام في خبر قال : ولقد قام آدم على باب الكعبة ثيابه جلود الإبل والبقر فقال : اللهم أقلني عثرتي واغفر لي ذنبي واعدني إلى الدّار الّتي اخرجتني منها فقال الله عزوجل : قد أقلتك عثرتك ، وغفرت لك ذنبك ،

__________________

(١) علل الشرائع : ص ١٣٣ وعنه البحار ج ١١ ص ١٧١.

(٢) معاني الأخبار : ص ٤٢ والعيون ص ١٧٠ وعنهما البحار ج ١١ ص ١٦٥.

(٣) نهج البلاغة الخطبة الأولى.

٢٨٤

وسأعيدك إلى الدّار الّتي أخرجتك منها (١).

وما في القصص من انّ آدم لما كثر ولده وولد ولده كانوا يتحدّثون عنده وهو ساكت فقالوا يا ابه ما لك لا تتكلّم فقال يا بنيّ إنّ الله جلّ جلاله لما أخرجني من جواره عهد إليّ وقال اقلّ كلامك ترجع إلى جواري (٢).

بل وهو الظّاهر ايضا ممّا رواه العياشي عن الصادق عليه‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ موسى سأل ربّه أن يجمع بينه وبين أبيه آدم حيث عرج إلى السّماء في امر الصّلاة ، ففعل فقال له موسى : يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، واسجد لك ملائكته ، وأباح لك جنّته ، وأسكنك جواره ، وكلّمك قبلا ، ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها ، حتّى أهبطت إلى الأرض بسببها ، فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتّى أغراك إبليس فأطعته ، فأنت الّذي أخرجتنا من الجنّة بمعصيتك.

فقال له آدم : ارفق بأبيك أي بنيّ فيما لقي من امر هذه الشّجرة ، يا بنيّ انّ عدوّي أتاني من وجه المكر والخديعة فحلف بالله أنّه في مشورته عليّ لمن النّاصحين ، وذلك انّه قال لي منتصحا : إنّي لشأنك يا آدم لمغموم ، قلت : وكيف؟ قال : قد كنت انست بك وبقربك منّي وأنت تخرج ممّا أنت فيه إلى ما ستكرهه ، فقلت له : وما الحيلة؟ فقال : إنّ الحيلة هو ذا هو معك ، أفلا أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ فكلا منها أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنّة ابدا من الخالدين ،

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١١ ص ١٧٦ عن معاني الأخبار.

(٢) البحار : ج ١١ ص ١٨٠ عن القصص.

٢٨٥

وحلف لي بالله كاذبا إنّه لمن النّاصحين (١) الخبر.

وممّا رواه في «المعاني» في خبر المفضّل عن الصادق عليه‌السلام : انّه لمّا أسكن الله آدم وزوجته الجنّة ، نظرا إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم ، فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة ، فقالا : يا ربّنا لمن هذه المنزلة؟ قال الله جلّ جلاله : ارفعا رؤسكما إلى ساق عرشي ، فرفعا رؤسهما فوجدا أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار جلّ جلاله ، فقالا : يا ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبّهم إليك! وما أشرفهم لديك؟! فقال الله جلّ جلاله : لولاهم ما خلقتكما (٢). الخبر بطوله على ما يأتي في سورة الأعراف إنشاء الله.

وهو الظاهر ايضا ممّا ذكره الامام عليه‌السلام في تفسيره (٣) ، وبالجملة فالأخبار لا تخلو عن إختلاف ما في بادئ الأمر ولعلّه لذا قال المجلسي رحمه‌الله في البحار : انّ الجزم بأحد المذاهب لا يخلو من اشكال كما انّ شيخنا الطبرسي وغيره لم يرجّحوا شيئا من الأقوال والذي يخطر بالبال وفاقا لبعض المحقّقين ونبّه عليه المجلسي أيضا في موضعين من البحار وبه يجمع بين ما سمعت من الأخبار أنّ الجنّة كانت من جنان الدنيا الّتي تأوي إليها أرواح المؤمنين في عالم البرزخ بعد خروجها عن أبدانهم كما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٨٨ عن تفسير العياشي.

(٢) معاني الاخبار : ص ١٠٨ وعنه البحار ج ١١ ص ١٨٣.

(٣) تفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام ص ٩٠ ـ ٩١.

