نفحات القرآن - ج ٨

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٨

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-002-5
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٣٢

نشاهد بشارة اخرى في سفر التكوين والظهور في (التوراة) في الفصل السابع ، لا يمكن تطبيق علاماتها إلّاعلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ففي الجمل من ١٧ إلى ٢٠ نطالع : «وقال إبراهيم للرّب ياليت إسماعيل يعيش أمامك ... فقال الله سمعت دعاءَك في حق إسماعيل وها أنا اباركه وأكثر نسله وسيلد منه اثنا عشر رئيساً وسنجعله امّةً عظيمة» (١).

وفي كتاب (أنيس الأعلام) ينقل متن جمل التوراة المكتوبة باللغة العربية ويكتب ترجمتها على هذا الشكل : «... وأثمره وأعظمه بـ «مادماد» والاثنا عشر إماماً الذي سيكون من نسله وسنجعله امّةً عظيمة» (٢).

ثم يضيف : «أنّ (مادماد) هو نفس (محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبرانية».

ومع الالتفات إلى أنّ النبي هو من نسل اسماعيل ، وجاء في البشارة المذكورة بأنّه سيكون امّة عظيمة ويخرج منه (اثنى عشر سيداً وإماماً) سيتضح عدم وجود أي مصداق لها سوى شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذ ألحقنا بها لفظة (مادماد) التي وردت في النص العبري ـ وإن لم يأتوا بها في الترجمة من العربية إلى الفارسية ـ ستتضح أكثر وأكثر.

إن قيل بأنّ هؤلاء (الاثنى عشر سيداً وإماماً) وكذلك الامّة العظيمة إشارة إلى (موسى عليه‌السلام) و (أسباط بني اسرائيل الاثني عشر) ففي الحقيقة أّن الله بشر إبراهيم بظهور موسى عليه‌السلام ، ويكون الجواب عن ذلك واضحاً لأنّ موسى عليه‌السلام وأسباط بني اسرائيل هم من نسل إسحاق ، في حين أنّ العبارة الآنفة تعرفهم على أنّهم من أبناء إسماعيل ولا يمكن أن يكون لها مصداقٌ إلّانبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ج) جاء في سفر التكوين (التوراة) ـ الباب ٤٩ رقم ١٠ : «ولن تؤخذ عصى السلطنة من يهودا حتى يأتي شيلوه الذي ستجتمع حوله الامم» (٣).

وظاهر هذه العبارة هو أنّ حكم (يهودا) وتسلط بني اسرائيل سيستمر حتى ظهور (شيلوه) وتجتمع الامم حوله.

__________________

(١) سفر التكوين ، الفصل ٧.

(٢) أنيس الأعلام ، ج ٥ ، ص ٦٩.

(٣) سفر ظهور التوراة ، باب ٤٩ ، رقم ١٠.

٣٠١

أمّا من هو وما هو المقصود بـ (شيلوه) ، فإنّ مؤلفي اليهود والنصارى قدموا احتمالات كثيرة كان أغلبها لا تتسق مع العبارة المذكورة بأي وجه ، ومن جملتها أن (شيلوه) تعني مكاناً للاستراحة أو مدينة في شمال «بيت ايل» أو محلاً يسمونه الآن (سيلون) ، والمسلَّم فيه أنّ التعبير بمجيئه واجتماع الامم حوله هو إشارة إلى شخص وليس إشارة إلى مكان أو محل.

و (مستر هاكس) الأميركي مؤلف كتاب (القاموس المقدس) ضمن عَدِّهِ للمعاني المختلفة لهذه المفردة ذكر معنى (مرسل) التي تنطبق على لفظة رسول أو رسول الله.

والشيء الوحيد الذي يمكن أن يقال هو أنّ بشارة التوراة هذه هي إشارة لظهور (المسيح عليه‌السلام) كما قالوا ولكن حسب قول فخر الإسلام في (أنيس الأعلام) : إنّ هذا الاحتمال غير صحيح لأنّ المسيح عليه‌السلام هو من أبناء (يهودا) من جهة الأم.

وبناءً على ذلك فإنّ حاكميته تعتبر امتداداً لحاكمية يهودا ، وفي هذه الحالة لم يبق من مصداق لها سوى نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله المرسل من الله الذي تزاح بظهوره حكومة (آل يهودا) خصوصاً في المدينة وخيبر والشامات والكثير من المناطق الاخرى (١).

طبعاً ذكرت بشارات متعددة اخرى أيضاً في كتب العهدين يطول شرحها وأنّ البعض منها قابل للقدح والتجريح ، والذين يرغبون بالبحث والتحقيق أكثر في هذا الموضوع يمكنهم الرجوع إلى كتب (أنيس الأعلام) و (بشارات العهدين) و (البشارات والمقارنات).

* * *

__________________

(١) أنيس الأعلام ، ج ٥ ، ص ٧٣.

٣٠٢

الخاتمية

في القرآن الكريم

٣٠٣
٣٠٤

الخاتمية في القرآن الكريم

تمهيد :

مسألة (الخاتمية) وأنّ نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله هو آخر الأنبياء الإلهيين من المسائل التي يعتقد بها كل المسلمين من أي فرقة أو مذهب كانوا ، ولا يعرفها العلماء فحسب بل كل أفراد المسلمين أيضاً ويعتبرونها من (ضروريات الإسلام) التي يتوصل إليها أي أحد بسرعة مهما قلت معاشرته لأتباع هذه المدرسة وهي أنّهم يعتبرون النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله هو آخر الأنبياء الإلهيين.

