نفحات القرآن - ج ٨

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٨

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-002-5
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٣٢

نزول المطر وارتواء الأراضي والحصول على الماء الفرات وهو «الماء العذب» ، يقول عزّ من قائل : (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَامِخَاتٍ وَاسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُراتاً).

ممّا لا يقبل الشك هو أنّ العلاقة بين الاثنين ـ الماء والجبال ـ لم تكن معروفة في السابق ، إلّاأنّنا نعلم في الوقت الحالي :

أولاً : أنّ الجبال هي سبب من اسباب تجمع بخار الماء ، أي تراكم السحب.

وثانياً : أنّها سبب من أسباب برودة طبقة الهواء المجاور لها.

وثالثاً : أنّها تحتفظ بالقسم الأكبر من الأمطار على شكل ثلج ، كما أنّها مصدر من مصادر الطاقة المستمرة لجريان المياه على سطح الأرض ، ومن ثم صيانة المياه من الهدر والضياع. بالإضافة إلى أنّ الامتداد الواسع للجبال ، وقشرتها المتعرجة تقلب أمواج الماء وتعرضها للهواء النقي ، فيصفو الماء ويتحول إلى «ماء فرات» وهو (الماء العذب).

وبغض النظر عن كل ذلك ، فإنّ النكتة الظريفة الاخرى التي استأثرت باهتمام بعض العلماء في صدد جبال الأرض ، هي أنّ الجبال في مقابل تغيرات الضغط الأرضي في قوّة «الدولاب الثابت» الذي يحول دون تبدل السرعة.

توضيح ذلك : أنّ المقصود من «الدولاب الثابت» هو نفس الشيء الموجود في جميع الوسائل التي لها حركة دورية مشابهة ، وذلك في صورة دولاب ثقيل يدعى بالدولاب الطيار أو الدولاب الثابت ، ينصب في محورها حتى ينظم سرعتها ، وعلى سبيل المثال لو ورد ضغط من الخارج على هذه الوسيلة ذات الحركة الدورية ثم انقطع الضغط فجأة لقفزت إلى الأمام ووجهت صدمة إلى ذلك الجهاز ، أمّا إذا نصب الدولاب الثابت عليها لاحتفظت بهذا الضغط في داخلها ، ثم تدفعه بالتدريج بدون أن تتوجه أي صدمة إلى ذلك الجهاز (تأمل جيداً).

هذا من جهة ، ومن جهة اخرى بإمكان العواصف الهائجة التي تهب أحياناً في الجهة المخالفة أو الموافقة لحركة الأرض أن تؤثر على حركتها ... ، وحينما تهدأ فورة العاصفة تتحول الأرض إلى حالة من الاندفاع العشوائي الذي يوجه ضربة قاصمة إلى جميع

١٢١

الموجودات الأرضية ، بحيث يولد الاضطراب في كل شيء.

إلّا أنّ لوجود الجبال التي هي بمثابة «الدولاب الثابت» دور في الاحتفاظ بكل هذه الضغوط المثبتة فيها والمنفية فتحدُّ دون حدوث الصدمات ، وتحافظ على الحركة المتوازنة للأرض ، وعلى حد تعبير القرآن تقف مانعاً دون حدوث الاهتزازات وزعزعة الاستقرار.

ولو كان البحث في زمن هذه الآيات قائماً على قدم وساق في مجال مباحث «الدولاب الثابت» وآثاره في ذلك العصر ، لما كانت التعبيرات في هذه الآيات مدهشة ومثيرة ، ولكن نظراً إلى عدم وجود مثل هذه المسائل في ذلك الزمن على الاطلاق ، خصوصاً أنّه لم يكن للفيزياء معنى في محيط الجزيرة العربية ، فضلاً عن هذه المسائل المعقدة ، فلابدّ من الاعتراف بأنّ بيان مثل هذه الآيات تعبير عن احدى المعاجز العلمية الكبرى (١).

والنكتة الاخرى هي أنّ القرآن الكريم عندما يتحدث عن تكوين الجبال يقول : (وَالْقَى فِى الارْضِ رَواسِىَ). ويقول في مكان آخر : (أَمَّن جَعَلَ الارْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالِهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ). (النمل / ٦١)

هذه التعابير ونظائرها التي تكررت في القرآن تبين بوضوح أنّ الجبال خلقت بعد خلق الأرض ، وقد أثبت العلم الحديث هذا المعنى بوضوح أيضاً ، وذهب إلى القول بأنّ الكثير من الجبال حدث على أثر إلتواء الأرض ، والبعض حدث على أثر المواد الذائبة المحرقة ، والبعض الآخر حدث بسبب تنقية المواد الرخوة من اطراف المواد الصلبة للأرض الذي يحصل على أثر نزول المطر ، وكل ذلك تحقق بعد خلق الأرض وايجادها .. وممّا لا ريب فيه أنّ هذه المسائل لم تكن معروفة حين نزول هذه الآيات من القرآن.

* * *

٨ ـ عنصر الزوجية بين النباتات في القرآن

وردت الإشارة إلى عنصر الزوجية في عالم النباتات في آيات خمس من القرآن

__________________

(١) ما تقدم أعلاه موجز من مقال محقق تحت عنوان «أثر الجبال في استقرار الأرض» (مسألة الدولاب الثابت) في المجلة الدينية والعلمية المدرسة الإسلامية العدد ٨ ، السنة ١٣ (ص ٦٨ ـ ٧٣ باللغة الفارسية) ، ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع والوقوف على جزئياته راجع المقال المذكور.

١٢٢

الكريم ، فنقرأ في قوله تعالى : (وَانْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَانْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ). (١) (لقمان / ١٠)

وقوله تعالى (وَتَرى الارْضَ هَامِدَةً فَاذا انْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَانْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٢). (الحج / ٥)

ونقرأ أيضاً في قوله تعالى : (وَانْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَاخْرَجْنَا بِهِ ازْوَاجَاً مِّنْ نَّبَاتٍ شَتَّى). (طه / ٥٣)

عندما وصل أغلب المفسرين الاوائل إلى هذه الآيات فسروا «زوج» بمعنى «النوع» «الصنف» ، و «الأزواج» بمعنى «الأنواع» و «الأزواج» المختلفة للنباتات ، لأنّ حقيقة الزوجية في حقل النباتات بمعناها المعروف لم يكن معروفاً في ذلك الزمان.

