تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

التماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا رمتما تغيّر حكم الله إلى آخر ما يأتي (١).

وفي الأنوار النعمانيّة انّه قد ورد في حديث معتبر : انّ هذه الشجرة شجرة غرسها الله تعالى بيد قدرته لما خلق الجنّة وجعلها لعليّ بن أبي طالب وشيعته بأن لا يأكل احد قبله منها (٢).

تفسير الآية (٣٦)

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها)

حملهما على الزلّة بسبب وسوسته في الأكل من الشجرة بناء على كون الضمير لهما و «عن» للسببيّة نظير قوله : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) ويحتمل أن يكون الضمير للجنّة ، بل لعلّه المتعيّن ، حذرا من صرف الظرف عن ظاهره.

وتوهّم انّه يكون الإخراج حينئذ قبل الإزلال أو معه فلا يصحّ العطف بالفاء ، مدفوع بأنّ المراد التنبيه على جملة ما فات عنهما من النعمة والكرامة المقصودة بالموصولة بسبب زلّتهما بالخطيئة من الجنّة على وجه الترتيب ، وان لم يلحظ فيه الترتيب ، مع انّه هو المصرّح به في تفسير الامام عليه‌السلام حيث قال : فازلّهما الشيطان عنها عن الجنّة بوسوسته وخديعته وإيهامه وغروره بأن بدء بآدم فقال : ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلّا أن تكونا ملكين ، إن تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصّه الله تعالى بالقدرة ، او تكونا من الخالدين لا

__________________

(١) تفسير المنسوب الى الامام عليه‌السلام ص ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) الأنوار النعمانية : ج ١ ص ٢٤٢.

٣٠١

تموتان ابدا ، و (وَقاسَمَهُما) (١) حلف لهما (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢) وكان إبليس بين لحيي الحيّة ، أدخلته الجنّة وكان آدم يظنّ انّ الحيّة هي الّتي تخاطبه ، ولم يعلم أنّ إبليس قد اختبأ بين لحييها ، فردّ آدم على الحيّة ، ايّتها الحيّة : هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربّنا أم كيف تعظمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين؟ أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربّي وأتعاطاه بغير حكمه؟ فلمّا ايس إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحيّة ، فخاطب حواء من حيث يوهمها انّ الحيّة هي الّتي تخاطبها ، وقال : يا حواء أرأيت هذه الشجرة الّتي كان الله عزوجل حرّمها عليكما ، قد احلّهما لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له وتوقيركما ايّاه ، وذلك انّ الملائكة الموكّلين بالشجرة الّتي معها الحراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنّة لا يدفعوك عنها ان رمتها فاعلمي بذلك انّه قد احلّ لك ، وابشري بانك ان تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة النّاهية فوقه ، فقالت حوّاء سوف أجرّب هذا ، فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن يدفعوها عنها بحرابها ، فأوحى الله إليها انّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له بزجره ، وامّا من جعلته ممكنا مميّزا مختارا فكلوه إلى عقله الّذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحقّ ثوابي وان عصى وخالف أمري استحقّ عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرّضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أنّ الله نهاهم عن منعها لأنّه قد احلّها بعد ما حرّمها ، فقالت صدقت الحيّة ، وظنّت انّ المخاطب لها

__________________

(١) الكهف : ٨٢.

(٢) الأعراف : ٢١.

٣٠٢

هي الحيّة فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئا ، فقالت لآدم : الم تعلم أنّ الشجرة المحرّمة علينا قد ابيحت لنا؟ تناولت منها فلم تمنعني أملاكها ولم انكّر شيئا من حالي ، فلذلك اغترّ آدم وغلط فتناول ، فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه : «فازلّهما الشيطان عنها فأخرجهما بوسوسته وغروره» (١).

وفيه دلالة على ترجيح قراءة المشهور وردّ قراءة حمزة حيث قرأ فأزالهما نظرا إلى أنّ قوله : اسكن أنت وزوجك الجنّة معناه أثبتا فثبتا فأزلّهما الشيطان فقابل الثبات بالزوال الّذي هو خلافه.

وفيه ان البناء في مثله ليس على التعليل بل على الترخيص الّذي ورد معه الإذن بالقراءة كما يقرءون.

