نفحات القرآن - ج ١٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-004-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٤٧

نسخة من «تاريخ الطبري» وقيل أن عدد الكتب في تلك المكتبة بلغ ٠٠٠ / ٦٠٠ / ١ كتاب منها ٦٥٠٠ نسخة في النّجوم والهندسة والفلسفة (١).

يقول «ول ديورانت» في كتابه «تاريخ الحضارة» : كانت مكتبات الخلفاء الفاطميين تضم مئات الكتب المزينة بالنقوش من جملتها (٢٤٠٠) نسخة من القرآن ، وكان في «مكتبة الخليفة» في القاهرة ٠٠٠ / ١٠٠ كتاب في عهد الخليفة «الحاكم بأمر الله» و ٠٠٠ / ٢٠٠ كتاب في عهد الخليفة «المستنصر» (٢).

ومتى ما قارنا بين هذه الأعداد وبين أعداد الكتب في المكتبات اليوم في كثير من البلدان ، نلاحظ تفاوتاً واضحاً بينها ، مع أنّ أمر طبع ونشر الكتب اليوم أسهل بكثير من ذلك الوقت خصوصاً مع تطور وسائل الطّباعة الكبير ، حيث لم يكن في السّابق إلّاالكتب المخطوطة ، وهذا التفاوت في الأعداد والأرقام مسألة مهمّة لابدّ من دراستها ، ونختم هذا الحديث بعبارة أخرى للمؤرخ الشّهير «ول ديورانت» حيث يقول : كانت أغلب المساجد تشتمل على مكتبة ، وكان في أكثر المدن أيضاً توجد مكتبة عامة تحتوي على عدد كبير من الكتب ، تفتح أبوابها لطلّاب العلم ... وكان فهرست مكتبة «الريّ» فقط عشرة مجلدات ، وكان روّاد مكتبة «البصرة» يحصلون على مخصصات وإعانات مالية!

وكان «ياقوت الحموي» الجغرافي الشهير قد قضى ثلاث سنوات في مكتبة «مرو» و «خوارزم» لجمع المعلومات لكتابه «معجم البلدان» ، وعندما خرَّب المغول «بغداد» كان في بغداد ستة وثلاثون مكتبة عامة ، غير المكتبات الخاصة العديدة ، إذ كان المتعارف أن يكون لكل من الأغنياء مكتبة تضم عدداً من الكتب!

ولقد دعى «أمير بخارى» طبيباً معروفاً إلى بلاطه ، فلم يستجب الطبيب لدعوته واعتذر بأنّه يحتاج إلى أربعمائة بعير! لحمل كتبه ، وعندما توفي «الواقدي» ترك ستمائة صندوق مملوءة بالكتب ، يلزم لحمل كل منها رجلين.

__________________

(١) تاريخ الحضارة «ول ديورانت» ، ج ٣ ، ص ٢٣١.

(٢) المصدر السابق ، ج ٤ ، ص ٣٦٧.

٢٦١

وكان لبعض الأعاظم مثل «الصاحب بن عبّاد» كتبٌ بعدد كتب كل مكتبات أوربا! ولم يكن في أي بلد من بلدان العالم ـ إلّاالصين أيّام «مينك هوانك» ـ شوق وشغف بجمع الكتب نظير ما كان عند المسلمين في الفترة ما بين القرن الثامن وحتى القرن الحادي عشر الميلادي (الثاني ـ الخامس الهجري) وقد وصلت الحياة الثّقافيّة للمسلمين إلى أوجها في تلك الفترة (١).

لقد كانت الدوّل الإسلاميّة مهداً للعلم والحضارة والثقافة في القرون الوسطى وفي أكثر القرون حيث كان الأوربيون يعيشون في أحلك فترات تاريخهم المظلم.

* * *

ولكي لا نبتعد عن صلب الموضوع ، نقول : إنّ الهدف هو أن يتضح مدى تأثير تعاليم الإسلام في تطور التّربية والتّعليم وتأسيس المكتبات وانتشار العلم والمعرفة ، ومن هنا تتضح لنا خطورة مسؤولية الحكومة الإسلاميّة في هذا الأمر المهم.

* * *

__________________

(١) قصّة الحضارة ، ول ديورانت ، ج ٤ ، ص ٣٠٤.

٢٦٢

الركن الخامس : الدفاع (القوات المسلحة)

تمهيد :

لو كانت الدنيا خالية من الظّلمة الطّامعين والمعتدين والمتجاوزين ، لما كان هناك أيّة ضرورة لوجود القوات المسلحة لحفظ الحدود ، ولعاش النّاس في بلادهم آمنين مطمئنين تربطهم روابط تجارية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية سالمة وطبيعيّة.

ولكن حب الإستعلاء والتّسلط الذي قد يوجد أحياناً عند بعض الأفراد ، وأحياناً عند بعض الشعوب ، يؤدّي غالباً إلى اعتداء هذا الفرد أو ذلك الشعب على فرد آخر أو شعب آخر ، وفي مثل هذه الحالات يحق للجميع أن يتسلحوا ويستعدّوا لحفظ أمنهم وحياتهم ، إذ إنّ النّظام الذي يحكم العالم اليوم وللأسف هو «نظام الغلبة للقوي» وهذا الأمر يبرر لنا فلسفة تشكيل القوى المسلحة وقوات الدفاع.

فصحيح أنّ وجود مثل هذه القوى لم ينجح بشكل كامل لمنع مثل هذه الإعتداءات العدوانيّة ، ولكنّها بلا شك كانت ولا تزال مانعة بنسبة معينة من ذلك ، إذ في كثير من الأحيان يتحتم على القوى المعتدية أن تغامر وتخاطر بوجودها في اعتدائها ، حيث إنّ النتيجة لا تكون معلومة ، فقد تتحمل خسائر جسيمة وتدفع ضريبة غالية في طريق الغلبة على البلد المعتدى عليه وهذا نفسه يمنع في كثير من الأحيان مثل هذه الإعتداءات والحروب.