ومصدر هذا الاعتقاد يعود إلى (القرآن الكريم) و (الروايات الإسلامية) لأنّ هذه المسألة ليست بالشيء الذي يمكن إثباتها بالأدلة العقلية فقط ، ويقيناً بعد قبولهم للقرآن الكريم بصفته كتاباً سماوياً ، ونبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله كونه رسولاً لله ، يمكن الاعتماد على قولهم بهذا الصدد.

لهذا السبب نتوجه أولاً إلى الآيات القرآنية ، ثم نتطرق إلى الشواهد التاريخية والروايات الإسلامية ، ونختتمها ببعض الشبهات التي ألقاها مخالفو الإسلام حول خاتمية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وردت الآية الرئيسية التي تشهد على هذا المعنى في قوله تعالى : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ ابَا احَدٍ مِّن رِجَالِكُم وَلكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِّييِنَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيماً). (الأحزاب / ٤٠)

وذكر العلماء آيات متعددة اخرى حول الموضوع إذا لم نقبل دلالتها القطعية فعلى أقل

٣٠٥

تقدير إنّها تحتوى على إشارات مثل :

١ ـ (انَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكرِ لَمَّا جَآءَهُم وَانَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَّايَاْتِيهِ البَاطلُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ). (فصلت / ٤١ ـ ٤٢)

٢ ـ (تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً). (الفرقان / ١)

٣ ـ (وَاوحِىَ الَىَّ هَذَا القُرآنُ لِانذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (الأنعام / ١٩)

٤ ـ (وَمَا ارْسَلْنَاكَ الَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً). (سبأ / ٢٨)

٥ ـ (قُلْ يَا ايُّهَا النَّاسُ انِّى رَسُولُ اللهِ الَيْكُم جَمِيعَاً). (الأعراف / ١٥٨)

٦ ـ (انْ هُوَ الَّا ذِكرى لِلعَالَمِينَ). (الأنعام / ٩٠)

٧ ـ (وَمَا ارْسَلْنَاكَ الَّا رَحْمَةً لِلّعَالَمِينَ). (الأنبياء / ١٠٧)

جمع الآيات وتفسيرها

الآية الاولى التي وردت في بحثنا ، وهي الآية ٤٠ من سورة الأحزاب والتي أشارت قصة «زيد» ، وهو ابن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبني ، حيث إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوج من زوجته التي طلقها ، وذلك من أجل القضاء على احدى السنن الخاطئة التي كانت متداولة آنذاك والتي تقضي بعدم الزواج من زوجات أدعيائهم بعد الطلاق ولكي لا تبقى بعد زواجها من غير زوج.

والجدير بالذكر هو أنّ زواج زيد من هذه المرأة كان بواسطة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد طلقها لعدم انسجامهما.

وقد نفت الآية الكريمة القرابة النَسبيّة بين زيد والرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : (وَمَا كَانَ مُحَمدٌ أبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ) ، ثم أضافت : (وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِييِنَ).

حيث تُثْبت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرابطة الروحية والمعنوية المتأتية من مقام النبوة والخاتمية ، أي أنّه ليس أباكم الجسدي ، بل هو أبوكم الروحي ، وأبو كل الأجيال اللاحقة حتى نهاية الدنيا ، وإذا نقل في بعض الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «أنا وعلي أبوا هذه

٣٠٦

الامّة» فهو أيضاً إشارة إلى نفس الابوة الروحية التي تنبع من التعليم والتربية والقيادة.

ويجب الالتفات إلى أنّ للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أولاد نسبيين بأسماء (القاسم) ، (الطيب) ، (الطاهر) ، و (إبراهيم) ورحلوا جميعهم عن هذا العالم قبل البلوغ. ولهذا السبب لم تسميهم الآية (رجالاً) (١).

ضمنا هناك رابطة اخرى بين مسألة ختم النبوة وعدم وجود الولد وهي أن أولاد الأنبياء كانوا أنبياء أيضاً ، ولأنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ابن له بلغ مبلغ الرجال لم يبق أي مجال للتوهم بأن سيكون بعده نبي آخر ، وعلى هذا فإنّ فقدان الولد هي إشارة إلى ختم النبوة.

ويقول في آخر الآية (وكان الله بكل شيء عليماً).

ووضع تحت تصرف هذا النبي الخاتم ماكان لازماً من معارف وعلوم ومسائل الاصول والفروع.

وقد ابدي الاحتمال في ربط بداية الآية بنهايتها ، ففى بدايتها نفى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ابُوَّته الجسمية لُامته ، ولذا سيظهر هذا السؤال وهو : إذا كان بهذا الشكل فلماذا لا يحق لُامّته أن يتزوجوا زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده؟ وفي الجواب على ذلك يقول : «إنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإضافة إلى كونه خاتم أنبيائه وأفضلهم ، ولهذا السبب فإنّ حفظ حرمته واجب وترك الزواج من أزواجه بعد وفاته هو جزءٌ من هذه الحرمة» (٢).

