تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

قلت وأمّا الأئمّة عليهم‌السلام فاصحابنا مجمعون على تفضيلهم على كثير من الأنبياء ، بل الحقّ المستفاد من الاخبار وغيرها انّهم أفضل من جميع الأنبياء سوى نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنها قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (١) ، والمراد بال ابراهيم وآل عمران إمّا الأنبياء منهم او المعصومون أو غيرهم بناء على اجرائه على إطلاقه او عمومه ، والثالث باطل بالإجماع لأنّ فيهم الفسّاق والكفّار ، فيتعيّن أحد الأوّلين والعالم يطلق على ما سوى الله تعالى والجمع المحلى باللام يفيد العموم ، فدلّت الآية على أفضليّة هؤلاء المذكورين على جميع العالمين وفيهم الملائكة وغيرهم ، وتخصيص العالمين على فرضه في قوله خطابا لبني إسرائيل وانّي فضّلتكم على العالمين مع شموله لنبيّنا وآله وسائر اولي العزم صلى الله عليهم أجمعين ، وفي قوله خطابا لمريم واصطفاك على نساء العالمين مع شمولها لفاطمة عليها‌السلام ليس دليلا على التزامه في المقام أيضا بعد فقد الدّليل عليه مع انّه قد يفسّر العالمين فيهما على عالمي ذلك العصر والزّمان فيندفع الأشكال عنهما وإن كان هذا أيضا بنوع من التّخصيص ، وامّا آية الاصطفاء فهي على عمومها للأصل ، سلّمنا لكنّ الملائكة كانوا موجودين في اعصاره هؤلاء الأنبياء وفي زمان نزول الآية.

ومنها قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢) ، وقضيّة العموم

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) الأنبياء : ١٠٧.

١٦١

كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة لجميع ما سوى الله من الملائكة ، وهو كذلك حسبما دلّت عليه الأخبار الصّحيحة ، وقضت به ضرورة المذهب من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياؤه المعصومين هم الوسائط الكليّة لوصول الفيوض الالهيّة إلى أهل العالم ، بل كينونات الملائكة إنّما كانت من أشعّة أنوارهم ، فوجوده صلى‌الله‌عليه‌وآله مظهر الرّحمة وتمام النعمة ومساق الآية كما ترى على حدّ ما ورد من في القدسيّات : «لولاك لما خلقت الأفلاك» (١). واما ما يقال من ان كونه رحمة لهم لا يستلزم كونه أفضل منهم كما في قوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٢) ، وانّه لا يمتنع ان يكون هو صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة لهم من وجه ، وهم يكونون رحمة له من وجه.

ففيه انّ ظاهر الآية وساطته للرّحمة الكليّة ، بل كونه نفس الرّحمة الالهيّة حسبما قرّرناه في تفسير البسملة وكون الأمطار من آثارها غير قادح بعد ظهور انّ لها مظاهر وآثار ، وكونه صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة لهم ولغيرهم معلوم من الآية وغيرها وأمّا عكسه فغير واضح.

ومنها قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) إلى قوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣) ، بناء على كون الظرف صفة للكثير لا صلة له ، ولو بمعونة الأخبار المفسّرة لها بأنّ المراد تفضيل بني آدم على سائر الخلق بلا فرق بين تفسير السائر بالباقي او بالجميع.

ومنها قوله تعالى : (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٨.

(٢) الروم : ٥٠.

(٣) الإسراء : ٧٠.

١٦٢

وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (١).

والتّقريب فيه على ما مرّ ، والتّخصيص بعالمي أعصارهم غير قادح في الدّلالة ، ودعوى الظّهور أو الانصراف إلى العالمين من نوع البشر دون سائر الأنواع ممنوعة جدّا سيّما في العمومات الّتي من أقواها دلالة الجمع المحلّى.

الثالث : الاخبار الكثيرة الّتي لا يبعد دعوى تواترها الدّالة على المطلوب ففي «العيون» و «العلل» و «الإكمال» عن الرضا عن آبائه عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خلق الله عزوجل خلقا أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي قال عليّ عليه‌السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله يا عليّ انّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين والفضل بعدي لك يا عليّ وللائمّة من بعدك ، وانّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للّذين أمنوا بولايتنا ، يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النّار ولا السّماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه لأنّ أوّل ما خلق الله عزوجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد

__________________

(١) الانعام : ٨٤ ـ ٨٦.