ومضافاً إلى ذلك ، فإنّ الأُمّة ذات الحضارة والثقافة والتي تريد الحصول على ميدان حرٍّ لتنشر ثقافتها بين الأمم الاخرى تحتاج إلى قوة عسكرية للحصول على ذلك الجو الحرِّ ، ولا يمكنها ذلك بدون الإتكاء على القوة ، وهذه فلسفة اخرى لتشكيل القوى العسكرية.

ولو أردنا بحث هذه المسألة في بعد أوسع ، لابدّ أن نقول إنّ الحياة غير ممكنة بلا

٢٦٣

«جهاد» ، إذ إنّ الكائن الحي يواجه دائماً في طريق استمرار حياته ، بعض الموانع والصعوبات التي تهدد كيانه في كل لحظة ، وإذا لم يكن مجهزاً بقوة دفاعية فسوف ينهزم بسرعة.

وجسم الإنسان وهو «عالَمٌ صغير» يتجلى فيه العالم الأكبر ، هذا الجسم نموذج بارز لهذه المسألة ، وذلك لأنّ حياة الإنسان مهددة دائماً بخطر التلوث «بالميكروبات» و «والفايروسات» التي ترد البدن عن أربعة طرق (التّنفس ، الأكل ، الشّرب ، والجلد إذا ما أصيب البدن بجراحات) ، فلو لم يكن بدن الإنسان مزوداً بالقوى الدفاعية المجهّزة ، لابتلي بأنواع الأمراض الخطيرة التي تشلُّ حركته وتقتله.

نعم ، فكريات الدّم البيضاء تهب لمواجهة أي عدو خارجي يرد البدن ، وتجاهده عن طريق حروب فيزيائية وكيميائية ، وحتى لو انتصر العدو مؤقتاً ومرض الإنسان ، تستمر تلك الكريات بدفاعها حتى تتغلب على العدو وتؤمّن السلامة الكاملة للبدن.

وعدد هذه الخلايا الدفاعية الموجودة في بدن الإنسان يصل إلى عدّة ملايين كما يقول العلماء ، وعند ملاحظة عمل هذه القوى يحتار عقل الإنسان حيث تحكي عن نكات عجيبة من أسرار الخلقة تجعل الإنسان يضطر للركوع أمام قدرة الخالق عزوجل.

والمجتمع الإنساني والدّول المختلفة غير مستثناة عن هذا القانون العام ، وتحتاج إلى إدامة حياتها واستمرارها لقوى عسكرية مجهّزة ومتطورة.

وبعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم.

ففي القرآن الكريم آيات عديدة في مجال الجهاد وفلسفته وأحكامه ، وكذلك آثاره ونتائجه ، وقد إنتقينا إحدى عشرة آية من بين تلك الآيات :

١ ـ (اذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِانَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ اخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ). (الحج / ٣٩ ـ ٤٠)

٢ ـ (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَإِنَّ اللهِ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ). (الأنفال / ٣٩)

٢٦٤

٣ ـ (وَاعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ). (الأنفال / ٦٠)

٤ ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِىِ سَبيلِهِ صَفّاً كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ). (الصف / ٤)

٥ ـ (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤمِنينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائتَيْنِ وَإِنْ يَكُن مِّنْكُمْ مِّائَةٌ يَغْلِبُوا ألْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَفْقَهُونَ). (الأنفال / ٦٥)

٦ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِّنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ* وَاخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِينَ). (الصف / ١٠ ـ ١٣)

٧ ـ (إِنَّ اللهَ إشْتَرَى مِنَ الْمُؤمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقَاً فِى التَّوراةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (التوبة / ١١١)

٨ ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (آل عمران / ٢٠٠)

٩ ـ (يَا أَيُّهَا النَّبىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). (التوبة / ٧٣) (التحريم / ٩)

١٠ ـ (لَّايَستَوِى الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنيِنَ غَيْرُ اوْلِى الضَّرَرِ وَالُمجاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِامْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الُمجاهِدينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الُمجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً). (النساء / ٩٥)

* * *

٢٦٥

جمع الآيات وتفسيرها

روح الجهاد ، دفاعٌ لاغزو :

في الآية الأولى من الآيات الآنفة الذكر ، والتي يعتقد جمعٌ من المفسرين أنّها أول آية في الجهاد ، تزيح الستار عن أهم فلسفة للجهاد ، وتجيز للمسلمين الذين حوصروا من قبل الأعداء الشرسين الجائرين ، أن يحاربوا هؤلاء عسكرياً ويجاهدوهم ، يقول تعالى.

(اذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِانَّهُمْ ظُلِمُوا وَإَنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقِديرٌ).

فهنا حصل المسلمون على إذن بالجهاد ، مضافاً إلى أنّهم وُعدوا بالنصر من قبل الله تعالى ، وقد ذكر لذلك دليل ، وهو أنّ العدو هو الذي بدأ الحرب العدوانية عليهم ، ولذا فالسكوت عنه خطأ ، لأنّه يؤدّي إلى تجرؤ العدو وتجاسره وإلى ضعف المسلمين.

يقول المرحوم الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : وكان المشركون يؤذون المسلمين ولا يزال يجيء مشجوج ومضروب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول لهم صلوات الله عليه وآله : إصبروا فإنّي لم أؤمر بالقتال ، حتى هاجر فأنزل الله عليه هذه الآية بالمدينة وهي أول آية نزلت في القتال» (١).

والملفت للنظر هو أنّ القرآن المجيد يقول في الآية السّابقة لهذه الآية : (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي أنّ هذا الكلام لا يعني أن يجلس هؤلاء في زاوية من زوايا المسجد ويضعون يداً على يدٍ وينتظرون دفاع الله ، بل إنّ سنة الله اقتضت أن يكون دفاعه عن المؤمنين بعد أداء وظيفتهم في أمر الجهاد ومواجهة العدو ، إذن ، فالذين يحقّ لهم الإطمئنان للحماية الإلهيّة هم الذين لم يتركوا وظيفة الجهاد.

