تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٨

الأعلام فعلمت الأعلام على ضوئها فجعله الله عزوجل حرما (١).

ويمكن ايضا أن يكون أوّل هبوطه بمكة ثمّ بالهند أو بالعكس كقوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) (٢) ، لكن ما ذكرناه أظهر ، ويؤيّده ما ذكره الرازي من انّه روى في الأخبار أنّ آدم عليه‌السلام أهبط بالهند ، وحوّاء بجدّة وإبليس بموضع من البصرة على أميال ، والحية بإصفهان (٣).

حيث إنّ ظاهر اقتصاره عليه انّ اخبارهم تدلّ على هبوطه بالهند ، وهذا ممّا يؤيّد الحمل على التقيّة ، ولا ينافيه ما ورد من أنّ رائحة ما كان معهما من الورقة او المشط عبقت بالهند ، إذ قد يكون ذلك بواسطة عصف الّرياح.

ولعلّه يومئ اليه ما ورد في «الكافي» عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا أهبط آدم عليه‌السلام طفق يخصف من ورق الجنّة ، وطار عنه لباسه الّذي كان عليه من حلل الجنّة ، فالتقط ورقة فستر بها عورته ، فلما هبط عبقت رائحة تلك الورقة بالهند بالنبت فصار في الأرض من سبب تلك الورقة الّتي عبقت بها رائحة الجنّة ، فمن هناك الطيب بالهند لأنّ الورقة هبّت عليها ريح الجنوب فأدّت رائحتها إلى المغرب ، لأنّها احتملت رائحة الورقة في الجو ، فلمّا ركدت الرّيح بالهند علق.

وفي بعض النسخ : عبق بأشجارهم ونبتهم ، فكان اوّل بهيمة ارتعت من تلك

__________________

(١) علل الشرائع ص ٤٢٢ ح ٤ والعيون ج ١ ص ٨٥.

(٢) البقرة : ٦١.

(٣) تفسير الرازي : ج ٣ ص ٣٧.

٣٢١

الورقة ظبي المسك ، فمن هناك صار المسك في سرّة الظبي ، لأنّه جرى رائحة النبت في جسده وفي دمه حتّى اجتمعت في سرّة الظّبي (١).

بل في «العلل» عن الصادق عليه‌السلام قال : أهبط آدم من الجنّة عن الصّفا ، وحوّاء على المروة ، وقد كانت امتشطت في الجنّة ، فلمّا صارت في الأرض قالت : ما أرجو من المشط وانا مسخوط عليّ فحلّت مشطتها ، فانتشر عن مشطتها العطر الّذي كانت امتشطت به في الجنّة ، فطارت به الرّيح ، فألقت اثره في الهند فلذلك صار العطر بالهند.

قال : وفي حديث آخر انها حلّت عقيصتها فأرسل الله عزوجل على ما كان فيها من ذلك الطّيب ريحا فهبت به في المشرق والمغرب (٢).

وممّا ذكرناه يظهر الوجه أيضا فيما رواه في كتاب أخبار الملاحم والفتن عن الصّادق عليه‌السلام قال : لمّا خلق الله آدم وأخرجه من الفردوس كتب له عنده في العلم السابق ألف سنة فلمّا هبط من السّماء وأخرج من الفردوس ، هبط على جبل بأرض الهند كان أعلاه قريبا من السّماء ، وكان آدم عليه‌السلام يسمع كلام ملائكة سماء الدنيا ، ويجد ريح الفردوس فلبث بذلك حينا ، فاشتدّ جوعه فشكى إلى الأرض ، فقال يا أرض اطعميني فانا آدم صفيّ الله ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى الأرض : اجيبي عبدي.

فقالت : يا آدم لسنا نطعم اليوم من عصى الله ، فبكى آدم عليه‌السلام أربعين صباحا على ساحل البحر ، تقطر دموعه في البحر ، فيزعمون انّ الصدفة كانت ترتفع فوق

__________________

(١) فروع الكافي : ج ٦ ص ٥١٤ ح ٣.

(٢) علل الشرائع : ص ٤٩١ و ٤٩٢ ح ١ وعنه البحار ج ١١ ص ٢٠٧.

٣٢٢

الماء ، فإذا قطرت دموع آدم في الصدفة اغتمس في الماء فيقولون : انّ الدّر من دموع آدم ، ونبت الزعفران من دموع آدم ، ونبت اللبان من دموع داود عليه‌السلام.