٢٨٦

وَعَشِيًّا) (١) ، انّ البكرة والعشيّ لا تكونان في الآخرة في جنان الخلد ، وإنّما يكون الغدوّ والعشيّ في جنان الدّنيا الّتي تنقل إليها أرواح المؤمنين وتطلع فيها الشمس والقمر.

وفي «الكافي» في الصحيح عن ضريس الكناسي قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام : انّ النّاس يذكرون انّ فراتنا يخرج من الجنّة ، فكيف هو وهو يقبل من المغرب ، وتصبّ فيه العيون والأودية؟ قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ لله جنّة خلقها في المغرب ، وماء فراتكم هذه يخرج منها ، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء ، فتسقط على ثمارها وتأكل منها ، وتتنعّم فيها وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنّة ، فكانت في الهواء فيما بين السماء والأرض ... ثمّ ذكر انّ لله تعالى نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفّار ، إلى أن قال في المسلمين الّذين ليسوا من أهل المعرفة ولا من أهل العناد : إنّه من كان منهم له عمل صالح ولم تظهر منه عداوة فانّه يخدّ له خدّا إلى الجنّة الّتي خلقها الله في المغرب ، فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيمة. (٢) الخبر.

والاخبار في هذا المعنى كثيرة جدّا وبالتأمّل فيها يمكن التوفيق بين الأخبار المتقدّمة لكونها حينئذ من جنان الدنيا تطلع فيها الشّمس والقمر ، وامّا اطلاق الهبوط او الهبوط من السموات أو عن جواره سبحانه او غير ذلك مما ذكر في الأخبار المتقدّمة وغيرها ، فلانّ هذه الجنان وإن كانت في المغرب إلّا أنّ أسفلها

__________________

(١) مريم : ٦٢.

(٢) الكافي : ج ١ ص ٦٨ وعنه البحار ج ٦ ص ٢٩٠.

٢٨٧

بحسب المرتبة فوق محدّب محدد الجهات ، وقد يعبّر عنها بعالم المثال والخيال المنفصل ، والهور قليا والإقليم الثامن ، وقد قيل : إنّ الأنهار الأربعة وهي الفرات والنيل وسيحان وجيحان تنزل من ذلك العالم إلى فلك المحدّد الجهات ، ثمّ إلى الملائكة ، ثمّ إلى السحاب ، ثمّ إلى الأنهار الأربعة ماء كلّ نهر من نظيرة هناك ، وفي بعض الأخبار تلويح إليه.

وامّا اشتمالها على وعد عوده إليها مطلقا أو بالشرط ممّا يؤكّد ما سمعت لتحقّق ذلك في عالم البرزخ قبل يوم القيمة وكان ما ذكرناه هو الّذي أشار إليه الملّا صدرا في رسالته «العرشيّة» بقوله : يجب أن نعلم أنّ الجنّة الّتي خرج عنها أبونا آدم وزوجته عليهما‌السلام لأجل خطيئتهما غير الجنّة الّتي وعد المتّقون لأنّ هذه لا تكون الّا بعد خراب الدّنيا وبوار السموات والأرض وانتهاء مدّة عالم الحركات وان كانتا متّفقتين في الحقيقة والرتبة والشرف لكونهما جميعا دار الحياة الذّاتية ، ودار البقاء غير متجدّدة ولا متبدّلة ، ولا داثرة ولا فانية ولا زائلة ، وبيان ذلك أنّ الغايات كالمبادئ متحاذية متقابلة ، وانّ الموت الطبيعي ابتداء حركة الرجوع إلى الله كما أنّ الحياة الطبيعيّة ابتداء حركة النزول من عنده فكلّ درجة من درجات القوس الصعوديّة بإزاء مقابلتها من درجات القوس النزوليّة ، وقد شبّهت الحكماء والعرفاء هاتين السّلسلتين بالقوسين من الدّائرتين إشعارا بانّ الحركة الثانية الرجوعيّة انعطافيّة لا استقامية.

