الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-13-9
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع في كتب الفقه ، خصوصا كتب الشيخ والفاضلين والشهيدين.

لكنّ المعلوم منهم ومن غيرهم من الأصحاب : عدم العمل بكلّ أصل مثبت.

فاذا تسالم الخصمان في بعض الفروع المتقدّمة على ضرب اللفاف بالسيف على وجه لو كان زيد الملفوف به سابقا باقيا على اللفاف ، لقتله إلّا أنّهما اختلفا في بقائه ملفوفا أو خروجه عن اللفّ ،

______________________________________________________

ممّا يقتضي الموت بالسراية الموجب لدية كاملة ، ومن ذاك الجانب : أصالة عدم السراية ممّا يقتضي الموت بعد الاندمال الموجب لدية الجرح فقط ، وقولهم هذا يقتضي التعارض بين الأصلين ، والقول بالتعارض هنا لا يكون إلّا على القول بالأصل المثبت ، فيدلّ على انهم عملوا بالاصول المثبتة.

(إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع في كتب الفقه خصوصا كتب الشيخ والفاضلين) : المحقق والعلامة (والشهيدين) : الأوّل والثاني (لكنّ المعلوم منهم ومن غيرهم من الأصحاب : عدم العمل بكلّ أصل مثبت) وإنّما هم يعملون ببعض الاصول المثبتة.

ثم ان المصنّف يؤيد عدم عملهم بكل أصل مثبت بقوله : (فاذا تسالم الخصمان في بعض الفروع المتقدّمة) كفرع قدّ الملفوف بنصفين ـ مثلا ـ (على ضرب اللفاف بالسيف على وجه لو كان زيد الملفوف به سابقا باقيا على اللفاف ، لقتله) بهذه الضربة ، فاتفقا على ضربه (إلّا أنّهما اختلفا في بقائه ملفوفا) حتى يكون على الضارب القصاص أو الدية (أو خروجه عن اللفّ) حتى لا يكون عليه شيء.

١٠١

فهل تجد من نفسك رمي أحد من الأصحاب بالحكم : بأنّ الأصل بقاء لفّه ، فيثبت القتل ، إلّا أن يثبت الآخر خروجه ، أو تجد فرقا بين بقاء زيد على اللف وبقائه على الحياة لتوقف تحقق عنوان القتل عليهما.

وكذا لو وقع الثوب النجس في حوض كان فيه الماء سابقا ، ثمّ شك في بقائه فيه ، فهل يحكم أحد بطهارة الثوب

______________________________________________________

وعليه : (فهل تجد من نفسك) أيها الفقيه في هذا المثال (رمي أحد من الأصحاب بالحكم : بأنّ الأصل بقاء لفّه ، فيثبت) بذلك لازمه العادي وهو : (القتل) الموجب للقصاص ، أو لضمان الدية (إلّا أن يثبت) الخصم (الآخر خروجه) أي : خروج زيد من اللفاف ، فانه لا يقول أحد : بأن الأصل بقاؤه في اللفاف ، وان موته صار من أجل ضرب اللفاف الذي كان هو فيه؟.

(أو تجد فرقا بين بقاء زيد على اللف) حيث تركوا العمل فيه بالأصل المثبت ولم يقولوا بوجوب الدية أو القصاص على الضارب (و) بين (بقائه على الحياة) حيث عملوا فيه بالأصل المثبت وقالوا : بأن الملفوف كان حيا حين ضربه الجاني فاستند موته إليه؟.

وكيف كان : فانه لا فرق بينهما ، لانّه ان كان الأصل المثبت في الأوّل غير معمول به ، فالأصل المثبت في الثاني أيضا يلزم أن يكون غير معمول به (لتوقف تحقق عنوان القتل) الموجب للقصاص أو لضمان الدية (عليهما) أي : على بقاء اللف وبقاء الحياة ، لأنهما من واد واحد.

(وكذا لو وقع الثوب النجس في حوض كان فيه الماء سابقا ، ثمّ شك في بقائه فيه) أي : في بقاء الماء في الحوض ، وعدمه (فهل يحكم أحد بطهارة الثوب

١٠٢

بثبوت انغساله بأصالة بقاء الماء.

وكذا لو رمى صيدا ، أو شخصا ، على وجه لو لم يطرأ حائل لأصابه ، فهل يحكم بقتل الصيد أو الشخص بأصالة عدم الحائل.

إلى غير ذلك ممّا لا يحصى من الأمثلة التي نقطع بعدم جريان الأصل لاثبات الموضوعات الخارجية التي يترتب عليها الأحكام الشرعية.

______________________________________________________

بثبوت انغساله بأصالة بقاء الماء) في الحوض؟ بأن يقال : نستصحب وجود الماء في الحوض ، فيثبت لازمه العادي وهو : كون الثوب قد غسل بسبب وقوعه وسط هذا الحوض الذي كان فيه الماء في حين لم نعلم ان وقوع الثوب كان في وقت وجود الماء فيه أم لا؟.