كيفيّة دخول إبليس الجنّة

وامّا كيفيّة دخول إبليس الجنّة بعد لعنه وطرده وخروجه منها فاختلفوا فيها وفي كيفيّة وصوله إليهما ووسوسته لهما ، فقيل إنّ آدم كان يخرج إلى باب الجنّة وإبليس لم يكن ممنوعا من الدنوّ وكان يكلمه ، وكان هذا قبل أن يهبط إلى الأرض وبعد أن اخرج من الجنّة ، وقيل : إنّه كان يحرم عليه دخول الجنّة بارزا وامّا مختفيا ولو في فم الحيّة فلا كما يومئ كلام الامام عليه‌السلام ، وقيل : إنّه منع من الدّخول على وجه التكرمة كما كان يدخل قبل ذلك مع الملائكة ، وامّا الدخول للوسوسة وابتلاء آدم وحواء فلم يمنع منه ، وامّا الدّخول في فم الحيّة فانّما كان لاشتداد البليّة والتمكّن

__________________

(١) تفسير الامام العسكري : ج ٤ ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

٣٠٣

من الوسوسة لا للتوصل إلى الدخول ، وقيل : تمثل بصورة دابّة اخرى غير الحيّة ولم تعرفه الخزنة ، وقيل : إنّه وسوسهما لا على وجه المشافهة بل في صدورهما ، وقيل : إنّه كلّمهما من الأرض بكلام عرفاه وفهماه منه ، وقيل : إنّه راسلهما بالخطاب.

وظاهر الخبر المتقدّم انّ وسوسته كانت على وجه المشافهة كما هو المستفاد من ظواهر الآيات ايضا ، وانّ دخوله كان بواسطة الحيّة.

وفي «الأنوار النعمانيّة» انّ ذلك كان بأسباب إلاهية كما في بعض الروايات قال وذلك انّ الشيطان لما أخرج من الجنّة لم يقدر على الدّخول إليها فاتى إلى جدار الجنّة ، ورأى الحيّة على أعلى الجدار ، فقال لها : أدخلني الجنّة وأعلّمك الاسم الأعظم فقالت له : انّ الملائكة تحرس الجنّة فيرونك ، فقال لها أدخل في فمك واطبقي عليّ حتّى ادخل ففعلت ، ومن ثمّ صار السمّ في أنيابها وفمها لما كان جلوس الشيطان فيه ، فلمّا أدخلته قالت له اين الإسم الأعظم؟ فقال لها لو كنت اعلمه لما احتجت إليك في دخولي فاتى إلى آدم عليه‌السلام فوسوس له فاقسم له بالنّصيحة فلم يطعه ، فاتى إلى حوّاء فقال هذه شجرة الخلد واقسم لها ولم يعهد قبل أن أحدا يقدر على أن يقسم بالله كاذبا فأتت حواء إلى آدم فصارت عونا للشيطان عليه فقام آدم معها إلى الاكل من الشجرة فكانت اوّل قدم مشت إلى الخطيئة فلمّا مدّا يديهما إليها تطاير ما عليهما من الحلي والحلل وبقيا عريانين فأخذا من ورق التّين فوضعاه على عورتيهما فتطاير الورق فوضع آدم عليه‌السلام يده على عورته والاخر على رأسه كما هو شأن العراة ومن ثمّ امر بالوضوء على هذه الهيئة (١).

__________________

(١) الأنوار النعمانية : ج ١ ص ٢٤٥.

٣٠٤

وروى الصدوق طاب ثراه : انّه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه أخبرنا يا محمّد لايّ علّة توضئ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف الجوارح في الجسد فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه‌السلام ودنى آدم من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها ، وهي اوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ما عليها فأكل ، فطار الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على أمّ رأسه ، وبكى فلمّا تاب الله عزوجل عليه فرض عليه وعلى ذرّيته تطهير هذه الجوارح الأربع ، فأمر الله عزوجل بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، وأمره بمسح الّرأس لما وضع يده على امّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة (١) آه.

أقول : وفي تفسير العياشي عن الصّادق عليه‌السلام : إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة فأخذت الشجرة برأسه فجرته إليها وقالت له أفلا كان فرارك من قبل أن تأكل منّي (٢).

وفي تفسير القمي عن الصادق عليه‌السلام قال لما اخرج آدم نزل جبرئيل عليه ، فقال : يا آدم أليس الله خلقك بيده ، ونفح فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وزوّجك حواء أمته ، وأسكنك الجنّة وأباحها لك ، ونهاك مشافهة ان لا تأكل من هذه الشجرة ، فأكلت منها ، وعصيت الله؟ فقال آدم عليه‌السلام : يا جبرئيل إنّ إبليس حلف لي بالله أنّه لي ناصح فما ظننت أنّ أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا (٣).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٢٨٠ ح ١.

(٢) تفسير العياشي : ج ٢ ص ١٠ ح ١١.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ص ٤٤.

٣٠٥

أقول : وسيأتي تفسير قوله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١).

عن «مصباح الشريعة» ، وغيرها ما يدلّ عليه ، وبيان السرّ في ذلك.