مفهوم خاتم النبيين :

مع أنّ معنى (خاتم) واضح جدّاً ـ لأنّ مادة ختم في كافة معاجم اللغة العربية تعني انهاء شيء ـ ولكن قسماً من وساوس المنحرفين تستوجب تقديم توضيحات أكثر بشأنها ، يقول «ابن فارس» ، أحد علماء اللغة المعروفين في القرن الرابع الهجري ، في «معجم مقاييس اللغة : «ختم ، لها معنىً أصليٌّ واحدٌ لا أكثر وهو الوصول إلى نهاية الشيء. وأن قولهم (ختم)

__________________

(١) تفسير القرطبي ؛ وتفسير الميزان ، ذيل الآية مورد البحث.

(٢) تفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث.

٣٠٧

عندما يضعون ختما (مهرا) على شيء فهو من هذا الباب ، لأنّهم دائماً بعد انهاء شيء ما يضعون ختما أو مهراً عليه».

ويقول (الخليل بن أحمد) وهو من أقدم المؤلفين والمحققين في لغة العرب والذي عاش في القرن الثاني للهجرة في زمن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام عن معنى خاتِمْ وخاتَمْ : «خاتِم كل شيء هو نهايته وآخرته. وخاتَم تعني الختم «المهر» الذي يضعونه على الطين» ، وذلك عند اتمام الرسالة وطيها ومن أجل أن لا يفتحها الغرباء يلصقون قطعة لينة من الطين على محل ربطها ثم يختمون فوقها بحيث لايبقى أي طريق لفتحها إلّابكسر الختم.

وذهب سائر أصحاب اللغة أيضاًإلى هذا المعنى نفسه ، وفسروا (خاتم) بمعنى الشيء الذي يؤدّي إلى النهاية أو الختم الذي يضعونه في النهاية.

وفي كتاب (التحقيق) الذي يعد تحقيقاً جامعاً في مصادر اللغة المهمّة بعد أن ينقل أقوال كبار اللغويين العرب يقول : «المتحقق أنّ لهذه المادة جذرٌ واحد وهو في مقابل «بدء». أي اكمال شيء وايصاله إلى آخره ونهايته» (١).

وكذلك المفسرون الإسلاميون من أقدمهم وحتى معاصريهم لم يخرجوا جميعهم عن أن معنى (خاتم النبيين) في الآية المذكورة هو آخر الأنبياء.

ويقول المفسر المعروف (محمد بن جرير الطبري) الذي عاش في القرن الثالث في تفسيره الذي يعتبر من أقدم التفاسير في ذيل الآية آنفة الذكر : و «خاتم النبيين الذي ختم النبوة فختم عليها فلا تفتح لاحد بعده إلى قيام الساعة» (٢).

ويقول المرحوم (الشيخ الطوسي) وهو من عظماء الفقه والتفسير ، وعاش في القرن الخامس في كتابه المشهور (البيان) بعد أن يذكر (خاتم النبيين) : «أي آخرهم لأنّه لا نبي بعده الى يوم القيامة» (٣).

وكذلك المفسر الكبير (الطبرسي) الذي عاش بعده بقرن واحد جاء بنفس المعنى أيضاً وشرحه (٤).

__________________

(١) التحقيق ، مادة (ختم).

(٢) تفسير جامع البيان ، ج ٢٢ ، ص ١٢.

(٣) تفسير البيان ، ج ٨ ، ص ٣١٤.

(٤) تفسير مجمع البيان ، ج ٧ و ٨ ، ص ٣٦٢.

٣٠٨

يقول (أبو الفتوح الرازي) الذي يعدّ من المفسرين رفيعي الشأن في القرن السادس وكتب تفسيره باللغة الفارسية في تعبير جذّاب في ذيل كلمة (خاتم النبيين) : «وآخر الأنبياء حتى تظن أنّه ختم النبوة ، وبنبوته ختم باب بعث الأنبياء» (١).

ويقول كذلك المفسر السني الشهير (الفخر الرازي) والذي يعدّ من مفسري القرن السادس الهجري المعروفين بعد كلمة (خاتم النبيين) : «مفهومها أن لا نبي بعده ، وشريعته تامة بحيث لم يبق شيء لم يذكر» (٢).

وسار بقية المفسرين قرناً بعد قرن على نفس المعنى حتى وصل إلى المفسرين المعاصرين.

والشيء الملفت للنظر هو أنّ مادة ختم ومشتقاتها ـ الآية المذكورة ـ استخدمت في القرآن الكريم في سبعة موارد جاءت كلها وبدون استثناء بمعنى الاتمام أو انهاء الشيء أو الختم الذي يضربونه أسفل الرسائل ، وهذا بذاته يدلل على أنّ الآية موضوع البحث ليس لها اي مفهوم سوى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو خاتم سلسلة الأنبياء ، والختم الذي وضع على نهاية سجل الرسالات.

وكذلك جاء في (نهج البلاغة) والروايات الإسلامية نفس المعنى بشكل عام ، وسوف يشار إلى قسم منها في نهاية هذا البحث.