فلما اشتدّ جوعه رفع رأسه إلى السّماء ، فقال يا سماء أطعميني فأنا آدم صفيّ الله ، فأوحى الله تعالى إلى السماء : أن اجيبي عبدي ، فقالت : يا آدم لسنا نطعم اليوم من عصى الله تبارك وتعالى ، فبكى آدم أربعين صباحا ، فلمّا اشتدّ جوعه رفع رأسه إلى السّماء فقال أسألك يا ربّ بحقّ النّبي الأميّ الّذي تريد أن تخرجه من صلبي الّا تبت عليّ واطعمتني ، فأوحى الله إليه : يا آدم ومن أين عرفت النّبي الأميّ ولم أخلقه بعد؟

فقال آدم : إنّي رأيت على الفردوس مكتوب : لا اله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فعلمت أنّ ذلك من صلبي ، فبحقّ ذلك النّبي إلّا اطعمتني ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل : اهبط إلى عبدي ، فهبط عليه جبرئيل ، ومعه تسع حبّات من حنطة ، فوضعها على يدي آدم.

قال : فكان وزن الحبة منها الفا وثمان مائة درهم.

قال آدم : يا جبرئيل ما هذا؟ فقال جبرئيل : يا آدم هذا أخرجك من الجنّة.

قال : فما أصنع به؟ قال ابذره في الأرض ، ففعل ، فأنبته الله من ساعته ، فحدثت سنّة في ولده البذر في الأرض.

ثمّ أمره بحصاده ، فجعل يأخذ القبضة بعد القبضة.

ثمّ أمره بجمعه وفركه بيده ، فلذلك ولده يفركون بأيديهم.

ثمّ أمره بتذريته في الرّيح ، فلذلك صارت الحنطة تذرّى في الرّيح.

٣٢٣

ثمّ امره بحجرين فوضع أحدهما على الآخر فدقّه ، فلذلك وضعت الرحا اليوم.

ثمّ أمره بعجنه فلذلك صار ولده يعجنون الدقيق اليوم.

ثمّ أمره أن يختبزه ملّة (١).

فجمع له جبرئيل الحجر والحديد ، فقدحه فخرجت النار ، فلذلك ولده يقدحون النّار اليوم ، فهم أوّل من اختبز الملّة.

ثمّ أمره أن يأكله ، فعند ذلك قال لجبرئيل : لا أريد! فقال له جبرئيل عليه‌السلام : شكوت إلى ربّك الجوع ، فلمّا أطعمك قلت : لا أريد؟ قال : لأنّي قد أعييت ممّا عالجت.

فقال له جبرئيل : هذا عملك وعمل ذرّيّتك إلى أن تقوم السّاعة.

فبكى آدم أربعين صباحا حتّى نبتت لحيته من الغمّ والحزن على الجنّة.

فلمّا أكل وجد في بطنه ثقلا ووجعا ، ولم يكن قبل ذلك له مخاط ولا بزاق ، فشكى إلى جبرئيل.

فقال جبرئيل : تنحّ فتنحّى ، فبعّر مثل بعر الشّاة ، وجد له ريحا شديدا ، فشكى ذلك إلى جبرئيل.

فقال له جبرئيل : أتدري ما ذلك؟ قال : لا فقال له جبرئيل عليه‌السلام : انّ الله تبارك وتعالى حين خلقك من طين أجوف ، فجاء إبليس فضرب على بطنك ، فسمع له

__________________

(١) الملّة : الرماد والجمر ، يقال : مللت الخبزة في الملّة وأمللتها إذا عملتها في الملة ـ لسان العرب ج ١٣ ص ١٨٧.

٣٢٤

دويّا كدويّ الخابية ، فقال للملائكة لا يهمنّكم إن كان ملكا فهو منكم ، وان يكن من غيركم فأنا أكفيكموه ، وذلك قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١) فكان ممّن اتّبعه هاروت وماروت.

ثمّ دخل في جوفك فخرج من دبرك ، فكلّما أصاب الطعام من نتن فهو من ذلك ، لأنّ ممرّ إبليس لعنه الله كان بطنك فيعز من ذلك ، ولم يكن آدم يعرف قبل ذلك بزاقا ، ولا مخاطا ، ولا شيئا من الأذى حتّى أكل الطعام.

فلمّا لبث آدم عليه‌السلام في الأرض مأتي سنة ولد عوج بن عنق من بنت آدم ، وهو الّذي كان ولد في دار آدم ، وقتله موسى من بعد آدم ، فعاش في الأرض ثلاثة آلاف سنة.

