نفحات القرآن - ج ١٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-004-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٤٧

هذا التعبير يحكي بكل وضوح عن أنّ تأييد الشعب يؤدّي أيضاً إلى إقامة الحجّة على الولي المنصوب من قبل الله تعالى.

ولا شك أنّ ولايته عليه‌السلام كانت ثابتة من قبل الله تعالى وعن طريق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذه الولاية فعلية ، فهي ـ وعلى خلاف ما قاله بعض المغفلين ـ لم يكن لها جنبة الشأنية والقوة ، أمّا من الناحية التنفيذية والعملية فلا تستغني عن دعم الشعب ، ولا يتحرك لها ساكن بدون ذلك الدعم.

أمّا بالنسبة لفقهاء الإسلام ـ وكما سيأتي ـ فالولاية الفعلية ثابتة للجميع ، لكن تجسيد هذه الولاية إنّما يكون ممكناً حينما تتمتع بدعم وتأييد الشعب فقط ، ولهذا السبب فالولي الفقيه الذي يحظى بآراء الشعب تكون له الأولوية قياساً بالفقهاء الآخرين ، لتمكنه من تطبيق ولايته التي يتمتع بها دون غيره ، (وسيأتي تفصيل هذا الكلام في محله إن شاء الله تعالى).

وعلى هذا ، فلو تمّ التعبير في مثل هذه الموارد ب «الانتخاب» ، فذلك لا يعني أنّ هذا المنصب يُمنح لهم من قبل الشعب ، لأنّ حقّ الولاية من وجهة النظر التوحيدية إنّما هو لله لا غير ، وهذا المنصب إنّما يكون للذين عيّنهم الله تعالى مباشرة أو عن طريق أوليائه ، أمّا اعتبار الشعب هو الأساس ونفي الجانب الإلهي للحكومة فنابع من عقائد الشرك غير التوحيدية.

والمقصود أنّ الشعب إنّما يعلن دعمه لفقيه ما حينما يراه أفضل وأليق من كل الفقهاء ، ولو كان الانتخاب بيد الشعب ، ولما كانت هنالك ضرورة لانتخابه من بين الفقهاء ، بل لأمكنهم انتخاب من شاؤوا لهذا الأمر ، سواء كان فقيهاً أم لم يكن.

وخلاصة القول : إنّ الشعب لا يضع أحداً على سدة الحكم ، لأنّ هذا الحق خاص بالله تعالى ، ودور الناس إنّما يقتصر على انتخاب شخص من بين الذين منحهم الله تعالى حق الولاية ، ولو تمّ التعبير ب «الانتخاب» فهذا لا يعني ما يروج له العالم المادي ، والقرائن الحالية والمقالية شاهد صدق على هذه الحقيقة ، وهي أنّ حقيقة هذين الانتخابين متفاوتة تماماً. (تأمل جيداً).

٤١

وعلى هذا ، فإنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان ولياً من قِبل الله تعالى حتى قبل بيعة الناس له ، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى قد منح هذه الولاية له عليه‌السلام طبقاً لصريح آية الولاية : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ). (المائدة / ٥٥)

وطبقاً لحديث الغدير المتواتر وجملة : «مَنْ كُنْتُ مَولَاه فَهذا عَلىٌّ مَولَاه» ، حيث إنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عيّنه رسمياً لهذا المنصب من قبل الله تعالى ، لكن بيعة الناس للآخرين حالت بينه وبين تطبيق ولايته مدّة من الزمن ، ولم يمكن تجسيد هذه الولاية إلّابعد بيعة الناس له عليه‌السلام. أجل ، فالشعب قد هيأ الأرضية للتنفيذ ، لا أنّه أوصله إلى مقام الولاية الفعلي.

وكذا الأمر بالنسبة للفقهاء ، حيث إنّهم ـ وطبقاً لما سيأتي من الأدلة ـ كلما تمتعوا بحسن التدبير والإدارة والإحاطة بأمور الزمن وشروطه فضلاً عن الاجتهاد والعدالة ، فلهم الولاية الفعلية من قبل الله تعالى ، لكن تطبيق هذه الولاية يحتاج إلى مقدمات وعلى رأس هذه المقدّمات دعم الشعب وتأييده.

وهكذا الحال في النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّه لم يتمكن من تشكيل الحكومة فترة وجوده في «مكة» ، بل قام بتشكيلها حينما دخل المدينة وكان دعم الشعب كافياً لذلك والعقبات قد ازيلت ، لكن هذا لا يعني أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن له الولاية في مكة ، وأنّها منحت له من قبل الناس في المدينة ، (تأمل جيداً).

الولاية الخبرية والإنشائية؟!

يعتقد البعض أنّ العلماء الذين تحدثوا عن «ولاية الفقيه» لهم رأيان متفاوتان ، فالبعض قال بولاية الفقيه بالمعنى «الخبري» ، والبعض الآخر بالمفهوم «الإنشائي» ، وهذان المفهومان يختلفان في الماهيّة عن بعضهما.

فالأوّل يقول : إنّ الفقهاء العدول منصوبون من قبل الله تعالى للولاية.

ويقول الثاني : يجب على الناس انتخاب الفقيه الجامع للشرائط للولاية.

٤٢

لكننا نعتقد أنّ هذا التقسيم لا أساس له أصلاً ، لأنّ الولاية كيفما تكون فهي إنشائية ، سواء أنشأها الله تعالى أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمّة ، كأن يقول الإمام عليه‌السلام : «إنّى قَدْ جَعَلْتُهُ حَاكِمَاً» ، أو أن ينتخبه الناس «على سبيل الفرض» ، فينشئون له الولاية والحكومة.

فكلاهما إنشائي ، والتفاوت يكمن في أنّ إنشاء الحكومة يكون تارة من قبل الله تعالى واخرى من قبل الناس ، والتعبير ب «الإخباري» هنا يحكي عن عدم احاطة القائل بهذا القول ، أو أنّه يدرك الفرق ، إلّاأنّه استعمل هذه العبارات من باب المسامحة.

والتعبير الصحيح هو أنّ الولاية إنشائية في كل الأحوال ، وهي من ضمن المناصب التي لا تتحقق بدون الإنشاء ، والتفاوت هنا هو أنّ إنشاء هذا المنصب والموهبة قد يكون من قبل الله تعالى أو من قبل الناس ، فالمدارس التوحيدية تراه من قبل الله تعالى (وحتى لو كان من قبل الناس فلابدّ أن يكون بإذنه تعالى أيضاً) ، وتتوهمه المدارس الإلحادية بأنّه من قبل الناس.

