نفحات القرآن - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-91-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٤

وتُصنعُ منه ادويةٌ تؤثرُ في نعومةِ وجمال الجلد وازالة الحروق والتجعدات.

ويُصنع من العسل دواءٌ يعالج ورمَ الفم ويُعطرُ التنفس.

ويستثمر العسل أيضاً في معالجة ذبول الجلد ، والتشققات ، والحروق ، والرَّمد ، واللدغات المؤلمة للحيوانات ، وورم العين ، والسعال.

وقد قام بعض العلماء بصناعةِ اقراصٍ من رحيق الأزهار تحتوي على مواصفاتٍ تشبه مواصفات العسل واهم آثارها مضاعفة طاقة الشباب وتنشيط الخلايا ومن ثمّ يؤدّي إلى الراحة وطول العمر (١).

ولهذا فقد عُرِف أنَ «فيثا غورس» كان يوصي طُلّابَه «كلوا العَسَلَ والخبز ما استطعتم» وكان «بقراط» يقول : «لو أردتم عمراً طويلاً فعليكم بالعسل».

إنَّ الآثار المنشّطة والخواص العلاجية والترميمية للعسل أكثر ممّا تمّ بحثه في هذا المختصر ، حتى دوَّنَ بعضُ العلماءِ كُتباً مستقلةً حول الميزات الغذائية والعلاجية للعسل.

وقد جمع القرآن الكريم كل هذه المطالب في جملة : «فِيهِ شَفَاءٌ لِلنّاسِ» بشكل دقيق.

ولا عجب إن كانت لدغة النحل والسم الموجود فيها علاجاً للكثير من الأمراض أيضاً ، كالروماتيزم ، والملاريا ، وتضخم الغدة الدرقية ، وألم الأعصاب ، وبعض أمراض العين ، وغيرها ، ويجب أن يكون التداوي بوخز النحل حسبَ برنامجٍ خاصٍ وبإشراف الطبيب ، فمثلاً في اليوم الأول مرّة واحدة ، وفي الثاني اثنتان ، وحتى اليوم العاشر يستفاد من عشرة زنابير ، وتلك هي المرحلةُ الاولى من العلاج ، وأما في المراحل الثانية فيتخذ العلاج شكلاً آخر ، وإذا تجاوز وخزُ النحل الحدَّ المعينَّ فمن الممكن طبعاً أنْ تتمخض عنه أخطارٌ ، كما أنّ قليلُهُ مضر بالأشخاص الذين لديهم حساسية اتجاهه.

لقد كتبَ بعضُ العلماء مقالةً أو مقالاتٍ بهذا الخصوص ، واختار بعضهم رسالته للدكتوراه تحت عنوان «مستخرجات سمِّ النحل وخواصها العلاجية» (٢).

* * *

__________________

(١) الجامعة الاولى ، ج ٥ ، ص ٢١٢ ـ ٢٩٠ ، نشرة الطب والدواء وكتب اخرى.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٧٤.

٣٢١

٤ ـ خدماتٌ اخرى للنحل أَثمنْ من العسل!

إنَّ حياة النحل مليئةٌ بالعجائب والاحداث ، وما تحدثنا عنه لحد الآن كان جانباً منها ، فقصة بناء الشمع ـ تلك المادة التي يُشيد منها بيت النحل بشكلٍ كامل ـ بحد ذاتها قصةٌ مفصَّلة ، والعجيب أنّها لا تستثمر هذا الشمع لبناء البيت فقط ، فقد تقوم بتحنيط اجساد الحشرات المؤذية التي لا تستطيع دفعها إلى الخارج كي تأمنَ شرَّها!.

يقول أحد خبراء النحل : أنّه لفت انتباهه في أحد الأيّام وجود كرة كبيرة نسبياً داخل خلية نحل ، وعندما فتحها وجد فيها جثة جرادةٍ حنَّطها النحل.

وقال بعضهم عن الشمع ، أنّه روح العسل والعسل روح الزهر وهو خفيف ، بحيث إنّ وزن خمسمائة بيت من مدينة النحل لا يتجاوز بضعة غرامات ، ولا شكَّ في صعوبة معرفتنا بكيفية ترشح هذا الشمع بالنسبة للنحل ، غير أننا نعرف جيداً أنَّ للشمع استعمالاً هاماً.

وعملية تلقيح وحمل الأزهار ، من أهم أعمال النحل.

يقول أحد العلماء : «لولا وجود الحشرات ، لخلت سلالُنا من الفاكهة ، لأنَّ الحشرات التي تستفيد من الأزهار يمكن أن تلقحها افضلَ من بقية عوامل نقل حبوب اللقاح ، فعندما تمدُ احدى الحشرات التي تعشقُ الأزهار خرطومَها في الزهرة ، فهي إمّا أنْ تُدخلَ اغلبَهُ ، أو أنْ تُدخلَ جزءاً من جسمها في الزهرة كما يحدث غالباً ، وفي خروجها يتغطى جسمُها بالغبار ذي اللون الأصفر وهو غبار الورد ، فتنقله مباشرة إلى زهرةٍ اخرى ـ وكما نعلم ـ أن غبار الأزهار عاملٌ مؤثرٌ فلا تتبدل البذور إلى حبوب ، ولا المبيض إلى ثمار بدونه.

وهذه النكتة جديرةٌ بالاهتمام من الناحية الفلسفية إذ إنَّ الحشرات التي تعشق الأزهار تميل إليها منذ بدء التكوين ... كلٌ منها بموازاة الاخرى ، ينمو ويتكامل ، وقد وصل الحال بها اليوم إلى عدم قدرتها على الحياة منفصلة عن بعضها ... ومن أهم الحشرات التي تعشقُ الأزهار ـ ولابدّ أنّكم تعرفونها ـ هي : الفراشة ، والنحل ، والزنبور الذهبي و ... لكن النحل أكثرُ استعداداً وتجهيزاً من بين هذه الحشرات لاخراج الغبار والرحيق من الأزهار» (١).

__________________

(١) نظرة على الطبيعة وأسرارها ، ص ١٢٦.

٣٢٢

ومن الضروري الانتباه إلى أنّ الأشجار التي تحتوي على الأزهار الذكرية والانثوية صنفان : الأشجار العقيمة غير المثمرة ، والأشجار المثمرة التي لها القدرة على ذلك.

ومن أجل تكون الثمار في الصنف الأول لابد من وجود واسطةٍ للتلقيح ، وهذه الواسطة عبارة عن النحل ، وقد ثَبُتَ أنّ ٨٠ خ من عملية تلقيح الأزهار يجري عن طريق النحل ، ومن أجل المزيد من الاطلاع على دور النحل يجب الانتباه إلى أنّ جميع أنواع التفاح ، والاجاص ، والكرز ، واللوز وأمثالها تعتبر من الأشجار العقيمة!