كما أن النكتة الاخرى التي ينبغي الإلتفات إليها هي أنّ الآية اللاحقة تقول في تحفيز المؤمنين على الدفاع المقدس : (الَّذينَ اخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ). (الحج / ٤٠)

__________________

(١) ومن جملة من صرّح بأن هذه الآية هي أوّل آية نزلت في الجهاد ـ مضافاً إلى ما جاء أعلاه ـ المرحوم العلّامة الطّباطبائي في الميزان» و «البرسوئي) في (روح البيان) والعلّامة المشهدي في (كنز الدقائق) و «الآلوسي» ، في روح المعاني ، وإن ادّعى البعض أن الآية الأولى في الجهاد هي قوله تعالى : (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ...) (البقرة / ١٩) وقال البعض إنّها قوله تعالى : (إن الله اشترى من المؤمنين ..) (التوبة / ١١١).

٢٦٦

أي أنّ المشركين أخرجوكم من وطنكم ومنازلكم لا لذنب إلّالإيمانكم بالله ، ولذا إذا لم تقفوا في وجوههم وتقاتلون تعرضت دنياكم ودينكم وإيمانكم ومساجدكم للخطر.

وبما أنّ الأمر بالجهاد صدر بعد الهجرة ، فيدل على أنّ أصل الجهاد في الإسلام هو الدفاع ضد الأعداء ، لأنّ المسلمين لم يحملوا السلاح طيلة السّنوات الثّلاث عشرة على الرّغم من كل أساليب الإيذاء والضرب والجرح ، لعل المشركين يعودون إلى الرّشد ، ولما لم تنفع الأساليب السّلمية مع المشركين وكانت نتيجة الصبر والتّحمل هو الهجرة العامة والضّغوط الاجتماعية والاقتصادية حتى بعد الهجرة ، لم يكن هناك أي مبرر عقلي لجلوس المسلمين مكتوفي الأيدي ناظرين قساوة الأعداء واضطهادهم واعتداءاتهم!؟

* * *

وفي الآية الثّانية إشارة إلى فلسفة أُخرى للجهاد ، وهي كالفلسفة المذكورة في الآية السّابقة يمكن أن توجد في كل زمان ومكان ، يقول تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

والظّريف أنّ القرآن الكريم يشير في ذيل هذه الآية بصراحة ويقول :

(فَإِنِ انْتَهَوا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وذهب جمع من المفسرين إلى أنّ المراد من «الفتنة» هو «الشرك» ، وبعض قال إنّ المراد منها الضّغوط التي استعملها المشركون لإرجاع المؤمنين إلى الشرك وردّهم عن إيمانهم.

وفي تفسير الميزان ـ واعتماداً على جذور هذا المصطلح الأصلية ـ فسَّر الفتنة بمعنى الأمور التي يُمتَحن النّاس بها ، وبالطّبع فإنّ تلك الأمور تكون ثقيلة على النّاس وتستعمل عادة بمعنى زوال الأمن والصلح.

وقد ذكرنا في التفسير الأمثل ، في ذيل الآية ١٩٣ من سورة البقرة خمسة معانٍ لهذا المصطلح استناداً إلى آيات القرآن وهي :

١ ـ الإمتحان.

٢٦٧

٢ ـ المكر.

٣ ـ البلاء والعذاب.

٤ ـ الشّرك وعبادة الأوثان.

٥ ـ الإضلال والإغواء.

وقد اشير في بعض كتب اللغة كلسان العرب إلى أغلب هذه المعاني أيضاً ، ومن البديهي أنّ الفتنة في الآية مورد البحث لا يمكن أنْ تكون بمعنى الإمتحان أو المكر والبلاء ، وعليه فهي بمعنى الشّرك أو ضغوط المشركين لإضلال الآخرين ، ويمكن أن تكون بمعنى جامع شامل للشّرك وضغوط المشركين والعذاب والبلاء ، وعليه فما دامت الضغوط مستمرة من قبل الكفّار لتغيير عقيدة المؤمنين ، يكون القتال في مواجهة ذلك مأذوناً فيه ، ويجوز الجهاد للحصول على الحريّة والحدِّ من الضّغوط والتّعذيب ، ولكن متى ما رفع الكفّار أيديهم عن ممارسة ذلك ، ينبغي الكف عن قتالهم ، وعليه فالجهاد هنا نوع من أنواع الدّفاع.

* * *

وفي الآية الثالثة ورد أمرٌ للمسلمين لإعداد كلّ لون من ألوان القوّة لقتال الأعداء ، يقول عزوجل : (وَاعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ) ثُمّ يشير إلى مصداق واضحٍ لذلك كان يعدُّ حينذاك من وسائل القتال المهمّة ، يقول عزوجل : (وَمِنْ رِّبَاطِ الخَيْلِ).

وفي العبارة اللاحقة يشير تعالى إلى الهدف النّهائي لهذا الإعداد ويقول : (تُرهِبُونَ بهِ عَدُّوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم).

وعليه فالهدف من الإعداد وتهيئة القوى ليس غزو الآخرين والهجوم على أحد ، وإنّما الهدف هو إخافة الأعداء ، ذلك التخويف الذي يكون رادعاً من نشوب الحرب والقتال.

وفي الحقيقة ، فإنّ تقوية البنية الدّفاعيّة ، كان دائماً عاملاً مؤثراً في الحدِّ من هجوم الأعداء ، وهذا هدف مقدّس جدّاً ومطابق للعقل والمنطق.