وعلى هذا ، فالخلاف ليس حول «الإخبار» و «الإنشاء» ، بل حول الذي ينشيء ذلك ، هل هو الله تعالى ، أم الخلق؟ أو بعبارة اخرى ، هل أنّ أساس مشروعية الحكومة الإسلامية يكون بإذن الله تعالى وإجازته في كل مراحل ومراتب الحكومة ، أم بإذن الناس واجازتهم؟

لا شك أنّ الذي يوافق النظرة الإلهيّة هو الأول دون الثاني.

* * *

الحكومة والوكالة :

يقال أحياناً إنّ الحكومة الشعبية نمط من الوكالة ، لا منح منصب ، لأنّ مالك الملوك هو الله تعالى ، فيجب أن يهبه هو تعالى لمن يشاء ، وبعبارة اخرى ، فكما أنّ كل واحد يتمكن أن يوكل غيره في الامور الشخصية ، ولا شك أنّ لهذا الأمر مشروعيته ، فكذا الأمر في القضايا الاجتماعية ، إذ بإمكان الشعب اعتبار شخص ما وكيلاً له لإدارة الشؤون الاجتماعية ، والشعب ملزم بتحمل نتائج تلك الوكالة ما بقيت.

لكن هذا الكلام سقيم لوجوه :

٤٣

أولاً : بأي حق يتدخل وكيل الأكثرية في شؤون الأقلية؟ لنفرض أنّ ٥١ مليون نفر قد انتخبوا أحد الأشخاص وكيلاً عنهم ، و ٤٩ مليون قد وكّلوا شخصاً آخر ، فبأي دليل يمتلك وكيل ال (٥١ مليون) حق التدخل في شؤون ال (٤٩ مليون نفر).

ثانياً : هنالك شريحة يعتد بها من الشعب لا تشترك في الانتخابات في أكثر الأحيان ولأسباب شتى ولا يمنحون أصواتهم لأحد باعتباره وكيلاً لهم ، فأيّة ضرورة تقضي بوجوب اتباعهم لمن يتمتع بوكالة الآخرين؟!

ثالثاً : الوكالة عقد جائز ، وبإمكان الموكّل عزل وكيله متى شاء ، في حين أنّ الشعب لا يمكنه أبداً في ظل الأنظمة السياسية في العالم عزل مرشحيه ـ والمرشحين لرئاسة الجمهورية وأمثالها.

الحقيقة هي أنّ الديمقراطية لا يمكن تحجيمها بهذه العناوين ، إذ إنّ للديمقراطية هويتها الخاصة بها ، وهي في الواقع نوعٌ من العقد الاجتماعي تفرضه الضرورة ، لأنّ الشعب بحاجة إلى حكومة ما على كل الأحوال ، ومن جهة اخرى فاتفاق آراء الشعب على هذا الأمر غير ممكن ، إذن ، فلابدّ من الذهاب ـ شئنا أم أبينا ـ وراء رأي الأكثرية ، كما يجب على الأقلية الرضوخ أمام الأكثرية ، إذ لا سبيل لإدارة المجتمع ولا توجد رؤية اخرى سوى ذلك ، وهي أنّه نتوافق مع رأيهم ، حتّى لو لم يكن هذا الأمر متصفاً بالعدالة المحضة.

أمّا الذين ينظرون إلى الحكومة بأنّها من قبل الله تعالى ، فلهم رؤية اخرى ، وهي أنّه لنرى من ذلك الشخص الذي وضع الله تعالى الحكومة تحت اختياره؟ وبهذه الحالة تكون آراء الشعب ـ عند تعدد الأفراد اللائقين من وجهة نظر الإسلام ـ قادرة على صنع القرار عند تعيين الشخص المتفق عليه ، فيتغلب ذلك الشخص الذي يحظى بدعم جماهيري أكبر لتنفيذ أهداف الحكومة.

وبإمكان المسائل المتعلقة بالبيعة توضيح هذا الأمر بشكل أكبر ، وسنتكلم إن شاء الله بالتفصيل في الأبحاث القادمة عن دور البيعة في الحكومة ، وحقيقة البيعة وشروطها.

* * *

٤٤

العلاقة بين الدين والحكومة من وجهة

نظر القرآن الكريم

إنَّ شعار فصل الدين عن السياسة هو الأكثر رواجاً في الدول الغربية ، وقد يعد من بديهياتهم المتفق عليها ، ومن هنا يأخذهم الرعب والخوف من تشكيل الحكومة الإسلامية التي تجمع بين «الدين» و «السياسة» بشكل تام! وذلك لسببين :

١ ـ الدين الموجود في المجتمعات الغربية هو دين المسيحية الحالي ، ونحن نعلم أنّ هذا الدين ونتيجة للتحريفات الكثيرة التي طرأت عليه على مرّ الزمن قد تجسّد في سلسلة من التوصيات الأخلاقية ، ولا علاقة له بالقضايا الاجتماعية خصوصاً السياسية منها.

والفرق بين الشخص المتديّن وغير المتديّن في هذه المجتمعات ، هو أنّ الأول ملتزم بسلسلة من الاصول الأخلاقية ، ويذهب في الاسبوع مرّة واحدة إلى الكنيسة ليتضرع ويناجي ربّه ساعة من الزمن ، أمّا غير المتدين فلا يبالي بمثل هذه الأخلاقيات (وإن احترموها أحياناً باعتبارها من المثل الإنسانية لا الدينية) ، ولا يذهبون إلى الكنيسة أبداً.

٢ ـ الذكرى المؤلمة جدّاً التي يحملونها معهم من حكومة أرباب الكنيسة في القرون الوسطى وعهد «انكيزيسيون» (تفتيش العقائد) ، سَببت في أن يفصلوا الدين عن السياسة وإلى الأبد.

توضيح ذلك : لقد هيمن رجال الكنيسة في القرون الوسطى على كافة الشؤون السياسية والاجتماعية لشعوب اوربا ، وحَكم البابوات دول هذه القارة بكل قوة ، بحيث انتهت حكومتهم إلى الاستبداد والطغيان ، حتى أنّهم وقفوا أمام كل تقدم علمي ، وسحقوا كل تطور

٤٥

علمي وفكري باعتباره منافياً للدين ، فأسسوا محاكم سميت فيما بعد بـ «انكيزيسيون» «محاكم تفتيش العقائد» ، وحكموا على أعداد كبيرة في هذه المحاكم بالموت ، فقطعوا رؤوس بعضهم ، وأحرقوا البعض الآخر بالنّار وهم أحياء ، أو أنّهم حكموا عليهم بالسجن ، ومن بينهم عدد من العلماء الطبيعيين المعروفين. وكلُّ الملوك كانوا يحسبون لرجال الدّين هؤلاء حساباً ويطيعون أوامرهم.

بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي أخذوها وعاشوا في نعيم لا يوصف.

وقد أثارت كل هذه الامور الشعب ضدهم ، خصوصاً علماء العلوم الطبيعية ، حيث إنّهم وقفوا في وجوههم بقوة ، وعمّ شعار «فصل الدين عن السياسة» من جهة ، والتنافي بين العلم والدين ، من جهة اخرى ، كلَّ مكان ، ثم وبانتصار هذا الجناح ، انسحبت الكنيسة ورجالها من المجتمع والحكومة ، والدولة الوحيدة التي بقيت بيد رجال الكنيسة من تلك الامبراطورية الواسعة هي دولة الفاتيكان الصغيرة التي لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد أي بمساحة قرية صغيرة (١).

كانت هذه كلها ، تطورات قد حدثت في اوربا وخلال تلك الظروف الخاصة.

ثم إنّ فريقاً من الدول الإسلامية حينما ذهب إلى الغرب للدراسة أو التجارة أو السياحة جاء بمثل هذه الأفكار معه كهدية من الغرب للشرق الإسلامي وهي لزوم فصل الدين عن السياسة ، دون الوقوف على البون الشاسع بين «الإسلام» وبين «المسيحية» المحرّفة ، وبدون التأمل في التفاوت بين الثقافة الإسلامية الحاكمة على هذه الدول وثقافة الكنيسة.

ومع الأسف فقد رضخت بعض الدول الإسلامية لهذه المؤامرة الاعلامية واعتبرتها أصلاً لا يمكن التنازل عنه (لا يخفى أنّ الدول الغربية التي كانت ولا تزال تخاف قوّة

__________________

(١) ذكرت مساحة الفاتيكان في قاموس دهخدا وقاموس معين بأنّها ٤٤ هكتاراً (أقل من نصف كم) ، وبلغ عدد نفوسها حسب بعض المصادر ٥٢٥ نفراً! وفي البعض الآخر ٧٠٠ نفر ، وفي البعض الآخر ألف نفر! وفي الحقيقة فإنّ هذه الدولة عبارة عن مجموعة من الكنائس والأبنية المتعلقة بها ، وفيها محطة قطار ، دائرة البريد ، محطة الاذاعة ، ولها قانون خاص بها وحكومة مستقلة ، وهناك حوالي خمسين دولة لها ممثلين لدى البابا. والملفت للنظر أنّ هذا البلد يقع في قلب روما عاصمة ايطاليا (قاموس دهخدا ، قاموس معين ، والمنجد في الاعلام).

٤٦

الحكومة الإسلامية ، قد تابعت هذه القضية بجدية ، وأن الدول المستغربة مثل تركيا ، قد اتبعت هذا الأصل ووضعته على رأس قائمة أعمالها وقامت بتشكيل الحكومة العلمانية).

هذا في الوقت الذي وقفت الكثير من الدول الإسلامية وشعوبها اليقظة في وجه هذه المؤامرة ، التي أرادت فصل «المسلمين» عن «الإسلام» ، وجعل الإسلام كمسيحية اليوم مجرد طقوس ظاهرية خاصة بالخلق والخالق بعيدة عن المجتمع والسياسة.

ولهذا السبب ، فحينما نجحت الثورة الإسلامية الايرانية وآتت اكلها وقامت بتشكيل أول حكومة إسلامية ثورية ، أخذت الحيرة والدهشة كل من في الغرب من كيفية إمكان إمساك الدين بزمام الحكم؟ وهل بإمكان الدين تلبية كل متطلبات عصرنا؟ ولكن بعد أن فوجئوا بثبات وصلابة هذه الحكومة ، ولغرض حصرها ضمن حدودها الجغرافية ولئلا تكون نموذجاً لبقية الدول الإسلامية ، فقد توسّلوا بعمليات تخريبية كثيرة ، بالإمكان الوقوف عليها في الكتب التي تتناول هذا الموضوع.

ولحسن الحظ بقيت هذه المؤامرات عقيمة ، وتجذّرت نظرية تأسيس الحكومة الإسلامية في الكثير من الدول الإسلامية ، في قارة آسيا وأفريقيا وأصبح تياراً حياً ومنقذاً ، مع ما يحاول الغرب بكل ما اوتي من قوّة ، ولم يترك أي شيء في هذا الطريق إلّاوتوسل به من كيل الاتهامات المغرضة الكاذبة والإعلام المغرض والمدسوس.

* * *

أمّا كيف أنّ الإسلام اقترن بمسألة الحكومة من حيث الاصول والفروع والتاريخ ، فهذه المسألة ليست بتلك الصعوبة ، وكل من يتأمل في القرآن الكريم وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام وكذلك تاريخ الإسلام ، يدرك هذه المسألة بكل وضوح ، وهي استحالة فصل الحكومة والسياسة في الإسلام ، ولأنّ ذلك بمنزلة فصل الإسلام عن نفسه!.

والشاهد على هذا الأمر وقبل كل شيء هو تاريخ الإسلام ، فكما تمّت الإشارة سابقاً فإنّ أول عمل قام به النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الهجرة إلى المدينة كان تشكيل الحكومة الإسلامية ،

٤٧

فقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يدرك جيداً أنّ أهداف النبوة وبعثة الأنبياء وهي التربية والتعليم ، وإقامة القسط والعدل وسعادة الإنسان ورفعته ، غير ممكنة بدون تشكيل الحكومة ، ولهذا السبب فقد بدأ في أول فرصة ممكنة بإرساء اسس الحكومة وذلك بأمر من الله تعالى.

فشكل جيشاً من المهاجرين والأنصار ، وأوجب على الجميع في أي سن كانوا وتحت أي ظروف (باستثناء النساء والأطفال والمرضى والمقعدين) المشاركة فيه ، وكان قسمٌ من تأمين السلاح والمؤونة والدواب لهذا الجيش المتواضع والبسيط على عاتق الشعب ، والقسم الآخر على عاتق الحكومة الإسلامية ، وكلما ازادادت الغزوات والمطاحنات مع الأعداء الشرسين واتّسعت رقعة الحروب أكثر ، ازداد جيش الإسلام رسوخاً وتنظيماً.