وقد واجهت المساعي التي بُذلت بصدد إجراء التلقيح بالطرق الكيميائية والميكانيكية والاصطناعية فشلاً ذريعاً ، ومن هنا يتضح دور النحل (١).

ويضيف العلماء : «إنَّ النحل يساعدنا بكلفة لا تقل عن مائتي الف درهم في الزراعة مقابل كل الف درهم من العسل والشمع الذي يصنعه لنا»! (٢).

ونختم هذا الحديث بجملةٍ عجيبةٍ عن «متر لينغ» استاذ علم البيئة ، بقوله : «لو هلك النحل (سواء الوحشي منه أو الأليف) ، فسيَفنى مائةُ الفِ نوع من النباتات والأزهار والثمار وما يدريك بأنْ لا تزول حضارتنا أصلاً»!! (٣).

* * *

٥ ـ البناء الجسمي للنحل عجيبٌ أيضاً!

إنَّ تركيب النحل ذاته ذو قصةٍ طويلةٍ ومدهشةٍ وعيونها بالذات اكثرُ عجباً إذ يقول العلماء : تتألف عيون النحل من الفين وخمسمائة طبقة صغيرة! تُشكِّل مع بعضها زاوية من ٢ ـ ٣ درجة ، وهذه العيون قادرةٌ على تعيين موقع الشمس فيما إذا حجبتها الغيوم ، عن طريق الأشعة فوق البنفسجية التي تؤثر فيها.

__________________

(١) تربية النحل ، ص ٢٣٣ و ٢٣٤ «مع الاختصار».

(٢) اقتباس عن عالم الحشرات.

(٣) الجامعة الاولى ، ج ٥ ، ص ٥٥.

٣٢٣

لغة النحل وتشاورها مع بعضها تعد من الحقائق العلمية التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة أيضاً (١).

إنَّ النحلَ لا يرى الأزهار الملّونة بشكلها ولونها الذي نراه ، بل إنّه يرى بواسطة الاشعة فوق البنفسجية ، وهذا النور يضاعف في جمال الأزهار فيجذبها نحوها (٢).

وللأسف فانَّ طبيعة البحث لا تسمح لنا بمزيد من الكلام في هذا المضمار ، ولكن يجب القول بأنّه كلَّما سَمعنا عن هذه الحشرة ونشاطاتها التي أشار إليها القرآن الكريم تتكشفُ لنا أسرارٌ جديدة عن قدرة الإله العظيم خالقِ كلِّ هذه العجائب.

و «مسك الختام» نُيممُ باسماعنا وقلوبنا صوب كلام الإمام الصادق عليه‌السلام حيث يقول في توحيد «المفضّل» :

«انظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل ، وتهيئة البيوت المسدسة وما ترى في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة فانك إذا تأملت العمل رأيته عجيباً لطيفاً وإذا رأيت المعمول وجدته عظيماً شريفا موقعه من الناس ، وإذا رجعت إلى الفاعل الفيته غبياً جاهلاً بنفسه فضلاً عما سوى ذلك ، ففي هذا أوضح الدلالة على أنّ الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها وسّخره فيها لمصلحة الناس ...» (٣).

* * *

__________________

(١) الحواس الغامضة للحيوانات ، ص ١٣٧ و ١٤٠ و ١٤٣.

(٢) سرُّ خلق الإنسان ، ص ٩٣.

(٣) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ١٠٨.

٣٢٤

١٩ ـ آياته في خلق الحيوانات

تمهيد :

إنَّ الحيوانات تُمثل جانباً عظيماً من الموجودات الحيَّة في العالم ، وهي تجلب اهتمامَ كلِّ ناظرٍ إليها لتراكيبها المختلفة واشكالها المتنوعة وتباينها الكثير ، وعجائبها العظيمة ، ودراسة كلٍّ منها ، تُعرِّفُ الإنسان على العلم والقدرة اللامتناهية لخالقها.

وتتجلّى أهميّة هذه المسألة عندما نرى هذه الحيوانات في مكانٍ واحدٍ ، فمثلاً لو ذهبنا إلى حديقة الحيوانات ، وزرنا غرفَ الأسماك وأنواع الطيور ، والقردة ، والاسد والفهد والنَّمر والزّرافة والفيل ، وننظرَ عادات وعجائب خلقِ كلٍّ منها ، فلا يمكن لمن يمتلك قليلاً من العقل والفطنة ، أن لا يغرق بتفكيره بها ، ولا يُذعن أمام خالق هذه الموجودات المتنوعة والعجيبة.

ومن بين هذه الحيوانات ، هنالك حيوانات أليفة تخدم الإنسان وذات منافعَ وبركات مختلفة للبشر ، جديرةٌ بالاهتمام أكثر من غيرها ، لهذا فقد استند القرآن الكريم في آياته التوحيدية إلى جميع الدواب بشكلٍ عام وإلى الأنعام والبهائم بشكل خاص ، وذكرَ جوانبَ من عجائبها في آياتٍ عديدة.

بهذا التمهيد نُمعن خاشعين في الآيات الآتية :

١ ـ (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيْهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلىَ جَمْعِهِمْ اذَا يَشَاءُ قَدِيْرٌ). (الشورى / ٢٩)

٢ ـ (إِنَّ فِى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ لَآياتٍ لِّلْمُؤْمِنْينَ* وَفى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ

٣٢٥

آياتٌ لِّقَومٍ يُوْقِنُونَ). (الجاثية / ٣ ـ ٤)

٣ ـ (أَفَلَا يَنْظُرُونَ الىَ الِابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ). (الغاشية ١٧)

٤ ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيْهَا مَنَافِعُ كَثِيْرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَعَلَيْهَا وَعَلىَ الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ). (المؤمنون / ٢١ ـ ٢٢)

٥ ـ (وَانَّ لَكُمْ فِى الأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خالِصاً سَائِغاً لِّلشَّارِبِيْنَ). (النحل / ٦٦)

٦ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ بُيُوْتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ جُلُودِ الأَنْعامِ بُيُوْتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَومَ ظَعْنِكُمْ وَيَومَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أصْوافِهَا وَأَوبَارِهَا وَاشْعارِهَا أَثَاثاً وَمَتاعَاً إِلىَ حِيْنٍ). (النحل / ٨٠)

٧ ـ (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذَلِكَ انَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيْزٌ غَفُوْرٌ). (فاطر / ٢٨)

٨ ـ (أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيْنَا انْعَامَاً فَهُمْ لَهَا مالِكُونَ* وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأكُلُونَ* وَلَهُمْ فِيْهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ افَلا يَشْكُرُونَ). (يس / ٧١ ـ ٧٣)

٩ ـ (وَالَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعامِ مَا تَرْكَبُوْنَ* لِتَسْتَووُا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ اذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ). (الزخرف / ١٢ ـ ١٣)

١٠ ـ (اللهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيْهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُوْرِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلىَ الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ* ويُرِيْكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (١). (غافر / ٧٩ ـ ٨١)

* * *

__________________

(١) هنالك آيات اخرى في هذا المجال أيضاً مثل : الشعراء ، ٣٣ ؛ والانعام ، ١٤٢ ؛ والزمر ، ٦ ؛ والزخرف ، ١١.