فلمّا استكمل ايّامه أوحى الله إليه أن يا آدم قد استكملت أيّامك ، فانظر الاسم الأكبر وميراث علم النبوّة فادفعه إلى ابنك شيث ، فانّي لم أكن اترك الأرض الّا وفيها عالم يدلّ على طاعتي وينهى عن معصيتي.

فدفع آدم الوصيّة إلى ابنه شيث (٢).

أقول : وهذا الخبر وان كان من طرق المخالفين إلّا أنّه لما كان مرويّا عنه عليه‌السلام مشتملا على كثير ممّا في أخبارنا وعلى اتّصال الوصيّة وعدم خلوّ الأرض عن الحجّة أوردناه في المقام ، وأمّا ما فيه من الاشتكاء إلى الأرض والسّماء فلعلّه كناية عن جوعه وحاجته وانسداد أبواب الرزق عليه من السّماء والأرض ، وامّا ما فيه من

__________________

(١) سبأ : ٢٠.

(٢) الملاحم : ص ٣٤ الى ص ٣٨ وهو تأليف الحافظ احمد بن جعفر بن محمد المعروف بابن المنادي المتوفى (٣٣٦).

٣٢٥

متابعة هاروت وماروت فمن مزخرفات العامّة.

وفي كتاب محاضرة الأوائل (١) : إنّ اوّل موضع أهبط الله فيه آدم جبل يسمّى الراهون في جزيرة من جزائر الهند في مملكة سرانديب بمكان يقال الدّهنا وعليه اثر قدمه عليه‌السلام وعلى القدم نور لمّاع يخطف البصر لا يمكن لأحد أن ينظر إليه طول قدمه في الصّخر سبعون شبرا وعلى الجبل ضوء كالبرق ولا بدّ لكلّ يوم فيه من المطر فيغسل أثر قدمه وان آدم خطأ من هذا الجبل إلى ساحل البحر خطوة واحدة وهو مسيرة يومين فلما أهبط خرّ ساجدا على صخرة بيت المقدّس وكان يمسح رأسه الشريف السّماء وكان يشرب من السّحاب وكان طوله خمسمائة ذراع والله أعلم بايّ ذراع ثمّ تضلع ستّين ذراعا.

أقول : وستسمع الكلام في الاخبار الدالّة على طول قامته عليه‌السلام فيما يأتي.

وفي «العلل» و «العيون» و «الخصال» : انّه سأل الشامي أمير المؤمنين عليه‌السلام عن اوّل من قال الشعر فقال : آدم عليه‌السلام قال : وما كان شعره؟ قال لما أنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل فقال آدم :

تغيّرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبّر قبيح

تغيّر كلّ ذي لون وطعم

وقلّ بشاشة الوجه المليح

وزاد في «مروج الّذهب» (٢) وغيره :

وبدّل أهلها أثلا وخمطا

بجنّات من الفردوس فيح

__________________

(١) قال حاجي خليفة في كشف الظنون ج ٢ ص ١٦١٠ : محاضرة الأوائل : مختصر للشيخ علي دده ... فرغ منه في شهر رجب سنة (٩٩٨) ه.

(٢) مروج الذهب : ج ١ ص ٤٦.

٣٢٦

وجاورنا عدوّا ليس ينسى

لعين ما يموت فنستريح

ويقتل قاين هابيل ظلما

فوا أسفا على الوجه المليح

فمالي لا أجود بسكب دمعي

وهابيل تضمّنه الضريح

ارى طول الحياة عليّ غمّا

وما انا من حياتي مستريح

فأجابه إبليس لعنه الله

تنحّ عن البلاد وساكنيها

ففي الفردوس ضاق بك الفسيح

وكنت بها وزوجك في قرار

وقلبك من أذى الدنيا مريح

فلم تنفكّ من كيدي ومكري

إلى أن فاتك الثّمن الربيح

فلو لا رحمة الجبّار أضحت

بكفّك من جنان الخلد ريح (١)

قال شيخنا المجلسي رحمه‌الله قوله : قيح إمّا بالقاف جمع القاحة بمعنى الساحة أو بالفاء من الفيح بمعنى السّعة ، وقاين بالياء : أحد ما قيل في اسم الولد القاتل ، قال : وفي اكثر نسخ التفاسير والتّواريخ بالباء الموحّدة (٢).

وفي مروج الذّهب بالمثنّاة من تحت وقيل قابين بالموحّدة ثمّ المثناة والمشهور قابيل باللام.