وروت العامّة أنّ إبليس أراد ان يدخل عليهما الجنّة فمنعته الخزنة فأتى الحيّة وهي دابّة لها أربع قوائم كأنّها البعير ، وهي كأحسن الدوابّ فكلّمها أن يدخل في فيها حتى يدخل الى آدم فأدخلته في فمها فمرّت الحيّة على الخزنة فدخلت وهم لا يعلمون لما أراد الله من الأمر : فكلّمه من فمها.

وفي خبر آخر : انّ عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض انّها تحمله وتدخل به الجنّة حتّى يكلّم آدم وزوجته ، فكل الدوابّ أبى ذلك عليه حتّى كلّم الحيّة ، فقال لها : انا أمنعك من بني آدم فأنت في ذمّتي إذا ادخلتني الجنّة ، فجعلته بين نابين من أنيابها ثمّ دخلت به ، فكلّمهما من فيها ، وكانت كاسية تمشي على اربع قوائم ، فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها (٢).

وروي أنّ أول ما ابتداهما به من كيده ايّاهما انّه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفترقان ، أو قال : فتفارق ما أنتما عليه من النّعمة والكرامة ، فوقع ذلك في أنفسهما ثمّ أتاهما فوسوس إليهما فقال : يا آدم هل ادلّك على شجرة الخلد (٣) (فَأَخْرَجَهُما) بوسوسته وغروره ممّا (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعمة والدّعة وممّا كانا قد خوطبا قبل ذلك بقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَا

__________________

(١) الأعراف : ٢١.

(٢) جامع البيان للطبري ج ١ ص ١٨٨.

(٣) جامع البيان ج ١ ص ١٨٨.

٣٠٦

فِيها وَلا تَضْحى) (١) او من الجنّة حتّى أهبطا ، او من عظم القرب والمنزلة والطّاعة إلى ما قد سماه الله سبحانه معصيته.

وإضافة الإخراج إليه على حدّ اضافة الإذلال باعتبار السببيّة.

(وَقُلْنَا اهْبِطُوا) خطاب لآدم وحوّاء لقوله : (اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) (٢) إطلاقا للجمع على الإثنين حقيقة او مجازا كقوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٣) ، (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) (٤) ، (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (٥) أو لهما ولذّريتهما ولو على التّغليب ليصحّ تعلّقه بالمعدوم ، أو توجيه الخطاب إلى الأرواح الّتي دلّت القواطع على تقدّم خلقها على الأبدان ، أو لهما ولإبليس ، وإن كان قد أخرج قبل ذلك ، بدليل قوله في الحجر (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٦) إلى قوله : ويا آدم اسكن إلّا انّه جمعه معهما لدخوله ثانيا على وجه الاختفاء والمسارقة للوسوسة ، او لقربه من باب الجنّة ، أو لاجتماعهم حينئذ في الهبوط ، وان كانت أوقاتهم متفرقة فيه ، أو لهما وللحيّة واستبعده في «المجمع» (٧) بانّ خطاب من لا يفهم الخطاب لا يحسن ، وبانّه لم يتقدّم للحيّة ذكر ، والكناية عن غير مذكور لا تحسن ، إلّا مع الأمن من اللّبس.

ويضعف الأوّل بالمنع عن عدم فهمه الخطاب سيّما مع ما قرّر في محلّه من

__________________

(١) طه : ١١٧ ـ ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) طه : ١٢٣.

(٣) الأنبياء : ٧٨.

(٤) النساء : ١١.

(٥) الشعراء : ١٥.

(٦) الحجر : ٣٤ وص : ٧٧.

(٧) مجمع البيان : ج ١ ص ٧٨.

٣٠٧

مساوقة الشعور للوجود ، وانّ الجماد فضلا عن الحيوان يشارك الإنسان في الإدراك والشّعور والعبوديّة ، وصحّة تعلّق الخطاب وان اختلفت في مراتب الجمود والسيلان ، سيّما بعد ما سمعت عن الأنوار النعمانيّة من مكالمتها مع الشيطان ، والثّاني بانّ الخطب في مثله سهل بعد ملاحظة وجوه دلالات القرآن ومحامله ، وأولى من الجميع ما في «تفسير الامام» من الجمع بين الأربعة حيث قال : وقلنا يا آدم ويا حوّاء ويا ايّتها الحيّة ويا إبليس اهبطوا.

(بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) آدم وحوّاء وولدهما عدوّ للحيّة ، وإبليس والحيّة وأولادهما أعداؤكم (١).

وعلى الأولين فالمعاداة بين الذّريّة ولو باعتبار التجوّز ، أو تقدير المضاف في الأوّل ، والجملة حالية استغنى فيها عن الواو بالضّمير ، والمعنى متعادين يبغي بعضكم على بعض بإضلاله وتغريره ، وليس من متعلّق الأمر ، ويحتمل أن يكون استينافا لله سبحانه فائدته التحذير عن الاغترار بوساوس هذا العدوّ كما في قوله : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (٢) وقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٣).