٣٢٦

شرح المفردات :

«دابّة» : كما قلنا سابقاً من مادة «دبيب» أي السير ببطءٍ وهدوء ، إلّاأنّها تُطلقُ عادةً على جميع الحيوانات ، وعلى المذكر والمؤنث والموجودات التي تَدُبُّ على الأرض وحتى طيور السماء ، وجمعها «دوابّ» وتعني البهائم.

وقد تستعملُ أحياناً بصدد نفوذ وحلول شيءٍ في موجودٍ آخر ، فيقال مثلاً : دبَّ الشرابُ في الجسم ودبَّ السُّقمُ في البدن.

وهذا المفهوم يشملُ حتى الإنسان ، وموارد استعماله في القرآن الكريم تشهدُ على ذلك (١).

«انعام» : جمع «نَعَم» (على وزن قَلَم) وهي ماخوذة في الأصل من مادة «نعمة» ثم اطلقت على «الجَمَلْ» ، لأنَّ الجَمَلَ كان من أفضل النعَمِ لدى العرب ، ويُطلقُ هذا اللفظ على الدواب الاخرى كالبقر والماشية بشرط أنْ يكون الجملُ جزءاً منها (٢).

وصرَّحَ رهطٌ من ارباب اللغة أنَ «النِّعَم» ذات معنىً جمعي ولا مفرد لَها ، و «انعام» جمع الجمع (٣).

يقول «ابن منظور» في «لسان العرب» : إنَ «النَّعَم» تعني الحيوان المجتر ، ثم ينقل عن آخرين أنّ «النَّعم» تُقالُ بخصوص الجَمل ، وعن بعضهم الآخر أنّها تُطلقُ على الجمال والماشية.

وسُميت «النَّعامةُ» بهذا الاسم لأنّها تشبه «البعير» كثيراً لضخامة جسمها ، ولذلك اطلقت على ظلال الجبال وغيرها ، أو الاعلام التي تُثبتُ في الصحارى لتحديد الطريق.

على أيّةِ حال .. مهما كان المعنى الأول للفظ «انعام» فهو يطلقُ في الاستعمالات العادية على الحيوانات المجترّة (البقر والأغنام والجِمال).

__________________

(١) لسان العرب ، مفردات الراغب ، ومجمع البحرين مادة (دبّ).

(٢) مفردات الراغب.

(٣) مجمع البحرين ، وأقرب الموارد.

٣٢٧

جمع الآيات وتفسيرها

ماذا يجري في عالم الحيوانات؟

بعد الإشارة في الآية الاولى والثانية إلى آيات اللهِ في خلق السماوات والأرض ، وكذلك خلق الإنسان أشار إلى خلق كافة الحيوانات الموجودة في السماوات والأرض ، قائلاً (ومِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيْهمَا مِنْ دابَّةٍ).

«بَثَّ» : تعني في الأصل تفريق الشيء كما يُفرّق الهواء الاتربة ، وهذا التعبير في الآية يعني تكوين وخلق وابراز الموجودات المختلفة ، ونشرها في مختلف المناطق.

على أيّة حال .. فإنَّ هذا التعبير يشملُ جميع البهائم والحيوانات والإنسان ، ابتداءً من الموجودات المجهرية التي تتحرك حركةً دقيقة وخفيَّةً وحتى الحيوانات العملاقة التي يبلغ طولها عشرات الامتار وقد تزن أكثر من مائة طن (١) ويضم كلَّ أنواع الطيور ومئات الآلاف من أنواع الحشرات المختلفة ، وآلاف الآلاف من أنواع الحيوانات الوحشية والأليفة والحيوانات المفترسة والزواحف والأسماك الصغيرة والكبيرة والموجودات الحيَّة في البحار.

ولو تأملنا قليلاً في سعة مفهوم «دابة» وشموله بالنسبة لجميع أنواع البهائم لتجسد أمامنا عالمٌ من العجائب والغرائب ومناظرُ من القدرة ، حيث يكفي كلٌ منها أنْ يُعرفَنا على علمِ وقدرة الخالق العظيم لهذا الخلق.

لقد دُوّنت الملايين من الكتب وبمختلف اللغات حول خصائص بناء وحياة أنواع الاحياء ، واعدّوا الكثير من الاشرطة المصورة في هذا المجال ، واصدروا مجلات مختلفة وبلغاتٍ متباينة بخصوص هذا الموضوع ، حيث تجعلُ مطالعتُها الإنسان يغرقُ في بحرٍ من

__________________

(١) يصل وزنُ بعض الحيتان إلى مائة وعشرين طناً ، وكما يقول صاحب كتاب «نظرة على الطبيعة وأسرارها» (البروفسور ليون برتن) فانَّ هذا الوزن يعادل وزن الفِ وخمسمائة رجلٍ ضخم الجثة! أو اربعة وعشرين فيلاً ضخما! وقد أجريت حساباتٍ على وزن أعضاء جسمها : فقلبه يزن ستمائة كيلو غرام ، والدم يزن ثمانية آلاف كيلو غرام ، والرئتان طناً واحداً ، والعضلات خمسين طناً ، والجلد والعظام والامعاء والاحشاء تزن ستين طناً ، (ص ٢٣٨).

٣٢٨

العجائب والغرائب ، وقد أزالت المساعي التي بُذلت من قبل العلماء على مدى آلاف السنين لمعرفتها ، الحجاب عن جانبٍ واحدٍ فقط من حياتها ، ومن المسلَّم به أنَّ المستقبل سيشهد في كل يوم انكشاف اسرارٍ جديدة من حياتها.

فبعض العلماء قضى عشرين عاماً من عمره لدراسة حياة النمل فقط ، وإذا أرادوا دراسة حياة كافة أنواع الحيوانات بهذا الاسلوب فمن غير المعلوم أنْ يكفي عمر البشرية لمعرفة أسرارها.