وفي «الفقيه» و «العلل» و «المحاسن» عن الصّادق عليه‌السلام قال لمّا هبط آدم من الجنّة ظهرت به شامة (٣) سوداء من قرنه إلى قدمه ، فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر

__________________

(١) البحار ج ١١ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ عن العلل ص ٥٩٤ وعن العيون ج ١ ص ٢٤٢ والخصال ص ٢٠٩.

(٢) البحار : ج ١١ ص ٢٣٤.

(٣) الشامة : الخال اي بثرة سوداء وفي البدن حولها شعر.

٣٢٧

به ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال ما يبكيك يا آدم؟ فقال : من هذه الشامة الّتي ظهرت بي ، قال : قم يا آدم فصلّ فهذا وقت الصلاة الاولى فقام وصلّى ، فانحطت الشامة إلى عنقه ، فجاءه في الصّلاة الثانية ، فقال : قم فصلّ يا آدم فهذا وقت الصلاة الثانية ، فقام وصلّى فانحطت الشامة إلى سرّته ، فجاءه في الصلاة الثالثة ، فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الثالثة ، فقام فصلّى فانحطت الشامة إلى ركبتيه ، فجاءه في الصلاة الرابعة ، فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الرابعة ، فقام فصلّى فانحطت الشامة إلى قدميه فجاءه في الصلاة الخامسة ، فقال : قم يا آدم فصلّ فهذا وقت الصلاة الخامسة ، فقام صلّى فخرج منها ، فحمد الله واثنى عليه ، فقال جبرئيل : يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشّامة ، من صلّى من ولدك في كلّ يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشّامة (١).

وفي تفسير القمّي قال : فلمّا اسكنه الله الجنّة واتى جهالة إلى الشجرة لأنّه خلق خلقة لا تبقى إلّا بالأمر والنّهي والغذاء واللّباس والإكنان والنكاح ولا تدرك ما ينفعه ممّا يضرّه إلّا بالأمر والنّهي والتّوفيق ، فجاءه إبليس وقال إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة الّتي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنّة أبدا وان لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة ، وحلف لهما أنّه لهما ناصح ، كما قال الله تعالى حكاية عنه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٢) (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٣) فقبل آدم قوله ، فأكلا من

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٣٨ ح ٢ وعنه البحار ج ١١ ص ١٦٦.

(٢) الأعراف : ٢٠.

(٣) الأعراف : ٢١.

٣٢٨

الشجرة فكان كما حكى الله (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) (١) وسقط عنهما ما ألبسهما الله تعالى من لباس الجنّة ، وأقبلا يستتران بورق الجنّة (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢) فقالا كما حكى الله عنهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣) فقال الله لهما (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٤) ، قال : إلى يوم القيمة قال : فأهبط آدم على الصّفا ، وإنّما سمّيت الصّفا لأنّ صفوة الله نزل عليها ، ونزلت حوّاء على المروة ، وانّما سمّيت المروة لأنّ المرأة نزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا يبكي على الجنّة ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا آدم ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه واسجد لك ملائكته؟ قال : بلى قال : وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال : يا جبرئيل إنّ إبليس حلف لي بالله أنّه لي ناصح وما ظننت ان خلقا يخلقه الله أن يحلف بالله كاذبا (٥).

تفسير الآية (٣٧)

توبة آدم بواسطة الكلمات

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) استقبلها بالتوصل والاستشفاع وقبول الولاية

__________________

(١) الأعراف : ٢٢.

(٢) الأعراف : ٢٢.

(٣) الأعراف : ٢٣.

(٤) الأعراف : ٢٤.

(٥) تفسير القمي : ج ١ ص ٤٣ وعنه البحار ج ١١ ص ١٦٢.

٣٢٩

وبالأخذ والقبول والعمل بناء على ما هو الأظهر من شمول الكلمات للكونيّة الحقيقيّة واللّفظيّة ، وهو مأخوذ من قولهم : تلقّيت منه اي أخذت وقبلت ، ويقال : تلقّيت الرجل وتلقّاني أي استقبلته واستقبلني ، ومنه تلقّي الركبان ، وهو في الأصل التّعرض للقاء ، أطلق على القبول والاستقبال ، لأنّه من التعرّض ، وربما يحتمل أن يكون أصله التلقّن كالتظنّي في التظنن وهو ضعيف.