ونزل حكم الزكاة ، وتمّ ولأول مرّة تأسيس بيت المال الإسلامي لضمان تكاليف الجهاد ، واحتياجات المحرومين.

ثم نزلت أحكام القضاء والعقوبات المترتبة على الجرائم والتخلفات الواحدة تلو الأخرى ، ودخلت الحكومة الإسلامية مراحل جديدة.

ولو لم يكن للإسلام حكومة ، فما هي ضرورة تشكيل الجيش وبيت المال وكيف يمكن معاقبة المجرمين والجناة إذا لم تكن هناك محاكم.

وقد امتد هذا الوضع على هذا المنوال إلى ما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في فترة الخلفاء ، بل وحتى في عهد خلفاء بني امية وبني العباس ، حيث إنّهم كانوا يحكمون باسم خلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع أنّ حكومتهم كانت تتسم بالظلم والخروج عن اطار الشرعية والقوانين الإسلامية ، لكن مهما يكن فهي تعكس هذه الحقيقة وهي أن تشكيل الحكومة الإسلامية يعدّ من المسائل الأولية والأساسية في الإسلام.

والضغوط الموجهة لأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ، وولاية عهد الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وحبس الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، ونفي الإمام الهادي عليه‌السلام والإمام الحسن العسكري عليه‌السلام إلى سامراء ووضعهم تحت الرقابة خوفاً من الثورة على الحكومة ، كلها تبيّن بوضوح أنّ الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يعتبرون تشكيل حكومة

٤٨

العدل الإلهي من مسؤولياتهم الأكيدة ، وقد استغلوا كل فرصة من أجل إثبات حقهم ، كما أنّ عدوهم كان يدرك هذا الأمر جيداً.

ولو كان الإسلام كمسيحية اليوم محدوداً بسلسلة من الأحكام الأخلاقية ، لما كان لهذه الظواهر في تاريخ الإسلام أي مفهوم ، إذ لا أحد يعارض معلماً بسيطاً للأخلاق أو زاهداً منعزلاً في زاوية مكتفياً بإقامة صلاة الجماعة.

إنّما تبدأ المعارضة حينما يتعلق الأمر بالحكومة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فهنالك الكثير من الأحكام الإسلامية في القرآن المجيد والتي تصرخ عالياً بضرورة تشكيل الحكومة وإرساء اسسها ، وبعبارة اخرى ، فهذه الأحكام أحكام سياسية ، وهي الّتي ترسم الخط السياسي للمجتمع الإسلامي.

هناك آيات قرآنية كثيرة حول الجهاد ، وتكليف المجاهدين ، وغنائم دار الحرب ، والشهداء ، والاسرى ، فهل يا ترى بالإمكان توجيه مثل هذه الأحكام خارج نطاق الحكومة؟

الكثير من الآيات القرآنية سلطت الأضواء على مسؤوليات القاضي ، وأحكام القضاء ، وتطبيق الحدود والقصاص وأمثالها ، والكثير منها ناظر إلى أموال بيت المال.

وأمّا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من واجبات كل فرد مادام في حدود التذكير والأوامر والنواهي الكلامية ، لكن بعض مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحتاج إلى الصلابة والقوة ، بل وحتى المواجهة العسكرية المسلحة غير ممكنة إلّا عن طريق الحكومة.

وتطبيق العدالة الاجتماعية وإقامة القسط والعدل ، وفتح الطريق للتبليغ بحرية في أقصى نقاط العالم ، لا يكون بالنصيحة والموعظة والممارسات الأخلاقية أبداً ، الحكومة هي التي ينبغي أن تنزل إلى الميدان لتفك قيد الظالم عن عنق المظلوم ، وتعيد حقوق المستضعفين ، وتوصل نداء التوحيد إلى اسماع كل سكان المعمورة عن طريق وسائل الإعلام المتوفرة في كل زمان.

٤٩

وقد وردت نفس هذه المضامين وبشكل أوسع في أحاديث النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وروايات المعصومين عليهم‌السلام ، والّتي تشكّل قسماً كبيراً من فقه الإسلام والكتب الفقهية ، ولو أردنا فصل هذه المسائل عن الروايات والكتب الفقهية لما بقي هنا لك ما يعتد به.

وكما تقدم فالكتب الفقهية تقسم إلى ثلاثة أقسام ، وهي «العبادات» ، و «المعاملات» ، و «السياسة».

فالعبادات هي علاقة الخلق بالخالق.

والمعاملات هي علاقة الناس بعضهم ببعض.

كما وأنّ السياسة هي علاقة الناس بالحكومة.

لكن لو دققنا النظر ، لوجدنا أنّ قسم السياسة ليس الوحيد الذي لا يطبق بغياب الحكومة ، بل إنّ المعاملات أيضاً لو لم تكن تحت اشراف الحكومة لحدثت الآلاف من المصاعب والعراقيل ، ولضاعت حقوق المستضعفين ، وانقسم المجتمع إلى قطبين أغنياء وفقراء ، ولعانى الشعب من مئات المشاكل المصطنعة.

بل وحتى العبادات لا تُقام إلّافي ظل حكومة قوية عادلة ، ومن العبادات الحج وهو فريضة ذات صبغة سياسية قوية جدّاً.

وصلاة الجمعة عبادة مهمّة اخرى ، حيث إنّه وفضلاً عن الحضور الواسع لكل شرائح المجتمع فيها ، فإنّ أهم القضايا الإسلامية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعاصرة تطرح في خطبتيها.

كما أنّ صلاة الجماعة اليومية لا تخلو من هذا المحتوى أيضاً ، وإن كانت صبغتها السياسية أقل درجة.

وفي سورة الحج إشارة لطيفة إلى هذه الامور ، يقول تعالى : (الَّذِينَ انْ مَكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ). (الحج / ٤١)

وممّا تقدّم ، لا يبقى هناك أدنى شك في أنّ فصل التعاليم الإسلامية عن المسائل السياسية أمر غير ممكن ، وأنّ الشعارات التي تُطلق في الغرب لفصل الدين عن السياسة

٥٠

فارغة من المحتوى تماماً في الشرق الإسلامي.