إنّ الناس في سالف الزمان وإن كانوا يعلمون نوعاً ما عن أنّ بعض أنواع النباتات يتكون من جنسين ، الذكر والانثى ، وأنّهم كانوا يستخدمون عملية التلقيح من أجل تكثيرها (خصوصاً شجرة النخل التي يُعلم بوجود الذكر والانثى فيها منذ قديم الزمان ، وأنّهم كانوا يحرصون على إنمائها عن طريق التلقيح) ، لكن أحد العلماء المعروفين في حقل النباتات من السويد يدعى (لينه) كشف عن هذه المسألة لأول مرّة في أواسط القرن الثامن عشر للميلاد وهي أنّ عنصر الزوجية (بين الذكر والانثى) في عالم النباتات تعتبر من احدى المسائل العامة ، والمتفق عليها ، وأنّ النباتات كأغلب الحيوانات إنّما تتكاثر وتنمو من خلال الامتزاج بين نطفة الذكر والانثى ، ومن ثم تعطي الثمار.

إلّا أنّ القرآن الكريم ـ كما رأينا ـ قد كشف النقاب عن هذة الحقيقة قبل هذا العالم بإثني عشر قرناً ، وأشار إلى عنصر الزوجية في عالم النباتات في موارد متعددة ، إلّاأنّه نظراً لعدم امتلاك هؤلاء للجرأة في التصريح بهذه الحقيقة ، عمدوا إلى تفسير الزوجية بمعنى آخر على خلاف ظاهرها.

__________________

(١) وورد نفس المضمون في كل من الآية (٧) من سورة الشعراء والآية (٧) من سورة (ق).

(٢) ورد نفس هذا المضمون في الآية ٧ من سورة الشعراء والآية ٧ من سورة ق.

١٢٣

ومن الظريف أنّ النباتات مختلفة من هذه الجهة ، ففي كثير منها يجتمع الذكر والانثى فيها في أصل واحد ، وفي البعض الآخر تنفصل أشجار الذكر عن أشجار الانثى.

خذوا وردة من الورود ثم افصلوا أوراقها عنها ، وتأملوا بدقة في داخلها تجدون عالماً مليئاً بالعجائب والأسرار. وفي الواقع ينعقد هناك محفل كبير ، بيدَ أنّه لا صخب فيه ، ويخلو من أي لون من ألوان العنف والاعتداء ، حيث أنّ المياسم الظريفة واللطيفة التي تحمل معها أكياس حبوب اللقاح تحيط بما حولها ثم تتحرك مع هبوب الرياح ، لتنثر تلك الحبوب على المدقة. إنّ الحبات المذكرة التي تمثل كل واحدة منها خلية صغيرة جدّاً ، تتجذر بسرعة وبعد العبور من على عنق المدقة تمتزج مع نطفة الانثى في المبيض في أصل الورد لتشكل بدورها بذرة الورد أو الفاكهة.

وكأنّ الأوراق الزاهية للورد بمنزلة احدى معالم الزينة لهذا المحفل الغرامي العجيب أو الاستار الموضوعة على الحجرة المزينة للعروسين ، ثم تُدعى الحشرات والفراشات الجميلة والنحل إلى هذا المحفل البهيج أيضاً.

ويتناول كل منهم الحلوى المخصوصة والمعدّة له من قبل رحيق الأزهار ويبعثون لنا حصةً منها ، وما نشاهده من العسل في الأسواق ، هو نصيبنا من ذلك المحفل.

وعلى أيّة حال استناداً إلى تصريح القرآن في آيات مختلفة على شمولية عنصر الزوجية للنباتات ، وبالرغم من بعض الاستثناءات القليلة الواهية الموجودة في كل قانون كلي ، يكون قد رفع الستار عن هذا السر المهم الذي خفي عن أنظار العلماء في ذلك العصر والقرون التي تلته وهذه بحد ذاتها من المعاجز العلمية البديعة.

٩ ـ القرآن والزوجية العامة

نقرأ في قوله عزّ من قائل : (وَمِن كُلِّ شَىٍء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُم تَذَكَّروُنَ). (الذاريات / ٤٩)

ويقول تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الارضُ وَمِن انفُسِهِم وَمِمَّا لَا

١٢٤

يَعْلَمُونَ). (يس / ٣٦)

فهذه الآية تبين ـ بوضوح أكثر ـ شمولية عنصر الزوجية للنباتات والبشر والأشياء الخارجة عن حدود العلم البشري ، ونظراً لأنّ كثيراً من المفسرين لم يجدوا هنا مفهوماً للزوجية بالمعنى الحقيقي (أي عنصري الذكر والانثى) ، فقد عمدوا إلى تفسيرها بالأصناف المختلفة للموجودات في العالم التي تبدو على شكل زوج زوج مثل : النهار والليل ، النور والظلمة ، البحر والبر ، الشمس والقمر وغيرها.

لكننا نجد تفسيراً أدق لهاتين الآيتين في وقتنا الحاضر ، حيث إنّ التحقيقات العلمية أثبتت هذه الحقيقة بوضوح وهي أنّ جميع الموجودات لعالم المادة تتشكل من أجزاء صغيرة جدّاً تدعى بالذرة ، وهذه الأجزاء التي عرفت قديماً بالموجود الذي لا يتجزء (أجزاء لا تتجزأ) وسمي بـ «الذرة» لهذا السبب قد تحطم على أثر تطور القدرة العلمية والفكرية للإنسان ، ومن هذا المنطلق نشأت القوة الذرية والصناعات المتعلقة بها.

وعندما حلّلوا الذرة وجدوا أنّها مركبة من أجزاء متكونة غالباً من الألكترونات (الجزئيات التي تغلف النواة ، وتحمل شحنة سالبة) ، البروتونات (الجزئيات التي تحمل شحنة موجبة).

وعلى هذا الأساس نستنتج من ذلك معنى أدق للزوجية في كل ذرات عالم الوجود وهو توفر عنصري (الذكر) و (الانثى) ، (الموجب) و (السالب) ، (الفاعل) و (القابل) وبدون أي استثناء أيضاً ، في حين أنّ التفسير الذي قال به العلماء الأوائل بالرغم من عدم انسجامه الكامل مع مفهوم الزوجية ، فإنّ فيه استثناءات كثيرة أيضاً.

وعلى أي حال ، توجد هناك جاذبية قوية بين الزوجين الحقيقيين ، وكذلك بين جسمين بشحنتين كهربائيتين مختلفتين سالبة وموجبة ، وهي كثيراً ما تشابه الجاذبية الجنسية ، في حين لا يوجد أي نوع من أنواع الجاذبية بين الليل والنهار ، النور والظلمة ، البحر والبر ، وما شابه ذلك.