١٦٣

على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله ، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتحميده وتهليله وتمجيده ، ثمّ انّ الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما ، وكان سجودهم لله عزوجل عبوديّة ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون ، وانّه لما عرج بي إلى السّماء أذن جبرئيل مثنى مثنى واقام مثنى مثنى ، ثمّ قال لي : تقدّم يا محمد ، فقلت له : يا جبرئيل أتقدّم عليك؟ فقال : نعم لأنّ الله تبارك فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين ، وفضّلك خاصّة ، فتقدّمت وصلّيت بهم ولا فخر (١) ، الخبر بطوله.

وفي «الإكمال» بالإسناد عن الرّضا عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انا سيّد من خلق الله ، وانا خير من جبرئيل واسرافيل وحملة العرش وجميع الملائكة المقرّبين وأنبياء الله المرسلين (٢).

وفي ارشاد القلوب للدّيلمي عن أبي ذرّ الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول افتخر اسرافيل على جبرائيل فقال انا خير منك لأنّي صاحب الثمانية حملة العرش ، وانا صاحب النفخة في الصّور وانا أقرب الملائكة إلى الله تعالى ، قال جبرئيل : انا خير منك لأنّي أمين الله على وحيه وانا رسوله إلى الأنبياء والمرسلين وأنا صاحب الخسوف والقذوف وما أهلك أمّة من الأمم إلّا على يديّ فاختصما إلى الله تعالى فأوحى الله إليهما اسكتا فو عزّتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٣٩ عن العيون ص ١٤٥.

(٢) إكمال الدين : ص ١٥١ وعنه البحار ج ٢٦ ص ٣٤٢.

١٦٤

قالا يا ربّ او تخلق خيرا منّا ونحن خلقنا من نور؟ قال الله تعالى : نعم واوحى إلى حجب القدرة انكشفي فانكشفت فإذا على ساق العرش الأيمن مكتوب لا اله إلا الله محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله فقال جبرئيل : يا ربّ فانّي أسألك بحقّهم إلّا جعلتني خادمهم قال الله تعالى قد جعلت فجبرائيل من اهل البيت وانّه لخادمنا (١).

وفي البصائر وتفسير القمي عن الصّادق عليه‌السلام : انّه ما من احد من الملائكة إلّا ويتقرّب كلّ يوم إلى الله تعالى بولايتنا أهل البيت (٢) ، الخبر.

وروى عن الصّفار والكليني عن ابي جعفر عليه‌السلام قال والله انّ في السّماء لسبعين صنفا من الملائكة لو اجتمع أهل الأرض كلّهم على أن يحصوا عدد صنف منهم ما أحصوهم وانّهم ليدينون بولايتنا (٣).

وفي البحار نقلا عن كتاب تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام بالإسناد عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لمّا أسري بي إلى السّماء ما مررت بملاء من الملائكة الّا سألتني عن عليّ بن ابي طالب حتّى ظننت انّ اسم علي بن ابي طالب في السموات أشهر من اسمي ، فلمّا بلغت السّماء الرّابعة ونظرت إلى ملك الموت قال لي : يا محمد ما خلق الله خلقا إلّا وانا اقبض روحه إلّا أنت وعليّ ، فانّ الله جلّ جلاله يقبض أرواحكما بقدرته وجزت تحت العرش فإذا أنا بعليّ بن ابي طالب عليه‌السلام واقفا تحت العرش ، فقلت : يا عليّ سبقتني؟ فقال جبرئيل : من هذا الّذي تكلّمه يا

__________________

(١) ارشاد القلوب : ص ٢١٤ وعنه البحار ج ٢٦ ص ٣٤٤.

(٢) البصائر : ص ٢١ وتفسير القمي ص ٥٨٣.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٢٠.

١٦٥

محمّد؟ فقلت هذا عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام فقال : يا محمّد ليس هذا عليّ بن ابي طالب ، ولكنّه ملك من الملائكة خلقه الله تعالى على صورة عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، فنحن الملائكة المقرّبون كلّما اشتقنا إلى وجه عليّ بن ابي طالب زرنا هذا الملك لكرامة عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام على الله سبحانه (١).

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ أفضل خلق الله غيري (٢). الخبر.

وفيه انّه نظر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام فقال : خير الأوّلين والآخرين من أهل السّموات والأرضين هذا سيّد الصّديقين وسيّد الوصيّين (٣). الخبر وفي القصص بالإسناد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا خمسة أشباح فقال يا ربّ : هل خلقت قبلي من البشر أحدا؟ قال : لا قال : فمن هؤلاء الّذين أرى اسمائهم؟ فقال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، ولا خلقت الجنّة ولا النّار ، ولا العرش ولا الكرسي ، ولا السّماء ولا الأرض ، ولا الملائكة ولا الجنّ ولا الانس ، هؤلاء خمسة من شققت لهم اسما من أسمائي فأنا المحمود وهذا محمّد ، وانا الأعلى وهذا عليّ ، وانا الفاطر وهذه فاطمة وانا ذو الإحسان ، وهذا الحسن ، وانا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزّتي انّه لا ياتيني أحد وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري ، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجي من أنجي ، وبهم أهلك من

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ٣٠٣.