ونختتم هذا الكلام بحديث جامع ولطيف عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

حينما جاء «أبو الدرداء» و «أبو هريرة» برسالة معاوية إلى علي عليه‌السلام وكان قد طلب فيها تسليم قتلة عثمان إليه ليحاكمهم ، قال الإمام علي عليه‌السلام : «لقد أبلغتماني ما قاله معاوية ، والآن اسمعا كلامي وأبلغاه عنّي ، إنّ عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين : إمّا إمام هدىً حرام الدّم وواجب النّصرة لا تحلّ معصيته ولا يسع الامّة خذلانه ، أو إمام ضلالة حلال الدّم ، لا تحلّ ولايته ولا نصرته ، فلا يخلوا من احدى الخصلتين».

والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتلُ ، ضالّاً كان أو مهتدياً ، ومظلوماً كان أو ظالماً ، حلال الدّم أو حرام الدّم ، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدّموا يداً ولا رجلاً ولا يبدأوا بشيٍ قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً بالقضاء والسنّة ، يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظّالم حقّه ويحفظ أطرافهم ويجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم ، ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلماً ليحكم بينهم بالحقّ ، فإن كان إمامهم قتل مظلوماً حكم لأوليائه بدمه ، وإن كان قتل ظالماً نظر كيف الحكم في ذلك» (١).

وعلى هذا الأساس وجب عليك يا معاوية وقبل التطرق لقضية قتل عثمان الرضوخ للحكومة الإسلامية وتبايع من بايعه كل الناس ولا تتأخر ولو لحظة بالتوسل بهذه الحجج والذرائع.

فريقان لا يروق لهما تشكيل الحكومة الإسلامية :

مع كل ما تقدم ـ وطبقاً للأدلة اليقينية أنّ ـ «الإسلام بدون حكومة» إسلام ممسوخ وفارغ من المحتوى ، وفي الواقع «فهو إسلام بدون الإسلام» ، فمع كل ذلك لا زال هناك فريق يصرّ ويخالف مسألة تشكيل الحكومة الإسلامية ، وعلّة هذه المخالفة ـ في الواقع ـ أمران

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ، ص ١٨٢.

٥١

أحدهما له صبغة نفسية ، والآخر له صبغة روائية.

أمّا العامل النفسي فهو إنّهم يعيشون ذكرى مُرة مع الحكومات ، واعتقادهم بعجز أي أحد في الظروف الراهنة من تشكيل الحكومة الإسلامية وبسط العدل الإلهي ، نظراً للضغوط المستمرة الموجهة للحكومة من الداخل من قبل المتطرفين الذين يحاولون انتهاك حدود القوانين الإسلامية وضرب العدالة الاجتماعية ، وتقديم الشعارات الفارغة على تعاليم الكتاب والسنة المعروفة.

ومن جهة اخرى ، فهناك الضغوط الواردة من الخارج ، والمؤامرات التي تحاك من قبل الأجانب التي يقوم بها عملاؤهم من العناصر «السرية» و «العلنية» كل ذلك يحول دون نجاح الحكومة الإسلامية في مواصلة طريقها ، ويتسبب في حرفها حتماً عن مسيرها الحقيقي لتضعها في خدمة أهدافهم ، ولهذا السبب ، يرون أنّ الحكومة الإسلامية الحقيقية غير قابلة للتطبيق عملياً.

وهم يستدلون على ادّعائهم هذا بقضيّة الحكومة الدستورية في ايران حيث إنّ علماء الدين قد توغلوا فيها بكل ما اوتوا من قوّة ، ليعكسوا للعالم تشكيلة الحكومة الإسلامية (أو ما يماثلها ولو من بعض الجهات) ، لكن رغم كل تلك الجهود ، فقد وقف مؤيدو الخط المنحرف من الداخل والأجانب وقفة رجل واحد وفي خاتمة المطاف استبدلوها بحكومة مستبدة ظالمة.

أمّا من الناحية الروائية فهم يتمسكون بالرّوايات القائلة : «كل راية ترفع قبل قيام القائم فهي راية ضلال»! وهذه الروايات تنقسم إلى عدّة أقسام :

الطّائفة الأولى :

وفيها إشارة إلى أنّه ما لم يحن الوقت للثورة في وجه سلاطين الجور والحكومات الظالمة ، فلا تحركوا ساكناً ، مثل :

١ ـ الرواية التي ينقلها «ابو المرهف» عن «الإمام الباقر» عليه‌السلام حيث يقول : «الغبرة على

٥٢

من أثارها ، هلك المحاصير ، قلت جُعلت فداك : وما المحاصير؟ قال : المستعجلون ...» (١).

٢ ـ ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن آبائه الكرام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام أنّه قال : «يا عَلي ، إنَّ إزالَة الجِبالِ الرَّواسي أهوَنُ مِن إزالةِ مُلكٍ لَم تَنقَضِ أَيّامُهُ» (٢).

٣ ـ وجاء في حديث عن «عيسى بن القاسم» أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «اتّقوا اللهَ وانظروا لأنفُسكم ، فإنّ أحقّ من نَظَر لها أنتم ... ثم أضاف عليه‌السلام قائلاً : إنْ أتاكُم مِنّا آتٍ لِيدعُوكُم إلى الرضا مِنّا فَنَحن نُشهدكُم إنا لا نرضى ، إنّه لا يُطيعُنا اليوم وهو وحده ، فكيف يُطيعُنا إذا ارْتَفَعَتْ الراياتُ والاعلام؟» (٣).

٤ ـ ونقرأ في نهج البلاغة عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «الْزَموا الأَرضَ وَاصبِرُوا عَلَى البَلَاءِ وَلَا تُحَرِّكُوا بأَيدِيكُم وَسُيُوفِكُم فِى هَوَى أَلْسِنَتِكُم وَلَا تَسْتَعْجِلُوا بِما لَمْ يُعَجِّلْهُ الله لَكُم ، فَإنّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُم عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وحقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيتِهِ مَاتَ شَهيداً ، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، وَاستَوجَبَ ثَوابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ ، وَقامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصلَاتِهِ لِسَيفِهِ فَانَّ لِكُلِّ شَىءٍ مُدَّةً وَأَجَلاً» (٤).

ولا شك أنّ هذه الطائفة من الأخبار لا دلالة لها لا من قريب ولا من بعيد على النهي عن إقامة الحكومة الإسلامية قبل ظهور المهدي (عج) ، بل الشيء الوحيد الذي تتضمنه هو تحيُّن الفرص ، وعدم البدء بهذه الامور قبل توفر الفرصة المناسبة ، لأنّكم ستدفعون ثمناً غالياً وخسائر فادحة دون أية نتيجة تذكر.