* * *

الاجابة عن بعض الاسئلة :

١ ـ يقال أحياناً : إنّ (خاتم) تعني الزينة. وبناء عليه فإنّ مفهوم الآية هو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان زينة لكل الأنبياء وليس خاتمهم.

لكن يجب الالتفات إلى أنّ (خاتم) لم تأت أبداً بمعنى الزينة وإنّما بمعنى (الخاتم الذي له

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٩ ، ص ١٦٢.

(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ٢١٤.

٣٠٩

فصٌ ويوضع في الأصابع) وأن هذا التعبير غير لائق تماماً أن يقال : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو خاتم أصابع النبيين ، ثم إنّنا قلنا : إنّ المعنى الأصلي ل (خاتم) لم يكن أبداً (خاتم الاصبع) وإنّما الختم الذي يختمون به عند الانتهاء من الرسائل أو البرامج أو الكتب. وانطلاقاً من أن وضع الختم يكون في (الختام) والنهاية. فإنّ اسم (خاتم) يطلق على الواسطة التي تختم بها الرسالة. (لاحظوا أنّ كلمة «خاتم» بفتح التاء معناها «مايختم به» أي الشيء الذي يختمون به).

وما يثير الاهتمام هو أنّ الختم الأصلي للأشخاص في عصر نزول القرآن والقرون التالية له ، كان على الخواتيم التي يحملونها على أصابعهم وبواسطتها كانوا يختمون رسائلهم ، ولهذا السبب جاء في سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنّ خاتم رسول الله كان من فضة نقشه محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وجاء في بعض التواريخ أنّ من جملة وقائع السنة السادسة للهجرة أنّهم «عرضوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّك تراسل زعماء البلدان والملوك وأنّهم لا يقرأون الرسائل التي لاختم عليها. لهذا السبب اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتماً لاصبعه حتى يختم به الرسائل» (٢).

وجاء في كتاب (الطبقات الكبرى) أيضاً أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما قرر أن ينشر دعوته ويكاتب الملوك والسلاطين في العالم أمر فصنعوا له خاتماً كتب عليه (محمد رسول الله) وكان يختم به رسائله (٣).

بهذا البيان يتضح أنّ كلمة (خاتم) وإن كانت تطلق على خواتيم الزينة أيضاً ولكن في زمان نزول القرآن وما بعده كان يطلق على الخواتيم التي يختمون بها رسائلهم أو يختمون بها على محل ربط الرسائل بعد طيها واغلاقها.

والنقطة الملفتة للنظر هي أنّ نفس المعنى استخدم في آيات متعددة من القرآن الكريم،

__________________

(١) سنن البيهقي ، ج ١٠ ، ص ١٢٨ ؛ وفروع الكافي : ج ٦ ، ص ٤٧٣ ـ باب نقش الخواتيم ، ح ١ ، (كان نقش خاتم النبي محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله).

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٣٧٦.

(٣) الطبقات الكبرى ، ج ١ ، ص ٢٥٨.

٣١٠

فيقول حول مجموعة من الكفار : (خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمِ وَعَلَى سَمْعِهِم). (البقرة / ٧)

ويقول عن يوم القيامة : (اليَومَ نَخِتمُ عَلَى افْوَاهِهِم). (يس / ٦٥)

وعلى كل حال فإنّ أقل اطلاع على معانى هذه المفردة في الأدب العربي وجذورها الأصلية وموارد استعمالها يثبت بوضوح أنّ كلمة (خاتم النبيين) ليس لها أي معنى سوى معنى متمم عدة الأنبياء وخاتمهم.

* * *

السؤال الثاني :

الايراد الواهي الآخر طرح من قبل البعض من عديمي الخبرة وهو أنّ القرآن الكريم يقول : إنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله (خاتم النبيين) ولم يقل (خاتم الرسل) ومن الممكن أنّ سلسلة الأنبياء تنتهي بظهوره ولكن سلسلة الرسل ، لانهاية لها.

الجواب :

صحيح أنّ (النبي) معناه كل نبي يوحى إليه من قبل الله تعالى سواءً كان مكلفاً بالتبليغ أم لا ، عنده كتاب سماوي أم لا. ولكن (الرسول) هو نبي مكلف بالبلاغ. وبتعبير آخر ، أنّ كل نبي رسول ولكن ليس كل رسول نبي.

بهذا البيان تكون الاجابة عن السؤال المذكور واضحة تماماً ، فعندما يكون شخص ما خاتماً للانبياء فبطريق أولى يكون خاتماً للرسل أيضاً ، لأنّه كما قلنا قبل قليل : إنّ كل رسول هو نبي ـ لأنّ مرحلة الرسالة أشمل من النبوة ـ.

وهذا الكلام يشبه بالضبط قولنا إنّ فلاناً خرج من منطقة الحجاز. فبالتأكيد أنّ ذلك الشخص خرج من مكة أيضاً ، أمّا إذا نقول إنّ فلانا ليس في مكة. فمن الممكن أن يكون في نقطة اخرى من الحجاز.

وبناء على هذا إذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم المرسلين كان ممكناً أن لا يكون خاتماً للأنبياء. ولكن حينما تقول الآية أنّه خاتم النبيين فمن المسلم به أن يكون خاتما للمرسلين كذلك.