(وكذا لو رمى صيدا ، أو شخصا ، على وجه لو لم يطرأ حائل لأصابه) السهم وقتله ، ثم رأينا الصيد أو الشخص مقتولا ولم نعلم هل انه قتل برمي هذا أو قتل بسبب آخر؟ (فهل يحكم بقتل الصيد أو الشخص بأصالة عدم الحائل)؟ فانه إذا حكم بقتل الصيد أو الشخص كان معناه : إثبات القتل بالأصل المثبت ، وهذا ما لا يقول به أحد.

(إلى غير ذلك ممّا لا يحصى من الأمثلة التي نقطع بعدم جريان الأصل لاثبات الموضوعات الخارجية) بها ، مثل القتل في المثال السابق وما أشبه (التي يترتب عليها الأحكام الشرعية) كالدية والقصاص وما أشبه ذلك.

ومثل ما إذا علمنا بأن زيدا وطأ هندا ، وشككنا في انه هل عقد عليها ووطئها أم لا؟ فان الاستصحاب ـ لو لا انه مثبت ـ يقتضي عدم العقد إلى حين الوطي ، ممّا يوجب عليه حدا.

هذا ، ولكن لا يخفى : ان المسائل مختلفة : من جهة جريان أصل الصحة

١٠٣

وكيف كان : فالمتّبع هو الدليل ، وقد عرفت : أنّ الاستصحاب إن قلنا به من باب الظنّ النوعي ، كما هو ظاهر أكثر القدماء فهو كاحدى الأمارات الاجتهادية ، يثبت به كلّ موضوع يكون نظير المستصحب في جواز العمل فيه بالظنّ الاستصحابي. وأمّا على المختار من اعتباره من باب الاخبار ، فلا يثبت به ما عدا الآثار الشرعية المترتّبة على نفس المستصحب.

نعم ،

______________________________________________________

وعدمه ، ومن جهة خفاء الواسطة وعدمه ، ومن جهة حجية الاستصحاب من باب الظن أو من باب الاخبار ، ومن جهة درأ الحدود بالشبهات وعدمه ، ومن جهة علم الفاعل وجهله ، إلى غير ذلك ، فالجميع ليس من باب واحد.

(وكيف كان : فالمتّبع هو الدليل ، وقد عرفت : أنّ الاستصحاب إن قلنا به من باب الظنّ النوعي ، كما هو ظاهر أكثر القدماء) على ما نقله المصنّف عنهم (فهو كاحدى الأمارات الاجتهادية ، يثبت به كلّ موضوع يكون نظير المستصحب) كالنمو والالتحاء والتنفس للحياة ، فانها تكون كالمستصحب (في جواز العمل فيه بالظنّ الاستصحابي) وذلك لأن الاستصحاب يكون حينئذ كالشاهدين ، أو كقول أهل الخبرة ، فيثبت به لازمه ، وملزومه ، وملازمه ، العقلي والعادي والعرفي والشرعي.

(وأمّا على المختار من اعتباره) أي : الاستصحاب (من باب الاخبار ، فلا يثبت به ما عدا الآثار الشرعية المترتّبة على نفس المستصحب) بلا واسطة ، امّا الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب مع الواسطة ، وكذلك الآثار العقلية والعرفية والعادية فلا تترتب على الاستصحاب.

(نعم) قد يكون الأصل مثبتا ، ومع ذلك تترتب الآثار ، وهذا ما شار إليه بقوله :

١٠٤

هنا شيء ، وهو : أن بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي من الوسائط الخفيّة ، بحيث يعدّ في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس المستصحب. وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف.

منها : ما إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر ،

______________________________________________________

(هنا شيء ، وهو : أن بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب وبين الحكم الشرعي) هو (من الوسائط الخفيّة ، بحيث يعدّ في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها) أي : على تلك الوسائط من خفائها (أحكاما لنفس المستصحب) فيرى العرف انه لا فاصل بين الآثار وبين المستصحب ، لعدم ملاحظته الواسطة ، فلا يكون الأصل حينئذ مثبتا.

(وهذا المعنى) الذي ذكرناه : من رؤية العرف ترتب الآثار على المستصحب بدون واسطة (يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف) فاللازم ملاحظة هل ان الواسطة خفية حتى يستصحب لأنه ليس من الأصل المثبت ، أو ليست خفية حتى لا يستصحب لأنه حينئذ من الأصل المثبت؟.

(منها) : أي من تلك الموضوعات التي تثبت بالاستصحاب لخفاء الواسطة (ما إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر) بأن كان هناك شيء رطب نجس ، وشيء آخر يابس طاهر فتلاقيا ، وشككنا في بقاء الرطوبة المسرية حين الملاقاة حتى يتنجس الطاهر ، وعدم بقاء الرطوبة حتى لم يتنجّس

١٠٥

فانّه لا يبعد الحكم بنجاسته ، مع أنّ تنجسه ليس من أحكام ملاقاته للنجس رطبا ، بل من أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه وتأثره بها بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجّسة.

ومن المعلوم : أنّ استصحاب رطوبة النجس الراجع إلى بقاء جزء مائيّ قابل للتأثير لا يثبت تأثر الثوب وتنجّسه بها ، فهو أشبه مثال بمسألة بقاء الماء في الحوض ، المثبت لانغسال الثوب به.