وعداوة إبليس لآدم وحوّاء ظاهرة حتّى قد روي انّه أغرى عليهما السّباع بعد هبوطهما كما في «العلل» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : انّه سئل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا خلق الله عزوجل الكلب؟ قال : خلقه من بزاق إبليس ، قال : وكيف ذلك يا رسول الله قال : لمّا

__________________

(١) تفسير المنسوب الى الامام عليه‌السلام : ص ٢٢٤ وعنه البحار ج ١١ ص ١٩٠.

(٢) الأعراف : ٢٧.

(٣) فاطر : ٦.

٣٠٨

أهبط الله آدم وحوّاء إلى الأرض أهبطهما كالفرخين المرتعشين ، فعدا إبليس الملعون إلى السباع ، وكانوا قبل آدم في الأرض ، فقال لهم : إنّ طيرين قد وقعا من السّماء لم ير الرّاؤون أعظم منهما تعالوا فكلوهما ، فتعاوت السباع معه وجعل إبليس يحثّهم ويصيح ويعدهم بقرب المسافة ، فوقع من فيه من عجلة كلامه بزاق فخلق الله عزوجل من ذلك البزاق كلبين أحدهما ذكر والآخر أنثى ، فقاما حول آدم وحوّاء ، الكلبة بجدّة ، والكلب بالهند ، فلم يتركوا السباع أن يقربوهما ، ومن ذلك اليوم الكلب عدوّ السّبع ، والسّبع عدوّ الكلب (١).

وفيه عنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل حين أمر آدم أن يهبط هبط آدم وزوجته ، وهبط إبليس ولا زوجة له ، وهبطت الحيّة ولا زوج لها فكان أوّل من يلوط بنفسه إبليس ، فكانت ذرّيّته من نفسه ، وكذلك الحيّة وكانت ذرّية آدم من زوجته فأخبرهما انّهما عدّوان لهما (٢).

(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) منزل ومقرّ للمعاش بأن جعلها قرارا ومعاشا لكم ، ويحتمل أن يكون بمعنى الاستقرار ، وأن يكون اسم مفعول وهو ما استقرّ منكم عليه ، وجاز تصرّفكم فيه.

(وَمَتاعٌ) استمتاع وانتفاع (إِلى حِينٍ) حين الموت كما في «تفسير الامام عليه‌السلام» أو إلى يوم القيمة كما في رواية «القمي» وجمع بينهما بانّ الموت هو القيمة الصغرى للأكثرين والكبرى للآخرين ولذا ورد «من مات فقد قامت قيامته».

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٤٩٦ ح ١ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٠٧ ح ١٠.

(٢) علل الشرائع : ص ٥٤٧ ح ٢ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٣٧ ح ١٩.

٣٠٩

أقول : وهو مبنيّ على كون الغاية هو الموت بناء على انتقال الرّوح بعدها إلى جنان الدّنيا أو نيرانها ، فانّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار ، وقد سمعت كون الهبوط من جنان الدّنيا لا من جنّة الخلد ، ومن هنا يبعد الحمل على القيامة الكبرى وان كان في القبر ايضا تمتّع واستقرار.

ولا ينافي شيئا من الوجهين قوله في سورة الأعراف بعد مثل هذه الآية قال : (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) (١) إذ يمكن أن يكون تفصيلا لوجوه الاستقرار ، وأن يكون زيادة عليه ، والظّرف غاية للأمرين ، وتنكير الثلاثة للتّحقير ، فانّ الآخرة هي دار القرار ، وإن طلب الناس القرار في الدّنيا ، ولذا آثر المستقر على المقرّ ، وليس في الدنيا إلّا عيش يسير ومتاع قليل ، ولذا قال سبحانه : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) (٢) و (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (٣).

مدّة مكث آدم في الجنة

ثمّ انّهم قد اختلفوا في مدّة مكثه عليه‌السلام في الجنّة وزمان هبوطه ومكانه على أقوال لا طائل تحت التّعرض لها ، لاستناد جملة منها إلى بعض الاعتبارات وإلى اقوال اهل الكتاب.

نعم روى الصدوق في «العلل» و «الأمالي» عن الحسن بن عليّ بن ابي طالب عليهما‌السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه عن مسائل ، فكان

__________________

(١) الأعراف : ٢٥.

(٢) الرعد : ٢٦.

(٣) آل عمران : ١٨٥.