٣١١

في قسم آخر من الآيات المذكورة هناك تعبيرات يعتبرها الكثير من العلماء دليلاً ساطعاً على مسألة الخاتمية. وإذا افترضنا عدم قبول دلالتها الصريحة. فلا أقل من أن تكون قرائن وشواهد على هذه المسألة :

نقرأ في أول آية من هذا القسم : (انَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذَّكرِ لَمَّا جَاءَهُم وَانَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَّا يَاتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِن خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ).

و «الباطل» : في هذه الآية معناه الشيء الذي يبطل أو ينسخ ، وعليه فإنّ مثل هذا الكتاب سيكون خالداً وأبدياً ، وهذا بنفسه دليل على خاتمية الدين الذي يعود له هذا الكتاب ، كما هو دليل على عدم تحريف القرآن أيضاً.

وقد يقال : إنّ (الباطل) في اللغة لا يعني (المبطل) إذن كيف فسرتم الآية بهذا الشكل؟ فنقول : علاوة على أنّ الكثير من المفسرين ذكروا أنّ أحد معاني الباطل هنا هو المبطل (١) فأصولاً عندما يقول (لا يأتيه الباطل) فإنّ مفهومها أنّ الباطل لا يمكنه أن يعيقه أو يعطله خصوصاً وأنّه قال قبلها : (وأنّه لكتاب عزيز) التي تدل على بقائه وثباته.

* * *

وفي الآية التالية يقول : (تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيراً).

ولفظة (عالمين) التي تشمل كل سكان العالم بالرغم من عدم تقييدها بأي قيد فهي تعم أبناء كل الأعصار حتى نهاية الدنيا.

وهي ليست غير محدودة من ناحية المكان فحسب ، بل وحتى من ناحية الزمان أيضاً ، وتشمل حتى الآتين ، ولهذا السبب اعتبرها الكثير من المفسرين دليلاً على عالمية الدين الإسلامي أولاً وعلى خلوده ثانياً (٢).

والنقطة الملفتة للنظر أيضاً أنّ كلمة (عالمين) اخذت من مادة (علم) التي تشمل كل

__________________

(١) مثل المرحوم الشيخ الطوسي في تفسير البيان ؛ والطبرسي في تفسير مجمع البيان ؛ والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان ؛ والآلوسي في تفسير روح المعاني وكذلك بعض المفسرين الاخرين (ذيل الآية مورد البحث).

(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ٤٥ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٧ ، ص ٤٧١٨ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٦ ، ص ١٨٨.

٣١٢

الموجودات التي يحتويها علم الإنسان وحتى السماوات والأرض ، ولكن بمراعاة كلمة الانذار التي وردت في الآية فإنّ مفهومها يكون هنا محصوراً بالمكلفين في العالم.

على أيّة حال ، يكون الاستدلال على الآية الثالثة بنفس الطريقة أيضاً ، لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وفق هذه الآية : (وَأُوحِىَ الَىَّ هَذَا القُرآنُ لِانذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).

فسعة مفهوم (ومن بلغ) غير خافٍ على أحد ويكون شاملا لكل بني الإنسان إلى نهاية العالم ، وهو دليل على عالمية الإسلام وديمومته وخلوده.

ويصرح (الطبرسي) رحمه‌الله في مجمع البيان ـ ذيل الآية المذكورة ـ بأنّ (من بلغه القرآن إلى يوم القيامة) مشمولون بهذه الآية (١).

وكذلك الكثير من المفسرين القدماء والمحدثين بينوا صراحة في ذيل هذه الآية أنّها دلالة على مسألة (الخاتمية) ومن جملة هؤلاء (أبو الفتوح الرازي) من علماء القرن الثالث للهجرة وصاحب تفسير (روح البيان) والعلّامة الطباطبائي في (الميزان) وغيرهم.

* * *

ودلالة الآيات (٤ و ٥ و ٦ و ٧) مورد البحث تكون أيضاً بنفس الطريق لأنّ تعبير (كافة للناس) الذي جاء في الآية الرابعة يشمل عموم الناس. وفي الآية الخامسة (انَّى رَسُولُ اللهِ الَيكُم) والآية السادسة أيضاً استندت إلى العالمين الذي هو مفهوم واسع من جهة الزمان والمكان.

ومجموع هذه الآيات يمكن أن يكون تأييداً وتأكيداً آخر على مسألة (خاتمية نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله) و (خلود القرآن).

وذكر بعض من الكتاب والمؤلفين آيات اخرى بهذا الصدد صرفنا النظر عن ذكرها لأنّ دلالتها غير كافية كما يبدو للناظر.

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٣ و ٤ ، ص ٢٨٢.

٣١٣

الخاتمية في الروايات الإسلامية :

كما اشير من قبل إلى أنّ الاعتقاد بخلود الإسلام وديمويته من الامور التي اتفق عليها كل العلماء والمفكرين المسلمين ، بل وتعتبر من ضروريات هذا الدين ومصدر هذه العقيدة ـ وبالإضافة إلى الآيات القرآنية ـ هناك روايات لا تحصى وصلتنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبقية الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام بما يشكل مجموعها كتاباً كاملاً ، وسنشير إلى قسمٍ منها في هذا الملخص كنموذج.