______________________________________________________

فانّه لا يبعد الحكم بنجاسته) أي : الطاهر (مع أنّ تنجسه ليس من أحكام) مجرّد (ملاقاته للنجس رطبا) بلا واسطة (بل من أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه وتأثره بها) أي : بالرطوبة (بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجّسة) فان سرايتها إليه ليست من الآثار الشرعية ، بل من الآثار العادية.

(ومن المعلوم : أنّ استصحاب رطوبة النجس الراجع) ذلك (إلى بقاء جزء مائيّ قابل للتأثير) في الثوب الطاهر الذي لاقاه (لا يثبت تأثر الثوب) الطاهر بالرطوبة (وتنجّسه بها) فان التنجس ليس من أحكام ملاقاة النجس رطبا ، بل بينهما واسطة وهي : انتقال الرطوبة النجسة إلى الشيء الطاهر ، لكن حيث ان الواسطة هنا خفية يرى العرف انه ليس بين المستصحب وبين أثره الشرعي واسطة ، فيستصحب الرطوبة ويحكم بتنجّس الملاقي.

هذا غير ان المصنّف حيث صوّر عدم خفاء الواسطة هنا في المثال قال : (فهو أشبه مثال ، بمسألة بقاء الماء في الحوض ، المثبت لانغسال الثوب به) فكما ان الطهارة هناك مترتبة على واسطة غير شرعية ، فكذلك النجاسة هنا مترتبة على واسطة غير شرعية أيضا ، وهو مثبت وليس بحجة.

لكن الظاهر ان بينهما فرقا وهو : ان العرف يرى في مثال التنجس خفاء

١٠٦

وحكى في الذكرى عن المحقّق : تعليل الحكم بطهارة الثوب الذي طارت الذبابة عن النجاسة إليه بعدم الجزم ببقاء رطوبة الذبابة وارتضاه ، فيحتمل أن يكون لعدم إثبات الاستصحاب لوصول الرطوبة إلى الثوب كما ذكرنا ، ويحتمل أن يكون لمعارضته باستصحاب طهارة الثوب

______________________________________________________

الواسطة ، بينما لا يرى مثل ذلك في مسألة بقاء الماء في الحوض ، فالفرق بينهما رؤية العرف للتنجس بأنه من آثار الاستصحاب ، دون التطهر فانه لا يراه من آثار بقاء الماء في الحوض.

(وحكى في الذكرى عن المحقّق : تعليل الحكم بطهارة الثوب الذي طارت الذبابة عن النجاسة إليه) حيث لا نعلم هل تنجس الثوب بسبب الرطوبة النجسة في رجل الذبابة أم لم يتنجس؟ فقال المحقق : بأنه لا يتنجس (ب) سبب (عدم الجزم ببقاء رطوبة الذبابة) ممّا معناه : انه لو جزمنا ببقاء الرطوبة نحكم بنجاسة الثوب (وارتضاه) الذكرى.

لكن ارتضاءه له يحتمل أحد وجهين : (فيحتمل أن يكون) الحكم بطهارة الثواب بعد سقوط الذبابة عليه (لعدم إثبات الاستصحاب لوصول الرطوبة إلى الثوب كما ذكرنا) فيما سبق : من ان استصحاب رطوبة رجل الذباب لا يثبت اللازم العادي الذي هو سراية الرطوبة النجسة إلى الثوب حتى يتنجس ، وحيث نشك في تنجس الثوب كان مجرى الأصالة الطهارة.

(ويحتمل أن يكون لمعارضته باستصحاب طهارة الثوب) فهنا استصحابان متعارضان : استصحاب رطوبة رجل الذباب مع استصحاب طهارة الثوب ، فيتساقطان ويكون المرجع حينئذ قاعدة الطهارة ، لأن «كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه نجس» ، ولم نعمل انه تنجس.

١٠٧

إغماضا عن قاعدة حكومة بعض الاستصحابات على بعض ، كما يظهر من المحقق ، حيث عارض استصحاب طهارة الشاك في الحدث باستصحاب اشتغال ذمّته بالعبادة.

ومنها : أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشك المثبت لكون غده يوم العيد ، فيترتّب عليه أحكام العيد من الصلاة والغسل ، وغيرهما.

______________________________________________________

وإنّما نقول بمعارضة الاستصحابين مع ان أحدهما حاكم والآخر محكوم (إغماضا عن قاعدة حكومة بعض الاستصحابات على بعض) إذ استصحاب رطوبة الرجل سببي ، واستصحاب طهارة الثوب مسبّبي ، فلو جرى الاستصحاب السببي لم يبق مجال للاستصحاب المسبّبي حتى يتعارض الاستصحابان.

(كما يظهر) الاغماض عن قاعدة الحكومة (من المحقق ، حيث عارض استصحاب طهارة الشاك في الحدث باستصحاب اشتغال ذمّته بالعبادة) مع وضوح : ان الشك في الاشتغال والبراءة مسبّب عن الشك في بقاء الطهارة ، فاذا أحرزنا الطهارة بسبب الاستصحاب ، لا يبقى شك في صحة العبادة وبراءة الذمة ، ولكن كان من دأب القدماء جعل التعارض بين السببي والمسبّبي في كثير من الموارد ، كما لا يخفى ذلك لمن راجع الفقه.

