نفحات القرآن - ج ٨

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٨

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-002-5
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٣٢

ملتقى الوعد الإلهي (جبل الطور) ليتسلم آيات الوحي وجه الله تعالى إليه الخطاب بالقول : (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَاضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ* فَرَجَعَ مُوسَى الَى قَوْمِهِ غَضْبانَ اسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ الَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدَاً حَسَنًا افَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ امْ ارَدتُّم انْ يَحِلَّ عَلَيكُم غَضَبٌ مِن رَّبِّكُم فَاخْلَفْتُم مَّوْعِدِى* قالُوا مَا اخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا اوْزاراً مِنْ زِينَةِ القَومِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذلِكَ الْقَى السَّامِرِىُّ* فَاخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقالُوا هَذَا الهُكُم وَالَهُ مُوسَى فَنَسِىَ* افَلَا يَرَوْنَ الّا يَرجِعُ الَيهِم قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُم ضَرَّاً وَلا نَفْعَاً* وَلَقَدْ قَالَ لَهُم هَارُونُ مِنْ قَبْلُ ياقَومِ انَّمَا فُتِنْتُم بِهِ وَانَّ رَبَّكُمُ الرَّحمنُ فَاتَّبِعُونِى وَاطِيعُوا امْرِى* قَالُوا لَنْ نَّبْرَحَ عَلَيهِ عَاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ الَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ اذْ رَايْتَهُم ضَلُّوا* الَّا تَتَّبِعَنِ افَعَصَيتَ امْرِى* قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَاتَاخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَاْسِي انِّى خَشِيتُ انْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى اسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرقُبْ قَوْلِى* قَال فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِىُّ* قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّن اثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى). (طه / ٨٥ ـ ٩٦)

* * *

يستفاد من مجموع هذه الآيات أنّ بني اسرائيل في غياب موسى قد غرّر بهم «السامري» ذلك الرجل المنحرف والذي يقال إنّ له خبرة في صياغة الذهب ، فصنع لهم من حُليّهم وزينتهم عجلاً من ذهب وانبرى هارون إلى منازلتهم. إلى أن يقول القرآن في مقام اعتذار هارون من موسى : (إنَّ القَومَ اسْتَضعَفُونِى وَكَادُوا يَقتلُونَنى). (الأعراف / ١٥٠)

وأخيراً انزعج موسى عليه‌السلام كثيراً من هذه القضية ، وألقى باللائمة على أخيه ، وعاتب السامري ، وأحرق صنمه بالنار ، وذرَّ رماده في البحر ، ووجه عقاباً صارماً إلى بني اسرائيل ، والآن لنلقي نظرة على ما تقوله التوراة في هذا المجال :

جاء في الفصل الثاني من سفر الخروج في التوراة مايلي :

«ولما رأى القوم أنّ موسى عليه‌السلام يتريث في هبوطه من الجبل ، اجتمع أولئك القوم عند

١٦١

هارون) ؛ وقالوا له : انهض واصنع لنا آلهة تسير أمامنا ، لأننا لا نعلم ما حلّ بذلك الرجل الذي أخرجنا من ملك مصر ـ وقال لهم هارون أخرجوا الاقراط الذهبية من آذان نسائكم وصبيانكم! وبناتكم واجلبوها عندي ـ فاخرج جميع القوم الأقراط الذهبية التي كانت في آذانهم وجاءوا بها إلى هارون ، فأخذها من أيديهم ، فصورها بشكل بارز ، وصبت على شكل عجل وقالوا : ياأسرائيل هذه هي آلهتك التي أخرجتك من أرض مصر.

وعندما رأى هارون ذلك أقام مذبحة مقابل ذلك ، ونادى هارون وقال غداً سيكون عيداً نعقده لهذا الإله ـ وقاموا في وقت السحر وقربوا القرابين المحترقة وقذفوا الهدايا بالقرب منها للحفظ والسلامة وجلسوا للأكل والشرب وقاموا من فورهم للّعب ـ وقال الله تعالى لموسى عليه‌السلام انزل إلى قومك ، لأنّ القوم الذين أخرجتهم من أرض مصر قد فسدوا ـ بل إنّهم انحرفوا بسرعة عن المسلك الذي أمرتهم به ، وصنعوا لأنفسهم عجلاً أعدوه من قبل وسجدوا له وقدموا له قرباناً أيضاً ، وقالوا لاسرائيل هاهي آلهتك التي اخرجتك من أرض مصر ، لكن موسى طلب من ربّه وقال : لماذا تصب غضبك على القوم الذين أخرجتهم من أرض مصر بحولك العظيم لكي لا يتكلم أهل مصر بأنّك أخرجتهم لقصد سيّء ، حتى تقضي عليهم في وسط الجبال ولتبيدهم من على وجه الأرض ؛ تنازل من شدّة سخطك! وغيّر إرادتك بصدد انزال البلاء على قومك ، واذكر عبادك إبراهيم واسحاق واسرائيل ، لأنّهم أقسموا بذاتك من أجلهم ، قلت لهم : بأنّي سأبارك في ذرّيتكم واجعل عددكم بعدد النجوم.

ووقع الأمر بالفعل ، فعندما اقترب من المخيم شاهد العجل والمهرولين وثارت ثائرة موسى ، فألقى الألواح من يده ، وكسرها تحت الجبل ، وأخذ العجل الذي صنعوه وأحرقه بالنار وسحقه إلى أن أصبح تراباً ثم نثره في الماء ، وسقى بني اسرائيل منه! وقال موسى لهارون : ماذا فعل بك هؤلاء القوم حتى أقدمت على ارتكاب هذا الذنب العظيم ، فقال هارون : لاتثر ثائرة سيدي لأنّك تعلم أنّهم يميلون إلى الخطايا ، وقالوا لي اصنع لنا آلهة نقتدي بهم ونمضي خلفهم ، لأنّ موسى الرجل الذي أخرجنا من أرض مصر ، لا نعلم ماذا حلَّ به ، وأنا قلت لهم : ليخرج كل من كان لديه قطع ذهبية ، ثم أعطوني إيّاها والقيتها في نار حامية فخرج هذا العجل ...

١٦٢

ورجع موسى إلى ربّه ، وقال وا أسفي على ما ارتكب هؤلاء القوم من ذنب عظيم لأنّهم صنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب ، والآن لو رفعت عنهم وزرهم وإلّا ألتمس منك أن تمحو إسمي من الكتاب الذي عهدته لي (مقام النبوة)!

وقال الله تعالى لموسى : كل من أقام على الذنب امحو اسمه من كتابه ، فإذن تحرك الآن وارشد هؤلاء القوم إلى المكان الذي أوصيتك به (١).