١ ـ الروايات العديدة حول ختم سلسلة الأنبياء والتي جاءت على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه الروايات بذاتها تشكل باباً واسعاً جدّاً ، ومن جملة الأحاديث في هذا الباب الروايات التالية :

أ) في الحديث المشهور الذي نقلته الكثير من مصادر الحديث والتفاسير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي يقول فيه :

«مثلي ومثلُ الأنبياء كمثلِ رجلٍ بنى داراً فأتمها وأكملها إلّاموضع لبنةٍ فجعل الناسُ يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون : لولا موضع اللبنة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء» (١).

ونقل نفس الحديث بطريق آخر جاء في آخره : «فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» (٢).

ونفس المعنى نقل بطرق متعددة (٣).

وفي تفسير (مجمع البيان) جاء هذا الحديث بهذه الصورة : يقول : نقل في حديث صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأكملها وحسنها إلّاموضع لبنة ، فكان من دخلها فنظر إليها قال : ماأحسنها إلّاموضع هذه اللبنة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء» ثم يقول : هذا الحديث نقل في

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٧٩١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٣١٤

(صحيح البخاري) و (صحيح مسلم) (١).

وجاء أيضاً في مسند (أحمد بن حنبل) و (الترمذي) و (النسائي) وكثير من كتب الحديث والتفاسير الاخرى ، وهو من الأحاديث المعروفة جدّاً والمشهورة.

والعلّامة الطباطبائي بعد أن يذكر هذا الحديث يقول : «نفس هذا المعنى نقله أيضاً غير البخاري ومسلم مثل : الترمذي والنسائي وأحمد وابن مردويه عن غير جابر» (٢).

ب) وجاء في (نهج البلاغة) أيضاً التصريح بمسألة خاتمية نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطب متعددة. ونقرأ في الخطبة ١٧٣ : «أمين وحيه وخاتم رسله».

وفي الخطبة ١٣٣ : «ختم به الوحي».

وفي الخطبة ٧٢ بعد أن يصليّ علىّ عليه‌السلام ويسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصفه هكذا : «الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق».

وفي الخطبة ٨٧ يخاطب الناس قائلاً : «أيّها الناس خذوها عن خاتم النبيين ...».

ويقول في الخطبة الاولى من نهج البلاغة : «بعث الله سبحانه محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله لانجاز عدته واتمام نبوته».

والمثير للاهتمام أنّه عند التدقيق الواسع الذي جرى على ١١٠ أجزاء من كتاب (بحار الأنوار) بواسطة أجهزة الكومبيوتر تبيّن أنّ كلمة (خاتم النبيين) أو (خاتم الرسل) و (خاتم الأنبياء) وردت في أكثر من ٣٠٠ موضع من الكتاب (من الجزء الثاني وحتى الجزء ١١٠) والقسم الأعظم منها في روايات الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام والقليل منها في تفاسير العلّامة المجلسي وأمثاله. وتبيّن بوضوح ما تحظى به مسألة ختم النبوة بنبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوساط المسلمين في كل عصر وزمان من شهرة وشيوع واسعين (٣).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٧ و ٨ ، ص ٣٦٢.

(٢) تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ٣٢٧. ذيل الآية مورد البحث.

(٣) نتقدم بالشكر إلى المركز الكومبيرتري للحوزة العلمية في قم الذي قدم هذه الموارد التي جاءت في ٢٣ صفحة من الحجم الكبير إلى مركز تفسير رسالة القرآن.

٣١٥

وجاء في كتب أهل السنة كرارا لفظ (خاتم النبيين) و (خاتم الأنبياء) (١).

ج) حديث (المنزلة) المعروف ـ الذي ورد في الكثير من كتب الشيعة وأهل السنة المعروفة بخصوص علي عليه‌السلام ويعتبر من أشهر الأحاديث النبوية المتواترة ـ دليلً واضح على هذا المعنى. لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد التوجه مع جيشه إلى (معركة تبوك) فخلف مكانه في المدينة علياً عليه‌السلام وقال له : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّاأنّه لا نبي بعدي» (٢).

والنقطة المثيرة للاهتمام أيضاً هي أنّ هذه الجملة لم يقلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في واقعة (معركة تبوك) فقط ، بل وصرح بها في مواضع اخرى أيضاً ، وعلى الأقل أنّها سمعت منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّ مرات في غير (غزوة تبوك) :

أولاً : في يوم (المؤاخاة الاولى).

ثانياً : في يوم (المؤاخاة الثانية).

ثالثاً : أثناء تعزية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ل (ام سليم) عندما استشهد أبوها وأخوها.

رابعاً : في الحديث الذي ينقله (ابن عباس) عن (عمر) بهذا الخصوص.

خامساً : في الحديث الذي جرى أثناء المنازعة على كفالة بنت (حمزة سيد الشهداء).

سادساً : في الحديث الذي ورد عن سد الأبواب التي على المسجد إلّاباب بيت علي عليه‌السلام وبيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وهذا الحديث يثبت بوضوح أنّ ما من نبي سيأتي بعد نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ هذه المسألة اعتبرت جزءا من الواضحات منذ نفس عصر ظهور النبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله.