(ومنها : أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشك) وذلك فيما لو شككنا في اليوم الثلاثين بانه هل هو آخر شهر رمضان أو أول شوال؟ فان الأصل : عدم دخول شوال (المثبت) هذا الاستصحاب للازمه العقلي أي : (لكون غده يوم العيد ، فيترتّب عليه) أي : على الغد (أحكام العيد) المستحبة والمكروهة والمباحة والواجبة والمحرمة كما قال : (من الصلاة) أي : صلاة العيد (والغسل ، وغيرهما) كزيارة الامام الحسين عليه‌السلام ، والافطار ، وما أشبه ذلك.

١٠٨

فانّ مجرّد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته ولا أوّلية غده للشهر اللاحق.

لكنّ العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوال : إلّا ترتيب أحكام آخريّة ذلك اليوم لشهر وأوّلية غده لشهر آخر فالأول عندهم : ما لم يسبق بمثله والآخر ما اتصل بزمان حكم بكونه أول الشهر الآخر.

______________________________________________________

وعليه : (فانّ مجرّد عدم) دخول (الهلال في يوم لا يثبت آخريته) أي : آخرية هذا اليوم لشهر رمضان (ولا أوّلية غده للشهر اللاحق) الذي هو شوال ، لأنهما أمران غير شرعيين ، وقد عرفت : ان الاستصحاب إنّما يثبت الآثار الشرعية ، لا العقلية والعادية والعرفية (لكنّ العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوال : إلّا ترتيب أحكام آخريّة ذلك اليوم) المشكوك فيه (لشهر) رمضان (وأوّلية غده لشهر آخر) هو شهر شوال.

إذن : (فالأول) أي : أول الشهر معناه عند العرف ليس هو : وصول الهلال إلى درجة يمكن فيه رؤيته حتى يكون واسطة جلية بالنسبة إلى دخول هلال شوال ، بل أول الشهر معناه (عندهم : ما لم يسبق بمثله) وهذه واسطة خفية بالنسبة إلى دخول هلال شوال ، فيرى العرف الأثر الشرعي المترتب على أول الشهر بهذا المعنى مترتبا على عدم دخول هلال شوال بلا واسطة ، فيحكم بأن هذا اليوم ليس من شوال قطعا.

(و) كذا (الآخر) أي : آخر شهر رمضان ليس معناه عندهم : وصول الهلال إلى درجة لا يمكن رؤيته حتى يكون واسطة جلية بالنسبة إلى عدم انقضاء شهر رمضان ، بل معناه عندهم هو : (ما اتصل بزمان حكم بكونه أول الشهر الآخر)

١٠٩

وكيف كان : فالمعيار خفاء توسّط الأمر العادي والعقليّ بحيث يعدّ آثاره آثارا لنفس المستصحب.

وربما يتمسك في بعض موارد الاصول المثبتة بجريان السيرة أو الاجماع على اعتباره هناك ، مثل : اجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محلّ الغسل أو المسح

______________________________________________________

وهذه واسطة خفية بالنسبة إلى عدم انقضاء شهر رمضان ، فيرى العرف الأثر الشرعي المترتب على آخر الشهر بهذا المعنى مترتبا على عدم انقضاء شهر رمضان بلا واسطة ، فيحكم بأن هذا اليوم هو من شهر رمضان قطعا.

هذا ، ولا يخفى : ان ما ذكرناه هنا لم يكن خاصا بآخر شهر رمضان وأول شوال ، بل هو عام يشمل كل شهر ، فيجري في آخر شعبان وأول شهر رمضان أيضا ، وكذلك يجري في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة ، وكذلك يجري بالنسبة إلى الأيام والأسابيع والأشهر كلها حتى في السنوات.

(وكيف كان : فالمعيار خفاء توسّط الأمر العادي) كتأثر الثوب بالرطوبة في مثال تلاقي نجس وطاهر (والعقليّ) كأوّلية الغد في مثال شهر رمضان وشوال (بحيث يعدّ آثاره) أي : آثار الأمر العادي أو العقلي أو العرفي بخفائه (آثارا لنفس المستصحب) عرفا.

(وربّما يتمسك في بعض موارد الاصول المثبتة بجريان السيرة أو الاجماع على اعتباره هناك) أي : اعتبار الاستصحاب في تلك الموارد لكن لا لدليل الاستصحاب وحده ، بل بمعونة السيرة والاجماع ، وذلك (مثل : اجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محلّ الغسل أو المسح) في الوضوء

١١٠

لا ثبات غسل البشرة ومسحها المأمور بهما في الوضوء والغسل ؛ وفيه نظر.

الأمر السابع :

لا فرق في المستصحب بين أن يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق

______________________________________________________

أو الغسل (لاثبات) لازمه العادي ، أعني : (غسل البشرة ومسحها ، المأمور بهما في الوضوء والغسل) ولذا تعارف فيهما عدم الفحص عن الحاجب فيما إذا شك في حصول حاجب من دم البرغوث وما أشبه ، خصوصا في المحلات الكثيرة البرغوث.