القراءة

واكثر القرّاء على رفع آدم ونصب كلمات ، وعن ابن كثير العكس ، واستدلّ له بأنّه في المعنى كالقراءة الأخرى ، فانّ الأفعال المتعدّية على ثلاثة أضرب : ما يجوز ان يكون الفاعل له مفعولا به والعكس ، نحو : ضرب زيد عمروا وما لا يجوز ذلك فيه نحو : أكلت الخبز ، وما يكون إسناده إلى الفاعل في معنى اسناده إلى المفعول به ، نحو : نلت وأصبت وتلقيت تقول : نالني خير ، ونلت خيرا ، واصابني شيء ، وأصبت شيئا ، وتلقّاني زيد وتلقّيته ، ومثله في جواز الوجهين بل وقراءة قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) على ما يأتي إن شاء الله تعالى ، وهو كما ترى توجيه للمعنى لا تصحيح للقراءة ، بل هو من وجه آخر على ما مرّ على أنّ المعنى على الأوّل ما سمعت ، وعلى الثّاني انّ الكلمات تداركته بالنّجاة وستسمع في الأخبار المرويّة عن «الخصال» و «المعاني» و «الفضائل» وغيرها ما يدلّ على الأوّل.

و «من» للابتداء ، وإضافة الكلمات إلى اسم الرّب مضافا إلى ضميره ، مع انّه

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

٣٣٠

ربّ كلّ شيء ، للإشعار على كون التّلقي والتوسل من وظائف عبوديّة آدم ، وقبوله من شؤون ربوبيّته المطلقة ، مضافا إلى كونه من متمّمات تربيته ومكمّلات وجوده.

الكلمات وإطلاقاتها

و «كلمات» جمع كلمة ، وفيها لغات ، والحقّ أنّها اسم جنس يطلق على القليل والكثير فيقال للكلام والبيت والخطبة والقصيدة كما في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد (٢) :

الا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل (٣)

وقولهم : قال قسّ في كلمته ، يعنون في خطبته ، وقال إمرؤا القيس في كلمته ، يعنون في قصيدته.

ثمّ انّ هذه الإطلاقات كلّها إنّما هي باعتبار الكلمة التّدوينيّة ، وامّا الكلمة التكوينيّة فالمراد بها الوجودات الجامعة المشتملة على الحروف الكونيّة ولذا يطلق على الأنبياء والحجج عليهم‌السلام وكذا أطلقت على عيسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) (٤) وأطلقت الكلمات او الموصوفة بالتّامات على النّبي والأئمّة عليهم‌السلام كما في هذه الآية

__________________

(١) المؤمنون : ١٠٠.

(٢) لبيد بن ربيعة العامري كان من أشراف شعراء المخضرمين والفرسان المعمّرين عمّر (١٤٠) سنة او أزيد وأدرك الإسلام وأسلم مات في أواخر خلافة معاوية.

(٣) سفينة البحار : ج ٢ ص ٥٠٣.

(٤) النساء : ١٧١.

٣٣١

وفي قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (١) ، وقوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) (٢) ، وقوله : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (٣) ، (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) (٤) ، (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) (٥) ، (حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) (٦) ، (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (٧) وغيرها من الآيات الكثيرة على ما تسمع إنشاء الله تعالى.

والمراد بها في المقام ما يشمل الأمرين أعني التّوسل بذواتهم الشريفة الّذين هم الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، وأسماؤهم الّتي هي أسماء الأسماء إمّا باعتبار عموم الاشتراك ، أو المجاز ، او على ما قرّر في محلّه من جواز استعمال اللّفظ المشترك في المعنيين والمتّحد المعنى في المعنى الحقيقي والمجازي ، مع أنّ التلقي هو التوسّل التّام الّذي لا يتم إلّا بالأمرين معا ولذا ترى أخبار الباب المرويّة من طرق الفريقين مشتملة على الأمرين.

ففي «تفسير العياشي» عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه قال : يا ربّ اسألك بحقّ محمّد لمّا تبت عليّ ، قال : وما علمك بمحمّد؟ قال : رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا وانا في الجنّة (٨).

__________________

(١) البقرة : ١٣٤.

(٢) الكهف : ١٠٩.

(٣) لقمان : ٢٧.

(٤) الانعام : ١١٥.

(٥) الزخرف : ٢٨.

(٦) يونس : ٩٦.

(٧) الفتح : ٢٦.

(٨) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ٤١ ح ٨ وعنه البحار ج ١١ ص ١٨٦ ح ٤٠.