ويستفاد من العبارات السابقة المنقولة عيناً من كتاب العهد القديم عدّة نكات :

١ ـ إنّ الأمر بصنع الصنم وعبادته صدر من هارون ، كما أنّ الأمر تحقق بمعونته أيضاً وهو فضلاً عن عدم نهيه عن هذا العمل كان مروجا له ومرسياً لدعائمه ، ولم يأت الحديث عن السامري في هذا الفصل مطلقاً ، ترى هل يمكن تحقق هذا العمل من قبل شخص يقوم مقام موسى ، بصفته وزيراً مساعداً وملازماً ورئيساً لكهنة بني اسرائيل ـ بشهادة التوراة ـ كيف يصدق العقل والمنطق أن تُنسب هذه النسبة القبيحة والمخجلة إلى هارون (٢)؟

٢ ـ إنّ الله تعالى اشتد غضبه على أثر هذه القضية بحيث أراد أن يبيد قوم موسى لكن موسى نبّهَ الله تعالى إلى نكتتين (خصوصاً أنّه يخاطب الله تعالى بجملة واحدة ويقول لا يعزب عن بالك ليهدأ من فورة غضبه وسخطه ، الاولى : إنّك إذا قمت بهذا العمل فإنّ أهل مصر سيقولون : ألهذه الغاية اخرجت بني اسرائيل من مصر ، كي تقتلهم في وسط الجبال وتبيدهم من على وجه الأرض ، والاخرى ، هي أنّك اعطيت موثقا بأني سأزيد من نسل أبنائكم بعدد نجوم السماء ، وهذا العمل لا ينسجم مع هذا القول والقسم! وتغيرت مشيئة الله تعالى على أثر تنبيهات موسى له كما هو المصرح به في التوراة.

٣ ـ إنّ موسى عليه‌السلام بعد أن أحرق العجل بالنار ، نثر رماده في الماء وأعطى هذا الماء لبني اسرائيل كي يشربوا منه فهل كانت هناك خصوصية في الرماد المتبقي من العجل حتى يشربوا من مائه؟!

__________________

(١) نقلاً عن التوراة المترجم والذي طبع في بريطانيا سنة ١٨٧٨ ص ١٠٤ و ١٠٥ ، (سفر الخروج الباب ٢٣).

(٢) مؤلف كتاب «القاموس المقدس» هاكس الاميركي يقدم توجيهاً مضحكاً لهذه القصة إذ يقول : «لقد قام هارون بهذا العمل لإسكات القوم» ، فمع أنّ هذا الكلام يصدق عليه القول المعروف «العذر أقبح من الفعل» ، فهو لا يتلائم أبداً مع اقامة المذبحة والأمر بالقربان وتعيين العيد.

١٦٣

٤ ـ حينما اعترض موسى على هارون ، قال هارون بهدوء تام له : أنت تعلم مدى ميل هؤلاء القوم نحو الخطايا وهم طلبوا مني وأنا لبيت طلبهم (ياله من عذر؟! ...) وموسى لم يعترض عليه في المرة الثانية (فياله من مصلح متقاعس).

٥ ـ وفي نهاية المطاف ذهب موسى عليه‌السلام إلى محضر القدس الإلهي ، وهدد الله بالاستقالة من مقام النبوة قائلاً : إذا غفرت لهؤلاء العاصين فهو الأحسن وإلّا فامحو اسمي من الكتاب الذي دونته! (واعهد بهذه المهمّة الشاقة إلى شخص آخر ...).

لاحظوا جيداً إلى ما رسمته التوراة عن الله ، والنبي ، ووزيره ، ثم قارنوا بعد ذلك بين هذا الفصل التاريخي وبين ماورد في القرآن!

* * *

٥ ـ قصة النبي داود عليه‌السلام وزوجة اوريا

من المقاطع التاريخية الاخرى للقرآن الكريم ، هي مسألة «قضاء داود» النبي عليه‌السلام التي دارت بين أخوين متخاصمين.

ويفصل القرآن القول في هذه القصة بالنحو التالي :

(وَهَل اتَاكَ نَبؤُ الخَصمِ اذْ تَسَوَّرُوا الِمحْرَابَ* اذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بالحَقِّ وَلاتُشْطِطْ وَاهْدِنَا الَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ* انَّ هَذَا اخِى لَهُ تِسعٌ وَتِسعُونَ نَعجَةً وَلِىَ نَعجةٌ وَاحِدةٌ فَقَالَ اكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الخِطابِ* قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ الَى نِعَاجِهِ وَانَّ كَثيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ الَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاودُ انَّمَا فَتَنَّاهُ فَاستَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَانَابَ* فغَفَرنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنا لَزُلفَى وحُسنَ مَآبٍ* يَادَاوُدُ انَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الارْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَاتَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الذَّينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَومَ الحِسَابِ). (ص / ٢١ ـ ٢٦)

في هذا المقطع التاريخي من حياة داود عليه‌السلام ، لانقع على أي مفهوم سلبي سوى أنّه تسرع

١٦٤

شيئاً ما في إصدار الحكم ، فحينما طرح أحد هذين الأخوين ادّعاءه ، أعرب عن قوله ومن دون أن يستمع إلى ادّعاءات الأخ الثاني : إنّ أخاك قد ظلمك وأنّه لاينبغي أن ينازعك في صدد نعجة واحدة مع كل مايمتلكه من المال والثروة ، وإن كان هذا لا يمثل الحكم النهائي لداود عليه‌السلام ، إلّاأنّ نفس هذا المقدار من التسرع في إصدار الحكم لا يصلح لمقام القضاء العادل بصورة عامة ، وقضاء النبي داود عليه‌السلام بصورة خاصة ، ولعل هذا هو السبب في توبته واستغفاره وسجوده.

ولأجل هذه الدقّة في مسألة القضاء والتماس المغفرة والمسامحة من هذه الزلة أعطاه الله المقام المحمود.

والشاهد على هذا التوجيه للآيات السابقة هي الآية التي وردت مباشرة بعد هذه الآيات وذلك عندما يقول : (يَادَاوُدُ انَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرضِ فَأَحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَاتَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ).

هذه الآية تدل بوضوح على أنّ المخالفة ، أو بعبارة أصح ، ترك الأولى الذي صدر من النبي داود عليه‌السلام لم يكن يتضمن في حقيقته بعض الامور التي هي من قبيل الغرام والتعلق بزوجة أحد قادة جيشه الذي يدعى باسم (اوريا) وأمثال ذلك من المفاهيم التي نسجتها ذهنية أهل الأساطير استناداً إلى ما جاء في التوراة.

والآن نعود إلى التوراة الفعلي المحرف لننظر إلى مايقوله في هذا المجال :

نطالع في الكتاب الثاني لاشموئيل هذه الحادثة :

«ووقع عند الغروب عندما نهض من فراشه وطاف حول سطح بيت الملك ، ورأى من السطح امرأة تستحم وكانت هذه المرأة غاية في الجمال والرشاقة ، وأخذ داود يستفسر عن هذه المرأة ، وقال شخص أليست «بث شبع» (١) (وهذا اسمها) وهي بنت «اليعام» (٢) زوجة «اورياه حتّي» (٣)؟

__________________

(١) «بث شبع» اسم تلك المرأة التي رآها داود ـ طبقاً لما تقوله التوراة ـ عارية من سطح البيت وعشقها ، وهي ابنةاليعام أحد أصحاب المناصب العبرية.