ولابدّ من الإلتفات إلى هذه النّكتة وهي أنّ مفهوم الآية الكريمة أوسع بكثير ، ويشمل كلّ

٢٦٨

نوع من أنواع إعداد القوى المعنويّة والماديّة والعسكريّة والاقتصاديّة والثّقافيّة ، وخصوصاً وأنّها تؤكد على القوى المتناسبة مع كل زمان ، ويدل ذلك على أنّ المسلمين يجب أن لا يتوانوا ، بل عليهم أن يسعوا جاهدين لتوفير أحدث الأسلحة المعقدة في زمنهم ، بل ويسبقوا الآخرين في ذلك ، ولكن يبقى الهدف الأصلي لهذا الإعداد والاستعداد ليس غزو الآخرين والإعتداء عليهم ، بل هو إطفاء نار الفتنة والحدّ من الإعتداء ، وبعبارة اخرى خنق هجوم الأعداء في مرحلة النّطفة.

ولما كان إعداد المعدات العسكريّة المتطورة والحديثة في قبال الأعداء يحتاج إلى أموال طائلة ، وهذا الأمر لا يمكن بدون اشتراك جميع أفراد المجتمع ، تعقّب الآية الكريمة بهذا المعنى بالقول : (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَىءٍ فِى سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِليكُم وَأَنْتُم لَا تُظْلَمُونَ). (الانفال / ٦٠)

والنّكتة المهمّة هنا هي أنّ الآية اللاحقة لهذه الآية : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ). (الأنفال / ٦١)

فذكر هذه الآية بعد تلك له معنى دقيق وعميق ، وهو تأكيدٌ آخر على روح حب الصّلح والسّلام في الإسلام ، أي أنّ أمر المسلمين بإعداد أفضل أنواع الأسلحة والقوى إنّما هو من أجل تحكيم اسس السّلام والصّلح لا الإعتداء على أحد.

* * *

والآية الرّابعة وفي ضمن التّرغيب في الجهاد ، تقّيد الجهاد أوّلاً بالأهداف المقدّسة ، ثُمّ تؤكد على توحيد صفوف المسلمين ، وهي من أهم عوامل الإنتصار في الحرب مع الأعداء ، يقول عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِى سَبيلِهِ صَفّاً كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) وعبارة «في سبيله» الواردة في كثير من آيات الجهاد تكشف لنا هذه الحقيقة وهي أنّ الجهاد يجب أن لا يكون من أجل حبّ التسلَّط والإستعمار والإستعلاء وغصب حقوق الآخرين وأراضيهم أو الإنتقام منهم أو اتباعاً للهوى والرّغبات ، بل لابدّ أنْ يكون الهدف هو الحقّ والعدالة وما يوجب رضا الله تعالى فقط ، وتكرار هذا التّعبير في آيات عديدة من القرآن إنّما

٢٦٩

هو للحدِّ من وقوع الحروب التي يكون الهدف منها وساوس ورغبات شيطانيّة وماديّة ، وهذا الأمر هو الفارق الأساسي بين القوى المسلحة الإسلاميّة وبين غيرها! (التفتوا جيداً).

ثُمّ أنّ التّعبير بجملة بنيان مرصوص (وهو البناء الذي استُعمل فيه الرّصاص الذّائب بدلاً من الإسمنت ، لكي يكون صلداً وقوياً) ويمكن أنْ يكون إشارة إلى أنّ أعداء الإسلام كالسّيل الجارف المخرب ، وأنّ صفوف المجاهدين المسلمين كالسدِّ الحديدّي المنيع الذي يصمد أمام السُّيول. أو هو إشارة إلى السّدِّ الحديدي الذي بناهُ ذو القرنين لمقابلة قوم «يأجوج ومأجوج» السّفاكين للدّماء ، أو كناية عن كلِّ سدٍّ يقام في وجه الأعداء وهجومهم.

وعلى أيّة حال ، فإنّ هذا التّعبير يدلّ على أنّ الجهاد في الإسلام له صفة دفاعيّة في الأصل ، لأنّ السّدود وسيلة دفاعيّة مؤثرة في قبال أمثال «يأجوج ومأجوج» على مرِّ التّاريخ ، ولا يوجد سدٌّ لهُ ميزة الغزو والهجوم والإعتداء.

وكما أنّ السُّدود إذا أصابها خَللٌ أو ثغرة فإنّها ستكون معرضة للخطر والتّلاشي ، فكذلك صفوف المجاهدين الرّساليين فمتى ما برز فيها اختلاف وفرقة وعدم انسجام ، فستكون محكومة بالإندحار والفشل ، فالله عزوجل يحب الصّفوف المتراصفة المتحدة المتفقة والمنسجمة تماماً.

* * *

وفي الآية الخامسة ، يأمر نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحفز المسلمين على قتال الأعداء ، وهذا الأمر وارد بعد تلك الآيات التي تحرض على إعداد القوى لإخافة العدو والحدِّ من وقوع الحروب المدمرّة ، وكذلك بعد الآية التي تحرضهم على الصّلح والسّلم.

وفي الحقيقة ، الحرب في نظر الإسلام آخر وسيلة مشروعة تستعمل للحدِّ من اعتداءات الأجانب الأعداء ، ففي البدء تعدُّ القوى لترهب الأعداء ، ثُمّ دعوتهم إلى السّلم من موضع القدرة لا من موضع الضّعف ، ثُمّ يصدر أمر القتال والجهاد إذا لم تنفع تلك السّبل ، يقول عزوجل : (يَا أَيُّهَا النَّبىُّ حَرِّضِ الْمُؤمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) ، ثُمّ يشير إلى أهم عوامل النصر يعني

٢٧٠

الإستقامة والصّمود ، ويقول : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُن مِّنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَايَفْقَهُونَ).