٣٣٢

وفيه عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريّته ، فمرّ به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متكئ على عليّ وفاطمة صلوات الله عليهما تتلوهما ، والحسن والحسين عليهما‌السلام يتلوان فاطمة ، فقال الله : يا آدم إياك أن تنظر إليهم بحسد أهبطك من جواري ، فلمّا أسكنه الله الجنّة مثّل له النّبي وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فنظر إليهم بحسد ، ثمّ عرضت عليه الولاية : فأنكرها فرمته الجنّة بأوراقها ، فلمّا تاب إلى الله من حسده وأقرّ بالولاية ودعا الله بحقّ الخمسة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلّى الله عليهم غفر الله له وذلك قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (١).

وفي «تفسير القمي» عن الصّادق عليه‌السلام قال : إنّ آدم بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنّة وعلى خروجه من جوار الله عزوجل ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا آدم مالك تبكي؟ قال : يا جبرئيل مالي لا ابكي وقد أخرجني الله من جواره ، وأهبطني إلى الدّنيا ، قال : يا آدم تب إليه ، قال : وكيف أتوب؟ فانزل الله عليه قبّة من نور في موضع البيت ، فسطع نورها في جبال مكّة فهو الحرم ، فأمر الله جبرئيل أن يضع عليه الأعلام ، قال : قم يا آدم فخرج به يوم التّروية ، وامره أن يغتسل ويحرم وأخرج من الجنّة اوّل يوم من ذي القعدة ، فلمّا كان يوم الثامن من ذي الحجّة أخرجه جبرئيل إلى منى ، فبات فيها فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات ، وقد كان علّمه حين أخرجه من مكّة الإحرام وأمره بالتلبية ، فلمّا زالت الشمس يوم عرفه قطع التّلبية ، وأمره أن يغتسل ، فلمّا صلّى العصر وقّفه. بعرفات ، وعلّمه

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ٤١ ح ٢٧ وعنه البحار ج ١١ ص ١٨٧.

٣٣٣

الكلمات الّتي تلقّى بها ربّه ، وهو «سبحانك اللهم وبحمدك لا اله إلّا أنت عملت سوء وظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي إنك الغفور الرحيم» هكذا ثلاث مرّات إلّا أنّه في الثانية انّك أنت خير الغافرين وفي الثالثة : انك أنت التّواب الرحيم ، فبقى إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرّع ويبكي إلى الله ، فلمّا غابت الشمس ردّه إلى المشعر ، فبات بها فلمّا أصبح قام على المشعر الحرام ، فدعا الله تعالى بكلمات وتاب عليه (١). الخبر أقول : ولعلّ المراد بهذه الكلمات الأخيرة ما مرّت الإشارة إليها في ما مرّ من الأخبار من التوسل بالنّبي والأئمّة عليهم‌السلام ، وامّا مع الحمل على الدّعاء المذكور في هذا الخبر فلا ينافي ذلك لأنّه من مقتضيات ولايتهم ومن آثارها.

وعليه يحمل أيضا ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الكلمات الّتي تلقّاهنّ آدم من ربّه فتاب عليه وهدى قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، إلى آخر ما مرّ (٢).

قال وقال الحسن بن راشد : إذا استيقظت من منامك فقل الكلمات الّتي تلقّى بها آدم من ربّه : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، سبقت رحمتك غضبك ، لا اله إلّا أنت انّي ظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني ، انك أنت التّواب الرحيم (٣).

وفي «كشف اليقين» عن مجاهد عن ابن عباس قال : لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله : الحمد لله ربّ العالمين ، فقال له ربّه : يرحمك ربّك ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ص ٤٤ ـ ٤٥ وعنه البحار ج ١١ ص ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ص ٤١ ح ٢٥.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ٤١ ح ٢٦.

٣٣٤

فلمّا أسجد له الملائكة تداخله العجب ، فقال : يا ربّ خلقت خلقا أحبّ إليك منّي؟ فلم يجب ثمّ قال الثانية فلم يجب ، ثمّ قال الثالثة فلم يجب ، ثمّ قال الله عزوجل له : نعم ولولاهم ما خلقتك ، فقال يا ربّ فأرنيهم ، فأوحى الله عزوجل إلى ملائكة الحجب : أن ارفعوا الحجب ، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش ، فقال : يا ربّ من هؤلاء؟ قال : يا آدم هذا محمّد نبيي ، وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ نبيي ووصيّه ، وهذه فاطمة ابنة نبيي ، وهذان الحسن والحسين ابنا عليّ وولدا نبيي ، ثمّ قال : يا آدم هم ولدك ففرح بذلك ، فلمّا اقترف الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرت لي ، فغفر الله له بهذا فهذا الّذي قال الله عزوجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) (١) ، فلمّا هبط إلى الأرض صاغ خاتما فنقش عليه : «محمّد رسول الله وعليّ أمير المؤمنين» ويكنّى آدم بابي محمّد عليه‌السلام (٢).