(٢) المصدر السابق.

(٣) «اوريا» ، بتشديد الياء اسم أحد القادة البارزين في جيش داود ، و «حتّي» بتشديد التاء وكسر الحاء نسبة إلى «حت بن كنعان» الذي يعرف قومه بـ «بن حت».

١٦٥

وأرسل داود اليجيان فأمسكها وجيء بها إليه ، فاضطجع معها وبعد التطهير من النجاسة ذهبت إلى بيتها وحملت المرأة ، وأرسلت إلى داود من يخبره أنّها حاملة وأرسل داود إلى «يوآب» (قائد جيشه) أن ابعث اليّ «اورياه حتّي» وبعث يوآب اورياه إليه وقدم عليه ، فسأله داود عن سلامة يوآب وسلامة القوم وعن استقرار أوضاع الحرب.

وقال داود لاورياه انزل إلى بيتك واغسل رجليك ، وخرج اورياه من قصر الملك واخرج من ورائه مقداراً من طعام الملك ، إلّاأنّ اورياه نام مع سائر عبيد سيده في رحبة القصر ولم ينزل في بيته فحينما خبروا داود أنّ اورياه لم ينزل في بيته ، فقال داود لاورياه ألم تأتِ من السفر فلمَ لم تنزل في بيتك؟ فقال اورياه لداود : إنّ الصندوق واسرائيل ويهوداه يسكنون تحت السقوف ويجلس سيدي يوآب وعبيده في خيمة وسط الصحراء ، فهل يجوز لي أن أذهب إلى البيت لأقضي وطري من الطعام والشراب والنوم مع زوجتي ، أقسم بحياتك أن لا أقوم بهذا العمل قط ...

وتحقق الأمر بالفعل بأنّ كتب في الصباح رسالة إلى «يوآب» وبعثها بيد اورياه ، وكتب الرسالة بهذا المضمون. ألقوا بأورياه في اتون حرب ضارية ثم امنعوه من الانسحاب ، حتى يصاب ويموت «أي يقتل» وتحقق الأمر بالفعل بعدما ألقى يوآب نظرته على المدينة ، ووضع اورياه في الموضع الذي علم بوجود الرجال الشجعان فيه وخرج رجال المدينة ، وقاتلوا ضد يوآب ، وسقط البعض من القوم عبيد داود ومات «اورياه حتّي» أيضاً ... وعلمت زوجة اورياه أنّ زوجها قد مات وأقامت العزاء في حق زوجها وبعد انتهاء العزاء أرسل على أثرها داود عليه‌السلام وأتى بها إلى بيته وأصبحت زوجته! ... غير أنّ العمل الذي أقدم عليه داود لم يكن مرضيا عند الله تعالى!» (١).

خلاصة القصة أن داود عليه‌السلام عندما كان في «اورشليم» صعد في يوم من الأيّام إلى سطح القصر ، فوقعت عيناه على البيت المجاور له ، فشاهد امرأة عارية فوقع حبّها في قلبه وجلبت بعنف إلى قصره واضطجع معها فحملت منه!.

__________________

(١) نقل عن الكتاب الثاني شموئيل الفصل ١١ ، من الجمل ٢ ، وحتى ٢٧.

١٦٦

وكان زوج هذه المرأة من القادة المرموقين لجيش داود وكان رجلاً مجبولاً على الصفاء ونقاء الطبع بحيث إنّه عندما عاد من ميدان القتال لم تطاوعه نفسه أن يذهب إلى بيته ويضطجع مع زوجته ويستمتع بالأطعمة الممتازة مواساة منه لأترابه المقاتلين الذين لازالوا في ميدان القتال يعيشون في الخيمة ، بالرغم من ذلك أصدر داود قراراً مجحفاً جدّاً ، فكتب رسالة إلى قائد عسكره (يوآب) وأعطاها بيد (اورياه) نفسه ليوصلها بدوره إلى قائد العسكر ، وقد كتب في هذه الرسالة أنّه لابدّ من تحديد مسؤوليته في احدى المواضع الخطرة لساحة القتال ، ثم تخلية أطرافه كي يقضى عليه بسيف الأعداء ، ونفذ هذا القرار الاجرامي المشؤوم ، وقتل على أثره اورياه الطاهر القلب والنقي والشجاع واستأثر داود عليه‌السلام بزوجته!! .... ونقرأ في الجملة الأخيرة من هذا الفصل «أنّ هذا العمل لم يقع مورداً لرضا وقبول الحق تعالى!».

والآن نعود إلى تتمة الحكاية ، فقد ورد في الفصل الآتي من التوراة مايلي :

«وبعث الله تعالى «ناثان» (١) إلى داود فجاء إليه ، وقال له : كان في احدى المدن شخصان أحدهما غني والآخر فقير ، كان الغني يمتلك غنماً وبقراً كثيراً جدّاً ، ولم يكن الفقير يمتلك سوى انثى واحدة من الغنم ، اشتراها وربّاها وتعاهدها مع أولاده بالرعاية تأكل من طعامه وتشرب من إنائه وتنام في احضانه وكانت كأحد بناته.

وقدم مسافر إلى هذا الغني وآل على نفسه أن يأخذ من أغنامه وأبقاره حتى يعده للمسافر الذي قدم عليه وأخذ نعجة ذلك الرجل الفقير وذبحها على شرف الرجل المسافر الذي قدم عليه.

وثارت ثائرة داود وقال ل (ناثان) أقسم بالله الحي القيوم ، أنّ الرجل الذي فعل ذلك يستحق القتل! وبسبب فعله هذا وعدم اعتنائه يجب أن يؤخذ منه!.

حينئذٍ قال ناثان لداود : إنّ ذلك الرجل هو أنت ، يقول الله تعالى ربّ اسرائيل : أنا الذي

__________________

(١) «ناثان أو ناتان» أحد أنبياء بني اسرائيل وكان مستشاراً لداود.

١٦٧

جعلتك سلطانا على اسرائيل وأنقذتك من ربقة «شاوول» (١) ... لماذا استهنت بأمر الله تعالى ، وارتكبت عملاً قبيحاً لديه فضربت ، (اورياه حِتّي) بالسيف ، وفعلت مع زوجته فعلا قبيحاً ، إنّك قتلته بسيف «بني عمون» (٢) ، والآن لن يفارق بيتك السيف أبداً ، والسبب في ذلك هو تحقيرك لي ، أخذت امرأة (اورياه حتي» لتكون زوجتك ، والله تعالى يقول سأشعل فتيل البلاء عليك من قصرك وساخذ زوجاتك من أمام عينيك واعطيها لصاحبك! وسينام مع نساءك في عين هذه الشمس! لأنّك قمت بهذا العمل سراً أمّا أنا فسأنفذ العقاب في وضح النهار بمرأى ومسمع من بني اسرائيل.