أقول : ولعلّ قوله : لأنّ هذه لا تكون ، معناه لا يكون ظهورها ودخول المؤمنين فيها ، وإلّا فقد سمعت انّ ضرورة المذهب قاضية بوجودها الآن وهو قد

٢٨٨

صرّح بذلك في مواضع من كتبه ، ومن هنا يسقط ما اعترضه به الشّيخ الأجل الأمجد في شرحه ، نعم ذكر بعد ذلك أنّ الّذي ثبت عندي ما فهمته من الكتاب والسنّة على سبيل القطع بحيث لا أرتاب فيه ولا مرية عندي تعتريه انّ الجنّة الآخرة خلقت قبل سائر الخلق وأنّ المؤمنين خلقوا منها وإليها يعودون وانّ جنّة الدنيا خلقت بعد خلق الأجسام خلقت من تنزل جنّة الآخرة كما خلقت الأجسام من تنزل النفوس والأرواح والعقول ، وانّ الجنّة الدّنيا هي بعينها بعد التصفية جنّة الآخرة كما أنّ أجسام النّاس الآن هي بعينها أجسام الدنيا وهي بعينها بعد تصفيتها أجسام الآخرة ، والقرآن ناطق بذلك لمن كان له قلب قال سبحانه في حقّ الجنّة : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) فقوله : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا يعني جنّة الدّنيا لأنّ الآخرة ليس فيها بكرة وعشيّ وقوله : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (١) يعني جنّة الآخرة ، وهذا صريح في أنّ جنّة الدنيا هي بعينها جنّة الآخرة وقال سبحانه ، في شأن النّار : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) (٢) فقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) يعني نار الدّنيا لأنّ الآخرة ليس فيها غدوّ وعشيّ ، وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يعني بالنّار

__________________

(١) مريم : ٦٠ ـ ٦٣.

(٢) غافر : ٤٥ ـ ٤٦.

٢٨٩

المعروض عليها يوم تقوم الساعة نار الآخرة ، وقد اتّفق القرّاء على الوقف على تقوم الساعة ، ويلزم منه اتّحاد النّار المعروض عليها ، وهذا ظاهر فانّ جنّة الدنيا تنزّل جنّة الآخرة ، ونار الدّنيا تنزل نار الآخرة كما أنّ أجسام الدّنيا تنزّل أجسام الآخرة فتصفى أجسام الدّنيا وتكون بعينها أجسام الآخرة كذلك تصفى جنة الدنيا وتكون بعينها جنّة الآخرة وتصفى نار الدنيا الّتي عند مطلع الشّمس وتكون بعينها نار الآخرة لأنّ الله سبحانه قد تبيّن لنا آية ذلك ، بل آية كلّ شيء في أنفسنا فقال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١) وايضا قال الله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٢) ، إلى قوله : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) (٣) ، والمعنى ومن دون جنّتي الآخرة أي من قبلهما ومن دونهما اي من أنزل منهما جنّتان في الدنيا إذا ماتوا تأوي إليهما أرواحهم وهما الآن في المغرب في الإقليم الثّامن ، والفرات والنيل وسيحان وجيحان تجرى من الجنتين اللّتين في المغرب وهما المدهامّتان.

وفي حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام ما يدلّ على أنّهما في الدّنيا وهو قوله عليه‌السلام في الرجعة : وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما وراء ذلك بما شاء الله تعالى (٤).

والرجعة من الدّنيا وظهورهما في الدنيا دليل على انّهما اي المدهامّتان من

__________________

(١) فصّلت : ٥٣.

(٢) الرحمن : ٤٦.

(٣) الرحمن : ٦٢ ـ ٦٣.

(٤) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٤٣ ح ١٢ عن الاختصاص.

٢٩٠

جنان الدنيا وجنّة آدم عليه‌السلام هي من جنان الدنيا فيها البكرة والعشيّ ، وهي المدهامّتان ، فقد ظهر لمن نظر أنّ جنّة آدم الّتي أخرج منها هو وزوجته حواء هي من جنان الدنيا وهي الجنتان المدهامّتان ، وانّها موجودة الآن ، وانّها هي بعينها جنّة الآخرة إلّا أنّها تصفّى بمعنى انّها تطهر من أعراض البرزخيّة سبعين مرّة فتكون هي بعد التّطهير جنّة الخلد ، كما أنّ أجساد المؤمنين تطهر في الدّنيا للبرزخ ، وفي البرزخ للاخرة ، لأنّها تطهر من أعراض الدّنيا سبعين مرّة فتكون أخرويّة ، فما بين الدنيا والآخرة في كلّ ما في الدنيا من الأحوال والنعيم والعذاب أربعة آلاف رتبة وتسعمائة رتبة إلى آخر ما ذكره رحمه‌الله.