ومن الجدير بالذكر ماصرح به بعض المفسرين القدامى من خلال ما استلهموه من

١٢٥

الآيات السالفة ، بأنّ المقصود من الزوجين في هذه الآيات هو عنصري الذكر والانثى نفسيهما ، وإن لم يوضحوا هذا المطلب بصورة كاملة (١).

* * *

١٠ ـ القرآن يكشف النقاب عن مسألة مراحل تطور الجنين

وردت ضمن الآيات القرآنية المرتبطة بعلائم التوحيد ودلائل المعاد إشارات غزيرة المعاني إلى مسألة خلق الإنسان من النطفة ومن ثمَّ مراحل تطور الجنين. والتي يمكن عدّ بعض منها في قائمة المعجزات العلمية للقرآن.

من جملتها ما نقرأه في الآية الثانية من سورة الإنسان : (انَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُّطفَةٍ أَمشَاجٍ نَّبَتلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً).

«النطفة» : في اللغة بمعنى الماء الصافي أو الماء القليل (٢). (الامشاج) جمع مشج (على وزن نسج أو على وزن سَبب). أو جمع مشيج بمعنى الشيء المختلط. وقد ابدى المفسرون احتمالات متعددة في صدد الجواب عن ما هو الشيء الذي تختلط به النطفة.

فتارة تصوروا أنّ ذلك إشارة إلى تركيب نطفة الإنسان من «الحيامن» و «البويضة» ، وتارة أنّه إشارة إلى كونها مركبة من الاستعدادات المختلفة من الناحية الجسمية أو الروحية (القبح والحسن ، الذكاء والغباء و ...). واخرى إلى أنّه إشارة إلى أنّ نطفة الإنسان مركبة من مواد مختلفة من المعادن ونحوها.

بطبيعة الحال أنّ ذلك كله حسن ، ولعله كان من أفضل التفاسير في عصره ، إلّاأنّه لا ينطبق بدقة على معنى الآية. ذلك أنّ لفظة الأمشاج جمع ، واطلاقها على شيئين أي (البويضة والحيمن) خلاف الظاهر ، هذا أولاً ، وثانياً : أنّ وجود الاستعدادات المختلفة في

__________________

(١) جاء في تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٦٠ ، عن أحد المفسرين القدماء ويدعى «ابن زيد» أنّه قال في تفسير الآية (ومن كل شيء خلقنا زوجين ...) الزوجين الذكر والانثى. كما ورد هذا المعنى نفسه عن قتادة في تفسير الآية (سبحان الذي خلق الأزواج كلها). (تفسير القرطبي ، ج ٨ ص ٥٤٧٠).

(٢) تمت الإشارة إلى المعنى الأول في معجم مقاييس اللغة والمفردات ، والى المعنى الثاني في لسان العرب.

١٢٦

الأشخاص بشكل مستقل لا يتلاءم مع معنى الأمشاج ، وكذلك ليس من المناسب القول بتركيب النطفة من أنواع المعادن واشباهها ، لأنّ هذا الأمر لا ينحصر في النطفة فقط ، وإنّما تتركب من هذه المواد كل الموجودات العالية نظير الإنسان والنبات وألوان الاطعمة ، اضافة إلى أنّ كلمة النطفة في آيات متعددة من القرآن جاء في خصوص نطفة الرجل.

فمثلاً نقرأ في قوله تعالى : (الَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّنْ مَّنىٍّ يُمْنَى)؟ (القيامة / ٣٧)

لكن مع تطور العلم واتساع نطاق تحقيقات العلماءثبت اليوم أنَّ القطرات القليلة للمني والتي تدعى بـ (النطفة) مركبة من مياه متعددة تفرزها الغدد المختلفة للجسم ، وبشكل رئيسي فهناك خمس غدد تتظافر فيما بينها لكي تصنع المني من ترشحاتها ، وهي عبارة عن : غدتان تقعان في أكياس قريبة من غدة البروستات وتدعى بـ (البيضة).

والاخرى هي غدة البروستات نفسها ، وكذلك غدتا «الكوبر» و «الليترة» اللتان تقعان بالقرب من المجاري البولية هذا ما أثبته العالم الفرنسي الدكتور (بوكاري) (١).

وتختلط هذه المياه الخمسة مع بعضها بنسب دقيقة وموزونة لتشكل مادة الحياة (النطفة).

ويعتقد هذا العالم الفرنسي أنَّ التعبير بـ (الأمشاج) الوارد في القرآن هو إشارة إلى تلك النكتة الدقيقة التي خفيت عن أنظار علماء ذلك العصر.

وممّا يسترعي الانتباه هو قوله تعالى في ذيل الآية السابقة : (فَجَعلْناهُ سَميعاً بَصيراً) ، بمعنى أنّ نعمة السمع قد تقدمت على نعمة البصر ، لاحتمال أن يكون السبب في ذلك كما ذهب إليه العلماء هو أنَّ الحس الأول الذي يبدأ بالعمل لدى الرضيع هو السمع ، فهو يستعد لالتقاط الأصوات في الأيّام الاولى من حياته. بل إنّ له قبل ذلك نشاطاً محدوداً في العالم الجنيني أيضاً.

__________________

(١) مقتبس من كتاب (مقارنة بين التوراة والانجيل والقرآن والعلم) تأليف الدكتور «بوكاري» ترجمة المهندس «ذبيح الله دبير» باللغة الفارسية ـ ص ٢٧١. الملفت للنظر أنّ هذا الدكتور الفرنسي يميل كثيراً إلى القرآن حينما يصمم على مقارنة هذه الكتب فيما بينها ، وحيث إنّ ترجمات القرآن المتداولة لا تشفي غليله ، نراه يستفيد من الادب العربي ويحيط به احاطة تامة ليتمكن من الحصول على مايحتاجه من القرآن مباشرة دون حاجة للرجوع إلى ترجماته.

١٢٧

وهذا بخلاف البصر فانّه يستعد للإبصار بعد ذلك ولعله بعد مرور اسبوعين ، لعدم امتلاك العين المغمضة أي استعداد لرؤية امواج النور في البيئة المظلمة للرحم. ولهذا السبب فإنّ عين الرضيع تبقى مغمضة بعد ولادته مدة من الزمن أيضاً ، حتى تعتاد على الضياء بالتدريج.

من جانب آخر يقول تعالى : (الَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِّنْ مَّاءٍ مَّهِينٍ* فَجَعَلْنَاهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ* الَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ). (المرسلات / ٢٠)

لقد توصل علماء الأجنة اليوم من خلال مطالعاتهم ومشاهداتهم الدقيقة والمصورة عن تحولات الجنين إلى هذه النكتة ، هي أنّ لقاء (الحيامن والبيوض) إنّما يتمّ خارج الرحم وفي الممرات المنتهية إليه. ثم تنعقد النطفة لتشق طريقها نحو قرارها الأصلي وهو الرحم فتلتصق بجداره.