بل ربّما يكون مفهوم هذا الكلام عكس ما يتوقعه هؤلاء ، وهو أنّه متى ما تهيأت الظروف لتشكيل الحكومة الإسلامية ، فعليكم بها.

وهذه الرويات ـ في الواقع ـ هي نفس ما جاء في الخطبة الخامسة من نهج البلاغة ، حيث

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٦ (ذكر صاحب الوسائل هذه الروايات في الوسائل ج ١١ ، كتاب الجهاد ، الباب ١٣ من أبواب جهاد العدو).

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ص ٣٨.

(٣) المصدر السابق.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٠ (القسم الأخير منها).

٥٣

يقول عليه‌السلام : «وَمُجتَني الثَمرَةَ لِغيرِ وَقتِ ايناعِها كالزارع بِغيِرِ أرضِهِ». (إذ لن يحصّل أيٌّ منهماعلى النّتيجة المتوقعة).

والطائفة الثانية :

هناك بعض الروايات تقول : يجب أن تكون أهداف الثورة هو توجيه الناس لطلب الرضامن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي أنّ الدعوة للأئمّة المعصومين عليهم‌السلام وأهدافهم ، وعدم جواز الثورة بدونهم.

ومن جملتها ما نقرأه عن الإمام الصادق عليه‌السلام حيث يقول : «إن أتاكم آت منّا فانظُروا عَلى أيّ شَيء تخرجون؟ ولا تقولوا خرج زيد ، فانَّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً ولم يَدْعُكُم إلى نَفسِهِ وَانّما دَعاكُم الى الرِّضا من آلِ مُحَمَّد ، وَلَو ظَهَر لوفى بما دَعاكُم اليه ، انّما خَرَجَ إلى سُلطانٍ مُجتَمعٍ لِيَنْقُضَهُ ، فالخارجُ مِنّا اليَومَ الى أىّ شَيءٍ يَدْعُوكُم؟ الى الرّضا مِن آل محمّد؟ فنحن نُشْهَدُكُم انّا لَسْنا نَرضى بِهِ وَهُوَ يَعْصينا اليومَ وَلَيسَ مَعَه أَحَدٌ ، وَهو إذا كانت الرّاياتُ وَالالويّةُ أجدَر أن لا يَسْمَعَ مِنّا ...» (١).

ومن البديهي أنّ هذا الحديث وأمثاله لا يدلّ أيضاً على النّهى عن تشكيل الحكومة الإسلامية ، بل يقول : يجب أن يكون الهدف من تشكيل الحكومة هو إدخال السرور على الأئمّة عليهم‌السلام وكسب رضاهم ، باعتبارهم الخلفاء الحقيقيين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يجب البدء بهذا العمل عشوائياً بدون موافقتهم!

وعلى هذا ، فمتى ما توفرت الظروف المناسبة في عصر «الغيبة» لتشكيل الحكومة الإسلامية ، وتيقنا بأنّ الإمام (عج) راضٍ عنها ، وكان الهدف من تشكيلها هو احياء الإسلام والقرآن وارضاء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا مانع منها ، بل يجب السعي إليها أيضاً ، (تأمل جيداً).

والطائفة الثّالثة :

بعض الروايات ، تقول : كلّ ثورة تقوم قبل قيام القائم عليه‌السلام فإنّ مصيرها الفشل ، كالروايات أدناه :

١ ـ نقرأ في حديث عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «كُلُّ رَايَةٍ تُرفعُ قَبلَ قيامِ القائمِ فَصاحِبُها طاغوتٌ يُعبدُ مِنْ دونِ اللهِ عَزَّوَجَل» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٦ ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٧ ، ح ٦.

٥٤

٢ ـ ونقرأ في حديث آخر عن «الحسين بن خالد» أنّه قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إنّ عبد الله بن بكير كان يروي حديثاً وأنا أحسب أنّه عرضه عليك ، فقال : ما ذلك الحديث؟ قلت : قال ابن بكير : حدثني عبيد بن زرارة قال : كنت عند أبي عبدالله عليه‌السلام أيّام خروج محمد بن عبدالله بن الحسن (١) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له : جعلت فداك إنّ محمد بن عبدالله قد خرج فما تقول في الخروج معه؟ فقال : «اسكنوا ما سكنت السماء والأرض» ، فقال عبد الله بن بكير : فإن كان الأمر هكذا ولم يكن خروج ما سكنت السماء والأرض فما من قائم وما من خروج ، فقال أبوالحسن عليه‌السلام : «صدق أبوعبدالله عليه‌السلام وليس الأمر على ما تأوله ابن بكير ، إنّما عنى أبوعبدالله عليه‌السلام اسكنوا ما سكنت السماء من النداء» (النداء الخاص الذي يأتي من السماء قبل قيام القائم عليه‌السلام) ، والأرض من الخسف بالجيش (أي السفياني الّذي يحكم قبيل ظهور المهدي عليه‌السلام) (٢).

ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أنّه لا ينبغي الثّورة قبل قيام المهدي عليه‌السلام.

٣ ـ وفي حديث آخر عن سُدَيْر من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّ الإمام عليه‌السلام قال له : «الزَمْ بَيتكَ وَكُنْ حَلَسَاً مِن أحْلاسِهِ ، وَاسْكُنْ ما سَكَنَ الليلُ والنَّهار ، فاذا بَلغك أنْ السُفياني قَد خَرَجَ فارحَل إلينا وَلوَ عَلى رِجلِك» (٣).

«السفياني» : أحد الجلادين والحكام الظالمين ويظهر قبل قيام المهدي عليه‌السلام ، ويرسل الجيوش إلى مناطق مختلفة ، من جملتها الجيش الذي يبعثه إلى المدينة المنوّرة فيصل إلى الصحراء القريبة من المدينة ، فتحدّث زلزلة هناك وتنشق الأرض لتبتلعه وجيشه!.

وهناك روايات كثيرة اخرى بنفس هذا المضمون ، وهو عدم جواز القيام ما لم تظهر علامات ظهور المهدي عليه‌السلام ، كرواية «عمرو بن حنظلة» عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، ورواية المعلى بن خنيس عنه عليه‌السلام ، ورواية جابر عن الإمام الباقر عليه‌السلام (٤) ، و....

__________________

(١) محمد بن عبدالله بن الحسن ، حفيد الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ثار أيام المنصور العباسي ، وبايعه جمع غفير ، استولى على مكة والمدينة واليمن ، لكن المنصور أرسل إليه جيشاً جراراً تغلب عليه ونال بدوره الشهادة ، وهو معروف بالنفس الزكية ، كانت شهادته في رمضان سنة ١٤٥ للهجرة (تتمة المنتهى ، ص ١٣٥ فما بعدها).