(وفيه نظر) ولعله لأن الشك في وجود الحاجب ان كان عقلائيا ولم يكن اطمئنان بعدم الحاجب فالسيرة على الفحص ، إلّا إذا كان الشك غير عقلائي ، أو كان الشك بعد الفراغ فلا يجب الفحص لكن لا لوجود الأصل المثبت بل لكون الشك غير عقلائي أو لقاعدة الفراغ.

(الأمر السابع) : في أصالة تأخر الحادث ، فانا قد نعلم بحدوث حادث لكن لا نعلم هل حدث في زمان سابق أو في زمان لاحق؟ كما إذا علمنا ان زيدا مات لكن لا نعلم هل مات يوم الخميس أو مات يوم الجمعة؟.

وقد نعلم بحدوث حادث ، لكن لا نعلم بأنه هل حدث متقدّما أو متأخرا أو مقارنا لحادث آخر؟ كما إذا علمنا بالكرية وبوقوع نجس في الماء ، لكن لا نعلم هل وقوع النجاسة قبل صيرورته كرا أو مع صيرورته كرا؟.

فالأول : هو الحادث المشكوك حدوثه بالنسبة إلى الزمان المتقدّم أو المتأخّر. والثاني : هو الحادث المشكوك حدوثه بالنسبة إلى حادث آخر.

أشار المصنّف إلى أوّل الفرعين بقوله : (لا فرق في المستصحب) الذي يشمله دليل الاستصحاب (بين أن يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق

١١١

رأسا وبين أن يكون مشكوك الارتفاع في جزء من الزمان اللاحق ، مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء.

فإذا شك في بقاء حياة زيد في جزء من الزمان اللاحق فلا يقدح في جريان استصحاب حياته وعلمنا بموته بعد ذلك الجزء من الزمان.

______________________________________________________

رأسا) كما إذا شككنا في انه هل مات زيد أو لم يمت؟ حيث نستصحب عدم موته.

(وبين أن يكون مشكوك الارتفاع في جزء من الزمان اللاحق ، مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء) كما إذا علمنا بارتفاع حياة زيد في يوم الجمعة ، لكن لا نعلم هل انه ارتفع في يوم الخميس أو لم يرتفع في يوم الخميس؟ حيث نستصحب عدم ارتفاعه يوم الخميس؟.

إذن : فالقاعدة في كلا الفرضين هو أن نستصحب حياة زيد ، لكن في المثال الأوّل نستصحبه مطلقا ، وفي المثال الثاني نستصحبه إلى يوم الخميس.

وعليه : (فإذا شك في بقاء حياة زيد في جزء من الزمان اللاحق) كيوم الخميس (فلا يقدح في جريان استصحاب حياته) أي : ان استصحاب حياة زيد في يوم الخميس لا يقدح فيه (وعلمنا بموته بعد ذلك الجزء من الزمان) كيوم الجمعة الذي نقطع بموته فيه.

وإنّما لا يقدح فيه لوضوح : ان موته يوم الجمعة لا يوجب رفع أركان الاستصحاب بالنسبة إلى يوم الخميس ، فان أركان الاستصحاب في يوم الخميس تامة ، وذلك لليقين السابق بحياته في يوم الأربعاء ، والشك اللاحق بموته يوم الخميس ، فيستصحب حياته.

١١٢

وهذا هو الذي يعبّر عنه بأصالة تأخّر الحادث ، يريدون به : أنّه إذا علم بوجود حادث في زمان وشكّ في وجوده قبل ذلك الزمان فيحكم باستصحاب عدمه قبل ذلك ويلزمه عقلا تأخر حدوث ذلك الحادث.

فإذا شكّ في مبدإ موت زيد مع القطع بكونه يوم الجمعة ميّتا فحياته قبل الجمعة الثابتة بالاستصحاب

______________________________________________________

(وهذا) الشك في بقاء المستصحب في جزء من الزمان اللاحق ، وان علم بارتفاعه بعد ذلك (هو الذي يعبّر عنه) في ألسنة الاصوليين : (بأصالة تأخّر الحادث. يريدون به : أنّه إذا علم بوجود حادث في زمان) كعلمهم بموت زيد يوم الجمعة (وشكّ في وجوده قبل ذلك الزمان) بأن لم نعلم هل الموت وجد في يوم الخميس أم لا؟ (فيحكم باستصحاب عدمه) أي : عدم الموت (قبل ذلك) أي : قبل يوم الجمعة كما في المثال.

إذن : فالعلم بالحادث في الزمان المتأخّر لا يمنع من استصحاب عدم هذا الحادث في الزمان المتقدّم الذي هو مشكوك (ويلزمه عقلا تأخر حدوث ذلك الحادث).

وعليه : فإذا شككنا في موت زيد في يوم الخميس واستصحبنا عدم موته في يوم الخميس ، كان لازمه العقلي : تأخر الموت عن يوم الخميس إلى يوم الجمعة كما قال : (فإذا شكّ في مبدإ موت زيد) بانه هل كان يوم الخميس أو يوم الجمعة؟ وذلك (مع القطع بكونه يوم الجمعة ميّتا) أي : ان الموت في الجمعة مقطوع به ، لكن الشك في ان يوم الجمعة هل هو مبدأ موته ، أو ان يوم الجمعة امتداد لموته الذي حصل يوم الخميس؟ (فحياته قبل الجمعة الثابتة بالاستصحاب) لفرض ان الاستصحاب يقول : انه كان حيا يوم الخميس

١١٣

مستلزمة عقلا : لكون مبدإ موته يوم الجمعة.