٣١٠

فيما سألوه أخبرني عن الله لأيّ شيء وقّت هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على أمّتك في ساعات اللّيل والنّهار؟ فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن قال : وامّا صلاة العصر فهي الساعة الّتي أكل فيها آدم من الشّجرة فأخرجه الله عن الجنّة ، فأمر الله ذرّيته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة ، واختارها لأمّتي فهي من أحبّ الصلاة إلى الله تعالى عزوجل ، وأوصاني ان احفظها من بين الصّلوات ، وامّا صلاة المغرب فهي الساعة الّتي تاب الله فيها على آدم ، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من ايّام الدّنيا ، وفي ايّام الآخرة يوم كألف سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء : فصلّى آدم ثلاث ركعات : ركعة لخطيئته ، وركعة لخطيئة حوّاء ، وركعة لتوبته ، فافترض الله عزوجل هذه الركعات الثلاث على أمّتي (١).

وفي «الخصال» بالإسناد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّما كان لبث آدم وحواء في الجنّة حتّى أخرجا منها سبع ساعات من أيّام الدّنيا حتّى أهبطهما الله تعالى من يومهما ذلك (٢).

أقول : ولعلّ المعنى من أيّام جنان الدنيا ، على تقدير المضاف ، فينطبق على الخبر الأوّل.

تعدّد الأيّام وتغايرها

روى السيّد في «الدروع الواقية» عن الصادق عليه‌السلام : أن اليوم الأوّل من الشهر

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٣٧ والأمالي ص ١٥٩ وعنهما البحار ج ١١ ص ١٦٠.

(٢) الخصال : ج ٢ ص ٣٩٧ ح ١٠٣.

٣١١

خلق فيه آدم وهو يوم مبارك لطلب الحوائج ، وفي اليوم الثاني خلقت حوّاء من آدم ، يصلح للتزويج وبناء المنازل ، واليوم الثالث يوم نحس مستمرّ ، نزع عن آدم وحواء لباسهما وأخرجا من الجنّة (١).

وهي تدلّ على تعدّد الأيّام وتغايرها ، وقضيّة بعض الأخبار المتقدّمة وقوع تلك الشؤون جميعا في ساعات من يوم واحد ، ويمكن الجمع بحمل تلك الأخبار على الأيّام الدّهرية الملكوتيّة ، وهذه على الزّمانية النّاسوتية ، ويدلّ عليه ما مرّ عن «العلل» و «الأمالي» عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : وامّا صلاة المغرب (٢) ، آه.

مكان هبوط آدم وحوّاء

وأمّا مهبطهما فظاهر كثير من الأخبار أنّه الصّفا والمروة ففي «تفسير القمي» وغيره عن الصادق عليه‌السلام قال : فهبط آدم على الصّفا ، وإنّما سمّيت الصّفاء لأنّ صفوة الله نزل عليها ونزلت حوّاء على المروة ، وإنّما سمّيت المروة لأنّ المرأة نزلت عليها فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنّة فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا آدم ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته؟ قال : بلى قال : وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال : يا جبرئيل إنّ إبليس حلف لي بالله انّه لي ناصح وما ظننت انّ خلقا يحلف بالله كاذبا (٣).

وفي «تفسير العيّاشي» عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انّما كان

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٩ ص ٥٦ ـ ٥٧ ـ ٥٨ عن الدروع الواقية.

(٢) علل الشرائع : ص ٣٣٧.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ص ٤٤ وعنه البحار ج ١١ ص ١٦٣ ح ٧.

٣١٢

لبث آدم وحوّاء في الجنّة حتّى خرجا عنها سبع ساعات من ايّام الدّنيا حتّى اكلا من الشجرة فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك ، قال فحاجّ آدم ربّه فقال يا ربّ أرايتك قبل أن تخلقني كنت قدّرت عليّ هذا الذّنب وكل ما صرت وانا صائر إليه ، أو هذا شيء فعلته انا من قبل نفسي لم تقدّره عليّ غلبت عليّ شقوتي ، فكان ذلك منّي وفعلي لا منك ولا من فعلك؟ قال له : يا آدم أنا خلقتك وعلّمتك أنّي أسكنك وزوجتك الجنّة ، وبنعمتي ، وما جعلت فيك من قوّتي قويت بجوارحك على معصيتي ، ولم تغب عن عيني ، ولم يخل علمي من فعلك ، ولا ممّا أنت فاعله.

قال آدم : يا ربّ الحجّة لك عليّ يا ربّ ، فحين خلقتني وصوّرتني ونفخت فيّ من روحك ، قال : يا آدم أسجدت لك ملائكتي ونوّهت باسمك في سماواتي ، وابتدأتك بكرامتي ، وأسكنتك جنّتي ، ولم أفعل ذلك إلّا بنعمة منّي عليك ، أبلوك بذلك من غير أن تكون عملت لي عملا تستوجب به عندي ما فعلت بك.