(٢) البحار ج ٥٧ ص ٣٠٢.

(٣) البحار : ج ٥٧ ص ٣٠٢.

١٦٦

أهلك (١).

وفي البحار نقلا عن كتاب تفضيل الأئمّة على الأنبياء للحسن بن سليمان قال ذكر السيّد حسن بن كبش في كتابه باسناده مرفوعا إلى عدّة من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم جابر بن عبد الله الانصاري وأبو سعيد الخدري وعبد الصّمد بن امية وعمرو بن أبي سلمة وغيرهم ، قالوا : لما فتح النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة أرسل رسله إلى كسرى وقيصر ، يدعوهما إلى الإسلام أو الجزية والّا آذنا بالحرب ، وكتب ايضا إلى نصارى نجران بمثل ذلك.

فلمّا أتتهم رسله صلى‌الله‌عليه‌وآله فزعوا إلى بيعتهم (٢) العظمى وكان قد حضرهم ابو حارثة أسقفهم الأوّل ، وقد بلغ يومئذ مائة وعشرين سنة وكان يؤمن بالنّبي والمسيح عليهما‌السلام ويكتم ذلك عن كفرة قومه ، فقام على عصاه وخطبهم ووعظهم والجائهم بعد مشاجرات كثيرة إلى إحضار الجامعة الكبرى الّتي ورثها شيث ففتح طرفها.

إلى أن قال : ثمّ أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى الّتي انتهى ميراثها إلى إدريس على نبيّنا وآله السّلام وكان كتابتها بالقلم السّرياني القديم ، وهو الّذي كتب به من بعد نوح عليه‌السلام ملوك الهياطلة المتماردة فافتضّ القوم الصّحيفة فأفضوا منها إلى هذا الرّسم ، قالوا : أجتمع إلى إدريس عليه‌السلام قومه وصحابته

__________________

(١) البحار : ج ٢٧ ص ٥ ح ١٠ ـ عن القصص في ذيل الصفحة : هذا يعارض الروايات التي تدلّ على أنّ الله خلق قبل أبينا آدم أيضا آدم ، وحمله على أوّل آدم خلق الله في الأرض بعيد ، والحديث كما ترى من ضروريات العامّة.

(٢) البيعة : معبد النصارى واليهود.

١٦٧

وهم يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان فخبرهم بما اقتصّ عليهم قال : إنّ بني أبيكم آدم عليه‌السلام لصلبه وبني بنيه وذرّيته اجتمعوا فيما بينهم وقالوا اي الخلق عندكم أكرم على الله تعالى وارفع لديه مكانا واقرب منه منزلة فقال بعضهم : أبوكم آدم خلقه الله عزوجل بيده وأسجد له ملائكته وجعله الخليفة في ارضه وسخّر له جميع خلقه ، وقال آخرون بل الملائكة الّذين لم يعصوا الله عزوجل ، وقال بعضهم : لا بل الأمين جبرئيل فانطلقوا إلى آدم عليه‌السلام ، فذكروا الّذي له قالوا واختلفوا فيه ، فقال : يا بنيّ انّي أخبركم بأكرم الخلق عند الله عزوجل جميعا ثمّ قال : إنّه والله ما عدا أن نفخ فيّ الروح حتّى استويت جالسا ، فبرق لي العرش العظيم فنظرت فإذا فيه : لا اله إلّا الله محمّد خيرة الله عزوجل ثمّ ذكر عدّة اسماء مقرونة بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال آدم : ثمّ لم أر في السّماء موضع أديم او قال : صفيح منها إلّا وفيه مكتوب : لا اله إلّا الله ، وما من موضع مكتوب فيه لا اله إلّا الله إلّا وفيه مكتوب خلقا لا خطا محمّد رسول الله ، وما من موضع فيه مكتوب محمّد رسول الله إلّا وفيه مكتوب : عليّ خيرة الله ، الحسن صفوة الله ، والحسين أمين الله عزوجل ، وذكر الأئمّة من اهل بيته عليهم‌السلام واحدا بعد واحد إلى القائم بأمر الله عجّل الله فرجه.

قال آدم : فمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من خطّ من أسماء اهل بيته أكرم الخلائق على الله قال فلمّا انتهى القوم إلى آخر ما في صحيفة إدريس قرءوا صحيفة ابراهيم عليه‌السلام وفيها معنى ما تقدّم بعينه وانفضّوا (١).

