نفحات القرآن - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-91-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٤

ما ، ثم الالتفات إلى آثاره.

والأمر كذلك في مسألة الظلال التي تبدو موضوعاً عادياً وغير مهم للوهلة الاولى ، ولكن افرضوا أنّ كل أنواع الظلِّ والمظلات رُفعت عن الكرة الأرضية لمدّة اسبوعٍ ، فلا جبال ، ولا أشجار ، ولا حائط بيتٍ ولا سقف ، ولا حتى ظلَّ نصف الكرة الأرضية الذي يُغطي النصف الآخر وهو الليل ، واختفت كلّها بصورة مفاجئة ، وتبدلت جميع الأجسام في هذا العالم إلى حالةٍ كالبلور ونفذ ضوء الشمس من خلالها ، فكم ستصبح الحياة صعبةً وغير قابلة للتحمل؟ إذ يشعُ ضوء الشمس باستمرار ، ويتعرض له كل شىء ، ويسلبُ كل أشكال الاستقرار والاطمئنان والراحة من الإنسان وسائر الموجودات ، ولو حدثت مثل هذه الفرضية في فصل الصيف فسوف تهلك جميع الكائنات الحية خلال فترة قصيرة.

بناءً على ذلك يمكن القول أنّ لوجود الظلال دوراً مؤثراً جدّاً في حياة الإنسان للأسباب الآتية :

١ ـ إنّ وجودَ الظلال ضروريٌّ للغاية من أجل تخفيف ضوء وحرارة الشمس ، لأنَّ الأشعة الحياتية للشمس لو لم تُخفَّف بالظهور المتناوب للظلال ستُفني كل شىء وتحرقه خلال فترة قصيرة.

يقول الفخر الرازي في تفسيره : «إنّ الظل هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص وبين الظلمة الخالصة ، وهو ما بين ظهور الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأفنية الجدران ، وهذه الحالة أطيب الأحوال ، لأنّ الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس ، وأمّا الضوء الخالص وهو الكيفية الفائضة من الشمس فهي لقوتها تبهر الحس البصري وتفيد السخونة القوية وهي مؤذية ، فاذن أطيب الأحوال هو الظل ، ولذلك وصف تعالى الجنّة به فقال : (وظِلٌ مَمْدُودٌ) (١).

٢ ـ يبدو أنَّ دور الظلال لاسيما الظلال المتحركة حيويٌ جدّاً بالنسبة للمسافرين وقاطعي الصحراء ، فهؤلاء يستطيعون الاستعانة بالخيام ووسائط النقل المسَقَّفة من وقاية

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ٨٨.

٢٤١

انفسهم أزاء أخطار أشعة الشمس المباشرة.

٣ ـ والمسألة الاخرى الجديرة بالاهتمام ، هي أنّه خلافاً للتصور العام فانَّ النور لا يكفي لوحده لرؤية الأشياء ، بل يجب أن يكون متزامناً مع «الظلال» كي تتوفر إمكانية رؤية الأشياء ، وبعبارة أكثر جلاءً :

لو أنّ النورَ يشعُ على موجودٍ ما من أربعة جهات بحيث لا يوجد أيُّ شكلٍّ للظل أو بعضه ، فلا يمكن رؤية ذلك الشيء الذي يغرقُ في النور المتساوي من جميع الجهات ، اذن فكما لا يستطيع الإنسان رؤية الأشياء في الظلام المطلق فهو غير قادرٍ على رؤية الأشياء في النور المطلق أيضاً ، بل يجب أن يتظافرا معاً كي تتيسر رؤية الأشياء (فتأمل جيداً).

فالخالقُ الذي أناطَ هذه الأدوار المهمّة والحيوية لموجودٍ عاديٍّ بهذا المستوى ، جديرٌ بالعبودية والخضوع والسجود.

نختتم هذا الحديث بعبارةٍ لأحد المفسّرين ، إذ يقول لمن غَفَلَ عن السجود لله تعالى :

«أمّا ظلك فسجد لربك وأمّا أنت فلا تسجد له بئسما صنعت» (١).

* * *

__________________

(١) التفسير الكبير ، ج ٢٠ ، ص ٤٣.

٢٤٢

١٥ ـ آياتُهُ في عالم النباتات والثمار

تمهيد :

إنَّ النباتات هي أكثر الكائنات الحيّة الموجودة على الأرض ، وتحتل المرتبة الاولى من حيث التنوع والكثرة ، والعجائب والزينة ، وكذلك من حيث الآثار المفيدة والثمينة أيضاً.

لهذا فقد استند القرآن الكريم في آياته التوحيدية مراراً على مسألة خلق النباتات ، ومزاياها المختلفة ، ودعا الإنسان إلى التفحُصِ في أسرار هذه الموجودات الرائعة في عالم الخَلق ، الموجودات التي يُمكنُ أن تُقدِّمَ ورقةٌ واحدةٌ منها كتاباً عن معرفة الله تعالى.

بعد هذا التمهيد نتمعن خاشعين في الآيات الآتية ومواضيعها اللطيفة :

١ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلىَ الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريمٍ* انَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً وَمَا كَانَ أَكْثَرَهُمْ مُّؤمِنْينَ). (الشعراء / ٧ ـ ٨)

٢ ـ (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَاءَءَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ). (النمل / ٦٠)

٣ ـ (خَلَقَ السَّمَواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وأَلْقى فى الأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيْهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيْهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيْمٍ* هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُوْنِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُّبِيْنٍ). (لقمان / ١٠ ـ ١١)

٤ ـ (وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُوْنَ* وَجَعَلْنَا فِيْهَا جَنَّاتٍ مِّنْ نَّخيْلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ* لِيأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيْهِم أَفَلا يَشْكُرُونَ* سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا

٢٤٣

يَعْلَمُونَ). (يس / ٣٣ ـ ٣٦)

٥ ـ (وَهُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ أُنْظُرُوا إِلىَ ثَمَرِهِ اذَا أَثمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذَلِكُم لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ). (الانعام / ٩٩)

٦ ـ (وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيْلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الْأُكُلِ انَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الرعد / ٤)