وقال داود ل «ناثان» : إنّي خالفت أمر الله تعالى بارتكابي الذنب ، وقال «ناثان» لداود أيضاً : إنّ الله قد عفى عن ذنبك ولن تموت ...

وقدم داود التعازي إلى زوجته «بث شبع» وقاربها ، نام معها فأنجبت ولداً سماه (سليمان) وقد أحبّه الله تعالى» (٣).

تظهر في هذا المقطع من القصة بعض الملاحظات التي ينبغي التدقيق فيها :

أ) لم يأت إلى داود عليه‌السلام من يطالب بإجراء العدالة وإنّما جاء إليه أحد أنبياء بني اسرائيل في ذلك العصر وقد كان مستشاراً لداود وذكر له على سبيل المثال أحد القصص للموعظة والنصيحة ، ولم يتطرق الحديث في هذه القصة إلى الأخوين ، وإنّما اتّجه البحث إلى الرجلين الغني والفقير وكان أحدهما يملك قطيعاً كبيراً من الأبقار والأغنام والآخر لا يملك سوى نعجة واحدة ، كما أنّه لم يتطرق الحديث في هذا الموضع أيضاً إلى مسألة استدعاء الشخص الأول من الثاني ، بل غاية ما في الأمر أنّه حينما قدم ضيف إلى الرجل الغني ذبح النعجة التي كَبُرت على يد الرجل الثاني واعدها طعاماً للضيف.

ب) ذهب داود عليه‌السلام إلى الاعتقاد بأنّ مثل هذا الظالم يستحق القتل (ولماذا يتوجّب القتل من أجل اغتصاب نعجة واحدة؟!).

__________________

(١) «شاوول» ، أحد سلاطين بني اسرائيل.

(٢) «بني عمون» ، كانت من الشعوب المحاربة التي تعيش في الطرف الشرقي من «البحر الميت» وقد حاربهم داود.

(٣) الكتاب الثاني ، شموئيل الفصل ١٢ ، من الجملة ١ ، وحتى ٢٤.

١٦٨

ج) حكم داود عليه‌السلام بإعطاء أربع نعجات عوضا عن نعجة واحدة (فلماذا أربع مقابل واحدة!).

د) اعترف داود عليه‌السلام بذنبه وعمله القبيح في صدد قضية زوجة «أورياه».

ه) وعفى الله تعالى عن داود (بهذه البساطة؟!).

و) وقدر الله تعالى لداود جزاء دنيوياً واحداً وهو أن تقع نساؤه في أيدي أصحابه فيمارسون معهنّ هذا العمل في وضح النهار وبمرأى من بني اسرائيل!.

ز) وبالنتيجة أصبحت إحدى هذه النساء أمّاً ل (سليمان) وولد منها سليمان وكان الله تعالى يحبّه أيضاً؟!

إذا اعتقدنا بنبوة داود من قبل الله تعالى ، كما يقر بذلك جميع المسلمين وتؤيدها مقاطع من عبارات التوراة ، فليست هناك أدنى حاجة للبحث والمناقشة في منافاة هذه الأعمال لمقام النبوة ، ولا يقتصر هذا الأمر على عدم انسجامه مع منزلة النبوة بل يعتبر من الأعمال الإجرامية الكبرى. والذي يعد حدوثه من قبل شخص عادي أمراً شاذاً وغريباً من نوعه ويستحق العقاب ، فكيف يمكن التصديق بأنّ الله تعالى يعفو ويتسامح بهذه البساطة عن إنسان قاتل عرض أحد قادة جيشه للقتل عمداً ، من أجل الإستيلاء على زوجته ثم اقترف الزنى بها قبل الزواج منها؟!

وإذا اعتبرناه ملكاً من ملوك بني اسرائيل فقط ـ كما وردت أحواله في كتاب الملوك والسلاطين في التوراة ـ لايقبل منه ذلك أيضاً على الاطلاق لأنّه :

أولاً : لم يكن ملكاً عادياً ، فالتوراة أفصح عن عظمة داود ومقامه الشامخ في فصوله المختلفة ، وأنّه هو الذي وضع الحجر الأساس للمعبد الكبير لبني اسرائيل والذي لم يكتمل بناؤه في زمانه بسبب الحروب الكثيرة وألقيت مسؤولية اكماله على ابنه سليمان ، ترى هل يمكن صدور هذا العمل من قائد يمتلك مقاما معنوياً محموداً ويكون مسدداً ومؤيداً من قبل الله تعالى؟!

ثانيا : من الكتب المعروفة للتوراة كتاب «مزامير داود» وأناشيده الاعتقادية ومناجاته،

١٦٩

فهل يمكن أن تقع مناجاة ودعوات «قاتل ارتكب الزنى بالمحصنة» ضمن الكتب السماوية؟

إلّا أننا عندما نعود إلى القرآن ، نجد أنّه لا أثر لأي حديث عن عشق داود وإجرامه واقترافه للذنب ولا على فقرات هذه القصة الكاذبة ، وإنّما ورد الحديث عن حكاية لأحد المحاكم العادلة ـ وذلك بشكل جدي لا على شكل مثال ـ والذي سبق شرحه من قبل ، وممّا تجدر الإشارة إليه هو خلو القرآن من هذه التهم ، والنكتة التي ينبغي ذكرها في هذا الموضع أيضاً هي أنّ من المؤسف وقوع بعض المؤرخين والمفسرين الإسلاميين تحت تأثير الأساطير الكاذبة للتوراة ونقلهم إيّاها في كتبهم ، ومن البديهي أنّ أحاديث هذا النمط من الأفراد لا تمتلك أي قيمة علمية وتاريخية وتفسيرية ، وذلك لعدم وجود أدنى دليل على مقالاتهم في المنابع الإسلامية المعتبرة.

والجدير بالذكر هو مانقل عن الإمام علي عليه‌السلام قوله : «لا اوتي برجل يزعم أن داود تزوج امرأة اوريا إلّاجلدته حدّين حدّاً للنبوّة وحداً للاسلام» (١).

* * *

٦ ـ هل أنّ سليمان عليه‌السلام بنى معبداً للأصنام؟!