وفي القصص بالإسناد عن الصادق عليه‌السلام قال : اجتمع ولد آدم عليه‌السلام في بيت

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣١٠ ـ ٣١٥.

١٦٨

فتشاجروا فقال بعضهم : خير خلق الله أبونا آدم فقال بعضهم : الملائكة المقرّبون فقال بعضهم : حملة العرش إذ دخل عليهم هبة الله فقال بعضهم : لقد جاءكم من يفرّج عنكم فسلّم ثمّ جلس فقال : في أيّ شيء كنتم؟ قالوا كنّا نتفكّر في خير خلق الله فأخبروه فقال اصبروا قليلا حتّى ارجع إليكم ، فاتى أباه فقال يا أبت إنّي دخلت على اخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله فسألوني فلم يكن عندي ما أخبرهم ، فقلت : اصبروا حتّى ارجع إليكم فقال آدم على نبيّنا وآله السّلام : يا بنيّ وقفت بين يدي الله عزوجل فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم محمّد وآل محمّد خير من برأه الله (١).

وفي جامع الاخبار بالإسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام من نور فعصر ذلك النّور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبّحنا فسبّحوا ، وقدّسنا فقدّسوا ، وهللنا فهلّلوا ، ومجّدنا فمجّدوا ، ووحّدنا فوحّدوا ثم خلق الله السموات والأرضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا ولا تمجيدا ، فسبّحنا وسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ، وقدّسنا فقدّست شيعتنا فقدّست الملائكة لتقديسنا ، ومجدّنا فمجّدت شيعتنا فمجّدت الملائكة لتمجيدنا ، ووحّدنا فوحّدت شيعتنا فوحّدت الملائكة لتوحيدنا ، وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا ، فنحن الموحّدون حين لا موحّد غيرنا وحقيق على الله تعالى كما اختصّنا واختصّ

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٢٨٢ ح ٣٧.

١٦٩

شيعتنا أن ينزلنا أعلى عليين ، إنّ الله سبحانه وتعالى اصطفانا واصطفى شيعتنا من قبل أن تكون أجساما ، فدعانا وأجبنا ، فغفر لنا ولشيعتنا من قبل أن نستغفر الله تعالى (١).

وفيه دلالة على تفضيل شيعتهم على الملائكة من حيث سبق الخلقة ووساطة التعليم ، وغير ذلك.

وعن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان بالإسناد عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنا سيّد الأنبياء ، وأنت سيّد الأوصياء ، وأنا وأنت من شجرة واحدة ، ولولانا لم يخلق الله الجنّة ولا النّار ، ولا الأنبياء ولا الملائكة ، قال : قلت : يا رسول الله فنحن أفضل أم الملائكة؟ فقال : يا عليّ نحن أفضل ، ونحن خير خليقة الله على بسيط الأرض وخيرة الله على ملائكته المقرّبين ، وكيف لا نكون خيرا منهم وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده ، فبنا عرفوا الله ، وبنا عبدوا الله ، وبنا اهتدوا السّبيل إلى معرفة الله (٢).

وفيه عن المفضّل قال : قلت لمولانا الصادق عليه‌السلام ما كنتم قبل أن يخلق الله السماوات والأرض؟ قال : كنّا أنوارا نسبّح الله تعالى ونقدّسه حتّى خلق الله الملائكة فقال لهم الله عزوجل سبّحوا ، فقالت اي ربّنا لا علم لنا ، فقال لنا : سبّحوا فسبّحنا ، فسبحّت الملائكة بتسبيحنا ألا إنّا خلقنا أنوارا وخلقت شيعتنا من شعاع ذلك النّور ، فلذلك سمّيت شيعة ، فإذا كان يوم القيمة التحقت السفلى بالعليا ، ثمّ

__________________

(١) جامع الأخبار : ص ٩ وعنه البحار ج ٢٦ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

١٧٠

قرّب ما بين إصبعيه (١).

وفي الاحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام انّ يهوديّا سأل أمير المؤمنين عن معجزة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقابلة معجزات الأنبياء فقال : هذا آدم أسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد شيئا من هذا؟ فقال عليّ عليه‌السلام لقد كان ذلك ، ولكن اسجد الله لآدم ملائكته فان سجودهم لم يكن سجود طاعة ، انّهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ، ولكن اعترافا لآدم بالفضيلة ، ورحمة من الله له ومحمّد عليه‌السلام أعطي ما هو أفضل من هذا إنّ الله جلّ وعلا صلّى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها ، وتعبّد المؤمنون بالصلوة عليه ، فهذه زيادة له يا يهودي (٢).