٧ ـ (هُوَ الَّذِى أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُمْ مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجرٌ فِيْهِ تُسِيْمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيْلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (النحل / ١٠ ـ ١١)

٨ ـ (وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوْشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوْشَاتٍ وَالنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذآ أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). (الانعام / ١٤١)

٩ ـ (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِىَ وأنْبَتْنَا فِيْهَا مِنْ كُلِّ شَىءٍ مَّوْزُونٍ* وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ). (الحجر / ١٩ ـ ٢٠)

١٠ ـ (إِنَّ اللهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوَى ... ذلِكُمُ اللهُ فَأَنىَّ تُؤفَكُونَ). (١) (الانعام / ٩٥)

شرح المفردات :

«النَبات» : يعني في الأصل كلَّ نوعٍ من الزرع الذي يخرج من الأرض سواء كان له ساق كالشَجَر ، أو بدون ساقٍ والذي يُسمِّيه العربُ بـ «النَّجم» ، إلّاأنّ هذا اللفظ غالباً ما يُطلق على

__________________

(١) هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تشير إلى هذا المعنى كالآيات التالية : النبأ ، ١٥ ؛ طه ، ٥٣ ؛ عبس ، ٢٧ ؛ ق ، ٧ ؛ البقرة ، ٢٦١ ؛ البقرة ، ٢٢ ؛ ابراهيم ، ٣٢ ؛ الانعام ، ١٤١ ؛ الاعراف ، ٥٧ ؛ النحل ، ٦٧.

٢٤٤

الزرع الذي ليس له ساق ، وفي التعابير الأكثر شمولاً يُطلق «النبات» على كل موجودٍ نامٍ سواء كان نباتاً أم حيواناً أم إنساناً (١).

و «الشَجَرْ» : تعني النباتات ذات السيقان ، ولهذا جاء في القرآن الكريم أزاء «النجم» الذي يعني النبات الذي لا ساق له : «والنَّجْمُ والشَّجرُ يَسجُدان». (الرحمن / ٦)

وورد في «مقاييس اللغة» أنّ «الشَّجَرَ» له معنيان في الأصل : هما الارتفاع والعلو ، وتداخل أجزاء الشيء مع بعضها ، وحيث إنّ الأشجار ترتفع عن الأرض ، كذلك فانَّ أغصانها تتداخل فيما بينها ، لذلك اطلقَ عليها «شَجَرْ» ، و «مشاجرة» : تعني النزاع والاختلاف والمحادثة لأنَّ حديث الجانبين يتداخل مع بعضه.

إلّا أنّ البعض يعتقد أنّ أصلَ هذه المادة يعني الشيء الذي ينمو ويرتفع وتتفرع منه أوراقٌ وأغصان ، وقد يُطلق على الامور المعنوية أيضاً كما في : (والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فى الْقُرآن). (الاسراء / ٦٠)

(التي تمَّ تفسيرها بمعنى «شجرة الزقوم» أو «اليهود» أو «بني اميّه» (٢).

وكما يُفهم من كتب اللغة المختلفة فإنّ «الزرع» تعني في الأصل نثر البذور والحبوب في الأرض ، ومن هنا حيث سيتبعُ نثر البذور نمو النبات وحصاده ، فيُطلقُ على كل واحد من هذه العمليات «زرعاً».

ويقول بعض اللغويين : إنَّ الزرع تعني الإنماء ، وهذا في الحقيقة هو فعلُ الله تعالى ، وإذا اطلقَ لفظ الزارع على العباد فهو بسبب توفيرهم لأسباب ومقدّمات ذلك ، وقد يقال لـ «المزروع» زرعاً أيضاً.

وغالباً ما يُطلق لفظ «زرع» على الحنطةِ والشعير ، إلّاأنّ مفهومه أكثر شمولاً ، حيث يشملهما وغيرهما (٣).

__________________

(١) «النبات» لها معنىً مصدري ، واسم مصدري أيضاً.

(٢) مفردات الراغب ؛ مقاييس اللغة ؛ مصباح اللغة ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.

(٣) مفردات الراغب ؛ لسان العرب ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم ؛ وصحاح اللغة.

٢٤٥

وأمّا ال «ثَمَرْ» فقد جاء في «مقاييس اللغة» أنّ هذا اللفظ يعني في الأصل كلَّ شيءٍ يتولد من شيءٍ آخر ، وقال بعض اللغويين ، أنّه يعني ما يحصل من الشجرة فقط.

وصرَّحَ قسمٌ آخر من ارباب اللغة ، بان كل موجود يحصل ويتولد عن موجودٍ آخر مأكولاً كان أم غير مأكول ، مرغوباً كان أم غير مرغوب ، حلواً كان أم مُراً ، يسمى «ثَمَراً».

لكن الظاهر أنّ الثمر كان له في الأصل مفهومٌ محدودٌ وهو الفاكهة الحاصلة من الشَجَر ، لكنَّ هذا المفهوم اتَّسَعَ فيما بعد واطلقَ مجازاً على محصول ومنتوجِ أيّ شيء ، حتى أصبح يقالُ إنَّ ثمرةَ هذا المذهب وهذه التعاليم كانت كذا وكذا ، وجاء في الرواية : «امُّك أَعْطَتكَ مِنْ ثَمَرةِ قَلبها» ، إشارة إلى حليب الام أو محبتها ، وفي الروايات أيضاً اطلقَ على الوَلَد بانه ثمرة الفؤاد.

* * *

جمع الآيات وتفسيرها

الورق الأخضر للأشجار :

أشار في الآية الاولى إلى المشركين أو الجاحدين ، فقال : (أَوَلَمْ يَرَوا إلى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريْمٍ).

ثمَّ صرح قائلاً : (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً وَمَا كَانَ أكْثَرُهُمْ مُّؤمِنينَ).

أجَلْ ... فلو تَمَعَّنَ هؤلاء في هذه النباتات الملّونة ، والأزهار ، والثمار ، والأشجار ، والخضار ، والسنابل ، وأنواع الزروع الاخرى ، سَيَروْنَ آيات الله فيها بكلِّ جلاء ، فهؤلاء لا يريدون أنْ يؤمنوا وينظروا إلى صورة ذاته المقدَّسةِ ببصيرة القلوب ، وإلّا فانَّ جمالَه لا يخفى على أحدٍ ، نعم فهؤلاء ليست لديهم آذان للاستماع إلى آيات الله التشريعية ولا أبصار لمشاهدة آياته التكوينية.