ورد التعريف بشخصية سليمان عليه‌السلام في القرآن الكريم على كونه نبياً كبيراً وقائداً مقتدراً امتلك سلطة عريضة وفريدة من نوعها ، واشيد بعظمته وصلاحه في سور قرآنية مختلفة ، من جملتها سورة البقرة ، النساء ، الأنبياء ، النمل ، سبأ وص ، فعلى سبيل المثال نقرأ قوله تعالى : (وَوَهَبنَا لِدَاودَ سُلَيَمانَ نِعْمَ العَبدُ إِنَّهُ اوَّابٌ). (ص / ٣٠)

القرآن في حكايته المفصلة نوعاً ما التي أوردها في السور المتقدمة الذكر عن هذا النبي الكبير ليس فقط لا ينسب له نسبة عبادة الصنم وصناعته مطلقاً وإنّما يعدّ كافة جوانب حياته نزيهة من أي لون من ألوان التلوث بالشرك والمعصية.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٨ ، ص ٤٧٢.

١٧٠

يكفي في هذا المجال مراجعة سورة الأنبياء (الآيات ٢٨ إلى ٨٢) وسورة النمل (الآيات ١٥ إلى ٤٤) وسورة ص (الآيات ٣٠ إلى ٤٠) وعلى الخصوص قصة هداية (ملكة سبأ) وانقاذها من براثن الشرك ودعوتها إلى التوحيد الخالص ، وخاصة عندما يقول : (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنَّها كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرينَ). (النمل / ٤٣) وأساساً ، يستفاد من الآيات الموجودة في نفس السورة أنّ الهدف الرئيسي لسليمان في واقعة ملكة سبأ يكمن في محاربة الشرك والوثنية وانقاذها وقومهامن وطأة هذا الانحراف ، والآن نعود إلى التوراة الفعلي المحرف لننظر إلى ما يقوله في شأن سليمان وما يختلقه من صورة بشعة عن هذا النبي العظيم ، صورة لرجل مفتون بالأهواء بحيث ساقه هوسه وهواه إلى حد الشرك والوثنية وحتى بناء معبد للأصنام.

جاء في الكتاب الأول للملوك والسلاطين مايلي : «وأحبّ الملك سليمان نساء أجنبيات كثيرة من الامم التي قال الربّ لبني اسرائيل في شأنها : لا تذهبوا إليهن ولا يذهبن إليكم فإنّهنّ يستميلنّ قلوبكم إلى اتباع آلهتهن ، فتعلق بهن سليمان حبّاً لهنّ ، وكان له سبع مائة زوجة وثلاث مائة جارية فازاغت نساؤه قلبه ، وفي زمن شيخوخة سليمان تمكن أزواجه من امالة قلبه إلى اتباع آلهة اخرى ، فلم يكن قلبه مخلصاً للربّ إلهَهُ ، كما كان قبل داود أبيه فتبع سليمان عشتروت آلهة الصيدونيين ، وملكوم بني عمون ووضع الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب اتباعاً تاماً مثل أبيه داود.

حينئذٍ بنى سليمان مشرفاً لكاموش صنم قبيلة موآب في الجبل المقابل لاورشليم ولمولك صنم بني عمون ، وكذلك صنع لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يحرقن البخور ويذبحن لآلهتهن ، فغضب الرب على سليمان ، لأنّ قلبه مال عن الرب إله اسرائيل الذي تراءى له مرّتين وأمره في ذلك أن لا يتبع آلهة اخرى ، فلم يحفظ ما أمره الرب به ، فقال الرب لسليمان : بما أنّ أمرك هذا ، وأنت لم تحفظ عهدي وفرائضي التي أمرتك بها ، فسأنتزع الملك عنك واسلمه إلى عبدك ، إلّاأنّي لا أفعل ذلك في أيّامك نظراً لداود أبيك ، بل انتزعه من يد ابنك» (١).

__________________

(١) سفر الملوك الأول ، الفصل ١١ : ٣٣ : ٣٤.

١٧١

يستخلص من مضمون هذه القصة الكاذبة للتوراة مايلي :

أ) كان لسليمان عليه‌السلام علاقات كثيرة بنساء الطوائف المشركة ، وقد استولى على قسم كبير منهن خلافا لأمر الله ثم أخذ يميل إلى معتقداههن شيئاً فشيئاً ، وبالرغم من كونه شخصاً ميالاً للنساء فقد حاز على ٧٠٠ امرأة بالعقد الدائم و ٣٠٠ امرأة بالعقد المنقطع! إلّاأن تعلقه الشديد بالنساء ادى به إلى ابتعاده عن طريق الله تعالى!.

ب) أصدر سليمان قرارا معلنا ببناء معبد للأصنام ، وبنى على الجبل المطل على «اورشيلم» تلك البقعة المقدّسة لاسرائيل ، معبدا لصنم كموش ـ الصنم المعروف لطائفة الموابيان ـ وصنم مولك ـ الصنم المختص بطائفة بني عمون ـ وبرزت في نفسه علاقة خاصة بصنم «عشتروت» الصنم المنسوب إلى الصيدونيان ، وقد تحقق ذلك كله في عهد شيخوخته!

ج) ووجه الله تعالى له عقابا على هذا الانحراف والذنب العظيم ، وتبلور هذا العقاب في أن يسلب منه مملكته وسلطانه ولكن لا يسلبه من يده شخصاً وإنّما يسلبه من يد ابنه «رحبعام»! وسيمنحه فرصة البقاء في الحكم متى شاء ، وهذا الأجل لكونه من عباد الله المقربين ؛ لقد كان والد سليمان هو داود ، ذلك العبد المقرب عند الله والذي أقدم على قتل النفس وارتكاب الزنى بالمحصنة ، وهي زوجة أحد قادة جيشه!!

هل يمكن لأحد الأشخاص العقلاء أن ينسب هذه التهم الفظيعة إلى ساحة إنسان مقدس كالنبي سليمان؟!

إذا اعتقدنا بنبوة سليمان عليه‌السلام ـ كما صرح به القرآن ـ فالأمر واضح وإذا وضعناه في قائمة ملوك بني اسرائيل ، فكذلك لا يمكن أن تصدق في حقه مثل هذه التُهم أيضاً.

ولو أننا أنكرنا نبوته فمن المسلم أنّه كان تالياً للنبي من بعده ، لأنّ من الكتب التي اشتملت على أقوال هذا الرجل الإلهي الكبير كتابين من كتب العهد القديم أحدهما يقع تحت عنوان «مواعظ سليمان» أو «حكم سليمان» والآخر تحت عنوان «نشيد سليمان» بالإضافة إلى أنّ التوراة في الفصل الثالث من الكتاب الأول لتاريخ الملوك «الجمل من ٥

١٧٢

إلى الأخير» يقول بصراحة : «لقد تجلى الله تعالى لسليمان في المنام ليلاً ، وخاطبه بالقول ، أطلب مني ما تشاء ونظراً لصغر سنه وقلة تجربته طلب سليمان من الله الحكمة ، واستجاب الله دعاءه وأعطاه الفهم والحكمة وقال : إنّ هذا الفهم والحكمة التي أعطيته إليك لم أعطه لأحد من قبلك ولا من بعدك».