ويتبيّن هذا المعنى بوضوح في الآية الآنفة الذكر أيضاً ، ففي البداية تتحدث عن خلقة الإنسان ، ومن ثم عن استقراره في قرار الرحم (وينبغي الالتفات إلى أنَ «ثمَّ» تُستعمل في لغة العرب عادة للترتيب بشيء من الفاصلة) ، وعليه فإنّ الأمر الذي غاب عن أنظار جميع العلماء في ذلك العصر وما بعده قد جاء في القرآن بشكل واضح.

والتعبير بـ «القرار المكين» هو الآخر تعبير غني جدّاً في معناه والذي كان مجهولاً في ذلك الزمان قطعاً.

ونعلم في وقتنا الحاضر أنّ هناك خصائص مهمّة أخذت بنظر الاعتبار في خلق الرحم بحيث أصبح من آمن الأماكن للجنين.

وبغض النظر عن الأغشية الثلاثة التي تحيط بالجنين من كل جوانبه (غلاف بطن الام ، جدار الرحم ، الكيس الخاص لاستقرار الجنين). فإنّ كل جنين يسبح في كيس يحتوي على ماء لزج ، ويستقر هناك تقريباً في حالة من انعدام الوزن وعدم الاتكاء على شيء معين ، وهو يتحمل كثيراً من الصدمات التي ترد على انحاء جسد الأم ، ذلك أنّ الصدمات في الواقع تصيب (كيس الماء) لا الجنين نفسه مباشرةً ، وبعبارة اخرى يمكن أن نسمي ذلك

١٢٨

الكيس ومحتواه بالجهاز المضاد للصدمات نظير النوابض المرنة للسيارة التي تخفف من تأثير عراقيل الطريق. فضلاً عن ذلك أنّه يحول دون تسليط ضغط على أعضاء جسم الجنين ، ذلك لأنّ هذا الضغط يلحق الضرر بذلك الجسم اللطيف ، إضافة إلى أنّ البرودة والحرارة الخارجية لا تنتقل إلى الجنين بسهولة كما لا يخفى ، لأنّها وفي طريقها إلى الجنين لابدّ أن تخترق ذلك الكيس المملوء بالماء ، فتصل إليه معتدلة الحرارة ، وإلّا فمن الممكن أن يختل وضع الجنين بصورة كاملة عند استحمام واحد للُام بالماء البارد أو الحار.

وبناءً على هذه الامور التي توضح لنا مفهوم (القرار المكين) بصورة كاملة لا يعتبر الرحم ملجأً آمناً ومناسباً للجنين فحسب ، بل إنّ هذا الأمن والحصانة تسايره في المراحل التي تمر بها ولادته أيضاً.

وكما قال بعض المفسرين الجدد : إنّ المادة السائلة الخاصة التي يسبح فيها الجنين تتسبب في اتساع فوهة الرحم حين الولادة وتعقيم المجرى الذي يمر منه الجنين ليتمكن من اجتياز هذا المجرى المتلوث بأنواع الميكروبات عادة فيخرج إلى الدنيا سالماً ، في منتهى الأمن والراحة (١).

وممّا يستحق الاهتمام أنّ القرآن الكريم عندما يريد أن يفصح عن سلسلة المراحل التكاملية للجنين يقول تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقْنَا المضغةَ عِظَاماً فَكَسَوَنا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ انشَأنَاهُ خَلْقًا آخَرَ* فَتَبَارَكَ اللهُ احْسَنُ الخَالِقِينَ). (المؤمنون / ١٤)

ومن طريف القول هو ما اثبته علم الأجنة حالياً أنَّ الجنين عندما يطوي مرحلة كونه علقة ومضغة ، تتبدل كل خلاياه إلى خلايا عظمية ، ثم تغطيها العضلات واللحم بالتدريج (وقد أثبتت ذلك الأفلام الدقيقة الباهضة التكاليف التي أخذت لكل المراحل الجنينية).

وهذا هو ما جاءت به الآية السابقة بدقة إذ تقول : (فَخَلَقْنَا المُضَغةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا) ، وهذه هي احدى المعجزات العلمية للقرآن الكريم ، ذلك أنّه لم يكن في ذلك الزمن

__________________

(١) تفسير المراغي ، ج ١٨ ، ص ١١.

١٢٩

مايسمى بعلم «الأجنة» ، وعلى الخصوص في محيط جزيرة العرب الذي لم يتوفر فيه الاطلاع على أبسط المسائل العلمية (١).

* * *

١١ ـ القرآن يتحدث عن الآثار المهمّة للغلاف الجوي للأرض

نقرأ في قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعرِضُونَ). (الأنبياء / ٣٢)

لقد أبدى المفسرون القدماء وجهات نظر مختلفة في صدد بيان حقيقة السقف السماوي المحفوظ ، فتارة يذهبون إلى : أنّه محفوظ من نفوذ الشياطين ، وتارة يقولون : إنّه محفوظ من السقوط على الأرض ، وتارة ثالثة : إنّه محفوظ من الانهدام بالرغم من تقادم الزمن (٢).

إنّ السر وراء هذه التفاسير المبهمة هو عدم اطلاع البشر على السماء اطلاعاً دقيقاً في ذلك العصر.

وعندما وُجد علم الهيئة الجديد أثبت أنّ الكواكب بأجمعها تسبح في الفضاء اللامتناهي ، وأنّه لا يوجد سقف أساساً ، أصبح مفهوم هذه الآية أكثر تعقيداً بالنسبة لبعض المفسرين ، حتى لجأوا إلى القول : إنّ معناها هو أنّ السماء كالسقف المحفوظ الذي يحول دون حدوث أي اختلال في نظام الوجود.

وعلى هذا الأساس صار المتبادر إلى الذهن من معنى السقف هو المعنى المجازي والذي جاء بصورة التشبيه والكناية.

إلّا أنّ العلم البشري لم يزل يواصل تقدمه نحو الأمام ، وأصبح مفهوم هذه الآية أكثر وضوحاً نظراً إلى ما حصل عليه العلماء من معلومات جديدة عن طبقات الغلاف الجوي ، فثبت أنّه يوجد سقف محفوظ بمعناه الحقيقي.