وفي تفسير العيّاشي وغيره عن هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام قال لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حضرت الصلاة فاذّن واقام جبرئيل فقال يا محمّد تقدّم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم يا جبرئيل فقال له إنّا لا نتقدّم الآدميّين مذ أمرنا بالسجود لآدم (٣).

وفي العلل عن ابن عباس قال : دخلت عائشة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّل فاطمة ، فقالت له : أتحبها يا رسول الله؟ قال : أما والله لو علمت حبّي لها لازددت لها حبّا إنّه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل ثمّ قيل لي : أدن يا محمّد فقلت أتقدّم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟ قال : نعم انّ الله عزوجل فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلك أنت خاصّة ، فدنوت فصلّيت بأهل السماء الرابعة ثمّ التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم عليه‌السلام في روضة من رياض الجنّة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٥٠.

(٢) البحار : ج ١٠ ص ٢٩.

(٣) البحار : ج ١٨ ص ٤٠٤ عن تفسير العياشي.

١٧١

وقد اكتنفها جماعة من الملائكة (١) ، الخبر.

الرابع : انّ عبادة البشر أشقّ وأصعب فوجب أن يكون أفضل ، امّا الصغرى فلانّ للبشر شواغل عن الطاعات العلميّة والعمليّة ، من الشهوات النفسانيّة ، والدّواعي الجسمانيّة ، والقوى البهيميّة والسبعيّة الدّاعية إلى ثوران الشّهوة والغضب ، والاشتغال بالأمور الحسيّة والعوارض الجسميّة ، وغير ذلك من الحاجات والخيالات الشّاغلة والموانع الدّاخلة والخارجة ، سيّما مع تعاضد الهوى ووسوسة الشيطان بجنوده في صدورهم ، وخفاء الحقّ وقلّة أهله ، وشيوع الباطل وكثرة جنده ، مضافا إلى ما يقاسون من الأمراض البدنيّة والاعراض النفسانيّة والعاهات الجسمانيّة.

والملائكة ليس لهم شيء من ذلك فلا يعارض دواعي طاعاتهم شيء من الإرادات المضادّة والموانع الطّارية بل عباداتهم كالأقوات الممدّة لأرواحهم يلتذّون بها ، وأمّا الكبرى فلانّ إيثار رضا الله تعالى مع صعوبته ومشقّته على النفس دليل على كمال العبوديّة والانقياد ألا ترى أنّ الشّيخ الّذي له ميل إلى النّساء إذا امتنع عن النساء فليست فضيلة كفضيلة من يمتنع عنهنّ مع شدّة الشبق والشهوة الهائجة.

هذا مضافا إلى النبوي المشتهر أفضل العبادات أحمزها (٢) أي اشقّها على النفس.

وتوهّم أنّ للملائكة ايضا شهوة داعية إلى المعصية ، وهي حبّ الرّياسة كما

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٧٢ وعنه البحار ج ١٨ ص ٣٥٠ ح ٦١.

(٢) البحار : ج ٧٠ ص ١٩١ وص ٢٣٧.

١٧٢

يومئ إليه مقالتهم في أمر الخلافة وامتحانهم بالسجود ، بل وقوله : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

مدفوع بعد الغضّ عمّا فيه بأنّهم إنّما يطلبون الرياسة الحقّة الّتي توجب مزيد القرب ، والكرامة ، وأين هذا من طلب الرياسات الباطلة الّتي هي من مقتضيات النفس الأمّارة وجنود الجهل.

وعلى فرض التسليم فللبشر مضافا إلى ذلك أنواع كثيرة اخرى من الشهوات ، ومن البيّن أنّ المبتلى بأنواع كثيرة منها تكون الطاعة عليه أشقّ من المبتلى بشهوة واحدة.

وامّا ما يقال في دفع هذه الحجّة من أنّ العبادة مع كثرة البواعث والشواغل إنّما تكون أشقّ وأفضل من الاخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات ، وعبادة الملائكة أكثر وأدوم ، فإنّهم يسبّحون اللّيل والنّهار ولا يفترون ، والإخلاص الّذي به القوام والنظام واليقين الّذي هو الأساس والتّقوى الّذي هو الثمرة فيهم أقوى وأقوم ، لأنّ طريقهم العيان لا البيان.

وايضا ينتقض ذلك بما أنّا نرى الواحد من الصّوفية يتحمّل في طريق المجاهدة من المشاقّ والمتاعب ما نقطع بأنه عليه‌السلام لم يتحمّل مثلها ، مع أنا نعلم أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من الكلّ ، وما ذاك إلّا أنّ كثرة الثّواب تترتّب على كثرة الإخلاص ، فربما يكون الفعل أسهل على فاعله ويكون الثواب اكثر لكثرة إخلاصه.