هل يعقل أن يتلقى أحد الأشخاص هذا النوع الفريد من العلم والحكمة من الله تعالى في أيّام شبابه ثم يقدم على بناء معبد للأصنام ارضاءً لرغبات زوجاته في عهد كِبَرِهِ ونضج عقله واكتمال إدراكه؟!

ممّا لا يقبل الشك أنّ هذه الأساطير الكاذبة كانت من صنع الأدمغة العاجزة في السابق ، ومن المؤسف حقاً أنّ عدّة من الأفراد الجهلاء وضعوها في سلسلة الكتب السماوية بعد ذلك ، وقد أطلقوا على هذا الكلام «اللا مقدّس» اسم «الكتاب المقدّس» لكن ، هل ترى واحدة من هذه النسب السيئة في الوقائع والحوادث التي ينقلها القرآن؟ فاذا دققت وبحثت فسوف يكون الجواب بالنفي.

* * *

٧ ـ المنافسة العجيبة بين يعقوب وأخيه عيسو

القرآن الكريم يسدي احتراماً بالغاً لابراهيم عليه‌السلام وابنه «اسحاق» وحفيده «يعقوب» ويشيد بعظمتهم واخلاصهم ، فنقرأ في قوله تعالى : (وَاذكُر عبَادَنَا إِبرَاهِيمَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ أُولِى الايدِى وَالأَبْصَارِ* إِنَّا اخْلَصَناهُم بِخَالِصَةٍ ذِكَرى الدَّارِ* وَإِنَّهُم عِنَدنَا لَمِنَ المُصَطفَينَ الاخْيَارِ). (ص / ٤٥ ـ ٤٧)

وفي موضع آخر في قوله تعالى في شأن هذه الاسرة : (وَوَهَبنَا لَهُ إِسحَقَ ويَعقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلنا صَالِحِينَ* وَجَعَلْنَاهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَآءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِديِنَ). (الانبياء / ٧٢ ـ ٧٣)

هذه التعبيرات إن دلت على شيء فانما تدل على أنّ هؤلاء رجال موحدون ، على جانب

١٧٣

كبير من الإيمان وصفاء السريرة وعلى اطلاع ولياقة عالية في قيادة البشرية ، ولذا فهم مطهرون ومنزهون عن كل رجس ودنس ، لكن عندما يدوّن تاريخ حياة هؤلاء على أيدي أصحاب الخرافات يرسمون عنهم صورة قبيحة جدّاً تنزل بهم إلى مستوى الأشخاص الانتهازيين والجشعين والمتحللين الذين لا يدخرون وسعاً في سبيل التوصل إلى منافعهم اللامشروعة ، ولإثبات حقيقة هذا الكلام نلتجيء إلى التوراة المحرف لنرى ما اختلقه من ملامح ومعالم رهيبة عن «اسحاق» و «يعقوب» والأخ الأكبر ليعقوب «عيسو» :

«وحدث لما شاخ اسحاق وكلّت عيناه عن النظر فدعا عيسو ابنه الأكبر وقال له : يابني ، فقال هاأنذا ، فقال : إنني قد شخت ولا أعرف يوم وفاتي فالآن خذ عدتك ، واسلحتك وقوسك واخرج إلى البرية وتصيد لي صيداً واصنع لي أطعمة كما أحب ، وائتني بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت.

وكانت ربقاه سامعة لكلام اسحق مع عيسو ابنه ، فذهب عيسو إلى البرية كي يصطاد صيداً ليأتي به ، وأما ربقاه فكلمت يعقوب ابنها قائلة : إنّي قد سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلا : ائتني بصيد وأصنع لي أطعمة لآكل واباركك أمام الرب قبل وفاتي ، فالآن يابني اسمع لقولي في ما أمرك به ، اذهب إلى الغنم وخذ لي من هناك نعجتين جيدتين ، فاصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب وحضرها إليه ليأكل حتى يباركك قبل وفاته ، فقال يعقوب لربقاه امّه : هو ذا عيسو أخي رجل أشعر ، وأنا رجل أملس ربّما يجسني أبي فاكون في عينيه كمتهاون وأجلب على نفسي لعنة لا بركة ، فقالت له امّه : لعنتك عليَّ يابني ، اسمع لقولي فقط واذهب. فذهب وأحضر لُامه فصنعت منها أطعمة كما كان أبوه يحب وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر ، وشدته على يديه وعنقه جلود جديي المعزى واعطت الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها فدخل إلى أبيه وقال : ياأبي ، هاأنذا. من أنت ياإبني؟ فقال يعقوب لأبيه : أنا عيسو بكرك ، قد فعلت كما كلمتني ، قم واجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك.

فقال اسحق لابنه : ما اسرع ما اصطدت يابني؟ فقال : إنّ الرب إلهك قد يسرلي فقال

١٧٤

اسحق ليعقوب : تقدم لاحسك يابني ، أأنت هو ابني عيسو أم لا؟ فتقدم يعقوب إلى اسحق أبيه؟ ، فجسه وقال : الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو ، ولم يعرفه لأنّ يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو أخيه فباركه ، وقال : هل أنت ابني عيسو ، فقال : أنا هو ، فقال قدم لي لآكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي ، فقدم له فاكل واحضر له خمرا فشرب ، فقال له اسحق أبوه : تقدم وقبلني يابني ، فتقدم وقبله فشم رائحة ثيابه وباركه وقال : انظر ، رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب.

فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض وكثرة الحنطة والخمر ، ليستعبد لك شعوب ، وتسجد لك قبائل ، كن سيداً لاخوتك وليسجد لك بنو امك ، ليكن لاعنوك ملعونين ومباركوك مباركين ، وحدث عندما فرغ اسحق من بركة يعقوب وفي حين خروج يعقوب من عند أبيه فاذا بعيسو اخاه قد اتى بصيده ، فصنع هو اطعمة ودخل بها إلى أبيه ، وقال لابيه : ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه حتى تباركني نفسك فقال له اسحق أبوه : من أنت؟ فقال؟ : أنا ابنك ، بكرك عيسو فارتعد اسحق ارتعاداً عظيماً ، وقال : فمن هو الذي اصطاد صيداً وأتى به اليّ فأكلت منه قبل أن تجيء وباركته؟ فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخة عظيمة وقال لأبيه : باركني أنا أيضاً ياأبي ، فقال : قد جاء أخوك بمكر وأخذ بركتك» (١).

ونطالع في الفصل الآتي هذا المعنى :

«ثم إنّ اسحاق استدعى يعقوب ودعى له بالخير والبركة ، وأوصاه أيضاً بوصية وقال لا تتزوج بامرأة من بنات كنعان ... وإنّ الله القادر المطلق سيبارك لك وسيحيطك برعايته وعنايته لكي تصبح قيّماً على جماعة الامم ، وليمدك الله ولك ولنسلك ببركة إبراهيم حتى ترث الأرض التي اعطاها الله لابراهيم ليسافر فيها» (٢).