وهنا ما المقصود من «زوج»؟ فالكثير من المفسِّرين فَسَّرَ ذلك بمعنى النوع والصنف ، واعتبروهُ إشارة إلى تنوعِ وتشعب النباتات ، حيث إنّ عددها غير محدودٍ ولا يمكن حصرهُ ،

٢٤٦

وأيّاً منها يُعتبر آيةً من آيات الباري عزوجل.

في حين احتملها البعضُ إشارة إلى «الزوجية» (أي الذكر والانثى) الموجودة في عالم النباتات ، وهذه الحقيقة اكتشفت لأول مرّة على نطاقٍ واسعٍ على يد عالم النبات السويدي المعروف «لينه» أواسط القرن الثامن عشر الميلادي ، حيث إنّ النباتات ـ على الأغلب ـ تحمل وتثمر كاليحوانات عن طريق تلاقح الذكر والانثى ، في الوقت الذي وردت هذه الحقيقة في القرآن الكريم قبل قرون عديدة.

ومن هنا حيث لا تعارُضَ بين هذين المعنيين فيمكن أن تكون إشارة اليهما معاً.

إنَّ وصف «الزَوْج» بـ «الكريم» علماً بأنَّ لفظ «كريم» يعني الموجود الثمين ، إشارة إلى أهميّة أنواع النباتات وقيمتها الفائقة.

إنَّ تنوعَ النباتات كثيرٌ إلى الحد الذي يقول بعض العلماء : إنَ «النخل» أكثر من ثلاثة آلاف نوعٍ ، و «الكاكتي» أو «التين الهندي» ألف وسبعمائة نوع ، و «ورد الثعلب» الف ومائتا نوع ، ونَسبوا لـ «الكَمَأْ» مائة الف نوع ، ول «الطحالب» أربعة آلاف نوع ، ول «التفاح» سبعة آلاف نوع ، وذكروا لـ «الحنطة» خمساً وثلاثين الف نوع! (١).

حقاً ... كم هو عجيب عالمُ النباتات الفسيح بكل هذا التنوع؟ وكم هو عظيمٌ خالقُه ومدبّرهُ!

* * *

وفي الآية الثانية ومن أجل إثبات «وحدانية المعبود» يدعو الناس إلى تَفحُصِ أسرار خلق السموات والأرض ثم نزول المطر ، ثم يقول : «فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِق» (٢) ذاتَ بَهْجَةٍ» ، وليس في إمكانكم أبداً أن تُنبتوا أشجارَ هذا البستان الجميلة : «مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنبِتُوا شَجَرَهَا» ،

__________________

(١) عالم الزهور ، ص ٩٩ إلى ١١٨.

(٢) «الحدائق» جمع «حديقةٍ» وتعني «البستان» ، وهي تعني في الأصل قطعة الأرض التي تجمَّعَ فيها الماء ، وقدفسَّرها الكثير من المفسرين بأنّها البُستان الذي ضُربَ حوله بسور وفيه ما يكفي من الماء.

٢٤٧

ومع هذا تقولون هناك إلهٌ مع الله : «أإلهٌ مَعَ الله».

إلّا أنَّ هؤلاء أفراد يجهلون حيث يعدلون عن الخالق العظيم الذي أبدعَ كل هذه العجائب والغرائب ويجعلون الموجودات التي لا حول لها ولا قوةَ ندّاً لله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُوْنَ).

ومن الممكن أن يكون التعبير بـ «يعدلون» بمعنى عدولهم عن الله الواحد المنفرد ، أو اختلاق مثيلٍ ونظيرٍ له.

أجَلْ ... فعملُ الإنسان نثرُ البذور والرَّي وأمثال ذلك ، والله وحدهُ الذي خلقَ الروحَ في جنين هذه البذرة الصغيرة ، واعطاها القدرة على أنْ تتحولَ إلى شجرةٍ عملاقةٍ مثمرةٍ مزدهرةٍ نظرةٍ حيث يَبعثُ منظرُها في البساتين الفَرَح والسرورَ في نفس الإنسان ، ولو وضع الإنسان قدمَهُ وسط أحد هذه البساتين المزدهرة النظرة في أحدِ أيام الربيع ، وفتح بصيرتَه إلى جانب بصرهِ الظاهري ، ليرى كلَّ هذا التنوع والعجائب والمناظر الخلّابةِ والأزهار الملَّونَة والأوراق والثمار المختلفة ، لاستنشقَ عطرَ التوحيد وارتوى من كأسِ العبوديةِ واصبح مسحوراً مفتوناً ، بنحوٍ يجعلُهُ يترنَّمُ بلحنِ التوحيد ويعترف بهذه الحقيقة.

وهذا الشعر المنقول من اللغة الفارسية يقول :

هنالك واحدٌ لا أحد سواه

وحده لا إله إلّاهو

وهنا يثمر هذا الأمر :

كلُّ نباتٍ ينمو من الأرض

يقول وحده لا شريك له

* * *

وفي القسم الثالث من الآيات أعلاه وضمن تعرضه لخمسة أقسامٍ من براهين توحيد الخالق جلَّ وعلا وآيات الآفاق (خلقُ السموات بغيرِ عمدٍ ترونها ، وخلق الجبال ، وخلقُ الدّواب والحيوانات ، وخلق المطر ، وخلقُ النباتات) ، خاطبَ المشركين قائلاً : (هَذَا خَلْقُ الله فأَرُوْنى مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُونِهِ).

وأضاف في ختام الآيةِ : (بَلِ الظّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُبْينٍ).

٢٤٨

فكيف يُمكنُ لمَن يملُك بصراً ويرى آثار قدرةِ وحكمةِ وعظمة الخالق في عَرضِ عالم الوجود ، ثمَّ يخضعُ تعظيماً لغيره؟!