ففيه أنّ مبنى الاستدلال إنّما هو على التفاضل من حيث تحمّل كثرة المشقّة

__________________

(١) النساء : ١٧٢.

١٧٣

والألم في الطّاعة والانقياد ، وقضيّة تفضيل الأنبياء وهو المطلوب ، وأمّا معارضة سائر الصّفات الموجبة للتعكيس فلم يظهر دليل عليها ، ومجرّد الجواز لا يدلّ على الوقوع ، ودعوى أنّ الإخلاص واليقين والتقوى فيهم أشدّ وأقوى في حيّز المنع كيف وهو أوّل الكلام ، بل التّحقيق أنّ ظهور هذه الصفات في الأنبياء أقوى منه في غيرهم حتّى الملائكة ، لأن أخشى الخلق أعلمهم بالله (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (١) وقد نصّت الآية وغيرها على كون أدم أعلم وانّه هو المستأهل للخلافة العلميّة ومنصب التعليم ، فإذا اقترنه العمل من جميع الجهات كما هو مقتضى العصمة فقد تمّت له الفضيلة بشطريها ، وأذعنت له الرياسة الكبرى بقرنيها ، وامّا دوام العبادة وعدم الفتور فلا تظنّن اختصاصه بالملائكة ضرورة انّ أرواح الأنبياء سبقهم في عالم الأنوار والأرواح بالاجابة ، وعبدوه قبل خلقة الملائكة وكانوا مستمرّين على عبادتهم إلى أن أمروا بالظّهور في هذا العالم الجسماني لمصالح قضت بها العناية الكليّة والمصلحة الرّبانيّة ، فصحبوا أهل هذا العالم بأبدان أرواحها معلّقة بالملكوت الأعلى فكانّهم وهم في جلابيب من أبدانهم العنصريّة قد نضّوها وتجرّدوا عنها إلى عالم القدس وحضرة الأنس ، وأمّا إذا فارقوا هذا العالم فلا تظنّن انّهم إذا ماتوا فاتوا ، بل هم أحياء عند ربّهم يرزقون ، باستنشاق نفحات قدسه واستضاءة تجلّيات وجهه.

وبالجملة فالظّاهر سلامة الدّليل المذكور عن وصمة الأشكال سيّما بعد ما أشير اليه في الخبر المروي في «العلل» عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) فاطر : ٢٨.

١٧٤

جعفر بن محمّد الصّادق عليه‌السلام فقلت ، الملائكة أفضل أم بنوا آدم؟ فقال : قال أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، انّ الله عزوجل ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل ، وركّب في بني آدم كلتيهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم (١).

وفي المروي في تفسير الامام والاحتجاج عن أبي محمّد العسكري عليه‌السلام في خبر طويل يذكر فيه أمر العقبة انّ المنافقين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرنا عن عليّ اهو أفضل أم ملائكة الله المقرّبون؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل شرّفت ملائكة الله إلّا بحبّها لمحمّد وعليّ ، وقبولها لولايتهما أنّه لا أحد من محبّي عليّ عليه‌السلام وقد نظف قلبه من قذر الغشّ والدّغل والغلّ ونجاسة الذّنوب إلّا لكان أطهر وأفضل من الملائكة ، وهل أمر الله الملائكة بالسّجود لآدم إلّا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم انّه لا يصير في الدّنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلّا وهم يعنون أنفسهم أفضل منهم في الدّين فضلا ، وأعلم بالله وبدينه علما ، فأراد الله تعالى أن يعرّفهم انّهم قد أخطئوا في ظنونهم واعتقاداتهم ، فخلق آدم وعلّمه الأسماء كلّها ثمّ عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها ، فأمر آدم أن ينبئهم بها وعرّفهم فضله في العلم عليهم.

ثمّ أخرج من صلب آدم ذرّيّة منهم الأنبياء والرسل والخيار من عباد الله ، أفضلهم محمّد ثمّ آل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين ، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمّد وخيار أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرّف الملائكة بذلك انّهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال وقاسوا ما هم فيه من تعرّض أعوان

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٦٠ ص ٢٩٩ عن العلل ج ١ ص ٤.

١٧٥

الشياطين ومجاهدة النفوس ، واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ، ومعاناة مخاطرة الخوف من الأعداء ، من لصوص مخوّفين ، ومن سلاطين جورة قاهرين ، وصعوبة المسالك في المضايق والمخاوف والاجزاع والجبال والتّلال لتحصيل أقوات الأنفس والعيال من الطّيب الحلال ، عرّفهم الله عزوجل أنّ خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ، ويتخلّصون منها ، ويتحاربون الشياطين ويهزمونهم (١) ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ويغلبونها مع ما ركّبت فيهم من شهوة الفحولة ، وحبّ اللباس والطعام والعزّ والرّياسة والفخر والخيلاء ، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه الله وعفاريته وخواطرهم وأعوانهم واستهوائهم ودفع ما يكيدونه من ألم الصّبر على سماع الطّعن من أعداء الله وسماع الملاهي والشّتم لأولياء الله ، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم ، والهرب من أعداء دينهم ، والطلب لمن يأملون (٢) معاملته من مخالفيهم في دينهم.