فغباء هؤلاء وجهلهم يكون من جهةٍ سبباً في مخالفتهم للمنطق والعقل وإصرارهم على روح العدوان فلا يفهمون إلّامنطق القوّة ، ومن جهة اخرى يكون جهلهم سبباً لضعفهم وعدم اقتدارهم في ميدان الحرب ، وذلك لأنّهم يفتقدون الهدف والمبرر الواقعي في حروبهم ، ومن هنا فإن بإمكان المؤمن الواحد أن يغلب عشرة منهم إذا ما استقام وصمد ، وبإمكان العشرين أن يغلبوا مائتين من الكفار.

يقول الراغب في مفرداته : التّحريض في الأصل بمعنى التّحريك نحو شيء بعد تزيينه وتسهيل طريق الوصول إليه عن طريق إزالة الموانع ـ وفي الحقيقة فإنّ الإيمان بالله والإعتقاد بيوم المعاد والأجر العظيم الذي أعدّهُ الله للمجاهدين والشّهداء في سبيل الله يزيل كل الموانع عن طريق جنود الإسلام ، ويهوّن عليهم هذا العمل الثقيل والصّعب جدّاً.

هذه الآية تُخطّيء كلّ حسابات الموازنة بين القوى الظّاهريّة والماديّة ، وتدل بوضوح على أنّ سلسلة من القوى المعنويّة موجودة عند المسلمين يمكنهم بالإتكاء عليها كسر شوكة جيش العدوّ المتفوّق صورياً بعدته وعدده عليهم ، وكسب المعركة لصالح المسلمين.

* * *

الآية السّادسة تحرض المؤمنين على الجهاد بطريق آخر ، بواسطة تشبيه الجهاد بالتّجارة المربحة الّتي توجب النّجاة من عذاب ألِيم ، والنصر في الدّنيا والآخرة ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجارَةٍ تُنْجِيْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَليمٍ* تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، وفي الآيات اللاحقة لهذه الآيات يَعد المؤمنين بدرجات عظيمة ، حيث يقول : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوزُ الْعَظِيمُ* وَاخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤمِنِينَ).

٢٧١

ففي هذه الآيات يعتبر رأسمال هذه التّجارة المربحة في الدّنيا والآخرة مُركَّب من الإيمان والجهاد ، أي أنَ «العقيدة» و «الجهاد» هما ركنا هذه التّجارة ، ذلك الجهاد الذي يكون بالمال والنّفس معاً ، إذ إنّ إعداد الوسائل والمعدات العسكريّة اللازمة للنّصر لا يمكن إلّا بصرف الأموال ، والملفت للنّظر هنا هو أنّه لم يذكر أن نتيجة الجهاد هي المغفرة والرّحمة الإلهيّة والنِّعم الخالدة في الجنّة فقط ، وإنّما يذكر النّصر القريب في هذه الدّنيا ويعتبره أعزّ من آثاره الاخرى. (دققواجيداً).

والتّعبير بالتّجارة ، إشارة إلى نكتة أنّ الإنسان على أيّة حال له رأسمال ، وهذه الدّنيا كالمتجر يمكن استغلال رؤوس الأموال ، فيها وتشغيلها وتبديلها إلى رؤوس أموال خالدة وباقية ، وهذا لا يتمّ إلّابالتّعامل مع الوجود المقدسّ للباري تعالى ، الوجود الذي بيده كل مفاتيح الخير والسّعادة ، والتّجارة مع هذا الوجود مقترن على الدوام مع الكرامة والمواهب وأنواع النّعم.

كما أنّ النّكتة الجديرة بالذكر هنا هي أنّ المخاطب في هذه الآيات هم المؤمنون ، مع أنّها تدعوهم في نفس الوقت إلى الإيمان! والهدف من ذلك هو أنْ يرتقي هؤلاء المؤمنون من مراحل الإيمان الابتدائية والصُورية إلى المراحل العالية المقترنة بالجهاد والأعمال الصّالحة ، وذلك لأنّ الإيمان شجرة مثمرة تبدأ من شجيرة صغيرة حتّى تصير أغصانها عالية إلى عنان السّماء ، فتثمر أنواع الفضائل ومكارم الأخلاق ، وهذا يحتاج إلى طي مراحل تكامليّة مختلفة.

* * *

وفي الآيةالسّابعة ، نجد نفس مضمون الآية السّابقة ولكن في صورة جميلة أخرى ، فهي تصور المعاملة وكأن الله هو المشتري والمؤمن هو البائع ، والمتاع هو الأموال والأنفس ، والثمن هو الجنّة الخالدة ، وأسناد هذه المعاملة العظيمة المربحة ووثائقها ، ثلاثة كتب سماوية هي التّوراة والأنجيل والقرآن ، يقول تعالى :

٢٧٢

(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقَاً فِى التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ).

وهذه التّجارة المربحة بأركانها الأربعة ووثائقها المضمونة ، من أهم التّجارات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان في طول عمره ولهذا يبارك عزوجل للمؤمنين بصورة مباشرة هذه المعاملة المربحة حيث يقول : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

نعم لقد كانت هذه الدّواعي هي السبب في وصول معنويات المقاتلين المسلمين إلى أعلى مستوياتها الممكنة ، فمع قلة عَدَدهم وعدّتهم استطاعوا أنّ يتغلبوا على عدوهم في شرق العالم وغربه.

* * *

وفي الآية الثّامنة يخاطب المؤمنين مرّةً أُخرى ويأمرهم بالصبر والمثابرة والإستعداد لصدّ هجمات الأعداء ، يقول عزوجل :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ورَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

ففي هذه الآية أربعة أوامر مهمّة تضمن عزّة المؤمنين وانتصارهم : الأوّل ، الأمر بالصّبر والصّمود أمام الأحداث المختلفة وهوى النّفس والشهوات ، فيقول : إصبروا وهو في الواقع أساس كل انتصار.