ونواجه في هذه الآيات مرّةً اخرى التعبير بـ (كُلِّ زَوْجٍ كَريْمٍ) بخصوص النباتات ، حيث يتحدث عن التنوع الضروري جدّاً للنباتات ، وعن الزوجية في عالمها ، ويُشعر سالكي طريق التوحيد بأهميّة هذا الموضوع.

لفظة «ظلم» لها معنى واسع حيث يشمل وضع اي شيء في غير محلّه ، وحيث كان المشركون يعتبرون تدبير الكون بيد الأصنام ، أو يتصورونها واسطةً بين المخلوق والخالق ويسجدون لها ، فقد ضلُّوا وارتكبوا ظلماً عظيماً ، ولهذا جاءت هذه الكلمة في الآية أعلاه بمعنى الشرك ، أو بمعنىً واسع حيث إنَّ الشركَ مصداقٌ واضح له.

لا يخفى أنّ عبارة «فأَروني» ـ في الواقع ـ جاءت على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبتعبيرٍ آخر : انَّهُ مكلَّفٌ بانَّ يقول هذه الجُملة للمشركين ، لانَّ الآراء لله لا يمكن أن يكون لها مفهوم.

* * *

ويقول بصراحةٍ في الجزء الرابع من هذه الآيات التي وردت في سورة يس : (وآيَةٌ لَّهُمُ الأَرضُ المَيْتَةُ أَحيَيْناها).

وفي الحقيقة أنَّ مسألة الحياة من اهم أدلَةِ التوحيد ، سواء كانت في عالم النباتات ، أم الحيوانات والبشر ، أنّها المسألة الغنيةُ بالأسرار والمدهشةُ التي حيَّرت عقول كبار العلماء ، ومع كل النجاحات التي حققها الإنسان في مختلف الحقول العلمية ، لم يفلح أيُّ شخصٍ من حلِّ لُغز الحياة حتى الآن ، ولا عِلْمَ لأي أحدٍ كيف وتحت تأثير أية عوامل تبدّلت الجمادات إلى كائناتٍ حَّيةٍ؟!

ثمَّ أشارَ خلال بيان مسألة احياء الأرض الميتة ، إلى إنماء المحاصيل الغذائية (كالحنطة والشعير والذرة و ...) ، وبساتين العنب والنخيل النظرة ، وتكوين ينابيع الماء الصافي ، وقال في الختام : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْديهِمْ أَفَلا يَشكُرُونَ).

٢٤٩

إنَّ عبارة (ما عَمِلَتْهُ أَيْديهِم) إشارة لطيفةٌ إلى أنَّ هذه الثمار الطازجة ، غذاءٌ كاملٌ مهيأٌ للأكل دون الحاجةِ إلى طبخهِ وإضافة المواد الاخرى إليه ، فليس للإنسان تدخلٌ في أصل وجودها ، ولا في اعدادها للأكل ، فعملُ الإنسان لا يتعدى نثرُ البذور وسقي الأشجار فحسب (١).

على أيّةِ حالٍ ، لم يكن الهدف من خلق كل هذه النِّعم المختلفة انهماك الإنسان بالأكل كالحيوانات ، وأنْ يقضي عمره على هذه الحال ، ثم يموت ويصبح تراباً ، كلا ، فالهدف ليس هذا ، بل إنّ الهدف هو أن يرى ذلك ويعيش في ذاته الشعور بالشكر ، ومن خلال «شُكر المنعم» يصل إلى معرفة واهب النِّعم حيث ينالُ اسمى المواهب وأرفع مراحل تكامل الإنسان.

والمسألة الجديرة بالاهتمام في الآيات أعلاه هي انّها تضع الزوجية في عالم النباتات إلى جانب الزوجية في عالم الإنسان فتقول : (سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ انْفُسِهِمْ ومِمَّا لَايَعْلَمُونَ).

فهذا التعبير دليلٌ على أنَّ الزوجيةَ هنا تعني جنس الذكر والانثى ، ووجودها على نطاقٍ واسعٍ في عالم النباتات ، وهذا من المعاجز العلمية للقرآن الكريم ، لأنَّ هذا المعنى لم يكن آنذاك واضحاً لدى الإنسان بأنَّ هنالك وجودٌ لقوامِ الذكر والاجزاء الانثوية في عالم النباتات ، وتنطلقُ الخلايا التي هي نُطَفُ الذكور لتستقر في الأجزاء الانثوية وتتَلاقَح معها وتنعقد نطفةُ النبات.

ويمكن أن تكون عبارة (ومِمَّا لا يَعلَموُن) إشارة إلى أنَّ مسألة الزوجية لها نطاق واسع ، وما أكثر الموجودات التي تجهلون وجود الزوجية فيها ، وسيزيل تطورُ العلم النقاب عنها (كما ثبتت هذه المسألة في الذّرات حيث تتركب من قسمين مختلفين يكمِّلُ أحدُهما الآخر

__________________

(١) وهذا في حالةِ كون «ما» في عبارة (وما عملتهُ) نافيةً (وهذا هو الظاهر) ، إلّاأنّهم احتملوا أن تكون موصولةً ، تلميحاً إلى الثمار التي تنتج عن طريق التطعيم والتي للإنسان دَخَلٌ فيها ، أو إلى المشتقات التي يأخذونها من الفاكهة كالعصير والخل التي تؤخذ من العنب والتمر ، وممّا لا شك فيه أنَّ المعنى الأول أكثرُ تناسباً.

٢٥٠

كالزوجين : ف «الالكترونات» تحمل الشحنات السالبة ، و «البروتونات» تحمل الشحنات الموجبة) ، ومواضيع اخرى لم يتوصل إليها العلم البشري حتى الآن.

* * *

وفي الآية الخامسة حيث تبدأ بالتعريف بالله من خلال الآيات المختلفة ، أشارت أولاً إلى نزول المطر من السماء ، ثم قالت : (فَاخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىءٍ).

وربّما يكون التعبير بـ «نَباتَ كُلِّ شْيءٍ» إشارة إلى أنواع النباتات المختلفة ، حيث تُسقى بماءٍ واحدٍ ، وتنمو على أرضٍ واحدةٍ ، ومع هذا فهي تختلف في الشكل والطعم والخواص وأحياناً تتعارض في ذلك ، وهذا من عجائب خلقِ الله.