والجدير بالذكر أنَّ ما نتحدث عنه هو الكائنات الحيَّة الموجودة في الأرض ، بينما يستفاد من تعبير «فيهما» (في السماء والأرض) أنْ هنالك احياءً كثيرة في السماوات أيضاً ليست في متناول دراسات علمائنا ، وربّما يعثر الإنسان على موجوداتٍ حيَّةٍ عجيبةٍ وغريبةٍ اخرى في باقي الكواكب من خلال الرحلات الفضائية حيث يصعبُ علينا الآن تصور شكلها ومواصفاتها.

وقال بعض المفسِّرين إنَّ المقصود من حيوانات السماوات هي الملائكة ، بينما لا تُطلقُ كلمة «دابّة» على الملائكة ويعتقد بعضهم أيضاً بعدمِ وجود أيَّ كائنٍ حيٍّ في السماوات غير الملائكة ، وقد ذكروا تبريرات وتفاسير اخرى للآية ، بينما يتضح هذا المعنى لدينا اليوم إذ إنَّ الكائنات لا تقتصر على الكرة الأرضية فقط ، وكما يقول العلماء هنالك ملايين الملايين من الكواكب في هذا الفضاء الفسيح يمكنُ السكنُ فيها من قبل الدّواب والاحياء.

والجدير بالذكر أيضاً أنّ الحيوانات لا تعتبر آية من آيات الله في خلقتها وطراز حياتها وجوانبها المختلفة فحسب ، بل لفوائدها العديدة وخيراتها الكثيرة التي تفيض بها على الإنسان.

وإذا قال : (آيَاتٌ لِّقَوْم يُوقِنُونَ) فهو إشارة إلى الذين لديهم الاستعداد لقبول الحق والإيمان ولم يقصد المعاندين والمتكبرين والأنانيين.

* * *

٣٢٩

ويقول في الآية الثالثة من البحث بصيغة استفهام توبيخي : (أَفَلا يَنْظُرونَ إلىَ الابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ).

واللطيف أنّه تمت الإشارة بعد ذلك إلى عظمة خلق السماء ، ثم الجبال ومن بعدها الأرض ، فوضعُ الابلِ إلى جانب هذه الاشياء ، يُعتبرُ دليلاً على أهميّة خلق هذا الحيوان.

إنَّ التأمُلَ في أوضاع هذا الحيوان ، يدللُ على أنّه ذو مواصفاتٍ متباينة تجعلُهُ يختلف عن باقي الحيوانات الاخرى ، ويتضح جيداً من خلال الانتباه إلى هذه المواصفات لماذا استند القرآن الكريم إلى هذا الموضوع بشكلٍ خاص ومن جملتها :

١ ـ إنَّ مقاومة الجَمَلَ لا نظير لها ، لا سيما ازاء الجوع والعطش ، وشدة التحمُّل ، وقد يقاوم العطشَ وهو اصعبُ من الجوعِ لعشرةِ أيّام أو أكثر ولهذا يعتبرُ أفضل وسيلةٍ لقطع الصحراء القاحلةِ ، لذلك فقد اطلقوا عليه «سفينة الصحراء». لأنَه يتمكن من خزن الغذاء والماء لمدةٍ طويلةٍ في بطنهِ ويقتصدُ في استهلاكها أيضاً.

٢ ـ لا يتقيد بنوعٍ خاصٍ من الغذاء في طعامه ، وغالبا ما يتغذى على كل ما ينمو في الصحراء.

٣ ـ والأعجب من ذلك أنّه يواصلُ طريقه شاقاً العواصف الترابية المليئة برمال تعمي العيون وتصم الآذان ، وهو يستطيعُ سدَّ منخريه مؤقتاً ، ويحافظ على اذنيه من الغبار ، ولعينيه هدبان يُطبق أحدهما على الآخر في هذه الظروف ، وينظر من خلفهما ، وما قاله بعضهم بأنَّ الجمَلَ يسير مغمضَ العينين فانَّ هذا هو المقصود.

حتى ذكر بعض المفسِّرين إنَّه يُحسنُ تشخيص الطريق في الليالي المظلمة أيضاً!.

٤ ـ إنَّ الحيوانات تتباين فيما بينها ، فبعضها يستفادُ من لحمه ومنها مَا يفيد في الركوب ، وبعضُ يستفادُ من لبنه فقط ، وبعضها الآخر للحمل ، إلّاأنّ الجَمَلَ يجمعُ بين هذه الجوانب الأربعةِ جميعها ، فيستفاد منه للركوب ولحمل الأمتعة ومن لبنه وجلده ووبره.

٥ ـ ومن العجائب المتميزة لهذا الحيوان هي أنَّ الحملَ يوضَعُ على ظهرهِ أو يُركبُ أثناء بروكهِ ، وينهض وبحركةٍ واحدةٍ من مكانه ليقف على أرجلهِ ، بينما تنعدم هذه القدرة لدى باقي الحيوانات.

٣٣٠

وقد ذكرَ بعضهم أنَّ هذا يعود إلى القدرة العجيبة الكامنة في رقبته الطويلة التي تعمل طبقاً لقانون «الرافعة» الذي اكتشفه «ارخميدس» لأول مرّة ، (فهو يقول : لو وجدتُ نقطة للاتكاء خارج الكرة الأرضية لتمكنتُ برافعة ضخمة من تحريك هذه الكرة عن مكانها! وهذا هو الواقع ، فطبقاً لقانون الرافعة أنَّ الضغط الوارد على أحد طرفي الرافعة الذي يضرب في المسافة بينه وبين نقطة الاتكاء يوجد في الطرف الآخر للرافعة الاقرب إلى نقطة الاتكاء ضغطاً عظيماً).

وانطلاقاً من هذا فانَّ رقبة البعير تكتسب صفة الرافعة استناداً إلى نقطة ارتكازها المتمثلة في الأرجل الإمامية ومن خلال حركةٍ سريعةٍ وقويةٍ تعمل على تخفيف الاحمال الموجودة على ظهر البعير وتسمح له باطلاق رجليه الخلفيتين وينهض من مكانه! (١).

كلُ هذا وعجائب ومواصفات اخرى أدّت إلى أن يُستند إليه بوصفه آيةً من آيات الله العظيمة ، وليس فقط لأنَّ الجَمَلَ كان من الأركان المهمّة في حياة العرب الذين كانوا أولَ من خوطب بهذه الآيات.