قال الله عزوجل : يا ملائكتي : وأنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم ، ولا شهوة الطعام تخفركم ، ولا الخوف من اعداء دينكم ودنياكم ينخب (٣) في قلوبكم ، ولا لإبليس في ملكوت سمواتي وارضي سبيل على إغواء ملائكتي الّذين قد عصمتهم منهم ، يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات

__________________

(١) في النسخة المخطوطة : ويحزمونهم (بالحاء المهملة) ولعلّه (لو لم يكن مصّحفا) من حزم الفوس : شدّ حزامه ـ والحزام : ما يشدّ به وسط الدابّة.

(٢) في البحار : او الطلب لما يألمون معاملته.

(٣) النخب : النزع ، ورجل نخب (بكسر الخاء) : جبان.

١٧٦

والنكبات فقد احتمل في جنب محبّتي ما لم تحتملوا واكتسب من القربات إليّ ما لم تكتسبوا ، فلما عرّف الله ملائكته فضل خيار أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعة عليّ عليه‌السلام ، وخلفائه عليهم‌السلام عليهم ، واحتمالهم في جنب محبّة ربّهم ما لا تحتمله الملائكة أبان انّ بني آدم الخيار المتّقين بالفضل عليهم فلذلك.

ثمّ قال فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلايق الأفضلين ، ولم يكن سجودهم لآدم ، إنّما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل ، وكان بذلك معظما له مبجّلا ، ولا ينبغي لاحد أن يسجد لأحد من دون الله تعالى يخضع له خضوعة لله ويعظّمه بالسجود له ، كتعظيمه لله ، ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلّفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصّي رسول الله ومحّض وداد خير خلق الله عليّ بعد محمّد رسول الله واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله فلم ينكر عليّ حقّا ارقبه عليه وقد كان جهله او اغفله (١). الخبر وهو كما ترى صريح في تقرير الحجّة المذكورة بأتمّ بيان وأحسنه ، بل فيه دلالة ظاهرة على تفضيل الفاضلين من شيعتهم على الملائكة ، ويظهر ذلك أيضا من بعض الاخبار المتقدّمة الدّالة على أنّ الملائكة لخدامهم وخدّام محبّيهم ، ومن العلوي المروي عن «العلل» (٢) من فضل بني آدم على الملائكة معلّلا بما مرّ.

بل عن صحيفة الرضا بالإسناد عنه عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مثل

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١١ ص ١٣٦ ـ ١٣٨ عن تفسير الامام عليه‌السلام والاحتجاج.

(٢) البحار : ج ٦٠ ص ٢٩٩ عن العلل ج ١ ص ٤.

١٧٧

المؤمن عند الله كمثل ملك مقرّب ، وإنّ المؤمن عند الله عزوجل أعظم من الملك ، وليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب او مؤمنة تائبة (١).

وعنه بالإسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ المؤمن ليعرف في السّماء كما يعرف الرجل أهله وولده ، وانّه أكرم عند الله عزوجل من ملك مقرّب (٢). إلى غير ذلك ممّا يستفاد منه فضل المؤمن على الملائكة ، أو الملك المقرّب ، وان لم أجد في ذلك كلاما محرّرا لأحد من الأصحاب ، نعم قال المجلسي رحمه‌الله : لا خلاف بين الاماميّة في أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام أفضل من جميع الملائكة ، والأخبار في ذلك مستفيضة ، وامّا سائر المؤمنين ففي فضل كلّهم أو بعضهم على جميع الملائكة او بعضهم فلا يظهر من الآيات والاخبار ظهورا بيّنا يمكن الحكم بأحد الجانبين ، فنحن فيه من المتوقفين (٣).

وفيه انّه لا ينبغي التّأمّل في فضل بعض المؤمنين على كثير من الملائكة ، لو لم نقل كلّهم بعد دلالة الاخبار المتقدّمة ، مع انّه قد روي عن الصادق عليه‌السلام انّه قال : إنّ في الملائكة من باقة بقل خير منه (٤) ، ولا في فضل بعض الملائكة كحملة العرش والعالين وروح القدس وغيرهم على كثير من المؤمنين لو لم نقطع بفضلهم على غير المعصومين عليهم‌السلام وإنّما الكلام في المتوسّطين عن الفريقين ، وردّ العلم في ذلك إلى أهله أوفق بالاحتياط وأقرب إلى النّجاة.