وفي «المعاني» فيما رواه المفضّل عن الصادق عليه‌السلام بطوله إلى أن قال عليه‌السلام : فلمّا أراد الله عزوجل أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنّما ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فضّل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزوجل إلى أرضه ، فاسألا ربّكما بحقّ الأسماء الّتي رأيتموها على ساق العرش حتّى يتوب عليكما ، فقالا : اللهم إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك : محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم‌السلام إلّا تبت علينا ورحمتنا ، فتاب الله عليهما انّه هو التّواب الرحيم ، فلم تزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ، ويخبرون

__________________

(١) البقرة : ٣٧.

(٢) اليقين في إمرة امير المؤمنين عليه‌السلام ص ٣٠ ـ ٣١.

٣٣٥

بها أوصيائهم والمخلصين من أممهم ، فيأبون حملها ويشفقون من ادّعائها وحملها الإنسان الّذي قد عرف ، فأصل كلّ ظلم منه إلى يوم القيامة ، وذلك قول الله عزوجل : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، الآية (٢).

الكلمات التي تلقّيها آدم (ع)

وفي «الأمالي» و «الاحتجاج» و «جامع الاخبار» عن الصادق عليه‌السلام قال : أتى يهوديّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام بين يديه يحدّ النظر إليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا يهودي ما حاجتك؟ قال : أنت أفضل أم موسى ابن عمران الّذي كلّمه الله ، وأنزل عليه التوراة والعصا ، وفلق له البحر واظلّه بالغمام؟ فقال له النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ولكنّي أقول : إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال اللهم إنّي اسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا غفرت لي فغفرها الله له ، وانّ نوحا لمّا ركب السفينة وخاف الغرق قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا نجّيتني وأهلي من الغرق ، فنجّاه الله تعالى ومن معه في السفينة من الغرق ، وإنّ ابراهيم لمّا ألقي في النّار قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال : اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لما آمنتني ، فقال الله جلّ جلاله : لا تخف إنك أنت الأعلى ، يا يهودي إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي ما نفعه إيمانه شيئا

__________________

(١) الأحزاب : ٧٢.

(٢) معاني الاخبار : ص ١٠٨ وعنه البحار ج ١١ ص ١٧٤ ح ١٩.

٣٣٦

ولا نفعته النبوّة (١).

وفي «المعاني» عن الصّادق عليه‌السلام في قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (٢) ، ما هذه الكلمات؟ قال : هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، وهو انّه قال : أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ فتاب الله عليه انّه هو التّوّاب الرحيم. (٣) الخبر وفي «الكافي» عن أحدهما عليهما‌السلام : إنّ الكلمات لا اله إلّا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فتب عليّ واغفر لي وأنت خير الغافرين ، لا اله إلّا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت ، سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني انك ، أنت ارحم الراحمين ، لا اله الا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فتب عليّ انك أنت التوّاب الرحيم.

وفي رواية : بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين.

وفي رواية اخرى : بحقّ محمّد وآل محمّد عليهم‌السلام صلّى الله عليهم أجمعين (٤).

«الخصال» و «المعاني» و «الفضائل» عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ فتاب الله عليه.

وفي «فضائل الأئمّة» عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خلق الله

__________________

(١) جامع الاخبار : ص ٨ ـ ٩ والأمالي ص ١٣١ ـ ١٣٢ ، وعنهما البحار ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٢) البقرة : ١٢٤.

(٣) معاني الاخبار ص ٤٢ وعنه البحار ج ١١ ص ١٧٧ ح ٢٤.

(٤) معاني الاخبار ص ٤٢ والخصال ج ١ ص ١٤٦ وعنهما البحار ج ١١ ص ١٧٦.

٣٣٧

آدم فسأل ربّه أن يريه ذريّته من الأنبياء والأوصياء المقرّبين إلى الله عزوجل فأنزل الله عليه صحيفة فقرأها كما علّمه الله تعالى إلى أن انتهى إلى محمّد النّبي العربيّ عليه أفضل الصّلاة والسلام فوجد عند اسمه اسم عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام فقال آدم هذا نبي بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فهتف به هاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه يقول هذا وارث علمه وزوج ابنته وابو ذرّيته عليه‌السلام فلمّا وقع آدم في الخطيئة جعل يتوسّل إلى الله تعالى بهم عليهم‌السلام فتاب الله عليهم (١).