فمنْ يستطيع أنْ يخلقَ كلَّ هذه العجائب والبركات في مخلوقٍ واحدٍ؟ ومن ثمَّ يجعلُهُ مطيعاً للإنسان بحيث لو أَخذَ طفلٌ صغيرٌ بعنانِ قافلةٍ من الابلِ لكان بمقدوره أن يأخذه إلى المكان الذي يصبوا إليه ، والعجيب أنّ الأنغام الموزونة «كالحدي» تترك أثراً في نفسهِ أيضاً وتدفعه إلى الحركة بحيويةٍ ونشاط وشوقٍ.

أوليست هذه آياتٌ عن عظمة وقدرة الخالق؟ أَجَلْ ؛ فاولئك الذين لا يمرُّون على هذه الآيات مرور الكرام باستطاعتهم أن يدركوا أسرارها (لا تَنسَوْا أنّ جملة : (افَلَا يَنْظُرونَ) من مادة «نَظَرْ» إلّاأنّها ليست النظر العادي ، بل النظر المتزامن مع التفكُّر والتأمُّل).

* * *

__________________

(١) اشير إشارة قصيرة في كتاب الجامعة الاولى ، ج ٦ ، ص ٣٢ إلى هذه المسافة ، وكما اشير في كتبٍ اخرى باشاراتٍ مفصلةٍ.

٣٣١

ويقول في الآية الرابعة والخامسة ضمن إشارته إلى المنافع المختلفة للحيوانات بالنسبة للإنسان : (وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً).

وذُكرت «عبرة» هنا بصيغة «نكرة» حيث تعتبر دليلاً على أهميّته الفائقة ، وكما يقول الراغب في كتاب المفردات «عِبرَة» من مادة «عَبْر» وتعني العبور والانتقال من حالةٍ إلى اخرى ، وهنا حيثُ يرى المعتبرُ حالةً يدلكُ من خلالها على حقيقة لا يمكن ملاحظتها فاطلقوا على ذلك «عبرة».

وعليه فانَّ مفهوم الآية يشير إلى أنّه بمقدوركم انْ تصلوا إلى معرفة الله وعظمة وعلم وقدرة مُبدىء الخلق العظيم من خلال ملاحظة أسرار وعجائب الحيوانات.

ثم أشار القرآن في شرحه لهذا المعنى إلى أربعةِ جوانب من الفوائد المهمّة للحيوانات فيقول ابتداءً : (نُسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا) نعم ، اللبن هذه المادة السائغة الطعم التي تخرج من الحيوانات ومن بين دمها ولحمها شراباًمغذياً كاملاً ، وورد هذا المعنى مع تأكيد أكثر في الآية الخامسة إذ يقول : (نُّسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثِ وَدَمٍ لَّبَناً خالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِيْنَ) (١).

فأيُّ قدرةٍ تلك التي تُخرجُ مثل هذا الغذاء الطاهر الصافي اللذيذ من بين تلك الأشياء الملّوثة؟ لونه ابيض ، طعمه حلوٌ ، رائحته عطرة ، ومقبولٌ من جميع الجهات.

والعجيب ما يذكره العلماء .. فمن أجل انتاج لتر واحد من الحليب في ثدي الحيوان يجب أنْ يمرَّ ما يقارب خمسمائة لتر من الدم خلال هذا العضو كي يتم امتصاص المواد اللازمة من الدم لتكوين ذلك اللتر من اللبن! ومن أجل انتاج لتر واحد من الدم في الشرايين

__________________

(١) «فرث» بمعنى الغذاء المهضوم ، والجدير بالذكر أنَّ «بطونها» ذُكرت في سورة المؤمنون مع ضميرٍ مؤنث حيث لها معنىً يفيد الجمع في مثل هذه الموارد ، وفي سورة النحل «بطونه» بضمير المذكر إذ لها معنىً فردي ، وقال بعض المفسِّرين أنّ «انعام» اسمُ جمعٍ ولو لوحظ ظاهر اللفظ فانَّ ضمير المفرد يعود إليها ، ولو لوحظ معناه فانّه ضمير جمعٍ ولو لوحظ ظاهر اللفظ فانَّ ضمير المفرد يعود إليها ، ولو لوحظ معناه فانّه ضمير جمعٍ وقال بعضهم أنّ ضمير المفرد لمفهوم الجمع وضمير المؤنث لمفهوم الجماعة ، (يُراجع تفاسير الكشاف والكبير وروح المعاني وابو الفتوح الرازي).

٣٣٢

لابدَّ أنْ تمُرَّ الكثير من المواد الغذائية خلال الامعاء هنا حيث يتجلّى مفهوم : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ).

وقد قيلَ الكثير حول تركيب اللبن وكيفية تكوينه في الأثداء ، وأنواع المواد الأولية والفيتامينات الموجودة فيه ، ومزاياه التي تمنح الطاقة ، والمستخرجات المتعددة التي تُنتجُ منه ، وفائدته لكلِّ الأعمار ، بحيث لو جُمعَتْ لألَّفَتْ كتاباً مُعتَبراً ، يُخرِجُنا التطرق إليه عن اطار البحث التفسيري.

ونكتفي هنا بذكر روايةٍ مليئةٍ بالمعاني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : (إذا أكَلَ أحَدُكُمُ طعاماً فَلْيَقُلْ اللهُمَّ بارِكْ لَنَا فيهِ ، وأطْعمنا خيراً مِنْهُ ، وإذا شَرِبَ لَبَناً فَلْيَقُل أللهُمَ بارِكْ لَنَا فيهِ ، وَزِدْنا مِنهُ ، فَانّي لا أَعْلَمُ شَيئاً أنْفَعُ في الطّعامِ والشَّرابِ مِنْهُ) (١).

ثم يتطرق إلى الفائدة الثانية للحيوانات ذوات الأربع ، فيقول في جملةٍ قصيرةٍ وغامضةٍ : (وَلَكُمْ فِيْهَا مَنافِعُ كَثِيْرَةٌ).

وهذا التعبير يُمكنُ أنْ يكون إشارة إلى الصوف والوبر والشَعَر في الحيوانات والتي يُصنعُ منها أنواع الملابس والفرش باستمرار ، وكذلك إشارة إلى الجلود والامعاء والعظام والقرون التي تُصنعُ منها وسائل الحياة المختلفة ، وحتى فضلاتها يمكن استخدامها كأسمدة في تنمية الأشجار وتنشيط الزراعة والنباتات.

وفي المرحلة الثالثة أشار إلى فائدة اخرى قائلاً : (وَمِنْهَا تَأكُلُونَ).