وهو وإن أجاد فيما أفاد إلّا أنّه يتوجّه على كلامه وجوه من الإيراد : مثل ما ذكره من أنّ جنّة الدّنيا خلقت بعد خلق الأجسام فإنّ مقتضى قواعدهم بل فحاوي بعض الأخبار ايضا كونها مخلوقة قبل خلق الأجسام ، وأنّ جنّة الدنيا هي بعينها جنّة الآخرة بل صرّح فيما بعد بانّ جنّة الدّنيا أعني جنّة آدم عليه‌السلام لا يبقى إلى يوم القيمة بل تفنى عند نفخة الصور ، وفيه أنّ الدليل عليه غير واضح ، بل قضيّة ترتّب العوالم وكون النقلة منها وإليها بقاؤها على ما عليها سيّما بعد ملاحظة ما ورد من أنّه تعالى ينشئ خلقا آخر بعد فناء هذا الخلق ، وانّه تعالى قد خلق ألف ألف آدم ونحن في أواخرهم ، والاستدلال بالآية الأولى لا بأس به على بعض الوجوه ، وامّا الاستدلال بالثانية فغريب جدّا ، وأغرب منه دعوى الاتفاق على الوقف على «تقوم الساعة» ، فانّ ظاهر المفسّرين بل صريح بعضهم أنّ قوله : «يوم تقوم» ظرف للفعل المتأخر ، وهو «ادخلوا» ولذا فسّره في «الكشاف» بقوله : فإذا قامت الساعة قيل

٢٩١

لهم : أدخلوا آل فرعون اشدّ عذاب جهنّم ، أو يقال لخزنة جهنّم أدخلوهم ، بناء على الإختلاف في كون الهمزة للوصل أو للقطع ، بل ذلك هو المستفاد ايضا من الأخبار الكثيرة المفسّرة للآية مثل قول الصادق عليه‌السلام على ما رواه القمي وغيره انّما هذا يعني عرض النّار غدوّا وعشيّا في الدّنيا ، فانّ ما في نار الخلد فهو قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١). (٢)

وظاهره كما ترى كونه ظرفا للفعل المتأخّر ، لا عطفا على الظرف المتقدّم ، وامّا الجنّتان المدهامّتان فالأخبار فيهما مختلفة ففي العلوي المتقدّم ما سمعت (٣) وفي «الاختصاص» عن الباقر عليه‌السلام انّهما لأصحاب اليمين كما أنّ المذكورتين في قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤) للسابقين المقرّبين (٥).

وظاهر الخبر بل صريحه على ما يأتي كون الأربع دار الجزاء للفريقين ، وفي كتاب الحسين بن سعيد ما يدلّ على كونهما من الخطاء ويمكن الجمع باعتبار الاتحاد والاضافة وان لا يخلو عن بعد وبالحمل على البطون ، ولعلّه الأقرب ، وتمام الكلام عند تفسير الآية ان شاء الله وما رواه عن امير المؤمنين الظّاهر انّه هو المرويّ في الاختصاص عن الصادق عليه‌السلام في ذكر رجعة امير المؤمنين قال : ويملك امير المؤمنين عليه‌السلام أربعا وأربعين ألف سنة حتّى يلد الرجل من شيعة عليّ عليه‌السلام ألف ولد

__________________

(١) غافر : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ص ٢٥٨.

(٣) البحار : ج ٥٣ ص ٤٣.

(٤) الرحمن : ٤٦.

(٥) الاختصاص : ص ٣٥٦.

٢٩٢

من صلبه ذكرا في كلّ سنة ذكرا وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله تعالى (١).

(وَكُلا مِنْها رَغَداً) منصوب على انّه صفة لمصدر محذوف ، أي اكلا رغدا يعني واسعا رافها ، أي مصدر وضع موضع الحال ، اي متنعّمين متوسعين في العيش من قولهم : عيشة رغد ورغد بالسكون والفتح اي واسعة طيّبة ليس فيها عناء ولا تعب ولا نصب ، ومنه قوله (٢) :

بينما المرء تراه ناعما

يأمن الأحداث في عيش رغد

ربما يقال تضعيفا للأوّل بأنّ مذهب سيبويه والمحقّقين خلاف ذلك وانّ المنصوب في المقام وفي قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) (٣) ، حال من ضمير مصدر الفعل ، والأصل فكلا الأكل واذكر الذكر ، قالوا : ودليل ذلك قولهم : سير عليه طويلا ، ولا يقولون طويل ، ولو كان نعتا للمصدر جاز ، ولأنّه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصة بجنسه ، تقول رأيت كاتبا ولا تقول رأيت طويلا لأنّ الكتابة خاصّة لجنس الإنسان بخلاف الطول.