قال آدم : يا ربّ الخير منك والشرّ منّي ، قال الله : يا آدم انا الله الكريم ، خلقت الخير قبل الشرّ ، وخلقت رحمتي قبل غضبي ، وقدّمت بكرامتي قبل هواني ، وقدّمت باحتجاجي قبل عذابي.

يا آدم ألم أنهك عن الشجرة وأخبرتك انّ الشيطان عدوّ لك ولزوجك؟ وأحذركما قبل أن تصيرا إلى الجنّة؟ وأعلمكما أنّكما إن أكلتما من الشجرة كنتما ظالمين لأنفسكما عاصين لي؟ يا آدم لا يجاورني في جنّتي ظالم عاص بي قال : فقال : بلى يا ربّ الحجّة لك علينا؟ ظلمنا أنفسنا وعصينا وإلّا تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين.

٣١٣

قال فلما أقرّا لربّهما بذنبهما وأنّ الحجّة من الله لهما تداركهما رحمة الرحمن الرحيم ، فتاب عليهما ربّهما إنّه هو التّواب الرحيم ، قال الله : يا آدم اهبط أنت وزوجك إلى الأرض ، فإذا أصلحتما أصلحتكما وإن عملتما لي قويتكما ، وإن تعرّضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما ، وإن خفتما منّي آمنتكما من سخطي.

قال : فبكيا عند ذلك وقالا : ربّنا فأعنّا على صلاح أنفسنا وعلى العمل لما يرضيك عنّا ، قال الله لهما : إذا عملتما سوء فتوبا إلى الله أتب عليكما ، وأنا الله التّواب الرحيم.

قالا : فأهبطنا برحمتك إلى أحبّ البقاع إليك ، قال : فأوحى الله إلى جبرئيل ان أهبطهما إلى البلدة المباركة مكّة ، قال : فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصّفا ، وألقى حوّاء على المروة ، قال : فلما ألقيا قاما على أرجلهما ورفعا رؤسهما إلى السّماء وضجّا بأصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى وخضعا بأعناقهما ، قال : فهتف الله تعالى بهما ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟ قال : فقالا : ربّنا أبكتنا خطيئتنا وهي أخرجتنا من جوار ربّنا ، وقد خفي عنّا تقديس ملائكتك لك ربّنا وبدت لنا عوراتنا ، واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا ومطعمها ومشربها ، ودخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا قال : فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك ، وأوحى إلى جبرئيل : أنا الله الرحمن الرحيم ، وأنّي قد رحمت آدم وحوّاء لمّا شكيا إليّ ، فأهبط إليهما بخيمة من خيام الجنّة ، وعزّهما عنّي بفراق الجنّة ، واجمع بينهما في الخيمة فانّي قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما ، وانصب لهما الخيمة على الترعة الّتي بين جبال مكّة.

٣١٤

وقال : والترعة مكان البيت وقواعده التي رفعتها الملائكة قبل ذلك فنصبها.

قال : وانزل جبرئيل آدم من الصّفا ، وانزل حوّاء من المروة ، وجمع بينهما في الخيمة.

قال : وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر ، فأضاء نوره وضوئه جبال مكّة وما حولها.

قال : وامتدّ ضوء العمود فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنّهما من الجنّة ، قال : ولذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة والسّيئات فيه مضاعفة.

قال : ومدّت أطناب الخيمة حولها لمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام.

قال : وكانت أوتادها من غصون الجنّة وأطنابها من ظفائر الأرجوان (١).

قال : فأوحى الله إلى جبرئيل عليه‌السلام : أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الجنّ ويونسون آدم وحوّاء ، ويطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت والخيمة ، قال : فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين والعتاة ، ويطوفون حول أركان البيت والخيمة كلّ يوم وليلة ، كما كانوا يطوفون في السّماء حول البيت المعمور.

قال : وأركان البيت الحرام في الأرض حيال البيت المعمور الّذي في السماء.

قال : ثمّ إنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك : أن اهبط إلى آدم وحوّاء فنحّهما عن مواضع قواعد بيتي فانّي أريد أن اهبط (٢) في ظلال من ملائكتي إلى

__________________

(١) الأرجوان : شجر من الفصيلة القرنية له زهر شديد الحمرة ، حسن المنظر ، وليست له رائحة.

(٢) قال المجلسي قدس سرّه في بيانه : هبوطه تعالى كناية عن توجّه أمره بصدور ذلك الأمر كما قال تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) (البقرة : ٢١٠).

٣١٥

ارضي ، فارفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم.

قال : فهبط جبرئيل على آدم وحوّاء فأخرجهما من الخيمة ونحاّهما عن ترعة البيت الحرام ، ونحّى الخيمة عن موضع الترعة.