وحيث تقدّم في الأمر السابق أنّه لا يثبت بالاستصحاب ـ بناء على العمل به من باب الاخبار ـ لوازمه العقليّة ، فلو ترتّب على حدوث موت زيد في يوم الجمعة ، لا على مجرّد حياته قبل الجمعة حكم شرعي ، لم يترتّب على ذلك.

______________________________________________________

(مستلزمة عقلا : لكون مبدإ موته يوم الجمعة) لا يوم الخميس.

هذا (وحيث تقدّم في الأمر السابق) عند بيان الاستصحاب المثبت : (أنّه لا يثبت بالاستصحاب ـ بناء على العمل به من باب الاخبار ـ) والروايات ، لا العمل به من باب الظن ، إذ قد عرفت : انه لو كان الاستصحاب حجة من باب الظن ، كانت لوازمه العقلية والعادية والعرفية كلها حجة ، ولكن لو كان حجة من باب الاخبار ، فانه لا يثبت (لوازمه العقليّة) والعادية والعرفية.

وعليه : (فلو ترتّب على حدوث موت زيد في يوم الجمعة ، لا على مجرّد حياته قبل الجمعة) أي : يوم الخميس (حكم شرعي ، لم يترتّب على ذلك) فإذا نذر قراءة القرآن على روح زيد ان مات زيد يوم الجمعة ، لم تجب عليه القراءة ، لأنه لا يعلم بانه مات يوم الجمعة ، ولكن لو نذر قراءة القرآن على روح زيد في الجمعة الاولى من موته ، وجبت عليه القراءة من دون حاجة إلى الاستصحاب ، وذلك للعلم بموته فيها سواء كانت الجمعة ابتداء موته أم استمرارا لموته.

وهكذا الحال لو نذر التصدّق بدينار للفقير إذا ولدت زوجته يوم الجمعة ، ثم شك في انها ولدت يوم الخميس أو يوم الجمعة ، فإنه لم يجب عليه التصدّق ، لأن استصحاب عدم ولادتها يوم الخميس لا يثبت ولادتها يوم الجمعة إذ هو أثر عادي له لا أثر شرعي ، فيكون من الاستصحاب المثبت الذي ليس بحجة ،

١١٤

نعم ، لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ أو كان اللازم العقلي من اللوازم الخفيّة جرى فيه ما تقدّم ذكره.

وتحقيق المقام وتوضيحه : أنّ تأخّر الحادث قد يلاحظ بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزّمان ، كالمثال المتقدّم.

فيقال : الأصل عدم موت زيد قبل الجمعة ، فيترتّب عليه جميع أحكام ذلك العدم

______________________________________________________

ولكن لو نذر التصدّق بدينار في أول جمعة من ولادتها وجب عليه التصدق من دون حاجة إلى الاستصحاب ، وذلك لأنها سواء ولدت يوم الخميس أم يوم الجمعة ، فهو أول جمعة من ولادتها.

هذا ، ان قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الاخبار ، فان مثبتاته على ما عرفت ليست بحجة.

(نعم ، لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن) العقلائي (أو كان اللازم العقلي) المترتب على المستصحب (من اللوازم الخفيّة) بحيث يرى العرف لخفاء الواسطة ترتب الحكم الشرعي على نفس المستصحب كما لو رأى الأثر المترتّب على تأخّر حدوث الموت إلى يوم الجمعة مترتبا على عدم حدوث الموت يوم الخميس ، وكذا في مثال الولادة (جرى فيه ما تقدّم ذكره) من حجّية الاستصحاب وان كان مثبتا.

هذا مجمل الكلام في المقام (وتحقيق المقام وتوضيحه : أنّ تأخّر الحادث قد يلاحظ بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزّمان ، كالمثال المتقدّم) بأن لم نعلم هل الموت أو الولادة حصلا في يوم الخميس أو يوم الجمعة؟ (فيقال : الأصل عدم موت زيد قبل الجمعة ، فيترتّب عليه جميع أحكام ذلك العدم) في يوم الخميس :

١١٥

لا أحكام حدوثه يوم الجمعة ، إذ المتيقّن بالوجدان تحقّق الموت يوم الجمعة لا حدوثه ، إلّا أن يقال : إنّ الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم ، وإذا ثبت بالأصل : عدم الشيء سابقا ، وعلم بوجوده بعد ذلك ، فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضمّ إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل

______________________________________________________

عن وجوب نفقة زوجته ، وحرمة خروجها من الدار لو كان قد نهاها عن الخروج فيه ، وغير ذلك (لا أحكام حدوثه يوم الجمعة).