ثُمّ يأمرهم بعد ذلك بالمصابرة ، وهي من باب مفاعلة بمعنى الصّبر والإستقامة في مقابل صبر واستقامة العدو ، وبتعبير آخر فإنّ مفهومها هو إنّه مهما كانت المشاكل كثيرة وصعبة فإنّ صبركم واستقامتكم أيها المؤمنون لابدّ وأنْ يكون أكبر ، وكلما زاد العدو من هجومه ، عليكم أنْ تزيدوا من استقامتكم وصمودكم حتى تغلبوا العدو (وصابروا).

وفي الأمر الثّالث يأمرهم بالمرابطة ويقول : «ورَابِطُوا» ، وهذه الجملة مأخوذة من مادة «رباط» وهي بالأصل بمعنى ربط شيء في مكان ما (كربط الفرس في محلٍ معين) وهي

٢٧٣

كناية عن الإستعداد الذي يعتبر الصمود وحماية الثّغور من أوضح مصاديقه ، إذ إنَّ الجنود يحفظون دوابهم ووسائلهم ومعداتهم في ذلك المحل.

ولذا فإنّ بعض المفسرين فسرها بحفظ الخيل والدّواب المركوبة في الثغور فقط ، والإستعداد في مقابل العدو حتّى قالوا إنّ مفهومها الواسع يشمل الإستعداد لصناعة المعدات الحربية الحديثة ـ أعم من تلك التي يستفاد منها في حروب الجو أو الأرض أو البحر (١).

ولا شك في أنّ هذا لا يعني أنّ الآية الكريمة لا تشمل الحدود الثّقافيّة والعقائديّة ، فإنّ مفهوم (رابطوا) واسعٌ إلى درجة أنّه يشمل كلّ استعداد للدّفاع مقابل العدو ، ولذا شبّهت بعض الروايات الإسلاميّة ، العلماء بحراس الحدود حيث يقف هؤلاء صفّاً بوجه جنود إبليس ، ويحولون دون هجومهم على الأشخاص الفاقدين لقدرة الدفاع عن أنفسهم ، يقول الإمام الصّادق عليه‌السلام : «عُلَماءُ شيعتِنا مُرابطون فِي الثّغر الّذي يلي إبليسَ وعفاريتَه ويمنَعونَهُ عن الخروجِ على ضعفاءِ شِيعَتنا وعن أنْ يَسَّلطَ عليهم إبليس» (٢).

حتّى أنّه ورد في بعض الرّوايات عن الإمام عليّ عليه‌السلام تفسير جملة «رابطوا» بانتظار الصّلوات الواحدة بعد الاخرى (٣) ، وهو في الحقيقة كالإستعداد في مقابل جنود الشّيطان (تأملوا جيداً).

وفي الأمر الرّابع ، يأمرهم بالتّقوى ، إشارة إلى أنّ الصّبر والإستقامة والمرابطة لابدّ أن تكون جميعاً منسجمة ومعجونة بالتّقوى والإخلاص ، وأن تكون منزهة عن كلّ رياء وتظاهر.

* * *

وفي الآية التّاسعة ، يأمرهم عزوجل بأن يقاتلوا على جبهتين ويغلظوا في القتال ، جبهة الأعداء الدّاخليين والعناصر المخربّة الّذين تغلغلوا في صفوف المسلمين والّذين يستغلون

__________________

(١) تفسير المراغي ، ج ٤ ، ص ١٧٢.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ١ و ٢ ، ص ٥٦٢.

٢٧٤

الفرص لتضعيف الحكومة الإسلاميّة وزعزعة الأمن الداخلي ، ويأمرهم أن يقفوا أيضاً بوجه الأعداء في الخارج الّذين أشارت الآية إليهم بعنوان الكفار ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغلُظ عَلَيْهِمْ وَمَأواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

وبطبيعة الحال فإنّ الجهاد له معنى واسع ، فكما يشمل المواجهة المسلحة يشمل أيضاً المواجهة الثقافية والاجتماعية والغلظة في الكلام والكشف عن الهويات والتهديد أيضاً ، وعليه فما ورد في الرّوايات عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «إن رسولَ اللهِ لم يُقاتِل منافقاً قط» (١) لا ينافي ما جاء في هذه الآية.

ومضافاً إلى ذلك فإن ما جاء في الآية الشرّيفة يعتبر أمراً كلّياً ، فإن لم يتجاوز المنافقون الحدود المعينة لابدّ من مواجهتهم بالأساليب غير المسلحة فقط ، وأمّا إذا كانت مؤامراتهم تشكل خطراً جدّياً ، لم يكن إلّامواجهتهم بالجهاد المسلح وكسر شوكتهم ، كما حدث مراراً في زمن الإمام علي عليه‌السلام.

وبتعبير آخر ، فإنّه وإنْ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سلك طريق المداراة واللين مع المنافقين ولكن ، كما وذكر ذلك سيد قطب في تفسير الظلال فإن اللين له مواضع وللشدّة مواضع اخرى ، وإذا لم يتصرف في كل موضع بما يناسبه ، أدى الأمر إلى تضرر الشّريعة والمسلمين ، وعليه فلا مانع من المداراة في شرائط معينة ، واستعمال الشّدّة والخشونة وحتّى الجهاد المسلح في شرائط وظروف اخرى (٢).

* * *

وفي الآية العاشرة إشارة إلى مقام المجاهدين والقوى العسكريّة الإسلاميّة الشّامخ ، وأفضليتهم وامتيازهم على الآخرين ، يقول تعالى : (لَّايَستَوِى الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ غِيْرُ اوْلِى الضَّرَرِ وَالُمجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِامْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الُمجَاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣١٩.

(٢) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٥٥.

٢٧٥

وَأنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسَنى وَفَضَّل اللهُ الُمجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً).

وبهذا يقسّم القرآن المجيد المسلمين إلى مجموعتين «المجاهدين» و «القاعدين» ، ثُمّ يقسم القاعدين إلى قسمين «اولي الضّرر» و «غير اولي الضّرر» الذين يمتنعون عن الإشتراك في القتال لتخاذلهم ثم يعتبر أنّ الدرجات العظيمة والفضل الكبير والمغفرة والرّحمة الإلهيّة لا تشمل إلّاالمجاهدين.