د) ورد في أحاديث متعددة أنّ الأحكام الإسلامية باقية وقائمة إلى نهاية العالم. وهذا

__________________

(١) يراجع المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي مادة ، (ختم).

(٢) الملفت أنّ هذا الحديث نقل عن ١٧٠ طريقاً ـ مائة منها عن طرق أهل السنّة وسبعون طريقاً من طرق أهل البيت عليهم‌السلام ـ ومن جملة الكتب التي نقل فيها هذا الحديث : صحيح مسلم ؛ صحيح البخاري ؛ سنن ابن ماجه ؛ مستدرك الحاكم ؛ مسند أحمد بن حنبل ؛ ذخائر العقبى ؛ الصواعق المحرقة ؛ كنز العمال ؛ ينابيع المودة وغيرها. (للاسيتضاح أكثر ارجعوا إلى «المراجعات» المراجعة ٢٨).

(٣) للاطلاع أكثر ارجعوا إلى (تفسير نمونة «فارسي») ذيل الآية ٤٢ من سورة الأعراف والمراجعات (المراجعة ٣٢).

٣١٦

الأمر لايستقيم إلّابـ (خاتمية نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ مجيء نبي جديد آخر سينسخ قسماً من أحكام النبي الذي سبقه على الأقل.

ومن جملتها نقرأ في اصول الكافي : «حلال محمد حلالٌ أبداً إلى يوم القيامة وحرامهُ حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة. لا يكون غيره ولا يجيء غيره» (١).

وجاء نفس المعنى في مكان آخر إذ يقول الإمام الصادق عليه‌السلام بعد أن ذكر الأنبياء : «حتى جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامهُ حرامٌ إلى يوم القيامة» (٢).

ثم إنّه يتضح من هذا الخبر المشهور أنّه ليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (خاتم الأنبياء) فحسب ، بل وأنّ دينه ومجموع تعاليمه وأحكامه خالدة وأبدية ولا تتعرض لاي تغيير ، وأنّ أولئك الذين يتصورون ـ بقبولهم مسألة الخاتمية ـ أنّهم يستطيعون بأفكارهم إيجاد تغييرات في تعاليم الإسلام وأحكامه مخطئون جدّاً ، لأنّ الأحاديث آنفة الذكر تقول إنّ خلود نبوّته ملازماً لخلود تعاليمه وأحكامه.

ونقل (العلّامة المجلسي) رحمه‌الله هذا الحديث أيضاً في الكثير من مجلدات بحار الأنوار (٣).

ه) في آخر خطبة (حجة الوداع) الشهيرة وهي نفس الخطبة التي بينها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس بعنوان وصيته الجامعة في آخر حجة وآخر سنة من عمره الشريف جاءت مسألة (الخاتمية) صريحة.

إذ يقول : «ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي ولا امّةً بعدكم» ثم رفع يديه المباركتين إلى السماء ـ بعد أن انتهى من تبيين كل وصاياه ـ حتى بان بياض أبطيه وقال : «اللهم اشهد أنّي قد بلغت» (٤).

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٥٨ ، ح ١٩.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٧ ، ح ٢.

(٣) بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٦٠ ، ح ١٧.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٣٨١ نقلاً عن الخصال ج ٢ ، ص ٨٤.

٣١٧

و) وجاء في حديث معروف اخر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي» (١).

وهذا الحديث بالخصوص ملفت للنظر من جهة أنّه اغلق الطريق أمام مختلقي الذرائع الذين يقولون : إنّه (خاتم الأنبياء) وليس (خاتم الرسل).

ز) ننهي هذه الروايات بحديث آخر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جاء في كتاب (اسد الغابة) : «أنّ (العباس بن عبد المطلب) عم النبي كان يطلب منه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن له بالهجرة من مكة إلى المدينة حتى يلحق به (حسب بعض الروايات أنّ العباس كان من المؤمنين الذين يكتمون إيمانهم وبقي في مكة باذن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب له أخبار المشركين ويلجأ إليه المسلمون ، وعندما قويت شوكة الإسلام طلب العباس من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن له بالهجرة ، ولكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : (لا تعجل بهذا الأمر) ، ومتن هذه الرواية يشير إلى هذا الأمر :

«ياعمّ أقم مكانك الذي أنت به فإنّ الله تعالى يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة».

ثم جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة قبل (فتح مكة) وهاجر ورافقه في فتح مكة ، وبفتح مكة انتهت الهجرة ـ لأنّ هذه المدينة أصبحت بعد فتح مكة دار إسلام وليس دار كفر يهاجر منها إلى المدينة» (٢).

وبناءً على ذلك كان (العباس) هو آخر من هاجر من مكة إلى المدينة إذ بعده فتحت مكة وانتهت الهجرة. وكتب البعض أنّ (العباس) الذي كان في طريق هجرته إلى المدينة مع زوجته وأبنائه التقى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أحد المنازل وسط الطريق عندما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله في طريقه لـ (فتح مكة) فانضم إليه وقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وهجرتك آخر الهجرة كما أنّ نبوتي آخر النبوة» (٣).

ويبلغ مجموع الأحاديث التي ذكرت تحت هذه العناوين السبعة التي ذكرنا الآف الأحاديث التي تدل بوضوح كلها على أنّ مسألة خاتمية نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت منذ البداية من المسائل الواضحة والبديهية.