__________________

(١) صحيفة الامام الرضا عليه‌السلام : ح ٢٧ وعنه البحار ج ٦٠ ص ٢٩٩ ح ٦.

(٢) الصحيفة : ح ٣٦ وعنه البحار ج ٦٠ ص ٢٩٩ ح ٧.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ٢٨٥.

(٤) البحار : ج ٥٧ ص ٣١٣.

١٧٨

بقي الكلام في انّ المستفاد من الوجه المتقدّم بل وبعض الاخبار المتقدّمة خصوصا المروي عن (١) العسكري عليه‌السلام انّه ليس للملائكة شهوة الحيوان ، ولا ميل إلى أنواع اللّذات الدّنيوية ، ولذا استشكل بعضهم بانّه إذا كان الله تعالى قد خلقهم على هذا المنوال فما لهم من الفضل في أنفسهم حتّى يفضّلوا غيرهم من صلحاء المؤمنين ، قال في الأنوار النعمانيّة : وهذا المعنى قد أشكل على جماعة من الأصحاب حتّى أنّ شيخنا المعاصر أدام الله ايّامه يعني به المجلسي عطر الله مرقده ذهب إلى أنّ الملائكة لهم نوع من الميل إلى اللّذات الحسيّة ، لكنّهم يجاهدون أنفسهم ويمنعونها عن الإرادات البشريّة ، حتّى يكون لهم جزيل من الثواب ، ويستحقّوا محامد الثّناء والتّفضيل قال رحمه‌الله : والجواب التحقيقي عند هذا القاصر غير هذا ، وحاصله : أنّ الله سبحانه قد أقدر الملائكة على أنواع العبادات كما أقدر البشر عليها ، وإن كان قوّة الملائكة على العبادات أشدّ وأكثر ، والبشر مع قدرتهم على اكثر أنواع العبادات من الواجبات والسنن قد فتروا عنها واقبلوا على تركها ، وأمّا الملائكة فقد أقبلوا على فعلها والإتيان بما وصلت إليه قدرتهم ، ومع هذا قد صارت العبادات مستلذّة عندهم ، كاستلذاذ الاكل والشرب عندنا فهم يأتون بكلّ ما يقدرون عليه من أنواع العبادات على وجه الاستلذاذ ، ونحن إنّما نأتي ببعض ما نقدر على وجه التكليف والمشقّة والخوف من العقاب ، فهم فضّلونا بإتيانهم بأفعال يمكنهم تركها فلم يتركوها ، ومن ثمّ قد وقع من بعضهم الترك حتّى عوقب عليه ، فاحترقت أجنحته وسقط عن مقامه كما وقع للملك الّذي وقع من السماء في زمن إدريس على

__________________

(١) البحار ج ١١ ص ١٣٦ تقدّم ذكره.

١٧٩

نبيّنا وآله وعليه‌السلام حتّى لجأ إلى إدريس ، فدعى له فرجع إلى مقامه وكما وقع للملك الّذي فتر عن العبادة في عصر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسقط أيضا من عالم الملكوت ولجأ إلى الحسين عليه‌السلام فتمسّح به ورجع ببركة الحسين عليه‌السلام إلى مقامه ، وأمّا الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام فهم قد فعلوا أفعال الملائكة مع اتّصافهم بالقوى الحيوانيّة فهم أفضل من الملائكة كما انعقد عليه إجماعنا ، ومن ثمّ كان العامل منا بما يطيق من انواع العبادات أفضل من الملائكة كما ذهب إليه بعض الأصحاب ودلّت عليه بعض الاخبار (١).

أقول : وهذا الكلام لا بأس به غير انّ نسبة ترك العبادة واستحقاق العقوبة إلى الملائكة الّذين قامت ضرورة المذهب على عصمتهم ، ليس ممّا ينبغي ، وأمثال تلك الأخبار على فرض صحتها لها وجه آخر سنشير اليه في قصّة هاروت وماروت إنشاء الله تعالى.

نقض وإبرام على دفع حجج

مفضّلي الملائكة على الأنبياء عليهم‌السلام

استدلّوا بوجوه من المنقول والمعقول نستقصي الكلام بذكرها والجواب عنها وان كنّا في غنية عن ذلك كلّه ، بعد دلالة الإجماع بل ضرورة المذهب فضلا عمّا سمعت من الآيات والأخبار على ما مرّت الإشارة إليه من تفضيل الأنبياء والائمة عليهم‌السلام عليهم.

__________________

(١) الأنوار النعمانية : ج ١ ص ٢١٤ ـ ٢١٥.

١٨٠