ومن هنا يتضح تماماً أنّه ، وخلافاً لما هو المعروف اليوم في العالم من أنْ وظيفة القتال مع الأعداء مختصة بمجموعة خاصّة من النّاس.

إنّ وجوب القتال في الإسلام يكون في عهدة كلّ من يقدر على حمل السلاح وجهاد الأعداء ولهذا لم نعهد في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشكيل جيش خاص بعنوان القوات المسلحة ، وعندما تندلع الحرب كان كلّ من يقدر على حمل السلاح وباستلهام من القرآن المجيد يحمل سلاحه ويتجه نحو ميدان القتال ، وبتعبير اليوم ، فإنّ لكل فرد من المسلمين مكانه الخاص في صف التعبئة العسكريّة ، وهذا الأمر صار سبباً في تعاظم القدرة العسكريّة عند المسلمين.

* * *

توضيحان

١ ـ الجيوش المنظمة والتعبئة الجماهيريّة

من خلال آيات كثيرة اخرى واردة في أبعاد مسألة الجهاد الإسلامي المختلفة يتضح الهيكل العام للقوات المسلحة في الحكومة الإسلاميّة وخصائصها ، وتبدو امتيازاتها على سائر مناهج المجتمعات الاخرى في الأمور العسكريّة.

وبطبيعة الحال فإننا نعيش في عصر تعقدت فيه الفنون العسكريّة جدّاً ، واكتسبت طابع التّخصص ، فلا مفرَّ من الاستفادة من القوى المتخصصة في هذه الفنون من كبار الضّباط وذوي الرتب العسكريّة الذين درسوا فنون الحرب وتمرنوا عليها ، وعليه فمن اللازم إبقاء

٢٧٦

مجموعة من هؤلاء بعنوان «الكوادر الثّابتة» في الجيش ، ليهتموا ليلاً ونهاراً بالأمور الدّفاعيّة والتّخطيط والبرمجة والإستعداد في كلّ لحظة لمواجهة الخطر الخارجي والدّاخلي ، ولكن مع كل ذلك ، فدور التّعبئة الجماهيرية العامّة محفوظ في محله ، بل لا يمكن أنْ تؤدّي المجاميع المذكورة دورها بشكل فاعل ومثمر بدون التّعبئة العامة والقوات الجماهيريّة ، كما شاهدنا دور هذه القوات الجماهيريّة في الحرب العدوانيّة التي فرضت على الجمهوريّة الإسلاميّة ولمدّة ثمان سنوات ، إذ لولا وجود قوات التعبئة الجماهيريّة ، لاحتلت القوات العراقيّة المعادية مساحات عظيمة من أراضي إيران ، وقد كانت هذه القوات العظيمة البطلة هي التي صدت قوات صدام المدعومة من القوى الإستكباريّة العظمى كلّ الدعم.

ولذا ، فإن تصور البعض أنّ دور التعبئة الجماهيريّة العامة خاص بذلك الزمن الذي لم تكن الفنون العسكريّة قد تعقدت وتطورت فيه كما هي عليه اليوم ـ كزمن النّبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تصور خاطىء جدّاً.

واليوم أيضاً لا يمكن إنكار دور قوات التّعبئة الجماهيريّة في الدّفاع عن الدّول الإسلاميّة ، والشّاهد الأخر على هذا الموضوع مجاهدو فلسطين المحتلة ، فنحن نعلم جيداً أنّ الذي أقلق إسرائيل وسلب النوم من عينيها في الأراضي المحتلة هو القوات الجماهيريّة غير النظاميّة والتي تتشكل غالباً من الشبّان والصّبيان ذوي الأعمار الصّغيرة ، والذين لا يمتلكون السلاح إلّاالحجارة في مواجهة إسرائيل!

فلو لم نكن نعيش نماذج عينية لهذه القضيّة ، فسوف يصعب تصديق وجود أفراد يقاتلون بالحجارة ويؤرقون العدو في عصر الأسلحة المتطورة والقنابل الذّرية والصّواريخ العابرة للقارات!

ففي فلسطين المحتلة ، لا يوجد جيش نظامي يواجه إسرائيل ، وكلّ ما يوجد إنّما هو قوات تعبوية وقوات جماهيرية غير منظمة ، اكتسبت بمرور الزّمن تجربة جيدة وخبرات كثيرة حتى صارت عملياً وكأنّها جيش مدرب ، مع وجود مجاميع لا تزال تحارب بنفس

٢٧٧

الطرق البدائيّة ومع ذلك فقد أقلقت العدو المجهز بأحدث أنواع الأسلحة!

وعليه ينبغي على الحكومة الإسلاميّة أن لا تتساهل في مسألة الاستفادة من قوات التعبئة الجماهيريّة مطلقاً.

وعدم وجود قوات تعبوية جماهيريّة في الدّول الصّناعيّة المتطورة ، وعدم استفادة تلك الدوّل من الجماهير ، ليس إلّالعدم اعتقاد هؤلاء بوجوب الجهاد بعنوان فريضة إلهيّة عظيمة ، فهؤلاء يرون أنّ الحرب مسئوولية الدّولة فقط ، أمّا في الإسلام فإنّ الجهاد وظيفة كلّ فرد من أفراد المسلمين.

إنّ عظمة الشّهادة وعظمة مقام الشّهداء في الإسلام أمر غير معروف عند غير المسلمين ، ومن هنا فإنّ دواعي التعبئة الجماهيريّة غير موجودة عند الآخرين ، أمّا عند المسلمين فهي موجودة دائماً.

وطبيعة الحال ، فإنّ تلك الدّول التي لا تعتقد بمثل هذه الثّقافة عندما يصل حدُّ السيف إلى رقابها ، وتتعرض بلادهم لخطر الفناء فإنّها قد تفكر في الإستعانة بتشكيل قوات تعبئة جماهيريّة ، أمّا في الإسلام فإنّ هذه القوات موجودة على الدّوام.