__________________

(١) أشار سيد قطب في كتابه في ظلال القرآن ج ٦ ص ١٦ إلى ذلك. وقد شاهدنا ذلك أخيراً في فيلم وثائقي عجيب عن المراحل التكاملية للنمو الجنيني.

(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ٧ ص ٤٦ ؛ والتفسير الكبير ، ج ٢٢ ، ص ١٦٥ وتفاسير اخرى.

١٣٠

توضيح ذلك : أنّه توجد طبقة عظيمة للهواء تحيط بالأرض من كل أطرافها تسمى «الغلاف الجوي» يصل سمكها مئات الكيلو مترات ونظراً لضخامة هذه الطبقة الشفافة ظاهراً والمتكونة من الهواء وبعض الغازات الاخرى ، نجدها على جانب كبير من القوة والمقاومة يقدرها بعض العلماء بمقاومة سقف فولاذي سمكه عشرة أمتار ، تُصان به الكرة الأرضية من ألوان المخاطر.

فمن جهة يقف سداً منيعاً أمام سقوط الصخور المستمرة ـ ليلاً ونهاراً والمعروفة بـ (الشهب) المنجذبة نحو الأرض بسرعة هائلة وتشكل خطراً كبيراً فيما لو اصطدمت بإحدى الأماكن.

وتتضح أهميّة هذه المسألة أكثر من خلال النظر إلى ما قاله العلماء : إنّ ملايين من هذه الشهب تتجه نحو الأرض في كل يوم وليلة ، وعندما تصطدم هذه الأحجار السريعة بمقاومة الغلاف الجوي تتولد حرارة فتحترق وتشتعل متحولة إلى رماد ، ينزل إلى الأرض رويداً رويداً ، وفي بعض الأحيان تكون هذه الأحجار كبيرة جدّاً فتجتاز الغلاف الجوي (بعد أن يحترق جزء منها) فتصيب نقطة من الكرة الأرضية ، وتحدث أضراراً مخيفة ، وقد سُجلت نماذج لها في التاريخ ، ولعله انذار موجه إلى الغافلين بأنّ الله تعالى لو لم يخلق هذا السقف المحفوظ ، لتعرضتم بأجمعكم إلى هذا القصف الخطير ، ولما كان للهدوء والاستقرار معنىً في حياتكم.

ومن جهة اخرى نعلم أنّ الشمس تنبعث منها أشعة تدعى بالأشعة فوق البنفسجية (تلك الأشعة هي نفسها التي تقع فوق اللون البنفسجي عندما يتحلل ضوء الشمس ولا تشاهد بالعين المجرّدة) والمقدار القليل منها مفيد ونافع جدّاً ، فضلاً عن أنّه لا يلحق الضرر بأحد ، وبالأخص إنَّ له دوراً كبيراً في قتل الميكروبات ، إلّاإذا ازداد وكثر فانّه يحرق البدن بدون أن يشعر الإنسان بالحرارة ، (إنّ السبب وراء الحروق التي تصيب جلد الرأس والوجه والبدن في المناطق القريبة من خط الاستواء في فصل الصيف هو أنّ الشمس تسطع بصورة عمودية وتجتاز طبقة قليلة من الهواء ، فلا تحظى بقدر كافٍ من التصفية) ولو لم يوجد هذا

١٣١

(السقف المحفوظ) وهو «الغلاف الجوي» لم يستطع أي إنسان أن يقاوم الشمس ولو لحظة واحدة.

من جهة ثالثة أنّ الاشعاعات المميتة المسماة بـ (الأشعة الكونية) تتجه بسرعة نحو الأرض ممّا وراء المنظومة الشمسية فيقف جزءٌ من الغلاف الجوي ويسمى بـ «طبقة الاوزون» (١) مانعاً من نفوذ هذه الأشعة القاتلة ويقاومها كالسقف المحفوظ.

أخيراً برزت مخاوف كثيرة للعلماء على أثر الثقب الذي حدث في طبقة الاوزون بسبب تصاعد الغازات الضارة من بعض أجزاء السيارات في الهواء وإلحاقها الضرر بتلك الطبقة ، هذه المخاوف ظهرت بصورة جدية بحيث أخذ رجال الدول والعلماء يفكرون في وضع مقررات دولية تمنع حدوث هذه الاضرار.

هذا ما توصلنا إليه حالياً من التعرف على الآثار العجيبة لهذا (السقف المحفوظ) ، أي الطبقات العظيمة للهواء ومن الممكن الكشف عن حقائق أهم وأكثر في هذا المضمار مستقبلاً.

وقد يخطر في الذهن هذا السؤال وهو : هل يمكن اطلاق اسم «الغلاف الجوي» على السماء فتصدق عليه؟ وهل تعني السماء الكواكب والأجرام السماوية والمنظومات والمجرّات؟

في الجواب عن هذا السؤال نقول : إنّ القرآن الكريم هو الذي اطلق مراراً هذه الكلمة على الغلاف الجوي ومن جملة ذلك ما نقرأه في قوله تعالى : (وَأنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهَ مِنَ الثَّمراتِ رِزقَاً لَكُم) (٢). (البقرة / ٢٢)

ويتجلى بوضوح نموذج آخر لهذا المعنى في قوله عز من قائل : (الَمْ يَروَا الَى الطَّيرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ). (النحل / ٧٩)

__________________

(١) الاوزون ، غاز أزرق اللون ذو رائحة نفاذة ويعد أخطر من غاز الاوكسجين. ويتكون عند التفريغ الكهربائي للاوكسجين ، ويستعمل لاغراض الصباغة وتصفية الماء والهواء.

(٢) وورد نظير هذا المعنى في البقرة ، ١٦٤ ؛ الأنعام ، ٩٩ ؛ الأعراف ، ٩٦ ؛ يونس ، ٢٤ ؛ هود ، ٤٤ ؛ الرعد ، ١٧ وآيات أخرى متعددة.

١٣٢

١٢ ـ القرآن والغلاف الجوي للأرض أيضاً

نقرأ في قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ انْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدرَهُ لِلإِسلَامِ وَمَنْ يُرِد انْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَانَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَؤْمِنُونَ). (الأنعام / ١٣٥)

وربّ سؤال يتبادر إلى الذهن وهو :

ماهي العلاقة بين الصعود إلى السماء وضيق الصدر؟

وهو سؤال لم يجد له المفسرون الأوائل جواباً دقيقاً.

قال كثير منهم : إنّ المقصود من ذلك هو كما أنّ الصعود إلى السماء أمر عسير أو محال كذلك تحصيل الإيمان بالنسبة إلى الكفار المعاندين والجهلاء المتعصبين (١).