(٢) وسائل الشيعة ، ص ٣٦ ، ح ٣.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٦ ، ح ٣.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٣٥ و ٤١.

٥٥

نقد وتحليل :

حول هذه الروايات نلفت نظركم إلى عدّة نقاط لابدّ منها :

١ ـ توجد لدينا في الشريعة الإسلامية مجموعة اصول بديهية لا يجوز تخطيها ، من جملتها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الذي لا سبيل للشك بوجوبه أبداً ومن حيث بداهته وكونه من الاصول المسلَّم بها ، وما أكثر الآيات والروايات التي أكدت عليه.

لنفرض أننا نعيش في محيط قد ضاعت فيه الأحكام الإلهيّة ، وعمّ التجاهر بالمنكرات ، واودع المعروف في زاوية النسيان ، وأحاط الظلم والفساد في كل مكان ، وكان باستطاعتنا تغيير الوضع الفاسد بثورة قوية ضد النظام الحاكم ونشر المعروف بدل كل تلك المنكرات على نطاق واسع ، فهل يدّعي أحد حُرمة هذا العمل في مثل هذه الظروف ، وأنّه ينبغي التفرج على هذه الأوضاع الفاسدة التي تصادر فيها الأحكام الإلهيّة ، ويخرج بواسطتها الشباب المسلم عن الدين؟!

قد يدّعي المتذرعون عدم حدوث مثل هذا الأمر ، لنفترض أنّه يمكن حدوثه ، إذ ليس هذا الفرض محالاً عقلياً ، فهل يقولون ثانية بضرورة الامتناع عن كل تحرك والتسليم أمام الإنتشار السريع للفساد والظلم ومصادرة الأحكام الإسلامية؟!

لا أظن أنّ عالماً ومحققاً يتفوه بمثل هذا الكلام!

من الشواهد على هذا الكلام محمد بن عبدالله من أحفاد الإمام المجتبى عليه‌السلام المعروف بـ «النفس الزكية» ، حيث نقرأ عنه : «حينما بايعه عدد من الوجهاء باعتباره المهدي عليه‌السلام ، وبلغ الإمام الصادق عليه‌السلام ذلك الخبر بل وحتى طلبوا منه عليه‌السلام أن يبايعه! قال عليه‌السلام : دعوا هذا الأمر ، فإنّه لم يحن الوقت بعد (وسيكون ظهور المهدي في المستقبل) ، فلو أنّك (عبدالله أبو محمد) تعتبر ابنك هو المهدي الموعود ، وأنّه ليس بالمهدي ، ولم يحن وقت ذلك بعد ، ولو أردت اجباره على الخروج في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فوالله لن ندعه لوحده ، وسنبايعه!».

٥٦

فغضب عبدالله وأجاب بجواب غير مناسب (١).

خلاصة القول : هي أنّه لو فرضنا أنّ هذه الروايات تصرح بأنّ كل ثورة قبل قيام المهدي عليه‌السلام على ضلال ، لكننا لا نتمكن أبداً لاجل خبر واحد أو عدّة أخبار هي في حكم خبر الواحد ، من تجاهل الاصول المسلّمة للإسلام والتي جاءت في القرآن الكريم وأحاديث الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، وعلى هذا ، فمتى ما توفرت مقدمات تشكيل الحكومة الإسلامية وأمكن محو الظلم والفساد والاعتداء و... فلا ينبغي التشكيك في ضرورة القيام بذلك. إذ لا يمكن تناسي أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الحدود وإقامة القسط والعدل بحجة ورود النهي عن هذا العمل في عدّة أخبار مشكوكة!

٢ ـ لدينا في قبال هذه الروايات روايات اخرى عن أهل البيت عليهم‌السلام تحكي عن أنّ الأئمّة عليهم‌السلام قد أثنوا على بعض الثورات التي حدثت في زمانهم ، مع أنّ هذه الثورات لم تبلغ غايتها ، فكيف يعقل منع هذه الثورات مع ثنائهم عليهم‌السلام عليها؟!

ومن جملة ذلك ما جاء في الروايات حول قيام «زيد بن علي» باعتبارها ثورة مقدّسة : يقول المرحوم الشهيد في القواعد في بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : «كان خروجه بإذن الإمام عليه‌السلام» ويقول الشيخ المفيد في الإرشاد : «كان زيد أفضل أبناء الإمام السجاد عليه‌السلام بعد الإمام الباقر عليه‌السلام ، وكان عالماً عابداً تقياً سخياً شجاعاً ، قام بالسيف ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويأخذ بثأر شهداء كربلاء» (٢).

يذكر المرحوم العلّامة المامقاني روايات كثيرة في فضل ومدح زيد بن علي ، وقسماً من هذه الروايات وردت في ذمه ، حيث يقوم بمناقشتها ولا يراها تستحق الذكر أمام روايات المدح تلك (٣).

يقول المرحوم العلّامة المجلسي بعد ذكره لاختلاف الروايات حول «زيد» وثورته : «الأخبار التي تدل على مكانته الرفيعة ومدحه والثناء عليه وأنّه لم يدع لغير الحق هي

__________________

(١) إرشاد المفيد ، ج ٢ ، ص ١٨٥ (الباب ١٣ في حالات الإمام الصادق عليه‌السلام).

(٢) تنقيح المقال (رجال المامقاني) ، حالات زيد.

(٣) المصدر السابق.

٥٧

الأكثر ، وقد أقر جُل الأصحاب بعظمة مكانة زيد» (١).

فحينما تكون كل ثورة قبل المهدي عليه‌السلام ثورة ضلال وشرك ، فكيف يمكن الثناء على ثورة زيد بن على عليه‌السلام ، وتمجيدها؟!

والنموذج الآخر هو الروايات التي جاءت في مدح الحسين بن علي شهيد فخ.