وإنّما لا يترتب على عدم الموت في يوم الخميس أحكام حدوث الموت في يوم الجمعة (إذ المتيقّن بالوجدان) هو (تحقّق الموت يوم الجمعة) فانه ميت في هذا اليوم على كل تقدير ، سواء كان موته يوم الخميس أم يوم الجمعة (لا حدوثه) أي : حدوث الموت في يوم الجمعة ، فانه غير متيقن بالوجدان للشك فيه ، فاذا أردنا أن نقول : ان الموت حدث يوم الجمعة باستصحاب عدم موته يوم الخميس كان من الأصل المثبت.

(إلّا أن يقال) : ان الموضوع مركب من : عدم ووجود ، فالعدم يثبت بالاستصحاب ، والوجود يثبت بالوجدان ، وعند ذلك يصح الاستصحاب ويترتب الأثر على ذلك الموضوع المركب ، بتقريب : (إنّ الحدوث هو) معنى مركب من : (الوجود المسبوق بالعدم. وإذا ثبت بالأصل : عدم الشيء سابقا ، وعلم بوجوده بعد ذلك) أي : ثبت بالأصل ـ كما في المثال ـ عدم الموت في يوم الخميس ، وعلم بوجود الموت في يوم الجمعة فانّ من ضم الأصل إلى الوجدان يتحقق معنى الحدوث كما قال :

(فوجوده المطلق في الزمان اللاحق) وهو يوم الجمعة (إذا انضمّ إلى عدمه قبل ذلك) وهو يوم الخميس (الثابت بالأصل) لأن عدم الموت يوم الخميس

١١٦

تحقّق مفهوم الحدوث ، وقد عرفت حال الموضوع الخارجي الثابت أحد جزئي مفهومه بالأصل.

وممّا ذكرنا يعلم أنّه لو كان الحادث ممّا يعلم بارتفاعه بعد حدوثه فلا يترتّب عليه أحكام الوجود في الزمان المتأخّر أيضا ،

______________________________________________________

ثبت بالأصل فإذا ضمّ أحدهما إلى الآخر (تحقّق مفهوم الحدوث) أي : حدوث الموت في يوم الجمعة وهو الموضوع المركب الموجب لترتيب الأثر عليه من الوفاء بالنذر.

(و) لكن (قد عرفت حال الموضوع الخارجي الثابت أحد جزئي مفهومه بالأصل) فان المصنّف صرّح في التنبيه السابق بعدم حجية الأصل المثبت ، بلا فرق بين ان يثبت به تمام الموضوع الخارجي ، أو أحد جزئي مفهومه ، وذلك حين قال : «وكذا لا فرق بين ان يثبت بالمستصحب تمام ذلك الأثر العادي كالمثالين ـ مثال استصحاب عدم الحائل لاثبات القتل ، ومثال استصحاب حياة زيد لاثبات موت عمرو ـ أو قيد له عدمي أو وجودي كاستصحاب الحياة للمقطوع نصفين ، فيثبت القتل الذي هو ازهاق الحياة ، وكاستصحاب عدم الاستحاضة المثبت لكون الدم الموجود حيضا» إلى آخر كلامه.

(وممّا ذكرنا) في المثال الآنف : من انه لا يترتب على أصالة عدم الموت يوم الخميس حدوث الموت يوم الجمعة ، وان كنّا نعلم يوم الجمعة انه ميت : امّا بقاء وامّا حدوثا (يعلم) حكم المثال التالي ، وهو : (أنّه لو كان الحادث ممّا يعلم بارتفاعه بعد حدوثه) وذلك كما إذا علمنا بارتفاع كرية ماء الحوض بعد العلم بحدوث كريته في أحد اليومين : اما الخميس واما الجمعة (فلا يترتّب عليه أحكام الوجود في الزمان المتأخّر أيضا) أي : كما لا يترتب عليه أحكام الحدوث

١١٧

لأنّ وجوده مساوق لحدوثه.

نعم ، يترتّب عليه أحكام وجوده المطلق في زمان ما من الزمانين.

كما إذا علمنا أنّ الماء لم يكن كرّا قبل الخميس ، فعلم أنّه صار كرّا بعده وارتفع كرّيته بعد ذلك ، فنقول : الأصل عدم كرّيته في يوم الخميس ،

______________________________________________________

كذلك لا يترتب عليه أحكام الوجود.

وإنّما لا يترتب عليه أحكام الوجود أيضا (لأنّ وجوده مساوق لحدوثه) أي : ان وجود الكر في الحوض مساوق لحدوث الكر فيه ومساو له ، وكما لا يترتب على أصالة عدم حدوث الكر يوم الخميس حدوثه يوم الجمعة ، كذلك لا يترتب على أصالة عدم وجود الكر يوم الخميس وجوده يوم الجمعة ، إذ لعل حدوث الكر ووجوده حصلا يوم الخميس وزالا بعد ذلك.

(نعم ، يترتّب عليه أحكام وجوده المطلق) أي : وجود الكر (في زمان ما من الزمانين) : في يوم الخميس أو يوم الجمعة ، لأنا نعلم : انه إمّا في يوم الخميس ، وإمّا في يوم الجمعة كان كرا ، وكذا يترتب عليه أحكام حدوثه المطلق أيضا للقطع بحدوثه في زمان ما من الزمانين : اما الخميس وامّا الجمعة ، فكل واحد من وجوده المطلق ، أو حدوثه المطلق ، إذا كان له حكم ترتّب عليه.