__________________

(١) سنن الترمذي ، ج ٣ ، ص ٣٦٤.

(٢) اسد الغابة ، ج ٣ ، ص ١١٠.

(٣) عيون الاخبار لابن قتيبة ، ج ١ ، ص ٥.

٣١٨

والنقطة الملفتة للنظر أيضاً أنّ كل واحد من الأئمّة المعصومين الأربعة عشرة عليهم‌السلام وصلنا عنه حديث أو أحاديث عن (الخاتمية) (١).

والبعض من الكُتّاب قسموا هذه الأحاديث إلى عشرين قسماً (٢).

* * *

توضيحات

١ ـ هل أنّ السير التكاملي للإنسان ينسجم مع مسألة الخاتمية؟

أول سؤال يمكن أن يطرح في هذا البحث هو : هل يمكن للمجتمع الإنساني أن يتوقف؟ أو هل لـ (السير التكاملي للبشر) حدً وحدود؟ أولا نرى بأعيُننا أنّ الناس هم اليوم في مرحلة أعلى من العلم والمعرفة والثقافة نسبة إلى السابق؟

إذن بهذه الحالة كيف تختم النبوات بالكلية ويحرم الإنسان في سيره التكاملي هذا من الأنبياء الجدد؟

الجواب :

إنّ الاجابة عن هذا السؤال تتضح بالالتفات إلى نقطة واحدة وهي أنّ الإنسان أحياناً يصل إلى مرحلة من النبوغ الفكري والثقافي تمكنه من مواصلة سيره بالاستفادة المستمرة من الاصول والتعاليم التي وضعها باختياره النبي الخاتم بشكل جامع بدون أن يحتاج إلى شريعة جديدة.

وهذا بالضبط مايشبه إنساناً يحتاج في كل مرحلة من المراحل الدراسية المختلفة إلى معلم ومُربٍّ جديد حتى ينهي المراحل الاخرى ، أما عندما يصل إلى مرحلة (الدكتوراه) أو (الاجتهاد) ويصبح صاحب رأي في علم أو علوم متعددة ، ينقطع عن ادامة تحصيلاته عند

__________________

(١) للاطلاع أكثر راجعوا كتاب الخاتمية من وجهة نظر القرآن والحديث والعقل.

(٢) للاطلاع أكثر راجعوا كتاب خاتمية آخر الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله من ص ٣٩ إلى ص ٤١.

٣١٩

استاذ جديد ، ويكتفي بالاعتماد على ماتعلمه من اساتذته القدامى وخصوصاً الاستاذ الأخير وينشغل بالبحث والتحقيق والمطالعة والتدقيق ويواصل مسيره التكاملي.

وبتعبير آخر صار يضع الحلول للمشاكل التي تعترض طريقه اعتماداً على تلك الاصول الكلية وما حصل عليه من آخر اساتذته ، وبناء على ذلك فلا حاجة لأن يظهر دائماًللوجود دين وتعاليم جديدة بمرور الزمان (تأملوا).

أو بعبارة اخرى : إنّ الأنبياء السابقين ـ ومن اجل أن يتمكن الإنسان من متابعة سيره نحو التكامل في هذا الطريق المليء بالمنعطفات والصعود والانحدار وضع ـ كل واحد منهم على حدة ـ تحت تصرفه جزءاً من خارطة هذا المسير حتى أصبح مؤهلاً لأنّ يتلقى خارطة المسير عامة وجامعة وكامله والتي وضعها الله تعالى من خلال آخر الأنبياء :.

ومن البديهي إذا تلقى الخارطة الكاملة والجامعة فسوف لن يحتاج إلى خارطة اخرى ، وهذا في الحقيقة بيان لنفس التعبير الذي ورد في أحاديث (الخاتمية) واعتبرت فيه نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله هو آخر لبنة أو واضع آخر لبنة في بناء ذلك القصر الجميل والمتين للرسالة.

كل ما ذكرنا له علاقة بعدم الحاجة إلى دين أو تعاليم جديدة ، أما مسألة القيادة والامامة التي هي نفس الاشراف الكلي على تطبيق هذه الاصول والقوانين وإعانة المتخلفين عن المسيرة فهي مسألة اخرى لايستغني عنها الإنسان في أي وقت من الأوقات ، ولهذا السبب فإنّ اتمام سلسلة النبوّة لا تعني مطلقاً اتمام سلسلة الإمامة ، لأنّ تبيين وتوضيح تلك الاصول والتحقق الخارجي لها غير ممكنة بدون الاستفادة من وجود قائد إلهي معصوم.

* * *

٢ ـ هل أنّ القوانين الثابتة تتماشى مع احتياجات الإنسان المتغيرة؟

فيما عدا مسألة السير التكاملي للبشر التي طرحت في السؤال الأول هناك سؤال آخر وهو : إننا نعلم أنّ مقتضيات الزمان والمكان مختلفة من وقت لآخر ، أو بتعبير آخر أنّ الإنسان دائماً في حالة تغيير ، في حين أنّ شريعة خاتم الأنبياء لها قوانين ثابتة ، فهل

٣٢٠