خلاصة الحكاية تقع في أنّ اسحاق كان له ولدان الأكبر يسمّى «عيسو» والأصغر يسمّى

__________________

(١) التوراة ، سفر التكوين ، فصل ٢٧ ، الجمل ١ ـ ٤٠.

(٢) المصدر السابق ، فصل ٢٨ ، الجمل ١ ـ ٤.

١٧٥

«يعقوب» ، وفي آواخر أيّام حياته حينما فقد بصره قرَّر أن يجعل ولده الأكبر وصيّاً ونائباً عنه من بعده ويبارك له (يستفاد من القرائن أنّ المقصود من هذه البركة هو نفس مقام النبوة والروح الرساليّة وقيادة الامة) إلّاأنّ يعقوب توسّل بالحيلة ولبِس ثوب أخيه الأكبر بأمر من أمّه التي كانت متعلّقة به وتفضّل له أن يقوم مقام اسحاق ، ثمَّ ربط على يده وعنقه قطعة من جلد الغنم لأن بدن أخيه كان مكتسياً بالشعر ، ممّا قد يفضي به ذلك إلى إفشاء سره لدى أبيه (الإنسان الذي يكسوه الشعر إلى هذا الحد بحيث يكون بدنه كالغنم غريب في بابه واقعاً) وبالتالي شغل مكان أخيه الأكبر بالحيلة والكذب والخداع ، واقتنع والده العجوز بلمس يده المكسّوة بالصوف فقط مع أنّه قد عرف صوته في الوهلة الاولى ثمَّ إنّه دَعا في حقه وبارك له في عمله وأعدّه وصيّاً ونائباً عنه وقيّماً على أهله وأسرته ، وحينما اطلع اخوه الأكبر على القضية بكى بكاءً مرّاً ، إلّاأنّ الأمر قد انقضى ، فحينما طلب من أبيه أن ينزل البركة عليه أيضاً ، سمع جواباً يقضي بانتهاء البركة وأنّ ما كان منها استأثر به أخوه يعقوب ولم يعد هناك فرصة لاعادة النظر!!

والغريب في الأمر هو ماذهب إليه إله اسحاق من تأييده هذا العمل أيضاً ، وتسليم مقام النبوة لرجل محتال وكذاب ومزيف ، وعلى حد قول التوراة أنّه انشأه وتعاهده وطاف به كثيراً وجعله مالكا للجماعة والامم ووارثا لملك ومآثر نبيه (إبراهيم) العظيم ، وليس فقط اسرة اسحاق مأمورة باتباعه فحسب ، بل إنّ سائر الناس مأمورون باتباعه والخضوع له تعظيما واجلالاً له.

كيف يمكن اعتبار هذه الاسطورة الكاذبة والمضحكة على أنّها وحي سماوي؟!

لو أنّ شخصاً استولى على مقام بسيط بالحيلة والكذب ـ كأن يرتدي على سبيل المثال زيا عسكريا متواضعاً ـ فإنّه بعد الكشف عن حقيقته ليس فقط يسلبون منه ذلك ، ويخلعون عنه هذا اللباس بل يعاقبونه على هذا العمل أيضاً ، لكن كيف يمكن الاستيلاء على مقام النبوة والحصول على البركة الإلهيّة وقيادة المجتمع بالخداع والمكر ، ثم الإبقاء عليه بعد الكشف عن حقيقته المخزية؟!

* * *

١٧٦

٨ ـ نسبة صنع الخمر إلى عيسى المسيح عليه‌السلام

أولى القرآن الكريم احتراماً بالغاً للسيد المسيح عليه‌السلام وتحدث عنه في سور متعددة (من قبيل سورة البقرة وآل عمران والمائدة وبعض السور الاخرى) ، وأشار إليه بكونه أحد أنبياء أولي العزم (صاحب شريعة وكتاب سماوي) وله معجزات كثيرة ، نقرأ في قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ* وَرَسُولاً الَى بَنِى اسْرَائِيلَ انِّى قَد جِئتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُم انِّى اخْلُقُ لكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيئَةِ الطَّيْرِ فَانْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيراً بِاذنِ اللهِ وَابرِىُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَاحِي المَوتَى بِاذنِ اللهِ وأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بِيُوتِكُم انَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً لَّكُم انْ كُنْتُم مُّؤمِنيِنَ). (آل عمران / ٤٨ ـ ٤٩)

وبناء على ذلك تشكل المعاجز الأربع من (خلق الطير) و (شفاء المرضى الميؤوس من معالجتهم) و (إحياء الأموات) و (الإخبار عن الغيب) (التي كانت تتحقق بإذن الله) عظمة معاجز السيد المسيح عليه‌السلام (وفقاً لبيان القرآن).

وفي موضع آخر يعد نزول المائدة السماوية (طعام الجنّة) إحدى معاجز المسيح عليه‌السلام وذلك في (سورة المائدة آية ١١٥) نظراً إلى اعتبار المسائل المعقولة والمقبولة من المعاجز بصورة عامة ، والآن لنلقي نظرة على ما تقوله (الأناجيل) في هذا المجال ، ففي الباب الثاني من «انجيل يوحنا» الأنجيل الرابع من الأناجيل الأربعة ورد هذا المعنى :

«وفي اليوم الثالث كان في قاناي الجليل (أحد مدن بيت المقدس) عرس ، وكانت ام يسوع هناك فدعي يسوع وتلاميذه إلى العرس ونفذت الخمر ، فقالت له امه : ما بقي عندهم خمر ، فأجابها : ومالي ولك يا امرأة ما جاءت ساعتي بعد ، فقالت امه للخدم : اعملوا مايأمركم به.

وكان هناك ستة جرات من حجر يتطهر اليهود بمائها على عادتهم ، يسع كل واحد منها مقدار مكيالين أوثلاثة ، فقال يسوع للخدم : املأوا الجرات بالماء فملأوها حتى فاضت فقال لهم : استقوا الآن وناولوا رئيس الوليمة ، فناولوه فلما ذاق الماء الذي صار خمرا ، وكان لا يعرف من أين جاءت الخمر ، لكن الخدم الذين استقوا منه كانوا يعرفون ، دعا العريس

١٧٧

وقال له : جميع الناس يقدمون الخمر الجيد أولاً ، حتى إذا سَكَر الضيوف ، قدموا إليهم الخمر الرديء ، أما انت فأخرت الخمر الجيد إلى الآن» (١).

يستشف من هذه القصة النكات التالية :

١ ـ لما دخل السيد المسيح مع امّه مريم عليهما‌السلام إلى محفل العرس ونفذت المشروبات الخمرية ، أقدم وبإيعاز من امه على خلق المعجزة ، وأبدل ست جرات ممتلئة بالماء إلى خمور صافية ، بحيث إنّ الطعم اللذيد لها استهوى على أفئدة الحاضرين.