مع ما ذكره خبراء الغذاء من كل أضرار اللحم ، وبالرغم من المؤاخذات الواردة على آكلي اللحوم في العالم من الناحية الطبية والاخلاقية وغيرها ، فأنَّ الكثير يعتقدون أنَّ استهلاك اللحم بكميةٍ قليلةٍ ليس غير مضر فحسب بل وأنَّهُ ضروريٌّ بالنسبة لجسم الإنسان ، وتبرهنُ تجارب الذين يعيشون على النباتات بأنَّهم مصابون بالاضطرابات والنواقص وتؤيدُ وجوهُهُم الصفراء ذلك ، وهذا يعود إلى أنَّ البروتين وبعض العناصر الأساسية الموجودة في اللحم لا يمكن الحصول عليها في أيَّ نباتٍ أبداً ، والأهميّة التي

__________________

(١) تفسير روح البيان ، ج ٥ ، ص ٤٨.

٣٣٣

يعطيها القرآن لهذه المسألة تحكي عن هذا المعنى.

ولكن ممّا لا شك فيه أنَّ الافراط في اكل اللحوم شيءٌ مذمومٌ في نظر الإسلام ومن وجهة النظر الطبية أيضاً.

وأشار في الجزء الرابع والأخير من هذه الآية إلى الاستفادة من الحيوانات للركوب. فيقول : (وَعَلَيْهَا وَعَلىَ الْفُلْكِ تُحْمَلُوْنَ).

فقد كانت هذه الحيوانات على الدوام خير وسيلةٍ للحمل والركوب ، واليوم في عصر السيارات والشاحنات لم يستغنِ البشر أيضاً عن وجود هذه الحيوانات للركوب وحمل الأمتعة ، لا سيما في بعض المناطق الجبلية والطرق التي لا يمكن استغلال وسائط النقل الحديثة فيها ، فيستفاد من الحيوانات في الحمل والنقل فهنالك حيوانات كالبغال تعتبر افضل وسيلةٍ لارسال العتاد إلى جبهات الحرب على اعالي الجبال الوعرة ، ولولاها لاصبح من الصعوبة السيطرة على الجبال الشاهقة الواسعة.

وبهذا فقد أودعَ الباري تعالى فوائد جمّة في هذه الحيوانات ، وبيَّنَ آثار عظمته وفضله على الإنسان من خلالها.

واللطيف أنَّ الحيوانات جاءت في هذه العبارة من الآية في مقابل السفن وهذا دليلٌ على انّها بمثابة سفن في اليابسة! (١).

وفي الآية السادسة وكتعريفٍ بالذات الإلهيّة ، أو ذكر النِّعم التي تجُّر الإنسان إلى معرفته ، أشار إلى مايستفيده الإنسان من جلود واصواف الحيوانات ، فيقول : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً).

ثم يضيف : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَومَ ظَعْنِكُمْ ويَومَ إِقامَتِكُم).

أجل .. فالبيوت الثابتة لا تُلبي حاجةَ الإنسان باستمرار ، ففي الكثير من الحالات يحتاج الإنسان إلى بيوت متنقلةٍ كي يستطيع حملها ونقلها بسهولة وتقاوم في نفس الوقت

__________________

(١) وورد ما يشابه هذا المضمون في الآيات ٥ إلى ٨ من سورة النحل حيث يشير إلى المنافع المتعددة للحيوانات.

٣٣٤

البردَ والحرَّ والرّياح والعواصف وأمثال ذلك ، ومن افضل البيوت المتنقلة هي الخيام التي تصنع من الجلود التي تمت الإشارة إليها في هذه الآية ، وهي اقوى من الخيام المصنوعة من الصوف أو القطن وأكثر مقاومةً وراحةً.

ويتطرق في ختام الآية إلى جانبٍ آخر من منافعها المهمّة ، إذ يضيف : (ومِنْ أَصْوَافِها وَأَوْبارِهَا وَأَشْعارِهَا أَثاثاً وَمَتاعاً إِلىَ حِيْنٍ) (١).

ونحنُ نعلمُ طبعاً أنَّ الصوف من الأغنام ، والوبر من الابلِ ، والشَّعْرَ من الماعز ، ونعلمُ أيضاً أنَّ أنواع الملابس ، والفرش ، والاغطية ، والستائر ، والخيام ، والسُفَر ، والحبال ، وأمثالها ممّا يلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان ، تُصنعُ جميعها من هذه المواد الثلاث.

وبالرغم من أنَّهم قاموا في هذا العصر بصناعة أنواع الملابس والفراش من المواد الصناعية والنفطية ، إلّاأنّ دراسات العلماء أثبتت أنّها لا تُعتبر صالحةً لحياة الإنسان ، وغالباً ما تؤدّي إلى مضاعفاتٍ غير ملائمة له ، بينما تُعتبر الملابس الصوفية والوبرية والشَعرية من أصلح الملابس.

وقد اعتبرَ بعضهم التعبيرَ بـ «الىَ حينٍ» إشارةً إلى دوام الآلات التي تُصنعُ من هذه المواد الثلاث ، ويعتبرها بعضهم إشارةً إلى أنَّ جميع ذلك الأثاث معرض للزوال ولا يجب التعلُّق به ، ويبدو أنَّ هذا المعنى أكثر تناسباً.

* * *

وفي الآية السابعة التي وردت ضمن الآيات التوحيدية في سورة فاطر ، حيث أثارَت انتباه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خلقِ الإنسان والدَّوابِ والأَنعامِ ، قائلاً : (ومِنَ النّاسِ والدَّوابِ

__________________

(١) «بيوت» جمع «بيت» ويعني حجرة أو بيت الإنسان الذي يأوي إليه ليلاً ، ولفظة «بيتوته» التي تعني «المبيت ليلاً» مأخوذة من ذلك أيضاً ، «ظعن» تعني الرحيل والتنقل من مكان إلى آخر وهي تقابل «الاقامة» ، ... «اثاث» مأخوذة من مادة «اثّ» وتعني الكثرة والاضطراب وتطلق على لوازم البيت نظراً لكثرتها واعتبرها بعضهم بمعنى الغطاء واللباس وبعضهم بمعنى البساط في حين اعتبرها بعضهم الآخر راجعة إلى «المتاع» الذي يعد وسيلة للتمتع والاستفادة وأنّهما بمعنى واحد.

٣٣٥

وَالأَنْعَامِ مُختَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) (١).

أي كما خلقَ الله تعالى انواعَ الثمار وبألوانٍ متباينة ، وتتباينُ الوانُ الجبال فيما بينها ، فقد خلقَ ألواناً مختلفةً من الاحياء سواء الإنسان أم الدَّواب أم الأنعام ، بالرغم من أنَّ اغلب المفسرين اتّخذوا الألوان هنا بمعنى الألوان الظاهرية المختلفة (٢) ، ولكن يبدو أنّ التعبير المذكور ذو معنىً واسع ، ويُعتبرُ إشارة إلى تفاوت أنواع واصناف الناس والدَّوابِّ والأنعام ، الذي يعتبر من اهم عجائب وغرائب الخلق.