أو أنَّ المقصودَ هو النباتات التي تحتاجها الطيور والبهائم البرية والبحرية وكذا الإنسان (١) ، (ويمكن الجمع بين هذين المعنيين أيضاً).

ثم يتطرقُ إلى ذكِر مسألةٍ اخرى ، فيضيف : (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً) ، وبهذا يشير إلى مادة «الكلوروفيل» الخضراء التي هي من أهم وانفع اجزاء النبات ، هذه الخُضرة التي تبعث الحيوية ، واللطافة ، والجمال ، وتسلب القلوب والتي تخرج من التراب الغامق اللون والماء الرائق الشفاف.

إنَّ التعبير ب «خَضِراً» بالرغم من اطلاقه ، إلّاأنَّه استناداً إلى الجملة التالية التي تقول : (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَراكِباً) ، يشير بالأساس إلى سيقان وسنابل الحنطة والشعير والذرة وما شابه ذلك (٢).

ثم يُلفتُ النظرَ إلى أشجار النخيل ، فيقول : (ومِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنُوانٌ دانِيَةٌ).

«قنوان» : جمع «قِنْو» على وزن «حزب» ، وتعني الفروع الرفيعة التي تخرج من الطلع بعد

__________________

(١) في هذه الحالة يكون مفهوم الجملة «فاخرجنا به نباتاً لكل شيء».

(٢) «مُتراكب» مأخوذة من مادة «ركوب» وتعني الصعود ، وهي إشارة إلى الحبوب التي تتراكُب على بعضها على هيئة سنبلةٍ ذات منظرٍ جميلٍ ومحبَّبٍ للغاية.

٢٥١

تَفتُحِه ، وهي التي تُكَوِّن عذوق التمر فيما بعد.

وقد يكون التعبير بـ «دانيةٌ» إشارة إلى قرب هذه العذوق من بعضها أو انحنائها نحو الأسفل بسبب ثُقل ثمار الرطب.

ويقول بعض المفسرين بما أنَّ عذوق التمر تختلف أيضاً ، فالبعض يكون في الجزء الأسفل من النخل ويَمكن استثماره بيُسر ، والبعض الآخر بعيداً عن متناول اليد فتكون الاستفادة منه صعبةً بعض الشيء ، فقد أشار الباري تعالى إلى الصنف الأول باعتباره أكثر فائدة (١).

وأشار في سياق هذه الآية إلى بساتين العنب والزيتون والرُّمان : (وجَنّاتٍ مِّنْ أَعنابٍ والزَّيتُونَ والرُّمَّانَ) ، التي تتشابه في نفس الوقت الذي تختلف فيه ، وتختلف فيما بينهما في حين أنّها متشابهة (مُتَشَابَهاً وغَيْرَ مُتَشابِه).

يقول بعض المفسرين إنَّ هذه الثمار تتشابه في المنظر ، إلّاأنّها تختلف في الطعم (كانواع العنب والرُّمان الحامض والحلو).

وقال البعض الآخر إنَّ أوراق أشجارها تتشابه أحياناً (كاوراق الزيتون والرّمان) ، في حين أنَّ ثمارها مختلفة.

ولكن المناسب اعطاء أوسَع مفهومِ لتوضيح الآية وهو الإشارة إلى أنواع التشابه والتفاوت.

واللطيف أنّه يدعو الجميع للتمعُنِ في الثمار فيقول : (انْظُرُوا إِلىَ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ).

«لأنَّ في هذا ، آياتٌ وبراهين عن عظمةِ وقدرة وحكمة الباري تعالى لأهل الإيمان» (إِنَّ فِى ذَلِكُم لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ).

وليست آية واحدة بل فيها آيات جمة لله تعالى ، لأنَّ تكون الثمار كولادة الصغار في عالم الحيوانات ، حيث تنتقل حبوب لقاح الذكور إلى الأقسام الانثوية عن طريق الرياح أو الحشرات ، وبعد انجاز عملية التلقيح والاختلاط فيما بينهما يتم تشكيل البويضة والنطفة

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٤٨٤.

٢٥٢

أولاً ، ثم تظهر في جوانبها خلايا الثمار والالياف واللب والفروع الجذّابة التي تغذيها.

وفي داخل هذه الثمار تكمُنُ هناك أعظمُ المختبرات الخفيّة التي تعمل باستمرار في صناعة المركبات الحديثة بمزايا جديدة ، وقد يَكون الثمر بلا طعمٍ في بداية الأمر ، ثم حامضي الطعم تماماً ، ثم يصبح حلواً ، وفي كلِّ وقتٍ يحدث فيها انشطارٌ وتفاعلٌ جديد ، كما تتغير ألوانها باستمرار وهذه من عجائب خلقِ الله التي يدعو القرآن الكريم ـ لاسيّما في الآية الآنفة ـ الإنسان إلى التمعُنِ فيها.

* * *

وأشار في الآية السادسة من البحث في باديء الأمر إلى قطع الأرض المختلفة التي تملك قابليات متفاوتة لتربية أنواع الأشجار والنباتات وغيرها ، إذ يقول : (وفى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتجاوِراتٌ) مع أنَّ هذه القطع يلتصقُ بعضها بالبعض الآخر ، فبعضها خصبٌ ومستعدٌ لأي شكلٍ من الزراعة ، وبعضها مالحٌ لا تنبتُ فيه سنبلةٌ أبداً ، وقد يناسبُ بعض هذه القطع زراعة الأشجار أو نوعٍ خاصٍ منها فقط ، ويناسبُ البعض الآخر نوعاً خاصاً من الزراعة ، وهذا عجيبٌ حيث تتفاوت الأراضي المترابطة بشكلٍ تستعد للقيام بواجباتٍ مختلفة.

وبعد ذِكر هذه المقدَّمة أشار إلى أنواع الأشجار والزراعات ، فاضاف قائلاً : (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعنَابٍ وَزَرْعٌ ونَخيلٌ صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ).