٢ ـ هذه هي المعجزة الاولى من نوعها للمسيح عليه‌السلام والتي تحققت بإيعاز من أمه.

٣ ـ عظم شأن السيد المسيح وجلَّ قدره من خلال هذه المعجزة (تبديل الماء إلى خمر) ممّا أدى ذلك إلى إيمان تلامذته به.

والطريف هنا أنّ أهالي مدينة قاناي الجليل ، لم يبرحوا يصنعون جرات المياه ويبيعوها للزوار والسياح احتفاء بذكرى جرات الخمر التي حدثت بإعجاز السيد المسيح عليه‌السلام.

وممّا لا شك فيه أنّ هذه هي اسطورة من الأساطير المفتعلة والكاذبة المنسوبة إلى هذا النبي العظيم ، ولا يخفى على أحد ما للخمر من قبح واضرار غير قابلة للحصر ، وقد منعت وحرمت في كافة الأديان السماوية ، حتى أنّه سبق التصريح بها في نفس الكتب المقدّسة لليهود والنصارى ، كما ورد ذم الخمر بلهجة شديدة في كتاب «أمثال سليمان» إذ يقول هناك :

«لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العينين ، للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج ، لا تنظر إلى الخمر إذا إحمّرت حين تظهر حبابها في الكأس وساعت مرقوقة وفي الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالاقحوان» (٢).

يفهم من هذه العبارة جيدا أنّ مفاسد الخمرة كثيرة جدّاً فهي السبب الأساسي لكل الالام

__________________

(١) انجيل يوحنا عرس قانا الجليل ص ٢٥٦.

(٢) العهد العتيق ، كتاب أمثال سليمان ، فصل ٢٣.

١٧٨

الجسدية والهموم النفسية والفكرية والمنازعات والمصادمات والاختلافات الاجتماعية ، وهي من عوامل شقاء الإنسان وبؤسه ، وتفعل فعلها في وجود البشر كسم الحية وهي مبرر كاف على انعدام العفة والسقوط في وحل الانحرافات الجنسية السيئة والوقوع في شرك أنواع التخيلات والابتلاءات التي طرحت في هذه العبارات بشكلٍ واضح جدّاً.

ونقرأ في موضع آخر من كتاب «أمثال سليمان» هذه العبارة : الخمرة المستهزئة (وهي التي تدعو الإنسان إلى أن يقوم بحركات ويتحدث بكلمات تفضي إلى الاستهزاء والسخرية) والمسكرات الصاخبة (وهي التي تسبب المنازعات والمخاصمات) وكل من يقع في أسره لايصبح حكيماً (١).

كما ونقرأ في الفصل ٢٨ من كتاب اشعياء هذه العبارة أيضاً : «أما هؤلاء (إشارة إلى مجموعة من المنحرفين) فقد ضلوا طريقهم وفقدوا صوابهم بفعل الخمر والمسكرات أيضاً».

وجاء في موضع آخر من نفس الكتاب هذا المعنى : «الويل لُاولئك الذين استعانوا بشرب الخمرة على الغلبة وبمزج المسكرات على القوة» (٢) ، أي أنّ قواهم تتحرك من خلال شرب الخمرة وتستعد للنزاع.

وجاء في كتاب هوشيع (من التوراة) : «إنّ الزنا والخمر وعصير العنب «بصورته المسكرة» كل منهم يؤدّي إلى ضعف القلب» (٣).

يتضح من هذه العبارات جيداً أنّ المعوّل في حرمة الخمر ليس كونها من المشروبات العادية إنّما لكونها من المائعات المسكرة التي تلحق الضرر بالجسم والروح الإنسانية وتؤدي إلى الضياع والشقاء.

بناء على هذا أليس من المخجل أن يقال إنّ المعجزة الاولى للسيد المسيح عليه‌السلام التي ظهرت في مدينة قاناي الجليل تبلورت في التحول الذي طرأ ببركته على عدّة ظروف كبيرة

__________________

(١) عهد عتيق ، كتاب أمثال سليمان ، فصل ٢٠ ، جملة ١.

(٢) كتاب اشعياء ، فصل ٥ ، جملة ٢٢.

(٣) كتاب هوشيع فصل ٤ ، جملة ١١.

١٧٩

ممتلئة بالماء إلى خمور صافية ، وعندما نقارن ذلك مع المعاجز القرآنية للسيد المسيح يتضح لنا مدى الفاصلة بين التواريخ المختلفة في ذهن البشر وبين التاريخ الواقعي الناشيء من طريق الوحي.

* * *

٩ ـ المسيح عليه‌السلام ودعوى الالوهية

القرآن يبريء ساحة السيد المسيح عليه‌السلام من أي لون من ألوان الادّعاء المزيف على صعيد الالوهية ، ويقول بصراحة : (وَإِذ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابن مَريَمَءَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونى وَأُمِّىَ إِلَهَيَنِ مِن دوُنِ اللهِ قَالَ سُبحَانَكَ مَايَكُونُ لِى ان اقُولَ مَالَيسَ لِى بِحَقٍّ انْ كُنتُ قُلتُهُ فَقَد عَلِمتَهُ تَعلَمُ مَافِى نَفِسى وَلَا أَعلَمُ مَافِى نَفسِكَ انَّكَ انتَ عَلَّامُ الغُيوُبِ* مَاقُلتُ لَهُم إِلَّا مَاأَمَرتَنِى بِهِ انِ اعبُدُوا اللهَ رَبِّى وَرَبَّكُم وَكُنتُ عَلَيِهم شَهِيداً مَّادُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِى كُنتَ انتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم وَانتَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ شَهيدٌ). (المائدة / ١١٦ ـ ١١٧)

والآن لننظر إلى ماتقوله الأناجيل في صدد المسيح عليه‌السلام.

نقرأ في انجيل يوحنا هذا المعنى :

«وجاء عيد التجديد في اورشليم ، وذلك في الشتاء وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان فتجمع اليهود حوله وقالوا له : «إلى متى تبقينا حائرين؟ قل لنا بصراحة : هل أنت مسيح؟

فأجابهم يسوع : «قلت لكم ، ولكنكم لاتصدقون ، الأعمال التي أعملها بأسم أبي تشهد لي ، وكيف تصدقون وما أنتم من خرافي ، خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها وهي تتبعني اعطيها الحياة الأبدية فلا تهلك أبداً ولايخطفها أحد مني الأب الذي وهبها لي هو أعظم من كل موجود ، وما من أحد يقدر أن يخطف من يد الأب شيئاً ، أنا والأب واحد».

وجاء اليهود بحجارة ليرجموه فقال لهم يسوع : «أريتكم كثيرا من الأعمال الصالحة من عند الأب ، فلاي عمل منها ترجموني.

أجابه اليهود : لا نرجمك لاي عمل صالح عملت بل لتجديفك فما أنت إلّاإنسان ، لكنك جعلت نفسك إلها.

١٨٠