ولذا ، فعلى الحكومة الإسلاميّة وبعد الإفتخار بهذه الثّقافة الدّينيّة ، أن تهتم جيداً بقوات التعبئة الجماهيريّة حتى في زمن الصّلح ، بل عليها أن تدرب قوات التبعئة الجماهيريّة بمرور الزّمن على الفنون العسكريّة المتناسبة مع عصرها ، حتّى يتمكن كل من يقدر على حمل السلاح من التّوجه إلى ميدان المعركة ساعة الخطر.

ومن ذلك الوقت ، أصبح تكريم مقام الشّهداء واحترام أُسرِهم وتقديرهم المادي والمعنوي جزء من إرشادات الإسلام ، ومن التّدابير الأساسيّة لحفظ روح التّعبئة الجماهيريّة الجهاديّة وبقائها في أوساط المسلمين ، ولو نُسي الأمر فإنّه سيترك بدون شك تأثيرات سلبية خطيرة وكثيرة في تضعيف الرّوح الجهادية عند المسلمين.

وكم هو جميل أن يكون إلى جنب كل مسجد من مساجدنا وحدات للتعبئة الجماهيرية ، وأن تعتبر التّعبئة الجماهيريّة عبادة كبيرة إلى جنب الصّلاة ، وهذه الأمور لا يمكن تحققها إلّا

٢٧٨

في ظلّ الإعتقادات الصحيحة والثّقافة الدّينيّة ، وهي من الأسلحة الإستراتيجية التي نمتلكها اليوم والتي حرمت منها الدّول الإلحادية وإن كانت مجهزة بأحدث أنواع الأسلحة والتّدريبات العسكريّة :

ويتضح لنا من خلال الآية الشريفة : (وَأَعِدُوا لَهُم مَّا استَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ). (الأنفال / ٦٠)

والتي مرَّ الحديث عنها في البحث السّابق ، أنّ على المسلمين أن يحفظوا استعدادهم وقدراتهم العسكرية حتّى في زمن الصّلح ، فإذا تطورت الفنون العسكرية الحربيّة يوماً بعد آخر فإنّ على المسلمين أنْ يتدربوا باستمرار بحسب ما يتناسب مع ذلك التّطور ، كما أنْ عليهم أنّ يحصلوا على تلك الأسلحة المتطورة بأي ثمن كان ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ كلمة «قوّة» تشمل كلّ أنواع القوى الماديّة والمعنويّة ، البشريّة وغير البشريّة ، فلابدّ من إعداد كلّ ذلك.

ونقرأ في القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فاْنْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً). (النساء / ٧١)

وبعد الأخذ بنظر الاعتبار أنّ «الحذر» بمعنى اليقظة والفطنة والإستعداد الدائم لمواجهة المخاطر ، وقد تأتي أحياناً بمعنى الوسيلة التي يمكن بها مواجهة الخطر ، يتضح لنا جيداً لزوم الإستعداد الكامل الدّائم عند المسلمين في مقابل الأعداء.

وجملة (فَاْنَفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَميِعاً) مع الإلتفات إلى أنّ النّفر هو الرّحيل والهجرة ، تدلّ على أنّه لا ينبغي للمسلمين الجلوس في البيوت انتظاراً لهجوم العدو ، بل عليهم أنْ يستعدوا لاستقباله ومواجهته ـ قبل أنْ يهجم عليهم ـ ويهجموا عليه مستفيدين من الأساليب القتاليّة المختلفة لهذا الأمر ، فتارة يهجمون بصورة مجاميع متفرقة ، واخرى بصورة حرب عصابات ، وتارة بشكل جيش منظم يبدأ بالهجوم على العدو ، فيقاتلون في كلّ ظرف بما يتناسب معه.

* * *

٢٧٩

٢ ـ السّبق والرّماية

وبالنسبة إلى التّدريب العسكري ، نجد أنّ الإسلام مضافاً إلى ترغيبه المسلمين بمسابقة الخيل والرماية ، فإنّه أجاز للمسلمين إقامة المسابقات والرّهان والرّبح والخسارة في هذا المجال أيضاً ، مع أنّ الإسلام يحرم القمار والرّبح والخسارة ويعتبر ذلك من الذّنوب الكبيرة ، أمّا في هذا المورد فهناك حكمة وفلسفة واضحة استثنى فيها هذه الموارد.

يقول الإمام الصّادق عليه‌السلام : «إنّ الملائكةَ لَتَنْفِرُ عِند الرِّهان ، وتلعن صاحبه ما خلا الحافِرْ والخّفّ والرّيش والنّصل» (١).

والملفت للنظر أنّ مثل هذه المسابقات كانت تقام بحضور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحياناً بدعمه المادي لها ، حتّى ورد عن الإمام السّجاد عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجرى الخيل وجعل سبقَها أواقي من فضة».

حتّى أنّ المستفاد من بعض الرّوايات أنّ النّبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يشترك بنفسه في بعض تلك المسابقات (٢).

* * *

__________________

(١) وسائل الشّيعة ، ج ١٣ ، ص ٣٤٧ ، ح ٦ ، الباب ١ من كتاب السبق والرمّاية ، واحتمل بعض الأعاظم أنّ مصطلح «نصل» لا يختص بالسهم بل يشمل كل سلاح له رأس مدبب كالرّمح والخنجر ، حيث كانوا يستبقون برميها ، كما أنّ مصطلح «الخف» يشمل السّباق بالجمال والفيلة ، وإن «الحافر» يشمل ذوات الأربعة غير الحصان ، وأن «الريش» إشارة إلى السهم ، الذي يكون في آخره عادة عدّة ريشات لتنظيم حركته.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٤٩ ، ح ٥ ، وص ٣٥١ ، ح ٤.

٢٨٠