في حين أنّ الأعمال الشاقة والمستحيلة كثيرة على وجه الأرض فليس هناك مبرر للتشبيه ، إضافة إلى أنّ هذا التفسير بحاجة إلى تقدير : وهو أنّ الإيمان يشابه الصعود إلى السماء ، في حين أنّ القرآن يقول : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَانَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّماءِ).

وقالوا في بعض المواضع : شبَّه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه ، كما أنّ صعود السماء لايطاق (٢) ، ولا يخفى عدم تناسب هذا التفسير مع محتوى الآية أيضاً.

أمّا بالنظر إلى الاكتشافات الأخيرة فإنّ للآية المتقدمة تفسيراً آخر يناسب هذا المعنى من كل الجهات وهو :

لقد ثبت اليوم أنّ الهواء المحيط بأطراف الكرة الأرضية مضغوط بصورة كاملة في الأماكن المجاورة لسطح الأرض ويلائم تنفس الإنسان ويناسبه ، لأنّه يحتوي على الاوكسجين الكافي ، وكلما ابتعدنا عن سطح الأرض أصبح الهواء أقل كثافة فيغدو التنفس شاقاً جدّاً على ارتفاع عشرة كيلو مترات عن سطح الأرض بدون استخدام الإنسان نقاب الاوكسجين ، ويصاب بحالة من الضيق الحاد في التنفس ، وكلما ارتفع إلى الأعلى أكثر ،

__________________

(١) تفاسير مجمع البيان ؛ روح البيان ؛ تفسير القرطبي و ... ذيل الآية مورد البحث.

(٢) تفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ١.

١٣٣

ازدادت حدّة الضيق في تنفسه حتى يصل إلى الوقت الذي يغمى عليه لقلّة الاوكسجين.

إذن توجد هناك علاقة وثيقة بين ضيق النفس والصعود إلى السماء ، ولم تتبلور هذه الحقيقة في ذهن أي شخص في ذلك العصر (١). بيد أنّها قد تبلورت في اذهان الجميع في يومنا هذا ، فقد سبق لنا أن سمعنا هذا الحديث من مضيّفي الطائرة عدة مرات أثناء سفرنا بها ، بأنّ الهواء الموجود داخلها ينظم بجهاز خاص ، فاذا حدث خلل فيه ، فحينئذ ينبغي الاستفادة من نقاب الاوكسجين ، لتستغل الطائرة سرعتها وتصل إلى الطبقات السفلى للجو الأكثر ضغطاً.

كما أنّ العلاقة بين هذا المعنى وبين تفسير الآية واضحة جلية.

وهي في الواقع تشبيه المعقول بالمحسوس ، فقد شبّه الجمود الفكري والتعصب واللجاجة وقصر نظر الضالين المعاندين في اعتناقهم للإسلام ، بضيق التنفس الناجم عن قلة حصول الاوكسجين بالنسبة للشخص الذي يصعد إلى السماء.

ونُنهي هذا البحث بمقولة للمراغي في تفسيره هذه الآية ، إذ يقول : «سُبحانك ربّي نطق كتابك الكريم بقضية لم يتفهم سرها البشر ، ولم يفقه معرفة كنهها إلّابعد أن مضى على نزولها نحو أربعة عشر قرناً ، وتقدم فن الطيران ، الآن علم الطيارون بالتجربة صدق ما جاء في كتابك ، ودلّ على صحة ما ثبت في علم الطبيعة من اختلاف الضغط الجوي في مختلف طبقات الهواء ، وقد عُلم الآن أنّ الطبقات العليا أقل كثافة من الطبقات التي هي أسفل منها ، وأنّه كلما صعد الإنسان إلى طبقة أعلى شعر بالحاجة إلى الهواء وبضيق في التنفس نتيجة لقلة الهواء الذي يحتاج إليه ، حتى لقد يحتاجون أحياناً إلى استعمال جهاز التنفس ليساعدهم على السير في تلك الطبقات ، وهذه الآيات وأمثالها لم يستطع العلماء أن يفسروها تفسيراً جلياً لأنّهم لم يهتدوا لسرّها ، وجاء الكشف الحديث وتقدُّم العلوم فأمكن شرح مغزاها وبيان المراد منها بحسب ما أثبته العلم ، ومن هذا صح قولهم ، «الدين والعلم

__________________

(١) يُصاب الإنسان أحياناً بضيق في النفس عند تسلق الجبال ، هذا صحيح ومعروف منذ الأيّام السالفة ، ويحصل نتيجة للجهد البدني الشديد ويشاهد في حالة الركض على الأرض المستوية أيضاً ، غير أن القرآن يقول : إنّ ضيق النفس يسببه الصعود إلى السماء لا الجهد البدني الشديد.

١٣٤

صِنوان لا عَدوّان» ، وهكذا كلما تقدم العلم أرشد إلى إيضاح قضايا خفي أمرها على المتقدمين من العلماء والمفسرين» (١).

* * *

١٣ ـ القرآن وأسباب نزول المطر والثلوج

نقرأ في قوله تعالى : (الَمْ تَرَ انَّ اللهَ يُزجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِن خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَابَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالابصَارِ). (النور / ٤٣)

في هذه الآية تعابير مختلفة ، لم تتوضح معانيها بدقة في الماضي.

«يزجي» : مأخوذة من مادة (إزجاء) ومعناها في الأصل هو الدفع أو التحريك الملائم الهاديء.

يقول الراغب في المفردات : «التزجية» معناها هو التحريك على سبيل الترتب والتسلسل.

واستعمل القرآن الكريم هذه الكلمة لحركة السفن على أثر هبوب الرياح في البحر كما رودت في سورة الاسراء ، الآية ٦٦.

«الركام» : (على وزن غلام) وتعني الأشياء الموضوعة فوق بعضها.

«وَدْق» : (على وزن شَرق) ، وهي حسب رأي بعض المفسرين بمعنى قطرات المطر ، وحسب رأي البعض الآخر بمعنى البرق.

«البَرَد» : على وزن (سَبَد) والمقصود به قطرات المطر المنجمدة ، وهي في الأصل مأخوذة من مادة بَرْد على وزن (فَرْد) وهي البرودة. ولأنّ قطع البَرَد ذات طبيعة باردة وتبعث على برودة الأرض أيضاً اطلقت هذه الكلمة عليها (٢).

__________________

(١) تفسير المراغي ، ج ٨ ، ص ٢٥.

(٢) جاء في كتاب (التحقيق) : «البرودة في الماء أن يبرد إلى أن يصل حدَّ الانجماد فيقال له البَرَد».