وأجيب عن الأوّل بجواز أن يكون المانع كراهة اجتماع مجازين : حذف الموصوف ، وتصيير الصّفة مفعولا على الصفة ، ولذا يقولون : دخلت الدّار بحذف في توسّعا ، ومنعوا دخلت الأمر ، لأنّ تعليق الدّخول بالمعاني مجاز وإسقاط الخافض

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٣ ص ٤٣ ح ١٢ عن الاختصاص.

(٢) القائل : امرئ القيس.

(٣) آل عمران : ٤١.

٢٩٣

مجاز ، ويوضحه أنّهم يفعلون ذلك في صفة الأحيان فيقولون سير عليه زمن طويل ، فإذا حذفوا الزمان قالوا طويلا لما مرّ.

وعن الثّاني بأنّ حذف الموصوف إنّما يتوقّف على وجدان الدّليل لا على الإختصاص لقوله : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) (١) اي دروعا سابغات ، ثمّ إنّ العاطف للفعليّة على الفعليّة في المقام هو الواو ، وفي الأعراف هو الفاء.

قال الّرازي : والحكمة فيه أنّ كلّ فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط ، وذلك الشيء بمنزلة الجزء ، عطف الثّاني على الأوّل بالفاء كقوله : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) (٢) ، حيث إنّه كان وجود الأكل متعلّقا بدخولها فكانّه قال : إن دخلتموها أكلتم منها.

ثمّ إنّ (اسْكُنْ) يقال لمن دخل مكانا فيقال الزم المكان الّذي دخلته ولا تنتقل منه ، ويقال أيضا لمن لم يدخله اسكن هذا البيت يعني ادخله واسكنه ، ففي هذه السورة إنّما ورد الأمر بعد أن كان آدم في الجنّة ، فكان المراد منه اللّبث والاستقرار ، والأكل لا يختصّ وجوده بوجوده ، لأنّ من يدخل بستانا قد يأكل منه وان كان مجتازا ، ولذا ورد بلفظ الواو وفي الأعراف ورد هذا الأمر إنّما ورد قبل أن يدخل الجنّة ، فكان المراد منه دخول الجنّة فالدّخول موصل إلى الأكل والأكل متعلّق وجوده بوجوده.

أقول : وهو بطوله لا يرجع إلى طائل ، وليس في الآيتين دلالة على تعدّد الخطابين فضلا عن تأخّر الأوّل وتقدّم الثاني ، بل التأمّل في مساق الآيتين في

__________________

(١) سبأ : ١١.

(٢) البقرة : ٥٨.

٢٩٤

السورتين لعلّه يقضي بالعكس ، فلا تغفل ويؤيّده ما يأتي عن الامام العسكري عليه‌السلام في تفسيره فلاحظ.

(حَيْثُ شِئْتُما) متعلّق بكلا ، لا باسكن ، لأنّه أقرب لفظا وأنسب معنى من حيث تعلّق السعة بثمارها وألوان نعمها ، توطئة للنّهي الّذي هو في معنى الاستثناء تنبيها على ازاحة العلّة وقطع المعذرة في التناول عن الشّجرة المنهي عنها من بين أشجارها الّتي لا تكاد تحصى فضلا عن غيرها من النعم ، ويحتمل الثّاني نظرا إلى وضع الكلمة الدّالة على المكان سيّما مع تعلّق النّهي بالقرب من الشجرة ولو على وجه المبالغة إلّا انّه يتمّ ذلك على الأوّل أيضا.

(وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) نهي للإرشاد ، أو التّنزيه لا التحريم على ما يأتي ، والمعنى لا تقرباها بالأكل او لا تأكلا كما أرسله في المجمع عن الباقر عليه‌السلام قال ويدلّ عليه انّ المخالفة وقعت بالأكل بلا خلاف لا بالدنوّ منها ولذا قال فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما (١).

وضمير التثنية لآدم وحوّاء ولم يخصّ آدم بالخطاب كما خصّه في قوله : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) للتنبيه على مزيد الاعتناء والاهتمام في امتثال النهي واستقلال الطلب من كلّ منهما.