(كما إذا علمنا أنّ الماء لم يكن كرّا قبل الخميس ، فعلم أنّه صار كرّا بعده) أي :

بعد الخميس : امّا في يوم الخميس وامّا في يوم الجمعة (وارتفع كرّيته بعد ذلك) أي : بعد أن صار كرا (فنقول : الأصل عدم كرّيته في يوم الخميس) لاستصحاب عدم كريته المتيقن في يوم الاربعاء ، فيترتب أثر هذا العدم عليه ، فلو غسل ـ مثلا ـ ثوب نجس فيه يوم الخميس حكم ببقاء نجاسته ، ولو اتصل بماء قليل نجس لا يطهر ذلك الماء القليل ، وهكذا.

١١٨

ولا يثبت بذلك كرّيته يوم الجمعة ، فلا يحكم بطهارة ثوب نجس وقع فيه في أحد اليومين ، لأصالة بقاء نجاسته وعدم أصل حاكم عليه.

نعم ، لو وقع فيه في كلّ من اليومين حكم بطهارته من باب انغسال الثوب بماءين مشتبهين.

______________________________________________________

(و) لكن (لا يثبت بذلك) أي : باستصحاب عدم الكرية لازمه غير الشرعي وهو : (كرّيته يوم الجمعة) إذ الكرية يوم الجمعة لازم عقلي لعدم كرية يوم الخميس ، بعد علمنا بانه صار كرا في أحد اليومين.

إذن : (فلا يحكم بطهارة ثوب نجس وقع فيه في أحد اليومين) لا في يوم الخميس لاستصحاب بقاء عدم الكرية ، ولا في يوم الجمعة (لأصالة بقاء نجاسته) أي : نجاسة ذلك الثوب (وعدم أصل حاكم عليه) لما عرفت : من ان أصالة عدم الكرية يوم الخميس لا تثبت الكرية يوم الجمعة ، فلعله صار يوم الخميس كرا ثم ارتفع يوم الجمعة.

(نعم ، لو وقع) ذلك الثوب النجس (فيه في كلّ من اليومين) : الخميس والجمعة (حكم بطهارته) لأنه ان كان كرا يوم الخميس فقد طهر الثوب في يوم الخميس ، وان كان كرا يوم الجمعة فقد طهر في يوم الجمعة ، فالثوب طاهر على أيّ حال ، لكن مع فرض ان ماء الحوض صار كرا يوم الجمعة باتصاله بكرّ ، أو مطر ، أو نحوهما ، حتى لا يستشكل : بانه إذا كان غير كر يوم الخميس وتنجس بملاقاة الثوب النجس بقي الماء نجسا ، فلم يكن الكر يوم الجمعة طاهرا ومطهّرا؟.

وكيف كان : فإذا غسل هذا الثوب في الحوض يوم الخميس مرة ، ويوم الجمعة اخرى ، فقد علمنا بطهارته ، وذلك (من باب انغسال الثوب بماءين مشتبهين) أي : الحكم بطهارته هنا من باب الحكم بطهارته فيما إذا كان هناك

١١٩

وقد يلاحظ تأخّر الحادث بالقياس إلى حادث آخر ، كما إذا علم بحدوث حادثين وشك في تقدّم أحدهما على الآخر فامّا أن يجهل تاريخهما

______________________________________________________

ماءان مشتبهان : أحدهما طاهر ، والآخر نجس ، فغسلنا الثوب النجس بصبّ كل منهما عليه فانه نعلم بطهارته ، لأنه امّا طهر بالماء الأوّل ، وامّا طهر بالماء الثاني.

لا يقال : ان كان الماء الثاني نجسا فقد تنجس الثوب.

لأنه يقال : علمنا طهارته بأحد الماءين ولم نعلم نجاسته بعد ذلك ، فنستصحب طهارته.

هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل ، وهو : بأن يلاحظ تأخر الحادث بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان ، ومثاله : ما إذا علم بوجود موت زيد في الجمعة وشك في وجود موته في الخميس على ما مرّ تفصيله.

وامّا الفرع الثاني : فقد أشار إليه بقوله : (وقد يلاحظ تأخّر الحادث بالقياس إلى حادث آخر) كأن يكون هناك حادثان لا نعلم هل هذا متأخّر عن ذاك ، أو ذاك متأخّر عن هذا؟ ولذلك قال : (كما إذا علم بحدوث حادثين وشك في تقدّم أحدهما على الآخر).

مثلا : إذا علمنا بأن هذا الماء غير الكر قد ورد عليه حادثان : الكرية والنجاسة ، ولكن لا نعلم هل ان الكرية واردة أولا حتى لا تؤثر النجاسة ، أو ان النجاسة واردة أولا حتى لا تؤثر الكرّية ويبقى الماء نجسا ، فان لهذا الفرع صورتين كالتالي :

الأوّل : (فامّا أن يجهل تاريخهما) بأن لم نعلم هل ان الكرية كانت يوم الخميس والنجاسة يوم الجمعة ، أو ان النجاسة كانت يوم الخميس والكرية يوم الجمعة؟.

١٢٠