قال : ووضع آدم على الصفاء ووضع حوّاء على المروة ، ورفع الخيمة إلى السّماء ، فقال آدم وحوّاء : أبسخط من الله حوّلتنا وفرّقت بيننا أم برضا تقديرا من الله علينا؟ فقال لهما : لم يكن ذلك سخطا من الله عليكما ، ولكنّ الله لا يسأل عمّا يفعل ، يا آدم إنّ سبعين ألف ملك الّذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفون حول أركان البيت والخيمة سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور ، فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور ، فأوحى الله إليّ أن أنحّيك وحوّاء ، وارفع الخيمة إلى السّماء ، فقال آدم عليه‌السلام : رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا ، فكان آدم على الصفا وحوّاء على المروة.

قال : فدخل آدم لفراق حوّاء وحشة شديدة وحزن ، قال : فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حوّاء ، وليسلّم عليها وكان فيما بين الصفا والمروة واد ، وكان آدم يرى المروة من فوق الصّفا فلمّا انتهى إلى موضع الوادي ، غابت عنه المروة فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضلّ عن طريقه فلمّا أن جاز الوادي وارتفع عنه نظر إلى المروة ، فمشى حتّى انتهى إلى المروة فصعد عليها فسلّم على حوّاء ، ثمّ أقبلا بوجههما نحو موضع التّرعة ينظران هل رفع قواعد البيت ويسألان الله أن يردّهما إلى مكانهما حتّى هبط من المروة فرجع إلى الصّفا فقام

٣١٦

عليه ، وأقبل بوجهه نحو موضع التّرعة ، فدعا الله ثمّ إنّه اشتاق إلى حوّاء فهبط من الصّفا يريد المروة ، ففعل مثل ما فعله في المرّة الاولى ، ثمّ إنّه رجع إلى الصّفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرّة الاولى ، ثمّ انّه هبط من الصفاء إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرّتين الأوليين ، ثمّ رجع إلى الصفا فقام عليه ودعا الله أن يجمع بينه وبين زوجته حوّاء.

قال : فكان ذهاب آدم من الصفاء إلى المروة ثلاث مرّات ورجوعه ثلث مرّات فذلك ستّة أشواط فلمّا أن دعيا الله وبكيا إليه وسألاه أن يجمع بينهما استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال الشّمس ، فأتاه جبرئيل وهو على الصّفا واقف يدعوا الله مقبلا بوجهه نحو التّرعة فقال له جبرئيل : انزل يا آدم من الصفا فالحق بحوّاء ، فنزل آدم من الصفاء إلى المروة ففعل مثل ما فعل في الثلاث المرّات حتّى انتهى إلى المروة ، فصعد عليها وأخبر حوّاء بما أخبره جبرئيل ، ففرحا بذلك فرحا شديدا ، وحمد الله وشكراه ، فلذلك جرت السّنة بالسعي بين الصفا والمروة ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (١).

قال : ثمّ إنّ جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة ، وأخبرهما أنّ الجبّار تبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصّفا وحجر من المروة وحجر من طور سيناء وحجر من جبل السلم وهو ظهر الكوفة ، فأوحى الله إلى جبرئيل أن ابنه وأتمّه قال : فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله من

__________________

(١) البقرة : ١٥٨.

٣١٧

مواضعهنّ بجناحيه فوضعها حيث أمره الله في أركان البيت على قواعده الّتي قدّرها الجبّار ، ونصب أعلامها ، ثمّ أوحى الله إلى جبرئيل ان ابنه وأتممه بحجارة من أبي قبيس ، واجعل له بابين باب شرقيّ وباب غربي قال : فأتمّه جبرئيل فلمّا أن فرغ منه طافت الملائكة حوله.

فلمّا نظر آدم وحوّاء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط ثمّ خرجا يطلبان ما يأكلان وذلك من يومهما الّذي هبط بهما فيه (١).

أقول وهذا الخبر كما ترى سقط شيء من اوائله ، وكانّه سقط ذلك من أوائل لاتّفاق النّسخ الموجودة ، بل قد نبّه المجلسي على ذلك أيضا.

وفي بعض الأخبار أنّ مهبطه كان بالهند ، ففي «القصص» بالإسناد عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : انّ آدم عليه‌السلام نزل بالهند ، فبنى الله تعالى له البيت ، وأمره أن يأتيه فيطوف به أسبوعا ، فيأتي منى وعرفات ويقضي مناسكه ، كما امر الله ، ثمّ خطا (٢) من الهند فكان موضع قدميه حيث خطا عمران ، وما بين القدم والقدم صحارى ليس فيها شيء ، ثمّ جاء إلى البيت فطاف به اسبوعا وقضى مناسكه فقضاها كما أمره الله ، فقبل الله منه توبته وغفر له ، فقال آدم صلوات الله يا ربّ ولذريتي من بعدي ، فقال نعم من آمن بي وبرسلي (٣).