«أعناب» : جمع عِنَب وتعني الكَرْم و «نخيل» جمع «نخل» و «نخيلة» وتعني شجرة التمر ، وذكرهما بصيغة الجمع يُحتملُ أن يكون إشارة إلى الأنواع المختلفة للعنب والتمر ، لأنَّ لهاتين الفاكهتين مئات أو آلاف الأنواع المختلفة.

والتعبير بـ (صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ) بالالتفات إلى أنَ «صنوان» جمع «صنو» «وتعني الفرع الذي يخرج من البدن الأصل للشجرة» ، من الممكن أن يكون إشارة إلى قابلية الشجرة على تغذية الثمار المختلفة عن طريق التطعيم ، لهذا تظهر على أغصان شجرةٍ واحدةٍ لها ساق واحد وجذر واحد وتتغذى من ماءٍ وأرضٍ واحدةٍ أنواعٌ مختلفةٌ من الثمار ، وهذا من عجائب الخلقة.

٢٥٣

ومن الممكن أن يكون هذا التفاوت إشارة إلى تفاوت الأغصان التي تَنمو على أصل واحدٍ ، وتتفاوت من حيث الثمار الطبيعية.

ثم يُصرِّحُ بانَّ هذه الأشجار مع هذا الاختلاف فانّها تُسقى بماءٍ واحدٍ : (يُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ) ، وفي نفس الوقت فانّنا نُفضِّلُ بعضها على البعض الآخر من حيث الثمر (ونُفَضِّلُ بَعضَها عَلى بَعْضٍ فى الأُكُلِ).

ومن المسلَّم به أنَّ في هذا الأمر آيات وبراهين للمتفكرين (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

حقاً إنَّهُ مدهشٌ ، فالماء واحدٌ ، والترابُ واحدٌ أيضاً ، أمّا الاختلاف بين الثمار فكثير بحيث إنَّ أحدها حلوٌ والآخرُ حامضٌ تماماً (ففي الكثير من المناطق تنمو أشجار الليمون الحامض إلى جانب أشجار النخيل) أو تنمو المحاصيل الزيتية والمحاصيل النشوية وغيرها في مزرعةٍ واحدةٍ ، وتتفاوت تماماً ، حتى أنَّ لهذه الفواكه والمحاصيل أنواعاً مختلفةً بالكامل.

ما هذا الجهاز العجيب المكنون في أغصان الأشجار وجذورها الذي لديه القدرة على صنع المواد الكيميائية مختلفة الخواص من خلال استغلال نوعٍ واحدٍ من المواد (نوعٌ واحد من الماء والتراب)؟! فلو لم يكن هنالك دليلٌ على علم وحكمةِ خالق الكون سوى هذه المسألة لكانت كافية لمعرفة هذا الخالق العظيم ، وكما يقول أحد شعراء العرب (١) :

والأرضُ فيها عبرةٌ للمُعتَبر

تُخبرُ عن صُنعِ مليكٍ مقتدر

تُسقى بماءٍ واحدٍ أشجارُها

وبقعةٌ واحدةٌ قرارها

والشمسُ والهواء ليس يختلف

واكُلُها مختلفُ لا يأتلف

فما الذي أوجَبَ ذا التفاضلا

إلّا حكيمٌ لَم يَرِدْهُ باطلا

* * *

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، ج ١٣ ، ص ٩٣.

٢٥٤

وفي الآية السابعة يتطرق إلى شرح أدلةِ التوحيد ومعرفة الله بقرينة بدايتها ونهايتها ، فيقول : (هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُمْ مِنهُ شُرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ).

فليس كلُ ماءِ صالحٌ لشرب الإنسان ، ولاكلُّ ماءٍ صالحٌ لنمو النبات والشَجَر ، إلّاأنّ هذا الماء السماوي مفيدٌ للكل وأساسٌ لحياةِ كل شيء.

«شَجَر» : كما قلنا له معنىً شامل في اللغة ، حيث يشمل أنواع النباتات سواء كانت ذات سيقان أم لا ، و (تُسيمون) من «اسامة» وهي من مادة «سَوْم» وتعني رعي الحيوانات (١) ، وحيث إنّ الحيوانات تتناول كلاً من الأعشاب وأوراق الأشجار عند رعيها فالتعبير بـ «شجر» يبدو مناسباً جدّاً لاشتماله على كليهما.

ثم يضيف : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ والزَّيتُونَ وَالنَّخِيْلَ وَالأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ).

واللطيف أنَّ الآية أعلاه مع انَّها تتحدث عن كافة الِّثمار وجميع أنواع المحاصيل الزارعية بما فيها الحبوب ، فهي تستند خاصة إلى ثلاثة ثمار هي : الزيتون ، والتمر ، والعنب. وهذا يعود للأهمية الفائقة لهذه الثمار من حيث المواد الغذائية ، وأنواع الفيتامينات والميزات الدوائية التي تمت معرفتها مع تطور العلوم الغذائية في هذا العصر (٢).

لهذا يعود ويؤكّد في نهاية الآية بانَّ في هذه الامور برهاناً واضحاً عن حكمة وقدرة وعظمة الله لُاولئك الذين يتفكرون : (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِّقِوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

والذين لا يتفكرون في هذه الآيات الجليّة لا يستحقون أن تُطلق عليهم كلمة الإنسانية ، كما يقول الشاعر نقلاً عن الفارسية :

عجبٌ لهذا الرسم على بابِ وجدار الوجود

فكلما فعَل فكركَ كانَ رسماً على الحائط

__________________

(١) وطبعاً أنَّ المعنى اللغوي ل «السَوْم» هو وضع العلامة ، وبما أنَّ الحيوانات حين العلف تترك أثراً على الأرض اطلق عليه هذا الاصطلاح.

(٢) طالعوا شرح هذا الكلام في التفسير الأمثل ، ذيل الآيه ١١ من سورة النمل.

٢٥٥

هل يتمكن أن يعطي فاكهةً ملونةً من الخشب؟

أم يقدرُ أن يستخرج من الشوك ورداً بمائةٍ لون؟

لقد تناثر الارجوان على عتبة المرج الخضراء

عيوناً تبقى الابصارُ حيرى فيه!