١٣٥

«جِبال» : جمع جَبَل ، جاء في (معجم مقاييس اللغة) هو : بمعنى تجمع الشيء مصحوباً بالارتفاع ، وورد هذا المعنى في (التحقيق) أيضاً ، وعليه فالجبل لايراد منه جبال الحصى والرمال فحسب ، بل إنّ كل مرتفع متراكم ومخزون يقال له في لغة العرب : جبل.

واستناداً إلى ما قيل في هذا المجال نعود إلى الآية الآنفة الذكر : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ).

لم يدرك أحد في ذلك العصر بدقّة أنّ السحب في السماء على هيئة جبال بارتفاعات متفاوتة نشاهد قاعدتها غالباً. لأننا نراها بصورة لوحة واسعة في السماء ، لكن عندما نحلق بالطائرة إلى أعلى السحب ، نشاهدها جبالاً وودياناً ومرتفعات ومنخفضات ، كما نشاهد ذلك على سطح الأرض ، وبعبارة اخرى : إنّ السطح الأعلى للسحب غير مستوٍ وعلى غرار سطح الأرض يحتوي على تضاريس كثيرة ، وفي كثير من الأحيان يكون متراكماً على هيئة جبل.

ومن أجل أن يتضح مفهوم الجبال في الآية أكثر يمكن أن نضيف النكتة الدقيقة والتي ثبتت نتيجة لتطور العلوم وازدهارها وهي :

ذكر أحد العلماء في تحليله الشخصي ما خلاصته : إنّ السحب المرتفعة عُبّر عنها بجبال الثلج ، في الآية التي وقعت مورداً للبحث ؛ لأنّ العلماء في تحليقاتهم الجوية اصطدموا بسحب متكونة من إبَرٍ ثلجية ، يصدق عليها عنوان (جبال من الثلج) واقعاً ، ومن الغريب هو ما ذكره بصددها أحد العلماء الروس أثناء شرحه لبعض (السحب المحملة بالأمطار) بأنّها جبال من الثلج ، أو جبال من السحب.

هذا كله من جهة ومن جهة اخرى ، ذهب علماء معاصرون في صدد كيفية نشوء البَردَ في السماء إلى القول : إنّ قطرات المطر تنفصل عن السحاب وتصطدم بالمناطق العليا الباردة للجو فتنجمد ، ولكونها صغيرة جدّاً تقذفها إلى الأعلى من جديد تيارات هوائية شديدة مسلطة على تلك المنطقة فتنفذ تلك الحبيبات داخل السحب مرّة اخرى لتستقر مقابلها صفحة جديدة من الماء ، تنجمد مرّة ثانية حينما تنفصل عن السحاب ، ويحدث أحياناً أن

١٣٦

يتكرر هذا الأمر عدّة مرات حتى يصبح حجم البَرَد كبيراً ، ولا تقوى التيارات الهوائية على دفعه إلى الأعلى أو أن تهدأ تلك التيارات بصورة مؤقتة ، فحينئذٍ يشق طريقه إلى الأرض ويسقط باتجاهها بدون أي مانع ، ويحدث أن يكون كبيراً ثقيلاً في بعض الأحيان فيلحق اضراراً بالمزارع والبساتين والحيوانات وحتى أفراد البشر أيضاً.

من هنا يتبيّن أنّ وجود بَرَد كبير الحجم ثقيل الوزن ممكن عندما تتراكم الحبيبات المنجمدة فوق قمم السحب الجبلية إلى أن تظهر رياح شديدة فتقذفها وسط السحب ، وتجمع مقداراً أكثر من الماء ، فتصبح ثقيلة الوزن.

وعلى هذا الأساس تعتبر السحب الجبلية منبعاً مهماً لتكوّن بَردٍ كبيرٍ الحجم ، سبقت الإشارة إليه في الآية.

وتتضح المسألة أكثر فيما لو قلنا : إنّ هذه الجبال هي الأكوام المتكونة من الذرات الثلجية نفسها (١).

والسؤال الوحيد الذي يبقى هنا هو : لماذا وجه القرآن الكريم الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : (الَم تَرَ) في حين أنّنا نعلم أنّ هذه المسألة لا تقبل الرؤية على الاطلاق ، وإنّما تمكن ملاحظاتها في عصرنا فقط من خلال التحليق بالطائرة؟

والجواب عن هذا السؤال واضح ، ذلك أنّ (الَم تَرَ) والجمل المشابهة لها يراد منها (الَم تَعْلم) ، ولهذا يقول القرآن مخاطباً النبي في سورة الفيل الآية ١ : (الَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاصْحَابِ الفِيلِ) ، بالرغم من ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله في عام الفيل (العام الذي هاجم فيه أبرهة مكة المكرمة) وعدم حضوره تلك الواقعة.

* * *

__________________

(١) ذهب المفسرون في تفسير : (وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد) إلى قولين يمكن استنتاجهما من سياق تركيب الآية ؛ الأول : إنّ الجار والمجرور في «من برد» متعلق بينزل وهي في حكم المفعول فيصبح معنى الآية : إنّ الله ينزل قطع الجليد من جبال في السماء (وهنا ذكرت الجبال بصورة مطلقة). والثاني : إنّ الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف يقع صفة ل «جبال» فيصبح معنى الآية بناء على ذلك : إنّ الله ينزل بَرداً من جبال الثلج التي في الس ماء (وهنا يكون مفعول «ينزل» محذوفا ويفهم من سياق الكلام). وكلا التفسيرين يوضح الاعجاز العلمي للقرآن وفقا لما ذكرناه سالفاً. لأنّ قولاً تضمن ذكر جبال من الثلج ، وقولاً اخر تضمن جبال السحاب ، وكلاهما لم يكن معروفا في زمانه.

١٣٧

١٤ ـ القرآن وعلاقة الرعد والبرق والمطر

ورد الحديث عن الرعد والبرق في القرآن الكريم بشكل مكرر ثم وردت الإشارة إلى هطول الأمطار بعد ذلك مباشرةً.

ورد في قوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ ماءً فَيُحىِ بِهِ الارضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الروم / ٢٤)

ونقرأ في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِى يُريكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىُء السَّحَابَ الثِّقَال). (الرعد / ١٢)

وفي الماضي لم يكن أحد يعرف بدقة منشأ (الرعد) و (البرق) ، ولذا فقد كان كل واحد يختلق لنفسه فرضية معينة ، ويضفي عليها أحياناً طابع الأساطير والخرافات ، أما اليوم فقد أضحى مسلَّماً أن حدوث الرعد والبرق يرتبط بالتفريغ الكهربائي بين سحابتين لهما شحنتان كهربائيتان مختلفتان (أحدهما موجبة والآخرى سالبة).