لا شك أننا نعلمُ أنَّ هنالك اليوم مئات الآلاف من أنواع الدَّواب والحيوانات في العالم ، بل يذكر بعض العلماء أنَّ أنواعها يبلغ مليوناً وخمسمائة الف نوع! ، وهذا التباين العجيب وبهذه المواصفات التي تتصف بها كلٌّ منها يعتبر آيةً عظيمةً من آيات الله ، وبراهين عل علمه وقدرته.

نعم ... فقد ابدعَ هذا الرسّام الماهر بقلم واحد ولون واحد في رسمِ انواعٍ لا تُحصى من الرسوم ونماذج ملَّونةٍ من الألواح كل منها آية في صنعِ الخلقِ.

غير أنّ المفكرين والعلماء هم الذين فتحوا بصائرهم لَيَروا روحَ العالم في هذه الميادين البديعة ، و «يَرَوْنَ مالا يُرى» ، لذلك يقول في ذيل الآية : (إِنَّمَا يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفُورٌ).

إنَّ ألوانها الظاهرية المختلفة تَشغُلُ أهلَ الظاهر ، وألوانها الباطنية وخلقها المتباين تشغل اهلَ الباطن والمعنى.

فالألوان الظاهرية للأزهار تجذب نحوها النحل ، كي يساعدها في التلقيح ، كما تتجاذب الإناث والذكور من الحيوانات فيما بينها «لا سيما في الطيور» ، إلّاأنّ ألوانها الباطنية وبناءها المتفاوت يدعو العلماء وأصحاب الفكر نحوه ، كي يُلقِّحَ فكرهُ من بذر التوحيد.

__________________

(١) «من الناس» خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، والتقدير هو : «ما هو مختلفٌ الوانه» ، و «كذلك» أشار إلى الثمار المختلفة وألوان الجبال المتفاوتة التي وردت في الآية السالفة.

(٢) تفسير الميزان ، وتفسير روح الجنان ، وتفسير في ظلال القرآن ، وتفسير القرطبي وغيره.

٣٣٦

و «خَشْية» : تعني «الخوف الممزوج بالتعظيم الناتج عن علمٍ ووعي» ، وفي الحقيقة هي مزيجٌ من الرهبةِ والرجاء لهذا وَصَفَ الله نفسه بعد هذا الكلام مباشرة بصفتي «عزيز» و «غفور» حيث إنَّ الأولَ منشأ للرهبة والثاني مصدر للرجاء ، وعليه فانَّ ذيل الآية مركبٌّ في الحقيقةِ من العلة والمعلول.

علماً أنَّ ذكرَ «الإنعام» بعد الدّواب ، جاء من باب ذكر الخاص بعد العام ، لأهميّة الانعام في حياة الناس.

* * *

وفي الآية الثامنة وجَّه الَّلومَ من خلال استفهامٍ توبيخي للمشركين والكافرين الذين ضلّوا وتركوا خالق الكون وتوجهوا نحو الأصنام ، فقال : (أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ).

إنّ التعبير بـ «لَهُم» ذو مفهومٍ واسعِ للغايةِ حيث يشمل المنافع المختلفة لجميع أجزاء هذه الانعام ، أَجَلْ .. فقد اقتضى لطفُ الله أن يكونَ هو «الخالق» والآخرون هم «المالكون»!.

ثم أشار إلى نكتةٍ اخرى فيما يخص الانعام ، مضيفاً : (وَذَّللْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُم وَمِنْهَا يأكْلُونَ* ولَهُمْ فِيْهَا مَنافِعُ وَمَشَارِبُ).

ويقول في الختام «فهلا يشكرون هذه النِّعم التي وهبها الله للناس»؟ ولا يَسْعَوْنَ لمعرفة ذاته المقدّسة؟ (أَفَلا يَشْكُرُونَ).

ويُمكنُ أن يكون التعبير بـ (ممّا عَمِلَتْ أَيْدينا) إشارة إلى تعقيد مسألة الحياة التي لم ينكشف لغزُها للبشر لحد الآن ، وهذا نابعٌ من قدرته الازليّة فقط.

والتعبير بـ «المشارب» بعد ذكرِ «المنافع» من قبيل ذكر الخاص بعد العام حيث تمَّ الاستناد إليه بسبب أهميّته.

علماً أنّ «مَشارِب» جمع «مَشرب» (لأنّها جاءت مصدراً ميميّاً بمعنى اسم المفعول ،

٣٣٧

ويمكن أن تكون إشارة إلى أنواع حليب الانعام المختلفة ، التي لكلٍّ منها آثاره ومزاياه الخاصة به ، أو إشارة إلى مستخلصات الحليب التي نحصل عليها ، وبما أنَّ اصلها هو الحليب فقد اطلقَ عليها لفظ «مشارب» ، ونحن نعلمُ أنّ الحليب ومستخرجاته يُمثلُ جانباً مهماً من غذاء الناس (١).

ولنا بحثٌ مناسب حول «ذَلَّلناها» سيأتي في قسم التوضيحات إن شاء الله.

* * *

والآية التاسعة من البحث وقعت ضمن سلسلة الآيات التي تتعلق بمعرفة الله والتوحيد لأنَّه قال في الآيات التي سبقتها : (ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمواتِ والأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزيزُ الْعَليمُ) ، ثمَّ تَطرَّقَ إلى وصفِ الله القدير قائلاً : (والّذى نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً بِقَدرٍ فأَنْشَرنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخرَجُونَ) ، ثم يضيفُ في آية البحث : (والّذى خَلَقَ الازواجَ كُلَّها).

ويبدو أنَّ المقصود من (أزواج) هنا هو أزواج الاناث والذكور من الحيوانات والاحياء ، لا سيما وانّه يضيف بعد ذلك : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلكِ والأَنْعامِ مَا تَركَبُونَ) (أي الفلك في البحار والانعام في اليابسة).

وبهذا فانَّ ذكر «أنعام» بعد «الأزواج» جاء من بابِ ذكر الخاص بعد العام.