وانّما علّق النهي بالقرب الّذي هو من مقدّمات الغير السببيّة للتناول مبالغة في النهي عن الاكل ، وتنبيها على أنّ القرب من الشّيء ربما يورث داعية وميلا يأخذ بمجامع القلب ، ويوقعه فيما وطّن نفسه على اجتنابه.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٨٥.

٢٩٥

وفيه اشارة إلى أنّ المطيع ينبغي أن لا يحوم حول ما حرّم عليه ، ولذا قيل من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

وفيه مع ما مرّ من تعميم الخطاب وتخصيص النهي عنه بالإشارة الحاسمة لاحتمال التشكيك والإجمال وتعقيب النهي بالفاء المفيدة لسببيّة مخالفته لانخراطهما في سلك الظالمين وجوه من المبالغة.

ومدخول الفاء إمّا مجزوم عطفا على النهي ، فيكون من عطف الجملة على الجملة ، أو منصوب جوابا للنّهي بإضمار أن المؤول مع فعله بالمصدر عطفا على مصدر الفعل المتقدّم ، وعلى الوجهين يستفاد منه سببيّة الثّاني للاوّل كما مرّ.

في معنى الشجر لغة

والشّجرة في الأصل ما قام على ساق ، ولذا قوبل بها النّجم في قوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (١) ، مأخوذ من تشاجر القوم إذا اختلفوا ، وذلك لاشتباك أغصانه وتداخلها ، ويطلق على غير ذلك ايضا كقوله : (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ).

وعن المبرّد انّه قال : احسب ان كلّما تفرّعت له اغصان وميدان فالعرب تسميه شجرة في وقت تشعبه ، ولعلّ معناه الحقيقي هو الأوّل ولذا قال في «المصباح» وغيره : الشجر ما له ساق صلب ، بل في قول المبرّد دلالة عليه ايضا ، وامّا الثّانية فلعلّ إطلاقها للتنبيه على ارتفاع أوراقها عن وجه الأرض كي يسهل

__________________

(١) الرحمن : ٦.

٢٩٦

الاستظلال بظلّها على ما يأتي إنشاء الله.

القراءة

وقرأ الشجرة بكسر الشين والشيرة بتبديل الجيم ياء ، وعن أبي عمرو انّه كرهها وقال : يقرأ بها برابر مكة وسودانها ، ولعلّهما لغتان فيها ، ولذا قال في القاموس : الشّجر والشجر والشجراء كجبل وعنب وصحراء وشير بالياء كعنب من النبات : ما قام على ساق أو ما سما بنفسه ، دقّ أو جلّ قاوم الشتاء أو عجز عنه ، الواحدة بهاء وبالجملة فالقراءتان شاذتان كقراءة تقربا بكسر التّاء وهذي بالياء.

المراد بالشجرة المنهيّة

وهل المراد بها شجرة الحنطة ، او خصوص السنبلة ، او الكرمة ، او التينة ، او شجرة الكافور ، او شجرة الحسد ، أو العلم علم الخير والشرّ ، او شجرة الخلد الّتي كانت الملائكة تأكل منها ، او شجرة من أكل منها أحدث ، او شجرة علم محمّد وآل محمّد ، أو غير ذلك فيه أقوال معروفة والاخبار ايضا مختلفة ففي «المجمع» مرسلا عن امير المؤمنين عليه‌السلام : انّها شجرة الكافور (١) ، وفي كثير من الاخبار انّها السنبلة ، بل في أسؤلة ابن سلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كم أكل آدم من حبّات الشجرة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّتين ، قال : وكم أكلت حواء؟ قال : حبّتين ، قال : كم للشجرة من غصن وكم طول السنبلة؟ قال : يا بن سلام كان لها ثلاثة أغصان ، وكان طول كلّ سنبلة ثلاثة أشبار ، قال فكم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٨٥.

٢٩٧

سنبلة فرك منها آدم؟ قال : سنبلة واحدة ، قال : فكم كان في السنبلة من حبّة؟ قال : كان فيها خمس حبّات ، وكانت الحبّة بمنزلة البيض الكبار ، فأكلا أربع حبّات ، وبقيت حبّة واحدة أنزلت معه من الجنّة ، فزرع آدم تلك الحبة فتناسل منها الحبّ في الأرض وبورك فيها (١).