وفي الواقع مثلما يتصل سلكان كهربائيان احدهما بالآخر فتحدث شرارة كهربائية يصحبها الصوت والحرارة معاً ، كذلك يحدث هذا الأمر بين السحب. (فالبرق) هو الشرارة الكهربائية الهائلة ، و (الرعد) هو صوت تلك الشرارة.

وقد يحدث هذا التفريغ الكهربائي بين قطع السحاب التي لها شحنات كهربائية موجبة وبين الأرض ولها شحنة كهربائية سالبة عادة ، فتقذف شرارة نارية إلى سطحها يطلقون عليها اسم (الصاعقة) والتي تسبب الحرائق الكبيرة في الصحارى والغابات وحتى في المباني والعمارات في بعض الأحيان.

وبإمكانها أن تُحوِّل قطيعاً كبيراً من الحيوانات إلى رماد في لحظة واحدة وإذا ما ضربت جبلاً ما فسوف يتلاشى وينهار ، أو إذا اصابت سطح البحر قضت على كل ذي روح يعيش في ذلك الموضع منه ؛ ويُعزى ذلك كله إلى أنّ الحرارة الناجمة من تلك الشرارة النارية هائلة جدّاً ، (تصل إلى حدود خمسة عشر الف سانتيكراد ، أي ضعف حرارة سطح الشمس تقريباً) ، فتحيل كل الأشياء إلى دخان ورماد.

١٣٨

وإذا ما كان البرق والرعد من المظاهر المرعبة لعالم الطبيعة إلّاأنّهما بالرغم من ذلك يشتملان على فوائد ومعطيات كثيرة أيضاً.

فمن احدى آثارهما المهمّة هي نزول الأمطار الغزيرة ، وذلك لأنّ الحرارة المتولدة من البرق ، تُسخن مساحة واسعة من الهواء المحيط بها ، فيقلّ ضغطه ، ومن المعلوم أنّ السحب ستفرغ ما فيها من أمطار على أثر قلة الضغط ، ولهذا السبب تهطل أمطار غزيزة بعد حصول الرعد والبرق.

وممّا يجدر ذكره : عندما تقترب السحب المتراكمة من الأرض لتظلِّلها يصبح الجو مظلماً ، ويسمع صوت الرعد المخيف وتتراءى أنوار البرق ، في الوقت ذاته تؤثر العواصف العاتية على السحب فتجعلها محملة بقطرات كبيرة غزيرة وتؤدي إلى تزايد وزنها (١) ، وهذا هو عين ما قرأناه في الآيات السابقة التي تحدثت عن السحب الثقيلة بعد أن أشارت إلى مسألة البرق ، إضافة إلى أنّ الحرارة الشديدة للبرق تؤدي إلى أن تتركب قطرات المطر من مقادير أكثر من الاوكسجين ، فينتج من ذلك ماء مؤكسد ويسمونه بالماء الثقيل أيضاً (H ٢ O ٢).

ولهذا الماء الثقيل تأثير كبير في القضاء على كثير من الميكروبات والآفات النباتية ، ولذا ذهب العلماء إلى القول بتكاثر الآفات النباتية في السنة التي يقل فيها الرعد والبرق (وهذا تفسير آخر في صدد السُحب الثقيلة).

وإضافة إلى ذلك فإنّ حامض الكربونيك يتولد من قطرات المطر الممتزجة بكاربون الجو وبواسطة الحرارة الشديدة للبرق ، وبعد سقوطه على الأرض يتفاعل مع مواد اخرى لينتج مركبات تعد من أفضل الأسمدة لنمو الأعشاب ، حتى ذهب العلماء إلى القول : إنّ مقدار الأسمدة الناشئة من الرعد والبرق في الكرة الأرضية تصل إلى حدود العشرة ملايين طن في جميع أنحاء الكرة الأرضية ، وهو رقم كبير جدّاً.

وتتوضح عظمة القرآن العلمية بالمقارنة بين هذه الاكتشافات والآيات الآنفة الذكر ،

__________________

(١) العواصف والأمطار ، ص ١٣٨.

١٣٩

خصوصاً إذا أُخذ بنظر الاعتبار عدم وجود أدنى أثر لهذه العلوم في ذلك العصر وفي بيئة الجزيرة العربية.

* * *

١٥ ـ القرآن وكشف هوية الإنسان

نقرأ في قوله عزّ من قائل : (ايَحْسَبُ الانسَانُ الَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى انْ نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ). (القيامة / ٣ ـ ٤)

جاء في الروايات ، أنّ أحد مشركي العرب ويُدعى (عدي بن ربيعة) وكان رجلاً معانداً ومتعصباً جدّاً ، أتى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله عن يوم القيامة وكيفية وزمان تحققه ، وقال : إنني لا اصدقك ولا أؤمن بك وإن رأيت ذلك اليوم بأمُ عيني ، كيف يمكن التصديق بأنّ الله تعالى يجمع هذه العظام النخرة ، هذا ممّا لا يقبل التصديق فنزلت الآية المذكورة أعلاه (١).

«بَنان» : في اللغة بمعنى الاصابع ، وقد ورد أحياناً (بمعنى رؤوس الأصابع) ، وهو مأخوذ من مادة (بَنَ) بمعنى الإقامة.

وبناءً على كون الأصابع ، أداة لإصلاح أحوال إقامة الإنسان في العالم ، اطلق عليها هذا الاسم (٢).

إنّ للأصابع دوراً مهماً جدّاً في حياة الإنسان ، وتعد من عجائب الخلقة ، وإن غفلنا عن أسرارها. لأنّها تحت تصرفنا دائماً ، ولو قطعت أصابع يد أحد ما ، فإنّه سوف لا يستطيع أن ينجز عملاً دقيقاً بأي شكل من الأشكال ، وستستحيل عليه الكتابة ، وتصفح أوراق الكتاب ، وتناول الطعام بسهولة ، والاتصال بالهاتف ، وفتح الأبواب بالمفاتيح وأنواع الصناعات الدقيقة وتستحيل عليه بقية الصناعات الاخرى كانواع الأعمال المتعلقة بالسيارات ، وحتى أخذ الأشياء الثقيلة باليد أيضاً ، بل ويمكن لنقص أحد الأصابع أن يوجه

__________________

(١) التفسير الكبير ، ج ٣ ، ص ٢١٧ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٨٥.

(٢) المفردات للراغب ؛ ومجمع البحرين ؛ ومعجم مقاييس اللغة ، مادة (بن).

١٤٠