وعن السيّد في كتاب «سعد السعود» : انّه رأى في صحف إدريس عليه‌السلام أمر الله

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ص ١٢١ ـ ١٢٧ ط قم مؤسّسة الاسلاميّة وعنه البحار ج ١١ ص ١٨٢ ـ ١٨٩.

(٢) خطا يخطو خطوا : فتح ما بين قدميه ومشى.

(٣) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٨٠ عن القصص.

٣١٨

الملائكة فحملت آدم وزوجته حوّاء على كرسيّ من نور ، وأدخلوهما الجنّة فوضعا في وسط الفردوس من ناحية المشرق ثمّ ذكر حديث إقامة آدم عليه‌السلام خمس ساعات من نهار ذلك اليوم في الجنّة واكله من الشجرة وذكر حديث إخراجه من الجنّة وهبوطه بأرض الهند على جبل اسمه باسم ، على واد اسمه نهيل بين الدّهنج والمندل بلدي الهند ، وهبطت حوّاء بجدة إلى آخر ما ذكره (١).

وفيه انّه كان شهر نيسان المبارك فأمره الله تعالى بصوم ثلاثة ايّام منه (٢).

وسيأتي عن «تفسير القمي» : انّه كان اوّل يوم من ذي القعدة (٣).

وفي «الخصال» انّه : اهبط الله تعالى آدم يوم الجمعة (٤).

وفيه وفي «العيون» : سأل الشّامي أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أكرم واد على وجه الأرض؟ فقال له : واد يقال له سرانديب سقط فيه آدم من السّماء (٥).

وفي «القصص» بالإسناد إلى وهب قال : كان مهبط آدم عليه‌السلام على جبل في شرقي أرض الهند يقال له باسم : ثمّ أمره أن يسير إلى مكّة ، فطوى له الأرض فصار على كل مفازة يمرّ به خطوة ، ولم يضع قدمه في شيء من الأرض إلّا صار عمرانا ، وبكى على الجنّة مأتي سنة ، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنّة ، فوضعها له بمكّة في موضع الكعبة (٦).

__________________

(١) البحار : ج ١١ ص ١٩٦ عن سعد السعود.

(٢) البحار : ج ١١ ص ١٩٦.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ص ٤٤.

(٤) الخصال : ص ٣١٦ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٠٤.

(٥) العلل : ص ٥٩٥ والعيون ج ١ ص ٢٤٤.

(٦) قصص الأنبياء : ص ٧٠ وعنه البحار ج ١١ ص ٢١١.

٣١٩

وفيه عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ آدم لما هبط هبط بالهند ، ثمّ رمي اليه بالحجر الأسود ، وكان ياقوتة حمراء بفناء العرش ، فلما رأى عرفه فاكبّ عليه وقبّله ، ثمّ أقبل به فحمله إلى مكّة ، فربما أعيى عن ثقله فحمله جبرئيل عنه ، وكان إذا لم يأته جبرئيل عليه‌السلام اغتمّ وحزن ، فشكى ذلك إلى جبرئيل فقال : إذا وجدت شيئا من الحزن فقل لا حول ولا قوّة إلّا بالله (١).

وهذه الأخبار وان كانت ظاهرة في كون أوّل هبوطه بالهند أو في خصوص سرانديب أو جبل باسم ، لكنّها محمولة على التقيّة لمخالفتها للأخبار الكثيرة الدّالة على كون مهبطهما مكّة.

بل في «العلل» و «العيون» عن البزنطي عن الرّضا عليه‌السلام قال : قلت : كيف كان أوّل الطيب؟ فقال لي : ما يقول من قبلكم فيه؟ قلت : يقولون إنّ آدم لما هبط بأرض الهند فبكى على الجنّة سالت دموعه فصارت عروقا في الأرض ، فصارت طيبا ، فقال عليه‌السلام : ليس كما يقولون ، آه (٢).

وفيهما بالإسناد عن صفوان قال : سئل ابو الحسن عليه‌السلام عن الحرم وأعلامه؟ فقال إنّ آدم لمّا هبط من الجنّة هبط على أبي قبيس والناس يقولون بالهند فشكى إلى ربّه عزوجل الوحشة وانّه لا يسمع ما كان يسمع في الجنّة ، فاهبط الله عزوجل عليه ياقوتة حمراء فوضعت في موضع البيت فكان يطوف بها آدم وكان يبلغ ضوؤها

__________________

(١) قصص الأنبياء : ص ٤٩ ح ١٨ وعنه البحار ج ١١ ص ٢١٠.

(٢) علل الشرائع : ص ٤٩٢ ح ٢ ، والعيون ج ١ ص ٢٨٧ ح ٣٤.

٣٢٠