إلَّا أنّ بعض المفسِّرين يعتقِدون أنَ «الأزواج» هنا إشارة إلى «الاصناف المتفاوتة» للموجودات ، سواء كانت حيوانات أم نباتاتٍ ام جماداتٍ ، لأنَّ كلاً منها له جنسٌ يقابله ، ففي الحيوانات هنالك الذكر والانثى ، وفي غيرها النور والظلام ، السماء والأرض ، والشمس والقمر ، اليابس والرطب ، وحتى داخل أفكار الإنسان هنالك الخير والشر ، الكفر والإيمان ، التقوى والفجور ، وامثال ذلك ، والوجود الوحيد الذي لا اختلاف فيه هو ذاتهُ

__________________

(١) يعتبر بعض المفسِّرين أنَّ «مشارب» إشارة إلى الأواني التي تُصنعُ من جلد الحيوانات كانواع القِرَب والأواني الاخرى ، إلّاأنّ هذا التفسير يبدو بعيداً إذ ليس لهذا الأمر أهميّة بالغة بحيث يُستند إليه بعد ذكر المنافع.

٣٣٨

المقدّسة ، وهو متفردٌ في كافة النواحي ، إلّاأنَّ التفسير الأول يبدو أكثر صواباً من خلال ما ذكرناه من قرينة.

على أيّةِ حالٍ ، فقد ذُكرَ خلقُ الأزواجِ من جانبٍ وخلق الانعامِ للركوب من جانبٍ آخر في هذه الآية براهين عن الوجود المقدَّسِ لله تبارك وتعالى.

إنَّ النظامَ الدقيق الذي يسود مسألة التكاثر في الموجودات الحيَّةِ والحيوانات نظامٌ معقَدٌ وعجيبٌ للغاية ، فما هي العوامل التي تؤدّي إلى أن يكون الجنين في رحم امه ذكراً أو انثى؟ وما هي العوامل التي تؤدّي إلى حفظ التوازن بين جنس الذكر والانثى؟ وما هي العوامل التي تؤدّي إلى أنْ ينجذبَ أحدُهما نحو الآخر كي تحصل مُقدَّماتُ الحمل؟ وما هي العوامل التي تعمل على تكاملهِ في مرحلةِ الحياة الجنينيةِ المعقدة؟

فإذا تأملنا جيداً ، لوقَعَ بصرُنا على آياتٍ عظيمةٍ من آياتِ الله في هذا الطريق الطويل ، وفيما يخص تذليل الحيوانات لركوبها.

ثم تحدَّثَ عن تسخير هذه الحيوانات القوية والضخمة للإنسان ، قائلاً : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُوْرِهِ ثُمَّ تَذكُروُا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُم عَلَيْهِ وتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ).

صحيحٌ أننا ننظرُ إلى هذه المسألة نظرةً بسيطة جرّاء اعتيادنا عليها يومياً ، حيث نرى قوافل كبيرة من الابل والخيل ، وحتى حيواناتِ ضخمة كالفيلة مُسَخَّرة بيد طفلٍ صغيرٍ ، وأحياناً يُودَعُ عنانُ قافلةٍ منها بيد طفلٍ فيقودها حيث يشاء ، إلّاأنَّها في الحقيقةِ ليست أمراً هيّناً ، فلو كان لأحدها أقلُّ حالةٍ من التمرد والمواجهة فلا يستفاد منها في الركوب أبداً بل لأَصبحت تربيتُها من قِبل الإنسان خطيرةً جدّاً.

فنحن لا نستطيع أنْ نُربّي بازاً مشاجراً ، وحتى قطة غاضبة وهائجة ، فكيف نُربّي هذه الحيوانات الكبيرة القوية التي يمتلك بعضها قروناً وبعضها ذات اسنانٍ قاطعةٍ وفكٍ قويٍّ ، وارجل بعضها قوية وكبيرة تستخدمها للضرب والركل ، فإذا لم تكن مطيعة فكيف

٣٣٩

نستخدمها للركوب؟ ولولا التسخير الإلهي حقاً لم نستفد منها أبداً : (مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ) (١).

والنكتة الجديرة بالذكر أيضاً أنَّ ظهرَ الأَنعامِ خُلق بحيث يكون مناسباً ومُعَدَّاً لركوب الإنسان.

وممّا يلفت النظر أنّه يذكرُ الركوبَ عليها هدفاً أولاً ، وذكر نِعَمِ الخالقِ يعتبره الهدف الثاني ، وتعد معرفة الذات الإلهيّة المقدّسة وتسبيحه وتقديسه هي الهدف النهائي ، فذكر النِّعَمِ يَضَعُ الإنسان دائماً في طريق معرفتها ، ومن ثمّ كلُ مواهب الخلق دافعٌ ومقدمة لمعرفة الله سبحانه.

وذُكر هذا المعنى في الآية العاشرة والأخيرة بالإضافة إلى منافع اخرى ، وقد تمت الإشارة في هذه الآية إلى خمس فوائد اساسية للانعام ، واعتبرها من آيات الله.

فيقولُ في البداية :(اللهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا) (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).

ثم أشار إلى الفوائد المختلفة ، كاللبن والصوف والجلد والمواد الطبية وامثال ذلك ، فيقول إجمالاً : (وَلَكُمْ فِيْهَا مَنافِعُ) (٢).

ويقول في المرحلةِ الاخيرة : (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُم).

إنَّ ذكرَ هذا المعنى على هيئةِ منفعةٍ مستقلة ، مع أنَّ مسألة الركوب قد ذُكرت سابقاً ، يُمكنُ أن يكون المقصود منه حمل ونقل الامتعةِ وضروريات الحياة (٣) ، أو لاغراض التنزُّهِ والسياحةِ والمسابقات أو كسب القوة في ساحة الجهاد ، أو الصراع مع بعض الحيوانات الوحشية ، أو عبور الأنهار عن طريق سباحة الحيوانات ، لأَنَّها جميعاً تندرجُ في لفظ «حاجة» الشامل ، وهذه الضروريات لا شأنَ لها مع مسألة الركوب في الأسفار.

__________________

(١) إنَّ الضمير المفرد في «ظهوره» و «عليه» و «له» يعود إلى «الانعام» لأنّ «الانعام» ـ وكما قلنا سابقاً ـ ذات معنىً جمعي ، إلّاأنّها تلفظ مفردة ، وظن بعضهم أنَّ هذه الضمائر تعود إلى «ما» في «ما تركبون» ، وفي هذه الحالة تشمل «الانعام» و «السفن» علماً أنّ «مقرنين» من مادة «إقران» وتعنى الاقتدار على الشيء ، وفسَّرها بعضهم بمعنى القبض والحفظ.

(٢) ذكرت منافع بصيغة النكرة كي تُبرهنَ على أهميّتها.

(٣) كما تمّت الإشارة إلى ذلك في الآية ٦ من سورة النحل.

٣٤٠