* * *

وفي الآية الثامنة نواجه تنوعاً آخر في عالم النباتات والأشجار الذي يُطرح كأحِدِ ادلةِ التوحيد ومعرفة عظمة الله ، إذ يقول : (وهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَعُروشَاتٍ وغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ).

«معروش» : من مادة «عَرْش» وتعني السرير المرتفع أو السقف ، وفي ما يعنيه هذا المفهوم فى هذه الآية ، هنالك خلاف بين المفسِّرين :

فقال بعضهم : إنّ «المعروشات» تعني النباتات التي تنساب على الأرض أو تتسلق على الأبنية أو على هيكل من حديد أو خشب يصنع لها ، مثل الأعناب والخيار والبطيخ. و «غَيْرَ مَعْرُوْشات» ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار : وقال البعض الآخر : المعروشات ما ارتفعت أشجارها وأصل التعريش الرفع ، عن ابن عباس ، وقالوا أيضاً : المعروشات ما أثبته ورفعه الناس ـ واحيط بسور ـ ، وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار (١).

ولكن يظهر أنَّ التفسير الأول أكثر ملائمةً.

على أيّة حالٍ ، فالعجب أنَّ بعض الأشجار كالسرو والصنوبر ترتفع في السماء برتابة ولا تستطيع الرياح العاتية والعواصف من التأثير على قامتها ، في حين أنَّ البعض الآخر كأشجار الكروم لا تملك غصناً مستقيماً واحداً ، وتهتز وتنحني باستمرار ، وكلٌّ منها له عالمهُ الخاص.

فأشجار العنب بعناقيدها الثقيلة لو كانت لها قامة كاشجار الصنوبر لانكسرت ولم

__________________

(١) وردت هذه التفاسير الثلاثة في تفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٥٣٤.

٢٥٦

تستمر يوماً واحداً ، فضلاً عن ابتعادها عن متناول يد الإنسان ، في حين أنَّ طفلاً صغيراً باستطاعته اقتطاف جميع الثمار في بساتين العنب.

ثم يضيف مستنداً إلى أربعة أنواعٍ من الثمار والزرع : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَانَ مُتَشابهاً) ، لابدّ من الانتباه إلى أنّ «جنات» جمع «جنّة» تُطلقُ على البستان ، وعلى الأراضي التي يغطيها الزرع ، و «اكُل» على وزن «دُهُل» من مادة «أَكْل» على وزن «مَكْر» وتُطلق على جميع المأكولات.

على أيّة حالٍ ، فالأشجار والزروع والنباتات لا تختلف كثيراً من ناحية الظاهر فقط ، بل إنّ ثمارها ومحاصيلها تتفاوت للغاية أيضاً ، من حيث اللون والطَعَم والشكل الظاهري ، وكذلك من حيث ما فيها من مواد غذائية وخصائص متنوعة ، اضافة إلى أنَّ منها المرغوب والمتوسط ، وهذا بيان لقدرة الخالق جلَّ وعلا الذي أوجَدَ مثل هذا التنوع العظيم الواسع في عالم النباتات ، وكلُّ نوعٍ يُسَبِّح بحمده وثنائه.

وفي نهاية الآية يُصدرُ أَوامره : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّه يَومَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ المُسرِفِيْنَ).

وعليه فانَّ الأمرَ بـ «كُلوا» دليل على حليّتها الكاملة ولكن بشرطين : الايفاء بحقوق المحتاجين ، وعدم الاسراف.

وبالرغم من أنَّ بعض المفسرين قالوا إنَّ المقصود بـ «حقّ» هنا هو الزكاة ، إلّاأنَّ أغلبَ المفسرين واستلهاماً من الروايات الواردة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام وأهل السُّنة ، صرَّحوا بأنَّ المقصود بهذا الحق ليس الزكاة (١).

بناءً على ذلك لابدّ أن يُخصصَ أصحابُ المزارع والبساتين نصيباً للمحتاجين أثناء قطف الثمار ، وحصاد المحاصيل كحكمٍ إلهيٍّ ، وهذا النصيب ليس له حدٌ معينٌ في الشرع ، بل يتعلق بهمّةِ المالكين. وعليه فإنّ ذيل الآية تتحدث عن حكمٍ أخلاقي وصدرها يشتمل على دورس توحيدية.

__________________

(١) يُراجع سنن البيهقي ، ج ٤ ، ص ١٣٢ ؛ ووسائل الشيعة ، ج ٦ كتاب الزكاة «أبواب زكاة الغلات» ؛ وتفسير الميزان ؛ ؛ وتفسير القرطبي فيما يخص الآية.

٢٥٧

ويشير في الآية التاسعة إلى موضوعٍ آخر من عجائب عالم النباتات والأشجار ، فيقول بعد ذكر مسألة بسط الأرض وتكوّن الجبال : (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَىءٍ مَوْزُونٍ).

بالرغم من أنَ «موزون» من مادة «وزن» ، إلّاأنّها هنا إشارة إلى النظام الدقيق والمحدَّد ، والتقديرات المتلائمة والمتناسقة التي تحكم جميع ذرات النباتات ، إضافة إلى أنّ «وزن» كما أوردها الراغب في المفردات تعني في الأصل معرفة قَدرِ الشيء.

وقال بعض المفسِّرين أيضاً إنَّ المُرادَ من هذا التعبير هو أنَّ الله خلقَ من كلِّ نباتٍ بقَدْر حاجة الإنسان (١).

كما قالوا إنَّ المراد من «موزون» هو وجوب تظافر كميات محدّدة من الماء والهواء والتراب وضوء الشمس كي تنمو النباتات.

واحتملَ بعض المفسرين أنّ التعبير ب «كلِّ شيء» يشتمل على المعادن أيضاً ، ولكن من خلال الفَهم بأنّ عبارة «أنبتنا» لا تتناسب كثيراً مع المعادن ، فانَّ هذا التفسير يبدو بعيداً ، وأنَّ الجمعَ بينَ التفسيرين ممكنٌ ، وورد في بعض الروايات إشارة إلى التفسير الثاني أيضاً (٢). ويردفها الإشارة إلى توفير الوسائل المعاشية والحياتية للناس ولحيواناتهم ولاولئك الذين يرتزقون على مائدة الخالق الواسعة فيقول : (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ).