وفي «العلل» بالإسناد عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الحبّات الّتي أكلها آدم وحوّاء في الجنّة كانت ثمانية عشر ، أكل آدم منها اثني عشر حبّة ، وأكلت حواء ستّا ، فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الأنثيين (٢).

وفيه وفي «العيون» سأل الشّامي امير المؤمنين عليه‌السلام لم صار الميراث للذكر مثل حظّ الأنثيين؟ قال عليه‌السلام : من قبل السنبلة ، كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة ، وأطعمت آدم حبّتين ، فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظّ الأنثيين (٣).

أقول وربما يدفع المنافاة بين الخبرين الأخيرين بحمل الأوّل على أوّل سنبلة أخذاه ، ثمّ أخذا كذلك حتّى صارت ثمانية عشر ، او انّها كانت على كلّ شعبة منها ثلاث حبّات ، وكانت الشعب ستّة ولعلّ جوابه عن ابن سلام مبنيّ على ما هو المشهور بين اهل الكتاب كما يظهر ذلك من التأمّل في خبره الطويل المشتمل على السؤال عن امور كثيرة.

وفي تفسير العيّاشي عن الهادي عليه‌السلام : انّ الشجرة الّتي نهى الله تعالى عنها آدم

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٦٠ ص ٢٤٥.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٥٧١.

(٣) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢١٩ ، علل الشرائع ج ٢ ص ٥٧١.

٢٩٨

وزوجته ان يأكلا منها شجرة الحسد وعهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضّله الله تعالى على خلقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزما.

والمراد بالحسد هو الغبطة وتمنّي المنزلة ، كما انّه هو المراد ايضا منه في الخبر المروي في «المعاني» و «العيون» بالإسناد عن الهروي قال : قلت للرّضا عليه‌السلام يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني عن الشجرة الّتي أكل منها آدم وحوّاء ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي انّها الحنطة ، ومنهم من يروى انّها العنب ، ومنهم من يروى انّها شجرة الحسد ، فقال عليه‌السلام : كلّ ذلك حقّ ، قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال عليه‌السلام : يا أبا الصلت إنّ شجر الجنّة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا ، وانّ آدم عليه‌السلام لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له ، وبإدخال الجنّة قال في نفسه هل خلق الله بشرا أفضل منّي فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه ، فناداه ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا اله إلّا الله محمّد رسول الله عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، فقال آدم عليه‌السلام : يا ربّ من هؤلاء؟ فقال عزوجل : من ذرّيتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولو لا هم ما خلقتك ولا خلقت الجنّة والنّار ولا السماء والأرض ، فايّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنّي منزلتهم ، فتسلّط الشيطان عليه حتّى أكل من الشجرة الّتي نهي عنها وتسلّط على حوّاء فنظرت إلى فاطمة عليها‌السلام بعين الحسد حتّى أكلت من الشجرة كما

٢٩٩

أكل آدم فأخرجهما الله عزوجل عن جنّته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض (١).

وفي تفسير الامام عليه‌السلام انّ الله عزوجل لما لعن إبليس بإبائه ، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم وطاعتهم لله عزوجل أمر بآدم وحواء إلى الجنّة ، وقال يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا من الجنّة رغدا واسعا بلا تعب حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم شجرة علم محمّد وآل محمّد الّذين أثرهم الله تعالى به دون سائر خلقه ، فقال الله : ولا تقربا هذه الشجرة شجرة العلم فانّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم ، لا يتناول منها بأمر الله إلّا هم ، ومنها ما كان يتناوله النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتّى لم يحسّوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب ، وهي شجرة تميّزت من بين أشجار الجنّة ، إنّ سائر أشجار الجنّة كان كلّ نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البرّ والعنب والتين والعنّاب وسائر انواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون بذكر الشجرة فقال بعضهم : هي برّة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينه ، وقال آخرون : هي عنابة وقال الله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمّد في فضلهم فانّ الله عزوجل خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة الّتي من تناول منها باذن الله ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلّم ، ومن تناول منها بغير إذن الله خاب من مراده وعصى ربّه فتكونا من الظالمين بمعصيتكما أو

__________________

(١) معاني الاخبار : ص ١٢٤ وعيون الاخبار ج ١ ص ٣٠٦ ح ٦٧ وعنهما البحار ج ١١ ص ١٦٤.

٣٠٠