وفي تفسير فرات بن ابراهيم بالإسناد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمّا نزلت الخطيئة بآدم واخرج من الجنّة أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا آدم أدع ربّك قال يا حبيبي جبرئيل ما أدعو؟ قال : قل : يا ربّ اسألك بحقّ الخمسة الّذين تخرجهم من صلبي آخر الزّمان ألّا تبت عليّ ورحمتني فقال له آدم يا جبرئيل سمّهم لي قال : اللهم بحقّ محمّد نبيّك ، وبحقّ عليّ وصي نبيّك ، وبحقّ فاطمة بنت نبيّك ، وبحقّ الحسن والحسين سبطي نبيّك إلّا تبت عليّ ورحمتني ، فدعا بهنّ آدم فتاب الله عليه ، وذلك قول الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) ، وما من عبد مكروب يخلّص النيّة ويدعو بهنّ إلّا استجاب الله له (٢).

وفي «الفضائل» بالإسناد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أبي آدم لمّا رأى اسمي واسم عليّ وابنتي فاطمة والحسن والحسين واسماء أولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنّور ، قال : الهي وسيّدي هل خلقت خلقا هو أكرم عليك منّي؟ فقال الله : يا آدم

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٦ ص ٣٣١ ح ١٣ عن الفضائل.

(٢) تفسير فرات : ص ١٣ وعنه البحار ج ٢٦ ص ٣٣٣ ح ١٥.

٣٣٨

لو لا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنيّة ولا أرضا مدحيّة ولا ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا ، ولا خلقتك يا آدم قال : فلمّا عصى آدم ربّه سأله بحقّنا أن يقبل توبته ويغفر خطيئته فأجابه ، وكنّا الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه عزوجل فتاب عليه وغفر له ، فقال له : يا آدم ابشر فانّ هذه الأسماء من ذرّيتك وولدك ، فحمد آدم ربّه عزوجل وافتخر على الملائكة بنا وانّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا (١).

وفي كتاب المحتضر للحسن بن سليمان عن الباقر عليه‌السلام قال : نحن الأسماء الحسنى الّتي لا يقبل الله عن العباد عملا إلّا بمعرفتنا ونحن والله الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه (٢).

وفي تفسير الامام عليه‌السلام قال : فلمّا زلّت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربّه عزوجل قال : يا ربّ تب عليّ ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي ، فلقد تبيّن نقص الخطيئة وذلّها بأعضائي وسائر بدني ، قال الله تعالى يا آدم : أما تذكر أمري ايّاك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطّيبين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل الّتي تبهظك (٣) قال آدم : يا ربّ بلى قال الله عزوجل له : فتوسل بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك ، فقال آدم : يا ربّ وقد بلغ عندك من محلّهم إنّك بالتّوسل بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي ، وانا الّذي أسجدت له ملائكتك والجنّة جنّتك وزوّجته حوّاء أمتك ، وأخدمته كرام ملائكتك؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٢٣ ح ١٥ عن الفضائل.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ ص ٥ ح ٧.

(٣) تبهظك : تثقلك وتعجزك ، مشتق من بهظ بمعنى أثقل وأعجز.

٣٣٩

قال الله تبارك وتعالى : يا آدم إنّما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئك أن أعصمك منها ، وان أفطنك لدواعي عدوّك إبليس حتّى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك ، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجيبك.

فعند ذلك قال آدم : اللهمّ بجاه محمّد وآله الطّيبين ، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيبين من آلهم لمّا تفضّلت بقبول توبتي ، وغفران زلّتي ، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي.

فقال الله عزوجل قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك من رحماتي ، فذلك قوله عزوجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١).

ثمّ قال عزوجل للّذين أهبطهم من آدم وحوّاء وإبليس والحيّة : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) فيها تعيشون ، وتحثّكم لياليها وأيّامها إلى السعي للاخرة ، فطوبى لمن تزوّد منها لدار البقاء (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأنّ الله منها يحرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزلكم (٢) ، وينعمكم ، وفيها ايضا بالبلاء يمتحنكم ، ويلذّذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا نعيم الآخرة الخالص ممّا ينقّص نعيم الدّنيا ويبطله ، ويزهّد فيه ويصغّره ويحقّره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدّنيا الّتي تكون في خلالها الزّحمات وفي تضاعيفها النقمات

__________________

(١) البقرة : ٣٧.

(٢) في البحار : ينزهّكم.

٣٤٠