«معايش» : جمع «معيشة» ولها معنىً واسعٌ جدّاً ، فتشمل كلَّ شيءٍ يعدّ من وسائل حياة الناس ، وجملةُ (ومَنْ لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ) إشارة إلى الحيوانات والكائنات الحيّة التي ليس بمقدور الإنسان أن يُطعمها ، فوضع الباري تعالى الطعامَ المناسب لكلٍّ منها في اختيارها على أساس النظام الخاص الذي يسود العالم ، ولو فتحنا أعيننا وتأملنا طريقة تغذية أنواع الحيوانات من النباتات ، لوجدنا فيه عالَماً من أدلة معرفة الله.

__________________

(١) ذكرالفخر الرازي هذا في تفسيره كاحتمالٍ أولٍ ، والتفسير الثاني كثالت احتمال ، (التفسير الكبير ، ج ١٩ ، ص ١٧١).

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٦ ، أشار الإمام علي عليه‌السلام في هذه الرواية إلى المعادن المختلفة التي أوْجَدَها الله في الجبال وتباعُ وتَشترى بالوزن.

٢٥٨

فبعضها يستفيد من الثمار ، وبعضها من الحبوب ، ومجموعةٌ من أوراق الأشجار ، وطائفةٌ من السيقان ، وآخر من القشور ، والبعض من رحيق الأزهار ، وقسمٌ آخر يأكل الجذرَ فقط.

* * *

وفي الآية العاشرة والاخيرة من البحث اشيرَ إلى ميزةٍ اخرى لعالم النباتات ، وهي مسألة انفلاق حبوب ونوى النباتات تحت الأرض.

وقد وُصِفَ الباري تعالى في هذه الآية كما يلي : (إِنَّ الله فَالِقُ الْحَبِّ والنَّوى) ، ويقول في نهاية الآية : (ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنّى تُؤفَكُونَ).

«فالق» : من مادة (فَلْق) ، وكما يقول الراغب في المفردات فهي تعني انفطار الشيء ، وانفصال جزءٍ عن جزءٍ آخر (١) ، و «الحبّ» تعني حبوب الطعام والغذاء أو كل أشكال الحبوب النباتية ، و «النوى» تعني نوى الثمار ، وإذا حَصَرها البعض بمعنى نوى التمر فذلك بسبب تكاثره في ذلك المحيط.

على أيّةِ حالٍ ، فانَّ أهم والطف مراحل حياة النباتات هي مرحلة انفلاق الحبِّ والنوى ، وفي الحقيقة فانَّ هذه الحالة تشبه حالة ولادة الطفل ، والعجيب أنَّ هذا البرعم النباتي بما فيه من رقّةٍ وظرافةِ يشقُ هذا الجدار القوي الذي يحيط به ، ويخرج إلى العالم الخارجي ، فيولد هذا الكائن الحي الذي كان محبوساً إلى ما قبل لحظات في القشرة والنوى ، ولم تكن له علاقة بالعالم الخارجي ، ويقيم علاقاته مع الخارج فوراً ، فيتغذى من المواد الغذائية الموجودة في الأرض ، ويرتوي من الماء والرطوبة التي تحيط به ، ويبدأ بالحركة بسرعة في اتجاهين متعاكسين فمن جهةٍ ينفذ في الأرض على هيئةِ جذرٍ ، ومن جهة اخرى يستقيم فوق الأرض على هيئةِ ساقٍ.

فالقوانين الدقيقة التي تسود هذه المرحلة من حياة النبات مدهشةٌ حقاً ، وتعتبر دليلاً

__________________

(١) قد يستعمل هذا اللفظ بمعنى «الخلقة» كأنَّ حجبُ ظلمة العدم تتمزق وينكشف نور الوجود عنها (تفسير روح المعاني ، ج ٧ ، ص ١٩٦) ، ولنفس هذا الشيء يسمى بياض الصبح «فلق» على وزن «شَفَق» أيضاً.

٢٥٩

حياً على علم وقدرة الخالق جلَّ وعلا.

يستفاد من مجموع ما ورد في هذه الآيات القرآنية حول خلق النباتات وخصائصها المختلفة ابتداءً من رشد النباتات إلى تنوعها ومسألة اللقاح والزوجية ، وأنواع المواد الغذائية للإنسان والحيوانات ، حتى كيفية نمو طلع التمر ، والحبوب المرتبة بعضها فوق بعض كالحنطة والشعير ، وتكاثر الثمار والزروع المتباينة تماماً الناتجة عن ماء واحد وأرض واحدة وسيادة القوانين الموزونة على جميع المراحل وانفلاق الحبوب والنوى ، أنّها جميعاً آيات لتلك الذات المقدّسة ، ودليل حي على وحدانية الرب ونفي كل أشكال الشرك.

* * *

توضيحات

١ ـ التركيب المذهل للنباتات

من الطبيعي أن ننسى عجائب وأسرار كل شيء إذا بدا لنا واضحاً فيكون مصداقاً للآية الشريفة : (وكَأَيِّنْ مِّنْ آيَةٍ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنهَا مُعْرِضُونَ). (يوسف / ١٠٥)

فنمر عليها مرور الكرام في الوقت الذي يكمن فيها عالم من عجائب وقدرة وعظمة الخالق جلَّ وعلا.

لنبدأ من جذور النباتات ، فالجذر بلطافته وَرِقِتِه له قدرةٌ مذهلة ، فهو ينفذ في طبقات الصخور والأراضي الصلدة ، وأحياناً يغور تحت قطعٍ صخريةٍ تزنُ عدة اطنان ويرفعها عن مكانها وتتحرك العمارات والأحواض التي أُنشِئَت من القوالب والطبقات المسلحة نتيجة نمو الأشجار حولها.

فعملُ الجذر هو امتصاص المواد الغذائية والرطوبة من كل ناحيةٍ ، وكأنّها تعرف مراكز الرطوبة والمواد الغذائية من خلال شعورها العجيب فتسعى نحوها.

ولكلِّ جذرٍ جهازٌ عظيمٌ لهُ قدرةٌ خاصة في انتخاب نوع الغذاء وتغييره وتبديله ، ثم

٢٦٠