وكان الحسين بن علي هذا من أحفاد الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، ثار في أيّام الخليفة العباسي (موسى الهادى) سنة ١٦٩ ه‍ ، توجه من المدينة إلى مكة للحج في ذلك العام ، وحينما وصل مع أنصاره أرض «فخ» قريباً من مكة ، حدثت معركة ضارية بينه وبين أنصاره من جهة ، وبين عمال وجنود الخليفة العباسي من جهة اخرى ، فاستشهد الحسين بن علي مع جماعة من أنصاره في هذه المعركة ، وهو الذي عدّه دعبل الخزاعي في أبياته المعروفة «مدارس آيات» باعتباره شهيداً من شهداء أهل البيت عليه‌السلام ، ولم يعترض الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام على قوله :

قُبورٌ بكوفان وأُخرى بِطيبةٍ

واخرى بِفَخِّ نالها صَلَواتي

ونقرأ في حديث عن الإمام التاسع ، (الإمام الجواد عليه‌السلام) : بينما كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يجتاز أرض فخ إذ نزل وصلى ، وبينما هو في الركعة الثانية أخذته العبرة ، فبكى بكاءً أبكى من معه ، وحينما انتهت الصلاة ، سألوه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن سبب بكائه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد جاءني جبرائيل وقال لي : «أي محمد! إنّ رَجلاً مِن ولِدك يُقتل في هذا المكان ، أجر الشهيد معه ، أجر شهيدين» (٢).

بل جاء في حديث عن الإمام الجواد عليه‌السلام أنّه قال : «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» (٣).

كما جاء في رواية عن الحسين بن علي (شهيد فخ) نفسه أنّه قال : «ما خرجنا حتى شاورنا موسى بن جعفر فأمرنا بالخروج» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٤ ص ٢٠٥.

(٢) تنقيح المقال ، ج ١ ص ٣٣٧ (حالات الحسين بن علي شهيد فخ) ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٨ ، ص ١٧.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٥٨

يقول المرحوم العلّامة المامقاني في خاتمة ما يتعلق بشرح أحواله : «يتضح ممّا قلنا أنّه كان من الثقات ، لأنّ الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قد أمضى ذلك في أحد الأخبار ، وجاء في الحديث : «أجر الشهيد معه ، أجر شهيدين» ، وقد بكى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه ، وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «ستدخل روحه الجنّة قبل جسده».

ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع راجع كتاب تنقيح المقال الذي تقدم (ج ١ ص ٣٣٧ وبحار الأنوار ، ج ٤٨ ، ص ١٦٠ فما بعدها).

* * *

مضافاً إلى ما تقدم ، فقد جاء في الروايات أنّ أقواماً سيثورون قبل قيام المهدي عليه‌السلام ، ويمهدون لظهوره عليه‌السلام ، وقد ورد مدحهم في الأحاديث الشريفة ، فلو كانت ثورتهم باطلة داعية إلى الطاغوت ، لما كان لهذه الروايات مفهومٌ صحيحٌ.

ونكتفي هنا بروايتين عن طريقي الشيعة والسنّة ، مع أنّ الروايات أكثر من هذا بكثير.

نقرأ في حديث عن الإمام أبي الحسن الأول (الإمام الكاظم عليه‌السلام) أنّه قال : «َجلٌ مِن قُم يدعو النّاسَ إلى الحقّ يجتمع معه قَومٌ كزبُرِ الحَديدِ لا تَزِلُّهُم الرياحُ العواصِفُ ولا يَملّونَ مِن الحَربِ وَلا يجَبنون وعلى اللهِ يتَوكِّلُون والعاقبة للمتقين» (٢).

وقد تمّ التصريح في قسم من الروايات التي تشير إلى مثل هذه الثورات بأنّها ممهدة لظهور المهدي عليه‌السلام. وعلى أيّة حال ، فهي حاكية عن أنّ ثورات مشروعة ستحدث قبل قيام المهدي عليه‌السلام ، ثورات دامية داعية إلى الحق مع ضمان النصر.

ونقرأ في حديث في سنن ابن ماجة وهو من المصادر السنية المعروفة :

حضر جمع من شباب بني هاشم بين يدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحينما وقع نظره المبارك عليهم أخذته العبرة وتغير لونه ، فسئل عن ذلك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّا أهلُ بَيتٍ اختارَ اللهُ لَنا الآخرةَ عَلى الدّنيا ، إنّ أَهل بيتي سَيَلقونَ بَعدِي بلاءً وتَشْريداً

__________________

(١) سفينة البحار ، لفظة (قم).

٥٩

وَتَطْريداً حتى يأتي قَومٌ مِن قِبلِ المَشرقِ معهم رايات سود فَيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون فيُعطون ما سألوا فلا يَقبلونَهُ حتّى يَدفَعوها إلى رَجُل مِن أهلِ بِيتي فَيملأها قِسطاً كما ملأوها جَوْراً ، فمن أدركَ ذلكَ مِنْكُم فليأتهم وَلَو حَبواً على الثَلْج» (١).

يستفاد من ذيل هذه الرواية بكل وضوح أنّ هذه الثورة ستحدث قبيل ثورة المهدي عليه‌السلام ، وأنّها الممهدة له عليه‌السلام فضلاً عن مشروعيتها.

* * *

ويظهر بجلاء من كل ما قيل في هذا الفصل أنّ ثورات ستحدث قبل ظهور المهدي (عج) فيها صبغة إلهيّة ، بعضها يؤتي أُكله وبعضها ينتهي بالفشل ، وليس أن كل راية ترفع قبل المهدي (عج) راية ضلال وطاغوت حتّى لو كانت بإذن أهل البيت عليه‌السلام وعلى خطاهم ، (تأمل جيداً).

٣ ـ والحاصل أنّ الروايات التي تقول : «كل راية ترفع قبل قيام المهدي عليه‌السلام راية ضلال وصاحبها طاغوت ...» ، يجب تفسيرها بشكل بحيث تتلاءم مع المسلّمات الفقهية وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «محاربة الفساد» ، وكذلك مع الثورات العديدة التي حدثت في زمان المعصومين عليهم‌السلام وأمضوها بدورهم عليهم‌السلام. ولدينا لتفسير هذه الروايات عدّة سبل :

١ ـ المراد بها ، تلك الثورات المنحرفة ، الثورات التي تقع بدون إذن واجازة المعصومين عليهم‌السلام ، أو الحكّام الشرعيين أو نواب الإمام المهدي (عج) في عصر الغيبة.

٢ ـ المراد منها ، الثورات التي تحدث بقصد الدعوة لأنفسهم لا لأهداف آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث تمّت الإشارة إلى ذلك في الروايات أكثر من مرّة.

٣ ـ المراد بها ، الثورات التي تظهر في فترات معينة بدون استعداد لها ، وأنّ الأئمّة عليه‌السلام إنّما تلفظوا بتلك الجمل ونهوا عن ذلك للحد من الثورات التي لم تنضج بعد.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ص ١٣٦٦ ، ح ٤٨٢.

٦٠